يونس بنمورو
الحوار المتمدن-العدد: 3937 - 2012 / 12 / 10 - 15:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المراهقة الأولى : من السنة الثانية إلى السنة الثالثة .
مرحلة خطى الطفل الأولى جد رائعة و غنية أيضا ، فخلالها يتمكن الأب من اللعب و الإستمتاع مع الطفل ، لكن المرحلة العمرية اللاحقة بعيدة كل البعد ، على أن تكون مثالية هي أيضا إذ لم يعي الأب المشاكل الحقيقة التي تفرض نفسها خلال هذه المرحلة ، و لما تظهر أيضا فقط في هذا العمر بالذات ، لذلك غالبا ما يغيض الأب من تصرفات طفله و من سلوكه ؛ فأنا أسمي هذه المرحلة ب " المراهقة الأولى " إذا نجد تشابها كبيرا بينها و بين المراهقة الحقيقة " و التي أسميها أنا بالمراهقة الثانية " فبعض الكلمات عن المراهقة الثانية ، تمكن الآباء من فهم طبيعة و خصائص المراهقة الأولى .
المراهقة ، هي مرحلة إنتقالية من الطفولة إلى سن الرشد ؛ فقبل أن يصبح الطفل مراهقا فقد تمكن فيما سبق من تثبيت توازن سيكولوجي مرض بما فيه الكفاية لنفسه ، كما يمكننا كذلك هذا التوازن من ربط علاقات جد رائعة معه ؛ لكن ليصبح المراهق ناضجا راشدا ، يتوجب عليه تكسير هذا التوازن ، و خلخلة كافة المعايير السلوكية التي كان عليها في صغره ؛ فالمراهق متمرد و سلبي أيضا ، ما يميزه هو طبيعته الصعبة ، فهو لا يعرف ما يريد ، لكن يعرف جيدا ما لا يرغب فيه ، و يرفض قطعا كل ما نطلبه منه فعله و القيام به ، إذ يظهر فقط رغبته في رفض و معارضة رغباتنا و طلباتنا .
المراهق يبحث دائما عن معنى خاص لهويته الإيجابية ؛ لكن أولى خطواته نحو هويته الذاتية الإيجابية و نحو معنى الذات عنده ، يجب أن يمر عبر الخطوات السلبية ، و ذلك برفض رغبات و مطالب الآباء ، فسنوات المراهقة هي سنوات إنتقالية ، مليئة بالإرتدادات العكسية ؛ فالأب الغير واعي بالخصائص الإنتقالية لهذه المرحلة ، و غير واع بأن الهوية الذاتية السلبية يجب أن تسبق الهوية الإيجابية ، لن يستطيع فهم ، بأن عدم توازن الطفل السلوكي هي مسألة إيجابية في مسيرة تكونه كمراهق ، لذا سيظن بأن طفله يتصرف بشكل سيء وجب معه قمعه بشراسة ، و هذا الحل السلبي لن يزيد إلا من تعقيد الوضعية .
يتوجب على كل أب لطفل ذو السنتين ، أن يفهم بأنه ما بين السنتين إلى الثلاث سنوات ، هي مرحلة إنتقالية قريبة من مواصفات المراهقة الكبرى ؛ فالمراهقة الأولى هي العبور من مرحلة الطفل الذي بدأ لتوه في المشي إلى طفل صبي ؛ فالمراهق الأول هو أيضا متمرد و سلبي ، كما هو الحال بالنسبة للمراهقة الثانية ، فالكلمة التي توحد المرحلتين هي " لا " حتى أن الطفل المراهق نادرا ما يعرف ما يريد ؛ فإذا قدمتم له الحليب ، سيطلب عصيرا و العكس صحيح ؛ و هذا أمر و طبع شنيع ممقوت من جهة الآباء ؛ فبإعتباركم أبا ، إبتهجوا في هذه الوضعية بالذات ، و تصرفوا برفق مع زوجتكم ، خاصة لأنها تتحمل الطفل طيلة اليوم ، لذا ستكون في أمس الحاجة لقليل من التفهم و التشجيع من جهتكم كزوج ، خصوصا عندما ينتهي يومها الشاق ، الذي تكبدت خلاله عناء مراقبة الطفل لثمان ساعات متعبة أو تسع شاقة مرهقة ؛ خذوا إذن كامل عنايتكم لإضطرابات الطفل السلوكية ، و لبداية كذلك الطور السلبي من المراهقة الأولى ، و التي تعتبر خطوة حاسمة في تطوره السيكولوجي ، لذا سيكون من الأفيد بمكان للآباء فيما بعد ، لو تم تطوره النفسي برفق و سلاسة ، و بشكل منتظم أيضا ؛ لكن للأسف الأمور لا تتم غالبا بهذه الطريقة ، لأن مراحل التوازن السيكولوجي متبوعة بمراحل أخرى مضطربة و غير مرنة ، خصوصا خلال السنوات الأولى .
