أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - فى حقوق إمتياز الدولة البوليسية - إعادة هيكلة - قوى الثورة















المزيد.....



فى حقوق إمتياز الدولة البوليسية - إعادة هيكلة - قوى الثورة


سعيد العليمى

الحوار المتمدن-العدد: 3911 - 2012 / 11 / 14 - 01:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إذا كانت قوى الثورة إجمالا ( عمالا وكادحين , وفقراء فلاحين , وبورجوازية صغيرة ) تعيش ذلك التناقض الدرامى بين نضج الوضع الثورى من الناحية الموضوعية , وضعفها الذاتى مع تنظيماتها الثورية , بتخبطها النظرى , وعدم بلورتها لسياسات راديكالية على الصعيدين التاكتيكى , والإاستراتيجى , فإن الجناح البورجوازى الكومبرادورى ذو الأيديولوجية الدينية الذى بات يسيطر على السلطة السياسية بعد إزاحة أبرز ممثلى ( رأسمالية المحاسيب ) جزئيا عن المناصب التنفيذية فى قمم جهاز الدولة ليس فى وضع أقل درامية , وإن لم يكن بشكل متساولأنه يملك على الأقل جزءا متعاظما من السلطة , والتنظيم , والثروة , ويعتمد على أيديولوجية قروسطية جاهزة تاريخيا متغلغلة فى الريف , وأحزمة المدن العشوائية بصفة خاصة فى بعض أشد أشكالها بدائية . غير أن الواقع يكشف عن أنه لايزال يلملم أطرافه ليفرض سيطرته كاملة , إلا أنه لم يحكم قبضته بعد على كل أجهزة السلطة الأيديولوجية , والقمعية التى يتخلل تركيبها عناصر تنتمى لجهاز الحكم القديم , ومازال يدور صراع بين إتجاهات , وفئات البورجوازية غير المتجانسة على الهيمنة والغلبة , هذا الصراع الذى لايستبعد بالطبع أنماطا من التسويات , وأشكالا من التوافق . و تتجلى فى الوضع الراهن تلك السمات التى شخصها القائد العظيم لينين وصفا للوضع الثورى , بالمعنى الموضوعى للمفهوم ( برفض جمهور متعاظم من الشعب الحياة وفق الأاسلوب القديم , وعجز الطبقات العليا عن مواصلة فرض أسلوبها القديم ) – ولكن هذا لايكفى من أجل القيام بثورة جذرية جديدة بعد .


ومن المعروف أن الرئيس ( المنتخب ) لم يكن ليحظى بالرئاسة , لو لم يصوت لصالحه خصوم منافسه -- ( من الليبراليين , وبعض اليساريين , والمستقلين ) , وهم فى الأاصل من رافضى جماعته , وحزبه , وبرنامجه , وتطلعاته , -- درءا لاحتمال عودة عصبة مبارك , ولم يكن بمقدوره بحكم موقعه فى النظام القائم فوق قمة السلطة التنفيذية , أن يقفز خارج شبكة العلاقات الطبقية الرأسمالية الموجودة بكل تجلياتها , وتعقيداتها عالميا , وعربيا , ومحليا , بل فرض عليه أن يكون أسيرا لها , ولحدودها , ولعلاقات القوى بين أجهزة , وأدوات السلطة القمعية المختلفة , مما أوجب عليه فى لحظة أن يكون مثل ذلك الإله الإغريقى ( يانوس) الذي كان بمستطاعه أن يدير رأسه فى أى إتجاه أراد , وأن ينثر الوعود فى كل جهة بلا حساب -- قبل إعادة إنتخابات الرئاسة -- حتى يضمن أغلبية تمكنه من أن يصل إلى مقعدها , وأان يواصل من ناحية أخرى رسائل " الطمأنة " , بل وأن يؤكد بعضها أحيانا بعد إنتخابه , لأشخاص , أو جهات بعينها , بأنواط , وقلادات , أو بمناصب استشارية , أو بزيادات فى الدخول , وإمتيازات , أو بعدم المساس بأوضاع خاصة لهذه المؤسسة أو تلك , وإتخاذ إجراء , والنكوص عنه , وإبداء مختلف أنواع التبريرات . وكان من الطبيعى ألا يستطيع الوفاء بما قطعه على نفسه لفئات , وإتجاهات , وقوى طبقية , وسياسية متناقضة المصالح متعادية الإتجاهات , فضلا عن أن يفى بما توقعوه منه دون وعود . فكيف يتسق مثلا " أخذ حق الشهداء " مع النكوص الفعلى عن المطلب الاصلاحى غاية الاصلاحية الذى يتمثل فى " اعادة هيكلة الشرطة " , ومحاكمة قادتها الذين قاموا بعدة مجازر ضد قوى الثورة , بل وتأمينهم على انفسهم , ومراكزهم ثم ترقيتهم , وتكريمهم ومكافأتهم ؟ ولايقف الامر عند ذلك فحسب . فمشروع الإاخوان المعلن , وممثلهم السياسى قبل صعودهم إلى السلطة إجمالا بات يلاقى مصائر أشباح دراكيولا تحت ضوء الشمس , فبينما كانوا يعارضون سياسة مبارك بوصفها سياسة إقتصادية تابعة غير مستقلة , لم يتورعوا هم عن تبرير طلبهم لقرض من صندوق النقد الدولى بحيل " فقهية شرعية " شتى , كما لم يبدوا عزما على إلغاء إتفاقية الكويز , وإنتهجوا نفس السياسات الإقتصادية الليبرالية القائمة -- واهمين وموهمين إن الفساد كان قاصرا على بعض ممن أحاطوا بمبارك وسلطته , ولاعلاقة له بالسياسات الرأسمالية الإستغلالية بوصفها كذلك -- تلك السياسات التى ركزت الثروة فى أيدى حفنة من الرأسماليين , وأفقرت عموم الشعب المصرى , ولايكفى لعلاج هذه الاوضاع أعمال البر والإحسان , والصدقات , والزكاة الموسمية , او الدائمة , وتآخوا مع رأسماليى مبارك ( رجال الأعمال ) , فى محاولة صادقة للم الشمل , ورأب الصدع الذى أحدثته الثورة عند قيامها , بعد أن حقق هذا الجناح خطوته الأولى فى الهيمنة على السلطة , والرأسمال لادين له ولاملة إلا المصلحة الطبقية المشتركة , والكافر فى نظره هو المفلس . وفى كل الأحوال فهو جناح هجرمؤقتا موروثه الإنقلابى , ولم يتطلع لإنجاز ثورة أبدا حتى بمعناها السياسى , ولم يكن بالاصل قادرا على ذلك فضلا عن انه لم يكن فى حاجة اليها , وقد أتته ثورة 25 يناير مصادفة فمكنته من تحقيق أهدافه فى توسيع دائرة المتمتعين بالإمتيازات السياسية داخل الرأسمالية المسيطرة ذاتها – هذه الإمتيازات التى كانت قاصرة على مجموعة محدودة مغلقة. أما من ناحية العدو الإسرائيلى فقد إستمرت علائم المودة " البروتوكولية " رغم إستمرار الحصار على غزة , وهدم الأنفاق , ومواصلة تهويد القدس , والتعديات الدائمة على المسجد الأقصى , مع التأكيد الدائم على " إحترام " إلتزاماتنا وإاتفاقاتنا الدولية , أى إتفاقية كامب دافيد بصفة أساسية . فضلا عن العلاقات الإاقتصادية , والسياسية, والعسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية . مما مؤداه فى النهاية أنه لايوجد وربما لن يوجد " مشروع للإستقلال المعرفى والحضارى " لدى الجماعة كما قيل , وأان تلك الإدعاءات السابقة حالها حال مشروع " النهضة " أى لاشئ . فضلا بالطبع عن حفز تطلعات رومانسية رجعية , وآمال وأوهام وأمانى عند بعض قطاعات البورجوازية الصغيرة فى الأارياف , وضواحى المدن الفقيرة من الإاتجاهات السلفية , والجهادية فى إقامة الخلافة الإاسلامية , وتطبيق الشريعة بحدودها فوق التاريخية , والجهاد , وتحرير القدس , وإقامة الجمهورية الاسلامية , و عند القوى السياسية الليبرالية واليسارية حكومة الإئتلاف الوطنى , والدولة المدنية , وحقوق الشهداء والقصاص , وإعادة المحاكمات , والدستور التوافقى , ولدى الكادحين الحدان الأقصى والإادنى للإجور , والحريات النقابية , و لأهالى أسرى الثورة الإفراج عن معتقليها المدنيين وضباطها , هذا غير ماوعد بإنجازه خلال المائة يوم الأولى بشأن الأمن والقمامة والغاز والبترول وغيرها .. لقد غذى الرئيس جمهورا واسعا بالوعود ولم تسفر هذه الوعود حتى الآن عن أن تكون , إلافى حالات نادرة ترتبط بمصالح جماعته , سوى كلمات . ويعنى هذا أنه لم يحقق فعليا سوى متطلبات طبقته , وأجهزتها القمعية , وفق مصالح جماعته , وحزبها السياسى . وهو الآن أسير تلك الوعود التى كالتها جماعته طوال تاريخها , و كالها حزبه حديث النشأة , كما أنه من ناحية أخرى أسير وضع طبقى له مترتباته الدولية , والعربية , والمحلية , وهو مالايستطيع أن يفلت منه . والتناقض بين متطلبات وضعه , وإستحقاقات وعوده بات يكشفه ويثير السخط ضده . وأيا ماكان الأمر فان مصالح الطبقة الاجتماعية التى يمثلها هى التى تملى عليه مواقفه , وسياساته , وتوجهاته , بغض النظر عن التعارضات التى قد تنشأ عن تصارع الإتجاهات داخلها , أو المسافات الهامشية التى قد تنشأ بين الرئاسة , والجماعة , والحزب بشأن هذا الموضوع الجزئى أو ذاك , وهى التى تحكم منطق علاقاته مع القوى السياسية الاخرى أياكانت . غير أن جدل الصراع لايتوقف على طرف واحد .

