أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (13)















المزيد.....

المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (13)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3896 - 2012 / 10 / 30 - 09:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


للمقارنات التاريخية إغراءها الخاص. لكنها تضع في نهاية المطاف العقل والذاكرة أمام حالة واحدة، ألا وهي تأمل الحاضر من اجل إدراك المستقبل. وليس مصادفة أن تقفز إلى الذاكرة الآن أحداث بداية القرن الماضي (العشرين) وظهور العالم العربي بأثر السيطرة الكولونيالية الأوربية وتقسميه إلى دول ودويلات أعاقت تكامله الذاتي بوصفه كلا واحدا. مع ما ترتب عليه من تلاشي الأمل القائم في مشروع الثورة العربية الكبرى رغم زعامتها التقليدية آنذاك.
إلا أن للتاريخ مكره وعقله. كلاهما من اصل وجذر واحد. كما أنهما كلاهما يؤديان إلى خاتمة واحدة، ألا وهي تصحيح مساره الذاتي حالما ينحرف عن مرجعياته الذاتية. ولعل أكثر هذه المرجعيات قوة في تصحيح المسار الضروري لتاريخ الأمم يقوم في أن المشاريع الأجنبية تبقى أجنبية، أي غريبة عن مجرى الروافد الطبيعية لحياة الأمم. مع ما يترتب عليه من اغتراب شامل من حيث البنية والتأسيس والغاية. الأمر الذي يجعل من الممكن القول، بان أوجه المقارنة بهذا الصدد تشير إلى انه لا شيء جديد أو تغير نوعي قد حدث في طبيعة المقدمات والغايات والوسائل في الغزو "الغربي" المميز للصعود الأوربي الكولونيالي في القرون الخالية والغزو الأمريكي وسياسته في القرن العشرين والحادي والعشرين. فجميعه محكوم بنزعة بدائية قديمة هي غريزة التحكم والسيطرة والهيمنة والاستيلاء والسرقة والاستحواذ على موارد الآخرين والبذخ على حسابهم!
من هنا "بؤس" الشعار الكولونيالي عن نشر المدنية و"دين المحبة" فيما مضى، وشعار الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية الآن. فكلاهما زيف وتزييف للوقائع والحقائق، يعكسان بدورهما خرافة "النزعة الإنسانية" وأيديولوجية التقدم والليبرالية والحقوق الدعائية. مع أن ذلك لا يقلل من طبيعة الطابع المتناقض لهذه الظاهرة التاريخية. لكنها تعكس من حيث الجوهر تهافت شعارات "الغرب" عن النزعة الإنسانية ومضمون الحرية والتقدم الإنساني تجاه الاغيار (الآخرين). والسبب هو أن هذه الشعارات كانت ولا تزال محكومة بنزعة عرقية عميقة ومتغلغلة في مسام الوعي "الغربي" (الاوروامريكي). إن حقيقتها تقوم في تغليف حالة "بطون لا تشبع" بأحدث الموديلات البراقة. وذلك لأنها لم تتحرر لحد الآن من نفسية الشراهة البهيمية والاستهلاك المجنون! وذلك لأنها جعلت وتجعل من ثقافة الاستهلاك غير المحدود(!) معيارا للتقدم والحرية والإنسانية! أي كل ما يتناقض مع فكرة الحدود والحكمة الروحية والأخلاقية وحقيقة النزعة الإنسانية في الموقف من النفس والآخرين، والمعلوم والمجهول، والماضي والمستقبل. من هنا الانهماك الفعال وغير العقلاني لجعل فكرة "القطب الواحد"، أي الهيمنة، النمط النهائي لانتهاء التاريخ وبدايته الحقيقية. بمعنى إحلال النفس، رغم تجاربها الضيقة والقصيرة التي لا تخلو من السخافة والهراء والتنميط والخروج على منطق الحق، محل "الله" ومختلف مشتقاته و"وسطائه"، باعتبارها تمثيلا وتمثلا "لديمقراطية" مثلى هي عين الوهم والخرافة. وغرابة الأمر تقوم في أنها تستعيد نمط الديمقراطية العبودية (اليونانية)، أي ديمقراطية "المركز" وعبودية الأطراف، او ديمقراطية الأحرار وعبودية البقية الباقية، او ديمقراطية وحقوق "المليار الذهبي" ومزبلة البقية الباقية للبشر! بينما هي في كلها وهم زائل، شأن كل ما كان قبلها. بمعنى أن مصيرها في أفضل الأحوال هو كمصير ديمقراطية اليونان القديمة، رغم كل الهالة المزيفة المحاطة بها في تأريخ الهيلينية التي ابتدعها ورفع من شأنها الوعي التاريخي والثقافي الأوربي المؤدلج في القرون الأخيرة!
