أسعد البصري
الحوار المتمدن-العدد: 3869 - 2012 / 10 / 3 - 09:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يوجد عندنا تراث علماني ، ولا يوجد تاريخ لما يسمى : ( المثقف )بمعناه الغربي . عندنا ثقافة دينية و صراع بين الفرق والمذاهب و عندنا فقهاء . لهذا وبأمانة أقول :لا مفر من الوقوف مع الماركسيين العراقيين في مشروعهم الثقافي . الماركسية في العراق تمثل التاريخ المعاصر الوحيد الذي يشكل نواة قوية لثقافة علمانية عضوية و تأصيل ل مثقف عراقي له قيمته . كلنا رأينا كيف تم قتل هادي المهدي ، ما كان لقضيته أن تترك أثراً يُذكر لولا الحزب الشيوعي العراقي و دعمه . يمكنك أن تكون ضد الماركسية في أشياء كثيرة ، لكن في هذه المرحلة لا يوجد طريق أخرى سوى دعم التنوير الوحيد الموجود المتمثل بالتراث الماركسي العراقي . أنقل لكم نتائج تأملاتي الطويلة بإخلاص ، الأعمار بيد القدر وصاحب القدر نحن لم نخلق التاريخ الوطني العراقي بل فقط نعيش فيه . هناك فرق كبير بين الثقافة الماركسية و بين الثقافة الحزبية ، فأرجو أن لا يُحمل كلامي على محمل الدعاية الحزبية الرخيصة . مع احترامي الكبير لكل الأحزاب اليسارية الوطنية والشيوعية في العراق . أردت أن أكتب بلغة رؤيوية وهذا يحق للشاعر ولا يحق لغيره . لأنني لا أتبع في قولي الأسلوب العلمي التحليلي بل الشعري فقط . العلمانية إما ليبرالية أو ماركسية يسارية . الليبرالية تنتشر في الشعوب القوية الثرية ، ولا أرى إمكانية لها في الشعوب الجائعة المغلوب على أمرها . يصبح النموذج العلماني الممكن هو ماركس و سلالاته اليسارية ، حين يتعلق الأمر بشعوب تعاني الفقر والأمية والتضليل الديني والإستعمار . يبقى احترامي كبير للحزب الشيوعي العراقي الذي رفض تغيير اسمه ، على اعتبار قبل عشر سنوات كان اسم الشيوعية كريهاً كما يدعون . سيأتي يوم يصبح فيه اسم الحركات الإسلامية هو الكريه ، ويصبح اسم العلمانية والتنوير والماركسية هو الأمل الوحيد .
الإنسان هذا المخلوق الجميل أهم من كل الأفكار بكل تأكيد لكنني مطالب كمثقف تأمل كثيراً في نمط العيش الغربي والشرقي ، عاش النمطين في قاع المدن و الجوامع والملاجيء والملاهي وحفلات القمار والصلاة والرقص ، نعم أراني مطالباً بكتابة ما رأيت و كابدت من معاناة . في كل تأملاتي كنت أصطدم بشبح واحد ، لا يمكن الخلاص منه ، و هذا الشبح هو : كارل ماركس . لا بوجد تأثير مشابه لتأثير ماركس في تاريخ البشرية كلها سوى أرسطو و المسيح . إن الوضع البشري الإنساني العميق والأخلاقي والحرية و سؤال المدنية و الإغتراب كل هذا يتطلّب قراءة : كارل ماركس . أصدقائي القدامى سيضحكون ويقولون (( عادتْ ريمه لعادتها القديمه )) ، ويقول المتنبي : (( لكلّ امريءٍ من دهره ما تعوّدا )) ، ويقول امريء القيس (( وقد نقّبتُ في الآفاق حتّى / رضيتُ من الغنيمة بالإيابِ )) . في الأزمة الإقتصادية العالمية الأخيرة 2008م كشفت عورة المجتمع الرأسمالي . إذ تبين أن كل الفقراء والمتقاعدين والنساء المطلقات والعمال ، يعيشون من خيرات و ضرائب الشركات المتعددة الجنسيات والمصارف . هكذا كان الفقراء يصلون في الكنائس للأغنياء في سبيل أن لا يفلسوا أو يغلقوا شركاتهم و مصارفهم ، وهذا قمة التحكم بالإنسان الغربي . بحيث ملايين الناس تعيش من وسائل إنتاج يملكها حفنة من البشر ، والناس كل الناس تصلي لهم أن يظلوا بخير يملكون الحياة وحدهم ، خوفاً على أنفسهم من كارثة بشرية . هذه هي أقصى حدود اغتراب الإنسان في المجتمع الرأسمالي . وهذا الخوف هو سبب عدم تعاطف هذه المجتمعات إلى حدود مبالغ فيها مع الجرائم التي ترتكبها حكوماتهم بحق الشعوب الضعيفة الأخرى .
الشركات الرأسمالية مثلا تضع صدام حسين في الحكم ، تبيعه أسلحة ، تأمره بذبح شعبه وقوى اليسار الوطنية ، بمهاجمة إيران ومساعدته ميدانياً في حربه ، بعسكرة المجتمع ، ثم تقوم نفس الشركات بحصار العراق ، واحتلاله ، و وضع حكومة طائفية بعد حل الجيش العراقي النظامي ، والتعليم . كما تم إعدام صدام حسين بطريقة طائفية ، دون فرصة معرفة التاريخ الفعلي . كل هذا لأجل الشركات الكبرى الرأسمالية المتوحشة ، و لحل أزماتهم الإقتصادية . إن التحليل التاريخي لثقافتنا و نقد الدين الإسلامي لا قيمة له ، أنا مللت الكذب ، يجب أن يرافق ذلك تحليلا و تفسيرا ماركسيا لنشاط الرأسمالية في المركز . وإلا يصبح الكلام لا معنى له ولا يمكن ظهور ثقافة مهمة بدون تحليل ماركسي .
(( هل أن هذا الشبح ( شبح ماركس ) مايزال يطوف , أو أختفى؟ أو تحول الى نوع ثانً ؟ وهل ماركس حياً الآن ؟ وهل نحتاج الى لينين آخر أم نعود الى هيجل , ويبدأ عصر جديد هو دراسة فكر هيجل وماركس بدلاً من ماركس ولينين ؟ أم نعود الى غرامشي والذي فكره عن المجتمع المدني , ...... ؟ )) / جاسم الزيرجاوي
لا يمكن الخلاص من شبح ماركس ، أتحدث من مكان آخر و جانب مهمل من الماركسية و هو نظرتها إلى الفن والأدب والجمال ، يفقد الكلام معناه بلا هموم ماركسية عميقة و كذلك الفن ، إن نضال المعرفة في سبيل الحرية غير ممكن بلا ماركس .
يتحدث الكاتب جاسم الزيرجاوي في الحوار المتمدن عن (الوثنية ) والإغتراب واستحواذ الشيء على الإنسان وهذا في غاية الأهمية ، حتى في التوحيد كديانة فتية كانت تهاجم الوثنية و تقول بأن مَن يتكبر على عبادة إله واحد يبتليه الله بالوثنية و بعبادة امرأة تخونه أو مال يخسره أو ولد يعقه . لا أريد الدخول في رمزية هذا الكلام لكنه صحيح . الليبراليون الذين كانوا يعيبون علينا هذا الإهتمام المعرفي بماركس والتقديس لفكره ويعتبرونه نوعاً من الآيديولوجيا والتبعية الفكرية والعمى الدوغمائي ، نعم هؤلاء أنفسهم رأيناهم في العراق يعبدون الإحتلال الأمريكي وعراة يلطمون في عاشوراء كما فعل أحمد الچلبي ، يعبدون غرائزهم غير النبيلة باسم القيم الروحية المشكوك فيها ضد القيم المادية العالية السامية للماركسية ، إن معاناة الإنسان الغربي و فراغه واضحة جلية عندي وأراها بعين شاعر . فهناك صراع في سبيل اللاعدالة لا يمكن بناء مجتمع رأسمالي بلا خداع مستمر و خوف مستمر و قلق مستمر ، لهذا ظهر علم النفس في لحظة تطور الرأسمالية . الحرية الفكرية المطلقة هي وهم و تؤدي إلى وثنية وظيعة حتما كعبادة الفروج والأبقار والمال ورجال الدين .
إن أعلى درجات الإغتراب هو الشراء بالآجل ، البيت والأثاث والسيارة بالأقساط و بضمان العمل والعمر والبنوك ، هذا ما أعيشه في كندا ( سقف العالم المعاصر) وأتأمل المجتمع ، وهذا بالضبط ما قال ماركس بأنه كلما حصل العامل على أشياء للرفاه يزداد أغترابه ، فهو لا يعمل ليشتري شيئاً بل يعمل ليحافظ على شيء أخذه بالآجل والضمان والفائدة ، يصبح الشيء هو معنى الحياة فما هو الإغتراب ؟ وما هي الوثنية ؟؟ هناك أشياء عن ماركس لا يجرؤ أحد قولها ، أشياء جعلت الشجعان يقدمون حياتهم ملايين الشهداء بقناعة و سعادة لماذا ؟ . بدل أن نتغنى كالمخدرين بقصيدة الجواهري عن الرفيق فهد ربما علينا أن نفكر في الفكر الذي جعل الرفيق فهد مرتاحاً و مطمئناً لهذا المصير و هذه التضحية .
المجتمع الرأسمالي لا يقوم على إقناع الناس بفكرة ما ! ؟ بل تتولى الشركات و وسائل الإعلام تسطيح المجتمع و طرده من الثقافة ، في نظر المفكرين الليبراليين أن دعاة نشر الفلسفة والفكر بين الناس ، هم الأنبياء في الماضي و ماركس و نيتشه في الحاضر . في نظرهم نشر الدين يؤدي إلى الذبح والمظاهرات المليونية السخيفة كما في العالم الثالث
، أما فلسفة نيتشه فقد أدت إلى النازية ك عرض جانبي . والماركسية أدت إلى الكارثة السوڤيتية . لهذا يقترح المجتمع الغربي إنسانا من نوع آخر ، غارقاً في العمل والقروض المصرفية وشؤونه و غرائزه الخاصة . أما الفكر والثقافة فهي كالأسلحة تنحصر في الجامعات والمتخصصين . حيث يتم ربطهم بالسلطة عن طريق الشركات والمنظمات . أما الشعب فهو هذه الخيول التي تركض بسعادة في سبيل العبث . هذا باختصار مشهد المجتمع الليبرالي المثالي سقف العالم المعاصر . وفد أثبت نجاحه لأن الإنسان لا يثير فيه مشاكل (لا يفكر / غير موجود ) مما يسهل عمل الإدارة . لا يوجد مجتمع مدني في عالم تسوده الكآبة والإغتراب والعزلة . إن أول ما تقوله لك الفلسفة الليبرالية : إن الحياة لا معنى لها و كذلك وجود الإنسان . لا توجد حقيقة في أي مكان هذه أوهام . الشيء الوحيد الذي لا نقاش فيه هو حسابك المصرفي . عالم تتشابه شوارعه و شركاته ولغته ومخلوقاته . و كما ذكرت سابقاً : الماركسية لا تغير العالم بصورة مباشرة بل هي تغير الروح والإنسان ، إنها دواء لمرض خبيث و قاتل اسمه (( وجع الغباء )) وعدم الفهم . العالم الذي نعيش فيه مريض بالرأسمالية وليس بخير . منذ ولادة شيء اسمه ( الإستثمار ) في القرن الثالث عشر مع الإكتشافات البحرية والتعرف على العالم ، وما تلا ذالك من تطور لمفهوم الإستثمار بعد الثورة الصناعية و ظهور العمال صار العالم غريباً . هذا العالم لا يعرفه المسيح ولا يفهمه أرسطو ولا يشعر به الحسين بن علي أو أبو أو جده ، هذا عالم بحاجة دائمة إلى ماركس فهو غاسل آلامه و حامل عذاباته بقوة العقل و بالإيمان المطلق بالإنسان .
نعم نحن في العراق بحاجة إلى ماركسيين وإلى أحزاب شيوعية هؤلاء هم سكك الحديد الوحيدة لتحريك الوعي الوطني .
#أسعد_البصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