إن كل ما أسميه بالمراهقة الأولى أي السنة الثانية و الثالثة ، هي مرحلة غير متوازنة ، يليها ما بين السنة الثالثة و الرابعة ، و هي فترة متوازنة ، يليها فيما بعد السنة الخامسة و الرابعة ، و هي مرحلة غير متوازنة ؛ و حتى نفهم جيدا هذا السياق ، يكفي أن نتذكر جيدا بأن السنوات الفردية ــ السنة الثالثة و الخامسة ــ هي سنوات متوازنة ، بينما السنوات الزوجية ــ السنة الثانية و الرابعة ــ تشير لفترة غير متوازنة ، لكن يجبوا أن تعرفوا بالموازاة لما سبق ، بأن هذه التمايزات ليست سوى للتقريب فقط و لا يمكن دائما تطبيقها على طفلكم بشكل صارم ؛ لكن عندما لا تبارح كلمة " لا " فم طفلكم ، و يجعلكم تنساقون وراءه ، فتذكروا وقتئذ بأن طفلكم يتموقع ضمن المراهقة الأولى .
ما الذي يكتسبه الطفل إذن في هذه المرحلة ؟ أي عدسة ستنضاف لنظامه البصري ، و كذلك لمفهوم الذات عنده ؟ و خاصة ، كيف ستتأسس هويته الذاتية ــ تذكروا بأن ما يمر به الطفل خلال مراهقته الأولى ، سيعيد تجربته من جديد ، بين السنة الثالث عشرة و التاسع عشرة ــ لكن ما الذي يتوجب على طفلكم إكتسابه و تعلمه في هذه المرحلة إذن ؟ من الضروري جدا أن يبني الطفل شخصية متينة ، و وعيا بالذات صلبا ، لكن في نفس الوقت يتوجب عليه أيضا الإمتثال لقوانين مجتمعه ــ أي الأب و الأم ــ و ما ينتظره منه ؛ لكن خلال هذه العملية يمكن أن ترتكبوا خطأين فادحين ؛ الأول ، يمكن أن ترهقوا طفلكم بكثرة التحكم فيه ، و ذلك بحثه على للإنضباط المبالغ فيه ، و الإمتثال المتطرف لقواعد معينة جد صارمة ، هذا الجو التربوي الجد حازم ، سينتج لنا فردا خجولا ، و إذا ما إستطاع التكيف مع الوضع ، فأنه سيقاوم بكبت فضيع ، مما سيجعل من هذه المرحلة بالنسبة إليه كحرب ضروس ، مؤلمة و مستمرة بدون توقف أو إنقطاع ؛ كما يمكنكم أيضا أن تترددوا في توجيه طفلكم كما يرغب هو ، إذ ستتنازلون دائما عن مبادئكم التربوية في كل مرة يصرح فيها عن شيء ما ؛ فعندما يرفض الطفل الخضوع و التقيد بالقواعد المنطقية التي وضعتموها سابقا و جعلتموها أساسا و قاعدة للتربية ، ستضطرون لتغييرها مرارا و تكرارا حتى يحصل توافق متبادل ، في هذه النقطة سيتضح بأن طفلكم هو الذي يوجه الأسرة و يقودها و ليس أنتم بتاتا ؛ فالبنسبة لهذا النوع من الأطفال ، لم يستوعب مطلقا الدرس الحقيقي المتعلق بالإمتثال و الإنضباط ، للقواعد العامة طيلة هذه المرحلة ؛ لكن بشكل تدريجي و خلال إحتكاكه بمجموعة من المؤسسات على رأسها المؤسسة المدرسة ، سيعي آنذاك بأن المعلم و بجانب رفاقه في القسم ، ينتظرون منه الإمتثال لمجموع القواعد العامة المدرسية .
