أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع الناقد شجاع العاني















المزيد.....


حوار مع الناقد شجاع العاني


سعدون هليل

الحوار المتمدن-العدد: 3853 - 2012 / 9 / 17 - 15:52
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع الناقد الدكتور شجاع العاني
حاوره سعدون هليل


اكتب لا لكي استمر في الحياة، وإنما لأشعر انني لم أزل حياً!



الدكتور شجاع العاني أكاديمي وناقد لامع يتمتع بأفق واسع، وإبداع متميز، وقد كتب العديد من الدراسات النقدية بشأن الرواية والقصة العراقية والعربية وفي كل مساهماته المهمة ظل العاني يوجه أداته النقدية عن أعمال محمد خضير، وغائب طعمة فرمان، وفؤاد التكرلي، وعبد الخالق الركابي، ولطفية الدليمي، والطيب صالح، واسعد اللامي، وعبد الزهرة علي، وسعد سعيد وآخرين. والكثير من المبدعين العرب والعراقيين وهذه الدراسات ذات منهج سوسيولوجي في علم الاجتماع الأدبي التطبيقي.
أما كتبه المهمة فهي "المرأة في القصة العراقية" و"الرواية العربية والحضارة الاوربية"، "في أدبنا القصصي المعاصر"، و"قراءات في الأدب والنقد"، "وتمرينات نقدية"، وكتاباته التي نشرها في جريدة "طريق الشعب" بعنوان "تطبيقات نقدية عن الرواية العراقية بعد سقوط النظام المباد"، وهذه الكتب ذات منهج علمي صارم في النقد الادبي. والعاني يتميز برؤية نقدية حداثوية جديدة في مسيرة النقد السوسيولوجي. يتضمن حوارنا معه حول أهمية النقد الأدبي الحديث في رصد واستنهاض النصوص السردية، ومساهمات رواد الرواية العربية والعراقية في إيجاد المكانة اللائقة للرواية مع روائع الأدب العالمي.


* المعروف عن الناقد شجاع العاني انه يتعاطى مع اسماء محدودة وهي اسماء لامعة اخذت حقها واكثر من النقد الحديث، ويهمل نتاجات الشباب بالرغم من ابداعاتهم المتميزة. فهو ظل محصورا في نقده على اسماء معينة مثل الطيب صالح، محمد خضير، فؤاد التكرلي، غائب طعمة فرمان. وغيرهم من الرواد، ما هو رد الناقد العاني بشأن ما يقال؟

- ما يقال غير دقيق، بل هو مفتعل تماما، اذ باستثناء التكرلي، الذي كتبت عنه بعد لمعانه "وهذا طبيعي لاني من جيل ما بعد التكرلي، كتبت عن اسماء لم تكن لامعة في حينه، فالطيب صالح وروايته موسم الهجرة الى الشمال لم تكن قد حظيت باكثر من مقال واحد كتبه الراحل رجاء النقاش في المصور، وانا رغم مزاعم الطيب حسن ما زلت اعتقد ان رجاء قرأ الرواية في نسختي من مجلة حوار التي حملتها معي الى مصر بسبب هذه الرواية، وعرضتها على معظم المثقفين المصريين حتى استقرت اخيرا في يد عبد الوهاب البياتي الذي لم يكن يميل الى قراءة الرواية فاعطاها بدوره الى عدد من المثقفين المصريين ليقرأوها وما زلت اذكر كيف ان المرحوم الطيب صالح سر بمقالتي في مجلة الكلمة وكتب الى حميد المطبعي سائلا اياه من هذا الشجاع الذي لا اعرفه؟ كما ابلغني عبد الرحمن الربيعي القادم من بيروت آنذاك انه رأى الشاعر العراقي صلاح نيازي وان الاخير حمله تحيات واعجاب الطيب بالمقال.
اما غائب فلم يكن قد اصدر غير رواية واحدة هي النخلة والجيران وقد سبق له ان اصدر مجموعتين قصصيتين هما "حصيد الرحى" و"مولود آخر" كما نشر قصة سليمة الخبازة في مجلة المثقف، وهي التي صارت فيما بعد رواية النخلة والجيران التي نشرت عام 1966، وكتبت عنها في ملحق الجمهورية الذي كان يقوم على تحريره المرحوم انور الغساني، فور صدور الرواية. لم اكن قد رأيت غائبا من قبل، وبعد كتابتي عنه باشهر اخبرني الاستاذ فخري كريم - وقدالتقينا في ساحة التحرير- ان غائبا يجلس في مجلة الثقافة، وان علي الذهاب الى هناك اذا ما اردت لقاءه. وذهبت وسلمت عليه، وعندما سألته عن المقال، سأل أي مقال؟ فعرفته بالمقال والكاتب عندئذ قام من كرسيه واحتضنني وقال لي انه فرح جدا بالمقال وقد ظن قبل قراءته "ان شعبي قد نسيني" وهذه عبارته بالحرف الواحد، على اني لم اكتب غير هذا المقال عن غائب وان اشرفت على رسالة ماجستير في البصرة "لعادل عبد الجبار" عن شخصيات فرمان. على انه يجب ان اذكر انني التقيت به في موسكو، ومعي عدد الكلمة الخاص بالنقد عام 1971م وقد نشر في المقال، واطلعني على روايته "المخاض" التي قدمها الى وزارة الاعلام آنذاك فرفضت الوزارة طبعها وقيل ان عبارة تخص العراق وعبد الكريم قاسم تقول "بلد والد زعيمه نجار" وقد قرأت الرواية وحذفت العبارة كما قرأها الزميل والصديق الناقد فاضل ثامر وحذف وعدل، لكنها رفضت، وتم طبعها فيما بعد في بيروت.
وتكرر الامر مع القاص الكبير محمد خضير، الذي لم اكتب عنه عندما كبر اسمه وتعاظم بين القراء. فكتب اول من كتب عن مجموعته المملكة السوداء فور صدورها عام 1973 واذكر انني خصصت مجلة الاقلام بالمقال الا ان سكرتير التحرير عبد الرحمن الربيعي كان معاديا وعدوانيا في رفضه للمقال فاعطيته للاديب المعاصر ونشر في العدد الرابع من العام 1973 ثم كتبت عن مجموعته في عام 1992 بعنوان "الكتابة بالكاميرا- دراسة في المؤثرات السينمية".
وكان هذا نهجي الدائم مع أي عمل عراقي او عربي انفعل لقراءته واجد فيه ما يشبع ذائقتي وفهمي للعمل الفني او يثير لدى ملاحظة علمية حتى وان كانت ضده وهكذا كتبت عن رواية غسق الكراكي، لسعد محمد رحيم وكتبت عن عبد الرحمن الربيعي، وموسى كريدي والروائي الكبير عبد الخالق الركابي، وعن اسعد اللامي وعبد الزهرة علي واسماعيل فهد اسماعيل ولطفية الدليمي، ومهدي عيسى الصقر، ومحمود عبد الوهاب، وامجد توفيق. وبدأت حياتي النقدية بالكتابة عن مشكلة الوعي في اللص والكلاب ونشر المقال عام 1964. وفي حقيقة الامر فاني كتبت عن الذين ذكرتهم قبل ان يتعاظم شأنهم.
ولا اظن ان لدي عقدة من هذا النوع، أي الكتابة عن الكبار حسب، واكون سعيدا جدا عندما اجد كتابة شاب ما يثيرني للكتابة عن عمله الفني.
* هجرة المثقفين العراقيين هل هي احد اشكال التحرك الذي يتوفر منه تحسين شروط الاداء الثقافي ولو من الخارج. ام انها مجرد تعبير عن المأزق الذي واجهه المثقف والمفكر في مجتمعه؟ ام كانت هروبا وتراجعا منظما؟

- لا اعتقد ان احدا من المثقفين العراقيين هاجر من اجل ان يصقل ابداعه عبر تجربة الهجرة، الهجرة لدى الكثرة تمت بدوافع سياسية، واقتصادية بسبب الحروب والعقوبات الاقتصادية يضاف الى ذلك عوامل التخلف الاجتماعي المريع الذي يعيشه المثقف ويشكل قيدا على ابداعه. وانا لست مع الذين يقسمون الثقافة العراقية الى ثقافة الداخل والخارج، فلا احد من هؤلاء الذين هاجروا ويطيب لهم ان يشعروا بالاستعلاء على مثقفي الداخل الذين عانوا ويلات الحصار وباعوا مكتباتهم لكي يشتروا رغيف الخبز لاطفالهم، لا احد منهم كتب كما كتب محمد خضير، او التكرلي او الركابي او طه شبيب او غيرهم، ولا اعتقد اننا ونحن نعيش عصر ثورة تكنولوجيا الاتصال اننا بحاجة للهجرة لكي نشحذ ادواتنا الفنية او الفكرية، كما ان الادب لا يحقق الاصالة ان لم ينطلق من البيئة المحلية ومن الواقع.
نعم لقد اقام التكرلي في باريس لعام او اكثر، ولكن لترجمة رواية كتبها في بغداد وهي "الرجع البعيد" والامر مختلف طبعا عن محاولة اكتساب معارف جديدة او شحذ الموهبة.
* تبقى الحياة اليومية باحداثها اليومية وحوادثها المفاجئة من اهم المواد الخام في صناعة الروائي، هل تسجل هذه التفاصيل في مفكرة تختار منها ما يعنيك لحظة الكتابة؟

- هذا صحيح، فالرواية تتداخل مع الواقع الى حد كبير، واذا كان الغربيون قد تجاوزوا هذا الامر الى ما هو فردي او فلسفي او غيره، فنحن في الشرق ما نزال عند الهموم الاجتماعية الثقيلة التي على الرواية مناقشتها، ويعاني عموم البشر من الجوع والتلوث وتغير المناخ والبطالة وموت الاطفال بسبب الجوع والامراض، ومن حق كل ذلك ان يكون موضوعا للرواية، كذلك الحرب والسلام والسلم الاهلي وغير ذلك من موضوعات ملحة في مجتمعاتنا النامية.
علما اني لا اسجل الاحداث، بل الجأ الى روايات تؤرخها اذا ما اردت معرفتها، كما ان الحدث لا يعود هو هو عندما يتناوله العمل الفني. اذ يصبح العمل الفني او الروائي عالما خاصا له قوانينه الخاصة.
* بدأت بدراسة المرأة في القصة العراقية، وواصلت العمل النقدي تحديدا والرواية في العين من اهتمامك ما هو تشخيصك للرواية العراقية الان اسلوبا وموضوعا ومخيلة وواقعا؟

- الرواية هي اليوم سيدة الفنون الادبية، والقصة القصيرة تعاني من الضمور وقد اهملها النقد العالمي او كاد كالشعر والمسرح، وربما لان الرواية استطاعت ان تضم بين جناحيها الكثير من الفنون والمعارف، والمفكرون اليوم يتحدثون عن افكارهم من خلال النقد الروائي. وتحقق الرواية في العراق قفزات نوعية كبيرة وقد دخل الى ساحة هذا الفن العديد من النسوة الكاتبات، وكتبن روايات جديرة بالاهتمام بعدما عالج بعضهن كتابة القصة القصيرة في السابق. ولدينا روايات يمكن وضعها بموازاة افضل الاعمال الروائية العربية والعالمية كالرجع البعيد، وسيدات زحل، وسابع ايام الخلق، وديعة ابرام وغيرهن.

