أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - كامل السعدون - الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية















المزيد.....


الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 1156 - 2005 / 4 / 3 - 11:21
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


يشير تقرير منظمة الشفافية العالمية إلى أن العراق يعد في أسفل سلم النزاهة ، ومن اوائل دول العالم في حجم الفساد المالي والإداري ، وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها فما السبب وما هو الجذر لتلك الطامة الرهيبة ؟
في قناعتي المتواضعة أن هناك أكثر من سبب وراء ذلك أوجزها في الآتي :

1- طائفية الدولة العراقية منذ تأسيسها في العشرينات :
___________________________________

لو قرأنا خارطة الحياة السياسية والإقتصادية في العراق الحالي لوجدناها إنعكاسا جليا لحجم الخلل الإداري والفساد الإقتصادي الذي أستشرى ليس في حقبة الفاشست البعثيون حسب ، بل هو في واقع الحال موروث تاريخي يمتد إلى سنوات تأسيس الدولة العراقية والتي قامت على أسس طائفية وعروبية مما أدى إلى غياب العدل والإنصاف في التعامل وتوزيع الثروة على الإثنيات العراقية الأخرى من تلك التي هي خارج إطار الوسط العروبي والطائفي السني ، منذ تلك السنين حصل تركيز للثروة والسلطة بيد الأقلية ، وبالتالي فلكي تحافظ تلك الأقلية على الثروة والسلطة بين يديها ، كان لا بد لها أن تتوحد وتتقاسم الحصة الأكبر من الكعكة بينها ، ومنذ ذلك الحين تم تهميش فئات عراقية كبيرة من الكرد والشيعة وغيرهم ، وهنا نشأت بذرة الفساد ، فالحاجة لملأ الفراغات القيادية في هرم السلطة من قبل الأهل وأبناء حلف العشائر السنية ، توجب أن يتسلم السلطة القريب وإبن العم دون إظهار كفاءات حقيقية تناسب المركز ، وكما نعلم فالرشوة والمحسوبية والغش والسرقة هي نتائج طبيعية للحالة غير الطبيعية التي هي التوزيع غير العادل للثروة والسلطة بين الأقارب والأهل وعلى أساس شريعة القبيلة لا الحكم المدني والقانون المدني .
مضافا لهذا فإن غياب الديموقراطية والحياة الدستورية التي تكفل المساواة لكل الناس ، أدى إلى غياب المنافس والشريك والرقيب من الأطراف الأخرى .
المنافسة السياسية العادلة يمكن أن تفضح اللصوصية والفساد والرشوة ، فإن قمعت أو غُيبت فمن أين للبلد أن يؤسس لحياة إقتصادية وسياسية وأخلاقية تقوم على النزاهة والأمانة .
حسنا ...ورث صدام حسين هذه المنظومة اللأخلاقية في إدارة الدولة والثروة ، فقام بتعزيزها وأبدع فيها جوانب إفساد جديدة إذ أدخل العروبة والعربان ممن ليسوا بعراقيين في مغارة الكنوز العراقية المسروقة من قبله وقبل طائفته ، وهنا توسع الخرق وأنعكس بشكل أكبر على بقية العراقيين ، وبقدر ما أفسد صدام وأثرى بقدر ما شجع العراقيين على الفساد ، فمن جهة يرون هم بأعينهم أن ثروة بلادهم تسرق من قبل الرئيس وحاشيته وأنصاره العروبيون في الخارج ، ومن جهة ثانية هو يمد لهم حبل الغش ويشجعه إذ يشترى ولاءات الناس بالرشوة لينفذوا الأجندات المرادة منهم للحزب والرئيس .
إذن فأساس بناء الدولة العراقية على أساس طائفي قومي ظالم غيب الأغلبية الساحقة من العراقيين ، كان هو البذرة للفساد الإقتصادي والإداري .

