المذكرات - صديق جدير بالثقة

مجدى زكريا

الحوار المتمدن-العدد: 3875 - 2012 / 10 / 9 - 21:43
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

قد تلعب المذكرات دور رفيق جدير بالثقة, وخليل متفهم فى عالم عديم التعاطف. تقول المؤلفة كريسنينا بولدوين ان المذكرات " تحفظ لنا بين حناياها صورا ملونة عن سيرة حياتنا الشخصية ". فكما تتسلسل صفحات ماضينا عبر الصور فى ألبوم, ينساب تاريخ حياتنا فى ثنايا مذكرات تحفظ " انطباعاتنا " عن احداث عابرة.
فى ازمنة الكتاب المقدس, غالبا ما احتفظت الحكومات بسجلات عن احداث بارزة. وقد طور اليونانيون روزنامة تدعى افمريدس ( من الكلمة اليونانية افمروس, التى تعنى يوما واحدا". دونوا فيها تحركات النجوم والكواكب اليومية. اما الرومان الذين فتحو اليونان, فعززوا قيمة هذه الروزنامات اذ استعملوعا بطريقة عملية مميزة, مضيفين اليها احداثا يومية تهم المجتمع. وقد اطلقوا عليها اسم دياريوم, من كلمة دياس اللاتينية التى تعنى يوما.
لكن فكرة حيازة دفتر مذكرات, يحمل فى طياته احداثا يومية خاصة, لم ترج فى البلدان الغربية الا بعدما كتب الانكليزى صموئيل بيبس مذكراته فى القرن ال17. وتعكس مذكراته مزيجا فريدا من التقوى والدنيويات. وقد كانت من افضل الروايات التى زودت المؤرخين بصيرة عن الحياة تحت حكم الملك الانكليزى تشارلز الثانى.
ومن ذلك الحين فصاعدا, راجت كتابة المذكرات. حتى ان العديد منها غدا وثائق تاريخية قيمة. والجدير بالذكر مذكرات فتاة يهودية اختبأت من النازيين, فكتاب مذكرات فتاة صغيرة بقلم ان فرانك دليل محزن على وحشية الانسان تجاه اخيه الانسان.
يبدو ان كتابة المذكرات تشبع رغبة انسانية اساسية - التعبير عن الذات. فسواء سكبنا على الورق فرحا غمرنا عند سماعنا اولى كلمات طفل, او نمو علاقة حب, توفر لنا المذكرات فرصة التأمل فى الاحداث التى تصوغ حياتنا. كما تجعلنا قراءة المدونات لاحقا نعيش تلك الاوقات الثمينة ونختبر المشاعر التى ولدتها مرة اخرى.
ان احدى اعظم فوائد قراءة المذكرات هى مقدرتها على مساعدتنا ان نعرف انفسنا. لذلك تدعوها المؤلفة ترستين راينر : " وسيلة نفسية عملية تمكنكم من التعبير عن مشاعركم دون تحفظ ".
يقول الكتاب المقدس فى الامثال 12 عدد 25 : " الغم فى قلب الرجل يحنيه ". فاذا كان الفرد مترددا فى التحدث عن غمه الى احد, فقد يلجأ الى التعبير عن نفسه كتابة. ولذلك غالبا ماينصح المرء بكتابة المذكرات على انها وسيلة تساعده على الشفاء من الالم العاطفى. كما ان كتابة المذكرات تتيح للمرء فرصة التأمل فى حياته, ورسم اهداف جديدة, وربما ايجاد الحلول للمشاكل. فتعبير المرء عن مشاكله واحاسيسه بالكتابة يمكن ان يساعده على التركيز على المسائل الهامة وتناولها بطريقة موضوعية.
كما يمكن ان تكون كتابة المذكرات وسيلة تثقيفية, فاتحاد المعلمين فى اميركا ينصح الوالدين : " شجعوا اولادكم على كتابة مذكراتهم, تعزز هذه العادة عندهم مهارات الكتابة والمقدرة على الابداع ".
كيف ابدأ ؟
اولا, جدوا مكانا هادئا تختلون فيه ودفترا او مذكرة تروق لكم. من المسلم به انكم تستصعبون ملء صفحة فارغة. لكن نجاحكم يتوقف على كونكم صرحاء, عفويين وبسطاء فى التعبير. وقد تطرحون على أنفسكم اسئلة مثل : ماذا فعلت اليوم ؟ كيف اثر ذلك فى نفسى ؟ ماذا اكلت ؟ بمن التقيت ؟ ماذا يجرى فى حياة الذين اهتم لأمرهم ؟. او بامكانكم ان تسألوا عن الوقت الحاضر : " ماذا حققت فى حياتى حتى الان ؟ ماهى اهدافى ؟ ماهى طموحاتى ؟ ". ثم دعوا الكلمات تسيل دون نقد نفسكم بقساوة.
اكتبوا بقدر ما تريدون وكلما رغبتم فى ذلك. اكتبوا بصراحة ودون تحفظ, ولا تقلقوا بشأن القواعد والتهجية, اذ لن يطلع على عملكم احد سواكم, كما يمكنكم الصاق الصور, قصاصات الصحف, او اى شئ يهمكم. فهذا كتابكم الخاص. وقد يكون مرتبا او مهملا, صغيرا او كبيرا. وليس عليكم ان تكتبوا الا عندما ترغبون فى ذلك, لأنه ان صارت كتابة المذكرات واجبا ملحا, فسوف تفشلون ويخيب املكم.
مثلما يبلجأ العالم الى دفتره ليتأمل ويدون فيه التغييرات الحاصلة فى كائن حى هو محور دراسته, قد تساعدكم المذكرات على تأمل ودراسة انماط سلوككم وميولكم فى الحياة. كما تلقى المذكرات الضوء على افراحكم, احزانكم, ضعفاتكم, ومقدراتكم. وتحسن كتابتها مقدرتكم على التعبير عن انفسكم. صحيح ان كتابة المذكرات تتطلب الالتزام, لكن هذا الالتزام يفيض عليكم مكافات وافرة.
اقتراحات مفيدة للابتداء :
اختاروا دفترا ذا نوعية جيدة وسهل الحمل.
جدوا وقتا ومكانا هادئين حيث يمكنكم الانفراد بنفسكم. سجلوا التاريخ كل مرة.
اذا مضت بضعة ايام لم تكتبوا فيها, فلا تضطربوا, تابعوا الكتابة بالبدء من حيث توقفتم.
لا تنتقدوا عملكم, بل اشعروا بالحرية واطلقوا العنان لكلماتكم. دونوا التفاصيل - لا تعمموا.

#مجدى_زكريا (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل