|
العملاء حائرون، يتذمرون...!! ..
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3953 - 2012 / 12 / 26 - 13:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رحم الله المطرب عبد الحليم حافظ حين ظهرت أغنيته ( الرفاق حائرون ، يتساءلون ، حبيبتي من تكون ) بعد موته ، فقد كانت هذه الأغنية مختبئة في الأرشيف ، حتى أستغلها وورثته وأطلقوها في عالم الغناء الرومانسي الهادىء قبل أن تدخل الأغنية العربية الرومانسية صخب الواقع وجنون عمليات التجميل والعري والكلمات البذيئة والألحان المسروقة ، المتشابهة ، كأن الغناء العربي تحول إلى ملامح صينية ، لا فرق بين العيون والقسمات وشد الجبهات . لا أعرف لماذا خطرت على بالي اغنية " الرفاق حائرون ، يتساءلون " لعدم وجود أي رابط بين موضوع اللبنانيون الهاربون الذي يطلقون صراخهم هذه الايام في اسرائيل - من قلة القيمة - وأغنية عبد الحليم ، لكن اكتشفت أن الرابط هو الحيرة والتساؤل ،من يكونون الآن (اسرا لبنانيون ) وكيف يعرفون أنفسهم ؟ وكيف سيحملون عارهم أمام الأجيال ؟ وكيف يبررون مواقفهم ؟ . جيش جنوب لبنان - الميليشيا - تشكل عام 1976 والذي حاول به سعد حداد الذي توفي 1984 مساعدة اسرائيل في القتال ضد الفلسطينيين والمقاومة اللبنانية ( حركة أمل والحزب الشيوعي اللبناني وحركة المرابطون ثم حزب الله ، ثم تولى بعده أنطوان لحد القيادة وسار على درب سعد ، لكن السعد لم يسير معه . لأن العتمة اللذيذة التي توقع " أنطوان لحد" أن يمارس لذة القيادة بها لم تأت على قدر أوهامه ، ففي عام 2000 طعن أيهود براك الذي كان قد وعد عام 1999 الناخب الاسرائيلي آنذاك والذي كان يعاني - فوبيا - من المقاومة في الجنوب ، بالخروج من المستنقع اللبناني ، لقد طعن براك الجنرال لحد في صميم أحلامه القيادية ، وانسحبت القوات الاسرائيلية من المنطقة المحتلة في جنوب لبنان ، وكان الهروب المثير والراكض والمذعور الذي وثقته الكاميرات في الفضائيات ثم في الذاكرة الشعبية والتاريخية والسياسية . لست بصدد التشفي ، لكن عندما نجد أخبار بقايا الهاربين تتحول الى صرخات ولوم وعتاب ، وفتات الجيش الذي بقي على مائدة الوفاء لأفكار لحد ، اذ لم يسّلموا أنفسهم للحكومة اللبنانية أو لحزب الله ، وفضلوا الهرب إلى اسرائيل تاركين بيوتهم وأقاربهم في لبنان ، ويعيشون الآن في المدن اليهودية ، وقد اندمج أولادهم في المجتمع اليهودي ، لكن يشعرون أنهم قد خسروا أولادهم وبناتهم ، ويعترفون أيضاً أنهم يعملون في أعمال مهينة وأكثرهم يعمل في المصانع برواتب متدنية ، ووصل القهر بهم الى إحدى النساء التي صرخت أنها مريضة تبحث عن قبر ، لا تريد أن تدفن في أي مكان ، أما المدعو أنطوان لحد فلا نعرف أين هو- قبل سنوات عرفنا أنه يدير أحد الملاهي الليلية - عدا أنهم يتهمون اسرائيل بالضحك عليهم فهم لم يتوقعوا أن تخذلهم اسرائيل بهذه الصورة . عبر التاريخ لم يكن للجاسوس والعميل والمتعاون مع المحتل أي قيمة واحترام ، وهذا يعرف في جميع أدبيات التاريخ البشري ، ونذكر قصة نابليون بونابرت عندما جاء الجاسوس الذي ساعدهم في الكشف عن اسرار عسكرية ساعدت الجيش الفرنسي في الانتصار ، كيف رمى له نابليون كيس النقود وعندما أراد الجاسوس أن يصافح نابليون قال له لا أصافح من يخون شعبه. رغم الأوضاع المهينة التي يعيشها اللبنانيون في هذه البلاد - وقسم منهم فضل الهروب من إلى الخارج - هناك من يحاول منهم التكلم بكبرياء وقذف سخريته أن - نار اسرائيل ولا جنة حزب الله أو العرب -. في الوقت الذي يتذمر هؤلاء البقايا من المعاملة الاسرائيلية التي لم ترحم لجوئهم ويحاولون إيصال أصواتهم إلى الذين عصروهم في معصرة التعاون ، ثم كسروا المعصرة فوق رؤوسهم، وتركوهم في مهب رياح الحياة ، في هذا الوقت يصل مراسل التلفزيون الاسرائيلي " أيتي