ليس سهلا كذلك على أي أب أن يعرف أي القواعد أفيد و أجدر ، كي يتم وضعها كأسس تربوية ، و ليس من اليسير أيضا ، أن يعرف الكيفية المناسبة لجعل الطفل يمتثل لتلك القواعد ، فطفلنا المراهق يتذبذب من الهامش إلى الهامش الأخر ، إذ لا يستقر على رأي ، إذ في أغلب الأوقات ينادي " أرغب في فعل هذا ، و لوحدي " لكن في لحظات أخرى يطلب منك القيام به ، أو على الأقل مساعدته في فعله ، فهو يتردد دائما بين رغبته في الإستقلال التام عن مساعدات الآباء ، و بين رغبته في الإرتباط الكامل كطفل رضيع .
أفضل نصيحة يمكن أقدمها لكم في هذا الطور ، و هي بدون شك أن تحافظوا على مرونتكم ، سواء من حيث المبادئ و الحدود التي وضعتموها كقواعد تربوية ، إذ سيكون من الخطأ أن يكون الأب جد صارم في طرق اللباس و أيضا في ساعات الإستحمام ... فالقواعد الثابتة مستحيلة و عصية عن التطبيق في هذه المرحلة ، لأن مشاعر و حماس الطفل جد متناقض و كامل التعقيد ؛ فعندما كان طفلي الأصغر في نفس هذه المرحلة ، أتذكر بأن أخته الكبرى طلبت منه الذهاب مع أصدقائه لحصص ترفيهية تقام في المدرسة ، في بداية الأمر رفض و أبدى عدم رغبته في الذهاب ، لكن بعد هنيهات معدودات عن قراره هذا ، قال " إنتظروا قليلا سآتي معكم " لكن في لحظة إنتظار زملائه لصعود للسيارة قال مرة أخرى " لا ، لا أرغب في الذهاب " في هذه اللحظة قررت المعلمة و باقي التلاميذ الذهاب ، لكنه صرخ مرة أخرى قائلا " إنتظروني سأذهب معكم " ففتح باب السيارة ، تردد للحظة و قال " لا ، لن أذهب معكم " و في هذه اللحظة تدخلت قائلا " يا راندي ، أعلم بأنك ترغب في الذهاب و الترفيه مع أصدقائك ، و ستضجر و تسأم إذ ذهبوا بدونك ، إصعد إذن للسيارة ، و إذهب معهم " فبالرغم إذن من صراخه دفعته بليونة لكي يختار الصعود للسيارة و الذهاب مع الآخرين .
فهذا حادث جد نموذجي فعلا في هذا الطور من النمو ، و الأب الماهر اللبيب يجب أن يكون مرنا ؛ لكن حتى لا يتم فهمي خطأ ، فمن الضروري على الآباء الحرص كذلك على بعض المبادئ و الحدود المقننة المحبذ تطبيقها في عمر الثلاث سنوات ، لكي تستمر و تدوم فيما بعد ؛ لكن من الضروري على الآباء بالموازاة لذلك ، أن يرتهنوا على جرعات المرونة حتى يتم التخفيف من حدة تلك القواعد و الضوابط .
#يونس_بنمورو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