أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جهاد علاونه - من يشتري مني مكتبتي؟















المزيد.....

من يشتري مني مكتبتي؟


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3877 - 2012 / 10 / 11 - 18:33
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


مكتبة للبيع,تقع على شارعين رئيسيين,وهي مكتبتي الشخصية ,فيها مئات المجلات التراثية وأكثر من 200 عدد من سلسلة عالم المعرفة التي تصدر عن دولة الكويت, وعشرات المجلات المحكمات علميا في كافة أفرع العلوم الانسانية,مكتبة فيها كثير من المعارف النفيسة وكتب التراث وفيها أعظم الكتب التاريخية فيها قصة الحضارة ل(ول ديورانت) وتاريخ البشرية ل(آرنولد توينبي) وأصل الأنواع لتشارلز داروين وكل ما كتبه سلامه موسى والعقاد والطيب تيزيني وطه حسين ومسرحيات شكسبير,ودواوين الأدب الجاهلي أو أدب العرب ما قبل الإسلام وكل ما كتب عن حضارة وادي النيل والحضارة البابلية والسومرية والأكدية وكنعان وتاريخ بني إسرائيل... مكتبة عريقة وغارقة في الأصالة وفي المعاصرة جمعت كل ما فيها من كتب من كفاحي وعرقي ونضالي ودموعي ووضعتُ فيها أول كتاب سنة 1987م وكان عبارة عن المعلقات العشر مع كتاب آخر عن الأدب في العصر المملوكي وكنتُ وقتها أشعر بنفسي كأكبر مثقف في قريتنا فلا أحد يملك ما أملكه من كتب.

وفيها بعض من الكتب التي اشتريتها وأنا أتضور جوعا وكنت كلما اشتري كتابا أقف بين المطعم وبين المكتبة في منتصف الشارع بعد عودتي من العمل مرهقا ومُتعبا لأشاور نفسي :هل أشتري رغيفا من السندوتش أم أشتري كتابا بما تبقى معي من نقود؟هل أرضي بطني على حساب عقلي أم أُرضي عقلي على حساب بطني ولا يوجد عندي خيار آخر وكما قالوا:"مجبرٌ أخاك لا بطل",تصوروا معي المنظر حين أقف جائعا بين المطعم وبين المكتبة وعليّ الاختيار بين أن أبقى في الجوع وأشتري كتابا أو أشبع بطني وأترك قلبي جائعا,وكالعادة دائما ما كنت أجوع من أجل الكتاب لذلك الكتب التي في مكتبتي غالية على نفسي لأن لكل كتاب لي فيه قصة وحكاية, وفيها كتب اشتريتها وأنا أقف بين سيارات الأجرة والمكتبة محتارا قائلا لنفسي :هل أركب سيارة أجرة للبيت أم أشتري كتابا؟ وكنت غالبا ما أشتري الكتاب وأختار المسير إلى بيتي مشيا على الأقدام في الصيف وفي الشتاء فشربتُ من البرد ما شربت وأكلت من أشعة الشمس ما أكلت, وكنت أحيانا أشتري بعض الكتب وأنا محتار بين الكتاب وبين دواء (الريفانين) ومسكنات الألم وكنت دائما أختار الألم فأشتري كتابا أو قصة أو رواية على حساب رأسي الذي يبقى يؤلمني وكم هي المرات التي حرمتُ فيها نفسي من الأكل ومن الشرب ومن دخول الصيدلية!!,وصدقوني مرة من ذات المرات خرجت من منزلي لأشتري حذاء جديدا بدل الحذاء الممزق ووقفت بين المكتبة وبين الشارع المؤدي إلى مكان بيع الأحذية وبقيت محتارا أكثر من ساعة وفي النهاية قررت تأخير شراء الحذاء للشهر القادم وبقيت أنتعل في رجلي الحذاء الممزق من كل أطرافه وكل ذلك من أجل الكتاب فأنا مؤمن بالمقولة التي تقول بأن الجهل مثله مثل المعرفة قابلٌ للزيادة,وفي كل كتاب في مكتبتي قصة وحكاية مثل قصة الجوع وقصة الحذاء وقصة الصيدلية,وتتعدد الأساطير في حياتي على عدد الكتب التي في مكتبتي تماما كما تتعدد أنواع الأساطير الحديثة عن السيارات على عدد ما في العالم من سيارات,ومرة خرجت من البيت لشراء بنطال جديد أرتده في العيد أمام الناس وأوصتني زوجتي أن اذهب إلى سوق الأحذية دون أن ألتفت يمنةً أو يسرة فهي تعرف شغفي وولعي بالكتب وبدون أي تفكير هذه المرة توجهت فورا إلى المكتبة واشتريت بثمن البنطال مجلات مصرية قديمة من سنة 1930-1933م ومنذ ذلك اليوم لا تسمح لي زوجتي بالذهاب إلى السوق كل سنة لشراء بنطال إلا إذا كانت معي وذلك لكي تحميني من سحر الكتاب الذي يؤثر بي تأثيرا,ومرة ذهبت هي وأمي إلى أحد الدجالين وصنع لي ذلك الدجال المسلم حجابا يقيني من شر الكتب وشر الأرواح الشريرة التي تسكن فيها, مكتبتي هي ثروتي الوحيدة التي جمعتها طوال حياتي على حساب ألمي وتعبي وشقائي وحظي العاثر, وأنا الآن أعرضها للبيع ليس بالمزاد العلني بل لأول من يدق الباب ويوافق على شرائها مني بمبلغ 1000دينار أردني علما أن فيها مئات الكتب الثمينة ومئات من الكتب التي لا يمكن أن تجد إلا عند بعض دور النشر التي نشرتها, مكتبتي ليست مكتبة عادية بل مكتبة غريبة جدا فيها عن تاريخ الحيوان الطبيعي وفيها عن تاريخ الإنسان الطبيعي وفيها كتاب واحد لن أبيعه حتى وإن دفعوا لي آلاف النقود ألا وهو الإنجيل بنسخه المتعددة فهذا الكتاب عزيز على قلبي ولن أستطيع الاستغناء عنه أما باقي ما تبقى من كتب فإنها جميعا ضمن الصفقة.

