أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - ديوان - يُطِلُّ على الحَوَاسْ -















المزيد.....



ديوان - يُطِلُّ على الحَوَاسْ -


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 3872 - 2012 / 10 / 6 - 18:05
المحور: الادب والفن
    


ديوان " يُطِلُّ على الحَوَاسْ " شعر / مؤمن سمير

صدر عن " كتاب اليوم " دار أخبار اليوم 2010
الديوان الفائز بالجائزة الأولى في مسابقة كتاب اليوم الأدبية2010
رابط تحميل الديوان بي دي إف : http://www.4shared.com/document/3OHRDQ_A/____-__.html

" كنتُ ملفوفاً داخل شئ ما – هل كان كفناً ؟
ببساطة – هل كان ظلمة محكمة ؟
بوضوح تام تذكرت كل شئ : اسمي ، حياتي على الأرض- ووجدت راحة مدهشة أنه من الآن لا يوجد شئ يستحق القلم بشأنه .
وبمنطق مزعج ومفرح ، انتقلت من الشعور غير المدرك للأربطة المحكمة إلى فكرة المستشفى ، وفي طاعة لإرادتي تجسدت في الحال المستشفى الشبحية حولي وأصبح لي جيران ، مومياوات تشبهني ، ثلاثة على كل جانب ..."
" .. تصورت أن القوة الدافعة – ما بعد الإنسانية – لتفكيري سوف تكشف عن نفسها قريباً ، لكن ظهر لي أنه حينما كنت على قيد الحياة، كانت مخيلتي شديدة الخصوبة لدرجة تكفي لأن يتبقى منها ما يدوم لفترة طويلة بعد موتي ... "
" ... وبراحة استسلمت لهه الخيالات ، بل استثرتها ونخستها لتستمر ... " نابوكـــــوف


... بوقٌ كل ساعتين

الصورتان اللتان استولتا عليّ يومها ، كانتا تشبهان البحرين لما خرجا من عيني " أسماء " وأغرقتا أغلب ذكرياتنا حتى أن المراكب تلوثت باللهاث والكذب والبكاء والشم المحموم والرعب والصيادين كرهوا العواصف للأبد ..
كان الوضع هكذا : أتضاءل والرجال يكبرون ثم أتسع يميناً لتخترقني عظام الجار ويساراً فتنط من النافذة أحلام الولد في عبور سقف المعرفة ، المملوء بالعناكب ، لهذا قلت يا أفكاري انجديني فوصلت فوهةٌ لا تخص بركاناً أو بنتاً بالذات وعلى حافتها أيادٍ ممدودة لكنها من داخلها تتوق لضياع الذين يصرخون ويملئون المكان بالصور الإلهية المرتعشة ، لو كانت الفوهة لم تطرد الشعيرات المجلوة بالحناء.. هل كانت الأكف ستنتشي على الحافة؟ ، لو لم تكن نهمة هكذا ، ألم تكن اللزوجة عاشت قرب المؤامرة ؟! ..
المهم أنني أخرجت علبتي الأثيرة من جيبي وخبأت صورتي تلك علّي أحتاجها بعد أن ينفتح الباب ( ) في يوم قريب .. وعندما مرت الدهشة ووراءها الرعب ثم الضحك ظننت أن أوان الأخت قد حان .. فأغمضت قلبي كي لا تأتي رياح من جهتي وبدأت أقبض فكرتي : الطبول ( ) ، وقل بانتظامها ودقتها ورعشة سقفها الموصوفة للمحبوسين بالداخل .. كيف حرمناها كل هذا العمر من أمومتها واعتبرناها قاسية رغم أنها ما تسلطت عليهم إلا باستحقاقهم ، بالعكس ، وهذا لإبراء الذمة : كلما كنت في عمق القتل كنتُ أتطهر من آمالي الموجعة ، ثم الجيران في حفرتنا تلك .. واحدٌ ينسى هلعه ويغني"كلما تأتي الضربة أقوى، كلما أنسحب من ألمي " وواحدٌ مندهش وابتسامته تنام كل نزيز في حضنه على الأرجح .. وهكذا يشيلونا من راقص لآخر وينسونا كأننا هواء ضغطوه في العمق
فانتشى لخياله ..
إذن حزمت أمري
وخرجت منتصراً بفكرتين
في انتظار بهجة
أمسح عن قدمي غبارها

كلما تقدمتِ يا بنتُ متشفيةً
كلما صحوتِ من الجحيم..



• الفائز باللذة

بكل ثقةٍ
دخلتُ
الريحُ
تدفعني بنزقها التاريخي
وتحت إبطي
طريقان من القش
والخيول
والارتباك الممزوج
بالخشية الدفينة
والتفاؤل
المرتعش ....
أولاً دلقتُ ذاكرتي
تلك المطاطةُ الخبيثةُ
فمادت الأرضية
بالقبلات المكتومة
والبنات
اللاتي لا يتبسمن
ناحية الفتى السمين
في الشمس ....
والوقوف دوماً آخر الممر
واستقبال الهجرات
اللاهثة
والضحك المجهض .....

أوقات الوحدة عالية النبرة
والجد الصامت
كإله وثني ......

ابتلاع الكلام مع طباشير الخشية
والكرة التي مزقت الصدر فلم أنطق
كيلا يذكروني في مناماتهم
والأولاد الذين ظنوني
ساحر الحي
فأشعلوا حريقاً
ورموني دون حبال
تشرب الطبول
وتمتص الرقصات .......

جناحي الثاني
العين الطيبة
المراوغة منذ ليلة القتل
ألقيتها ببطء
لأتلذذ بالأحضان
وهي تخلع أرديتها السود
وتتسلى الجدرانُ
بالصور الممزقة بنَهَم
وأطنان الدموع
التي تفتش في رطوبة الذكري ..

ثم تلك الشبورة
غمّقت الاحساس
وقضت على النور المسكين
صاحب الكلاّبات
والقصر البعيد
فوق التل .......

الآن ... وقد تعلمت أن أفعلها
وأن أرمي بكل شيء خارج السور
عدتُ إليَّ
خفيفاً
رائقاً
أراهنكم بما تريدون
علي أنني سأنام
ساعات واسعة
مثل ساعة الميدان
وقد أتنفس عدة مرات كل دقيقة ...
ستجدونني قرصاناً
يملك عظماً في يديه وساقيه
يصلح كمخالب
وتطاوعه بملابسه فتصير على مقاسه ...
رجلاً يلوّح بقلبه
ويحتفظ لنفسه
بمرآة صافية للأعياد ......



• الجميلة

كلما غافلتنا
امرأة المشرحة
وخلعت القفازات
القاسية
التي تمنع الصداقة والتواصل ..

كلما أقبل النظرة الحانية
وأنحني ....



• صاحبُ اللحظة المقطّرة

كانت أحوالنا
مغسولةً بالنبيذ الحيِ ...
والبخورْ
من أعماق همسنا
المحبوس في المرآة
يبني الطيور والأسماك
ويشتري الخرائط ....

العجوزُ
شبّك جلدنا
من ساعتها
واستعد للحياة
في ملابسنا التي يصطادها
الهواء
كل ممرٍ ...
وضحكةْ ...



• بائعةُ الابتسامات

المرأةُ دائماً
تنهرُ
ابنتها دائماً
ابنتها التي تحتَ الغطاءِ الممزق .
إنهما اللتان تصادقان الظلَ
الصدئ
دائماً.

كل الناس أشياعهم
لكنّ كل الناسِ تعوّدوا
أن يعلنوا إعجابهم
ثم لا يطلبوا من السيارات
أن تكفّ عن نسيان الغبار
على سماءهم …

الغبار دائماً
تعوّد أن يحضنهم
دائماً ......



• العجيب

لأن الأم تحلم أنَّ أولادها يطيرونَ
وافقت الوالدَ سريعاً.
سيسميه " عجيب" ..
الحمد لله ، لم يسمه " جعراناً " أو "وتداً " ..
كبرَ والجميعُ يرسم فيه عجيبةً
لأنَّ الأبَ الغنيَّ
يرمي بإيحاءاته مع ابتسامة التواضع
كل صباح.
ماتت بنت الأصول
والأب تبعها لأن كبريائه لم يصدق
فعاش ، هو ، في ذاته الواسعة الضيقة
دون أسلافٍِ أو معاطف براقة ...
أخذ الطب
واختار زوجةً
لم تحب الزهورَ
أبداً ...

