أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عليم - عندما يغيب الرجال















المزيد.....

عندما يغيب الرجال


محمد عليم

الحوار المتمدن-العدد: 3957 - 2012 / 12 / 30 - 22:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أذكر تلك الليلة التي أضاءت فيها الكهرباء شوارع قريتنا لأول مرة نهاية ستينيات القرن الماضي، كان حدثا فارقا بالنسبة لي شخصيا وأنا ابن السابعة حينها، وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها أبي متحدثا عن عبد الناصر، أذكر الآن بضع كلمات عن العزة والكرامة والمشروعات الكبيرة، ولكن أبي لم يتحدث عن العدالة الاجتماعية وكتلة الأرض الزراعية التي تفتت لاحقا بين صغار الملاك وورثتهم، نعم لا زلت أذكر تلك الأيام البعيدة في نشأتي الأولى، وظل هاجس عبد الناصر قاسما مشتركا في كل محطاتنا اللاحقة على أيدي النزقين والعجزة من حكام مصر اللاحقين، كان عبد الناصر حاضرا بقوة في كل مناسبة كبرى خاضتها مصر، والأغرب أنه كان أكثر حضورا في الأنكى منها، كان حاضرا في معركة أكتوبر المجيدة بوصفه باني قوة مصر الضاربة بعد نكبة 1967، وعلى الرغم من محاولات السادات المستميتة في طمس سيرة الرجل بكل ما استطاع من تحريف إلا أنه ظل ضمير مصر الذي لم يستطع السادات تغيبه أبدا، بدد السادات ما اعتقده إرث عبد الناصر من أهرام القوى الناعمة (الفنون والآداب) التي اشرأبت بها مصر عاليا في محيطها العربي، فأخرج الأفاعي من جحورها ونثرها في كل حدائق مصر، وكان قد استبق ذلك بانفتاحه الملعون الذي قلب موازين المجتمع رأسا على عقب، وتحولنا من دولة طامحة في التصنيع والإنتاج إلى دولة مستهلكة تتسول طعامها، وربطنا بمدار هزلي تحولنا فيه من بلد سيدٍ في تاريخه وجغرافيته إلى حليف هزيل تابع لأعدى أعدائه على مقربة من الحدود الأكثر خطورة، سيناء، ولكن أخطر ما راهن عليه السادات في حربه على إرث عبد الناصر هو إطلاقه يد الجماعات الإسلامية اليمينية في النقابات والجامعة، وفي ظني أن ذلك كان بداية السيطرة على المجتمع المصري من قبل هذه الجماعات، خصوصا عندما حلت محل الدولة العاجزة لاحقا في عهد مبارك، عندما لبوا ما عجزت عنه الدولة من مستوصفات للعلاج وكفالة أيتام.. الخ، وظل السؤال الأكثر إلحاحا مرجأ لا يطرحه أحد، وهو: من أين يأتي هؤلاء الناس بأموالهم؟.
لم يكن متوقعا من رجل محدود الذكاء معقد كمبارك أن ينهض بمصر، لأنه ببساطة لم يكن بإمكانه ذلك، فقد كان رئيس الصدفة اللعينة بلا منازع، ولكنه عرف كيف يحافظ على حكم مصر بأبشع الأساليب، القبضة الأمنية لا التنموية، وكان من أبشع مفرزات مرحلته الحالكة في حكم مصر هو تجريد الشخصية المصرية من أدنى مقومات الكرامة عبر الفقر والملاحقة، استطاع مبارك الصمود ثلاثين سنة يُسأل عنها المصريون وحدهم، ووحدهم يجيبون عن الأسئلة الملغزة: كيف صبروا؟ كيف صمتوا؟ كيف عاشوا؟ كان مبارك قد استنفذ كل صلاحيات بقائه بعد أن أثرت عصاباته الطفيلية عبر بيع ما بناه عبد الناصر من بنية اقتصادية وتصنيعية كانت لا تزال قائمة في شكل ما كان يسمى بالقطاع العام، وقبلها كامن مبارك قد أغرق مصر في ديون فاقت بمراحل ما ارتكبه إسماعيل إبان حفر قناة السويس وافتتاحها.
عندما أوشك نظام مبارك على السقوط قبل سنوات من الثورة التي توقفت إلى حين؛ كانت التيارات الإسلامية، اليمينية الصريحة منها ومتقنعة التقية، كان الجميع في الانتظار فتلقفوا المجتمع المتهاوي لقمة سائغة، ولا يمكنني اتهام الشعب المصري بالغباء لأنه فعل ذلك، لأن الحال التي كان قد وصل إليها لم تكن لتسمح له بالثقة في أي رمز من رموز النخبة السياسية من غير الذين يقولون قال الله وقال الرسول، وفي الواقع كانت تلك النخب التي نادت بالدولة المدنية الديموقراطية الحديثة ومعها الأحزاب الكرتونية المقيتة جزءا مما قضى عليه مبارك ضمن ما قضى في مسيرته المشؤومة، فلم يكن لها وزن حقيقي في صناعة رأي عام شعبي يواكب النقلة الخرافية التي صاغها المصريون بوجدانهم في 25 يناير 2011، فكان من اليسير جدا توجيه دفة الراهن السياسي المصري من اللحظة التي اكتسحت فيها التيارات الإسلامية استفتاء مارس الشهير بأولوية الانتخابات لا الدستور، وها نحن نجني بمرارة نتيجة تلك الخطوة التي تقترب من الجريمة في مآلاتها اللاحقة.
والآن، وبعد أن وقعت سفينة مصر فريسة في يد هؤلاء الذين خرجوا من ظلمات التهميش والقمع والسجن، يعلو الصخب والاقتتال والتناحر، وتبتعد الشقة بين الأضداد لأن أحدا منهم لا يطيق الآخر ناهيك عن انعدام الثقة بين الأطراف، ومرة أخرى يحضر عبد الناصر بقوة من خلف كل أشكال العار التي تغمر مصر، رئيس ينفي في المساء ما أقره في الصباح، وجماعات سائبة تلقفت سلطة الدولة على مرأى من مؤسساتها العاجزة، وأجندات داخلية وخارجية تفتح على مصاريعها من دون حياء على مرأى من أجهزة الأمن، وفرقة تلوي عنق مصر في اتجاه المجهول غاضة الطرف عن أبسط المسارات السوية، أعني دولة القانون التي يستظل بها الجميع.
عندما أوغل الرئيس المصري المنتخب (في معادلة جهنمية بين نارين) في التزامه بالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، كان على الجميع ألا يصدق، ليس لأن الرجل كان كاذبا، ولكن لأنه لا يمكنه ذلك في الحقيقة، إذ كيف لتنظيم سفلي تتقوم فكرته الجوهرية على السمع والطاعة أن يكون ديمقراطيا؟ كيف يمكن لتنظيم لا يثق إلا في أفراد جماعته أن يؤمن بالشراكة مع الآخر من أجل وطن؟ وما مفهومه للوطن؟ هل هو الوطن الذي أعرفه بتاريخه وجغرافيته؟ أو أنه الوطن الفكرة الهلامية الدائرة في فلك وهم دولة الخلافة التي عاصمتها القدس وليس القاهرة؟ كيف لأناس يستحلون تزوير الانتخابات بأشكال القمع كافة أن يكونوا بناة وطن ديموقراطي كما زعموا؟ كيف لرئيس لا يملك من أمر نفسه شيئا في سياق تنظيم جلب على السرية أن يكون حر الإرادة، مستقل القرار، شفافا!؟
إن ثورة مصر المرجأة إلى حين لم تكتمل ما بقيت صروحنا القضائية مرتهنة بأيدي الدهماء الجهلة ممصوصي العقول، ومادامت للأموال القذرة المتدفقة على فرقاء مصر الكلمة العليا، ومادامت كل الأطراف متمترسة في أماكنها غير مستعدة للتحاور الجاد أو التنازل الحكيم، ذلك هو المشهد الأخير الذي ينذر بمطلق الكوارث بعد أن ضاق صدر الجميع، كل ذلك ما كان ليحدث لو أن رئيس مصر انتخب انتخابا حرا شفافا نزيها يؤمن بهذا الوطن وبقدره ومقداره، ومرة أخرى يحضر عبد الناصر المشهد من باب النواح على كل هذا التفكك الذي تعيشه مصر بإرادة رخيصة تضع في حسبانها جماعة مهما بلغ تنظيمها فوق مصر التاريخ والجغرافيا.
إن عبد الناصر الفكرة والتاريخ لا يجب أن يكون صنما يعبد ولكنه جدير بحق أن يكون القدوة والمثل في أوقات نحن فيها على ما نحن عليه الآن، وسبحان من له الكمال، ويظل الفرق شاسعا بين رجل بدأ بناء دولته وهي لا تزال تحت الاحتلال حتى وصل بها إلى الاستقلال في كل شيء وبين جماعة تحكم عجزت أن تتخذ قرارا تنمويا واحدا في ستة أشهر باستثناء قرارات فادحة فضائحية كشفت عن نزعة سلطوية موغلة في الاستبداد والقمع والأثرة!!



#محمد_عليم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البرلمان والثورة والسلطة
- كم سندفع لتنظيف مصر؟
- هل يفعل العقلاء ؟
- شرعية الكارثة!!
- محنة ديدمونة وأحلام دولة العسكر!
- عن المصريين في الخارج و.. تصويتهم
- ما كان.. ما سيكون
- وأكثر من ذلك.. في مصر!!
- ماذا يحدث في مصر؟!


المزيد.....




- بحضور أربعين رئيس دولة وحكومة... إعادة افتتاح كاتدرائية في ب ...
- ترامب وزيلينسكي في ضيافة ماكرون قبيل إعادة افتتاح كاتدرائية ...
- عراقجي: إجتماع بغداد رسالة لدعم سوريا في مكافحة الجماعات الت ...
- كاتدرائية نوتردام في مهب رياح التاريخ
- كاتدرائية نوتردام في باريس.. عمق أدبي وفني يكاد يضاهي الأهمي ...
- عراقجي: اكدنا على دعم سوريا ضد الجماعات التكفيرية المدعومة م ...
- مسيحيو الشرق.. عودة إلى العراق
- 40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- فرنسا: إعادة ترميم كاتدرائية نوتردام.. أمل بين الرماد
- مباشر - كاتدرائية نوتردام في باريس: تابعوا مراسم إعادة الافت ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد عليم - عندما يغيب الرجال