قطر بين الاعمار والانقسام

محسن ابو رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 16:34
المحور: القضية الفلسطينية
    

عانى قطاع غزة منذ عام 2006 من حصار مشدد فرض عليه من قبل اللجنة الرباعية الدولية وبشكل مجحف عقاباً على خياره الديمقراطي عبر فوز حركة حماس بالانتخابات النيابية العامة والتي حوصرت حكومتها وحكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت بعدها بشروط الرباعية المعروفة " الاعتراف باسرائيل، نبذ العنف، الاعتراف بالاتفاقات الموقعة " .
وصل الحصار إلى ذروته في النصف الثاني من عام 2007 أي بعد احداث حزيران من ذات العام والتي أدت إلى استيلاء حركة حماس على مقرات وهيئات السلطة السابقة بقيادة حركة فتح ، حيث تم اعتبار قطاع غزة كياناً معادياً، والذي تم على خلفيته السماح بإدخال 30 سلعة من اصل 9000 كانت تدخل قطاع غزة عبر المعابر التي تفصل القطاع عن اسرائيل .
تعمقت معاناة ابناء القطاع وأدى الحصار إلى تداعيات انسانية صعبة ساهمت بارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتم تحويل قطاع غزة إلى حالة انسانية من خلال اعتماد 80% من السكان على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأونروا ، تراجعت معدلات الانتاج بالقطاعات الزراعية الصناعية وتجمد العمل بالمنشآت والمباني ومرافق البنية التحتية والمباني، كما نضب الوقود وتفاقمت أزمة انقطاع التيار الكهربائي، وانعكس ذلك بالسلب على المرافق الانسانية وخاصة في مجالات الصحة والتعليم إلى جانب المرافق الانتاجية وخاصة الصناعية ، والزراعية ،حيث منعت المواد الخام اللازمة لعملية الانتاج ، كما منعت مواد البناء من الدخول .
قامت منظمات المجتمع المدني ببذل جهد كبير باتجاه مقاومة الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة بوصفه يشكل عقاباً جماعياً ينتهك القانون الدولي ووثيقة جنيف الرابعة التي مازالت رغم تنفيذ خطة الفصل عن قطاع غزة عام 2005 ، ملزمة لدولة الاحتلال الذي اكدت منظمات حقوق الانسان بأنه ما زال باقياً أي الاحتلال بشقيه المادي والقانوني وبالتالي فهو يتحمل المسؤولية الرئيسية عن معاناة ابناء القطاع .
وتصاعدت نشاطات منظمات المجتمع المدني عبر العدوان الوحشي الذي قامت به قوات الاحتلال في نهاية عام 2008 والذي أدى إلى استشهاد ما يقارب ال 1500 شهيد ثلثهم من الأطفال إلى جانب تدمير آلاف المنشآت والمباني والمنازل والمؤسسات ودور العبادة والمصانع والمزارع ، وقام الاحتلال بعد العدوان باقتطاع منطقة عازلة على الحدود الشرقية والشمالية من قطاع غزة بمساحة رسمية محددة ب 300م2 وبمساحة عملية تصل إلى 1000 م2 في بعض المناطق والتي بموجبها تم حرمان حوالي 20% من المزارعين من حقهم من الوصول إلى الارض من أجل الزراعة ، وتم سحب المياه إلى خارج الحدود ، كما تم حرمان مئات الصيادين من الصيد إلا لمساحة ثلاثة اميال بحرية .
تربط منظمات المجتمع المدني قدوم المتضامنين الأجانب سواءً عبر السفن التي تعترضها اسرائيل بعمليات قرصنة بحرية ، كما تم بالسفينة الأخيرة استيل أو عبر البر كجزء من تصعيد حملة التضامن الشعبي الدولي مع حقوق شعبنا، وهو غير منفصل عن النضال في مواجهة جدار الفصل العنصري والاستيطاني بوصف حملة التضامن واحدة من مرتكزات العمل الوطني الرامي إلى كسب التأييد الدولي في مواجهة ممارسات الاحتلال الاستيطانية والتوسعية والعنصرية .