* يعاني النقد الاكاديمي من الضمور داخل الدرس والطلبة في حين انه في جامعات العالم يشكل الاساس للنقد الثقافي والاجتماعي والنفسي. ما مدى تأثير النقد الاكاديمي العراقي في النقد عموما؟
- هذا صحيح والامر يعود الى عاملين رئيسين، هما نظم التعليم المخفقة وما يرافقها من مناهج تقليدية عتيقة وطرائق تدريس تقوم على التلقين وعلى الذاكرة، وكأننا لا نزال في عصر الشفاهية ولم نغادره بعد الى عصر الكتابة، دع عنك عصر الكومبيوتر والنت. والحكومات العديدة التي حكمت البلد لم تفكر يوما بالجامعة كمصدر اساس مهم للثروة البشرية والعلمية والتنموية، بل كان همها تسييس الجامعة والمعرفة لتضمن نفوذا سياسيا وايديولوجيا، ولم تستطع هذه الحكومات ان تختار من بين النقاد الموهوبين عدد اصابع اليد لترسلهم في بحوث علمية الى الغرب ولو فعلت لكان لهؤلاء وطلبتهم باع كبير في النقد، كما حدث في مصر، وكما يحدث اليوم في تونس والجامعة التونسية. وما لم تتحرر الجامعة من اسر السياسي والايديولوجي فلن تقوم لها قائمة، ولن يكون هناك تنمية في البلد. ان هذه الحكومات لا تمتلك ستراتيجة عن التعليم او رؤية واضحة، واذكر ان وزير التعليم العالي في عام 1983 الغى بجرة قلم كما يقال نظام المقررات الذي كان موضع تجريب في عدد من الجامعات والكليات، بدعوى توحيد نظم التعليم، ومن المؤكد ان ذلك كان صدى نظرية الحزب الواحد في الحكم. وقد اضر هذا النهج باقسام اللغة العربية واللغات الاجنبية الى حد كبير، وهي الاقسام التي يقع عليها واجب اعداد الاديب والمثقف والناقد.
وعلى سبيل المثال، فانني درست اربع عشرة مادة في كلية الاداب بجامعة البصرة على وفق نظام المقررات "الكورسات" وكان على الطالب لكي يتخرج ان يختار من بين عشرات الدروس الاختيارية 72 اثنين وسبعين وحدة، الى جانب ما يماثلها من الوحدات الاجبارية لكي يتخرج وهذه الوحدات تضم دروسا متنوعة تشكل زادا ثقافيا يمد طالب اللغة العربية او الانجليزية ايضا، وقد درست موضوعات القصة، الرواية، فنون الأدب، لغة السينما، الواقعية، الرومانسية، الكلاسيكية الرمزية، نقد تطبيقي، والطالب يمكن ان يختار موضوعات عديدة كالمسرحية الاغريقية او الاساطير الاغريقية او الشرقية او..او. وفي عام 1976- 1977 درست مادة الواقعية لطلبة العربية والانجليزية، ثم الغي الدرس بعد الاحداث السياسية وضرب القوى الوطنية. وفي التسعينيات قال استاذ في اللغة الانجليزية وكان طالبا في السبعينيات هو الاستاذ الدكتور شهاب احمد الناصر، يصف درس الواقعية وتأثيراته الفكرية! كان درس الواقعية ينتهي عند باب القاعة ليستمر في بهو الكلية، معارك فكرية وحوار بين الطلبة.. ولك ان تتصور اهمية نظم التعليم والاستقلالية النسبية للجامعات واحترام التقاليد الجامعية المعروفة عالميا. وانا بما املكه من ثقافة متواضعة مدين لنظام المقررات، اذ كان علي حين افتح مقررا جديدا او اكثر في بداية كل فصل دراسي ان اعد نفسي بالقراءة والتحصيل العلمي لغرض تدريس المقرر.

* الاساتذة المشرفون على نخبة من الطلبة معظمهم من مصر والقلة منهم من العراق في مقدمتهم الدكتور الطاهر وجلال خياط وعناد غزوان وغيرهم.. هل مارستم انتم الجيل اللاحق لهم دور في انضاج تجربة نقدية؟
- اساتذتنا في النقد هم النقاد المصريون بدءا بطه حسين عميد الادب العربي، وحتى عبد المحسن طه بدر ومنعم تليمه مرورا بالنويهي وخلف الله ومحمد مندور، بل اننا افدنا حتى من الجيل اللاحق كغالي شكري وصبري حافظ. وهم من مجايلينا. وكان للعراقيين دور المعلم الذي يشق الطرق امام طلابه، وفي الثمانينيات لم تعد مصر هي المركز بل انتقل المركز الى شمال افريقيا في تونس والمغرب، وافدنا كثيرا من نقاد البلدين. واعتقد اننا نحن الجيل اللاحق من الاساتذة اعطينا اكثر مما اعطى اساتذتنا الذين كانوا يتبعون اسلوب الامالي في تدريسنا، اذ الغي هذا الاسلوب وحل مكانه بلاء عظيم هو الكتاب المنهجي. ان اسماء من هذا الجيل الجديد، كعبد الله ابراهيم، وخالد علي مصطفى وعبد الاله احمد، ونجم عبد الله وبشرى موسى صالح، ومن المؤكد انهم تركوا اثراً لا يستهان به في طلابهم، ولكن جامعاتنا ومعاهدنا العلمية لم ترق حتى اليوم الى ما وصلت اليه الجامعة المصرية والتونسية، مما يحد من اثر الاستاذ علمياً الى حد ما، واحد اسباب الاخفاق هو تعاظم سلطة الطالب في ظل نظم سياسية سيست التعليم وجعلت من الايديولوجيا سلطة فوق المعرفة والعلم.

* اهتممت كثيراً بالقاص محمد خضير حتى اصبحت من اكثر النقاد فهما لاساليبه وموضوعاته، فمتى بدأت رحلتك مع محمد خضير؟

-عام 1966 اعلن ملحق جريدة الجمهورية الادبي عن مسابقة قصصية وفتحت الجائزة التي كانت "عشرة دنانير " الى قصة "البطات الثلاث" محمد خضير، وكان محمد قد نشر "المملكة السوداء" وقصة اخرى في عددين من مجلة "الفكر الحر" التي كانت تصدرها مديرية تربية البصرة، ويقوم على تحريرها د. محمد جواد الموسوي، ويشاركه محمود البريكان الشاعر والاكاديمي د. ناصر حلاوي رحمهما الله.
لكننا في بغداد لم نطلع عليهما، حتى اذا صدرت الممكلة السوداء عام 1972 وجدت فيها حساسية جديدة وقفزة نوعية فنية في القصة وفي اسلوب خاص، بدأه سركون بولص بل بدأه ذو النون ايوب في مجموعة "قصص من فينّا 1956" هو اسلوب الوصف الخارجي المباشر، ولكن هذا الاسلوب حمل معه مضامين جديدة، تشكل انجازاً على صعيد المدرسة الوافقية، فلقد كانت موضوعات القصة الواقية لدى نوري وغائب ومهدي عيسى الصقر هي موضوعات التفاوت الاجتماعية، ومشكلة الانسان فيها هي الحاجة الى الخبز والجنس، وكانت قصة محمد خضير تعزف على الجانب الروحي لا المادي للانسان، وان كان جذر المشكلات الروحية جذراً مادياً، انتظار دائم للغائب، الاخفاق في تحقيق الطمأنينة والاستقرار النفسي الروحي، وكانت قصة المملكة السوداء بالذات مثالاً على هذه النقلة، فبطلها علي يعاني من ازمة الخبز والجنس بل تكمن معاناة بان عينيه لم تكتحلا برؤية ابيه، الذي هجر امه وتزوج من امرأة اخرى عاش معها ولم يتح للإبن رؤية الاب بسبب المشكلات المعروفة في مستويات اجتماعية كهذه ونحن القراء نصادف عليا وهو يتجه الى عمته وهي تحتضر ليبحث عن صورة ابيه، في صندوق خلفه هذا الاب، ومن المؤكد ان العمة المحتضرة كانت سبباً في حرمان الطفل من رؤية ابيه، إلا انه من يظفر بصورة فوتوغرافية لابيه يجدها ممسوحة بفعل الزمن.
كنت حينها اقرأ في الكوميديا الالهية واذا بي اجد قصة قصيرة عن الجحيم في الحياة الدنيا لا في العالم الآخر. هكذا حقق محمد خضير القفزة النوعية باتجاه واقعية سحرية او افتراضية لا تناقش ما هو مادي في حياة البشر وانما صار الروحي في مقدمة المشهد. لكني نبهت في لحظة حية عنه "في درجة 45 مئوي" عن خطورة تحول محمد خضير الى اساليب اخرى في الصحيفة ورؤيا البرج، كان محمد قبل ذلك محمد خضير، ثم طغا صوت بورخيس وآخرين وكاد صوته يضيع بين هذه الاصوات.
* غبت سنوات عديدة عن الكتابة النقدية وكانت جامعة البصرة ملجأ لك، وكذلك عدت لكن بنشاط ثقافي/ اجتماعي بارز. هل يعود ذلك للحاسة النقدية، أم الحاجة الثقافية الى معاينة نقدية جادة؟