وفيما يخص العالم العربي الحالي، فنه يقف أمام هذه الحالة بعد مائة سنة من فشل "الثورة العربية الكبرى" التي جرى بلورة شخصياتها ومشاريعها بوصفها أجزاء متكاملة فقط في الخطط الإستراتيجية للغزو الأوربي. الأمر الذي جعل من تاريخ العالم العربي على امتداد القرن العشرين جزء عرضيا وإضافيا للتاريخ الأوربي. أما الانتفاضات والتمرد والعصيان والثورات والانقلابات العسكرية فقد كانت بمجموعها ردة أفعال جزئية بسبب ضعف مكوناتها الاجتماعية وهيمنة النخب التقليدية واغترابها الروحي بسبب خوائها الفكري وتقليديتها الأيديولوجية. وينطبق هذا بقدر واحد على جميع الاتجاهات والأحزاب والتيارات. إلا أن كل ذلك كان بدوره جزء من مكر التاريخ الذي أغرى "الغرب" من جديد بتجديد "مهمته الحضارية" الجديدة لإرساء أسس "النظام الديمقراطي" كما جرى في الغزو الأمريكي للعراق.
غير أن لمكر التاريخ حدوده التي تضع الأمم أما أمام الرقص كالأغبياء والقرود (كما طالب القذافي وهو في قاع الحضيض، الشعب الليبي بالرقص والغناء!!) وأما أمام مهمة التعقل والتفكر بجدوى ومعنى وجودها، أي أمام مفترق الحياة أو الموت. وقد اختار العرب الثانية لا الأولى، أي أرادوا كسر الإرادة المكسورة وصهرها من جديد عبر توليف الروح القومي الحي وأمل المستقبل. وتجلى ذلك بوحدة الإرادة والهموم الكبرى الساعية لإنهاء زمن الهراء والخواء، والعيش بمعايير الحياة الحرة ومتطلبات الديناميكية الحية للوجود الإنساني المعاصر. وليست "موجة الثورات" الحالية سوى الموجة الأولية لإنهاء سريان الزمن الراديكالي والتقليدي وإحلال فكرة التاريخ الاجتماعي والقومي، كما هو جلي في الشعارات الكبرى الداعية لإسقاط الأنظمة السياسية الحالية وتناغم القوى الاجتماعية العربية في حلقات تونسية ومصرية وبحرينية ويمنية وليبية وأردنية ومغربية وعراقية وجزائرية وسورية (والحبل كما يقال على الجرار) لتشكل في كلّها سلسلة الكلّ العربي القومي الجديد.
بعبارة أخرى، أن ما يجري هو ترتيب وتوحيد الكلّ العربي على مستوى الهموم والمواقف والوسائل والغايات. وبالتالي ليست "موجة الثورات" سوى الوجه الظاهري لطبيعة التحول الهائل في بنية الوعي الذاتي الاجتماعي والسياسي والقومي. أنها موجة الحلقات التي تشير إلى إعادة لضم سلسلة الكينونة العربية وحقيقتها الجوهرية القائلة، بان العالم العربي كلّ واحد من حيث همومه الكبرى. ووجدت هذه الحقيقة تعبيرها الجلي والمتجانس في وحدة الأساليب والشعارات والمواقف والغايات. وليس هذا بدوره سوى العناصر المكونة لوحدة المستقبل. وفي هذا يكمن المضمون الحقيقي لهذه الثورة الكبرى وليس في مظاهرها الخارجية وأشكال جريانها. فهذه ليست إلا جداول وروافد البحر العربي. مما يعطي لها طابعا فريدا في التاريخ الحديث ألا وهو أنها تمثل نهاية عصر التمرد والعصيان والثورات العادية وبداية عصر الانقلاب التاريخي الفعلي.
إن حقيقة هذا الانقلاب التاريخي تقوم في كونه وحدة اجتماعية ووطنية وقومية محكومة بفكرة المستقبل. وليس المقصود بالمستقبل هنا الزمن القادم، بل نوعية وكيفية إرساء الأسس الذاتية للتاريخ الفعلي للفرد، والجماعة، والمجتمع، والقومية، والأمة، والنظام السياسي وتجاربه العقلانية المحتملة، والدولة الشرعية، والثقافة المبدعة.
إننا نقف أمام إبداع الخيال القومي الجديد. ففي المغرب نرى ملامحها التأسيسية الأولية الكبرى في تونس، واستكمالها البطولي في ليبيا، وتراكمها في الجزائر والمغرب وموريتانيا. وفي المشرق نرى ملامحها الهائجة في العراق والأردن وكمونها في سوريا ولبنان وفلسطين. وما بينهما تأطرت فكرة الثورة الكبرى في مصر. أما في الجزيرة العربية فإنها تتراكم من خلال إرجاعها إلى أصولها، أي تحريرها من سلطة العائلة وهيمنة القبيلة. بمعنى السير في خطى الثورة العربية الكبرى ولكن بدون شرفاء ونبلاء وارستقراطية قديمة وعتيقة ومحنطة بإرث تقليدي أجوف.
أما البقية الباقية من الأشكال والمستويات المحتملة لتوسيع مدى الثورة العربية الكبرى، فإنها جزء من ثورة المستقبل. ومن الممكن وضع ذلك بمختلف العبارات مثل الرد التاريخي أو الثأر التاريخي أو أيما عبارة أخرى مستعدة للتعبير عن طبيعة هذا الحدث. لكنها جميعا تشير بمستوى البيان والعقل والحدس إلى أن ما يجري هو رد قومي جديد بمعايير المعاصرة والمستقبل على واقع التجزئة والاحتراب الداخلي. ومن ثم إرساء أسس التكامل الذاتي على النطاق الوطني بوصفه طريق التكامل العربي. وفي هذا تكمن مصادر القوة الفعلية لصعود الكينونة العربية الجديدة. وفيه أيضا يتراكم الرد التاريخي على زمن سايكس بيكو، باعتباره زمن التجزئة والتحلل والهيمنة الأجنبية وضعف أو اضمحلال البدائل الذاتية.
كل ذلك يعطي لنا إمكانية القول، بان مجريات الحدث التاريخي الحالي في العالم العربي هو مؤشر على بلوغ الوعي الاجتماعي والسياسي فكرة البدائل الكبرى. وبما أن البدائل الكبرى هي قومية بالضرورة، من هنا احتوائها على مختلف أشكال ومظاهر الفكرة العامة، مع ما يترتب عليه بالضرورة من إدراج تأسيسي لها ضمن السياق التاريخي بوصفه مستقبلا. بمعنى ارتقاء مضمون الفكرة القومية إلى مصاف الفكرة الاجتماعية. ولعل الوصف الرمزي لها كما تجسد في مصر يقوم في أن الثورة الأخيرة هي أخيرة أيضا بمعايير البدائل. وذلك لأنها تؤسس للمسار التاريخي المستقبلي بوصفها احتمالا وحيد. وما وراءه يتوسع أفق الاحتمال بوصفه تجارب واقعية وعقلانية حتى في حال انحرافها الجزئي والنسبي والهمجي أحيانا. تماما كما أن المعنى الروحي في أهرامات مصر يكمن في كونها تمثل وتتمثل أهرام الإرادة والتحدي والصبر من اجل بلوغ المرام. وما عدا ذلك ليس إلا أهرام الجسد. وهذا عرضة للهرم. فالباقي هو أهرام الروح، أما أهرام الجسد فهو حجارة لا غير!
