أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - عدنان عاكف - مَن شَرَمَ الشيخ !!















المزيد.....

مَن شَرَمَ الشيخ !!


عدنان عاكف

الحوار المتمدن-العدد: 3924 - 2012 / 11 / 27 - 18:47
المحور: الصناعة والزراعة
    



إصرار البعض من الساسة الذين بيدهم الحل والربط في العراق على مواصلة النهج السياسي الذي قاد البلاد من أزمة الى أخرى عاد بي الى عام 2009 حيث كان العالم العربي الرسمي منهمكا بالاعداد لمؤتمر القمة في مدينة شرم الشيخ. في حينها كنت بصحبة صديق عندما عرضت الفضائية اللبنانية لقطة طريفة، من فيلم كارتون، يظهر على الشاشة رجل بوجه بشوش وهو يتحدث، بنبرة واثقة هادئة عن مؤتمر القمة القادم. ويبدو من الكلام ان صاحبنا يردد ما كان يدور في وسائل الاعلام العربية الرسمية وغير الرسمية...

كانت الكاميرا تتنقل بين المتحدث ووجه شخص آخر، كان يبدو عليه امتعاضه وغضبه المتزايدين مع كل ثانية تمر. فجأة انتفض صارخا :
- هل بوسعك ان تخرس. لقد مللت من حديثك عن شرم الشيخ، وكأن ما تبثه وسائل الاعلام منذ شهر لا يكفي لتسميم الروح وشرم البدن. لقد أصبحتَ مثلهم. تتحدثون عن كل شيء له علاقة بشرم الشيخ باستثناء المسألة الجوهرية.
- وما هي القضية الجوهرية؟
- جوهر المشكلة هو السؤال الذي يحاول ان يتجنبه الجميع: " مَنْ شَرَمَ الشيخ " ؟
صدمني السؤال، الذي يتجنبه الجميع. وفجأة وجدت نفسي غارقا في نوبة من الضحك لم تتوقف الا عندما سمعت صرخته:
- ما الذي يضحكك؟ سألني الصديق بنبرة مستنكرة!
***
كان يحملق في عيني مندهشا، فيما كنت أحدق به ببلاهة. فجأة توقفتُ عن الضحك بعد ان اكتشفتُ اني بالفعل لا اعرف السبب الذي دفعني الى الضحك. ولكن اليس من الغريب ان افعل ذلك مع اني شخصيا، وبصفتي الرسمية كممارس لمهنة التعليم لسنوات، وَبَختُ العديدَ من الطلبة المشاكسين لأن " الضحك بلا سبب من قلة الأدب " ؟ ألا يدعو هذا بحد ذاته الى الضحك؟ انتابتني نوبة ضحك جديدة استفزت صديقي فسارع الى ترك الغرفة فورا.

بالفعل ! مَنْ شًرَمَ الشيخ؟ على مدى عشرات القرون والانسان يحاول ان يجيب على هذا السؤال من خلال متابعته لما يراه، وما يحدث على سطح الأرض وفي مياه البحر. ومنذ منتصف سبعينات القرن الماضي أدرك العلماء ان الاجابة على السؤال الجوهري، عن ما حدث فوق سطح الأرض تكمن في الأعماق السحيقة. لذلك وجهت جميع الجهود لدراسة تلك الأعماق بدلاً من هدر الوقت والمال للنبش في الأجزاء السطحية.

مَنْ شًرَمَ الشيخ ؟ تقع شًرمْ الشيخ ،من الناحية الجغرافية ، عند النقطة التي يتفرع فيها البحر الأحمر في نهايته الشمالية الى خليج العقبة وخليج السويس. ولو استعنا بالقاموس اللغوي سنجد ان هذا التفرع بالذات هو ما يعرف بالشرم. ومن اجل معرفة من شَرَمَ الشيخ علينا معرفة من شرم البحر الأحمر.

لن نغوص في تفاصيل اللوحة الجيولوجية المعقدة للمنطقة ، التي يعتبر البحر الأحمر جزءا مهما وحيويا منها، وبالتأكيد سنتجنب الغوص في البحر لنتعرف على خبايا قاعه، لأن الغوص تحت الماء يتطلب مهارة كبيرة في السباحة، وهذا ما افتقدُ اليه في هذا العمر. بل سنحاول ان نعطي صورة مبسطة قدر المستطاع. يعتبر البحر الأحمر جزءاً من منطقة مترامية الأطراف، وهي منطقة مضطربة وغير مستقرة جيولوجيا - كما هو الحال مع وضعها السياسي - .

يفصل هذا البحر بين كتلتين ضخمتين "صفيحتين" تتحركان بسرع واتجاهات مختلفة. ينتج عن ذلك تباعد الصحيفتين عن بعضهما، مما يؤدي الى اتساع قاع البحر الأحمر. ويقدر بانه يتسع بسرعة 1 سم في السنة. ويعتقد ان الصفيحة العربية بدأت تزحف نحو الشرق منذ نحو 25 مليون سنة. هذه العمليات المترابطة تنتج بمجملها عن تيارات حمل حرارية صاعدة من الأعماق تؤدي الى حركة الكتل الأرضية وتباعدها عن بعضها.

