|
وردة الفيولا
أحمد فرحات
الحوار المتمدن-العدد: 3822 - 2012 / 8 / 17 - 00:31
المحور:
الادب والفن
خرج الفتى ليلا ، كان مرتديا حلته اللامعة ، موّج شعره ، وكان في التألق الذي يظنه به إخوته ، كانوا يعلمون أن أماكنهم عالية ، أربعة هم ، يجب أن يلمسوا السماء من فوق الجبال العالية ، قمة الارتفاع البشري ، والنرجسية السامية لمخلوقات نادرة ، والشاب فيهم – الفتى – كان يسبح نحو العوالم الخارجية ، كانت مملكته ، و ذا كان مصيره ، وذاك الفتى هو أنا ، اثنان من الأربعة يعلمان جيدا تلك الندرة الوجودية لمخلوقات تشبهم ، هناك فوق الجبال ، الطريق إلى النور في الحقيقة ينتمي إلى الظلام – احذر كلماتي الملعونة - ومرارة الأفيون في فمه ، مصيره الذي خلق ليكونه ، كان فتى مدللا ، ذهبت بعيدا ، اجعل مقعدك دائما في السماء ، ذلك مكانك ، فوق الجبال العالية ، بشرية إلهية متسلسلة ، ملعونة بحب ، وسامية ، دائما فوق الجبال العالية . كانت ليلة ممطرة ، قديمة ، ضوء مدخل عمارتهم في القصر العيني من خلف الزجاج الأصفر وسط كتلة من الخرسان المظلم ، تسلله السريع من تحت مداعبات المطر ، كانت ليلة في الماضي ، تذكرها يشبه رؤية فيلم سينمائي قديم ، كان سيتم الخامسة والعشرين ، ليلة السر والزواج من النفس ، ( الكلمات ملعونة تذكر ) ، كان يعرف بتأكيد أنهم سيجتمعون ثانية ، الأربعة وفي نفس المكان ، صعد السلم ، بعد أن تزحلق في المدخل بسبب المطر وكعب الفرنيه ، وردة الفيوليت يحملها في سترته ، فاتنا مغويا جميلا أنيقا مدلل الإخوة الصغير دخل هناك ، استقبلته تلك الفتاة الهندية الحامية ونزعت عنه ملابسه ، ودلكته بكريم لطيف بعد أن أزالت له شعر البدن الزائد ، وأمتعته بالماء الدافيء في مسبح صغير بغرفة خشبية في وسط الشقة ، ودلكت ودلكت حتى رضي وقبلها في حياء عظيم ، هذه حقا قصة يجب أن تروى ، كان الجمال والألفة يغمران كل شيء بالمكان ، الأثاث بسيط وعميق ، له ثقل من التفاصيل ، يفهمها من يفهمها ، ولم يكن في الواقع يفهمها أحد بعدهم غير أمهم التي ماتت وفي البيت الذي يقدسون ، إن العظمة تملؤنا ، وتملؤني أنا حتى الاكتمال ، أن أكون قد سيرت لأكون راويا لهذا العمق البشري العظيم ، قلائل من يدركون ، نعم ، ولكن الآخرين أيضا يعرفون ، ( الأم كانت تقول لأصغرهم " أعرف أن بك شيئا ما سيخرج في يوم من الأيام ، بك قدرة وموهبة ، وستتنبأ بأحداث عظام لك ولإخوتك ، ولن يصدقك أحد ، ولكن منهم من سيعرف أنك حقا صادق ، وسينتظرون منك وعدك ، ستكون شيئا عظيما ، سأتركك مبكرا ، لتكون لك حرية ، تبدع فيها نفسك ، يا عظيم " وقبلته باكية وشعر هو بسعادة عميقة ، ووصل إلى إدراك اليقين ، بعينين ممتلئتين بالشقاوة واللموع ، تبرقان في حضنها الذي يضمه على سلم الفيللا أثناء لحظة الوداع قبل الذهاب إلى العملية بباريس ) . هذه ليلته ، هذا الحين من العمر ، خمسة وعشرون عاما حيا ، لا يتذكرك في الحياة بعد كل هذا إلا قليل ، ( شكرتها في الهاتف على الرسالة ، وقلت لها " لم يتذكرني سواك وفرد آخر ، القلة في هذه اللحظة تعني قدسية القلائل ، هؤلاء لك ، هكذا ينطق الوجود فصيحا ممتلئا ، لا يقدر قيمة وجودي سوى " أخي " ، علمت أنني سأتصل بك لأخبرك هذا ، أحسسته من قبل ، وأقدر أنني خطرت بالبال ، أعرف الدنيا جيدا ، وأعرف معنى أن أخطر ببال أحد في هذه اللحظة ، ويجب أن أصير مدينا موثقا ، لمن منحني هذا الشرف في الحياة ، شكرا لك ، إلى اللقاء ) ، سيعلم بعد قليل لماذا تسمى بسنة الخطايا العظام ، إنه الوجود يتحرك في نفسه ، ويموج في زمانه ، لم يتغير للوجود زمن ، لم يتغير للوجود زمن ، الحقائق التي صار يملكها في سره كالشيطان الذي يقلده في بيتهم المقدس ، صار شبيها به ، إنه يحيى فيه ريعانه ، يتنفس انتعاش وجوده عبر جسد أصغرهم ، الفتى الشاب الأنيق ، الراوي ، أنا ، ساحر سيتملكك ، سيتملكها ، سيتملك الكثيرين ، سيعرف نفسه ، انظروا ، تسلل بخفة إلى الحمام المضاء بشمعة كبيرة ليستحم حمام تتمة الخامسة والعشرين ، كان استحماما طقوسيا ، في ذلك الضوء الخافت ، بينه ، وبينها ، التي يراها تلمع أمامه على جدران السيراميك تحت ماء الدش المنهمر مع انعكاسات النيران في عتمة المكان وظلالها المؤنسة الحية ، ينهمر الماء ، يسري باردا ، غير ساخن ، الليلة شتاء ، ولكن الجسد مغوى ، ينهمر ، ويسري بأنوثته في تفاصيل البدن ، مع التدليك الخفيف ، عشق واتحاد ، سيطرة على كامل الأعصاب حتى تدرك بوعيها اللحظات التي يسمونها ب"لحظات الغياب " ، الجسد و النفس ، هذا هو مذهبي وفني ، كان على الجسد أن يتصل بالجسد ، حتى تقبل على الروح نفسها ، واضحة ، راغبة عاشقة ، هي المريدة ، وهي المرادة ، هي تريد اللذة في تلك ، وتلك تريد اللذة فيها ، - اللعنات تتصل بك احذر – شملتها ، واعتصرتها ، وأخرجتها في التشنيجة والآهة والبدن المنتشي والذي شرع يتمثل الهدوء ، أطلق الماء وظل مستندا على الحائط ، مستوعبا كل شيء ، مستوعبا حقيقة بالكامل لأول مرة بلا خير أو شر ، وصل إليها ، أطلعته على سرها الأول ، وبدأت تحدثه في نفسه عن سرها الثاني ، المعرفة الكاملة بما سيعطيه له الآخرون من حب وإخلاص ، ويعرف أنه سيعذب من بينهم أناسا ، لا عذاب الألم ، ولكن عذاب الحب والإخلاص والوفاء ، كل هذا له عذاب ، سيعرفونه فيما بينهم ، ويكون هو السر الذي يستمرون به وبقوته ، هذه هي الحقيقة ، هذا هو الباقي ، أدركنا السنين السابقة بشكل خاطيء ، وأنا دونهم بالذات كنت أدركها بشكل خاطيء تماما ، والآن كشفت لي ، عارية ، واضحة ، أقرؤها ، وأعرف أنها ستحافظ على الاستمرار ، للأسف تملكني ذلك الشيطان اللعين للحظات وقال ما أراد وها أنا عدت للسيطرة ، ضاجعها وأحس أبعادها جيدا ، الآن يعرفها تمام المعرفة ، عندما أغمض العين ، تمثلها في المسيح ، ويهوذا الأسخريوطي ، ومريم ، والفتى العربي ، وموسى ، وكان منها أيضا في فرعون ، سر رهيب ، وانفتاح مقدس مع الغيب ، من صميم هذا الجسد ، المنتقى والمختار بعناية ، ليبلغ مثل هذا البلاغ ، ويكون في مثل هذا العمر ، سيلمع ، سيحرق الكثيرين ، سيجتمعون ثانية ، أمهم ما زالت في البيت ، السر منكتم بينهم ، يغيظون الغرباء ، يغيظون الأقارب الذين لا يمتون إليهم بصلة ، كشفت له السر الثالث والرابع ، يعلم في القرار من له ومن عليه ، يعلم في القرار من سيهاتف بعد قليل ، الخيط متصل ، والوجود متصل ، قال أخوه " أنبؤك أنك ستزداد ارتباطا بهذا المكان اللعين " ، قال أخوه " تعلمت شرب الغليون في الصغر لأشربه ممسكا به بين فكي أثناء الكتابة " ، " نعم ، نعم " ، " كلنا دخنا الغليون ، حتى أمك كانت تعرف أننا نعشق الغليون " ، أعشق الغليون ، صرت مكتملا إلى درجة أنه صار لا ينطفيء مني بعد الإشعالة الأولى ، اعذروا النرجسية فهذه هي الحقيقة ، حتى هذه تصلح من " الكلمات الخالدة " التي يجمعها صديقي صاحب ريسبشنست ، ارتدى حلته من جديد ، الملاك مكتملا ، الشيطان مكتملا ، يحبها ، ينظر لها في المرآة ، يراها تقف خلفه في المرآة ، نعم ، ويحب الأخرى التي يبتسم لها في الزجاج وتبتسم له عبر الزجاج فقط ، ويداعبها قاذفا وردة الفيولا في وجهها قبل أن يفتح باب منزلهم المقدس ، فترتطم الوردة بالمرآة وتسقط ، لتتكاثر ورود الفيولا ما ذبل منها وما لم يذبل بعد تحت أقدامه وتحت الفرنيه وهو يغادر في عظمة المنزل وينغلق الباب.
#أحمد_فرحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرثية المريد
-
اللا ميدان
-
الماديون الجدد سردا
-
( قصة قصيرة جدا عن حلمي سالم )
-
برومازيبام
-
مدينة الإنسان
-
داندي قلق
-
انفعالية : كلنا خالد سعيد
-
قراءة في مجموعة البقاعي الشعرية الجديدة الصادرة بالإنكليزية
...
-
توحّش سلس: قراءة في مجموعة مرخ البقاعي الانكليزية الجديدة
-
توحّش سلس: قراءة في مجموعة مرح البقاعي الشعرية الجديدة
المزيد.....
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
-
إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل
...
-
“قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم
...
-
روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
-
منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا
...
-
قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|