|
في البرلمان والثورة والسلطة
محمد عليم
الحوار المتمدن-العدد: 3634 - 2012 / 2 / 10 - 12:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يضيع مكتسحو البرلمان المصري من جماعات الإسلام السياسي وقتهم في التكتيك ليكشفوا عن حقيقة المقدمات المريبة التي أتت بهم في غفلة من الثوار وتدبير من بقايا نظام مبارك الذي ما يزال يحكم مصر حتى اليوم، أقول لم يضيعوا الوقت، ليس عن غباء سياسي ولكن عن غطرسة القوة والشرعية المنتهكة لشرعية الثورة التي دفع شباب مصر حياتهم من أجلها. وما أشبه الليلة بالبارحة حقا، فالتنكيل المعنوي الذي كان يمارسه أحمد فتحي سرور على الأقلية في عهد مبارك يمارسه اليوم محمد سعد الكتاتني بدم بارد وعينه على أدبيات تنظيم الجماعة غاضا الطرف عن ضرورات المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن، وما أبعد الشقة بين مرمى وغايات العينين. صمت ثوار مصر قليلا لمنح البرلمان الجديد فرصة البدء وتلمس الخطى نحو الهدف، ولما كان الأخوان والسلفيون (الذين زرعهم أمن الدولة في غفلة من الجميع بمن فيهم الأخوان المسلمون أنفسهم) كلاهما مكلف بمهمة محددة في المرحلة الراهنة؛ فلم يكن ممكنا أن تؤتي البدايات مؤشراتها نحو ما يطمئن، فقد مارس الكتاتني سطوته على المتنورين من الأعضاء الليبراليين وأخرسهم بحرمانهم من التعليقات والمداخلات، ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل إن نواب الإسلام السياسي الحافلين بالفكر الأحادي الإقصائي مارسوا بدورهم سلسلة بدت متفقا عليها من التعمية على الرأي العام خلال سير الجلسات وهدفهم واحد: لا صوت فوق صوتهم ولا سبيل لإقرار قوانين أو قرارات إلا ما يناسب أهدافهم وأهداف أولياء نعمتهم من المجلس العسكري الذي ينكل بالثوار حتى اليوم ويواصل الانتقام منهم في أكثر من مناسبة وآخرها مذبحة بور سعيد، لينتهي المشهد على أغلبية عميلة تنفذ ما اتفقت عليه بليل مع السلطة العسكرية، والاجتماع للتنسيق قبل عقد الجلسات لقطع الطريق على كل الأصوات التي لها علاقة بثورة مصر والمنادية بمدنيتها وديمقراطيتها، وعلى الناحية الأخرى يمارس العسكر ترويع المصريين وإلهائهم في قضايا فرعية هنا وهناك لتشتيتهم عن الهدف الأساس. لم ينتبه حكام مصر الحاليين من العجزة والبلداء ومقاولي السياسة والمنتفعين الجدد إلى حقيقة مهمة وهي أن ثورة مصر لن تموت مهما مارسوا التشتيت والإلهاء والتضييق، لم ينتبهوا بعد إلى طبيعة الشباب الثائر أو لبدائله العبقرية المباغتة، وعلى الرغم من لي عنق مصر على مدار عام كامل بدءا من الاستفتاء على التعديلات الدستورية المريبة الذي أسالت لعاب التجار الجدد، ومرورا بالانتخابات البرلمانية التي مورس فيها أكثر أشكال تزييف الوعي الجماعي المصري، وانتهاء بوقاحة نواب الإسلام السياسي في محاولاتهم الفاشلة باستصدار قانون يمنح الشرطة المصرية الملوثة شرعية قتل أحرار مصر، لم ينتبهوا وهم يحاولون ارتكاب كل هذه الجرائم لطبيعة الشباب الثائر الذي باغتهم بفكرة الإضراب العام كمقدمة لعصيان مدني شامل يشل عصب الدولة، ويرغم اللصوص القدامى والجدد على الإذعان النهائي للسير في المسار الصحيح. يجتهد نواب الإسلام السياسي ويلحون على تسمية البرلمان الحالي ببرلمان الثورة، ولأنه ليس كذلك ولا يصح أن يكون؛ فإن الشارع المصري باق على جمره حتى تأخذ الأمور مساراتها الطبيعية، فهل هناك ما هو طبيعي في مصر بعد مرور عام على الثورة؟ قبل الإجابة علينا أن نستعرض المشهد من جديد (القديم والمستجد منه على أرض الواقع)، فالمجلس العسكري وريث مبارك لم يبادر بأي قرار إيجابي ولو شكلا إلا بضغط شعبي هائل وبعد دماء جديدة وضحايا جدد، وعندما يتخذ قرارا كمحاكمة مبارك ورموز زمرته الفاسدة مثلا، سرعان ما ينقلب عليه إجرائيا بإطالة أمد تلك المحاكمات وطمس الأدلة وتأليب شهادات الشهود، وهذا المجلس العسكري لم يغفل دور الإعلام الرخيص الذي غيَّب به مبارك بسطاء المصريين لثلاثين عاما، وفي الوقت الذي خيل لكثيرين من المصريين أن الإعلام الرسمي للدولة المستبدة قد تحرر من قبضة التوجيه الوقح لوزراء الإعلام المتلاحقين، سرعان ما عاد ليمارس الدور نفسه وبوقاحة أكثر سفورا من ذي قبل. وزارة الداخلية التي ذرف محللو النظام دموعهم على انكسارها خلال الأحداث ما تزال تمارس القتل والتدبير الخبيث لعرقلة الثورة، وما يزال أذناب الجزار الأكبر حبيب العادلي يتحدون قرارات وزراء الداخلية المتلاحقين وينفذون أجنداتهم السادية على الشعب المصري بالاتفاق مع العسكر لتأديب المصريين الذين طفح بهم الكيل فثاروا. البرلمان الذي تدعي أغلبيته الخبيثة من جماعات الإسلام السياسي بأنه برلمان الثورة أحرى به أن يسمى برلمان الثورة المضادة على حد وصف جمال فهمي في إحدى مقالاته، لأنه برلمان مشبوه قام على مقايضة دماء ثوار مصر بصعودهم إلى الصدارة، وهؤلاء لهم فهمهم الخاص للانتماء قوامه الانتماء للفكر التنظيمي الضيق على حساب الانتماء لمصر التاريخ والجغرافيا، ولهذا هم أدنى بكثير من أن يضطلعوا بطموحات هذا الشعب الذي طال عذابه وتوقه إلى الحرية، ولهذا أيضا فإن ثورة مصر لم تكتمل بعد، وأن للشباب الغاضب الآن شرعيته في الغضب والرفض والاستماتة في استكمال المشوار، لأنهم ببساطة هم خارج اللعبة السياسية التي يجب أن يكونوا عنوانها الآن وفي المستقبل.
#محمد_عليم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كم سندفع لتنظيف مصر؟
-
هل يفعل العقلاء ؟
-
شرعية الكارثة!!
-
محنة ديدمونة وأحلام دولة العسكر!
-
عن المصريين في الخارج و.. تصويتهم
-
ما كان.. ما سيكون
-
وأكثر من ذلك.. في مصر!!
-
ماذا يحدث في مصر؟!
المزيد.....
-
FBI يعرض مكافأة 50 ألف دولار لمعلومات عن مطلق النار وقاتل رئ
...
-
صراخ وفوضى.. شاهد ما حدث في برلمان جزر البهاما بعد إلقاء نائ
...
-
-الأردن يحثّ بشار الأسد على مغادرة سوريا مع تقدم فصائل المعا
...
-
كولومبيا تصهر أكثر من 23,000 سلاح لتعيد تحويلها إلى مواد بنا
...
-
خطة من سبعة أيام لتحسين الهضم وصحة الأمعاء
-
أوكرانيا وسوريا: هل تستطيع روسيا القتال على جبهتين؟
-
الجيش السوري يعلن البدء باستعادة زمام الأمور في حمص وحماة وإ
...
-
-روستيخ-: الدبابات الغربية فشلت أمام الروسية بسبب ضعف دروعها
...
-
وزير الخارجية القطري يبحث مع نظيره التركي الوضع في المنطقة و
...
-
زعيم الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية: تنحي الرئيس يون أمر محس
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|