لقد كان على " يانوس " – أقصد الرئيس -- أن ينظر أولا فى أوضاع طبقته , وأن يعيد ترتيب بيتها من الداخل , فتوصل الى صفقة مع المؤسسة العسكرية تجعلها شريكا مستقلا , بعد إزاحة بعض أبرز رؤوسها بمصادقة المؤسسة ذاتها ( وربما بترتيبات خارجية ) دون أن يمس ذلك مقوماتها , وأسسها , وأهدافها , وعقيدتها " القتالية " , والإبقاء بصفة خاصة على ركيزتها الإقتصادية من الشركات , والمشروعات " طعمة " لها كبورجوازية بيروقراطية عسكرية كما هى لم تتغير , مع زيادة إمتيازات , ومرتبات المنتسبين اليها , فى محاولة لضمان ولاءها ( الولاء مقابل إبقاء الامتيازات مع صلاحيات جديدة يكرسها مشروع الدستور ) . كما رفض بحزم الإشاعات التى راجت حول قادتها السابقين المشير طنطاوى , والفريق عنان بشأن التحقيق معهما فى قضايا فساد أو مجازر الشهداء , أو منعهما من السفر , بل وأشاد بدوريهما فى حماية الثورة ( إقرأ : المضادة ) كما قام بتعيين رئيس جديد لجهازى المخابرات العامة , والحربية . وقد أقسم الأول له قسم البيعة الخاصة . وكان قد صدر قانون جديد لهيئة الشرطة يلبى مطالب ضباطها وكوادرها , ومنحها زيادات فى الأجور والحوافز من مجلس الشعب المنحل . وقد أكد الرئيس لوزير داخليته السابق إبراهيم محمود " تقديره البالغ لرجال الشرطة ورفضه التام لمصطلحات تطهيرها ... ، باعتبارها العمود الفقري لمؤسسات الدولة، مؤكدا دعمه الكامل لرجالها وتوفير كافة الإمكانيات المطلوبة لهم لمساعدتهم على القيام بدورهم في تحقيق الأمن والأمان للمواطن المصرى أى " بالسلاح والآليات والعربات وأوقية الرأس والسترات الواقية من الرصاص " أما" الهيكلة " – على حد تعبير الوزير المقال فهي " شأن داخلي , وهى تحتاج إلى خبراء من الممارسين للعمل الأمني بالوزارة ، لافتا النظر إلى أن الداخلية أعلنت بالفعل إستغنائها عن تنظيم الحج ابتداء من العام المقبل." .... تعنى هيكلة وزارة الداخلية إستغناءها عن تنظيم الحج !! . ( جريدة البديل 29 – 6 -2012 ) كما جرى التفكير فى فصل جهاز الأمن الوطنى عن وزارة الداخلية , وإلحاقه بمؤسسة الرئاسة . أما بالنسبة للقضاء فقد أستعان بالموالين لجماعته الأخوين احمد ومحمود مكى الأول وزيرا للعدل , والثانى نائبا للرئيس , والمستشار حسام الغريانى رئيسا للجنة التأسيسية لعمل الدستور , ورئيسا للمجلس القومى لحقوق الانسان , و تعزز إندفاع جامح خاصة فى اللجنة التأسيسية للدستور نحو إانهاء دور المحكمة الدستورية العليا فى الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين , والاشراف القضائى على الانتخابات , وتقليص ان لم يكن الغاء دور هيئات قضائية اخرى الرقابي والاداري . أما بشأن الجهاز البيروقراطى فقد بدأ بتطعيمه بعناصر من صفوف الجماعة , والحزب , او موالية لهما مثل مناصب المحافظين , ونواب المحافظين , ورؤساء بعض الهيئات , والمؤسسات . كما يجرى العمل على قدم وساق للإستيلاء على مؤسسة الازهر بوصفها جهاز إنتاج الأيديولوجية الدينية الرسمية للنظام , برأسماله الرمزى التاريخى فى العالمين العربى , والإسلامى ( إستقلال الازهر يجب أن يعنى إستقلاله المطلق عن الدولة أصلا أى عن السيطرة البورجوازية المباشرة لها , او لإحدى فئاتها , وأجنحتها ) , وعلى جهاز الإعلام , والصحافة " القومية " من خلال مايسمى بمجلس الشورى .

لقد كان مآل الثورة , التى قطع الطريق عليها ولم تكتمل -- حتى الآن , التى بدأت فى 25 يناير منذ عامين أن نقلت السلطة السياسية من جناح داخل الطبقة البورجوازية الكومبرادورية إلى جناح آخر فيها كان مضطهدا بحكم المنافسة االإقتصادية , والسياسية , والأيديولوجية حول مراكز النفوذ وإتخاذ القرار ( رأسمالية المحاسيب ) ولأسباب تاريخية تخلفت عن مراحل سابقة . ولم يكن هذا الواقع الذى لم يشهد إنتقالا للسلطة من طبقة إجتماعية لطبقة اخرى , بل ولم يشهد حتى أى تغيير جوهرى سياسى فى مضمون , وشكل الحكم إلا أن يستبقى كامل أدوات أجهزة الدولة القمعية كما هى --رغم أن السبب المباشر الذى أشعل فتيل ثورة 25 يناير إستهدف هدم أعمدة الدولة البوليسية -- بل وأن يعززها ويقويها . هذه الأدوات التى أشرنا إلى واقعها الراهن سلفا , وهى الجيش , والشرطة , والقضاء , والبيروقراطية , ويضاف اليها السجون .

على هذه الخلفية السابقة يتعين علينا أن نرى سياسات , وتوجهات الرئيس الجديد الذى بات يرى فى الصراعات الطبقية الدائرة بطول البلاد وعرضها , حتى وان اتخذت حتى الان شكل نضالات اقتصادية مطلبية بالدرجة الاولى , مخاطر تهدد سلطته , وشروط وجود طبقته , وان نحاكم مشاريع القوانين الخمس التى قدمتها وزارة الداخلية لمجلس الوزراراء لاصدارها بمراسيم بقوانين * , بمقتضى سلطته التشريعية حال غياب مجلس الشعب , وألا نفصل هذه المقترحات عن مشاريع القوانين القمعية التى طرحت فى المجلس المنحل , ولاعن مشروع قانون الطوارئ , الذى استلهمه وزير العدل من غياهب السماء , ولا عن ماأسمى بقانون " حماية مكتسبات الثورة " الذى صيغ بناء على توجيهات الرئيس . وسواء صدرت هذه المشاريع ام لم تصدر الآن , أرجئت أو جرى عليها اى تعديل , سيظل مسعى سلطة الثورة المضادة قائما ملحا : تقويض , وتصفية كل مظاهر , وتجليات الصراع الطبقى التناحرى داخل مجتمعاتنا – بكل تبدياته الاقتصادية , والسياسية , والايديولوجية -- فى اوساط الطبقة العاملة , وفقراء الفلاحين , والكادحين , والمهنيين , والعاطلين , وأشباه العمال , والبورجوازية الصغيرة المدينية , والريفية . وهنا تتطابق تقريبا المصالح الاجمالية للطبقة السائدة مع " الهوس القمعى " عند وزارة الداخلية لاستعادة " هيبتها " امام الشعب الذى مرغها فى الاوحال رغم تجبرها وتغولها .

(انتهت الثورة بوصولنا نحن للحكم ) ... هكذا يعرضون سلطانهم بهذا القدر من المباهاة . وهذه هى الرسالة التى ترغب السلطة الحالية , وأنصارها فى ايصالها عبر مختلف الوسائل , والوسائط , والمتحدثين الرسميين , وغير الرسميين , من رموز الجماعة , والحزب , والمطوعة , وخصوصا من كل من يظن انه حامل للرأسمال الرمزى الدينى الذى يتطلع الآن الى زيادة امتيازاته , ومكانته بترسخ مكانة هذه السلطة بدءا من العلماء , والفقهاء , والكتاب , ومشايخ الفضائيات , حتى ائمة المساجد , والوعاظ فى الزوايا , وقراء القرآن على المقابر -- الذين اعتادوا تاريخيا على التبشير بما كان الاستبداد يريده , فضلا عن مروجى الرقيات والتعاويذ , والسواك , وبول البعير . فالسلطة الحالية لاتريد الا ان تعيد الاوضاع الى ماكانت عليه قبل الاطاحة بمبارك بضماناتها السياسية , والأمنية القديمة , وان تقضى على كل اثر خلفته العاصفة الثورية التى هبت فى 25 يناير عدا ( الذكرى العطرة ) التى اوصلتهم الى السلطة . ويبدو انه قد بات على هذا الجناح من البورجوازية ان يحاول تدمير وسائل الدفاع ( الاضراب , التظاهر , الاعتصام ) -- التى استخدمها احيانا فى مواجهاته العارضة -- ضد الاستبداد الراحل , حالما اصبح هو نفسه مستبدا . لذا يمكن للأهواء ان تصبح مشاريع قوانين , مادامت تصاغ بروح حزب النظام , مهما بلغت شدتها , او قساوتها, وهمجيتها , وان فى ظلال التبشير الدستورى , والهدوء المؤسسى , والانصياع للقانون , وارادة الاغلبية , والرئيس المنتخب , والبركات السماوية ... اى ان المطلوب هو الاذعان لارادة الثورة المضادة التى باتت تدعى انها القانون بحيث يصبح كل شك فيها خطيئة تستوجب اقامة الحد . وهى تهدد على لسان رئيسها فى الثانى من اكتوبر فى اسيوط ."بأنه لن يسمح ( لتيارات فكرية أو ثقافية لا قيمة لها أن تغير جلد الوطن، ... وأنه سيدعو الشعب إلى ثورة ثانية للتخلص من العابثين إذا استدعى الأمر ذلك ) -- هل يحتاج سيادته الى نمط "عامى" شعبى لحل مهام جناحه غير التقدمية , والرجعية المحضة ؟؟؟ لايستبعد بل غاية فى الاحتمال فلابد من سند اجتماعى حيث لاتكفى لذلك القوانين الاستثنائية , ولا الاجراءات العسكرية , والبوليسية القمعية ... فقد كانت الفاشية توجه عداء البورجوازية الصغيرة التى بلغت القاع فى تدهور اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية ضد الكادحين وخاصة الطبقة العاملة --- كما أشار الى انه ( ينظر ويرقب منذ اربعة شهور, ولكنه لايريد ان توصم هذه المرحلة بأنها تستخدم بقوة الحاكم , والقانون , وسيف الاستثناء ) . وهو الامر الذى سبق وأن ردده المتحدث الرسمى باسمه ياسر على من ان الرئيس قد اكد أننا " نحتاج للصبر وليس قوانين استثنائية " ( اليوم السابع 24 اكتوبر 2012 تحقيق السيد خضرى , وعبير عبد المجيد : ياسر على : الرئيس لايريد ) . كما ردد وزير الداخلية ان وزارته تراجع القرارات المنظمة لعملها " لتصبح يد القانون المنحازة للشعب " ( اى قانون ؟ واى شعب ؟ منحازة ؟ ) وانها مع" الشرعية المتمثلة فى مرسى" . وبهذه المناسبة نشير الى ان مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب اصدر بيانا ذكر فيه ان المركز قد رصد حالات التعذيب التى وقعت فى المائة يوم الاولى من حكم الرئيس فبلغت ثلاثين حالة تعذيب فى اقسام شرطة متفرقة , و11 حالة وفاة بسبب التعذيب داخل اقسام الشرطة , يضاف الى هذا سحل وفض مظاهرات ووقفات سلمية ومداهمة أماكن بدون اذن من النيابة .