كانَ يفزعُ منها
ويبكي بإباءٍ وابتساماتٍ
فتضع هي الكراهية
في الشاي المعطر.

هو لا ينفعُ في شئ
وهي تحب الجار الواثق.

بعد الذي جرى مسحوا صورتها
لكنه يقول لنفسه قبل النوم إنه يحبها
وينتظرها في النافذة
ويسأل عنها الطيور الموليّة
وعندما زوجوه بأخرى لم يصمت
وحكى لها عن المدن والقبابِ
والموسيقى التي يراها
وبصداقته الوحيدة بالزهور ...

بعد سنوات
كان قد روّض أربعين عفريتاً
صاروا رفاقهُ الطيبين
يجلس معهم على المقاهي
ويأخذ رأيهم
في اصطياد الضحكات
من النهر الغائبْ ...

لما فتحوا له عيادةً
لم يدخلها أحدٌ منا
والعفاريت ملت من تمثيل
دور المرضى
فتقمصت
دورَ الموت ..

وافقهم
مثلما وافق الحوائط والنمل
ورجاهم
فقط
ألا ينسوا رىَّ الجثمان
كل عيد
كي تطلع
رقصةٌ
وتغني ، فيه ،
الزهور .....



• بنتُ المرات الأولى

كلما مَرَّ شابٌ بنظارات
تصرخ في فستانها
وتغني العريس جاء .
وإذا رجلٌ
رشق في جسدها نظرةً
أو احتك بها في خياله
أو حتى حاذى ارتعاشها
تُربّتُ على قلبه
وتفتح لذراعيه صدرها الثرثار
لو خشى من كثافتها ..

منْ الذي يرقبها ؟
مغنيّ الفرقة
قال بعد انتهاء وصلته اتبعيني

سارت تلاعب خطواته
وللمرة الأولى لا تحادثُ نفسها.
كانت مرتاحة
لأن ظِلّهُ يكلمها
بكلامٍ يشبه الذي تسمعهُ
عند أفلام الجيران ..

تحت السلم
أخرج لها ثعبانهُ ..
لا تعلمُ على وجه اليقين ما هو
لكنها
وللمرة الأولى
لا تريد أن تتساءل أو تخافْ
كانت سعيدة ، فقط.
عندما لاحظها ، القاسي
أخفاه لتبكي ...


هي لن تبكي بعد اليوم ..

لقد رسمته
في ذاكرتها
ذاكرتها صديقتها
الوحيدة ......

ألم يكن يخفيه عن الجميع
وأظهره لها ؟
ألم تنفتح السماء فجأة للبهجة
ولما سقطت غربان
ومساء جاء قبل ميعاده
حتى أنه جرى وتركها -
لم تفكر هي في أن تفزع
أو ترتعش ؟

مرت سيارة تنادي
وأخرى
وأخرى
لكنها للمرة الأولى
لم تتسلى بألوانها
وعيونها لم تومئ وراء المصابيحْ ..

وقفت في قلب الطريق
وقالت أنا فرحانة
لأنهُ أحبني أنا
أنا التي سأصدق أمي
وأصير سحابة .....



• الذي قطفتهُ الأغصانْ

لا معاناة بعد الآن .
سوف أقبلُ أن أتقاضى ورداً
غالياً
لقاء أشياء بسيطة
كاستنفار تمثال الكاتب القاعد
فيجرّبُ السيدُ فيَّ
مسحوق الصمت
أو تتقبلُ أحداقي
بعض سِباب العظم واللحم
بعد فشلي المتوقع
في تجربة
أن أموت
لأحزم الأشباح
وألقيها عند رنينه ...

سنة بعد أخرى
يموت زوجُ أي عاهرةٍ
وستتمنى من كل قلبها
أن أكون عريس الصور.
وقتها
سأرتاح
وأطردُ وساوس عدم الرضى
المذمومة
وأنا أتركها تحت الماء
لتجرب الصمت
ثم أكيل لها
نظرات تشبه تجربة
الموت
وسباب
على فشلها الأكيد
في تجربة
الحياة ....



• صانعة الموسيقى

طول الليالي
تدقُ الجارة على قلبها
لنترك لها الذكريات
قليلاً
لتصالح روائح الغرفْ
وتسمو الألحانُ
من عظمها القديم.

في الفجر
تلهثُ من الأحضان
وأنا
أريح قدمي الراقصة
وأشبهُ
الخيال ...



• الراقصُ الوحيد

يدورُ في الحلبة
يأخذ روح البنت
من المقعد الأول
والأقدام من المقعد الثاني ..
يشدُّ نفساً طويلاً
ويُسقط لمعان المصباح
في عينيه
ومثل الفنانين المَهَرة
يُحوّل البريق سريعاً
إلى قلب الفتاة .

لا يكترث كثيراً بالتصفيق
ولا يسمح له
أن يحوّل انتباه الهواء
الذي ينمو في أقدامه.


الأقدام
تلثمُ خد الأرض
قبل أن تلعب عند أعصابها
ودفئها الموصوف.

يدورُ
يدور
ثم يحبها فعلاً
لتسقط
بين ذراعيه
ويتسلل الصمتُ
المنتظر
من
أول
السهرة...



• القاسية

تخيلّوا جزيرة هادئة مثل الأحلام
تسكن فيها تلك المرأة
وفيها اعتاد الأطفال أن يخافوا ..
ليس لأن السيدة
ترمي عليهم جلدها الميت
أو لا يبتسم التراب قرب خطوها..
وإنما لأنها لا تتحدث أبداً
ولا تشير
فقط تظهر في النافذة ..
إمراةٌ تقترب من الستين
هربت من أشباحها الثرثارة
واختارت أن تحادثهم هي
وقتما تشاء
هي ....

المرأة لا تفعل شيئاً
سوى إرسالِ الزوارق .

فكروا في كمَّ الرومانتيكية
إلى جوار هذا الكلام الساذج
ثم ساعدوني
على أن نتخلص منا
ونعودَ عظاماً
مجلوة
يُشمّرُ الربُ
ليعجن فيها
النسيم...



• بروس لي

الولد القصير
وفي قلب معركة الشارع
ربط بين ذلك اللهب
الطالع من الرجل القصير ...

وبين حماسه الغامض
لصقر
صورة
الجد ........



• صديقة اللعنة

أحبّها كل الشباب
لكنّ أحدهم لم يدرك
أنها لا تودُ إلا أن تحاصر رنّة
مشاعرهم
وتلصقها في أحواضها
وتسقيها قبل أن يضيّعها
القَدرْ .

تأخذ الحبُ من يدهِ
وتملأ به مخداتها
وتنام.

القريبون
تركوها
وهي التي
تطل عليهم
من وراء الأيام
وتساوم النهار على عاداته
وتقلبها كواكبَ
تُنيرُ قبلاتها
للمارة
والنهر ....



• إنسانُ النور

لن أحوز إلا ميدالية
يهتم الأولادُ بتلميعها
بين الحين والحين .....

هكذا ستنتهي حياتي
بعد أن انتصرتُ نهائياً
على أشباح الدخان
ودربتُ جسدي على ابتلاعها
وعجنها بعاداتي
وبعد أن صارت لي
لغةُ العارفين
وأنا أتجلى
في المقهى ...

النار يا إخوان
تحتاج فقط
أن تمسوا
داخلها
وترعوا في فيضانها ..
أنا أفعل هذا
أقصد اختارتني هي
لأهد هدها
فتبتسم
وترفع عيناً
وتقول أطاوعك لأنك رقيقٌ
وشجاعٌ معاً
ثم تفتح سيرتها ...

النار تغادرنا
وتترك أولادها
للذكرى
لا للتشفى .

النار ترجع مجلوة
لأمها الشمسُ
لتهمس
أحببته يا أمُ ..
صدقوني ...
أُحسها ..
لهذا سأبقى قريباً من الضوء
حتى بعد خروجي للمعاش ...

كلما حادثتُ القطرات
أحنُ
وكلما قليتُ بيضةً ..
لكن يكفي
أنني رششتُ زوجتي
بالملائكة
وفكرتُ في نظراتها
واللهيب واقفٌ جواري
.....

وكنتُ أقول لها مرتين في العام
أضاء قلبي
لما رأيتُكِ
نهمةً للنور ...

نور
عيني...



• الخرساء

جَلَبت شبكة صيد
وعلقتها بين عمودين
ثم التصقت فيها ...

قالت بيديها
أريد صورة
أقدمها لحبيبي
كي يذوق معي
الصمت ...



• من تخطيطات النذل
الذي كاد أن يصير أديباً
لولا أنه لم يهتم ...

صفحة عشرة

الجميع سعداء ...
1- صديقي سعيد من قلبه
لأنها الآن فيه
تلك التي راود أشباحه
عن فساتينها
وبكى من أجل غيمة
ظالمةٍ
وقفت لسماءه طويلاً
كي لا تسكن
في سطوح بيتها .....

2- هي سعيدة من قلبها
لأن أمها صدقتها القول حقاً
عندما قالت خذي من يحبُك
لا منْ تحبينهُ أنتِ
ثم إنه وافق سريعاً
على تقديم موعد الزفاف
قبل أن يفسد مفعول العملية
التي غطينا بها الأيام .

تابع -
3- أنا سعيد من قلبي
ومن باب الصداقة الحقة
سأهدهد جنون نظراتنا
وهكذا أنتقم لهُ
بتقليم
خرائط
أمانها ....

صفحة عشرين
(مهترئة وعليها بقع )

صورة البطل الوسيم
الذي يعمل مهندساً في الغالب
ويسكن ﭬيلا صغيرة
ويصل إليه إيراد الأرضِ
كل شهر.
"كمال الشناوي " تحديداً.
كان بابه يدق
برقة
فيطيرُ قلبهُ وهو يُحْكمُ
حزام الروب
ويفتح للجميلات ...
وعندما يُغمض مشاعره
يشربُ الحكمة
من البارمان ..


سأرسم كل هذا
في ورقة فضية
وأرميه في البحيرة
ليلة يكون القمر بدراً
وأنتظر
الدوامة
المصقولة ........
الناعمة
كأنها
صلاة
الأم .......

نصف الصفحة الأخيرة
( أطول من الأخريات )

أعيش هذه الأيام في " العاشر من رمضان "
الصحراء القاحلة !(هذا الكلام كان في الثمانينيات فلاتكونوا أنتم والدنيا عليه)
البنت التي أكذب على قلبها وتستضيفني
اعتادت أن تحضر لي الأغبياء
يطمعون فيها فأستولي على رزقهم القليل ......
الحيلة القديمة المستهلكة
ستظل تنفع مع الطيبين
الذي نسيهم الله في الفضاء ......

إلى أن جاء اليوم الذي جاءوا فيه كلهم
واغتصبوها أمامي ..
إلي هنا والأمر عادي
يوم وسيمضي ..

لكنني لا أنسى
نظرتها المنتشية ..
ضربتني في قلبي ..
اللعنة على من قال لي قديماً
" إن كان لا مفر من الاغتصاب ، فاستمتع " ..

الماكرة
تربية يدي
نفذت
وحطمت عمقي ..


تابع -
لست مقتنعاً بغضبي
أنا أذكى وأكثر احتمالاً
ولكنني حزين
ومكسور ........


أحوالي ساءت تماماً ...........
.............................
الخمرُ لا طعم له هذه الأيام
غشوه هو الآخر ........
........................
كلما كرهتكم
أكرهُ نفسي ..............
.........................

(إمضاء )



• طنط سهى

... آخرُ مرة طَيرَّت معي بالوناً ، أدخلتني في صدرها
لأنها شافت شطارتي ، والبالون كان أكبر من
كل بالونات الأولاد ...
اليوم
يلعبون بواحدٍ لامع
وجهها محفور فيه ....
وكلما ينفخون ، وجهها يكبر ، يبدو أنها ستقبلني
وهم لا ...
السيارات العملاقة تصدر أصواتاً قبيحةً
تجعل وجهها يختفي ، لهذا سوف أبكي ، علّ
الناس تسألني عن اسمي واسم هواءنا وعنوان البيت ...


سأنساها قليلاً
لكنني لن أكرهها أبداً أبداً
أبداً ......



• محمد

في الصورة الباهتة
أو في ردائك الصحراويّ
سنحاذى اتساعك
باسمينْ ...

باسمينْ ...



• هنــــاء

طول صداقتنا لم تنطق
كانت أفضل واحدة في الدنيا
تستخدم الورق المعجون
: تخلق ضفدعة
وحمامة
وطائرة
وقراطيس.
تصنعُ لكل كائن
نقطة النظر
ومكان السر الذي منه يشفُّ
ويحب خوفهُ
ويغمز بعينيه
للماضي ..

لما عملت في مسرح العرائس
لم يهمد حديثنا الأسود
عن هناء وجهها
وسعادتها الطافحة
دوماً ......
وموتها الذي سيكون شجرة
فينبتَ لجثمانها مراكب
ونلعب نحن
لنصنع ريشاً وسماءً
لمن تختبئ عنا
وراء الشراع ...



• المتلصص

إذا قبلّت خطواتُ جاري زوجتهُ
يتشكشك عظمي وتبرق عيناي
ثم تنطفئان
بالتبادل.
وإذا رمت عليه الشتاء
فاستقبله على صدره
ودحرجه من النافذة
أبتسم وينعقد قلبي
بالتبادل.

وإذا حضنها وقالت لهُ روحهُ
إياك أن تنسى يوم نظَرَت لصمتي
فأشرقتُ ....
وإذا قَرَأت كلامَ كفَّه
وعدا ظلها بإزاء طيرانه

وإذا نهرتها أعضاؤهُ
وصالحتها الذكرى
وإذا تمشى الحنينُ
بين الملابس
والديون الصغيرة حاذت
الأطباق
والملابس لوّنت الفراغ
الفراغ الذي يضيقُ ويتسع
بالتبادل ...

أقول لمرآتي
لا تُظهري المشيبَ في الصوتِ
إلا من الصبح للمساء
فأنا في الليل
الذي يطفئون فيه
أنوار تحياتي
الليل السمين
الذي يشي بكراهيتهم الصاعدة

سأنتصر حتماً
وسأقتنص همساتهم لدفاتري
والضحك المكتوم
والحركات الحذرة
أزرعهم في الأصص
وأسقيهم مائي الحار
وأحيا وليمتي
وقد أموت

بالتبادل .....
.............



• الحالمـــة

- صدرها يميل مع الطفل الوسيم ..
- ساقها تحضن فراغ الراكب الغامض ..
- عينها جنب المحلات ...
- وبصيلات شعرها تتدفأ من الأنفاس
البعيدة ..
- دموعها تحلم بالغناء فوق المنازل ...
- دماؤها تزهو بالتحبّط قرب الأدلة ..
- ُسرّتها تريدُ أن تصير منظاراً في الحروب ...
- وباطن قدمها سيظل لوناً
في حذاء باليه ...

لم يعد حضن زوجها يلمّها
وملابسها تناورها عاماً كاملاً
بالضيق والاتساع
أسرارها لا ترسم دوائر حولها
وندى الصبح لم يعد يغافلها
إلى المسام أو الشظايا
وعندها حريق يتمشى
خارج الجلد ..........

.. لكنَّ البريق ينبض مرتين
والذكريات تنزلق على عمودها الفقري
وروحها تصحو في المنتصف
لتلوح
لسرير الراحلينْ
........................

سريرها الذي لم يعد ينفلتُ من البريق
ولا يصيرُ جناحاً
في بيتٍ وراءهُ ابتسامة
ولا يلاعبُ دميةً تحب قربَ ناي
وتشبه الرقص
في نفير راس السنة ........



• الشبحيُّ

ينادي سارة سارة سارة
بنَفَس واحد
أطول من الحلم
فتكرهه هي
ويخافه الجيران
لأنهُ يختفي خلف أي ظلٍ
ويسرقهم
بعيونه ......

سيصبرُ
إلى أن يتأكد
من وقوعها المدويّ
في الألفة
ويبكي عند عطرها ...


أخرسٌ أصيل
وهذا صوتُ قلبه .....



• المتُســــعةُ لقــرنْ

نظرت الجدة للسقف
وقالت من يومين
علمتُ أن عيوني خضراء ...
لم يقل لي أحد طول الزمن ...
كانوا لا يسمحون لنا
بأن نحدّق في المرآةِ
كي لا يخرج الجنيُّ
ويسحبنا من عيوننا
عند الكفرةْ ...
حتى قال جدكم ..
أسرّ في قلبي
أنهُ لم يحب أملاكه
قدر حُبه للزرع المسحورِ
الساكن عيني

وأنه لم يكن يأمرني
بتقبيل خيالاته
إلا ليشمَّ الجنة من ياقتي
وأنني كنتُ أربي حمامة
بيضاء فوقي وأنا نائمة
وأنني ....
وأنهُ .....
وأنني ....

قبّلني أمام إخوته الكبار
وضحك في روحي
ولم ينقص هذا من قدره ...

مشيتُ جواره
بالضبط
وليس خلفه بخمسة أمتار ..

ما هذا الزحام الثقيل
أفسحوا المكان واتركوني
أذهب لهُ
وأردُ عليه
قال أحبكِ
وأنا أيضاً أحبكَ ياسي الحاج
لا .... بل ..... يا حاج
بل أحبك يا إسماعيل
إ .... س .... ما .... عيـ ..... ل
لم أنطقها قبلاً
فأحس روعة عصافير الحروف ....
أفسحوا لنا الهواء
هو وأنا
أنا وهو
سأموت مبتسمةً
مثلما يفتح سماءه
كأنه ملاك ...

أما أنتم
فاملئوا فضاءكم
بالأخضر ...

أعلم الآن سِرَّهُ ...

وكلما استطعم
غَنّوا ..........



• يلعبُ بالحروب

أقطعُ إبهامي
وأَلفُ حول اليد غيمةً سوداء
وأتصنع الحزنَ
كلما أشاروا صامتين
وطيبين ...

أركّبُ يداً خشبية
وبعد عُمرٍ
ظلاً حديدياً
ثم من القماش
ثم من التراب .... ثم ....

ألعبُ
والأغنياء لا يشمُّون رائحتي
أبداً ..


رائحة الخَلْق
الصافية ......





كانت الطيورُ تُحلِّقُ في المشرحة
والبطلُ الدراميُ
يسرّحُ حواسه
واحدة بعد الأخرى
لتلهو أخيراً
وتصيغ المشهد هكذا
: ساحرٌ جميل
يطلق فرشات نور ....





تم تجميع الجزء الأقل من هذه النصوص
من تحت المحفة
ومن زوايا الغرفة الباردة ....
أما جلّها فتم قنصه من قلب قطرات
ماء الغُسل . ومن الزحام الذي
ضحك على عربة نقل الموتى . ومن
الصداع الذي حاصر بنتاً في آخر
المدينة ....



...... وهذه الجهود تم توثيقها أثناء
العام الميلادي 2001
في فترات الأمان الموصوفة
قبل هجوم النهار .......


أن ألعب مع العــــالم ..
أن أراوغ خِفّة الشظية ..
هل هناك يقين بالكتابة أو يقين للكتابة أو فيها أو معها ، تلك المغوية المكتنزة بالأضرار والغموض والبهجات ؟
أكتب بيقين أنني أقارب ذاتي، أحاورها، أحبها وأكرهها.. ثم سرعان ما ينزاح الشاعر الإنسان لحساب الشاعر الشاعر، الأكثر تعقيداً والذي يتعامل مع العالم ومفرداته بنفعية ، الأكثر بساطة أيضاً .. فأحذف وأضيف وأمزق وأتحول إلى مجرد شاهد على المسافة العجيبة ، الملتبسة، بيني وبين ذاك المشنوق على الورق .. كنتُ قديماً أظن أنني أكتب لأتطهر ، لتنضبط الشذرات التي تسبح داخلي بنزق وبلا شاطئ ، وهكذا أستمتع بلذة اكتشاف أمور لم أكن أظنها موجودة أو على هذه الشاكلة بالذات ، لكنها بانت وانكشفت عند طلوعها ككتابة ، وكأن القلم أزميل يزيح الأحجار عن التمثال المخبوء .. كان هذا قديماً ، ثم جاء وقت كنتُ أكتب ويقين الإرادة والتغيير هو الذي يحمل الأجنحة إلى ذراعي والرصاص إلى قلبي .. لم تطل هذه الفترات ، للأسف أو للحظ السعيد ، لا أدري .. شُفيت من نور الكتابة ، من قوة دورها في إحياء القيم والضبط الروحي أسرع من اللازم، مات الشاعر النبي وبقي الشاك ، القلق ، الوحيد، العاري من أي يقين ، ذلك الذي يقترح من وراء ستار سميك ولا يجزم أبداً ، مات الرائي المتأنق وعاش العادي الجميل والأعمى .. بعد سنوات حياة ، قليلة جداً ، بسبب من طبيعتي الحذرة الخائفة والجبانة إزاء أي يقين أو بسبب أن (ضربة الشعر) حفرت أكثر مما يجب ، في أعماق مؤهلة للارتعاش والتساؤلات وخلع الجلد .. وُلدت في الصحراء، في إحدى الدول النفطية ، في مدينة نسيتها الخريطة ولم يكن بها مصريون سوانا ، حيث كانت مفردات الرمل والأحجار والجبل والحية والعقرب والصمت والعاصفة ، والآلية التي بلا روح أو ملامح أو مداخل، هي الفضاء الذي تتحرك فيه الدراما، كان هذا هو المسرح الخارجي ، أما في الداخل ، فكانت الحيرة تضطرم وأشباح الوحدة تعبث بفتحات الجسد وإرادة التنفس.. كان الاقتراح والحل هو القراءة، حيث لم يرتسم في الأفق أي سهم للتواصل مع آخرين ، فعوضت ذلك بالتماهي مع الأرواح والعيون الخارجة من الرسوم والقصص ، ثم تسربت الكتابة تحت خدعـة من خداعات الوعي ، هي إعادة تشكيل ما يُقرأ لأنه بالضرورة غير دقيق أو ناقص ، فعندما يموت البطل الأسطوري تكونُ الحياة أكثر قسوة ، لذلك لابد من اختراع بطل آخر وبسرعة ليلبس وجهه ثم يشرب قوته قبل أن تذبل ويسرقها الشيطان ثم ينقذ أميرات جدد وأجمل كثيراً .. بدأ الأمر بتهويمات ورسومات كلها وحوش وأمثولات وحودايت ثم اهتديت للشعر .. فقط لأنه مثل لي قيمة غامضة تستحق البحث وراءها أو فيها، قيمة تجمع بين الخيال الذي لا أملك غيره، والموسيقى الواضحة أو المتوارية ، والتي مازلت أظنها تطلع من كائن مسحور يبتسم ، وينتظرنا ليقتلنا خلف الجبل الكبير .. عدنا إلى مصر ، بعد أن امتلأ فمي وصدري للأبد ، بطعم الحصى ومذاق الصحراء ، إلى مدينة صغيرة أخرى ، يسبح فيها وجه الآلية الضد ، معكوس كل ما كان .. صخب وضحكات عالية وشتائم تملأ السماء وتنم عن أرواح متوثبة تكره الخمول ، حياة مليئة (بالحياة) وبالفلسفة الحية وبالتحايل على أظافر الشقاء المختبئة في كل الشقوق ، والفتى يفزع من الدينامية ويلجأ إلى غرفته البعيدة هارباً من الضجيج والصداقة والبساطة والمحبة ..
واحدٌ في زحامه ، متوحدٌ بوحدته ، ملفوفٌ .. بهْ
حتى كان صباح ، تسلل فيه شيطانان إلى الشرنقة ، متكئان على ذراعيْ بعضهما ليرسمان ابتسامات جذابة لكنها ماكرة : الجنس والشعر .. بلغتُ مبكراً (ويبدو أن قدري أن أحرق المراحل دائماً ) وركضت وراء الشعر ، لأتعذب بالاثنين كثيراً ، ولم يكن أمامي إلا لعبتي الأثيرة : الخيال ، فامتلأت الغرفة بكل نساء وفتيات الدنيا وعند السقف يجلس أحمد بك شوقي ، الحكيم الفخم ، ليأخذ ما يروقه ويترك الباقيات جواري على الوسادة وقرب الأحلام .. كتبت قصائد عمودية كثيرة وكنتُ أتمنى أن أقلد "الشوقيات" كله ودخل حافظ والبارودي ليزوروني كل صباح ، وكل العظام أصحاب المقامات الرفيعة في دولة الشعر ، لكن يبقى جبران هو الآسر وصاح الشمس الأبعد ، ثم اصطدمت بصلاح عبد الصبور وحجازي والسيّاب ، وكل المارقين الذين تجرأت أخيراً وسألت عنهم مدرس اللغة العربية ، فنظر إلىّ بكل الإشفاق الممكن وحذرني نظراته وحركات يديه قبل لسانه :
- إنت ابن راجل فاضل بيؤمنا في الصلاة فحافظ على القرآن يا حاج مؤمن ..
- والقرآن ماله ومال الشعر الحر يا أستاذ ؟
- يا ابني أنت لسه صغيّر كل دي محاولات بتهدم مقدساتنا شوية شوية لغاية ما تلعب في لغة الجنة ، لغة القرآن ..
- بس أنا باصلّي وبحب الشعر ..
- خلاص بدام شيطان الشعر ركبك يبقى التزم عشان تغلبه وابعد عن حركات الشيعة والشيوعيين ديه ..
- بس دول غير بعض يا أستاذ !
- الاتنين كفرة ولاد كلب !!
وازدادت الحيرة ودخلت الأسئلة الوجودية واستعمرت ومنعت الطعام والشراب ، لتكتمل دوائر السماوات الممطرة شكوكاً رغم حنو الأرواح العظيمة : بوذا والمسيح .. وغيرهما .. وتلازم هذا مع صدمة السبعينين الكبرى ، الذين خرقوا كل ما بقى لي من مقدسات ومثلوا النتوء الضخم في المسيرة الأولى للشعر معي ، بألعابهم ونزقهم الإبداعي وانفلاتهم .. وسيبقى لهم جميل في عنقي هو أنهم دلوني على الأدب الصوفي الإشراقي العرفاني ، وأصبحت بفضلهم مسكوناً بابن عربي والنفري والحلاج وحتى الغنوصيين .. وقتها توقفت عن الكتابة ، لأن مرحلة تقليد القصائد بشحمها ولحمها ، أفرزت ناقداًَ داخلياً موتوراً ، عصبياً وعيونه ملتهبة ، إذا اشتم أي رائحة لشاعر أو أحس بوقع أنفاس أي صوت آخر ، يأمر فوراً بتمزيق الصفحات والحرمان من النوم.. لكن المفارقة أنني أتممت ديوانين كاملين ، في العودات المتفرقة الكثيرة والقلقة ، مليئين بالرغبة المحمومة في عدم تقليد الإغواء السبعيني ، فإذا بالنتيجة تكون الوقوع في نفس المنطق الكتابي ونفس الروح التي تريد أن تهدم ولا تنشغل كثيراً بوضع اقتراح بديل لما هدم .. أو حتى المحاولة .. من أجل هذا كان الجزاء أكبر : أن يصيرا سبباً في الصداقة مع بائع الفلافل الذي في الجوار ، وكلما كانا يشربان الزيت الساخن ، كلما كان هناك فتى يراقب ويبتسم ابتسامات متشفية ! وصلت للمرحلة الجامعية وصالحت نفسي بقصائد كنت أحكم عليها بأنها لقيطة ، لا تنتمي لما أظنه سائداً على الساحة الشعرية ، فلم تتوسل بلغة فخمة متعالية ولا بإيقاع راقص يدغدغ الحواس ، ولا تحيا في جب الألعاب الشكلية ، ولا للتثاقف المجاني .. وكان شاهدي على ما أكتب من قصائد بسيطة ، تحاور مفردات وقيم أكثر اتساعاً ، عبر اللغة وليس (في اللغة) ، صديق كان ينتمي لنفس الحيرة والبحث عن شكل وأداء يشبه كلامنا ، وفي نفس الوقت يحمل توهجه الخاص .. ولا ننتمي به لقطيع ما ، هو حاتم جعفر، الذي نشر قصيدته الأولى في نفس المكان معي والذي أتم ديواناً ثم هجر الشعر وعاد لغربته الأولى : المرأة ، وعاش بها ولها وقال : كلا الأمرين رقص وغناء يفتت العظام ! وأكملت أنا لي وله كل أنماط الاغتراب .. حتى كان عام 1993 الذي صدر فيه ديوان علي منصور "ثمة موسيقى تنزل السلالم " وفوجئت أن ماء الكتابة فيه تقترب كثيراً مما أقترفه ، ففرحت من قلبي وأحسست أنني أكتسب شرعية ما ، شرعية الاتجاه الذي يتخلّق ، وعندما قابلته بعد ذلك بسنوات قبلته وشكرته ففاجأني بأن العديد من شعراء هذا الجيل مروا بالكثير مما مررت به ، شعرياً ، وصولاً إلى لحظة تقبيله .. ثم الانطلاق بعيداً وخيانته سريعاً ، بالطبع .. في أواخر عام 1995 وفي كلية آداب بني سويف تقابل الثنائي حاتم ومؤمن مع الناقد الراحل حاتم عبد العظيم ، الذي لاحظ أننا أغراب تسللنا من كلية الحقوق لنستمع إلى محاضرات اللغة العربية والفلسفة وتحادثنا ودعانا إلى حضور ندوات نادي أدباء بني سويف .. وذهبنا والقينا قصائدنا النثرية وساد صمت ولم يعلق أحد ثم عدنا للحضور بعد ذلك وكان العدد أكبر وألقى حاتم ثم ألقيت قصيدة أحاور فيها التراث المسيحي بانفتاح وبساطة فتفاعل الجميع معها وقال الدكتور حاتم " هذه حساسية جديدة في الكتابة ، تختلف عن أوهام حساسية إدوار الخراط.. " ! ووقف القاص إسماعيل بكر وقال: إن مصدر سعادتي اليوم في كتابة هذا الشاب ، ينبع من كونه قبطي امتلك شجاعة التعبير عن مقدساته بأسلوب فني..، أخيراً دافعوا عن ما هم جديرون بالدفاع عنه .." ثم صمت بعدما همست له بأنني مسلم !! المهم أنني أصررت على أن ألقي ما أكتب في كل مكان متجاهلاً قناعتي بأن قصيدة النثر قصيدة كتابية وليست شفاهية بالمرّة ومتناسياً لحظات الصمت أو الضيق أو حتى عبارات من نوعية " وهل هذا شعر أساساً ؟" أو " .. ومادمت قادراً على التفعيلة، لماذا تأخذ بالأسهل المبتذل؟" وغيرها من العبارات أو المواقف التي تتبناها وتصنع ردود أفعال قد تتجاوز أحياناً، حد اللياقة ، أقصد، دائماً ، وتتجاوز كثيراً حق الاختلاف .. ونزلت وحدي للقاهرة ، للمرة الأولى ، عام 1996 ، وتصادف في نفس الشهر – نوفمبر – عقد مهرجان القاهرة للإبداع الشعري بدار الأوبرا، بحضور عدد كبير ممن كنت أقرأ لهم ، سواء كانوا مصريين أو عرب .. وكان هذا اللقاء مفصلياً في حياتي ، ليس لأنه أسفر عن نشر قصيدتي الأولى وإنما لأن حواري معهم والتعامل مع ضحكاتهم وسعالهم ، أعادهم إلى خانة البشر ، المعذبين ربما ، بعدما استقروا طويلاً في رف الأساطير .. ثم كان شهر ديسمبر 1998 الذي أصدرت فيه ديواني الأولى " بورتريه أخير لكونشرتو العتمة " في 166 صفحة من القطع الكبير ، على نفقتي ، وأنا ابن الثالثة والعشرين ، ليكون أول ديوان ينتمي بالكامل لقصيدة النثر في محافظة بني سويف .. وكان الشاعر عطية معبد قد أصدر ديوانه " هكذا أموت عادةً " في شهر فبراير وبجزئه الأخير قصائد نثرية قصيرة ثم أصدر الشاعر أسامة بدر ديوانه " قمر يغامر باستدارته " عام 2000 وبجزئه الأخير أيضاً قصائد نثرية . وكان عام 2001 هو العام الذي أصدر فيه شاعر العامية المصرية جاسر جمال الدين ديوان " شوية وجع " كأول ديوان نثري كامل بالعامية المصرية في بني سويف وكان قد سبقه ديوان " كراكيب " للشاعرة سيدة فاروق عام 1999 زاوجت فيه بين النثر والتفعيلة .. وإن كنت قد أسرفت في ذكر " التواريخ" و " الأوائل" فذلك إنما يرجع لرغبتي في التذكير بجهود كتيبة مغامرة ، في مكان ناءٍ عن المركزية واحتمال المشهد للاتساع وتجاور الأشكال ..وحتى عام 2009 أصدرت ثمانية دواوين : هواء جاف يجرح الملامح 2000 ، غاية النشوة 2002 ، بهجة الاحتضار 2003، السريون القدماء 2003 ، ممر عميان الحروب 2005 ، تفكيك السعادة 2009 ، تأطير الهذيان 2009 . وهي دواوين تمت كتابتها في الفترة ما بين 1995 – 2001 وآمل أن أضيف إليهم في القريب ما يضم أعمالي بدءاً من 2002 .
الشعر: ليس القبلة في وسط الحرب ، إنما هو خفة الشظية .. هو المختبئ خلف "الجميل" ، أو المرمي قرب جدار ، يحمل عتمة يكشف بها النور الفاقع أو وهجاً يجعل المقبرة تغني .. هو الخائن دوماً ، الذي يقترح لأنه لا يعلم ، وإن كان ماكراً.. الراقص في لهاث العاصفة .. هو الرائحة التي تبقى في كفك بعد أن تفرك الوردة بقسوة .. هو الطنين الذي يجعل الوحش يفتح عينيه، فيهرب شخصان ويتصادقا ويصيرا أخوة بإزاء الفوهة، لكن بدون مسئوليات ولا يقين.. ليس مراوغاً للموت ، إنه رعشة الاحتضار ..... الشعر "كأنه" وليس "هو" يا أخي ..
الشاعر : ذلك المشاء في الأسواق أو داخل الشرنقة .. القابع تحت مظلة ، يحس بأشياء فيكتبها لينسى الحريق الآتي من الشارع المجاور .. الذي تتآكل ذاكرته فينسى كونه شحاذاً جميلاً ويظن أنه ذلك الطفل المندهش ، الشقي ، المتورط .. حارث البحر القادر على الغناء لكنه أبداً ليس المغني .. هو الذي يأتي متأخراً فيحصي القتلى وينزع اللافتة ....
عندما انتشرت قصيدة النثر في مصر وأصبح من المتاح جداً رصد أعداد لا حصر لها من الدواوين ، راكمت مجموعة من القيم الثابتة المتكلسة ، هي – وهذه هي المفارقة – على النقيض من كل ما نادت به هذه القصيدة ، فأصبحت هناك وصفة جاهزة مكونة من التفاصيل اليومية الحياتية البسيطة والابتعاد عن مقارفة القضايا الكبرى وتصدير موت الايدولوجيا والتخفف من المجاز لصالح السرد .. الخ . هذه الوصفة أخلت الأدعياء وأغرت أصحاب المشاريع الشعرية التي تسير في الاتجاه المخالف ، بسبب سهولتها الظاهرة .. وهو ما أرى أنه مدمر لأنه لا يسمح بالتمييز بين مشروع كل شاعر وفرز الجيد من الردئ إلا بصعوبة ، فالجميع ، كذا ، يكتب نصاً واحداً .. كذلك يؤدي إلى تضييق امكانات تلك القصيدة مما يحدو بها للتآكل من داخلها .. لكن قد يكون لهذا قيمة إيجابية ، والأمر كذلك ، هي الكشف عن أصحاب المشاريع المتفردة الذين يكتبون شعراً يشبههم ويطمحون دائماً لتغيير جلدهم وتغيير ومفارقة زوايا النظر والمداخل المعتادة وقنص الشعرية من أنهار أخرى .. وهو ما يتوازى ، بكل بساطة ، مع قيمة أساسية في الشعر، وأقصد بها الواحدية وليس الجماعية ، فحتى لو انتمى عدد من الشعراء لجماعة معينة لها توجه وفلسفة أو لو انضوى الشاعر تحت جيل معين ، فإننا في النهاية سنقول : نحن بإزاء مشروع جورج حنين أو صلاح عبد الصبور أو محمد سليمان أو عاطف عبد العزيز .... وهكذا .. رغم تأثير فلسفة الجماعة ، أو مظلة الجيل ، عليه وكونه شاهداً ، بشكل ما ، عليها . إنني أنتمي لتصور قوامه أن كل شاعر - حقيقي – هو مشروع خاص يجب النظر إلى تجربته باعتبارها وحدة خاصة ومتميزة في مسيرة الشعر ، وبذلك تكون زاوية التناول ذات ترتيب أولوياتي مختلف عما هي عليه ، فنبحث أولاً عن الشعر ومدى نجاحه في خلق خصوصية للمشروع الخاص ثم بعد ذلك نراجع بنود تماثلاته مع الآخرين القريبين بحكم السن أو سنوات النشر أو حتى السياق ..
مجابه أنا دائماً بالغزارة في الكتابة ، ولا أرى ذلك عيباً ولا ميزة في حد ذاته ولا يصلح أن يكون قيمة ثابتة ، كل ذلك خارج الكتابة .. لكن مقولة الكيف المفضل عن الكم ، تظل مقولة جاهزة، على الرغم من أي شئ ، مثلها مثل الكثير من أكلشيهاتنا الجامدة .. كل "كيف" جيد في حاجة إلى "كم" كي يتأكد . إلا إذا كان العمل " فلتة" في حد ذاته وسيغير تاريخ الأدب وهو ما أصبح نادراً . أظن أنه من الأنسب ، وإن كان ذلك ليس نهائياً بالطبع ، أن يتعامل المتلقي مع عدة تجارب لمبدع ما ، كي ينحاز لبعضها ويرى البعض الآخر لا يضيف إلى عالم الكاتب ، أن يتفاعل أو لا يتفاعل مع المنجز ، وهذا هو الطبيعي ، فكيف يتسنى ممارسة هذا الدور ، أو هذه اللعبة مع من أنجز تجارب محدودة وقليلة ؟
ما أظنه يميز قصيدتي ، أو هكذا أتمنى ، أنها قصيدة لا تغلق قوسها ، بمعنى أنه من الصعب حصرها في قيمة جمالية أو تقنية معينة ، فالمتابع للإنتاج الحالي يلمح من يصر على أن الهامشي والمعيش مازال أقنوماً للقصيدة وثاني يصمم على أن التفاوت الطبقي هو المجال الوحيد للشعر أو مازال كذلك ، فنجد كل نصوصه تستعرض مشاهد تدلل على الهم الأيديولوجي وثالث ما يفتأ يتفنن في صنع المفارقة ورابع يبحث عن روح الأسطورة في المقدس وآخر يكتب نصاً فنتازياً وآخر يصنع عالماً (كارتونياً) يسخر من الواقع وآخر ينجز قصيدة وعي وآخر يحاول تهميش المجاز لصالح السرد البارد .. الخ .
إن ميزة نصي أنه يتحرك بين كل القيم والأنماط والطرائق ، ومن ضمنها ما سبق بالطبع ، ولا يحصر نفسه أبداً ، نص حر لا يستطيع أن يتخلى عن رفضه واختناقه من أي تأطير وعيي أو جمالي أو تقني ، يبحث عن الشعر المختبئ في كل ما حولنا ، حتى لو كان لا يصلح ، للوهلة الأولى ، لإنتاج الدهشة وصنع الصداقة مع الكائنات .. هل نجح نصي في هذا ، لا أدري أو لا يهم .. وبالنسبة للأداء اللغوي ، فلا أعتقد أبداً أن الأقوال العنيفة التي تجزم بأن دور المجاز انتهى ، منصفة ، ليس فقط بسبب اطلاقيتها ووقوعها من دون أن تدري في فخ استبدال صنم بآخر .. ولكن لأننا نحيا وسنظل ، في مجاز كبير ، كل تعاملاتنا اليومية في هذه الحياة قائمة على المجاز ، بدءاً من "صباح الخير" وحتى كتابة الشعر ، لكن أحياناً تفرض التجربة على النص أن يكون كله كناية كبرى وأحياناً تظهر المجازات الجزئية بشكل واضح .. لازالت الصورة تزين الشعر ، سواء أن كانت كلية أو جزئية وسواء كانت واضحة أو متوارية .. كما أنه ليس مهماً أبداً أن نبحث عن إيقاع صوتي في قصيدة النثر عن طريق تكرار الكلمات والعبارات والترديدات الصوتية وما إلى ذلك لنثبت أن قصيدة النثر ليست غريبة وبعيدة كل هذا البعد عن التراث السابق عليها .. وليس مهماً –كذلك- أن نجزم بأن الإيقاع السردي هو الذي يلائمها أو زيها الوحيد.. كل هذا لا يجدي أبداً ، فليس هناك بُعد نهائي للقيم الكتابية وتشكيلاتها ، القصيدة أوسع من كل تفسيراتها وتأطيراتها وإن حددنا لها نبضها واستنكرنا خروجها الدائم ، تموت .. والشاعر يلعب دون سقف قريب أو بعيد ، ولا يملك إلا انفلاته الايجابي، الذي يصنع إطارات كل يوم ، عليه أن يثور عليها ويتجاوزها لحساب روحه الحرة ، المكتنزة كأنها الصمت ...

عندما قال "جوته" : " شعراء الليل والمقابر يستميحون عذراً ، لأنهم مشغولون بحديث شائق جداً مع مصاصة دماء ، بُعثت منذ وقت قصير ، وربما أدى هذا الحديث إلى إبداع نوع جديد من الشعر ..." وعندما قال " بودلير": " ما من فتنة للحياة، حقيقية ،غير فتنة اللعب .. " شكرتهما وشددت على كفيهما وأعطيت ظهري راضياً ومبتسماً وقلقاً ............



عن قصيدة النثـــــر
عن جحيمي في البَـرّية
• منذ سنواتٍ طوال وأنا منشغلٌ بدرس " رامبو" ، ذلك المسكين ، القاسي ، الذي ضرب ضربته و انفلت من إسارها المذهّب ولم يصدقها يوماً وقال " فعلت ما فعلت لأنني أردته، لم أقصد صداقتكم ولا تقديركم ولكني فعلت ، فقط ما أحببت ساعتها، فقط " ثم طار ليعيش "الشعر " ذاته، يعاينه ويقبض على ياقته ويشمه .. الشعر الذي يقبع في الضفة الأخرى أو في الداخل .. في القتل أو في القبلة.. الذي يلعب ونحن نطل عليه، علّه ينادينا فنشرق .. أو ينأى بنفسه عن قلة اخلاصنا ، فتطول جلستنا وراء النافذة ....
ما يؤرقني في ذلك الدرس هو المسافة التي تقترب وتبتعد في حالة تمثّله .. يقيناً ، لن أضرب ضربةً تماثل حريقه الدائم ولا أطمح ولست مشغولاً .. لكن الأكثر قسوة والجرح الدائم ، هو أنني لن أمتلك شجاعة تدفعني لمحاولة لمس الشعر واختباره بعيداً عن الحروف وعجائنها.. فأنا إن كنت ابن لظرف تاريخي ملتبس فأنا بالأحرى ابن لظروف شخصية ونفسية أكثر التباساً .. لم أربي فضيلة ومتعة وحرية الخروج عليهم ، أبداً ، إلا على الورق .. لكني أيضاً ، أرتاح لفكرة أنني لا هدف واضحاً لأصل إليه ولا شاطئ أود أن أبلغه .. الأمر لا يعدو كوني أعاني مشكلات في التواصل مع هذه الحياة .. مع ذاتي وأمي وأبي الميت والأسفلت والهدوء وتوحش الرأسمالية والضجيج والمحبة والله والعسكرتاريا والجغرافيا والقسوة والحيوانات الضالة وبرد الشتاء الدائم في عظمي والأنبياء ومديري في العمل والحبيبات وجسدي الضعيف والطبقات الأكثر ثراءً والخوف والموت والجنس والسماء .... الخ . أرزح تحت سؤالٍ كبير يتفرع منه كل ثانية الآلاف من الثعابين التي تنتظر المساء لتلتف حول عنقي .. وكلما مر الزمن واقتربت من نصف العمر أو ثلاثة أرباعه !! أو ما يسمونه سن النضج، يزيد ألمي ويتضاعف حسدي لأصدقائي الذين كرهت جملة " هوّن على نفسك " وهم يكتبونها على قصاصة يسربونها من تحت عقب باب الغرفة .. كان " نيكوس كازانتزاكس" يصارع الله والشيطان، معاً، إلى أن دخلت عليه أرواحه العظيمة " بوذا" ، "المسيح"، " لينين" فاستجاب ليقينه الأيدلوجي الإنساني وأحب الفقراء والفن .. لكن من لي؟ .. أنا الذي لازلتُ أفتح حدقتيَّ على اتساعهما بازاء من ينام مطمئناً على يقين.. كيف لوحيدٍ عارٍ ألا يلعب بالخيال ، أو معه تأدباً ، ويغيّر مواقعه ليشتبك بالعالم البعيد فيكون مرةً فوق الفريسة فيشرب عمقها ومرات تحتها فيتلاشى ، ماذا أملك أمام تيهي؟ مللت منه ومن البكاء فيه وله وكذلك من الضحك والفرح معه ولأجله... لكنني لستُ شجاعاً ، ولدت خوّافاً أفلسفُ رعبي وسأموت كذلك .. كيف أصالح هواجسي وأشباحي فيستجيبوا ويجلسوا في حِجري لشرب القهوة ، إلا مع الكتابة، مع الشعر، مع قصيدة النثر؟! قصيدتي ، التي دخلتها بانسيابية عجيبة .. في وقت كانت رجيمة ولا محل لها في الاستيعاب أو النشر أو الاعتراف .. لكن ما حيلتي وقد زاد ما كنتُ أكتبه من شعر عمودي ثم تفعيلي من قيودي مختلفة الصيغ والأشكال، كأنها أنين الليل المحشور في الأحداق المغلقة على رعبها ؟ أنا بقصيدة النثر ، أقصد مع نسبيتها وعريها، أكثر حرية في الفضفضة مع أعدائي– أقصد مع ذاتي المنقسمة إلى ذوات ، ولا فارق كبيراً – وفي السؤال عن صحة بصيرتي التي أربيها في القبو لتطلع شكّاكة للأبد، للأبد..
• كتبت قصائد كثيرة ، كانت الذات فيها هي المنطلق ، وقد تكون المصب .. ولما لا ؟ وليس ذلك لكون هذه الذات تعلم أو تدرك ، بل على العكس لأنها لا تعلم ولا تدرك، فقط هي من يبتدأ الجريمة .. أليست هي التي تقبع تحت الغطاء وسط حدائق كوابيسها الدرامية ؟ أليست هي من لم تحب أبداً ، فاخترعت الآخر وشكّلت الطقوس لتختبر برودتها ثم شكّت كالمعتاد ؟! ألم تكن هي التي ماتت وتاهت عدة أعوام بين عشق هذا الموت واستعذابه وبين الرعب القاهر منه ؟ الذات مع هذا – بسبب ادراكها أنها فقط:تقارب- ليست صانعة العالم .. الذات شُبّاك لالقاء روح طيّعة وقابلة للتشكّل بأي إناء ، قادرة على التشخيص والتقاط الاحتمالات ثم العودة على مهل للمراقبة ثم احصاء الرعشات ....
• لم أشغل نفسي كثيراً بأي أسئلة " حول" النص .. مداه وحدوده وارهاصاته وتلقيه .. ولم أنضم للفريق الذي نذر نفسه لاثبات أن قصيدة النثر عربية ، لها بذور وبدايات ومحاولات وآباء ومخلصون .. أو للفريق المضاد الذي يعتبرها غربية ، ولدت هناك وعبّرت عن هناك .. ثم استعرنا هذا الشكل بالتلاقح أو قل عندما جاء أوانه ، بعدما نما، عابراً خجله وتردده وتراوحه، استوى معبراً عن " هنا".. و " النقاء" في الحقيقة وهم .. منذ البداية أميل للرأي الثاني .. لكني دائماً أفضل ألا أكون واثقاً إلى هذا الحد .. كما أن كل هذا " خارج" النص ، المراوغ ، الذي ما أن يصنع قاعدة إلا ويثور عليها .. كل هذا بعيد عن طواعية هذا الشكل وانفتاحه وكون اللعب معه ، معه هو، ممتع في حد ذاته حتى لو كان مرهقاً وصعباً .. لكن ما أعض عليه بالنواجذ هو أنني أكتب قصيدتي أنا، وصديقي البعيد يكتب قصيدته هو .. ليست هناك قصيدة نثر .. بل قصائد نثر .. وهذه فضيلة عليا .. كلنا نشترك في الآباء والأعداء ولكن إن كان هذا الشكل يغري بدخول المتشاعرين والأدعياء والمتسكعين بين الأشكال ، فهو أيضاً يكشف عن الحقيقيين .. أقصد الأصدقاء .. الأخوة في السؤال وممارسته والتعب لبلوغ الأيدي على قمة فوهته ..
• مرت بي حالة فوران إبداعي عجيب ، لم أدري له سبباً شخصياً أو فنياً ناجزاً للآن ، وأقصد الفترة ما بين عام 1995 وحتى 2001 حيث أنجزت 11 ديواناً !! وهو عدد مرعب حتى بالنسبة لي ، منها ما نشر ومنها ما لم ينشر .. ولم أصل لمشاعر نهائية حيال هذا الأمر .. فمرة أرى أنه كان لابد أن أقمع تجربتي في هذه المرحلة ، أو أقتص وأقتطع من طزاجتها ومحاولتها القبض على الدهشة في كل ما حولنا ، ومرة أرى أنه لا يصح أن نقع في فخ الأكلشيهات الثابتة التي نخدع أنفسنا ونمررها وكأنها تصح على كل الأحوال والحالات .. طبيعة تجربتي ، بالذات ، كانت هكذا .. امتلَكَت هذه المحاولة اتساعاً وتشخيصات وأسئلة طرحتها هكذا ، بالضبط.. في النهاية الاطلاقيات في أعمق تجلياتها: عجز .. وبعيداً ، أو قريباً من هذا الكلام : أنا كنتُ أفسر الأمر على أنه انفجار من أدرك أو أمسك أخيراً بطريقته للبوح أو الهمس أو الصراخ خارج غرفته التي لا تريد أن تجرب الهرب فتصير دبابة أو بطة يصطادها الأطفال من سطوح الجيران !! .. وربما ارتبطت الحكاية بالرفض الذي جوبهتُ به في محيطي الضيق ثم الأوسع ، فكأن الابعاد والمصادرة والتكفير استثاروا مكامن التحدي الابداعية .. ربما .. المهم أنني حسبت تلك المدة مرحلة أولى ، وهامة ، للعب مع كل مفردات العالم ومحاولة التلصص على الشعر المختبئ في كل التجليات وتوسيع مصادر إنتاج الشعرية على قدر الإمكان .. ثم مرت عشر سنوات عليّ ، وأنا لا أجد في ما أكتبه : التفاصيل اليومية والعلاقات الصغيرة والمشهدية والصور الكلية وتنحية المجاز لصالح السرد .. الخ من أنماط المرحلة الأولى ، مع ملاحظة أنني في دواويني كلها ، التي نشرت والتي لم تنشر ، كان سؤال المغايرة يؤرقني ، ليس في حد ذاته بالطبع ، ولكن لأنه ، لا معنى ، أبداً ، لمن يتشابه مع أخيه خاصة وأن الساحة تضج وممتلئة عن آخرها لدرجة التخمة ، فكنتُ أطمح مثلاً أن يكون كل ديوان وحدة واحدة مرتبطة برباط واضح أكثر منه خفي، ومتواري أكثر منه مجاني.. المهم، جاءت مرحلتي الثانية ، وهي هذه العشر سنوات ما بين 2001 و 2010 لتنتج ديوانين هما " حَيّزٌ للإثم " ، " الحنين للضعف" أعتمد فيهما على الأسطورة واللعب مع نسبية المقدس المنسية ومقاربة اللفظ المتوهج واستكناه المسكوت عنه في التاريخ أو تحت طبقات الذات .. وكنت أكثر حرية في اعتماد الكتابة الأفقية التي تمد السطر الشعري للنهاية ، وإن كنتُ اختبرته من قبل في ديواني الأول " كونشرتو العتمة " 1998 ثم في " تحت رجة الحنين" المكتوب في 1999 و " بهجة الاحتضار " 2003 وانتهاءً بديوان " تأطير الهذيان " الصادر في 2009 وإن بمنطلقات وأهداف وحساسيات متباينة .. في الديوانين الأخيرين كنتُ أتمثل بشدة ، أن هذه الطريقة في الكتابة مجرد حيلة أو لعبة أو وسيلة تفرضها طبيعة بعض التجارب وتبتعد عنها تجارب أخرى .. ليست أقنوماً للبوح والسردية .. الأمر أكثر تعقيداً ، أو على العكس أكثر بساطة، ومع عليك إلا أن تكسر حدود توقعك " أنت" ثم العب وانسى كل ما يبعدك عن فتنة اللعب، ذاتها ..
• الآن أنا واقف .. ألهث حيناً وأشفط نَفَساً عميقاً حيناً آخر . لكني لا أنسى كل يوم أن أرمي أقلام الاستعجال وأزيل الأوراق من عند بحارها المغرقة ، حيث ، أصارحكم ، أبني فخاً للمرحلة المقبلة .. شَرَكاً أراعي ألا يكون محكماً .. حيث أغمض عينيَّ وأسمع نبضاً يقول : إن تأخرت الملامح .. سأصبر وأصبر .. وعدّتي ، التلصص والإصغاء ... والإضاءة الخافتة والكتاب الذي اعتادت الأشباح أن تخرج منه .. وتملأ الفضاء ....



" المؤلــــف "
• مواليد : 15/11/1975
• عضو اتحاد كُتَّاب مصر.
• صـدر لـهُ:
1- بورتريه أخير، لكونشرتو العتمة.
شعر ، دار سوبرمان 1998.
2- هواء جاف يجرح الملامح.
شعر ، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000.
3- غاية النشوة.
شعر ، طبعة أولى : هيئة قصور الثقافة 2002.
طبعة ثانية : مكتبة الأسرة 2003.
4- بهجة الاحتضار.
شعر ، هيئة الكتاب 2003.
5- السِريُّونَ القدماء .
شعر، هيئة الكتاب 2003.
6- ممر عميان الحروب .
شعر، هيئة قصور الثقافة 2005.
7- تفكيك السعادة .
شعر ، دار هفن 2009.
8- تأطير الهذيان .
شعر ، دار التلاقي للكتاب 2009.
9- بقع الخلاص .
مونودراما ، هيئة قصور الثقافة ،
بيت ثقافة الفشن 2010.
10- إضاءة خافتة وموسيقى .
مجموعة مسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009 .
11- يطل على الحواس.
شعر ، كتاب اليوم ، دار أخبار اليوم , 2010.
12- الهاتف.
مسرحية للأطفال ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010.
13-أوراد النوستالجيا.
مقالات نقدية ، إقليم القاهرة الكبرى الثقافي 2011
* للتواصل : هاتف محمــول :01003815130 - 01116321147
بريد إلكتروني :
[email protected]

المحتوى :
* ....................
* بوق كل ساعتين
* الفائز باللذة.
* الجميلة. 15
* صاحب اللحظة المقطرة.
* بائعة الابتسامات.
* العجيب.
* بنت المرات الأولى.
* الذي قطفته الأغصان.
* صانعة الموسيقى.
* الراقص الوحيد.
* القاسية.
* بروس لي.
* صديقةُ اللعنة.
* إنسان النور.
* الخرساء.
* من تخطيطات النذل.
* طنط سهى.
* محمد.
* هنــــاء.
* المتلصص.
* الحالمـــــة.
* الشبحيُّ.
* المتســـعةُ لقرن.
* يلعبُ بالحروب. 77
* ..................
* ..................
* أن ألعب مع العالم ...
* عن قصيدة النثر ....
* المؤلف ........
* المحتوى .....



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجموعة المسرحية ( إضاءة خافتة وموسيقى - تجليات الوحيد - ) ...
- كتاب - أَوْرَادُ النوستالجيا وقراءات أخرى -
- مرفت يس تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
- زينب الغازي تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
- - المخبوءُ هُنَاكْ
- - نقوشُ السَطْوِ - شعر/ مؤمن سمير
- - رمل ..- شعر/ مؤمن سمير
- قصيدة وقراءة
- - حكايات شعبية من محافظة بني سويف - جمع / مؤمن سمير
- هل أفاد الفيسبوك والمدونات وما شاكلهم ..الابداع الأدبي والفن ...
- - أصواتٌ تحت الأظافر - شعر : مؤمن سمير
- - تحديات النص الراهن -


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - ديوان - يُطِلُّ على الحَوَاسْ -