وهكذا نلاحظ ان البحر الأحمر، الذي تسبب بشرم الشيخ هو بحد ذاته ما زال يتعرض لعملية شرم بطيئة جدا بالمقياس الانساني لكنها ليست بذلك البطء لو خضعت لمقياس الزمن الجيولوجي. وسوف تتواصل هذه العملية حتى يتحول الشرم الى فتق. وهذا يعني اننا، وبعد عمر طويل، لن يستغرق سوى بضعة عشرات الملايين من السنين سنكون شهود عيان على انفلاق الكتلة العربية الأفريقية العملاقة - التي ما زالت في حالة رتق - الى قارتين منفصلتين.
ما كان بوسع الجيولوجيا ان تتوصل الى مثل هذه المعلومات التي تحدث على سطح الأرض ورصدها من الأعلى باستخدام الأقمار الصناعية إلا بعد ان غاصت بعيدا في اعماق الأرض السحيقة.
* * *
هكذا نحن في العراق منذ تسع سنوات تقريبا. يتفق الجميع على ان العراق مشروم ومأزوم، ويتفق الجميع على ضرورة رتق الشرم والخروج من الأزمة. وكما ان البحر الأحمر، ومنذ ان انشرم قبل ملايين السنين ما زال يتعمق ويتسع وسوف يتحول الى فتق يحمل اسم المحيط الأحمر، فان الجميع في العراق يتفق ايضا على ان الشرم يتسع ويتعمق يوما بعد يوم، وانه قد يتحول الى فتق ان لم يكن الى فتوق عدة يصعب رتقها. ولكن ينبغي على كل من يهمه أمر العراق ان يتذكر بان شرمنا لن ينتظر عشرات الملايين من السنين. والمشكلة الأخرى هي كثرة الشروم . هناك شرم بين الكتل السياسية المتنفذة وشرم في داخل الكتل نفسها. وشرم بين النظام والشعب، وقد يكون هو الشرم الأخطر. وشرم بين الطوائف والقوميات والمذاهب.

هناك فرق جوهري آخر وهو ان شرم الشيخ ظاهرة طبيعية خارجة عن ارادة البشر لذلك لا يمكن التصدي لها ووقفها، في حين ان عملية شرم العراق هي من ابداعنا نحن، ويمكن التحكم بها والتغلب عليها فيما لو توفرت الارادة القوية والرغبة الصادقة. وكخطوة أولى علينا في البداية ان نجمد الأسئلة الثانوية و نبتعد عنها قدر المستطاع، ونتوقف عن النبش في الطبقة السطحية، ومحاولة الغوص في أعماق البحر. وكخطوة أولى علينا التحلي بالشجاعة والجرأة ونبدأ بالسؤال الجوهري، ولنحاول الاجابة عليه بقدراتنا الذاتية ، دون اللجوء الى المستثمرين الأجانب: من شَرَمَ وما يزال يُشَرِّم العراق ؟ وهل من سبيل لوقف تلك العملية والبدء بعملية الرتق؟ لنحاول ان نغوص في أعماق العراق وسنجد ان كل الحلول المطروحة لحل الأزمة هي حلول ترقيعية وواهية لن تنفع إلا في شيء واحد هو اضافة أزمة جديدة الى الأزمة التي نسعى الى حلها. وقد أصبحت هذه الحقيقة معروفة للجميع حتى راح السياسيون والصحفيون يتفننون في صياغة التعابير الجميلة لوصف ازماتنا المركبة ولا أجد كلمات أفضل من ما كتبه الزميل ئاشتي في عموده في طريق الشعب في 7 -11-2012 وهو يتحدث عن أحزان العراقيين، كي اعبر بها عن الدوامة التي نعيش فيها منذ سنين، تلك الدوامة التي أخذت منا الكثير، ورحنا نتآكل بسببها ببطء من الخارج والداخل:
" يا لهذا الحزن، كم تـُرى سيعشعش في أرواح العراقيين ؟ وكم سيمضي بهم الى متاهات اليأس وهم عنه في غفلة؟ وكأنه أصبح قدرهم الذي لا فكاك عنه، ينتقل بهم من أزمة الى أزمة، فتتداخل الأزمات في أرواحهم، حتى تصبح كأنها أزمة متكلسة، تضطر ان تبحث عن حل لأزمتها، ولكن من أين تأتي بهذا الحل وحكامنا هم من يصنع هذه الأزمات المتداخلة...".

فعلى كل من يرغب حقا بتجنب متاهات اليأس ان يعمل جاهدا من اجل مساعدة أزمتنا على ايجاد حل لها. وهذا لن يتم الا بعد ان نعرف الاجابة على السؤال : مـَنْ شـَرَمَ الشـًيخ ؟



#عدنان_عاكف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحية لمن جدد فينا الأمل
- حضارة السلب والنهب !!
- الإسلام بين النجارين
- الإسلام بين كامل النجار وصادق العظم
- لماذا أخفق العرب في انجاز - الوثبة الأخيرة - نحو العلم الحدي ...
- أفتخر بكوني شيوعي
- البحث عن الإسلام الآخر
- شيء من كتاب - تاريخ العلم العام -
- قوموا انظروا كيف تزول الجبال -2
- حرية الفكر بين البيروني ودافينشي
- قوموا انظروا كيف تزول الجبال
- المسيحية وعمر الأرض
- الجيش والسياسة قبل ثورة تموز 1958
- هل كان العراقيون القدامى هواة عنف ودم ؟؟
- العالم كما أراه
- العلاقات الاجتماعية السياسية في بابل - 2 -
- العلاقات الاجتماعية السياسية في بابل - 1-
- حوار لم يتم بين مختار ورضا الظاهر
- من أجل حوار متمدن
- قراءة في كتاب -موضوعات نقدية في الماركسية والثقافة- الحلقة - ...


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - عدنان عاكف - مَن شَرَمَ الشيخ !!