ويمكننا القول مع تروتسكى -- بهذا الصدد -- إن كل شرطى يعرف أنه مع أن الحكومات قد تتغير فإن الشرطة تبقى . ونضيف بأنه لايمكن تحرير القمع من وطأة تاريخه , إلا شرط معرفة تاريخ القمع , وهو الأمر الذى لن تفعله الشرطة تحديدا . وتضافر مع ماسبق , إيغال البعض , وإصراره على الدعوة لتطبيق الشريعة التى لاتعنى لديه سوى تطبيق الحدود من صلب , ورجم , وقطع من خلاف , ومايرتبط بها من ارهاب , وترويع , وافزاع , وتخويف , وخاصة حد الحرابة الذى يوسع الداعون اليه من دوائر تطبيقه بحيث لايقتصر على ماعين له تاريخيا , ولابد ان نلاحظ ان تطبيق هذه الحدود لن يعيد النظم البائدة التى ظهرت فيها هذه الشريعة الى الوجود : اى الانظمة العبودية , او الاقطاعية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية , فالعودة للقرون الوسطى بهذا المعنى ليست واردة , وغير مستهدفة بالطبع عند الاتجاهات الغالبة , ربما سوى مايرتبط بالامتيازات الذكورية , وانما يتمثل مضمونها الطبقى الراهن فى حماية الملكية الرأسمالية الكومبرادورية القائمة وسياساتها الاقتصادية ( الليبرالية المتوحشة ) بارهاب متطرف شديد , واعادة بناء وتقوية اجهزة القمع , واعتبار اى صراع ضد النظام الاقتصادى , والاجتماعى, والسياسى القائم بمثابة انتهاك لأوامر الله وشريعته ! أى تكثيف الاستغلال وتبرير الاستبداد الكليانى الشمولى المعادى للديموقراطية . وفكرة الانتقال من الراعى الانسانى للنظم , الى الراعى الالهى لها تحاول ان تموه عبثا واقع الاوضاع الفعلية الملموسة بمؤسساتها وشخوصها , وتضفى عليها قدسية كاذبة ليست لها , من خلال خطابها وبنية الوقائع الاقتصادية والسياسية التى يصعب حجبها . وتتطابق هنا ازمة الطبقة , مع ازمة اجهزة القمع التى سبق وان أشرنا اليها . ولنلاحظ احد ممثليها ( صبحى صالح ) حين يعلن فى خطبة عيد الاضحى التى ألقاها فى الاسكندرية : ان هناك من اسماهم بالشيوعيين والملحدين محرضى العمال على الاضراب " يسعون الى تعطيل مؤسسات الدولة لاسقاطها وذلك من خلال شنهم حملة على مجلس الشعب للتشكيك فى شرعيته , ويسعون الان لتشكيك المواطنين فى اللجنة التأسيسية , وهم ايضا يسعون الى التشكيك فى شرعية الرئيس الشرعى المنتخب " كما انهم يحاربون من اجل اسقاط هوية مصر الاسلامية ولكن " ان الله معنا ونحن حراس الدين وشريعته " ( جريدة البديل 26 – 10 – 2012 ) اما الشيخ المحلاوى امام مسجد القائد ابراهيم بالاسكندرية فقد اعتبر ان انتقاد الرئيس ومعارضته حرام .. وطاعته فرض مثل الصلاة وواجبة كطاعة الله ورسوله .. وحكم الاخوان هو حكم الله , وهاجم الاضرابات وطالب الرئيس " بالضرب بيد من حديد " ( نفس المصدر ) كما أعتبرأن اغلاق المشارب والمحلات فى العاشرة مساء من الشريعة الاسلامية . ( نفس المصدربتاريخ 9 نوفمبر )

ومؤخرا أعلنت الحكومة -- فى ذات السياق -- عن عزمها اغلاق المحال التجارية فى العاشرة مساء , ولم يكن القرار لينطوى الا على " على رغبة قوية للسيطرة الاجتماعية , و لترويض شعب يعتبرونه جامحا جدا، وخصوصا في أجواء ما بعد الثورة التي تكثر بها الإضرابات والاحتجاجات ضد الحكومة المتعثرة، " ( الاسوشيتد برس ( الموجز 1- 11- 2012) أى ترويض الجسد لخلق تطبع خاضع منصاع وتفاديا للانغماس فى " المهاترات" حتى وقت متأخر من الليل حسب تعابير الرئيس فى خطبته فى 9 نوفمبر ...

حين كان بسمارك يناقش قانونه الاستثنائى ضد الاشتراكيين عام 1878 كان ينوه من على منبر الرايشستاج الالمانى ( البرلمان ) بأن القمع وحده ليس كافيا لسحق الاشتراكية , وأن هناك حاجة ماسة الى اتخاذ تدابير لعلاج الامراض الاجتماعية التى لايمكن انكارها , ولتوقع الأزمات الصناعية والسعى لتوقى أثرها مسبقا ( أما لدى رأسماليتا المتخلفة فلاتعرف شيئا غير القمع ومزيد من القمع ) . وكما يقول لينين ففى كل اقطار العالم الرأسمالي تلجأ الرأسمالية الى أسلوبين فى صراعها ضد قوى الثورة الأول هو انتهاج سبيل العنف , والحظر , والقمع , والقهر , وتنتمى هذه الوسائل فى اصولها الى الطرائق الاقطاعية القروسطية . و أن هناك فى كل مكان اقسام وفئات من البورجوازية – وهى اقل فى البلدان البورجوازية المتقدمة وأكثر فى البلدان المتخلفة –تفضل هذه الطرائق , وفى اوقات حرجة معينة اثناء تأزم الصراع الطبقى توافق البورجوازية بكاملها على استخدام هذه الوسائل ... اما الاسلوب الثانى فهو شق صفوف القوى الثورية باثارة الفوضى , والتشوش فى هيئاتها ومراتبها القيادية , مقدمة صنوفا متباينة من الرشاوى لبعضها... وهذه طرائق بورجوازية محضة , حديثة تتناسب مع الرأسماليات الاحدث . ( وسائل الانتلجينسيا البورجوازية للنضال ضد العمال . المجلد 20 ص ص 455 -- 486 . الاعمال الكاملة )

************

الحال ان وزارة الداخلية قد تقدمت لمجلس الوزراء بمشروعات خمس قوانين لمناقشتها , وعرضها على الرئيس لاستصدار مراسيم بها اعمالا ل " سلطته التشريعية " وكانت قد حاولت ذلك اثناء دورة انعقاد مجلس الشعب المنحل , وكما نوهت سابقا فكل الدلائل تشير الى ان هذا توجه اصيل لدى سلطة الثورة المضادة , واجهزتها القمعية , ولن تتخلى عنه الا بضغوط دائمة من القوى الديموقراطية , موظفة كل الوسائل المتاحة فى يدها. وهذه القوانين هى : 1 – قانون بشأن حماية المجتمع من الخطرين , 2- قانون بشأن تنظيم المظاهرات فى الطرق العمومية , 3 – قانون بشأن تعديل قانون تجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت , 4 – قانون بشأن تعديل بعض احكام قانون العقوبات , 5 – قانون بتعديل بعض احكام قانون الحفاظ على حرمة اماكن العبادة .

ان من يطالع مشاريع القوانين المطروحة من سلطة الثورة المضادة , واجهزة قمعها ضد قوى الثورة منذ ان بدأت فى مجلس الشعب المنحل وحتى الآن يلاحظ ميلا قويا للاسراف فى التجريم , والاسراف فى العقاب , ميلا لم يكن ينقصه الا حفر نص القانون المنتهك على جسد الجانى بمثقاب وفق ماورد فى احدى روايات فرانز كافكا – مستوطنة العقاب . وهنا لن اتناول هذه القوانين تفصيلا من جوانبها الفنية التشريعية حيث يمكن الرجوع للدراسات المتخصصة بشأنها , وانما سأركز على اهم مافيها من مواد ودلالالتها السياسية بالدرجة الأولى بالنسبة للصراع الطبقى والقوى الثورية وآفاق النضال .

وفق مشروع القرار بقانون بشأن حماية المجتمع من الخطرين ( ويبدو انه النموذج الاصلى لقانون حماية مكتسبات الثورة ) , فانه لا يمثل الا اعادة اخراج لقانون التشرد والاشتباه رقم 98 لسنة 1945 وتعديلاته , الذى حكمت المحكمة الدستورية العليا عام 1993 بعدم دستورية مادته الخامسة و كذلك المواد 6 , 13 , 15 , المرتبطة بها . وهو يهدد بجملته حريات المواطنين , وفيه أسوأ ماقدم لمجلس الشعب المنحل من مشروعات قوانين معادية للديموقراطية , وماقدمه مشروع طوارئ مكى وصحبه , وكذلك ما أسمى بمشروع قانون حماية مكتسبات الثورة , بل ان وزارة الداخلية فى المذكرة الايضاحية له قد ذكرت انها ( تتخذ من حماية مكتسبات ثورة 25 يناير مبررا لاصدار مثل هذا القانون ) ... ونصطدم فى مادته الاولى بالنص على أن : ( كل من ارتكب عمدا سلوكا جسيما ينبئ عن وقوع جريمة تخل بالنظام العام او تعرض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وتتسبب فى ترويع المواطنين او تهديدهم فى حياتهم وممتلكاتهم او اعراضهم يطبق عليه تدبير او اكثر من التدابير الوقائية الاتية :
1 – تحديد الاقامة فى جهة او مكان أمين مدة لاتزيد عن ثلاثين يوما .
2 – الالتزام بالاقامة فى مكان معين او حظر ارتياد مكان بعينه .
3 – الوضع تحت مراقبة الشرطة .
4 – الايداع فى احدى مؤسسات العمل التى تحدد بقرار من وزير الداخلية .

والظاهر من النص عاليه انه يستند على " التنبؤ " استنادا الى الشك , والارتياب , وفق معيار ذاتى يرتبط بما تستشعره "داخلها" سلطة من سلطات الضبط القضائى نحو مواطن بعينه , أوحتى جملة من المواطنين , وهذا الشك لايقوم على افعال بعينها تثيره , وانما على وصف مطلق مجرد غير متعين هو " سلوك جسيم " لاندرى معيارا لتحديده , وتعيينه , وضبطه , على ان " ينبئ" هذا السلوك باحتمال اتجاه ( نية ) هذا المواطن لارتكاب احدى الجرائم المنصوص عليها فى المادة الثانية من مشروع القانون , ولايتطلب ذلك كما هو ظاهر ارتكاب اى عمل تحضيرى , او تمهيدى , او اى شروع فى ارتكاب الفعل المتوقع , وبذا يمكن لهذا المواطن ان يعاقب على نوايا احتمالية يهدر بها المبدأ التقليدى حول ضرورة تفسير الشك لصالح المتهم وبذا يمكن ان يعاقب هذا المواطن عدة مرات خصوصا اذا كانت له حتى سابقة واحدة . وتعرف المادة الثانية السلوك الذى ينبئ عن وقوع جريمة بأنه " كل فعل او امتناع عن فعل تشير الدلائل الجدية أوالسوابق الاجرامية أو شهادة الشهود وقوع احدى الجرائم الآتية : ويعدد المشروع 16 جريمة نشدد فيها بصفة خاصة على مايعنى قوى الثورة منها , وقد رأينا فعلا ماذا تعنيه " الدلائل الجدية " وكذلك "شهادة الشهود" فى الاتهامات التى وجهت لقوى الثورة , ومنهم محمد جاد الرب عبد القادر ( سامبو ) الذى اتهم بالاستيلاء على سلاح , وأحمد دومة بالاعتداء على الشرطة , واتلاف المال العام , وعلاء عبد الفتاح ( بشهادة الصحفية الجليلة حنان خواسك فقد اتهم بخطف رشاش وسيارة عسكرية , وقد تبين فيما بعد انها كانت شاهدة زور ) , وهذه الجرائم هى : الاعتداء على النفس والمال م 1 , الاعتداء على المال العام م 2 , اتلاف وهدم المبانى والمنشآت العامة ... وقطع الطريق م 5 , جرائم تعطيل وسائل النقل أوالمواصلات العامة أو الخاصة او جرائم الاتصالات م 7 , جرائم الاعتداء على حرية العمل م 10 , جرائم مكافحة الدعارة م 11 , جرائم البلطجة م 16 . والجرائم المذكورة تدور فى مجملها حول مصادرة حق الاضراب , والاعتصام , والتظاهر , والوقفات الاحتجاجية, والتعبير عن الرأى فيما يسمى بجرائم الاتصالات . والانتهاكات الواردة أعلاه تتهم بها عادة قوى الثورة فكثيرا ماصورت بأنها هى المعتدية على قوات الشرطة عسكرية ام مدنية رغم سلاح الأخيرة , ومدرعاتها , وقنابلها , وأنها هى من تحرق رغم ان الشرطة بنوعيها هى التى تتعمد اتلاف , واحراق الممتلكات العامة , وتحرض عليه بواسطة عملاءها كما حدث بشأن المجمع العلمى الفرنسى , وأنها – قوى الثورة بحكم ممارستها لحق التظاهر السلمى قد تعطل وسائل النقل والمواصلات بسبب أعدادها , وحماية لنفسها من جرائم قوى القمع , ورجالها المندسين , وماسيارات السفارة الامريكية المسروقة التى قتلت واعجزت عشرات المتظاهرين ايام يناير ببعيدة عن ذاكرتنا . اما حق الاضراب سياسيا كان ام اقتصاديا فقد دفع الكادحون لقاءه منذ ايام مبارك سجنا واعتقالا وفصلا وتشريدا ودماءا , كما ان البلطجة هى مهنة أجهزة القمع وأدواتها وقد رأيناها فى الممارسة العملية على مدى العامين الماضيين , ولم يلقى القبض فيها على بلطجى فعلى حقيقى واحد . وتتصور البورجوازية عادة المناضلات الثائرات على مثال نساءها : اى عاهرات .
أما العقوبات الواردة فى المادة الاولى , وتوقيعها , فتخضع للسلطة التقديرية لجهاز القمع الشرطى , ولنزعته التحكمية , بحكم طبيعة تشكيل المحكمة التى ستنظر مثل هذه الدعاوى , وهى تتكون من قاض واحد يعاونه خبيران أحدهما من وزارة الداخلية , والآخر من وزارة الشؤون الاجتماعية , حسب منطوق المادة الرابعة من المشروع . وهذه العقوبات تتسع لصنوف القهر, والقسر من تحديد الاقامة فى جهة , أو مكان امين , ويمكن أن يكون هذا المكان الأمين قبوا من أقبية الأمن الوطنى لارقابة عليه من وكلاء النائب العام – كما يفترض فى نصوص القانون , أو سجنا مثل العقرب , أو منفى مثل شلاتين , أو حلايب حيث يمكن الالزام بالاقامة فى مكان معين , كما يمكن حظر ارتياد اماكن معينة وقد يدخل فيها جامعة , او مصنع , او نقابة , او جمعية , بل حتى ميدان من الميادين , او أيا كان . فضلا عن الايداع فى احدى مؤسسات العمل التى يحددها قرار من وزير الداخلية . اضف الى ماتقدم اذا حكم على مواطن بعقوبة سالبة للحرية فعليه تنفيذ التدبير المحكوم به وفق هذا القانون بعد الانتهاء من تنفيذ العقوبة المشار اليها ولاتحسب مدة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية من المدة المقررة لتنفيذ التدبير م 6 . وتنفذ احكام هذا القانون تنفيذا فوريا حتى لو جرى استئنافها م 7 . وفى كل الاحوال لايجوز وقف تنفيذ التدبير المحكوم به طبقا لهذا القانون .

**********

ونأتى لمشروع قرار بقانون بشأن تنظيم المظاهرات فى الطرق العمومية , فتعرف المادة الاولى المقصود بالألفاظ والعبارات الواردة فيه وخاصة : المظاهرة , المتظاهرون , السلطة المختصة , الوزير المختص , الاخطار . وتقر المادة الثانية فى صدرها حق التظاهر السلمى غير حاملين أية أسلحة , أوذخائر, او مفرقعات أو غير ذلك من وسائل الاعتداء الاخرى , وتنتهى فى عجزها الى وضع اساس مصادرة وتقويض وتصفية حق التظاهر كلية , بالنص على : " وذلك وفقا للأحكام والضوابط التى يحددها هذا القانون " وننوه الى ان هذا التقليد " القانونى " استعارته " البورجوازية المصرية من الديكتاتور الانقلابى الفرنسى لوى نابليون فى دستور فرنسا لعام 1848, وهو يقر الاطروحة , ونقيضها فى نفس الوقت , اى ينص على الحق وامكان نقضه بشكل لايمكن ان تتهم فيه السلطات ان صادرت هذا الحق او قوضته بأنها قد انتهكت القانون . ويسير المشروع بقرار بكامله على هذا النحو . فوفق المادة الثالثة : " للمتظاهرين الحق فى التعبير الحر عن آرائهم ومطالبهم بصورة فردية أوجماعية مستخدمين فى ذلك أية وسيلة مشروعة بما فى ذلك مكبرات الصوت او اللافتات التى تعبر عن اتجاهاتهم وميولهم السياسية . " ولكن تأتى المادة الثامنة بمحظوراتها الأربعة عشر لتجعل النص على هذا ال " حق " مزحة سخيفة . ولايتناول الحظر التظاهر فقط بل حتى الوقفات الاحتجاجية ايضا . وتحظر المادة المذكورة مايلى : التظاهر داخل المبانى والمنشآت الحكومية والتعليمية ودور العبادة وملحقاتها ( أى الوقفات الاحتجاجية ) , التعدى على المنشآت العامة والخاصة بأى صورة من صور الاعتداء ( التعدى لفظة مطاطة تتسع للدعوة للقاء على كافتيريا نقابة المحامين , بل والى الهتاف امام السفارة الاسرائيلية أو السعودية ) , غلق الطرق والميادين أو وضع حواجز ومتاريس لتعطيل حركة المرور ( الأعداد الألفية والمليونية , وتأمين المظاهرات ضد عملاء اجهزة القمع , وربع مليون بلطجى اقتضت ذلك ) , ازالة لافتات او أى اعمدة للاضاءة او زروع أو صناديق أو أسوار أو أى شئ يستخدم فى المرافق العامة ( هناك قوى اجتماعية مختلفة تشارك فى التظاهر , متفاوتة الوعى , والمواقف , مضطهدة , ومقموعة لعهود , ولازالت , والحركة السياسية تنضج وعيها , ومن الصعب مع الاعتداءات الوحشية البوليسية مناشدتها الالتزام ب " آداب" التظاهر قبل أن تلتزم به أجهزة الأمن ذاتها ) حرق اطارات أو أوراق أو أخشاب أو أى مادة أخرى أو استخدام مواد بترولية أو مواد تسبب الاشتعال ( حتى الأعلام – الأمريكى – الاسرائيلى – السورى , وكذلك شماريخ الألتراس , وقبلهما المولوتوف الذى يستخدم للدفاع الشرعى عن النفس ) , تدوين عبارات أو رفع لافتات تعد من قبيل السب والقذف المؤثمين عقابيا أو تمثل فى حد ذاتها استثارة لمشاعر الآخرين أو النيل من مؤسسات الدولة وهيبتها , ( حين تقام المجازر للثوار, وتلقى جثثهم فى المزابل , وتصوب طلقات الخرطوش على اعينهم , وتسحل , وتعرى رفيقاتهن , ماذا يتوقع منهم الا التعبير الانسانى المشروع عن غضبهم , فضلا عن شعارتهم السياسية المدروسة الهادفة الموجهة ضد الدولة , وهيئاتها بالطبع التى تستهدف لف الناس حولهم بكسب تعاطفهم ومساندتهم ؟؟؟ ويندرج تحت هذه المادة رسوم الجرافيتى الثورية الفنية , والشعارات التى تبدأ من : الشعب يريد اسقاط النظام , وعيش حرية عدالة اجتماعية , أو ياصهيونى صبرك صبرك بكره العربى يحفر قبرك , مرورا بشعارات المناضل كمال خليل التى تدعوا لتطبيق حد السرقة على الاخوان لسرقتهم الثورة , وصولاالى أغانى الالتراس وخصوصا المعنونة "تحية لضباط الشرطة " الحافلة بألفاظ معربدة منفلته تؤثرمعنويا فى مشاعر رجال الضبط القضائى المرهفة ! ) تلويث البيئة بأى مظهر من مظاهر التلوث ( كم امتدحت القوى الامبريالية العالمية من أوروبا وأمريكا فضلا عن رأسماليتنا المحلية " هذا الشباب الطاهر النقى " الذى كنس الميدان يوم 12 فبراير, وترك النظام على حاله , وتلويث البيئة نتاج للتخلف الاجتماعى العام , ولايرتبط بالثورة بشكل خاص ولايمكنك منع متظاهر من القاء ورقة , أو عقب سيجارة ) تحقير أو ازدراء الأديان السماوية ( لاحظوا ان وزير الداخلية السابق حبيب العادلى قد " تاب وأناب " وانتهى أخيرا الى أن " الدنيا ماهى الا متاع الغرور, وأن " منقذه من الضلال " لم يكن غير تسجيلات الشيخ محمد حسان الذى كان هو ايضا بالمناسبة من مشايخ " أمن الدولة " , كما ان المستشار عبد المجيد الزند رئيس نادى القضاة قد هبطت عليه حمامات التقوى اثناء أداءه فريضة الحج مؤخرا فنبهته الى " ضرورة تنقية نصوص قانون العقوبات مما يخالف الشريعة " , أما النائب العام عبد المجيد محمود فقد أصدر توجيهاته بانفاذ حكم قضائى قديم لصالح أحد السلفيين بحجب المواقع الاباحية وأيا ماكانت اسباب هؤلاء فى التزلف لهيئة الحكم الجديدة , فان عبارة "ازدراء وتحقيرالأديان " هى وصف وليست فعلا محددا , ويمكن ادخال أى سلوك فيها اذا تحدثت مثلا بشكل غير مناسب عن لحى الضباط السلفيين , أو عن الحجاب , أو رفع أحدهم فى مظاهرة شعارا ضد الدولة الدينية .. الخ ) اهانة أى هيئة من هيئات الدولة , ومؤسساتها , أو الاساءة اليها ( ماهى الاهانة ؟؟ هل يمكن تعريفها بفعل , أو أفعال ملموسة ؟ اذن ستكون أى شعار ضد الرئاسة او مجلس الوزراء , أو وزارة الداخلية , أو حتى هيئة الصرف الصحى ) استعمال الحيوانات أوالدواب أو وسائل النقل أيا كان نوعها ( لا أدرى ان كانت تستعمل الحيوانات أو الدواب فى مظاهرات الأقاليم , وبأى كيفية وأيا ماكان استعمالها للركوب , أو للنقل فلابد ان لها وظيفة معينة ولكنى لاأفهم التمييز الوارد فى النص بين " الدواب والحيوانات " !! اما فى المدن فتصاحب المظاهرات السيارات للتصويرالتليفزيونى العام والخاص احيانا , وقد لعبت الدراجات النارية دائما دورا اساسيا فى نقل الثوار الجرحى والمصابين الى المستشفيات أو لعربات الاسعاف التى لاتتمكن عادة من التغلغل داخل المظاهرة ) القاء أى عبارات أو أناشيد أو أغانى تثير الفتنة أو تحرض على استعمال العنف والكراهية ( أغانى الشيخ امام , وحازم شاهين بفرقته اسكندريللا , وأغانى الثورة عموما بل وأي عبارات – شدوا الهمة الهمة قوية – موش حنخاف موش حنطاطى احنا كرهنا الصوت الواطى ) استعمال الكبارى أو الانفاق أو الجسور للتظاهر ( فى القاهرة عادة تتجمع المسيرات التى تتجه الى ميدان التحرير فى نقاط معينة وغالبا ماتمر على احد الكبارى سواء كان اكتوبر , الجلاء , عباس , المنيل , قصر النيل , وهو مرور لايمكن تفاديه على الأغلب , وكذلك الأ نفاق خاصة تلك المظاهرات التى تبدأ من نفق شبرا , أما الجسور فتخص الأقاليم على الأرجح , والواقع أنه وفقا لمنطق الداخلية كان ينبغى اضافة : الميادين والشوراع والأزقة , للكبارى والأنفاق والجسور.

وأخيرا الخروج على خط سير المظاهرة أو المكان المحدد لها أو تنظيمها فى وقت مخالف للموعد المحدد لها . وكذلك مخالفة الضوابط والاجراءات والتدابير الأمنية الموضوعة للتأمين أو ارتكاب أى فعل من الأفعال المنهى عنها وفقا لقانون العقوبات والقوانين المكملة له .

يبدو أن المطلوب بالفعل هو عمل مظاهرات جنائزية صامته فى مكان صحراوى ! وهو مايساوى تقويض حق التظاهر من الأساس اذا نظرنا الى اجمالى الشروط المطلوبة للترخيص.

ولكن ليس هذا هو كل شئ فعلى من يتولى تنظيم المظاهرة أن يقوم باخطار السلطة المختصة قبل تنظيمها بثلاثة أيام على الأقل فى أى مكان كانت ( وكأن كل المظاهرات يخطط لها , ولاتقوم عفويا عقب أحداث معينة تتطلب أحيانا موقفا فوريا ) , على أن يشمل الاخطار تحديد المكان والزمان والأسباب التى دعت لتنظيم المظاهرة وخط سير المتظاهرين والاعداد المتوقع مشاركتها فى المظاهرة والمطالب التى ينادى بها المتظاهرون ( م 4 ) . ويقدم الاخطار موقعا عليه من ثلاثة أشخاص على الأقل ممن يتمتعون بحسن السمعة ( بأى معنى ؟ لدى أجهزة القمع لايتمتع الثوريون الحقيقيون بعكس الاصلاحيين , والاحزاب الديكورية المتعاونة بحسن السمعة ! ) أو موقوفين عن مباشرة حقوقهم السياسية , ويكونوا مسؤولين مسئولية مباشرة ( كيف ومعظم المظاهرات عامة مفتوحة , ويحضرها عادة من شاء ممن لايعلم أحد كيف سيسلكون هذا اذا استبعدنا الاستفزازيين من عملاء الأجهزة السريين ) وذلك دون الاخلال بالمسؤولية الفردية عن الأضرار التى قد تنجم عن المشاركين فى المظاهرة أو المنضمين اليها . ولايجوز تقديم الاخطار من غير المصريين ( حرمان اخوتنا العرب من فلسطين , وسوريا وغيرها من حق التظاهر امام الجامعة العربية أو سفاراتهم مثلا ) ويحدد وزير الداخلية بقرار منه الاجراءات المتطلبة لتقديم الاخطار بتنظيم مظاهرة ( مما يمكنه من وضع قيود اضافية على الشروط التعسفية الواردة فى مشروع القانون كيفما شاء : تأمين مالى مثلا ! ولم لا ؟ ) يحدد المحافظ المختص الأماكن التى يجوز تنظيم التظاهرات فيها ومواعيد انتهاءها -- م 4 ( يمكن ان يقرر ان تكون خارج كردون المدينة , وفى اى وقت شاء من بعد صلاة الفجر ) . وفى كل الاحوال يجوز للسلطة المختصة الاعتراض على تنظيم المظاهرة فى المكان والزمان غير الملائمين لظروف الحالة الأمنية ويمكن التظلم قضائيا من هذا القرار – م5 ( اذن هذا مع ماسبق يعنى ان التظاهر لايتم باخطار مجرد اخطار وانما بترخيص يمكن أن يمنح او ألا يمنح وقد يفوت الغرض من التظاهر اذا جرى التظلم من القرار امام القضاء خاصة مع مايربط شبكة اجهزة الدولة القمعية بعضها ببعض ) . ويواصل المشروع .. مع مراعاة ماهو منصوص عليه فى قانون الشرطة من حقوق وواجبات لهيئة الشرطة فى اطار حفظ الأمن , ومراعاة الأوامر والنواهى الواردة فى قانون العقوبات والقوانين المكملة , وفى اطار الضوابط المتعلقة باستعمال حق الدفاع الشرعى وأداء الواجب .لايترتب على أى نص من نصوص هذا القانون تقييد مالرجل الشرطة من الحق فى تفريق المتظاهرين وفقا للقانون والتدرج فى استعمال القوة اذا صدر منهم اى فعل يعرض الأمن العام للخطر أو يؤدى الى منع أو تعطيل سير العمل بأحد المرافق العامة أو الاعتداء عليها أو اعاقة حركة المرور فى الطرق والميادين وخطوط السكك الحديدية أو التأثير على السلطات العامة فى أعمالها أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح – م9 ( تتأتى خطورة هذه المادة القراقوشية من أنها تنتهك ماأستقرعليه العمل محليا ودوليا من ضرورة التناسب بين الأفعال التى يجرمها القانون , واستعمال القوة وخاصة الأسلحة النارية , فبينما يجيز قرار وزير الداخلية رقم 156 لسنة 1964 , وكذلك المادة 102 من قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 استخدام الأسلحة النارية فى حالة فض التجمهر أو التظاهر الذى يتكون من خمسة أفراد أو أكثر( اذا تعرض الأمن العام للخطر) فان مشروع القانون المقترح قد زاد على ذلك امكان استخدام الأسلحة النارية اذا صدر من المتظاهرين أى فعل يؤدى لمنع أو تعطيل سير العمل بأحد المرافق العامة ... أو إعاقة حركة المرور ... أو التأثير على السلطات العامة فى أعمالها , تعطيل تنفيذ اللوائح والقوانين , ( ومفاد ماسبق اعطاء أجهزة القمع حق استخدام الأسلحة ضد متظاهرين عطلوا حركة المرور فى طريق او ميدان ماداموا قد أنذروا وروعى معهم التدرج المطلوب ) . وقد أجازت المادة العاشرة لكل ذى شأن ولأصحاب المصلحة المتضررين من تنظيم المظاهرة – حماية لهم وممتلكاتهم اللجوء الى قاضى الأمور المستعجلة للفصل فى استمرار المظاهرة من عدمه ... م 10 ( سيكون هذا مبررا لفض المظاهرة بالقوة المسلحة ان بدأت , ولن نعدم عملاء لأجهزة القمع يلجأون للقضاء لوقف المظاهرة , او لمن له مصلحة من أصحاب المحلات والتجار , أو حتى من المحامين المدافعين عن الحزب الحاكم ممن يمارسون هواية اقامة مثل هذه الدعاوى لسبب او لآخر . ) وقد جاءت العقوبات مسرفة فى شدتها وأدخلت أغلب هذه الانتهاكات الموصوفة فى دائرة الجنايات وذلك على الوجه الوارد فى المواد 13, و14 , حيث تتراوح العقوبة بين السجن المشدد والغرامة التى لاتقل عن خمسين ألف جنيه , والسجن والغرامة التى لاتقل عن عشرين ألف جنيه . وهنا ايضا لاتتناسب هذه العقوبات المغلظة مع جسامة الانتهاكات وهو مايخالف ماورد فى نصوص قانونية اخرى كانت العقوبات فيها اقل --- جنحة مثلا وهو ماينطبق على كل ماعددته المادة الثامنة -- وكذلك مااستقرت عليه مبادئ المحكمة الدستورية العليا من أن شرعية الجزاء تستمد من تناسبه مع الأفعال التى أثمها المشرع .
أثارت المادة الخامسة عشر من مشروع وزارة الداخلية سخرية المشتغلين بالقانون والنشطاء السياسيين . وهى التى تعاقب بالحبس مدة لاتقل عن سنة أو الغرامة التى لايزيد مقدارها على عشرة آلاف جنيه كل من خالف شروط الإخطار بتنظيم المظاهرة المنصوص عليها فى هذا القانون --- وأعتبروا ان هذه العقوبة هى جزاء إغفال أى من الشروط الشكلية للإخطار الذى عرفته المادة الأولى بأنه " التعبير عن الرغبة المكتوبة لتنظيم مظاهرة " وقد نظمت المادة الرابعة شروط تقديمه , وهو اخطار الجهة الادارية قبل تنظيم المظاهرة بثلاثة أيام على الأقل , على أن يشتمل الإاخطار على تحديد المكان والزمان والأسباب التى دعت لتنظيم المظاهرة , خط سيرها , والأعداد المتوقع مشاركتها , والمطالب التى ينادى بها المتظاهرين " واذا صحت وجهة نظرهم فلايمكن وصف ذلك الا بأنه مهزلة . فاغفال بيان فى أى طلب ايا كان لايقتضى شيئا غير رفضه . لكنى أعتقد أن المقصود هو مخالفة البيان لما جرى فى الواقع الفعلى , اى ان تقوم المظاهرة فى مكان غير المذكور فى الاخطار مثلا , او بتغيير خط السير أو مطالب المظاهرة وماإلى ذلك .

يتبين مما ذكر عاليه أن الهدف ليس تنظيم حق التظاهر كما هو الحال فى " الدول المتقدمة " وإنما تقويضه كما هو الحال دائما فى" دولنا المتأخرة" .
.
***********
صدر فى عهد حكومة عصام شرف المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 حول تجريم الاضرابات العمالية والمهنية تحت مسمى " تجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت" , وقد اعتبر هذا القانون ساريا من الناحية الزمانية وقت قيام حالة الطوارئ فحسب فلما انتهت الأخيرة فى نهاية مايو الماضى انتهى سريانه بانتهاءها . ومع تزايد الحركة الاضرابية بسبب عدم تلبية المطالب المشروعة للمضربين مع انتهاج نفس سياسات حكم مبارك فقد تراءى لسلطة الثورة المضادة ان تحول القانون الخاص بتجريم الاضراب الى قانون دائم لايرتبط بحالة الطوارئ . وقدمته تحت مسمى مشروع قرار بقانون ... بشأن تعديل المادة الأولى ( الفقرة الأولى ) من المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت , وهدف مشروع وزارة الداخلية من تعديل الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المذكور الى سريانه بصفة دائمة دون الارتباط بسريان حالة الطوارئ مع تشديد العقوبة فى حالة ارتكاب الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون . وجرى نص التعديل على الوجه التالى :
يستبدل بنص المادة الأولى ( الفقرة الأولى ) من المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2011 المشار اليه النص الآتى " مع عدم الاخلال بأية عقوبة أشد منصوص عليها فى قانون العقوبات أو فى قانون آخر , يعاقب بالسجن والغرامة التى لاتقل عن خمسين ألف جنيه ولاتجاوز مائة ألف جنيه كل من قام بعمل وقفة او نشط ترتب عليه منع أو تعطيل أو اعاقة احدى مؤسسات الدولة أو احدى السلطات العامة والخاصة أو احدى جهات العمل العامة أو الخاصة عن أداء أعمالها .
ويعاقب بذات العقوبة المقررة من الفقرة السابقة كل من حرض أودعا أو روج بالقول أو بالكتابة أو بأية طريقة من طرق العلانية المنصوص عليها فى المادة ( 171 ) من قانون العقوبات لأى من الأفعال السابقة ولو لم يتحقق مقصده . وتكون العقوبة السجن مدة لاتقل عن خمس سنين وبالغرامة التى لاقل عن مائتى ألف جنيه ولاتجاوز خمسمائة ألف جنيه اذا استخدم الجانى القوة أو العنف أثناء الوقفة أو النشاط أو العمل أو اذا ترتب على الجريمة تخريب احدى وسائل الأنتاج أو الأضرار بالوحدة الوطنية والسلام الأجتماعى أو الاخلال بالنظام أو الأمن العام أو الحاق الضرر بالأموال أو المبانى أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الأستيلاء عليها .
ويلاحظ أنه بالاضافة الى ديمومة المشروع بقانون بالغاء ربطه بحالة الطوارئ , وجعله اداة دائمة لتجريم الاضرابات والاعتصامات وحتى الوقفات فانه قد غير وصف الانتهاكات القانونى ورفعها من جنح الى جنايات بحيث تغيرت العقوبات من حبس الى سجن , بما يجيز عدم وقف تنفيذ العقوبة , ورفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة لكل من قام بعمل وقفة احتجاجية أو نشاط , وقد كانت من صلاحيات القاضى ان يعاقب بالحبس أو بالغرامة أو بهما معا فأتى التعديل المقترح ليشدد العقوبة فيجعل السجن والغرامة وجوبيا .

لاحاجة لتكرار ماينطبق على هذه القوانين القمعية كافة من تجريم بالأوصاف مثل الاضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى أو الاخلال بالنظام ... الخ ومن النزعات القراقوشية لمساواة السلوك التحريضى على الأفعال بمرتكبيها – بل حتى لو لم يتحقق مقصدهم من التحريض ! . ويغشى هذه التشريعات جميعا وهم إمكان مصادرة مظاهر الطبقى بقوانين تغالى فى العقوبات بتشديدها .

الإضراب سلاح لاغنى عنه فى معارك الصراع الطبقى وخاصة فى مسعى الطبقة العاملة لتحسين شروط عملها , وقانون العمل 12 لسنة 2003 يقر بهذا الحق وينظمه . وكان الحصول على حق الاضراب ثمرة نضال شاق عسير امتد لعقود توجته احكام القضاء المصرى عام 1986 بمناسبة اضراب عمال السكك الحديدية , فضلا عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التى وقعتها الحكومة المصرية . ويلاحظ ان المضربين يعتبرون من بين من اعتبرهم " قانون حماية المجتمع " ... من الخطرين أى ممن يجوز ان تتخذ ضدهم كل التدبير القهرية التى أشرنا اليها عند عرضنا لذاك القانون .

**********
أضف إلى ماسبق فقد تقدمت وزارة الداخلية بمشروع قانون يهدف لتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 . والهدف الأساسى من التعديلات – فهناك أهداف أخرى ثانوية تتعلق بسرقة التيار الكهربائى , والكابلات , والاستيلاء على مياه الرى والشرب -- هو تشديد العقوبات على التعديات الواقعة على أفراد الشرطة والقضاء والمنشآت الشرطية ومركباتها والسجون وغيرها . وتناولت التعديلات المقترحة المواد " 133 –1 , 136 ,137 , 142 , 143 ,144 , 162 , 162 مكررا أولا , 216 مكررا ( ثانيا ) ( أ ) ,316 مكررا ( ثانيا ) (ب) , 316 مكررا ( ثالثا ) , 375 " كما تضمن التعديل اضافة مادة جديدة هى 376 مكرر وهى تختص بتجريم الأفعال التى تمثل تعمدا لتعطيل حركة السير فى الطرق أو الميادين العمومية أو المؤدية اليها بهدف التأثير على قرارات أى مؤسسة من مؤسسات الدولة أو بغرض النيل من قدراتها على القيام بواجباتها الدستورية والقانونية .... وهو مايعنى إضافة قيود جديدة على حق التظاهر السلمى أو أى مظهر من مظاهر الإحتجاج كالوقفات الإحتجاجية أو الإعتصام . وقد قررت هذه المادة عقوبة على ذات الأفعال والجرائم التى عددها مشروع قانون التظاهر – الذى ناقشناه آنفا – فى المادة 8 منه ومن ثم يمكن تطبيق العقوبة الواردة فى المادة 14 والعقوبة المنصوص عليها فى هذه المادة لأن الفعل المعاقب عليه هنا هو " التأثير على قرارات أى هيئة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة لإضعاف قدراتها على القيام بواجباتها الدستورية والقانونية "
.
ووراء مبادئ الشرعية الدستورية , وهيبة الدولة يتخفى جهاز القمع الجريح الذى لايريد ان يسترجع فقط حقوق إمتيازه التى زعزعتها الثورة , وانما يريد تعزيزها أضعافا مضاعفة فى ظل الشرعية السياسية " المنتخبة " التى تبحث هى ذاتها عن ركائز وأعمدة بين أجهزة القمع المتعددة . وتنوه المذكرة الإيضاحية للمشروع بأن الهدف منه توفير أكبر قدر من الحماية لرجل الشرطة , وإقرار غطاء تشريعى يدعمه حال القيام بإختصاصاته , وكذلك تحقيق الردع بنوعيه العام والخاص " لكل من تسول له نفسه الإعتداء .... على رجال الضبط أثناء مباشرتهم لعملهم " ويلاحظ ان احد أهداف المشروع هو " بث الثقة فى نفوس رجال الضبط سواء كانوا من رجال الشرطة أو من غيرهم للقيام بواجباتهم التى ألزمهم بها القانون دون وجل أو تردد ... " وهو مايساوى اذا ماوضعنا جملة القوانين فى الإعتبار إطلاق اليد فى القمع والترويع والإرهاب , وهوما يسوغ من وجهة نظرهم الإيغال فى تشديد العقوبات والغرامات . أما " التعديات " على رجال الضبط فقد تتمثل فى " الإهانة بالإشارة أو القول " غير أنها توقع ستة أمثال العقوبة أو إثنى عشر مثلا إذا حدثت تلك الإهانة وسط مجموعة من المواطنين أو تسببت فى إحداث هياج ينجم عن إضطرابات أمنية أو إخلال بالأمن . فضلا عن الأوصاف غير المحددة على نحو ملموس والإيغال إجمالا فى تشديد العقوبات كما بينا . تشدد ايضا هنا عقوبة التحريض بحيث تصبح مساوية لإرتكاب الفعل بلا فارق حتى ولو لم ينتج التحريض أثرا . ولاينبغى ان يثير دهشتنا ان مشروع وزارة الداخلية لم يتطرق الى تعديل مواد القانون ومنها المادة 126 بشأن حوادث التعذيب اليومية فى أقسام الشرطة والسجون , حيث تقتصر هذه المادة بعقوبتها الهينة على مجرد " القسوة" بقصد الحصول على إعتراف أما اذا لم يستهدف الإعتراف فلاتنطبق !!

**************

تقدمت وزارة الداخلية بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم ( 113 ) لسنة 2008 بالحفاظ على حرمة أماكن العبادة , وهو القانون الذى صدر فى عهد مبارك مستهدفا منع التظاهر فيها الذى كان يحدث فى أهم المساجد مثل الأزهر, والنور , وفى أعقاب تجمعات الجمعة غير الأعتيادية , أو نادرا فى البطريركية الأورثوذكسية . وقد قدم مشروع القانون أصلا إلى المجلس العسكرى غير أنه لم يصدره . وتضمنت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون اسباب التعديل التى لم تكن أقل من ... " وإحتراما لقدسية أماكن العبادة وتوفير أكبر قدر لتأمينها فقد صد ر القانون رقم ( 113 ) لسنة 2008 لتجريم التظاهر داخل دور العبادة توقيرا لهذه الأماكن وتوفير أكبر قدر من السكينة لمرتاديها , إلا أن ماشهدته مصر خلال الفترة الأخيرة من حالات الإعتداء المتكرر وغير المسبوق على تلك الأماكن المقدسة فرض علينا التصدى بكل حسم وقوة لهذه الحالات بتجريم أى مظهر من مظاهر الإعتداء أو تجريم تخريبها أو الإعتداء على مرتاديها لتصل العقوبة إلى الإعدام إذا ترتب على الإعتداء وفاة أى شخص . " ... ويهدف التعديل "إلى تحقيق الردع العام والخاص بتغليظ العقوبة ".
وقد نصت المادة الأولى على أن" يستبدل بنص المادة الثانية من القانون المذكور النص الآتى :
مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها فى أى قانون آخر , يعاقب على مخالفة الحظر المنصوص عليه فى المادة الأولى بالحبس مدة لاتجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لاتقل عن خمسة آلاف جنيه ولاتجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا كان الجانى من الداعين إلى المظاهرة أو المنظمين لها أو المشاركين فيها .
وتضاعف العقوبة إذا كان أحد الداعين إلى المظاهرة أو المنضمين لها أو المشاركين فيها من القائمين على شؤون العبادة " . ( فلنذكر المناضل الراحل الشيخ عماد عفت , والشيخ هشام عطية الذى أم المصلين على كوبرى قصر النيل فى الذكرى الأولى ليوم 28 يناير ) .
أما المادة الثانية فتجرى على أن : " تضاف مادة رقمها ( 3 مكررأ) الى القانون رقم 113 لسنة 2008 نصها كالآتى : يعاقب بالسجن كل من تعدى على أماكن العبادة أو ملحقاتها أو العاملين فيها وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نتج عن الإعتداء إتلاف أيامن مكونات أماكن العبادة أو إصابة من بداخلها , وتكون العقوبة الإعدام إذا نتج عن الإعتداء وفاة أى شخص أى شخص أثناء واقعة الإعتداء " .
ويلاحظ أن التعديل المقترح قد سار على نفس درب تشديد العقوبة ومضاعفتها قياسا بالمادة قبل التعديل. كما حدد عقوبة خاصة اذا كان من شارك فى المظاهرة من ضمن القائمين على شؤون العبادة . ولم يكن من الممكن ان يتعرض مشروع القانون لإنتهاك دور العبادة الذى تقوم به أجهزة القمع عند مطاردة المتظاهرين , أو عند وضع القناصة فى قمم المآذن , أو اتخاذها مواضع لتعذيب الثوار بتواطؤ بعض المشايخ أو بإعتداءاتها على العيادات الطبية فيها.
وسيرا على ذات النهج اضيفت المادة 3 مكرر المنوه عنها أعلاه الخاصة بالتعدى على دور العبادة فى ظل الموقف الإجرامى المتجاهل لمجزرة كنيسة القديسين , والتى لم ينته الأمر فيها إلى شئ رغم مرور عامين على هذا الحدث المفجع لكل مصرى ثورى . كما أن هدم وحرق كنيستى صول والماريناب حدث اثناء وجود الشرطة العسكرية فى الإولى والشرطة المدنية فى الثانية . فنصوص القانون القائم يجرى الإلتفاف عليها بالتسويف والمماطلة والجلسات العرفية . والمسألة تتقوم فى موقف الدولة الطائفى من أحداث كانت أجهزتها القمعية هى من يثيرها فى معظم الأحيان . وبدلا من تقديم مشروع قانون متعثر لسنوات هو قانون بناء دور العبادة -- على الأقل -- لاتجد وزارة الداخلية أمامها شيئا غير القمع ومزيد من القمع وكأنه يمكن حل كل المشاكل به .

**************

تلتقى أزمة السلطة الحاكمة فى عجزها عن مواجهة تفاقم الصراع الطبقى مع رغبة أجهزة الأمن فى تعزيز سلطانها وإضفاء شرعية قانونية على نزوعها القمعى إستردادا لهيبتها المفقودة – ... " بجل رؤساءك " كانت هى العبارة التى كتبها مثقاب كافكا فى مستوطنته العقابية على جسد من انتهك هذه المادة من القانون ! . وهو المعنى الخفى الذى يخترق نصوص مشاريع القوانين التى تناولناها وهى تترجم بشكل دقيق التناحرات القائمة , ومنازع نظم السيطرة . إن هذا التوجه القمعى سيظل قائما , وسيرتدى عشرات الأقنعة للتخفى , وسيحمل عشرات المسميات للإستتار لتمريره . ولكن الكلمات حتى القانونية منها لاتستمد قوتها من داخلها وإنما من الشروط الإجتماعية خارجها , والعلاقة بين الطبقات وأدواتها ومؤسساتها . ففى السياسة لاسلطة للغة القانونية إلا إن إستمدتها من لغة السلطة التى تحتكر أدوات القمع والعنف . وهذا ميدان صراع تقف فيه قوى الثورة على خط مواجهة .
لقد كانت قوانين االأحكام العرفية , والطوارئ , وأمن الدولة , وحماية السلام الإجتماعى, والوحدة الوطنية , وصولا الى قانون حماية مكتسبات الثورة , وحماية المجتمع من الخطرين وماإرتبط بها من قوانين التجمهر, وحفظ النظام فى معاهد التعليم ... وغيرها الى آخر قائمة القوانين والمواد الإستثنائية هى اكثر التشريعات استقرارا فى بلادنا فى ظل الاستعمار البريطانى والملكية كما فى عهد الجمهورية . وبات للشرطة والأجهزة الأمنية فى ظل مبارك بصفة خاصة كل الحقوق والحريات والسلطات لإحكام قبضتها على الشعب , مما أفسد الشرطة فسادا عظيما فقد إعتادت إطلاق يدها بالإرهاب , والترويع , والتعذيب , والإعتقالات الطويلة المتعسفة , وشق صفوف الشعب , وإثارة الفتن الطائفية , وإحداث التفجيرات المدبرة مثل حادث كنيسة القديسين الإجرامى مما لسنا فى حاجة لترديده . ولكن من جانب آخر ضعفت دلالة هذه الإجراءات الإستثنائية لدى الشعب من كثرة الإفراط فى إستخدامها --- فقد ألفوها وكيفوا أنفسهم لها --- مثلما يضعف النبع من كثرة الإستنزاف , ولاينبغى أن ننسى أن ثورة 25 يناير قد قامت فى ظل حالة الطوارئ , وذروة إحتدام الجدال حول تشريع جديد – كان كاهنه وعرابه محمد مفيد شهاب -- هو قانون الإرهاب , وأختارت أن تطلق شرارتها فى " عيد الشرطة " . الأمر الذى يعنى أنه لايمكن تطبيق قانون من الناحية الفعلية حينما ينتهكه عشرات ومئات الآلاف فضلا عن الملايين . وبقدر ماتتغلغل الثورة فى صفوف الطبقات الشعبية وتمد جذورا لها تصبح مثل هذه القوانين عبثية وبلامعنى , ويصبح إفلاس الشرطة ظاهرا حين لاتواجه طلائع أو نخبا أو جمهرة قليلة فى أماكن متفرقة وإنما حركة جماهيرية كبرى . وعلينا أن ندرك أنه فى مواجهة الثورة لاتستطيع الشرطة أن تعتمد فقط على القوانين الإستثنائية الدائمة , أى على مثل هذه القوانين التى عرضناها إنما لابد وأن تستثير لصالحها قطاعا من الشعب ( هدد رئيسنا فى خطبته فى عيد الأضحى بالدعوة لثورة ثانية – مضادة بالطبع ) . وجانب إستخدام أجهزة القمع بوليسية وعسكرية لابد وأن تستثار الأحقاد الطائفية ضد الأقباط مثلا , أو العرقية ضد الإيرانيين , أو المذهبية ضد الشيعة أو الصوفية أو البهائيين أو القاديانيين أو القرآنيين , أو الرياضية مثلما حدث فى مجزرة بورسعيد . وتجنيد " النخانيخ " أدوات الشرطة فى البلطجة " الشعبية " من الفئات الأقل تطورا فى وعيها السياسى , من العشوائيات , والاحياء الفقيرة , ومن البورجوازية الصغيرة الريفية , والمدينية –أى تجميع كل موارد الرجعية وجعل قسم من الشعب يواجه قسما آخر . وهذا يقتضى من قوى الثورة ضرورة الإستئناس بمقترحات تروتسكى فى مقاله الهام الفاشية ماهى ؟ كيف نهزمها ؟ ( موقع الحوار المتمدن – ترجمة : بشير السباعى ) .

أما الإضرابات العمالية والمهنية والإعتصامات فظواهر إقتصادية طبيعية , وليست خرقا للقانون وإنتهاكا للنظام العام – على الأقل من وجهة نظر ليبرالية . ولكن " شرطتنا" ليست معنية بأسباب الإضرابات وإنما بالقضاء عليها . هذا رغم أن الخبرة تثبت أن تجريم الإضرابات لايمنعها ولايحفظ " النظام العام ", وإنما يزيد من تدخلات الشرطة , ولايستثير غير الإحساس بالمرارة وغياب العدالة . وفى كل الأحوال لايمكن القضاء على المطالب المشروعة بغلق أفواه المطالبين بها . ( ومن الطريف أن يعلن رئيس الوزراء ( امس 13 أكتوبر—بجريدة الوطن الإلكترونية ) تأييده للإعتصام الذى جرى الجمعة الماضية من أجل تطبيق الشريعة بإعتباره إعتصاما يحميه القانون , ويعلن تجريم الإعتصامات الأخرى , وكذلك عزم الدولة على مواجهتها , وعدم االتهاون معها .)
إن توجه السلطة الحاكمة لاحقا لتبنى مثل هذه القوانين التى طرحتها وزارة الداخلية أوإدخال تنويعات عليها , وهو ما لا يمكن أن نستبعده , سوف يكمل التربية الثورية لقطاعات من الشعب , باتت تدرك يوما بعد , مالم يكن ممكنا إدراكه قبل عامين من الركود السياسى , فى ظل مبارك . فضلا عن أن الحقوق والحريات التى كسبتها الطبقات الشعبية خاصة فى سياق الثورة من الإضراب , والتظاهر , والإعتصام , والوقفات الإحتجاجية , قد أحرزت بتضحيات جسيمة , وهى ذات قيمة لقوى الثورة فى نضالها ضد الهيمنة الإقتصادية والسياسية للرأسمالية , وكذلك ضد توجهاتها التسلطية المعادية للديموقراطية . والحال أن هيئة الحكم الجديدة , بأيديولوجيتها القروسطية فى الحكم وخارجه , بتلاوينها من فكر القاعدة حتى فكر الهلباوى , التى تغلف السياسات الرأسمالية الكومبرادورية , فضلا عن المواقف التى أتخذت منذ " ولاية " الرئيس الجديد بعدم تحقيق أبسط مطالب الثورة , كالإفراج عن المعتقلين , أو محاسبة قتلة الشهداء , أو انتهاج سبيل جدى فى إسترداد الأموال المهربة , أو فرض ضرائب تصاعدية , أو نقل بعض الأعباء على عاتق الرأسماليين ... تبين أن النهج المتبع على طوال الخط يجعل حياة الشعب أكثر تعاسة وإرهاقا وبؤسا , وهنا نرى ثالوث الرئاسة و"رجال الأعمال " وأجهزة القمع تلعب جميعها بمواقفها , وإجراءاتها دورا أساسيا فى تثوير الشعب وتطوير وعيه بلاتوقف . وهو مايمكن قوله بشأن حقوق إمتياز الدولة البوليسية التى تريد أن تعيد " هيكلة " قوى الثورة وتروضها .

وعن هذه القوانين القمعية يمكن أن نقول مع الشاعر الألمانى الثورى هينرش هينه " إنها قصة قديمة لكنها تظل جديدة أبدا " .. ونضيف : مالم تنهها قوى الثورة .

14 نوفمبر – تشرين الثانى 2012
* إعتمد هذا المقال على النصوص التى نشرها مركز القاهرة لحقوق الإنسان لمشاريع القوانين التى أعدتها وزارة الداخلية . وكذلك على الدراسة المعنونة قوانين معاقبة الثورة بقلم محمد الأنصارى ومحمد أحمد زارع وتقديم رجب سعد – أكتوبر 2012 . وهى دراسة تنطلق من منظور ليبرالى قانونى .





#سعيد_العليمى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانطولوجيا السياسية عند مارتن هيدجر -- بيير بورديو
- قانون حماية مكتسبات الثورة -- الا نقضاض على مكتسبات الثورة ت ...
- المفهوم الماركسى للقانون جانيجر كريموف
- القانون ونظرية الخطاب
- امبريالية ام مابعد امبريالية ؟
- القمع يؤرخ للثورة -- ضد مشروع قانون الطوارئ
- القسم الثانى من رواية عشاق افينيون بقلم الزا تريوليه -- مراج ...
- القسم الاول من رواية عشاق افينيون بقلم الزا تريوليه -- مراجع ...
- رواية عشاق أفينيون بقلم الزا تريوليه -- مقدمة ومراجعة ابراهي ...
- النص القانونى بين التأويل و-او التدليل
- حول النقد الماركسى للقانون
- قوة القانون : نحو سوسيولوجيا للحقل القانونى بيير بورديو
- المسألة الدستورية فى روسيا * ليون تروتسكى
- النضال ضد الاوهام الدستورية ف . لينين
- الأزمة الدستورية فى بريطانيا ف . لينين
- تبدد الأوهام الدستورية ف . لينين
- المقاطعة والدستور الملكى البوليسى ف . لينين
- لاضمانة لدستور ديموقراطى سوى الانتفاضة الشعبية ف. لينين
- تصفية الثورة بالعنف فى اطار دستورى ف . لينين
- السوق الدستورى - ف . لينين


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد العليمى - فى حقوق إمتياز الدولة البوليسية - إعادة هيكلة - قوى الثورة