2- ضعف الوعي السياسي والثقافي الوطني للشعب العراقي :
______________________________________

لأن الدولة الوطنية العراقية نشأت على أساس طائفي عروبي ، فإنها لم تجهد لتأسيس هوية وطنية عراقية واضحة المعالم ، رغم إن عواطف العراقيين كانت مشدودة لبعضها إلى حد كبير ، ولكن الفقر وسوء توزيع الثروة وغياب حياة دستورية مستقرة وآمنة ودائمة ، والإنفصال بين المركز والأقاليم أو الألوية (المحافظات ) المختلفة وغياب الحاكم أو النخبة الحاكمة عن الشارع ، أدى إلى تعزيز الضعف في الولاء الوطني وتقوية الولاء القومي والعشائري والطائفي على حساب الوطني .
لقد تقوقعت السلطة على نفسها وفشلت في تطوير ذاتها والأحتكاك بالناس ، ولم تمتلك أجندة وطنية للأرتقاء بالحياة السياسية وتقوية الممجتمع المدني عبر تعزيز التعليم والقضاء المستقل ودفع عجلة التنمية الإقتصادية بشكل متواز مع تنمية ثقافية وعمرانية .
جميع هذا أدى بالأغلبية الشعبية إلى الإنفصال عن الهم الوطني والتمترس خلف القيادات الدينية والقبلية وظل الوطن شبحا لا يرى إلا حين تحتاج السلطة للمواطن في حروبها الداخلية والخارجية .
وبنتيجة هذا لم ينشأ وعي للحرص على الوطن والثروة الوطنية وأستمر الفساد والرشوة والمحسوبيةوهدر المال العام .