وعليه فإن هذا التضامن لا يستهدف قطاع غزة فقط وفق منظور وطني شامل ، حيث من الهام التنبه لطبيعة المخطط الاسرائيلي الرامي إلى استبدال الحل الوطني القائم على اقامة الدولة الفلسطينية بالضفة والقطاع والقدس مرتبطاً بحق اللاجئين بالعودة ، بحلول مناطقية اقليمية تؤدي إلى زج قطاع غزة بالملعب المصري وتنفيذ سياسة المعازل والتقاسم الوظيفي بالضفة الغربية ، الأمر الذي يتطلب ربط نضال قوى التضامن بالكفاح ضد الاحتلال وليس فقط بكسر الحصار عن قطاع غزة رغم الأولية التي يحظاها .
تأخرت المنظمات الدولية كثيراً في تنفيذ عملية إعادة اعمار قطاع غزة ، وذلك رغم مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد بعد انتهاء العدوان والذي حدد مبلغ 5.4 مليار $ إلا أن المنظمات الدولية استخدمت تلك الأموال أو جزءً منها لتنفيذ مشاريع إغاثية غذائية وانسانية وليس باتجاه مشاريع انتاجية تنموية .
قررت قطر أخيراً تخصيص مبلغ 255 مليون $ كدفعة أولى باتجاه تنفيذ مشاريع لاعادة اعمار قطاع غزة وخاصة في مجال البناء والطرق والبنية التحتية ، سيعقبها مبلغ 400 مليون $ وفق بعض التصريحات.
يجب ان ينظر إلى تلك المساعدات باتجاه المساهمة في اعادة اعمار قطاع غزة دون ان يؤدي ذلك إلى تكريس الانقسام ، وهذا يتطلب الشروع في تشكيل هيئة اعمار وطنية تشارك بها حكومتي غزة والضفة ،وممثلين عن القطاع الخاص ومنظمات العمل الأهلي كما يجب ان لا يعكس زيارة امير قطر تأييداً لأحدى الحكومتين أو الحركتين على حساب الأخرى ، بما يساهم في تكريس الانقسام ويؤدي إلى اقدام بعض البلدان العربية على تعزيز الاعتراف بحكومة حماس على حساب فتح ، أو العكس بالعكس بما يؤدي إلى انعكاس الانقسام على المساحة الرسمية للبلدان العربية وبما يعمق من حالة الانقسام السياسي والجغرافي القائم بالوطن بين قطاع غزة والضفة الغربية ، كما سيعمق أزمة التمثيل السياسي لشعبنا.
لا توجد أموال برئية ، ومن الواضح ان هناك اهداف لقطر قائمة على محاولة تعزيز مكانتها السياسية على الساحة العربية ، واعادة تبيض صورتها بعد دورها في احداث سوريا إلى جانب محاولة استدراج حركة حماس إلى مربع الاعتدال بدلاً من مربع المقاومة من خلال التركيز على التمويل واعادة الاعمار ، بما يصاحب ذلك من تحقيق امتيازات لصالح الحكومة القائمة في غزة ، هذه الحكومة التي جاءتها الآن فرصة لتثبت رغبتها بالعمل الموحد المبني على مشاركة كافة الأطراف في قطاع غزة بالعملية التنموية والبنائية، بما يتجاوز الاستفراد ويرسخ من ادماج الكل في العملية التنموية كمسار وطني موحد.
لقد بات مطلوباً التركيز ايضاً على ما يحدث بالضفة الغربية من استيطان وجدار وتهويد للقدس ، الأمر الذي يتطلب من قطر وغيرها من البلدان العربية الاهتمام بالضفة ايضاً تعزيزاً لصمود المواطنين ، حتى لا يتم قراءة اعمار غزة وبصورة تهدف إلى تعميق الانقسام وتكريس دولة غزة.
يجب ان نرحب بأية مساعدات مالية ولكن يجب ان نربطها بالمنظور السياسي الوطني الفلسطيني الموحد وبمنظور تنموي مبنى على الصمود والتحرر من عري التبعية مع الاقتصاد لاسرائيل بما يتجاوز مفهوم نتنياهو القائم على السلام الاقتصادي بدلاً من التمسك بالحقوق الوطنية، بحيث لا تؤدي تلك المساعدات باتجاه اعادة البناء والاعمار إلى تعزيز الانقسام وفصل قطاع غزة عن الضفة وترسيخها كياناً منفصلاً ممكن ان يسمى إمارة أو دولة أو غيره شريط ان لا يكون جزءً من المشروع الوطني الفلسطيني الموحد الذي ترسخ في وثيقة الاسرى " الوفاق الوطني " .

#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل