أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فرحات - الانفعالية : شخصية














المزيد.....

الانفعالية : شخصية


أحمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 15:47
المحور: الادب والفن
    


كان عدد من الأشخاص يلاحقونني ، مطلوب هنا وهناك ، كالعادة كنت أستمر ، لم يقفني سوء الأوضاع ، لم أكن جبانا في يوم ما مع نفسي إلى هذا الحد ، تورطت في عدة أمور ، لم أنتفع بشبابي ، لا بالمتعة ، ولا بالنجاح أو الانطلاق ، أو السفر ، الآن كل همي هو الهروب ، الهروب بمعناه الكبير ، والذي لا يقدر عليه في الواقع غير قلة قليلة من القلائل كما اعتدت أن أقول ، كنت أعرف من أنا ، وماذا أريد ، ثم اكتشفت خطأ ذلك ، وهو أمر مؤلم ، عن طريق الأحلام ، والأخطاء ، وردود الأفعال ، والحركة والمشية وطريقة الكلام ، والذوق في الملبس والمشرب ، راقبت نفسي بدقة ، حتى أصل إلى تصحيح الاعتقاد ، ولكنني في الحقيقة لم أستطع أن أصير نفسي فترة زمنية طويلة ، تحولت كالعادة ، في انعطافة من انعطافات الجينات كالمخدَّر ، والآن كل ما أريد هو الهروب ، لم ينفعني الصدق ولا الإخلاص ، ولا الوفاء ، ولا الحب ، ولا الأهل ، ولا الكذب ، ولا كثرة الكلام ، ولا الثقافة ، ولا الأصدقاء ، ولا الأدب ، ولا المخدرات رغم ما خففت من عناء ، لم ينفعني شيء على الإطلاق ، يا للبائس ، يمكنني أن أحزن على نفسي ، أو أن أشفق عليها ، أو لا أدع مجالا للمرارة ولا للذكريات ، الكلام صعب ، وهذا من أفخم الأشياء ، أن تدرك جلال المرارة التي تكتم حتى تعجز عن الكلام .

بدأت حوادثي بضيق الإمكانيات ، وقلة الحب والمعنى والمأوى ، كنت حريصا على الهروب ، على الرغم من وجود الكيان الأسري الذي يبدو متماسكا إلى حد بعيد ، والعلاقة تكاد تكون مصيرية بين الروابط وبعضها ، إلا أنني كنت أعلم أن كل هذا باطل ، وابتلعتها في صمت ، وراقبت سنين العمر وهي تمر ، وأنظر كل حين و آخر إلى إخوتي ، لأبحث في وجوههم عن تعبير جديد أو ملاحظة لشيء ما ، محاولاتي كلها كانت في الخارج ، حتى قصصي الأولى كان يجب أن آتي بشهادات جودة عليها من الخارج ، وهذا شق صدعا بشكل أو بآخر ، أصبحت منكرا بينهم ، وذقت وجع ذا مرة تلو مرة ، حتى بدأت اللجوء إلى المسكنات.
( غجري – وسيم – حر الروح – رفيع البنيان في رشاقة – مدلل إلى حد كبير – يدخن السيجارة والغليون والسيجار والشيشة والجوزة - تلك الأشياء كلها تحتاج إلى مزاج وسمر خاص ووسوسة لذيذة تدور باحتراف مع النفس – ووحدة ، وصحبة ، مثقلة بالتجريب والهيئة والرسم والتفصيل – يعشق الويكسي ويحب مسكة كأسه – لا يستمع إلا لأم كلثوم و عبد الوهاب وعبد الحليم وأحمد منيب ومحمد منير ثم الروك آند رول – له شجنه الخاص الذي يدفعه في رقة إلى البكاء – وله حب يحيره لأن حب النفس عليه غلب – يشطح – يحلم بملكية بعيدة – سمع كثيرا من القذارة والوساخة عن الأقارب ومنهم ، وعن الأصدقاء ومنهم ، وعن الإخوة ومنهم ، وعن نفسه ومنها ، كانت أمه هي الوحيدة التي أزاحها الموت عن سيل الرداءة التي ستنهمر عليهم – يعلم ولا يعلم – لا يرغب في مقابلة الآخرين – يريد الخلاص – إما بالاستغناء عن خدمات الجميع وحقوقهم وواجباتهم له وعليه دفعة واحدة وإما بالهروب الكبير وإما بالموت– رقيق الإحساس – يبكي مثل الآخرين – ولكنه حزين - صار يتيما وفقيرا ووحيدا ولا يشعر إلا بالأمان فحسب – لأن شيئا ما يحميه - ربما كانت أمه التي أنقذته من الحريق – ربما هي التي تدفعه الآن إلى أن يترك الجميع ويجلس مع أخيه – ويرمى بالعقوق والجحود ولازال في حاجة ممضة إلى أموال أبيه – ولا زال في حاجة ممضة إلى أن يحيا بعضا من شباب قبل أن يخطف كما يحس ويظن أو تزداد الأمور ظلاما بعد ذلك – هو أب لولد لا يعرف أنه أبوه – يعرف أن ولده يشبهه تماما – مشرد أيضا مثله – ولكن حزنهما مشترك – يكاد يلاحظ بشدة عندما يلعبان معا أو يغنيان معا أو ينامان بجوار بعضهما محتضنين ، أو عندما يمارس عليه دور الأب برفع الصوت ، لكن بينهما سرا ، حزنهما واحد ، مشترك ، أبرياء ، يفهمان بعضهما عن بعد ، ويتشوقان للقاء بعضهما ، رغم القرب ورغم البعد ، والآخر مظلوم ، مبعد مطرود فاسد قبيح ، ولد مدلل ، وفي عجز تام عن أن يفعل شيئا لنفسه أو لأحد ) .

مؤلم جدا أن تترك بلا نفع ولا ضرر ، وألا تهون على أحد ، وأن تعيش بمعزل في صمتك على ضوء شمعتك ،مشتملا بلحافك القديم ، نائما مخدرا ، ومهملا ،’ وحيدا في ليلك ونهارك وغدك وأمسك ، وحيدا في الليالي الحارة والباردة ، تنام هكذا وحيدا ، واعتدت الوحدة وقلتَ : السلام ، وكنت تستمع إلى أغانيك القديمة التي رددت مع أمك ، ورددت مع إخوتك ، ورددت مع أصحابك ، ورددت مع نفسك في أوقات أخرى ، لم تكن بهذا السوء ولا بهذه القسوة ، وعهود وفاء وإخلاص ، وبكاء من أجل الوفاء والإخلاص ، وتأكل طعامك القليل من غير حب ، وتستأنس بصوت الشارع ، وضوء الشمعة وذكرياتك الجميلة ، يا أنت ، أنت إنسان نقي وطاهر وبريء .
أنت إنسان مدنس ومبعد وفاسد وملعون ، تورطت في جرائم لا أخلاقية لا داعي لذكرها ، وورطت وعيك وضميرك لأنك كنت تحاول التغيير ، علي أية حال ، لن يحاكمك أحد ، كان علي أن آخذ حقي منهم نفرا نفرا ، حلمت بجمع المال الكثير وفشلت ، يمكنني أن أقتل الآن ، للحظة أحسست بضعف قذر ثم قادتني الدوافع إلى التخلي عن أخي ، حتى أستطيع أنا المرور ، أنانية واضحة أو دناوة أو خسة أو بقاء للأصلح ، إلا أننا أقوى من كل أوصاف اللغة ، نحن مكافحي هذا الجيل الجديد ندرك الحقائق ونحن نلعق الآيس كريم ، وقررت أن أستقر سنة كاملة بمنزلي ، لأتابع الأحداث عن قرب ، وحتى الآن لم يحدث شيء يذكر غير اكتشاف مدينة الإنسان



#أحمد_فرحات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمار
- تنويعة بوهيمية
- عصر الباكتريا
- وردة الفيولا
- مرثية المريد
- اللا ميدان
- الماديون الجدد سردا
- ( قصة قصيرة جدا عن حلمي سالم )
- برومازيبام
- مدينة الإنسان
- داندي قلق
- انفعالية : كلنا خالد سعيد
- قراءة في مجموعة البقاعي الشعرية الجديدة الصادرة بالإنكليزية ...
- توحّش سلس: قراءة في مجموعة مرخ البقاعي الانكليزية الجديدة
- توحّش سلس: قراءة في مجموعة مرح البقاعي الشعرية الجديدة


المزيد.....




- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فرحات - الانفعالية : شخصية