3- طبيعة حراك الشارع السياسي :
_____________________

لا ينكر للحكومات المتعاقبة إبان الحكم الملكي أنها منحت هامشا من الديموقراطية الشكلية ، ولكن هذه الحكومات لم تستطع أن تمتلك مشروعها الوطني العام للتنمية والأرتقاء بالمواطن العراقي كما أسلفنا ، وبالتالي فإن برجوازية وطنية قوية لم تنشأ في البلد ، وتأسيسا على ذلك لم تنشأ أحزاب برجوازية ليبرالية ديموقراطية قوية يمكن أن تتصدى لمهمات الأصلاح السياسي والأقتصادي مستغلة حجم الحرية السياسية الموجودة ، بينما ظهر حزب يساري تملك زمام الشارع السياسي وترجم هموم الفقراء بشكل أمين وتلك ظاهرة طيبة بحد ذاتها ، إنما غياب المنافس الطبقي أو مجموعة المنافسين الطبقيين لهذا التيار ( نتيجة غياب التنمية الأقتصادية الواسعة التي تنتج بدورها ثقافتها وحراكا ثقافيا واسعافي الشارع ) ، أدى لاحقا ولأسباب عديدة بينها الجذور الطائفية والقبلية والقومية المتباينة لشعوب العراق المختلفة ، أدى لظهور أحزاب لا تترجم الهم الإقتصادي والإجتماعي العراقي الحقيقي ، بقدر ما تسعى لما هو خارج العراق الواقعي الجغرافي التاريخي القائم ، من قبيل حزب البعث والناصريون وغيرهم ، يقابلهم من الجانب الآخر أحزاب القوميات والطوائف الأخرى ( ولبعضها أجندات خارجية أيضا ) .
فأما القوميون فقد نجحوا في فرض وجودهم في بعض المناطق العروبية ذات الطابع القبلي العروبي المتدين ، كالوسط وبغداد ثم تمددوا لاحقا إلى بقية المناطق في الجنوب ، بحكم أمتلاكهم للسلطة والثروة الوطنية العامة .
وأما الآخرون فعملوا سرا أو حملوا السلاح ( كأخوتنا الكرد مثلا ) ، وهذا شيء طبيعي ومتوقع .
عملية ترحيل الهم الوطني ووضعه في أسفل الأجندة لصالح الهم القومي العروبي زائدا غياب الديموقراطية والفهم العريض العادل لمكونات الشعب العراقي ، أدى إلى تفكك البنية الوطنية أكثر فأكثر وأفضى لاحقا إلى المزيد من الفساد في الذمم ، إذ دخلت الحكومة ذاتها في عملية شراء الذمم من أجل تنفيذ الأجندة القومية الخارجية كما حصل في عهد العارفين والبعثيين لاحقا .
ونأتي لمرحلة السبعينات من القرن السالف والتي أرتفعت فيها أسعار البترول بشكل رهيب .
كان هذا الإرتفاع في أسعار البترول وتدفق ثروات هائلة على البلد اوائل السبعينات ، موءشرا طيبا لأمكانية إصلاح سياسي وأقتصادي في البلد ، وكان لأنفتاح الدولة المحدود على بعض القوى السياسية الاخرى وعلى العالم الخارجي ، دورا في وضع خطط طموحه للأرتقاء بمستوى التعليم ونجحت الدولة في تهميش القبائل والمنظومات القبلية والدينية ، والتي هي المشجع والمحفز على الفرقة الإجتماعية والأثنية والفساد الإقتصادي ، لأن الدين كما القبيلة لا يؤمنان بالدولة إن لم تكن الدولة قوية متماسكة وقادرة على ان تتصالح مع قياداتهم أو تنتزع الدور القيادي منهم بقوة السوط وسيف القانون .
وهذا ما فعله البعثيون في اوائل السبعينات ونجحوا فيه بجدارة إستنادا على قسط من الشرعية الوطنية أضفتها عليهم بعض قوى الشارع السياسي التاريخية كالكرد والشيوعيين ، مضافا للشرعية الدولية .
قلنا قامت الدولة بتهميش منافسيها ، وكان يمكن أن يفضي ذلك لتكوين مجتمع مدني حقيقي متماسك وعادل ومنفتح على بعضه وعلى السلطة بحيث يمكن أن يراقب إداءها ويحمي ثرواتها ، ولكن الدولة لم تستطع أن تستمر بسياسة الإصلاح ، لأنها في الأصل دولة إقيمت على أساس قومي طائفي عروبي وكل من أستلم السلطة فيها منذ عشرينيات القرن الفائت وصولا لصدام حسين هم عروبيون تتقدم الأجندة الخارجية عندهم على الأجندة الوطنية .
ولم يتمخض عن هذا الفائض من الثروة تكوين فرز طبقي ولم تنتعش الطبقة العاملة والبرجوازية الوطنية ، بل إنتعشت طبقة طفيلية عريضية من البعثيين والعسكر من خلال سياسة العسكرة والإستعداد الدائم للمعارك القومية الداخلية والخارجية ، وسياسة ( تبعيث ) المجتمع عنوة بما فيه من هم ليسوا بعرب أصلا .
وحل محل غزاة القبائل وأهل الفرهود ، مفسدون جدد بزي زيتوني إلا وهم موظفو الدولة البعثيون الذين أشترى منهم صدام حسين الولاء مقابل ما أغرقهم به من أمكانيات مفتوحة للسرقة والفساد .
طبعا لا نتوقع لمثل هذا النشاط الحكومي الحزبي العريض لتشويه ذمم الناس وضمائرهم وربطهم عنوة بناعور القومية التي لا يرونها ولا يؤمنون بها ولا يستطيعون أن يقولون لا لأجندتها ودعاتها ، لأنهم مجبرون على الركوع الإلزامي القهري لقوانينها ، أن يفضي لوعي وطني عراقي ، بل العكس تعزز الوعي الطائفي والقومي لأعراق العراق المختلفة ، كمقابل لطائفية وشوفينية وقومية السلطة ومعسكرها المناطقي الضيق .
أساليب السلطة العنفية الإرهابية الإنعزالية وتقوقعها على طائفة واحدة وبقعة مناطقية واحدة ، وتعاملها مع الناس بسياسة الترغيب والترهيب دون إقناع أو حوار ، أدى إلى تعزز الفساد الروحي وبالنتيجة السلوكي ، لدى الفئتين أنصار السلطة وعبيدها من جهة ، وأعداء السلطة الذين إن وقع بين أيديهم مال عام ، أخذوه بلا رحمة وإن كلفوا بعمل أفسدوا فيه ولم يوءدوه بأمانة ، وإن فعلوا فلا بد أن يكون وراء الأمانة رشوة من الحاكم ، فكيف والحاكم لم يكن يهمه أن تكون موظفا أمينا بقدر ما يهمه أن تكون مواليا له .
ومع تعاقب سنين البعث وتعمق الشرخ بينه وبين الناس وتعمق أزمته الخارجية وبالذات في الأعوام العشر الأخيرة من حكمه ، تعزز الفساد في الدولة العراقية إلى أقصى درجاته .
فالحصار الإقتصادي وحاجة النظام إلى الموارد الموارد الكبيرة لدفع الرشاوى للأنصار العروبيون والإسلاميون في الخارج ولقياداته السياسية والعسكرية التي يعول عليها في أستمرار نظامه ، وتفكك وضعف قبضته الأمنية في الداخل وعجزه عن دفع رشاوى الداخل التي أعتاد على دفعها لملايين الأنصار الهامشيين من صغار المراتب في الجيش والحزب ، جعله يرخي القبضة عن الناس ويغضي النظر عن سرقة مال الدولة ومؤسساتها ، مؤملا كسب الوقت وتخفيف الأحتقانات التي قد يستغلها أعداؤه القوميون والطائفيون ( قيادات الكرد والشيعة في المقام الأول ) .
وهكذا اتسع نطاق سرقة المال العام أكثر فأكثر ، من قبيل سرقة البترول وتصديره بشكل فردي ، وسرقة المتاحف ( حتى قبل الغزو ) ، وسرقة المواشي وتهريبها إلى الخارج ، وإنتشار الحشيش وبيع الأعضاء البشرية وتجارة الرقيق الأبيض .

3- البداوة وعقلية الغزو :
________________

إن جذور المجتمع العراقي ، هي جذور قبلية بدوية تؤمن بالغزو وأخذ المغانم وتسليب الثروات التي لا تجد لها من يردعها عن سلبها .
هذه حقيقة لا نستطيع أن نتنكر لها ، والحكومات التي تعاقبت على العراق ، تعاملت هي ذاتها من مسلمة أن العراقيون يؤمنون بالفرهود ويجب تشجيعهم عليه عندما تكون هناك حاجة لدى الدولة ذاتها لتفريغ أحتقانات سياسية أو لتنفيذ أجندات ردع معينة ، كما حصل مع ثروات اليهود في الأربعينات والخمسينات أو مع ثروات الشيعة الفيليين أو الذين هم من أصول إيرانية ( رغم عراقيتهم في الجنسية ) ، او حتى مع الهاربين من الخدمة العسكرية أو التجار الذين يختلفون مع النظام أو السياسييون الذين فروا إلى المنفى .
كما وأعتمدت الحكومة هذا النهج مع ثروات الناس إذ كان اقطاب النظام ( يفرهدون ) ثروات من هم على خلاف معه أو من يملك ما لا يملكون ( مالكي الأراضي الخصبة في بغداد وديالى وغيرها ) .
ثم إن غياب الأغلبية سياسيا وثقافيا وحرمانها من كل حقوقها حتى في التملك والسكن والتنقل بحرية ، أدى بتلك الأغلبية إلى أن تتصرف بمنطق القبيلة والغابة لجهة إجازة سرقة المال العام ( بل والخاص ) ، للتعويض عن بعض الغبن التاريخي الذي أصابها بسبب الحكومات المتعاقبة الظالمة وآخرها حكومة الفاشست البعثيون ، وقد رأينا هذا جليا إبان أنتفاضة آذار المجيدة و في تحرير بغداد في نيسان الخالد .


