مهند بنّانه
الحوار المتمدن-العدد: 3975 - 2013 / 1 / 17 - 00:23
المحور:
الادب والفن
كم انجبت أمّي من الأطفال في هذه الحفرة السوداء القذرة، وكم كان قبيحاً مشاهدتهم كل يوم يكبرون! ويتحولون إلى مسوخ عديمة البراءة، ولكن أمّي لم تتوقف عن ملء هذه الأرض بهم، كمن يصرخ في وجه السماء أن تُنزل المطر أو تلفح وجه الخلاء بـ"اضو اسارار" كبرت الطيور بلا اجنحة والأسود بلا أنياب والأشجار بلا ثمار تحت صمت السحاب. ولكن أمّي لم يشغلها لعب الزمن مع أطفالها في بحيرات الضباب، حيث السكاكين والحجارة هي الألعاب، ولم تعجز ولم يسري في جسدها الخوف والملل وبيض الذباب! وكانت دائماً في صمتها مرعبة لكل الغزاة والبدو والكلاب. لم تبكي وهي ترى أبنائها يلحسون بلسانهم بول الأغيار، ويتقنون فنون الركوع وزراعة الصبّار، لم تقف في طريقهم حيث كانوا في متاهات الأخر ضائعون، لم تندب حظها عندما كانوا يتسابقون بكل فخر ومجد على خصي عقولهم وكل رشفة كرامة تجتمع في زاويا وجودهم. لأنها الوحيدة التي تفهم لعبة التاريخ، لأنها منذ مئات السنين قد شاهدت كل المسرحيات وكل الممثلين، قد عاصرت كل الأنبياء والمعلمين، كل الأغبياء والمبشرين، لأنها ترى حدود نهايتهم من بعيد، تعلم بأن نهايتهم حتمية أبدية، كم انجبت أمّي من الأطفال الذين فقدوا الذاكرة قبل ولادتهم، ولم يعلمهم احداً الأسماء كلها! ولكنني مؤمن بتانّيت وبالولادة من جديد. لأنه "سيكثر في حارتنا السامرون، يحفظون ويكتبون ورغم سحابة النسيان سوف يذكرون*
مهند بن نانا
#مهند_بنّانه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