إن هذه الصيغة الرمزية تعيد وضع المعادلة الجوهرية للوجود الإنساني العربي، أي معادلة الزمن والتاريخ بوصفها إشكالية الحاضر والمستقبل. فعندما يسود زمن السلطة، فان الأهرامات تتحول إلى تجارة وسياحة عابرة، تماما كما يمكن أن تتحول مكة إلى قبلة الزيارة الفجة، أي بلا روح ولا إرادة ذات علاقة بحياة الأمم التي تقّبل حجارتها! وعندما يسود التاريخ عندها تتحول أهرامات مصر إلى كيان يتطابق مع الفكرة القائلة، بان من صنعها وحمل حجارتها على أكتافه قادر على نفض غبار الزمن وسلطته الهرمة، ومن جعل من "البيت الحرام" قبلة الروح فانه قادر على جعل السياحة إليها سياحة الروح والجسد. وفي كلتا الحالتين نقف أمام بقايا وآثار واحتمال "المعجزة" التاريخية بوصفها مشروعا مستقبليا!
غير أن عظمة الاحتمال تكمن أولا وقبل كل شيء في غلقه باب "إغلاق الاجتهاد". فالأخير هو التعبير عن نمط الذهنية المكتفية بلحمها ودمها وعظامها، كما لو أنها الثروة الوحيدة والقيمة الكبرى في الوجود، شأن بهائم البرية البهية! وهي بهية فعلا بمعايير ما فيها. بينما الأمر يختلف بالنسبة للبشرية التي لا يعني الوقوف عند حدود البهيمة سوى الانزلاق الدائم صوب الانحطاط، وتحوله إلى بوصلة الرؤية، مع ما يترتب عليه بالضرورة من تدمير للحرية وقيمتها العملية بوصفها مضمون الوجود الإنساني. وما يجري في العالم العربي، بأثر الثورة الأخيرة هو محاولة كسر بوصلة الانحطاط والخروج إلى محيط الوجود التاريخي بوصفه مغامرة الحرية الكبرى. من هنا كمية ونوعية الاحتراب والصراع والمواجهات والتحديات واختلاف الآراء والمواقف وتصادم مختلف القوى بما في ذلك أردأها وأكثرها عدوانية وغريزية وتخلفا ودموية. وعلى الرغم من مظاهر هذه الحالة المؤلمة والجارحة للضمير والعقل والتاريخ، إلا أنها تخدم في نهاية المطاف تراكم الرؤية العقلانية والنقدية تجاه النفس وتجاربها السياسية، ومن ثم تساهم في إرساء أسس الاحتمال بوصفه مرجعية نظرية وعملية. بمعنى الوصول إلى الحقيقة القائلة، بأن الاحتمال يبقى، رغم كل عراقيل الزمن المتنوعة، القوة الكامنة في التاريخ بوصفه تراكما للحكمة والفضيلة. لاسيما وانه يكمن حتى في أعمق أعماق الغريزة، ولكن بعد أن تستثير حفيظتها وتخرج إفراز المرارة الضرورية لتلطيف المزاج!
وحالما تصبح فكرة الاحتمال مرجعية نظرية وعملية حينذاك يمكننا الحديث عن إرساء أسس الحرية المنتظمة في الأقوال والأفعال والعقل والضمير الفردي والاجتماعي والقومي، بوصفه أسلوب الرقي الشامل. والأحداث الثورية العربية الأخيرة تعمل وتسير بهذا الاتجاه، رغم كل مظاهرها الخربة وصراعاتها الداخلية ودموية ولاعقلانية مجراها هنا وهناك. وبما أن الاحتمال هو الصيغة العقلانية لصنع التجانس الضروري في الواقع والرؤية والصراع، من هنا أيضا احتمال مروره بدهاليز مظلمة قبل الخروج إلى بهاء المستقبل. ولا يعني ذلك بالنسبة للعالم العربي سوى التمحور اللاحق صوب ذاته من اجل صنع مركزيته القومية والثقافية، وبالتالي احتلال مركزه في العالم، كما كان فيما مضى. لاسيما وان تاريخه العريق يحتوى من حيث مدة الزمن ومنظومة التاريخ الكمية الأكبر في تاريخ البشرية. وتكفي الإشارة هنا إلى آلاف السنين التأسيسية المتتالية في وادي الرادين (العراق والشام) ومصر القديمة (الفرعونية) والخلافة العربية في المشرق (بغداد ودمشق) والمغرب (الأندلس).