________________________________________________________________

وسقط النظام الفاسد المفسد ، وجاء المحرر الأمريكي ، وعصفت الفوضى بالعراق ، الشعب الجائع المحبط المعزول عن العالم منذ عشرات السنين ، الفقير بثقافته ووعيه وحسه الوطني ، المتعلق بأهداب القبيلة والدين المراوغ الذي كان يجيز السرقة من مال الظالم ، هذا الشعب أو الأغلبية منه ، هبت إلى البنوك والمتاحف والمؤسسات التي تركها الأمريكان بلا حماية ، لأنها لم تكن من صلب أولوياتهم .
وحيث أن كل شيء قد ضاع ، توجب أن تبدأ الدولة العراقية من جديد ، لكن من أين للدولة أن تبدأ من جديد وهي لا تملك إرثا إداريا وتقنيا أمينا يمكن أن يرفع أركان البيت الذي تلف بالكامل .
هنا أضطرت الحكومات المؤقتة التي توالت على الحكم خلال هذين العامين ، أضطرت للأستنجاد بالبعثيين من كبار موظفي الدولة الفاسدة السابقة .
لم يكن أمامهم من خيار لأن لا بديل عن هؤلاء وأمام الدولة سنوات عديدة حتى تربي كادرا إداريا وتنفيذيا يمكن أن يحل محل هؤلاء .
وحيث أن هؤلاء لم يكونوا أولا مطمئنين إلى النظام الجديد وغير واثقين من أنه سيكون حريصا عليهم بشكل دائم ، ويما أنهم في الأصل مفسدون ومعتادون على تقاليد الفساد التي زرعها النظام السابق ، فليس أمامهم إلى أن يكرروا ذات الذي أعتادوا عليه ، خصوصا وإن الحكومة لم تكن مستقرة ولا تملك جهاز مراقبة ولا قدرات أمنية وإستخبارية يمكن أن تكشف المفسد من غيره .
دولة جديدة تقوم على أنقاض أخرى ، تخيل كم من السنين تحتاج حتى تستقر ويصلب عودها وتنجح في ان تمتلك زمام أمر الرقابة والمتابعة ؟
من الجانب الآخر فإن ضعف الأمن في البلد وإنتشار الإرهاب وخراب المؤسسات وإزدواجية السلطة بين الأمريكان والعراقيين ، ثم غياب القاعدة الجماهيرية التقنية والأدارية لأحزاب الحكم البديل الذين جاءوا من الخارج ، وحتى من جاء معهم من كوادرهم لا يملك المعرفة بكيفية الإدارة والسيطرة في بلد مثل العراق ، فما تعلمه في أكاديميات الخارج لا يتناسب مع تقاليد العمل التي ورثها موظفو وعمال صدام حسين ، كذلك فإن عدم قدرة الدولة على تسريع بناء المؤسسات الدستورية والأمنية والرقابية ، بسبب غياب الكادر الأمين أصلا وضعف الأمكانات المادية أو وقوعها بيد الأمريكان ( وللأمريكان أجندتهم ونظام عملهم المغاير لما أعتاده العراقيون ) ، جميع هذا أدى إلى أستفحال الفساد وإنتشاره أكثر مما كان عليه أيام صدام حسين .
من العوامل الأخرى المهمة أيضا ، غياب الشعور بالأمان للمستقبل من قبل الكثير من رجالات الدولة الجدد ، فالإرهاب تصاعد أكثر فأكثر والنظام السياسي غير مستقر والوزارات تتغير ، وكل وزير يتوقع أن لا يعود إلى الوزارة بعد شهر او أثنين وبالتالي فربما لن يجد حتى حماية تحميه إذا ما خرج من الوزارة فإذن ليس له إلا أن يسرق ما يستطيع سرقته ليؤمن على مستقبله السياسي في الخارج إذا ما خرج من الوزارة .
إذن فما يقال عن الفساد المالي والإداري في العراق في هذه المرحلة له جذور تاريخية وقبلية ودينية ووراءه تاريخ من الغبن الطائفي وغياب العدل والمساواة وشيوع روح القبلية والولاء للقبيلة وعدم تشكل دولة مؤسسات ، طوال الثمانون عاما التي مضت من حياة العراق ، وقد ورث صدام كل هذا وعززه بقوة من أجل تمرير أجندة هيمنته الشخصية على العراق والثروة العراقية .

_______________________________________________________________

كيف لنا بمعالجة هذا الفساد :

____________________

طبعا لا نتوقع أن ينتهي طوفان الفساد في عام أو إثنين أو ثلاثة ، ولكنه سيخف تدريجيا حتى يصل إلى الحد الأدنى المسموح به والموجود في أغلب الدول الديموقراطية ، وطبعا الوصول إلى هذا المستوى سيستغرق ربما عشرات السنين ، وإلا أنظر الى تركيا التي هي ديموقراطية منذ أكثر من ثمانون عاما ومع ذلك لا زالت تعاني من فساد كبير جدا .
إنما لكي نوقف عنفوان الفساد ، نحتاج في قناعتي إلى :

1- إنهاء الإرهاب في البلد والذي يعطل عجلة الأقتصاد ويؤدي إلى العجز عن توظيف العاطلين وبالتالي يدفع الناس إلى سلوك دروب الرشوة والمحسوبية والسرقة والنهب لكي يعيشوا أو يمنحوا الآخرين فرص التوظيف ومن ثم العيش ( يقوم الكثيرون بأستغلال مناصبهم لتوظيف الناس مقابل رشاوى معينة ) .

2- إنتخاب حكومة شرعية يمكن أن تستقر لعدة سنوات مما يعطي الناس الطمأنينة إلى وظائفهم أو الخوف على هذه الوظائف فيما لو أفسدوا وأفتضح فسادهم .

3- تشكيل برلمان وطني منتخب يقوم بسن القوانين الجديدة وتعديل القديمة ووضع الظوابط لعمل الدولة ومؤسساتها بما يكفل الحد الأدنى من النظام والمتابعة من خلال وجود البرلمان والدستور والهيئات المختصة بالنزاهة ومراقبة الأداء الوظيفي وحركة أموال الدولة ، وسن قوانين رادعة وقوية للتعامل مع المرتشين ولصوص المال العام والمفسدين والمتلكئين في الإنتاج والعمل ، وحبذا لو وجدت مؤسسات رقابية سرية تعنى بالجانب المهني حسب ولا شأن لها بالجوانب الأخرى التي تدخل ضمن الحريات الشخصية التي يكفلها الدستور الديموقراطي ، ومثل هذا المؤسسات الرقابية يجب ان يتم تدريبها بعناية على الإلتزام بالنهج الديموقراطي وحقوق الإنسان .

4- حل مشكلة البطالة وإعادة تشغيل معامل الدولة ووضع قوانين ضمان إجتماعي للعاطلين عن العمل والطلبة والأيتام والأرامل والمرضى ، بما يكفل التخفيف عن الأسر التي لديها بعض أفرادها من تلك الفئات ، وبالتالي سيجد المواطن أن لديه رزقا حلالا يأتيه في نهاية الشهر ـ فيرتدع عن سلوك مسالك الشر والفساد ، بذات الأن فإن التوظيف وبرواتب مجزية مع وجود الرقابة ، سيردع الموظفين عن السرقة وأخذ الرشوة وهدر المال العام .

5- فتح معاهد عديدة للتأهيل الإداري وأستقدام الأساتذة والمتخصصين من الخارج بالإستعانة بالأمم المتحدة والدول الصديقة ، وكذلك إرسال الطلبة إلى الخارج بأعداد كبيرة لتأهيلهم لأدارة الدولة وبالتالي ان يكونوا الأحتياطي الذي يعوض الكادر القديم المفسد ، فيذهب هؤلاء ( أو الذين يستمرون على الفساد منهم ) إلى بيوتهم لينعموا بتقاعد معقول يحمي شيخوختهم القادمة ويحفظ لهم كرامتهم وإنسانيتهم .

6- الفصل بين العمل السياسي والعمل التقني ، لكي لا نكرر ذات الخطأ الصدامي بتوظيف المفسدين من البعثيين أو من أقارب رأس النظام في المراكز الوظيفية العليا وبالتالي إغراق البلد بموظفين فاسدين .
يجب تحرير الوظيفة من سلطة الحزب ، فالحزب أو تحالف الأحزاب لهم السلطة السياسية العليا ، وليست التنفيذية أو الإدارية ( إلا لمن جمع بين السياسة والمهنة ) .
يجب أن تمنح الإدارة للأداري الكفوء ، لا عضو الحزب الخامل ، ولا القريب أو النسيب لرئيس الحزب .
كما ويجب أن توضع ضوابط صارمة و قوانين ملزمة محكمة من قبيل وجود لجنة فنية مع ممثل نقابي وعضو في الادارة ، إثناء مقابلة المتقدمين لإشغال الوظائف الشاغرة ، ويجب أن تكون هناك مراقبة من الاعلى لعمليات التوظيف ويكون البرلمان والصحافة والنقابات الحرة ، على إطلاع تام على حركة التعيينات .


6- التعجيل بخصحصة الأقتصاد العراقي وتشجيع الإستثمارات الأجنبية وتنشيط السياحة والصناعة والزراعة وعدم الإعتماد على البترول وحده ، مع وجود الضمانات الإحتماعية المجزية لكل المواطنين من غير القادرين على العمل أو ممن لا يملكون عملا بعد ، جميع هذا سيخفف من حجم الفساد وهدر أموال الدولة وضعف الإنتاجية والتسيب .

7- من أبرز مهمات الدولة في المرحلة القادمة ، إجراء أحصاء سكاني ورسم سياسات الدولة الإقتصادية للأعوام الخمس القادمة على أساس هذا الأحصاء الذي يجب أن يكون موسعا وشاملا ولا يكتفي بجرد عدد الناس حسب ، بل تقرير المستوى الثقافي والعلمي والوضع الصحي وعدد الابناء ونوع المسكن والأحتياجات الملحة التي يرى المواطن أو رب الأسرة ذاته انه بحاجة لها .

8- يجب أن يعوض كل ضحايا النظام السابق من أسر ضحايا الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية ، فبمثل هذا التعويض العاجل ، يمكن أن ينتعش السوق وتتحسن القدرة الشرائية للناس وتقل الجريمة والفساد الإداري والهدر للمال العام .

9- على ضوء الأحصاء الذي أقترحناه يتم دراسة الوضع السكني والغذائي والصحي والإجتماعي ، وعلى ضوء هذا يعاد تخطيط عملية توطين الناس وإسكانهم ، وهنا يجب على الدولة مبدئيا أن تعيد برمجة عمران المدن وتقوم ببناء المساكن المحترمة للناس وإسكانهم مقابل إجور تتناسب مع الدخل السنوي ، وبمثل هذا يمكن أن يخف الضغط على الموظف العراقي فيغدو بالتالي أمينا أكثر على مال بلده ، لأنه يرى أن هذا المال يعود بالنتيجة له ولأهله وأقاربه وجيرانه .

10- يجب تحديث هياكل الدولة العراقية ومؤسساتها المختلفة وإعتماد التكنولوجيا الحديثة وتقنبة المعلومات في ضبط كل تفاصيل العمل والرقابة والإنتاج والعلاقات بين الناس بما يخفف من حالات الغش والفساد والإهمال والتسيب والفساد .

________________________________________________________________

تلك في قناعتي بعض ما يمكن عمله للقضاء على الفساد وضعف النزاهة في مؤسسات وإدارات ووزارات الدولة العراقية ، إنما نكرر لا ينبغي أن نتوقع أن نتخلص من الفساد الذي عمره يفوق الثمانون عاما ، في بحر عامين أو ثلاثة .
علينا أن نصبر ونتحمل قليلا ونعمل كثيرا من اجل إعادة بناء دولة المؤسسات التي لم ينجح الأسلاف في بناءها .



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوا الرجل ( علاوي ) يكمل المشوار ...أليسَ هذا أفضل ..؟
- إلتفتوا إلى الأحواز أيها الأمريكان
- خذوا البترول وأتركوا لنا الخمر والقمر
- لقد بالغت قيادات الأخوة الكرد في لي الذراع ، حتى أوشك أن ينك ...
- بؤس الخطاب السوري المدعوم بهستيريا حزب الله اللبناني الإيران ...
- إرهابيات - الجزء الثاني -السادس عشر من آذار من عام الجراد- ق ...
- أرحمونا وأرحموا العربية يا بعض كتاب الحوار المتمدن
- إرهابيات - ثلاث قصص قصيرة
- تأثير التصورات الذهنية في إنتاج السلوكيات المختلفة - مقال سي ...
- عن الثامن من آذار والحوار ونسرين إذ تزهو عند عتبة الدار
- تعرف على ذاتك - الجزء الثاني
- عراكََََََية وسلوته الدمعة - شعر شعبي عراقي
- المهمة العاجلة لقوى التحرر والتقدم - الوقوف مع البرنامج الشر ...
- أسطورة - قوى - اليسار والديموقراطية في عراق ما بعد الفاشية
- ضعف النضج العاطفي لدى الإنسان الشرقي - مقال سيكولوجي
- عيناها ...غابتا نخيلي - شعر
- احمد الجلبي - الإختراق الجميل والمرشح الأفضل لرئاسة الوزارة ...
- لن يتغيير الشرق ويتحضرمع بقاء النظامين السوري والإيراني
- أظن أن الدائرة بدأت من هنا - إضاءة على مقال السيدة وجيهة الح ...
- مهمة عاجلة أمام شعبنا في الداخل والخارج - تشكيل منظمة مدنية ...


المزيد.....




- السعودية: وزير الخارجية السويسري يحضر الاجتماع الخاصّ للمنتد ...
- الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية
- النفط يتراجع على وقع المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية وإسرا ...
- الخصاونة: الهجوم على رفح سيكون كارثيا والأردن تأثر اقتصاديا ...
- كيف جعلت أزمة تكلفة المعيشة بريطانيا دولة أكثر فقرًا وقلقًا؟ ...
- مدير فاو الإقليمي للجزيرة نت: السودان سلة غذاء العالم على شف ...
- المنتدى الاقتصادي بالرياض.. شهباز شريف وبيل جيتس يبحثان القض ...
- فيتنام تسجل نموا قياسيا بصادرات البن لتصبح ثاني أكبر مصدّر ل ...
- ارتفاع الين الياباني بعد أدنى مستوى له منذ 34 عاما
- فرنسا تخفض لأدنى حد صادرات أسلحتها لكيان الاحتلال


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - كامل السعدون - الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية