أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - أميره ونبيل وأنا















المزيد.....

أميره ونبيل وأنا


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3892 - 2012 / 10 / 26 - 22:53
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


قضينا يوم أمس أنا ونبيل وأميرة يوما ممتعا مع بعضنا في(عمان),وبصراحةٍ لم يحتفِ بي أحد مثل هذا الاحتفاء,التقينا وكنتُ متشوقا إلى هذا اللقاء وخصوصا لإجراء طقوس الوداع في عمان بعد أن اتفقنا على أن نلتقي في عمان من أجل طقوس الوداع أو رد الزيارة بزيارة مماثلة ذلك أنهم زاروني في بيتي ومدينتي وأنا كذلك زرتهم في بيتهم ومدينتهم وجرى بيننا قليلا من الكلام في الأمور الثقافية على أرضهم وجمهورهم,وكنتُ أتمنى أن نتحدث كثيرا في الثقافة وفي الكتابة ولكن التسوق هو شاغل نبيل وأميره حيث تسوقوا وتلذذوا وتلذذتُ معهم أكثر مما تحدثنا.. كان اللقاء الأول في عمان(الشميساني) شارع الثقافة.. التقينا أنا ونبيل في المكان الذي انتظرنا فيه أميرة حيث من المقرر أن تنضم إلينا في هذا اللقاء الذي لا يتكرر إلا كل سبع سنوات أو عشر سنوات مرة واحدة, كان الالتقاء بين رجل وهو أنا يقتصر حياته على الضروريات وحيث يجد متعته في التعايش مع الأهل والأشقاء على البساطة في كل شيء وترشيد الاستهلاك وترشيد الإنفاق على الذات وحتى على الأولاد, أما نبيل وأميرة فهم شعب مختلف عني وعن بيئتي فكانت تصرفاتهم بالنسبة لي وكأنهم مخلوقات قادمة من عالم آخر, اشتروا من أدوات الزينة التي تُلبس بأصابع الكفين وبالرسغين بمبالغ مالية تكفي أسرتي للإنفاق عليهم لمدة شهرٍ بالكامل, وكنت أتحسس نفسي وأنا بمعيتهم كأنني نقطة فوق كلمة ليست موضوعة بمكانها بشكلٍ جيد بل بشكلٍ آخر ومغاير ومختلف وكأن حضوري معهم في كافة الصور والمشاهد طفرة عالمية وأحسستُ أيضا بأنهم يريدوني إخراجي من الجو العام الذي أعيش به على طريقتهم الخاصة ولكن كنتُ أتمنى أن نتكلم أكثر مما أكلنا وشربنا وتسوقنا, فأنا من أسرة إذا شعرت بالملل تكسره من خلال مشاهدة فيلم تلفزيوني أو من خلال الجلوس تحت شجرة من أشجار الزيتون التي تلف منزلي من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب بينما نبيل وأميرة يكسرون الملل من خلال تبذير النقود وإنفاقها على شتى وأشهى أنواع المأكولات مما يدل على أن الأستاذ نبيل يتألم كثيرا وبأن أميرة أيضا تتألم كثيرا وتهرب من الألم إلى أسلوبٍ آخر وهو الإنفاق وتبذير النقود لكي يقتلوا الحزن الذي يتعمق جذريا في أنفسهم التي طغت عليها الذكريات الأليمة,حتى الذهب المعدن الغالي لم يرق لأميره وشاهدتها وهي تشتري أساور وخرز ليس ذهبا ولكن بأسعار غالية جدا لا تقلُ عن سعر الذهب وأنا شخصيا لو قدمها لي أي شخص بشكل مجاني فإني سأرفضها ولكن سلوك أميره إن دل على شيء فإنما يدل على أنها قد زهدت في الذهب نفسه مثلما زهد الطفل الياباني من الألعاب الإلكترونية وعاد إلى الألعاب التقليدية, هم شعب يستمتع جدا بالإنفاق ويتخذ من التلذذ بأنواع الطعام أسلوبا لقتل الحزن والاكتئاب, والإنسان عموما يتجه إلى ممارسة اللذات فقط من أجل هروبه من آلامه ومن أحزانه, فبعض الناس يجدون الجنس لذة يهربون إليه لكي يقتلوا أو يضمدوا الجرح المعتمل في داخلهم وبعض الناس يجدون الطعام مما هب ودب أسلوبا لقتل الحزن الذي في داخلهم وبعض الناس يشترون أشياء قد لا يكونوا بحاجةٍ إليها ولكن على الأقل إذا دققنا النظر فيها وبحثنا في أسباب اقتناء مثل تلك الأشياء وخصوصا الباهظة الثمن مثل التي اشتراها نبيل وأميرة من أسواق (الصويفية) أو (شارع الوكالات) نكتشف بأنهم اشتروها وهم ليسوا بحاجةٍ ماسة لها ولكن على الأقل ليغيضوا الحزن الكبير في داخلهم علما أنهم كانوا يغيظونني أنا وليس الحزن حتى وإن اشترت لي أميره أفضل أنواع العطور كهدية لي ولزوجتي, لقد كنتُ أشعر بأنهم يقتلونني أنا وليس الحزن الذي في داخلهم لأن ما قاموا بشرائه يكفي عائلتي بمجمله لمدة شهر بالكامل..اكتشفت أن نبيل رجل في داخله ألم كبير رغم أنه لم يبح لي بآلامه وبأحزانه ولكنني اكتشفتها من خلال ما قام بشرائه من أشياء تبدو لي أنا شخصيا أنها أولا غالية الثمن وثانيا تافهةً جدا وإذا أردت وضع كلمة بديلة فإنني أستطيع القول بأنه اشترى أشياء ليست ذات قيمة بالنسبة لي وبالنسبة للبيئة التي أعيش فيها ولكن نبيل اشتراها لكي يقضي وقتا ممتعا معها وخصوصا حين يحملها معه إلى الولايات المتحدة وتقديمها على شكل هدايا للذين ينتظرونه هنالك في شيكاغو, وهذا الاحتمال وارد جدا ولكنني مصر إصرارا كبيرا على أن نبيل يقضي وقتا طويلا من حياته وهو يتلذذ بشتى أنواع الأطعمة لكي يقهر الحزن والملل الذي في داخله علما أنه قهرني أنا قبل أن يقهر حزنه وآلامه, وأنا واحد من الناس الذين يقهرون الألم والحزن من خلال (سندويشة فلافل) ثمنها ربع دينار أردني وهذا على قدر إمكانياتي أما بالنسبة لنبيل فإنني كونت عنه فكرة أخرى غير فكرة احترامه الشديد لي والحفاوة الكبيرة التي استقبلني بها فقد أخذني إلى مواقع في عمان أسمع عنها في المسلسلات أو أشاهدها من خلال الإعلانات ولم أتوقع يوما أن أدخل مطعما من المطاعم التي أخذني إليها وهو يقدم لي كل ما أتمناه وكأنه عبارة عن مارد كبير خرج لي من مصباح علاء الدين ليقول لي:تمنى أي شيء تأكله, رغم كل ذلك ورغم كل حفاوته بي إلا أنني مصر جدا على أن نبيل يتخذ من أسلوب الإنفاق الكبير عاملا أو دواء للألم الذي في قلبه وربما هذا سبب إحدى أزماته التي يمرُ بها, نبيل شخصية متميزة شاهدت صوره على الفيس بوك وهو في عدة مطاعم سواء أكانت في شيكاغو أو في اليابان بحكم عمله الذي يعمله, نبيل في كل صوره رجلٌ يتصور بجانب الحفلات والسهرات وهو يبدو أنه ينفق كثيرا من المال على الرفاهية لكي يطرد الحزن ويقتل الوقت ويقتل الروتين من خلال كسر قاعدته الرتيبة, نبيل شخصية كريمة جدا على نفسه ومن الظاهر أنه مبذر على أنواع الطعام والمشتريات لكي يجد على الأقل نفسه فارغة من الهموم ومن المشاكل اليومية, وكذلك (أميرة) التي لا تقل عن نبيل في أسلوب البذخ على الذات وتناول المأكولات الشهية لكي يطردوا آلامهم وأحزانهم, كلانا أنا ونبيل وأميرة في داخل كلٍ منا جرح عميق ولكن أسلوب مداواة هذا الجرح مختلفة بيني وبينهم فأنا أداوي جروحي من خلال كتابة مقالة أو من خلال الجلوس تحت أشجار الزيتون حول منزلي وعلى حسب إمكانياتي أتناول إبريق شاي بمقابل التنازل عن آلامي وأحزاني أو من خلال شُرب كأس من (الشنينه) وعليها نصف ملعقة ملح صغيرة أو من خلال شرب فنجان من القهوة وكل ذلك في داخل منزلي وصدقوني أنني رجل لستُ معتادا تماما على دخول المطاعم فأنا لا تنزل لقمة الطعام في جوفي وأنا بعيد كل البعد عن أولادي أنا لا استمتع بالطعام وبالشراب إلا إذا شربوا وأكلوا أولادي منه قبلي, حتى على مائدة الغداء في البيت أراقب أولادي ولا أمد يدي إلى الطعام إلا حين يمد أولادي يدهم وأقوم عن المائدة قبلهم ولو أن نبيل العدوان أخذني كل يوم للأكل وللشرب في المطعم الفاخر الذي أخذني إليه فإني لن أشعر بالمتعة وأولادي بعيدون عني ولا يأكلون ما آكله إنني إنسان بكل المقاييس دائما وأبدا أعيشُ من أجل غيري.

على كل حال أتقدم بجزيل الشكر والعرفان للمهندس نبيل العدوان وابنة عمه (أميره) على الحفاوة التي قابلوني بها والتي لم أرَ مثلها في حياتي طوال عمري, فلم يأخذنِ أي شخص إلى تلك المطاعم وخصوصا مواقع الحلويات في شارع المدينة المنورة كما أخذني نبيل وأميرة وخصوصا أنهم كانوا حريصون جدا على إرضائي وكانوا يسألونني عن أي نوعية طعام بأن يكرروها لي مرة ومرتين وحتى لو كانت ثلاث مرات واشكرها على هديتها الأخيرة والتي كانت عبارة عن جهاز موبايل حديث وطبق حلويات أو طبقين واحد على نفقة نبيل الخاصة والثاني على نفقتها الخاصة مع الاختلاف بين النوعين, نحن كلانا أنا ونبيل وأميره والشعب العربي كله في داخلنا آلام كبيرة جدا فمنا من يداوي الألم بالجنس وممارسته للشعور باللذة كالذي يضع السكر على طعم الفُلفل الحار, ومن الناس من يكسر هذا الحزن من خلال التلذذ بأنواع الطعام وشراء الأشياء غير اللازمة ولكن فقط لمجرد شطب الهموم من حياتهم وليس من أجل شيء آخر, لقد أحسستُ بأن نبيل وأميره يتلذذان بالأطعمة وبالمشتريات ليس لمجرد الذكرى وإنما لجرد الهروب من الشعور بالألم إلى الشعور باللذة,ومن أجل قهر الآلام ولكن في النهاية ورغم أنني كنتُ مبسوطا جدا غير أنني كنتُ أنا المقهور للأسباب التي شرحتها لكم.,وكما وأنني حريص جدا على حياتي فإني أخشى على حياة نبيل وصحته النفسية والجسدية هو وأميره من هذا الأسلوب في التلذذ بالأطعمة فكما أنني من المحتمل أن أموت يوما من الجوع كما وأنه من الممكن أن يواجه نبيل نفس هذا المصير من كثرة الشبع الزائد.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القراءة والكتابة
- بعد فوات الأوان
- دعوة للمحبة وللسلام
- تعالوا لنحب بعضنا2
- تعالوا لنحب بعضنا
- المساواة على الطريقة التقليدية
- من يشتري مني مكتبتي؟
- من يستطيع تطبيق الإسلام؟
- بيت أبي
- طبيعة العرب
- معاوية بن أبي سفيان
- خيانتي سبب سعادتي
- معجزة جبل أحد
- الثقافة والأحزاب السياسية أوسخ بيئة في العالم
- أحيانا وأحيانا
- قبة المسجد الأقصى ورجاء بن حيوة
- الدين الإسلامي يحاسب الجاهل ويترك العاقل
- من مكة إلى الهيكل2
- من مكة إلى الهيكل1
- صفات وأخلاق أبي جهل الكريمة


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - أميره ونبيل وأنا