أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - ديوان - تفكيك السعادة - شعر/ مؤمن سمير















المزيد.....



ديوان - تفكيك السعادة - شعر/ مؤمن سمير


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 3874 - 2012 / 10 / 8 - 08:43
المحور: الادب والفن
    


ديوان " تفكيــــك السعـــادة " شعـر/ مؤمن سمير

صدرعن دار" هفن " . مصر2009
رابط تحميل الديوان بي دي إف : http://www.4shared.com/document/G9QXZira/__-__.html


"بلسمي السُمَّ يا أماه...."
ماركيز



الفصل الأول

تهويمات الفرشاة
التي لا ينقصها الإخلاص ... عادةً.



.. تعالوا لنحكي عن السعادة..
نحكي قليلاً..

أجل، السعادةُ يا أصدقاء..
صدقوني
الأمرُ يستحقُ بجد
أن نترك مشاعرنا
إلى جانبنا على المقعد...

التعبُ زادَ كثيراً
والمرارة لم تعد تُصّدِق
أننا مللنا طعمها الاستعماريّْ
في الفمِ والحلق
ورائحتها
التي تحيط بالذكريات مثل شرنقة.

أعلمُ
أننا بكلامنا طول الوقت
عن سواها
إنما نبحث عنها.
والسبب الاستعراضيّْ
الذي يمرحُ داخلنا منذ مدة
.................." كانوا محددين في لحظةٍ ما، هؤلاء الناس ، ولم يستسلموا لهدير جيناتهم المُشوّشة.......".
بكل صراحة وبلا خجل
نحاول أن نستعطفها ونسترضيها
لا أقول نأخذها على قدر عقلها
أو ندغدغ كوامن الغرور داخلها
أبداً
ولكن نفعل ما بوسعنا
لننامَ... مرتاحين.



"الأسوَدْ"
أبجديةٌ أخرى

الأَلِف واللام
حرفان جلبا لنا وجع القلب.
بسببهما
رافقتنا الخيبات
والحب والعدل والموت
والسجن والقطارات والـ........ والـ.....
الأكثر ابتذالاً
اللذان
لم يحاولا في أى يومٍ أن يصيرا
شجرةً أو مئذنةً أو عمود نور
أو حتى بيتاً يحتمي به ولدٌ من ضَرْبِ
الشيخ "باتع" ، بعد أن ضَيّعَ "اللَّوْحَ"
وابتسمَ لبنات الترع.....

أرأيتم
كل ما جال بخاطري عالٍ وطويل.
الملعونان لم يقتربا أبداً
من الفئران والتراب...
حرفان فوقيان عنصريان
سنثور ضدهما
بولاءاتنا التحتانية المُشْرقة
وسنقرر أن ننساهما في البداية
بهدوء.

السين
آهٍ عليه
هذا الحزين الدائم
يريد منذ أنجبه النحاة
أن يكون واحداً وليس اثنين
لكن شبيهه قَدريٌ أريب
يذكّرهُ بأنه الأكثر سمنة
كل ساعة
ثم أن اللثغاء يكرهونه من القلب.
يأتي ليحكي ، الثرثار:
"سلوى، أختك التي قتلها العقرب"
"سافِر للقاهرة
حيث زهرة البستان
حيث لا أحد بقى"
"سمير...، أبوك الذي تركك في الغيمة
ويمنعه عنك الشديد القوي"
ثم قبل كل فجر
يصير رومانتيكياً
ويقول.... "سراب".

العَيْنُ عيونُ الحبيبات
اللاتي لم يكنَّ أبداً
فاخترعناهن.
العين هي التي ضاعت نتيجة الزحام
بعدما صرخوا.. "اجروا إلى المخبأ .. الغارة تدوّي".
العين.. منتصف كلمة "شمعة"
عندما باح بها ولد يخاف من الشبح
العين عَرقٌ وعلاقاتٌ وعَلَم..
... وكل ما يجثم فوق الصدر.

ثم عديم النخوة
الذي سَبْبناه مع صديقه في الأول
يتسلل بخسة
ليختبر قدرتنا على التذكر.
فِر من هنا
قبل أن نشحذ سكاكيننا.
يا كبير يا طويل يا واقفاً تخيفنا طول الحياة
يا .......


لكن
ماذا يفيد إذا قلنا:
الدال "دبٌ يأتي في الليل"
أو حتى دورة رمضانية للكرة
لم اشترك فيها
أعني طردوني-
لأني قصير وألبس نظارةً وأشبِهُ رَعْشَةْ.
ثم التاء المربوطة
ثم الكلمة كلها....
...
لن أكمل يا إخوان
اللعبة لن تؤتي ثماراً
اللعبة زرعوها فينا
وماتوا...
فغرسنا فيها
أسناننا...



كأننا نقارب من بعيد...
لا شيءْ...
إذن فشلنا
فلننسى إذن..
أ .. أقصد، فلننسى الخسارة
ولا نسمح لعقدة الذنب أن تؤجرنا بالرخيص.
لنمسك سريعاً
بالطيف المجنون الذي هَلَّ الآن..

السعادةُ- صديقتنا الماكرة- قد تكون
في إزالة الجِلْد السميك الذي أعمانا
طويلاً...

سنوات ونحن نصدق.

فلنخلق نحنْ
نحنُ...
للمرة الأولى.



"الأبيض"
في أصل الأشياء: السحابة

الرجل البدائي
أرسل حيواناته
لتغيب
فتنام الذاكرة
التي تغلي، لأنها فارغة..
وينام.

الحيوانات أرسلت له
حبها من بعيد
لأن النبات الغريب
جعلها سعيدة
ولا تدري لمَ...

أشار بعينيه فباحت

قامَ وأحضر النبات ودَخّنَ،
دخن بعمق.
كان حقيقياً وقتها
وأرسل سعادته للسماء بصدقٍ
فصارت سحابة.

الأولاد والأحفاد كانوا يتبارزون
والسنين كانت خلفيةً مليئةَ
بالبريق.

كانوا يصنعون سحابات أخرى
وأخرى و أخرى
إلى أن بكت السحابة الأم
من كل هذا الإخلاص لأولاد الأرض
الذين ظنت فيهم السوء
فصارت
الدموع
مطراً...



هل دخل الكلام عقولكم
بما يليق
بصيرورة الواحد منا صاحب فأس!!
فأس نحطم بها ملابس الأشياء
ونذوق الجوهر المخفي..

الأمر
كلهُ
خدعةٌ
كبري..

(سِكةٌ) أخرى
: أن نبحث عنها
في أمر رسمنا له بريقاً
منذ طرقنا قطار الإحساس
الحنين... الحنين المجنون..
الذي قد يرسم أشياءً
ويضحك علينا غالباً.
لا يهم.. هو طريقٌ والسلام.



"الأسوَد"
أشباحنا

كانت تجمع في نفس البالون
بين الجدة وبيني.
البالون الرائق
الذي يلهو في أحداق أطفالنا
وفى قسوة الآباء في الصور.
تقول أن أحضان الجدة
تنتمي لخطوط كَفّي المتشابكة
وأن صوتَ المُبَلّغِ
يومَ اصطادَ الموت من على الشجرة
لا يعلو كثيراً
فوق هواءٍ
قرر أن يبتسم معي بأريحية،
وجوار
مرآةٍ
تقترف الآن
ألوانها المرصودة...

النافذة تحكي لها
: يا خائبة
سرقتِ من الروح
وهي ترفرف في الغرف
ولم تتمكني من حفظها في حقيبة اليد.
ثم يوم تذكرتِهَا
أخرجتِها من تحت العظام
لتسليمها حبيباً شبحياً
ينسي دائماً
قبل أن يعيرَ روحه
وفاءً لديونه في الابتسامات،
أن يأمن جانب الطريق.


.. على الأقل
لحظة مرورٍ
بالونٍ
ضبابيٍ بما يكفي..



كالعادة
لا شيء يكفي
كالعادة
لا شيءَ يملأُ المسامَ
ويدفئها.
احترت واللهِ
واحتار دليلي
........
الدليل
أقصد الأدلة .. نعم .. الأدلة
ولمَ لا.....
تاهت ولقيناها...



"الأبيض"
الأدلة

أنا دليلٌ عليك يا صديقى
وأنت دليلٌ على الوقت.

الوقت الذي جَمَع بين عدة أوتار
وتر أبي حيان التوحيدي
الذي بدأ الليلة-
ووتر البغضاء التي تدور كهالةٍ حولنا.
لم نختلف من قبل
إلا عند المقابر.
كان وجود الذراع الطالعة
من مقبرة الأب
وقدمي الخائنة
دليلاً على أن البنتَ ترسلُ
روحها خلفنا.

تهمسُ:
قف هنا
أصابني الأسَى
من المشاوير الغامضة
والطلوع على السلالم القديمة
ومَلأْ الحفر في الذكريات.

فلتصنعوا دليلاً على هواءِكم
الذي تقتنصوهُ من أرواحهم
أو موتوا...
ليصمتوا هم.

في
هذا المكان
البليغ


أنا وصديقي
نصنع كلاماً
لنسمعنا
ونرسل الضحكات
كلما سنحت الظروف
لضعفنا...

الأجمل
من الطيور
والصور
....



الغبيّْ
هو مَن يُحَوَّم كثيراً حول الهدف
وهو مثل ظِل.
أَيُّ أدلةٍ يا ناس
الأمرُ اقرب وأكثر رهافة.
خرجنا من الماء... صح؟ .. صح.
وبهذا أصبحنا نباتات
تلعب بنا الشمس.
إذن
اجلس يا صديقي في وردة البلل
وأغمض قلبك الشكاك
وابلع ريقك.



"الرمادي"
الماء

الحصان الأصيل
الذي جَمَحَ بنا من رَتْقِ الصحراء
جاء إلى الحضور الطاغي.
البنتُ كانت فضية
وكانت تنحتُ كل يوم
نبتة خضراء واسعة.
قالت لأمها
مَن يَحِلُّ الأمرَ
أنسى في فمه قُبلتي.
الحصان خَفَّضَ رأسه
ونَظَر معاتباً.
كَشَفَ أخيراً
أنه يعرف فكَ رموزِ
الماءِ
:النبتةُ أرجوحةٌ
والبنتُ أميرةٌ
نورانية.
جدنا الأسطوريّْ
صاحب اللزوجة
يحتفظ لنا في حوصلته
بالحواديت
لنقتات عليها
ولا ننساه في الشتاءْ.
في الثلجِ
يعطينا رداءَهُ
فنلفظَهُ
ويعطينا الغَرقَ الجميلْ
فننسى أنه طَهّرنَا، مِنّا.

نحن نعترف
نحن أولاد الجفاف
والماء يندهُ
لا أب لكم غيري
فابتعدوا عن عمتكم
الحارقة
........
أنا الذي كالمعتاد
سوف أُخرجكم
من
صَدَفَة.........

فلنغرب عن وجه الطوفان.
من حقه أن ينسانا.
نحن المملين أصحاب الضجيج.

فلنعكس خريطة النظر.

سعادتنا في ...............

لا سعادة لنا إلا عند.........



* تعريف السعادة *
: السعادة هي............
..............
..............
..............



الفصل الثاني

الألــــوان
أو هكذا نكون سعداء



"الأحمر"
عندما نكتشف فجأة
وبدون ترتيب
أننا نحب الحياة.......

أنت تقيم في نقطة
لا يراها غيرك
على الخريطة المدرسية.
تخرج مبكراً
ليتاح لك
نعيم الحديث مع السيارات.
وإذا كنتَ مَرْضياً عنك
قد تصل المسائلُ
لعلاقةٍ ما
مع سيارةٍ ما
لن تشتري مثلها
ولن تتعامل مع أنثى

تشبهها في لمعان المشاعرِ
أبداً.
تختارك إحداهن، بخَفَرٍ
وتُومئ
فتضع نفسك في قلب النداهة.
السائقُ
مازالَ يبعث ، كل حين
قُبْلَةً أو قبلتيْن للهواء.
والسماء غمّت عينيها
واختبأت خلف الجبل.....
قبل مزلقان القطار
ينتاب الجميلة حب الرقص
فيستجيب الرقص لها
أقصد، لرغبته المدفونة
قبل أن يُأَطَّروهُ ككائنٍ ليلىّْ.
تنام على بطنها
وتلعب بأقدامها،
تزحفُ
ثم تعْرض ظَهْرها للشمس.
تفعل كل ما دار
في خيال جداتها
وهن بين يدي
عمال "النصر للسيارات".
تهداُ،
أخيراً...
وقد تَرَكَت في جسدك
ذكرياتٍ صغيرة
تعمل بهدوء
على أن تكشف عمق سعادتك
الحقيقية
باكتشافك أن الطبيبَ طيبٌ حقاً
"سَتُشفى قريبا يا ولد"
ثم عمق حبك للحياة
وأنت تستقبل برقياتِ
الموتِ
الجميلِ... من العيونْ الطائرة.....



"الأخضر"
عندما نتأكد من حب أحدهم

أبوك بالضرورة يحبك.
وأمك بالضرورة تحبك.
وكل صديق
تأتي فترة عليه
كل مرحلة
يُكنُّ لكَ حباً حقيقياً.
لكنَّ البنتَ التي قالت ذلك
بخوفها المشّع
رَمَت ملامحها خارج الذكرى.
إذن
عندك حُبّان في البيتِ
أكيدانْ.
وحُبّان خارج البيت

يَقّلان مع الوقت
أو حتى يزيدان
الخلاصة:
ليسا ثابتيْن......
.....
لنترك كل هذا
قبل أن يقول واحد
أمي ماتت
والآخر أبي.... لا أدري ماذا....
والثالث الثرثار
الذي سيفيض في أنه كان سعيداً
ثم خانته مع صديقه
فضاع ذلك الطَعم
الخ
لنركز جهودنا في الحدوتة الأخرى
التي رأيناها كثيراً في الأفلام.

أن بنتاً تسكن في شارعٍ
مجاورٍ لبيتك
ويا للغرابة – لم تقع عليها
عينيك من قبل....
تحبك طول عمرها بلا هدف
- سخيفٌ جداً هذا الكلام
، لكن لنواصل -
تُلَمَّحُ هىَ إلى أمك
في الزيارة "البريئة"
فتذكَّرك بها
بكلامٍ "برئ".

فتفرح
وفى ذهنك
أنها مازالت "بنت بنوت"
وجمالها معقول
وقبل كل هذا، أنها تحبك حقاً.

عندما تصل إلى نقطة "أنها تحبك حقاً"
من قلبها
وطول العمر........
تحبك لشخصك
لأنك أنت.
لم تبدأ معها، بارتعاشة هواجسك
لم تبتهل أن تبادلك المشاعر
لا شيء من هذا-
تريدك أنت يا بطل.

وقتها فقط
ستكون سعيداُ من قلبك.

وقد تنزل الساعة الثالثة فجراً
وتتمشى على الكورنيش
وأنت تصفر
ثم تبتسم لكل المحبين
المشرقين
أبناء الأبيض والأسود....



"التركواز"
عندما تكون محاطاً بالطيبين

الأم والعمة والخالة والأخت
يحلمن معاً.
الأم ترى الأب يموت مرة أخرى
فتفتح أيام "ابن سيرين"
وتقول
شخصٌ من رائحتنا
ستضحك عليه المصائب.

الهاتف الأسود القديم
نتجه إليه كلنا، بسرعة الطيف
ونكون سعداء
حيث ننتظر الرنين دائماً
ليشير: إحساسكم صحيح
يا أذكياء.

العمةُ تحكي
أنَّ النعشَ الأبيضَ أشارَ لها
وتَقلَّبَ ثلاث مرات
وسَابَ قلبه.
والخالةُ تأتي مهرولةً
وتقول جدنا الكبير
الذي عَمدّناهُ بأرواحنا
ونسينا عنده بياض القلوب
قال: هذا الباص
له طريقان
الأولُ وليدُ الضباب
والثاني صديقٌ جميل.

الهاتفُ الأحمرُ الجديد
تركبُ الأختُ أثيرَه
لنعلم أنَّ الطائرَ الذي يحمي البيت

باع جناحاً بالأمس
وسَاوَمَهُ الأوغاد على سماءِهْ.

أنت في القلب من كل هذا....
من روائح البخور
التي تغادر عيونهم كل صباح.
من هدوء دولة اليقين
الساحر الساحر.
فقط تشهد تحقُّقَ ما يُحسّون به
وما أخبرتهم به القلوب
وتمصمص شفتيك
لأنك الأفندي صاحب الشهادات.
لكنك وبصراحة
تخفي سعادة
سوف تُخرجها في يومٍ ما
عندما تتغرّب في بلد بعيد........



"السماوي"
عندما تصادق الموسيقى

أصابك الرضا
وكنت من المحاسيب
الذين ترعى الموسيقى شئونهم
بحنان أَمويّْ.
إذن سوف تضع قدمك
على أول الطريق
وتقول لك انطلق
فتحس نفسك ثرياً
أو تسمح لكَ أن تكون فيك
لأنك من هذا النقشِ
لكنك تنسى،
وهى الأدرى...
هي تُعْلمك كل فترة
أن هذا لن يحدث أبداً
كيْلا ينطق أى مهووس
ويقول إنها ساحرةٌ تخديرية

هي تعطيك المفاتيح
ومداخل كل جيوش
الروح
ثم تتصالح مع رقصك
في الحضرة الصوفية
أو فوق البنايات
أو حتى مع تقمصك
لأدوار الميتين في العائلة.

أما
إن كنت أساساً
رجلاً شكاكاً
تخاف تقلّبها
وعدم وفائها بالمعاهدات
أو رَسَيانها كل فترة
على مريد غيرك
- وهذا واردٌ طبعاً -
فانسَ الأمر تماماً
ووفر نشوةَ
إغماض العينين
للأسى....



* تعريف السعادة *
: السعادة هي............
..............
..............
..............



الفصل الثالث
بعد مرور أطنان من اللوحات
ونحن نمضغ الوقتَ تحت المظلة



يوم يكون الكحولُ صديقاً
للكبد الطيب
والتبغُ أخاً للرئة
والعيون تنسى ... الغرق...

يوم نسترد لعنتنا
من الجيران الأنذال
ونطبق على أنفاسها
فلا يرمونا بها كل صباح...

يوم يصطفينا الإيقاع....

يوم نَلُمُّ ملامحنا من على المقاهي....

يوم نرمي من مسامنا
أطفالاً غير مشوهين
بنا....

يوم تنمو العضلات
فنتمّكنَ من حِصار ظِلٍ
واحدٍ في العمر كله..

يوم نتقن المزج بحرفية.
مَزْج المشاعر في قارورة
نأكل منها في الصحراء...

يوم ننام...

يوم يفوت علينا بالصدفة
وَلَدُ الكوتشينة...

يوم يتوقف عَدْوُنَا نحو النار
بعد أن ناولنا
الذكرى
لقلبها الأحزن....

يوم يتفق المؤرخون
ويخبرنا المجانين
بالسر...

يوم نحاذي الروبوت
الذي يزاحمنا في الشارع....

يوم تدوم طعم القبلة في الهواء
ولمسة المشاعر في طيور الشرفة
ورائحة الرقصة في الممر..

يوم تأمن الوردة على أسرارها
معنا...

يوم نكون أكثَر هدوءٍ وبساطة
مع نفوسنا.
نفوسنا المساكين...

يوم يرسل لنا
ولو على سبيل الخطأ
أصحاب فيلا آخر الشارع
طبق (عاشوراء)....

يوم نبتسم عشرين مرة
متوالية...

يوم نقتحم الوقت
في أوقات طيبته
ونأخذ منه صكاً....

يوم نتفق مع موتانا على أوقات الزيارة....

يوم نُمَوَّهُ على المؤامرة...

يوم نطرد الأرواح من ملابسنا
فيعود البصر...

يوم نلاغي الفخاخ كل مساء...

يوم لا نحسد الطيور
على أنها عارية...

يوم يختارنا الضوءُ بثقة...

يوم نرحل أفواجاً
والصورة على جواز السفر
لا ترمي علينا
السخرية...

يوم نلهو فوق السطوح
وتحت السرير
فنجد خبزنا القديم...

يوم نوالي الخيارات
جوار المحبة...

يوم نُسَلَّحُ الأسفلت
بملحِ أقدامنا
فيرضى....

يوم نغفو على أَسرّةِ العُزلة
ولا نصحو مليئين بالبثور...

يوم نصاحبُ كذبنا الجميل...

يوم يحلم بنا الأسلاف...

يوم تتذكرنا حبيباتنا
خارج السور....

يوم نتخلص من إدمان النظر
إلى البرج البعيد...

يوم نلمحُ
النائمَ في الحكايات...

يوم نُحصي القتلى في التقويم...

يوم يجد "سانتا كلوز" ساعةً إضافيةً
فيمرَّ علينا....

يوم نجد شخصاً يُرَبَّتُ على قلوبنا
دون خوفٍ من العدوى....

يوم تمتدُ مدة الصلاحية
فينا قليلاً...

يوم تنسى الأبواب
أن تخلق الغرباء...

يوم تكون قلوبنا قالبا طرياً
للمفاتيح الضالة...

يوم نسبح داخل اللوحة
ولا نلوثها...

يوم لا يغوص لهاثنا
في الرمال الراقصة....

يوم نليق بأسمائنا المسروقة...

يوم تمطر السماء
في قمصاننا الضيقة...

يوم يُعَلَّمُنا الزحامُ رائحتَهُ..

يوم تضحك لنا المرآة...


نكون حينئذٍ
سعداء
حقاً.



الهوامش



تم التحضير لهذا النص
في الفترة ما بين
15/11/1975
و ...... / ... / ....

أما التدوين
فكان في ليالي 2001
تحت إلحاح اليأس الملون،
الرائع...



"عديم اللون"
قالَ
الرجلُ عبر النافذة
مَرّت بنا بالأمسِ
سفينةُ السعادة...



"عديم اللون"
رَدَّ
الرجلُ عبر النافذة
السعادة ... السعادة
أين سَِمْعتُ
هذه الكلمة من قبل؟ !



" تفكيك السعادة " لمؤمن سمير
التفكيكُ للسعادة أم للمأساة ؟
بقلم:عاطف محمد عبد المجيد
يُلَخِّص ـ أو هكذا أرى ـ مؤمن سمير ديوانه (تفكيك السعادة)..الصادر عن دار "هـﭭن" في مقولة ماركيز التي جعلها مُفْتَتَحاً له: "بلسمي السُّمُّ يا أماه" لا سيما وأن الذات الشاعرة تعمل ـ طوال المساحة الزمكانية لقصائد الديوان ـ على تفكيك المأساة ـ وليس السعادة ـ لتحصل من بين ثناياها ـ أي المأساة ـ على السعادة أو ـ ربما ـ على قليل منها... ويلفت الانتباه في هذا الديوان بسرعة أن الشاعر يقسمه ـ على طريقة الروايات أو ما شابه من كتابات نثرية ـ إلى فصول ثلاثة..الأول منها عنونه الشاعر بـ :تهويمات الفرشاة..التي لا ينقصها الإخلاص،عادة. أما الثاني فسماه: الألوان أو هكذا نكون سعداء ..فيما جعل عنوان الفصل الثالث :بعد مرور أطنان من اللوحات ونحن نمضغ الوقت تحت المظلة...... وهي لافتات شعرية في الآن ذاته...
لُغةٌ مُنسابة:
لغة الديوان لغة سلسة تنساب انسياباً رائقاً ورائعاً عبر أسطر الديوان الشعرية ..فيما يحاول الشاعر ـ بواسطة ما يمتلكه من أدوات فنية بادية التمكن ـ ألا يعزف كثيراً على أوتار المجاز ..مبتعداً بنصه الشعرى /النثري عن ما يسمى ب مجانية اللغة والتناول والصورة ..والتي لا تضيف إلى العمل قدرما تُنقص منه..وعلى الرغم من تربع السعادة (حقيقية كانت أو مُتخيلَة) على كرسي عنوان الديوان وبين ثناياه ..إلا أن المأساة ـ أو ما تعانيه الذات الشاعرة بصوره المختلفة في سبيل الوصول إلى تلك السعادة ـ تطل بعينين جاحظتين من نوافذ شتى في كثير من قصائد الديوان..وإذا كان تفكيك السعادة قد يعني فداحة تمظهرها بعد تفتيت بنياتها الأولية أو إعطائها مساحة أكبر لتمارس فيها أنشطتها.. فإن تفكيك المأساة قد يُقصد منه كذلك- إضعافها إلى الحد الذي لا تقوى فيه على التحرك أو البقاء...

تعالوا لنحكي عن السعادة..
نحكي قليلاً..
أجل،السعادة يا أصدقاء..
صدقوني
الأمر يستحق بجد
أن نترك مشاعرنا
إلى جانبنا على المقعد..
هذا ـ بصورته القائمة الآن ـ ما أخبرنا به الشاعر عن سعادته المفقودة ـ على الأقل في اللحظة الراهنة ـ أما عن المعادل الموضوعي للسعادة ـ هنا ـ أو الوجه الآخر لها وهو المرارة فيسرد عنه قائلاً:
التعب زاد كثيراً
والمررة لم تعد تصدق
أننا مللنا طعمها الاستعماري
في الفم والحلق
ورائحتها
التي تحيط بالذكريات مثل شرنقة..

حافة المأساة:
يدرك الشاعر أنه في سرده لوقائع السعادة التي يقف على حافة المأساة منتظراً لها ..إنما يحاول ـ قدر ما أوتي من حلم وخيال ـ أن يبدأ رحلة بحثٍ بُغية أن يعثر عليها وسط ركام وأكوام من مآسي شتى تعمل ـ وبشكل جماعي جهنمي منظم ولا فوضى فيه ـ على إزهاق الروح الشاعرة معنوياً وربما تفكر مستقبلاً في القضاء عليها مادياً بعنفٍ ملموس كذلك...
أعلم
أننا بكلامنا طول الوقت
عن سواها
إنما نبحث عنها..
ونظراً لأن هذه السعادة/الأمل/السؤال دائماً تراوغ الذات الشاعرة وتجعلها تدخل منعطفات متوهمة أو لا وجود لها .. لهذا فهي تغيب أو تُغَيَّب أكثر مما تجئ ويُقبض عليها..ومن هنا اكتسبت لقب السعادة الماكرة ـ والوصف للشاعر ـ وهي قد تكون ـ ربما ـ في "إزالة الجِلد السميك الذي أعمانا طويلاً.."..
أبجدية أخرى:
ملمح آخر يتبدى من خلال قصائد هذا الديوان ،ألا وهو أن مؤمن سمير ـ الشاعر ـ يحاول أن ينقش فوق جدران مملكة الشعر لغة خاصة به وأبجدية أخرى لا تشبه أبجديات سابقة ..متكئاً على ثقافة شعرية وتشكيلية وإنسانية عالية..ومنطلقاً من ذائقة تحاول أن يكون لها حضورها وخصوصيتها ..بعيداً عن أعمال النسخ ـ طِبْق الأصل ـ ومحاولات الاقتراب من نصوص الآخرين..
الألف واللام
حرفان جلبا لنا وجع القلب
بسببها رافقنا الخيبات
والحب والعدل والموت
والسجن والقطارات وال... وال... وال...
........
حرفان فوقيان عنصريان
سنثور ضدهما
بولاءاتنا التحتانية المشرقة
وسنقرر أن ننساهما في البداية بهدوء...
توهمات:
كذلك نعثر على الذات الشاعرة وهي تعاني من عدد من الأوهام التي كانت بفطرتها تظنها واقعاً ..لكنها سرعان ما تكتشف ـ بفاجعة ـ أنها ليست سوى توهمات تبخرت مسرعة تاركة إياها في دوامةلا سبيل إلى الخروج من دهاليزها المتشابكة...
سِكة أخرى
أن نبحث عنها
في أمر له بريق
منذ طرقنا قطار الإحساس
الحنين...الحنين المجنون
الذي قد يرسم أشياءً
ويضحك علينا غالباً
لا يهم..هو طريق والسلام..
وعن تعطشها الوحشي لأشياء هي بحاجة دائمة إليها , تعلن الذات الشاعرة أنها تحاول أن تصل إلى تلك الأشياء وأن تتشبع بها ولو عن طريق التخييل ..
حيث ليس كل ما تتمناه الذات الشاعرة تجده أمامها ملفوفاً في ورق فخم وعلى طبق من فضة...
كالعادة
لا شئ يكفي
كالعادة
لا شئ يملأ المسام
ويدفئها
احترت والله
واحتار دليلي..

لغة العادي:
ثمة شيء آخر نلمحه ـ دون أن نبذل أي مجهود ـ في هذا الديوان وهو أن الشاعر يستخدم مفردات /لغة بسيطة تقترب ـ إلى حد ملموس ـ من لغة الإنسان العادي ـ ولا أقول إلى لغة الشارع ـ غير أن اقترابها منه أو تماسها معه لا يعني سطحيتها أو سوقيتها ـ مما يحولها إلى لغة ساذجة ومُنَفِّرة ـ
إذ أنها رغم بساطتها تحافظ على رونقها وجزالتها...
*الشيخ "باتع" بعد أن ضيّع اللوح
وانتبه لبنات الترع...
*سمير... أبوك الذي تركك في الغيمة
ويمنعه عنك الشديد القوي
*عديم النخوة
الذي سببناه مع صديقه الأول
يتسلل بخسة
ليختبر قدرتنا على التذكر
*يا كبير يا طويل يا واقفاً تخيفنا طول الحياة
يا.....
*فلننس الخسارة
ولا نسمح لعقدة الذ نب أن تؤجرنا بالرخيص
*أي أدلة يا ناس
الأمر اقرب وأكثر رهافة
خرجنا من الماء...صح؟ صح
*اجلس يا صديقي في وردة البلل
واغمض قلبك الشكاك
وابلع ريقك...
مرة أخرى نعود إلى مسألة السعادة/الوهم والتي يتخذها الشاعر محوراً مركزياً في ديوانه هذا والتي أعلن الشاعر عجزه ـ العجز هنا ليس عجزاً سلبياً لكنه العجز الناتج عن ضيق ذات القَدَر!! ـ عن العثور عليها أو حتى الإمساك بتعريف لها سواء في نهاية الفصل الأول أو الثاني إذ يقول محاولاً تعريف السعادة..أو إثبات - عن طريق هذا البحث الشعري – استحالة القبض عليها..
السعادة هي:
..................
..................
غير أنه في هامشيْن من هوامش الفصل الثالث الثلاث يسميهما بـ "عديم اللون" يقول:
قال
الرجل عبر النافذة
مرت بنا بالأمس
سفينة السعادة...
رد
الرجل عبر النافذة
السعادة...السعادة
أين سمعتُ
هذه الكلمة من قبل؟!!!!

وهنا يشير إلى عدم معرفته بهذه السعادة - أساساً - والتي يتساءل ـ مستنكراً وجودها/غيابها ـ :أين سمعت هذه الكلمة من قبل؟ إنه يقرر هذه الإستحالة ويضعها في القلب والعقل , وبشكل نهائي...
في الوقت الذي يقرر فيه في الفصل الثالث الذي عنونه بـ "بعد مرور أطنان من اللوحات ونحن نمضغ الوقت تحت المظلة " أننا سنكون سعداء حقاً, لكن متى؟
يوم أن نبتسم عشرين مرة متوالية ..يوم أن نتفق مع موتانا على أوقات الزيارة .. يوم لا نحسد الطيور على أنها عارية..يوم أن نلهو فوق السطوح وتحت السرير فنجد خبزنا القديم..يوم أن نجد شخصاً يربت على قلوبنا دون خوف من العدوى..يوم أن تضحك لنا المرآة..يومئذ نكون سعداء حقاً...

إذن ربما تتأخر سفينة السعادة في المجئ خاصة وأنه لا توجد تربة صالحة لاستقبال بذورها فينا لا سيما وأننا نحاول أن نوقع أنفسنا ـ عن جهل ربما ـ في شِراك اليأس..وبهذا ـ أيضاً ـ سوف يمتد زمن رحلة البحث عن تلك السعادة المفقودة والتي يحاول الشاعر أن يفككها..فهل يمتلك الشاعر ما يؤهله لأن يبدأ أو يستأنف رحلة أخرى باحثاً في عوالمه الخاصة عنها أم تراه أعياه اليأس فقرر أن يستسلم ـ رغماً عنه ـ للواقع مضحياً بسعادة يلقي به البحث عنها في غياهب المأساة؟!



روح العامية في بدن الفصحي
بقلم : بهاء جاهين

شهد منتصف القرن الماضي ثورة أدبية انتزعت للعامية المصرية أحقيتها في أن تكون لغة للتعبير الشعري الرفيع‏,‏ وواكب ذلك في فنون النثر اتجاهات تحاول تضفير وتعشيق بعض الألفاظ والتراكيب العامية في متن النص الفصيح‏.‏ ولعل أجرأ من أقدم علي هذا يوسف إدريس في قصصه القصيرة‏,‏ وأرق من ابتدعه يحيي حقي في لغة المقالة الأدبية‏.‏ وليس المقصود هنا وضع لفظ عامي في سياق من الألفاظ الفصيحة‏,‏ بل غرس كلمات أو تراكيب وعبارات مفرداتها فصحي لكنها شائعة في لغة الحديث اليومي أكثر من لغة الأدب الفصيح والكتابة عموماً‏.‏.

وسوف أعطي أمثلة علي ذلك‏,‏ ولكن يجب قبلها أن أعرفك بالنص الذي أنوي أن أستشهد به‏..‏

صدر في مطلع هذا العام ديوان فصحي للشاعر مؤمن سمير بعنوان " تفكيك السعادة " والديوان ملئ بنقاط القوة وأخري مثيرة للجدل‏,‏ إلا أنني سأقتصر علي المنظور الذي بسطته لك في البداية‏,‏ وأزيد فأقول إن ما فعله مؤمن سمير في هذا الإطار يعد انجازا‏,‏ لأنه نقل تكنيك روح العامية المصرية في بدن الفصحي...
من النثر
إلي التعبير الشعري‏.‏.


وإليك بعض الأمثلة‏:‏
‏1‏ـ صدقوني
الأمر يستحق بجد...

‏2‏ـ لا يهم‏..‏ هو طريق والسلام..

‏3‏ـ ياخائبة
سرقت من الروح
وهي ترفرف في الغرف
ولم تتمكني من حفظها في حقيبة اليد...

في هذه الأمثلة ألفاظ أو تراكيب فصيحة لكن استخدامها الشائع في لغة الحديث اليومي‏.‏ والشاعر هنا يعيد اكتشافها من حيث قابليتها لأن تكون عنصرا منسجما مع الفصحي الأدبية المتعارف عليها‏..‏ اننا نكتشف معه أن هذه التراكيب والألفاظ وإن كانت تستخدم عادة في لغة الحوار إلا أنها جزء لا يتجزأ من البيان الفصيح‏.‏

وإليك مثال آخر نختم به‏:‏
كالعادة
لاشيء يكفي

كالعادة
لا شيء يملأ المسام

ويدفئها
احترت واللهِ
واحتار دليلي...

...‏

الدليل
أقصد الأدلة‏..‏ نعم‏..‏ الأدلة
ولم لا‏..‏ تاهت ولقيناها...

إن ما يساعد هذه الصياغات العامية‏,‏ أو بالأدق ذات الروح العامية‏,‏ علي الانسجام مع الكل أن نصوص هذا الديوان ذات لغة بعيدة تماما عن الغنائية والرومانسية وأقرب إلى المونولوج الدرامي‏,‏ فاستخدامها مبرر وغير مقحم‏,‏ وأعتقد أن الشاعر نجح في إعطائها الشرعية إلي حد بعيد‏.‏...



الشعرية والألعاب السردية في ديوان " تفكيك السعادة" للشاعر / مؤمن سمير
بقلم : د/ أماني فؤاد

يقدم الشاعر "مؤمن سمير " قراءة شعرية تفكيكية للسعادة ، ينفذ إليها ويقوض بنيتها الوهمية والنسبية الخاصة في شعرية لا تركن للمتواتر ، كما يناقش وجودها إن كان حقيقة أوبعضاً من أوهام خلقناها من مرواغة كبرى مع أنفسنا والعالم من حولنا، " في أمر رسمنا له بريقاًً/ منذ طرقنا قطار الإحساس/ الحنين ...الحنين المجنون../ الذي قد يرسم أشياءً / ويضحك علينا غالباً./ لايهم .. هو طريقٌ والسلام." (ص27).
يبارى " مؤمن سمير" جاك ديريدا "، يقرأ السعادة واضعاً إياها في إهاب شعري رفيع المستوى الفني والفكري ، معنى مراوغ وضبابي وغائم وهائم ، يأخذه ويعدد زوايا النظر إليه ويتنوع بها، ليقتنص الشعرية عبر النفاذ في أحد قيم الإنسان وقضاياه وطموحاته الأكثر إلحاحاً وأملاً في القبض عليها.
وكما توفر التفكيكة لذاتها كل الصلاحيات لاستخدام مناهج وأساليب قراءة ودراسة متعددة ومتباينة وهي تمارس دورها في استراتيجية حرة ، يصنع الشاعر "مؤمن سمير" ذات الصنيع مع قصيدته ، لايضن عليها بأي طريقة أو نمط أو تقنية فنية وشعرية في كل المذاهب والتيارات الشعرية والفنية المتنوعة ، فهو يقدم نصاً طائراً متجولاً بين القديم والحديث بداخل النوع الشعري ، بين الشعر والفنون الأخرى ، رافضاً حصره بداخل وعي جمالي محدد .
منذ أن يتصدر الديوان قول ماركيز " بلسمي السم يا أماه.." استشعرت أن هناك حالة شعرية مفارقة ومغايرة لما هو متداول، إنها الشعرية التي تقتنص توهجها ومغايرتها من لحظات الموت البرزخية ، التي نرى فيها الأشياء على نحو آخر ، لحظات المواجهة مــع الحقائق عارية، خارجة عن خداع ترتيبنا لها على نحو ما ، دون أن تحصنها أوهامنا بمجال مخادع .
أدعوكم معي إلى البحث في أدراج مؤمن سمير الشعرية عن معول نافذ ومثابر ، يحمله دائماً ، يحطم به كل ما استقر من تقنيات أو أقانيم ، يقوض عامداً التقنيات الشعرية وسمات المذاهب والتيارات الفنية ليستحدث علاقات جديدة بين الأشياء، مفهوم للشعرية يستنطق العلاقات المتباعدة والغريبة بين الأشياء التي لا علاقة بينها خارج العين الشاعرة أو المخيلة الشعرية ، أظنه يرى مع " أرشيبالد ماكليش" أن الأشياء التي لا علاقة بينها هي بالضبط ما يكون ذا معنى في الشعر ( ) ، بداخل القصيدة عند مؤمن سمير يمكنك أن ترى أشياء الوجود التي لا يمكنها أن تجتمع ، تنصهر وتتجادل لتخلق وجوداً وشعرية مفارقة لما هو سائد ، يقول مؤمن سمير " تخرج مبكراً / ليتاح لك / نعيم الحديث مع السيارات. / وإذا كنت مرضياً عنك / قد تصل المسائل/ لعلاقة ما / مع سيارة ما / لن تشتري مثلها / ولن تتعامل مع أنثى / تشبهها في لمعان المشاعر / أبداً " (ص52،51).
الحديث مع السيارات ، علاقة ما مع سيارة ما ، لا وجود لأنثى تشبه لمعان السيارة في مشاعرها، علاقات جديدة بين أشياء متباعدة ، علاقات تحمل صفة المغايرة لكنها في ذات الوقت تشي بهذه المشاعر المادية الحسية اليائسة التي تقطر مرارة الوحدة والعجز، لكنها تحمل في مستواها العميق حجم الفراغ النفسي الذي تحياه الذات الشاعرة ، وعمق الوجع والمرارة التي تطالها الذات من المجتمع ، وما يفرضه قهراً من ظلم وافتقاد العدل والأمل في الغد.
يحقق الشاعر هذا الخوض في غير المألوف على مستوى القصيدة والصورة والكناية ، كما يحققه على مستوى بنيه ومعمار الديوان ذاته كما سأوضح لاحقاً.
يسيطر على الشاعر في هذا الديوان ارتياد مناطق شعرية غير مأهوله من خلال وضع الأشياء أو مفردات الشعرية في علاقات عن طريق الخيال الشعري، غرائبية ، مناطق ربما ارتادها الأخرون ، لكن على نحو مغاير فهو حين يتحدث عن أبجدية جديدة للحروف يذكرنا بتلك الأبجدية التي اقترحها " رامبو" ، يلتقط الشاعر الحروف ويعيد شحنها بدلالات وعلاقات أخرى تخصه وحده وتعبر عن وحدانيته الشعرية ، ورؤيته المتفردة لهذه الكيانات الأبجدية.
يشخص ويجسد المبدع الحروف في ذواتها، كما هي، دون أن تفارق طبيعتها فهو لا يؤنسنها، بل يجسدها على ما هي عليه ، في علاقات تقترب من المجازية ، لكن على نحو فكري خاص بتناول الذات الشاعرة للغة وحروفها في حالة دمج وجدل هذه الحروف بالعالم من حولها ، وأتصور أن الشاعر قد أبدع فنياً وفكرياً في هذا التناول إنطلاقاً من أن اللغة هي العالم ، هي الإنسان الذي لا يعي العالم ويفكر فيه ويتخيله دونها، فاللغة والفكر وجهان لعملة واحدة يستحيل الفصل بينهما كما يؤكد " سكينر" زعيم المدرسة النفسية لتفسير اللغة الإنسانية ، يقول الشاعر :" الألف واللام / حرفان جلبا لنا وجع القلب ./ بسببها رافقتنا الخيبات / والحب والعدل والموت/ والسجن والقطارات والـ...والـ../../ أرأيتم / كل ما جال بخاطري عالٍ وطويل./الملعونان لم يقتربا أبداً / من الفئران والتراب../ حرفان فوقيان عنصريان/ سنـثور ضدهما / بولاءاتنا التحتانية المُشْرقة / وسنقرر أن ننساها في البداية بهدوء." (ص18،17).
أقام الشاعر عوالم للحروف صورت ودللت على المراحل الفكرية التي مرت على الذات الشاعرة فبعد أن كان الألف واللام الحرفان الفوقيان علامتان على القيم والمعاني النبيلة تحولا إلى خيبات هذا العصر الذي نحياه ، هذه الحروف التي كانت قريناً شرطياً للمعاني المتعالية لم توفر بيتاً كريماً أو عيشاً متحرراً رغداً أو شعوراً بالأمان والحرية ، لذا تغير النظرة لهذه الحروف يوحي بتغير مراحل تفكيره وتحولاتها.
لا يستسهل الشاعر في هذه الشعرية تعاطي المناطق المأهولة المريحة ، بل يرمي نفسه ونصه في صحراء ذات رمال ناعمة ويتحسس طريقه إلى شعرية خاصة به ، أنه اختراع فعل شعري مغاير ، قد يصمد ليستشعره القارئ ، أو تبتلعه الرمال المتحركة.
يقول الشاعر عن حرف العين :" ..العين عرق وعلامات وعلم ../ ..وكل ما يجثم فوق الصدر ." (ص20)، تبدو الألف واللام والسين والألف ثانية و الدال والتاء المربوطة "السادة" هي حروف فوقية عنصرية ديكتاتورية سيثور ضدها المبدع ليقرر ولادات جديدة، كلها حروف شكلها الشاعر لتعبر عن خيبة الأمل والسراب في الحياة والمعاني التي تدخل فيها وما شكلته في النهاية من مفردة " السادة" الذين أوقعونا في هذا الضياع، وهي التي تأتي تحت عنوان "الأسود" اللون القاتم ، لون الموت.
إن هذه العلاقات الفنية والتي تتغيا شعرية جديدة تذهب بنا حثيثاً ، دون صخب أو صوت خطابي جهوري إلى عودة الشعرية مرة أخرى- بعد سمات قصيدة ما بعد الحداثة- إلى العالم خارج الذات الشاعرة ، خارج النص ، لكنها عودة مغايرة ، معالجة الهم الاجتماعي بطريقة فنية معمارية شعرية مغايرة ، عوالم متداخلة من اللغة والفلسفة والمجتمع والإنسان والحكم والمعاني ، كل هذا يبعث حياة ما بالحروف ، يشحنها المبدع بهذه العوالم الحيوية التي تعني بالشأن الإنساني في علاقته بالشأن العام ، دون أن يؤنسنها أو يشخصها أو يضفي عليها حيوات غير حيواتها بالفعل ، وهو فعل اختراع هذه العلاقات المتجددة.
فنحن نلهث في هذا الديوان وراء سراب ، يلوح من بعيد ، ويُهيئ لنا أننا نراه ، وكلما اقتربنا تباعد وانقشع ، السعادة ..هذا المعنى الضبابي الهلامي ، المنطقة التي يتغيا هذا الديوان اقتناص علاقة شبحية معها ، علاقة حين يريد الشاعر مواجهتها بأن يضع لها تعريفاً أو حداً نجد على الدوام نقاطاً متراصة ومتوالية لفراغ لا تحتله سوى الأشباح التي تحتل خيالاتنا لفترات متباعدة أو متقاربة ، لا أهمية لذلك ، فالوجود ذاته يعادل العدم أو المحو الكامل، أو تلك الكائنات أو القيم التي لاتعرف لها كيان ، كأنها تحمل أعضاءً مراوغة ليس لها هيكل عظمي يجسدها.
يسعى الشاعر كي يقبض على هذا الكائن أو المعنى الخرافي المتآكل والمتغاير على الدوام أن يفكك هذا الكيان راجياً - إن استطاع - تفكيكه أو تفتيته لأجزاء صغيرة ، أن يتحسس علامات أو دلائل قد تشي بوجوده ، أو تفصح عنه.
هذا العنوان الذي يُوَجَّهُ نحو هذا السعي ، هو ما أوجد هذا البناء التركيبي للديوان ، والذي يقترب ويتشابه مع طريقة بناء الرواية أو البحث، وتعد ظاهرة السردية من أعمدة بناء الشعرية في هذا الديوان ، في حين يقترب من البحث أو الدراسة في ظاهرة التحليل إلى الجزئيات والمكونات التي أوجدها الشاعر لتعبر عن السعادة ، ما أعنيه بحث بالمفهوم الشعري ، إنهما الكيانان متداخلان، الرواية والبحث.
قسم الشاعر الديوان فصلاً أول بعنوان " تهويمات الفرشاة التي لا ينقصها الإخلاص...عادة" وتأتي العنوانات المتوالية في ظلال ثنائية الأسود والأبيض وكأنه الرسم بالفحم، بالظلال بين عالمي الأسود والأبيض ، والفصل الثاني معنون " بالألوان أو هكذا نكون سعداء" التي يتوالى فيه عنوانات جانبية :الأحمر ، الأخضر، التركواز ، السماوي ، نلاحظ هنا انتقالنا من التظليل بالأسود والأبيض إلى المرحلة الثانية التي تتلون بها الأشياء ، وحياة الذات البشرية.
يأتي الفصل الثالث بعنوان " بعد مرور أطنان من اللوحات ونحن نمضغ الوقت تحت المظلة" وفيه نلمس نوعاً من الانتحار المنظم الذي تمارسه الذات على نفسها ، نوعاً من رفض الوجود على هذا النحو المهين ، الوجود الذي نفتقد فيه كل المعاني والمفردات الجميلة التي تهب للحياة معانيها والتي يعددها الشاعر في جمل شعرية مبدعة ومتجددة ، كل منها تعبر عن تصور للسعادة كما يظنها الشاعر .
كما أرصد لهذا التشكيل المعماري للديوان اعتماد الشعرية مرة أخرى على هذه الكيانات المعمارية الشعرية المركبة التي تحمل تصور الشاعر الخاص عن معنى أو قيمة أو مفهوم أو شيء يريد البوح حوله ، هي ليست عودة إلى المجاز التركيبي الغامض والعنقودي ، لكنها تراكيب إقامة الكيانات المغايرة ذات العلاقات المستحدثة والغرائبية في كثير من الأحيان ، كما أنها تتمايز بهذه التداخلات التي لا تعرف لها حدوداً منضبطة كأنها أسطح وهمية لها قدرة الذوبان إحداها في الأخرى .
ويجب أن أشير هنا إلى أن هناك مغايرة مع تقنيات القصيدة ما بعد الحداثية التي تخلت عن العنوانات والتقسيم والكيانات المركبة ، كما أن هناك مغايرة أخرى مع سمات قصيدة تيار الحداثة فهي وإن كانت تضمنت بعض هذه التراكيب المعمارية في بعض منتجها ، إلا أنها لم تكن على هذا النحو من التداخلات والعلاقات الغرائبية التي تهدم كل يقين ، وتنداح فيما بينها دون حدود .
كما أن معمار الديوان التشكيلي على هذا النحو الذي يحيط بمعنى مراوغ ويكثف الشعرية حوله يعيد إلى الأذهان الذات الشاعرة القادرة على الفعل وتحديد كيانات بطريقة مفتوحة، لأنها في ذاتها لاتقبل التحديد مثل مفهوم" السعادة" .
وما يعنيني أن أشير إليه هنا هو أن تلك الذات قادرة على أن تشكل رؤية اتسمت بالمرواغة أو بالبينية ، ولذا يأتي التشكيل مراوغاً وبينياً واحتمالياً، تشكيل مفتوح يحتمل بدائل متعددة للعنوانات وزوايا المعالجة والمداخل المختلفة لتراكيب لغوية مجازية أو تقريرية متنوعة، يقول الشاعر واضعاً السعادة في جمل شعرية احتمالية :"....يوم تنسى الأبواب / أن تخلق الغرباء../ يوم تكون قلوبنا قالباً طرياً/ للمفاتيح الضالة../ يوم نسبح داخل اللوحة/ ولا نلوثها.."(ص82).
سرد الراوي المسرحي:
تخرج شعرية هذا الديوان من طقس سردي ذي طبيعة خاصة ، أتصور أن له طبيعة المزج بين أداء القص والأداء المسرحي الذي يتمثل في بعض الاستطرادات ، والجمل الاستعراضية التي تصاحبها بعض الحركات التجسدية ، كأن الذات الشاعرة تقف فوق خشبة مسرح وسط مجموعة من الأصدقاء أو المتفرجين والمستمعين وتحادثهم عبر المفردات والعبارات التي من شأنها أن تجسد الحدث الذي تفرض طبيعته المجردة والتي تسكن في السريرة البشرية أن يلجأ الشاعر إلى التشخيص والتجسيد باستعارة هذه التقنية من طريقة الأداء على المسرح:" تعالوا لنحكي عن السعادة../ نحكي قليلاً../ أجل، السعادة يا أصدقاء ../ صدقوني / الأمر يستحق بجد/ أن نترك مشاعرنا إلى جانبنا على المقعد .." (ص15).
هذا الأداء المسرحي الذي يشبه وجود راوٍ معلقاً على أحداث المسرحية وأحداثها ، يظهر ويوحي أن هناك حركات باليدين ، أو إيماءات بالرأس ، وحركة " الميزانسيه " فوق المسرح وهكذا يصبح الأداء المسرحي سمة في فقرات عديدة من الديوان يقول الشاعر : "لنركز جهودنا في الحدوتة الأخرى / التي رأيناها كثيراً في الأفلام ./ أن بنتاً../ - سخيف جداً هذا الكلام ، لكن لنواصل -.." (ص57،56)، كأن هناك حواراًً قائماً بين مجموعة من البشر ، أو "حكواتي " وجمهور من الأصدقاء ولذا تأتي الجمل الشعرية تميل إلى الحكي في مستواه الأقرب إلى اللغة الثالثة والأقرب إلى اللغة العامية دون التقيد الصارم بضوابط الفصحى مثل قوله :" ..احترت والله / واحتار دليلي /.../ الدليل / أقصد الأدلة ...نعم ...الأدلة / ولم لا .../ تاهت ولقيناها.." (ص33).
أعود وأذكر أن الشاعر يبحث عن معنى وقيمة مراوغة هلامية ، ذات طبيعة مجردة ،ويبدو الأسلوب التجسيدي والتبسيطي الذي يعتمد على نقل مفردات الحوارات العادية قد يسهم في الوصول إلى حالة من التماس معها.
هنا يجب أن أشير أن هناك قدراً مناسباً من تردد هذه التعبيرات السردية التي توحي بالحكي التجسيدي ، في ظني أنها لوزادت لفقدت الشعرية كثافتها وشأبها بعض التصنع.
كما أن هذا الأداء شبه المسرحي من شأنه أن يحقق عودة الشاعر إلى نصه ، عودة شهوده من مسافة بعيدة ، دون خوض حقيقي ومقارب وممتزج ، هذه العودة لا تشبه طغيان الذات الشاعرة ونبوءتها وتنبؤها أو قدراتها على التعبير في قصيدة تيار الحداثة ، فهي تعلن عدم قدرتها على تحديد أي شيء ، لكنها أيضاً موجودة، ولا تلبث أن تطل من آن إلى آخر في مشهد غير ذي قيمة عالية ، لكنها تعلن وجودها يقول الشاعر :" أنا وصديقي / نصنع كلاماً / لنسمعنا / ونرسل الضحكات / كلما سنحت الظروف / لضعفنا ../ الأجمل / من الطيور / والصور.." (ص37).
مستوى التفاعل والتأثير الذي تحلم به هذه الذات الشاعرة لا يتعدى سواها وصديقها فهما " يصنعان كلاماً " "ً لنسمعنا " ،وجود متقزم محدود ، لكنه يبقى وجوداً وصوتاً يتحرك بالهواء، وهو أيضاً لا يتشابه مع النفي والهروب واليأس التام والتهميش المتعمد الذي مارسته الذات الشاعرة في قصيدة ما بعد الحداثة مع دورها في القصيدة والمجتمع والعالم من حولها ، لقد وقعت ذات ما بعد الحداثة في مأزق غريب ، ندت عن نفيها لذاتها للحظات، وأطلت من القصيدة من وراء الأشياء والمفردات الحياتية الصغيرة ، عادت ومارست محوها لذاتها في ردة نافية يائسة ، وساخرة من كل وجود.
وبرغم المرارة وروح اليأس بالهم الشعري إلا أن الأمل لا يفارق الشاعر بل تغلبه روح الفعل ويستحث متلقيه القدرة عليه يقول :" السعادة – صديقتنا الماكرة- قد تكون / في إزالة الجلد السميك الذي أعمانا / طويلاً.../ سنوات ونحن نصدق ./ فلنخلق نحنْ / نحنُ ...للمرة الأولى " (ص23). يشير الشاعر في أسطر شعرية مكثفة إلى التخريب المتراكم الذي طال الشخصية والذات المصرية ، يقول :" اللعبة زرعوها فينا / وماتوا ../ فغرسنا فيها أسناننا.." (ص21).
يفتح المبدع البوابات الخيالية المسحورة ويرسمها لينفذ منها من خلال السرد تارة والخيال تارة أخرى، ليحكي لنا رؤيته الشعرية لبعض مظاهر الحياة من حولنا.
" كيف تكونت سحابة في هذا العالم ؟" يخلق الشاعر لسرديته الشعرية الشخوص والحيوانات والحدث والمفارقة ، كل هذه التقنيات تخدم فكرة جوهرية تعتمد على أن الإنسان بهذا العالم واقع تحت مخدرٍ كبير وقوي.
تلك العلاقات الشعرية المتداخلة مع الأنواع الأدبية الأخرى ، والتي تنشد أيضاً علاقات مغايرة ومتداخلة بين كل عناصر الشعرية ، من لغة وتجربة وخيال هي ما يقامر بها مؤمن سمير ؛ ليرسخ خصوصية قصيدته ، يقول معلقاً على العلاقات التي يقيمها بقصيدته ليفسر ظواهر الوجود :" هل دخل الكلام عقولكم / بما يليق / بصيرورة الواحد منا صاحب فأس!!/ فأس نحطم بها ملابس الأشياء / ونذوق الجوهر المخفي.../ الأمر/ كلهُ / خدعةٌ /كبرى.." (ص27).
كأن حدسي قد صدق في أول الدراسة تحدثت عن معول بيد الشاعر ، وإذا بالمبدع يحدثنا عن فأسه الذي يحطم به الأشياء ؛ ليتذوق جوهرها الذي تخفيه أقنعة بالية تحجب الخيال أن ينطلق.
هذه السردية تطال المجاز وتضفي عليه بعض ظلالها ، يقول الشاعر :" التعب زاد كثيراً / والمرارة لم تعد تصدق / أننا مللنا طعمها الاستعاري / في الفم والحلق / ورائحتها /التي تحيط بالذكريات مثل شرنقة ." (ص15). السارد الشاعر هنا يبدأ بتعبير مجازي وهو أن للمرارة طعماً استعارياً ثم ينمي ويطور مجازه ، مثل قوله أن للمرارة أيضاً رائحة ، هذه الرائحة التي تصل بالحبكة والذروة معها إلى أوجها ، حين تحيط بالذكريات ، بالماضي كما سيطرت على الحاضر ، مثل شرنقة ، مستعيناً بتشبيه يعضد الاستعارات المتوالية .
كأننا بصدد ما يمكن أن أسميه" تصنيع المجاز بروح السرد وتقنياته" .
يقدر الشاعر للمجاز وزنه وفاعلياته في القصيدة ، وفي ابتكار اللغة وتخليقها وتوهجها ، لذا فهو لا يفتأ يوشي جمله الشعرية بمجازات بكر مبدعة ، لها صفة الطزاجة والغرائبية ، يقول مصوراً حالات السعادة :" يوم تدوم طعم القبلة في الهواء ولمسة المشاعر في طيور الشرفة / ورائحة الرقصة في الممر " (ص76).
يرسم الشاعر بالكلمات مجازات جزئية ، تلتقط الأشياء وتجعلها ذات كيانات روحية مفارقة لماديتها.
ويتعامل المبدع مع المجاز المركب في قوله بعد سرديته عن علاقات عائلية :" أنت في القلب من كل هذا ../ من روائح البخور / التي تغادر عيونهم كل صباح./ من هدوء دولة اليقين" (ص63)، يعلي الشاعر من شأن الشك والاحتمالية والتوتر والقلق ويسخر من اليقين ، ويلمح بحالة هروب ينتظرها ليصنع مفارقة شعرية وجودية .
ويتعامل الشاعر مع تقنية أنسنة الأشياء والمعاني في قوله مجسداً الموسيقى ومضيفاً عليها صفات البشر " أصابك الرضا / وكنت من المحاسيب / الذين ترعى الموسيقى شئونهم / بحنان أقوى .." (ص65) ، لكنها أنسنة خاصة تصنعها قريحة " مؤمن سمير " وحده فهو لا يلبث أن يتحدث عن الموسيقى بطريقة أخرى تجعلها تفارق إنسايتها ليصور لها كيان آخر يقول :" هي تعلمك كل فترة / أن هذا لن يحدث أبداً / كيلا ينطق أي مهووس / ويقول إنها ساحرة تخديرية .." (ص65)
برغم إشارة الشاعر في شهادته التي نشرتها " مجلة الهلال" إلى المأزق الذي وقعت فيه قصيدة النثر ما بعد الحداثية ، وكونها قد راكمت مجموعة من القيم الثابتة المتكلسة، مثل التفاصيل اليومية الحياتية البسيطة ، والتركيز على الهامشي والمعيش ، إلا أنه لم يحرم نصه وخطابه الشعري الذي يقدمه ، من أي من التقنيات الفنية ، وتصبح القضية الأساسية لدينا كيف يتعامل مع هذه الأشياء التي يراها قد تكلست ليجعلها في حالة نبض وحيوية؟ ويقدم حينها شعرية مغايرة ، يقول في تصوره عن الحالات التي يمكن أن توفر السعادة : "يوم يرسل لنا / ولو على سبيل الخطأ/ أصحاب فيلا آخر الشارع / طبق (عاشوراء).." (ص77)، وقوله :" يوم يكون الكحول صديقاً / للكبد الطيب / والتبغ أخاً للرئة/ والعيون تنسى...الغرق../ يوم نسترد لعنتنا / من الجيران الأنذال / ونطبق على أنفاسها/ فلا يرموننا بها كل صباح../ يوم يصطفينا الإيقاع .../ يوم نَلُمُّ ملامحنا من على المقاهي.../
يوم نرمي من مسامنا/ أطفالاغير مشوهين/ بنا..."(ص74،73).
يتخير الشاعر بعناية التفاصيل اليومية والهامشية ويلتقط فيهما الزوايا غير المتداولة، هذا على المستوى الأول ، ثم يأتي لعبه على المستوى الثاني وهو الذي يميز عمله ، هذا الضفر والجدل الذي يصنعه بين التفاصيل اليومية والهامشي وإدخالهما في علاقات وتكوينات مجازية لغوية تزيدها أبعاداً شعرية وفكرية وتضفي عليهما وهجاً خاصاً.
تبقى ملاحظة أود الإشارة إليها وهي أن الخطاب الشعري الذي يقدمه مؤمن سمير بحاجة إلى متلق نخبوي ، قادر على إطلاق خياله وثقافته ليستوعب هذه التقنيات الشعرية في الفكر والتشكيل معاً....


المؤلف :
• مواليد : 15/11/1975
• عضو اتحاد كُتَّاب مصر .
• صـدر لـهُ:
1- بور تريه أخير ، لكونشرتو العتمة .
شعر ، دار سوبرمان 1998.
2- هواءٌ جاف يجرحُ الملامح .
شعر ، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000 .
3- غايةُ النشوة .
شعر، طبعة أولى : هيئة قصور الثقافة 2002.
طبعة ثانية : مكتبة الأسرة 2003.
4- بهجةُ الاحتضار .
شعر ، هيئة الكتاب 2003 .
5- السِريُّون القدماء .
شعر، هيئة الكتاب 2003.
6- ممرُ عميانِ الحروب .
شعر ، هيئة قصور الثقافة 2005.
7- تفكيكُ السعادة .
شعر ، دار هفن 2009.
8- تأطيرُ الهذيان .
شعر ، دار التلاقي للكتاب 2009.
9- بقعُ الخلاص .
مونودراما ، هيئة قصور الثقافة ،
بيت ثقافة الفشن 2010.
10- إضاءة خافتة وموسيقى .
مجموعة مسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب . 2009
11- يُطِلُّ على الحواس .
شعر ، كتاب اليوم ، دار أخبار اليوم 2010.
12- الهاتف .
مسرحية للأطفال ،الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010.
13- أوراد النوستالجيا .
مقالات نقدية ، إقليم القاهرة الكبرى الثقافي 2011.
* للتواصل :
هاتف محمــول : 01003815130/ 01116321147