ولقد فكرتُ في هذا الموضوع كثيرا وهو عرض مكتبتي العظيمة للبيع مثلي مثل أي صاحب شركة يعرضها للبيع هي ومعداتها وأنا معداتي هي الكتب فقط لا غير, وعلى فترة من الفترات كنت أخشى من أن يلحق بي العار بين الكُتاب فيقولون:جهاد العلاونه ألقى بسلاحه وباع مكتبته,فالجندي الذي يبيع سلاحه يلقى عقوبة الإعدام أمامه والفلاح الذي يبيع أرضه من الممكن له أن يبيع عرضه,وأنا مثل البحار الذي لا يبيع (بوصلته) ولكن كما قال سعد زغلول(خلاص والله العظيم ما فيش فايده) ولهذا السبب أريد أن أبيع مكتبتي لمن يحب اقتناء الكتب,وأنا لستُ مازحا بل جادا في الموضوع حيث لم تعد المكتبة تطعمني وربما أن بداخلها أرواح شريرة سأتخلص منها بمجرد البيع أو أن فيها الحظ السيئ والبخت السيئ والطالع السيئ الرديء الذي يلاحقني أينما ذهبت وربما حين أبيع المكتبة أن تخرج الأرواح الشريرة من بيتي فمن المؤكد أن حظي التعس جدا موجود بين كل تلك الكتب المصطفة خلف بعضها كما يصطف طلاب المدارس قبل دخولهم الصف ومثل الجنود العسكريون قبل دخولهم إلى التَكَنة,أريد أن أتخلص من الفقر والجوع اللذان يكادان أن يقضيا عليّ وحتما حين أبيع مكتبتي سأتخلى عن الثقافة وبالتالي ستدخل السعادة إلى بيتي وسأصبح إنسانا عاديا جاهلا وغنيا مثل كل رجال حارتنا فمعظم أقاربي أغنياء جدا وأغبياء وبلهاء جدا وجهلهم يقودهم جميعا إلى الحظ السعيد..إلى أبعد الحدود من السعادة التي لا يبلغ مثلها لا الملوك ولا الأمراء ولا الوزراء, ولا توجد في بيوتهم كتبٌ أو أوراقٌ عادية ومع ذلك موفقون في أعمالهم.. وأعتقد بأنهم أغنياء لهذا السبب فالجهل في بلادي طريقة جيدة للثراء وأنا لا أريد الثراء مطلقا أنا أريد البحث عن لقمة خبز ساخنة دون أن استعين بصديق يشفقُ على وضعي وأعتقد بأن وجود المكتبة في بيتي أمام شبعي تقفُ مثل العقدة في طريق المنشار الخشبي فإذا أزحتُ المكتبة من بيتي فحتما ستدخله السعادة والمال وفي الآخرة سأحصل على الحوريات في جنة عرضها السموات والأرض وسألقى الله وأنا بريء من الفهم والذوق الرفيع لذلك سيدخلني الله الجنة لأنني لا أملك الكُتب أما الكُتب إن بقيت مصرا عليها فإنها حتما ستدخلني إلى النار وسأتمكن أخيرا من شراء كل ما أحلم به...أحيانا قبل هذا التاريخ كنت أشعر بالخجل من إعلان عرض مكتبتي للبيع حيث لا يمكن أن أجد من يشتريها مني وعندها سوف أصاب بخيبة أمل كبيرة جدا إلا أنني تجاوزت هذه المخاوف وأنا أعلنها الآن للبيع.

كثيرون هم الكُتّاب الذين أحرقوا مكتباتهم وخصوصا مؤلفاتهم من شدة الضيق ومن كثرة القرف والملل من المكتبة المترامية الأطراف هنا وهناك,أما أنا فعندي أسلوب حضاري ومدني جدا وهو أنني سأستبدل عملية الحرق بعملية أخرى تجر عليّ فائدة كبيرة فبدل أن أحرق مكتبتي اخترت بيعها بسعر الجملة وربما يعرف القارئ ما هي مكتبتي من خلال كتاباتي فكل أفكاري التي طرحتها هنا في الحوار المتمدن كانت نتيجة الكتب التي قرأتها حيث علمتني على التفكير وطرائق التفكير



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يستطيع تطبيق الإسلام؟
- بيت أبي
- طبيعة العرب
- معاوية بن أبي سفيان
- خيانتي سبب سعادتي
- معجزة جبل أحد
- الثقافة والأحزاب السياسية أوسخ بيئة في العالم
- أحيانا وأحيانا
- قبة المسجد الأقصى ورجاء بن حيوة
- الدين الإسلامي يحاسب الجاهل ويترك العاقل
- من مكة إلى الهيكل2
- من مكة إلى الهيكل1
- صفات وأخلاق أبي جهل الكريمة
- اللف والدوران
- كل المسلمين كفار
- إننا نبني كثيرا من الأسوار وقليلا من الجسور
- كتاب ال100 الخالدون عبر التاريخ
- دخول المستشفى
- ماهية الفرق بين الإسلام والمسيحية
- زواج المصلحة في الإسلام


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جهاد علاونه - من يشتري مني مكتبتي؟