كامل السعدون
الحوار المتمدن-العدد: 1115 - 2005 / 2 / 20 - 11:06
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الحقيقة ، لا يستطيع أي عراقي منصف إلا أن يعتز بالدور الرائد للسيد الجلبي في تحريك عجلة التحرير الأمريكية الجبارة التي أطاحت بإشرس نظام طائفي شوفيني قبلي قومي دموي في العالم ، إلا وهو نظام المقبور صدام حسين ، ( ولا زال أملنا كبيرا في تلك الآلة المباركة في أن تكمل مشروعها الحضاري الإستراتيجي ، في إزاحة بقية الأنظمة الظلامية والقومجية في المنطقة ، كإيران وسوريا ، تمهيدا لحصول التغيير سلميا في بقية أجزاء الشرق العربي المتخلف ) .
ورغم إستغرابي الشديد للتحول الغريب الذي حصل لدى السيد الدكتور الجلبي عقب بضع أشهر من التحرير ، حين بدأ بالتوجه صوب إيران ، ثم توالت ردود الأفعال الأمريكية والعراقية الرسمية السلبية عليه بشكل متواتر متسارع ، أقول رغم هذا بل ورغم دعوته لفيدرالية الجنوب الشيعية ، فإني لم أستطع أن أستوعب مسألة أن ينقلب وهو العلماني الذي عاش في الغرب ما يفوق النصف قرن ، وتثقف وتعلم في أرقى جامعاته ، وحقق النجاحات الأقتصادية الكبيرة ، وأقترب من مراكز صنع القرار السياسي والأستخباراتي الأمريكي ، وأمكن له أن يقنع البنتاغون والكونغرس في اصدار قانون تحرير العراق ثم تنفيذه لاحقا ، لا يمكن أن ينقلب و يقفز وهو الذكي في السياسة كما الأقتصاد من بارجة الأمريكان النووية الآمنة إلى الزورق البدائي الإيراني المهلهل المتعب الذي وقوده الدعوات والأبتهالات ، والمشكوك في بقائة بضعة أعوام أخرى .
مستحيل ، ليس الجلبي من يفعل هذا ، ولو كان هناك شيعيا علمانيا يمكن أن يفعلها لكان السيد علاوي أو الشعلان أو حتى المئات من قادة وزعماء القبائل الشيعية الجنوبية في الديوانية والسماوة وغيرها ، إنما السيد أحمد الجلبي ...مستحيل ...بل من سابع المستحيلات ...!
لا ...بل هو إختراق إستراتيجي جميل مبارك ، نحن والشيعة في المقدمة منا ، بأمس الحاجة اليه من أجل سلامة ووحدة العراق .
إختراق من قبل الأمريكان للإيرانيين عبر البوابة الشيعية العراقية ، بدأت بزيارة إيران ضمن الوفد الأقتصادي الكبير عقب التحرير ببرهة ، ثم تواصلت بالتودد للسيستاني ومقتدى الصدر ، ثم الزيارات المستمرة للجنوب والتقرب من حزب الله العراقي الإيراني ، وأخيرا الدخول في قائمة السيد السيستاني ، والتي كانت الوحيدة المؤهلة لنيل الأغلبية .
لقد أدرك الأمريكان باكرا ، إن الأنتخابات ( والتي ما كان بودهم أن يسمحوا بها في هذا الوقت المبكر من التحرير ) ، أنها لن تؤتي بما يشبه أحزاب الإشتراكية الديموقراطية في اوربا أو اليابان ، ولا بأحزاب وسط أو يمين ، بل وحتى يسار ، لأن الأنظمة الفاشية ، لا يمكن أن تعمر إلا على جماجم اليسار واليمين والوسط بذات الإن ، فكيف والعراق أصلا لم يعش منذ نصف قرن حياة سياسية طبيعية يمكن أن ينتج عنها أحزاب سياسية ذات توجهات وبرامج اقتصادية وثقافية وسياسية سلمية راقية .
وبالتالي ، فهذا هو الموجود ، أحزاب قومية كردية وأحزاب طائفية سنية وشيعية وأحزاب عرقية مسيحية و...و...و...الخ .
هذا هو ما ورثناه من نظام قهر الأعراق والطوائف والقوميات ....!
إذن فالنتيجة الإنتخابية محسومة سلفا لأهل الدين من الشيعة والسنة ، أما أحزاب البرنامج الوطني ، وهي بالعشرات فإنها فشلت فشلا ذريعا ، وإذن ليس أمام الأمريكان إلا أن يمرروا من الشيعة أكثرهم علمانية ووطنية وأبعدهم عن الطائفية ، وليس في اليد أجمل وأرقى وأقوى من هذا الذي سعى لدى الأمريكان باكرا لأسقاط صدام حسين وأتفق معهم على التفاصيل حتى الدقيقة منها ، في الوقت الذي كان السيد الحكيم وجماعته وآخرون لا زالوا يتلقون التدريبات العسكرية والسياسية في معسكرات الحرس وأروقة المخابرات الإيرانية .
وبزغ نجم السيد الجلبي مجددا ، وأظنه بصراحة الخيار الأفضل لأخوتنا الشيعة في هذه المرحلة بل وفي إنتخابات نهاية السنة ، إذا شاؤا أن يحفظوا حقوقهم ويحفظوا للعراق وحدته ، ويتخلصوا من التدخل الإيراني وبذات الآن يحفظون للأمريكان جميل صنيعهم وتضحياتهم الجمة ، ويتركوهم يكملوا بسلام برنامج إعمار العراق ودمقرطة الشرق الأوسط ، حتى وأن كان ذلك على حساب خسارة الحكم الثوري الإسلامي الإيراني المتعفن الذي لا نظنه سينفع شيعتنا من قريب أو بعيد ، كما ولا نظن أنه يمكن أن يستمر طويلا .
أظن أن من العدل والحكمة أن يكلف السيد الجلبي برئاسة الوزارة وللأسباب التالية :
1- الرجل الجلبي ، رجل أقتصاد أولا ، وله أطلاع على الرموز الإقتصادية الفاعلة في العالم ، إذ هو ذاته كان مالك مصرف ، وبالتالي فهو قادر على إنقاذ الأقتصاد العراقي ، تماما كما فعل المرحوم الحريري في أنقاذ الأقتصاد اللبناني ، بفضل خبرته وأمواله وعلاقاته ، والسيد الجلبي لدية الخبرة والمال والعلاقات ، وإن كان العراق اصلا ثريا ولا يحتاج لملايين السيد الجلبي ، ولكن الرجل يعرف كيف يوظف تلك الثروة ، وهذا ما لا نظن أن السادة الآخرين قادرين عليه .
2- السيد الجلبي ليس لدية أي خلفية لشبهة طائفية او آيديولوجية عروبية أو غيرها ، بل هو رجل براجماتي واقعي وطني ، نظيف اليد بالكامل ، وبالتالي فمثله يمكن أن يكون الوجه الناصع للشيعة في هذه المرحلة الدقيقة من الأحتقان الطائفي والعرقي القائم في العراق .
الشيعة الأحبة ، بحاجة إلى وجه يمكن أن يقبله الآخرون بلا قلق كبير ، خصوصا في هذه المرحلة ،وإلا هل نتنكر لملايين العراقيين الآخرين ومنهم شيعة ايضا يخافون من التمدد الإيراني ومن زج الدين بقوة في السياسة ، مضافا إلى ملايين النسوة العراقيات اللواتي يتعرضن لتهديد مرعب من قبل إيرانيو العراق والمتأثرون لحد الآن بالثورة الإيرانية ( رغم إن نارها موشكة على الخمود ) ؟ .
3- السيد الجلبي رجل العراق لدى الأمريكان ، ونحن بحاجة لطمأنة الأمريكان إلى أننا لسنا متنكرين لهم وللتحرير الذي أنجزوه بدماء ابنائهم وبملياراتهم التي تجاوزت المئات ، وبالتالي من الضروري أن نحافظ على الود معهم لكي لا يتركونا لا سمح الله للعربان والإيرانيين فيجددوا الذبح فينا .
4- السيد الجلبي يمكن أن يكون موثوقا به من قبل الشيعة من حيث أنه لديه برنامج جاد لتصفية البعث ، وهذا ما ينفس عن مكبوتات الملايين من أسر الضحايا من الشيعة ويطمأنهم إلى أن الدماء التي سالت أنهارا عبر أكثر من ثلاثين عاما ، لن تذهب هدرا إذا ما تم تكليفه برئاسة الوزارة ، بذات الوقت الذي سيكون للقانون والدستور الحكم الفاصل في قضايا الإجتثاث ، بحيث لا يغدر بريء ، ولا يهدر دم مظلوم خارج إطار المحكمة ، وهذا ما يمكن أن يتعزز لا سمح الله ، فيما لو إن رئاسة الوزارة أستقرت بيد من هو قريب من إيران أو من تعرض هو وأنصاره للظلم المباشر أيام صدام ، وإلا أو يقدر السيد الجعفري أو عبد المهدي أن يمنع أنصاره من الإنتقام خارج إطار القانون ، فيما لو إن واحدا منهما نال رئاسة الوزارة ، أو أيقدر إي منهم أن يمنع إيران أو المرجعية من التدخل أو أن يغضبها ويغضب كوادر حزبه وجمهوره فيما لو إنه عقد أتفاقات إستراتيجية مع الأمريكان ؟ .
5- رغم أن للسيد الجلبي أزمة مع الأردنيين ، فإنه يمكن أن يكون مقبولا لديهم كما ولدى الآخرين من العرب ، بعكس ما لو أعطيت الرئاسة لمرشح من الإسلاميين ، وأظن أن الضغط الأمريكي على الأردن يمكن أن يفضي إلا تسوية الأزمة بشكل مشرف للطرفين ، في حين أزمة صعود رمز شيعي إسلامي لا أظن أنها قابلة للحل بسهولة ، لأن هناك إيران إلى الشرق من العراق والمنطقة العربية عامة ، والرعب من إيران لا يعادله رعب لدى الأردنيين كما والسعوديين والمصريين والخليجيين عامة .
5- السيد الجلبي ، رمز سياسي حضاري يمكن أن يُقبل أوربيا وروسيا وعالميا بشكل عام من قبل دوائر المال والاقتصاد والسياسة ، بعكس الآخرين ممن لا يمكن أن يأمن لهم الأوربيون ( والذين أكتووا بنار الإرهاب الإسلامي ) .
أظن أن السيد الجلبي هو رجل المرحلة ورجل الشيعة الأصلح في هذه المرحلة وأعتقد أنه سيفيدهم كثيرا كما ويفيد جل العراقيين ، لأنه متحرر من الأيديولوجيا والقومية والطائفية والشعور الفائق الحساسية بالمظلومية ، ولأنه رجل علم وعمل لا تنظير ولا عبادة ولا خلط بين الأزمنة والامكنة والضروريات ، كما هو حال الأخوة المرشحون الآخرون .
#كامل_السعدون (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