بريد إلكتروني : [email protected]



المحتويات
- * الفصل الأول * (5_40)
- أبجدية أخرى. (9)
- في أصل الأشياء: السحابة. (17)
- أشباحنا. (21)
- الأدلة. (27)
- الماء. (33)
- * الفصل الثاني *. (41-62)
- عندما... نحب الحياة. (43)
- عندما نتأكد من حب أحدهم. (47)
- عندما تكون محاطاً بالطيبين. (53)
- عندما تصادق الموسيقى. (57)
- * الفصل الثالث* . (63-76)
- الهوامش. (77)
- المحتويات. (119)



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الهاتف - مسرحية للأطفال تأليف / مؤمن سمير
- ديوان - تَأطيرُ الهَذَيانْ - كتاب شعري
- ديوان - يُطِلُّ على الحَوَاسْ -
- المجموعة المسرحية ( إضاءة خافتة وموسيقى - تجليات الوحيد - ) ...
- كتاب - أَوْرَادُ النوستالجيا وقراءات أخرى -
- مرفت يس تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
- زينب الغازي تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
- - المخبوءُ هُنَاكْ
- - نقوشُ السَطْوِ - شعر/ مؤمن سمير
- - رمل ..- شعر/ مؤمن سمير
- قصيدة وقراءة
- - حكايات شعبية من محافظة بني سويف - جمع / مؤمن سمير
- هل أفاد الفيسبوك والمدونات وما شاكلهم ..الابداع الأدبي والفن ...
- - أصواتٌ تحت الأظافر - شعر : مؤمن سمير
- - تحديات النص الراهن -


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - ديوان - تفكيك السعادة - شعر/ مؤمن سمير