أنجل" بكل عنجهية وراحة ، ودون خوف يجلس ويمشي ويراقب ويصور في منطقة أدلب في سوريا - وقد رأينا مراسل اسرائيلي آخر في ليبيا عند سقوط القذافي - حيث يظهر مع بضع رجال ما يسمى " الجيش الحر " وقائدهم أبو فادي يتحدث معه للمراسل الاسرائيلي "أنجل " ويثني على اليهود وعلى شارون ويطلق لقب " الكلاب " على رجال الجيش السوري الذين قتلهم وجثثهم ملقاه على الأرض - كأنه مكتوب علينا أن نبقى أسرى للذل - هكذا تحدث هذا الذي يسمى نفسه قائد المجموعة أبو فادي عن جيش دولته السورية ، ولم يتفوه هو ومجموعته جميعاً في المقابلة الاسرائيلية بكلمة حول مدينة القدس المقدسة وثالث الحرمين الشريفين والمستوطنات وفلسطين ، حتى- ولو لوم عابر- للحرب التي قامت بها اسرائيل على غزة ، وتجسد حلمهم بقتل الاسد فقط ، وعندما يتحول الأسد لوحده العدو الرئيسي ، سنقول لحلمنا العربي السلام . في كتاب الشاعر الفلسطيني مريد البرغوتي ( ولدت هناك .. ولد هنا ) أشار مريد بألم الى ظاهرة العملاء الفلسطينيين حيث يجب تكون في قبضة الحذر منهم أينما تكون لأنهم يسمعون وينقلون ويدلون ( قد تبدي أعجابك بالمقاومين والمطاردين في الجبال المطلوبين لإسرائيل وتحكي قصة واحد منهم تعرفه بحكم القرابة أو الصدفة أو الجيرة ، ويكون محدثك أحد العملاء الذين جندتهم اسرائيل وهم للأسف بالآلاف - واشترطت اسرائيل ووافق مفاوضونا الأذكياء أنه ليس من حق القيادة الفلسطينية معاقبتهم أو مطاردتهم أو حتى محاكمتهم - هم يسرحون ويمرحون بيننا وبعضهم معروف للناس ، وإنك قد تجد مجلس عزاء لشهيد بينما ابن خاله مثلاً أو أبن عمه أو صهره " عميل " يتلقى العزاء في قريبه " البطل " بحكم الروابط العائلية الريفية ، ويكون حزن العميل على الفقيد أصيلاً أيضاً ) . قلنا العملاء ظاهرة تاريخية معروفة ، لكن حين نسمعهم يصرخون ويتذمرون ويشعرون بخيبة الأمل بعد أن سلخت أحلامهم عن عظم الواقع الجديد ، لا بد أن نشعر بعصفور الفرح ينقر قشرة بيضة الكرامة ، بعد أن راهنوا على كسرها وسحق فرخها .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا بنت الكلب...!!
-
دعوه نائماً .. !
-
مجد للنسوان كاترينا وساندي .. !!
-
الحب المفاجيء بعد غياب أربع سنوات
-
قصة قصيرة .. الرئيس الذي نطح الفيس بوك .. شوقية عروق- منصور
-
الصبي القادم من خلف القضبان برفقة حنجرة صدام
-
وجه بيرس يستحق وسام الحرية..!!
-
قصة قصيرة: الموت في إسرائيل
-
إذا فسد الملح فكيف سنملح الملح؟!
-
في ذكرى النكبة -ثورة حتى العصر-..!
-
جدي.. رحل أحمد بن بله آخر رجالك الثائرين!!
-
محمود عباس يلعب شطرنج الكلمات مع نتنياهو
-
قصة قصيرة .. الأسنان الباكية ..
-
رقبة خادم الحرمين في جيب القاضي سليم
-
ذاكرة الحقيبة الفارغة
-
قصة قصيرة ... أنا وغولدا مائير تحت المطر
-
الجزر الفلسطيني والسرير المباركي
-
رجل العام -بوعزيزي- بدون نار ولا عربة خضار .
-
شاليط في رام الله
-
انزع رأسك أيها العربي
المزيد.....
-
احتمال حدوثها واحد من عشرة آلف.. لِمَ اعتبرت ولادة هذه الفرس
...
-
-غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لـCNN تجربته في غ
...
-
20 قتيلا على الأقل بغرق قارب في شرق أفغانستان (فيديو)
-
السعودية تعلن عملية بيع حصة إضافية من شركة أرامكو النفطية
-
أرقام صينية: ازدهار التجارة بين الصين والدول العربية على مدى
...
-
بدء تطبيق -بطاقة الفرص- لجذب عمال مؤهلين إلى ألمانيا
-
سياسية ألمانية تضطر لمغادرة بلادها مع أطفالها الثلاثة بسبب م
...
-
بالتفاصيل.. المقترح الذي أعلنه بايدن وقابلته حماس بإيجابية
-
وزير الدفاع الإندونيسي يؤكد استعداد بلاده لإرسال قوات حفظ سل
...
-
وزير دفاع إندونيسيا: خطتنا للسلام في أوكرانيا تبقى منطقية وم
...
المزيد.....
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|