لكن احتلال موقع "مركز العالم" في العالم المعاصر يفترض تقديم تضحيات هائلة. وقد قدم العرب فيما مضى تضحيات مادية ومعنوية وبشرية هائلة من اجل احتلال موقع "مركز العالم"، كما هو جلي في إنتاجه عدد من المراكز الثقافية السياسية الكبرى، ومن ثم رفعه الحضارة العربية الإسلامية إلى مصاف المنظومة المتسامية. فقد احتلت الأمم التاريخية الثقافية الكبرى مثل الصينيون والهنود مراكزهم العالمية الخاصة، ولكن بوصفها مراكز مغلقة، أي "قومية – جغرافية" لها حدودها الذاتية المكتفية بذاتها. وقام اليونانيون والرومان بنفس المهمة العالمية الثقافية. واتبعهم الأتراك العثمانيون ولكن في مجال التوسع الجغرافي فقط. فأنهكوا جميعا قواهم واندثروا لكي يتركوا المجال او يفسحوا الطريق الأكثر تعبيدا لغيرهم. وإذا كانت الصين والهند قد بقيتا ضمن حدودهما التاريخية الجغرافية "القومية"، فان الأمر اختلف عند البقية الباقية. فقد تراجعت اليونان إلى قاعدتها الأولية وجزرها الصغيرة المتناثرة. والشيء نفسه يمكن قوله عن الرومان (الايطاليين). بينما احتفظ الأتراك بما استوطنوه خرج حدود أصولهم العرقية والتاريخية الأولى. بمعنى الإبقاء على ما يمكنه أن يكون دولة عصرية محدودة الإمكانية، والتفريط بكل ما جرى الاستيلاء عليه. بعبارة أخرى، لقد بقت الصين ضمن حدودها. من هنا قدرتها على النهوض والتطور، دون أن يلازم ذلك إمكانية عولمتها الحديثة. لاسيما وأن هذه "العالمية" لم تكن عندها في يوم ما من الأيام باعثا وهاجسا فكريا ولا روحيا ولا سياسيا. بل الأمر على العكس تماما. والشيء نفسه ينطبق على الهند. بينما فقدت اليونان طاقتها القومية والروحية للقيام بشيء ما يشبه ولو عن بعد ما قام به الكسندر المقدوني ومراكزها الثقافية، والشيء نفسه يمكن قوله عن ايطاليا. أنها ليست قادرة على صنع روما عالمية جديدة. بينا انحصر الأتراك ضمن أناضول ليسوا قادرين حتى على الاحتفاظ به كما هو.
أما العرب، فأنهم احتفظوا، رغم التجزئة، بكامل مركزية الجغرافيا السياسية للخلافة العربية الإسلامية. وهي علامة مادية وظاهرية على بقاء الروح الباطنية للمركزية الثقافية الكبرى التي جرى إنتاجها فيما مضى، والتي ما زالت قابلة من حيث شروطها الذاتية للتنشيط والفعل، أي إنهاضها الذاتي بوصفها عملية تلقائية قومية من طراز جديد. وبالتالي يمكن النظر إلى ما يجري الآن في العالم العربي على انه جهاد ذاتي من اجل استعادة الهوية القومية، لكنه لم يرتق بعد إلى مصاف الاجتهاد من اجل تنشيطها بمعايير ما ادعوه بالمركزية الثقافية الكونية بوصفها جوهر صيرورته التاريخية وكينونته الثقافية. غير أن جهاده هذا هو اجتهاد مستقبلي. وبالتالي، فانه الوحيد الذي يمتلك، من بين هذه المقارنات، على إمكانية وفكرة المركزية الثقافية الكونية. ولعل الشرط الجوهري لبلوغها وتحقيقها مرتبط بتوحيده الذاتي، أي وحدته القومية السياسية وتنشيط مكوناتها على أسس حديثة. وهي العبرة التي لم تتحول بعد إلى مرجعية نظرية وعملية كبرى في الوعي السياسي العربي. لكنها تبقى في نهاية المطاف الاحتمال الأقوى الذي يتطابق مع فكرة القدر المحتوم! (يتبع...)
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (12)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (11)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (10)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (9)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي(8)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (7)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (6)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (5)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (4)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (3)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (2)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (1)
- أعلام المسلمين في روسيا (3)
- أعلام المسلمين في روسيا (2)
- أعلام المسلمين في روسيا
- الاستشراق والاستعراب الروسي (6-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (5- 6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (4-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (3-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (2- 6)


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (13)