-صحيح كانت البصرة جامعتها ملجأ لي، لكني وانا حينها لم اعتزل الحياة الثقافية بل كنت اواصل نشر ابحاثي العلمية في مجلة الاقلام وغيرها، وكنت اكتب وانشر المقالات في مجلة جامعة البصرة التي يصدرها المركز الثقافي الذي عملت فيه، واسست ملتقى السياب في المركز، وعملت في المشغل الابداعي في كلية الآداب في التسعينيات بعد حرب تحرير الكويت وكنت من خلال عملي في الكلية والمركز الثقافي احاول ان اجسر الهوة بين الجامعة والنخبة المثقفة في البصرة، وهكذا كنت ادعو محمد خضير، محمود عبد الوهاب، طالب عبد العزيز، وحسين عبد اللطيف وغيرهم لقراءة قصائدهم، او القاء المحاضرات على طلبة الكلية. بل انني ترجمت عدداً من القصص ونشرتها في مجلة المركز الثقافي وكانت قصة لاهيأة "السيف" لبورخيس اول هذه القصص نشرت عام 1979م ولا اعرف احداً ترجم بورخيس قبل هذا الوقت، وقد قال لي استاذ هندي يدرس الادب الانكليزي في الجامعة بالحرف الواحد، كنت اعتقد ان لا احد من العرب يعرف بورخيس واظنني كنت عملت على تنشيط الحركة الثقافية في البصرة بصورة لا ينكرها إلا الجاحدون تماماً كما فعلت عندما نقلت من القائم الى بغداد لاجد نفسي في ثانوية قتيبة في مدينة الصدر وتسلمت المكتبة، وكان جيل جديد من الادباء يشق طريقه نحو الظهور وقد تخرج في هذه المدرسة شاكر لعيبي، وفاروق يوسف، وسعيد فرحان، وعدد غير قليل من الادباء والفنانين وكنت ازود الكثير منهم بكتبي الخاصة، ليقرأوها. اظن انني عانيت النفي والتهميش دائماً ولكن ذلك لم يفت في عضدي.
عدت للكتابة الآن بعد ما تقاعدت من عملي الاكاديمي وكنت اقرأ ما ينشر في الصحف من موضوعات نقدية فأرئ البعض وكأنه حاطب لـيل او اعجب من الصحف كيف نشرت موضوعات لا افهم انا المتخصص منها شيئاً. فارتايت ان اكتب المقالة النقدية الصحفية متابعاً فيها ما يصدر من روايات عراقية تستحق الكتابة وهو شيء غير كتابة الدراسة او البحث النقدي الذي يتناول ظواهر فنية أو ادبية "واعني" ضرورة نقد الكتب الادبية منفردة، أما دوافعي فهي عامة لخدمة الادب والثقافة الوطنية، وذاتية، ويتلخص الدفاع الذاتي بانني اكتب لا لكي استمر في الحياة، وانما لا شعر انني لم أزل حياً!

* انتم ابعد النقاد عن التصنيفات الرائجة، فئة من النقاد والاجتماعيين لا يضعون جسدهم النقدي في هذا الاتجاه، بينما يوجه التقليديون لكم تهمة الاجتماعية، لا يصف البعض منهم جهدكم بالانتقائي وانعدام الروح السجالية فما هو منهجكم النقدي؟
- بدأت ناقدا اجتماعياً وكان كتابي المرأة في القصة العراقية يسير على وفق هذا المنهج، ثم عملت الثقافات والمناهج الجديدة التي طرقت ابوابها بقوة على الجميع بين مناهج حديثة عدة دون التخلي عن المنهج الاجتماعي، بعد حرب 2003 اكتشفت ان الحديث عن المعبود الجديد أي اللغة، وتحويل كل الظواهر الى لغة، هو مجرد سخف وضحك على ذهون الناس، فما معنى حديث الاديب والناقد عن اللغة واختزاله للعالم والكون في الاشارة اللغوية، في وقت يموت فيه الناس في الحروب والاوبئة والمجاعات وتلوث البيئة و...؟ انا الآن اعود الى نمط من النقد ادعوه بـ"الكلاسيكي" أي دراسة الشكل والمضمون في ري عمل ادبي، دون ان اتخلى عن البعد الاجتماعي في العمل الادبي، وفي كل عمل انقده اضع نصب عيني السؤال الذي صاغه لويسيان جلديان وهو يتحدث عن وظيفة النقد، وهو ماذا قال العمل الفني, وكيف قاله؟ بهذه الطريقة وليس بطريقة اخرى وماذا قال تعني دلالة والمعنى في العمل الادبي، وهي مهمة ولا عملاً ادبياً او شعرياً بدون دلالة وإلا نخرج عن كلام البشر أما كيف فتعني بالجانب الفني والجمالي وعلاقتهما بالمعاني، وهو ما يميز الفـن عن القول العادي.

* لو سألتك ان تذكر عشر روايات عربية وعراقية بم تجيب؟
- موسم الهجرة الى الشمال، الرجع البعيد، اولاد حارتنا، عزازيل، سابع ايام الخلق، سيدات زحل، عمارة يعقوبيان، زنقة بن بركة، الاشجار واغتيال مرزوق، الوليمة العارية، مالك الحزين.
على ان ترتيب العناوين لاأهمية له باستثناء العنوان الاول.






#سعدون_هليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استعادة ماركس
- حوار مع الباحث السوسيولوجي فالح عبد الجبار
- - الثقافة أسلوب عيش وأسلوب حياة -
- حوارمع أحمد خلف
- حوار مع الروائي حنون مجيد
- حوارفي المسرح
- حوارمع الدكتورصبيح الجابر
- قراءة في كتاب - الاشكالية السياسية للحداثة – من فلسفة الذات ...
- حوار مع الدكتورعقيل مهدي
- الماركسية والماركسيون في عصرنا
- الماركسية والايكولوجيا
- قصتان قصيرتان
- حوار مع ناجح المعموري
- التفكير في العلمانية
- عن مظفر النواب
- حوار مع سامي كمال
- قصة
- مسؤولية المثقف في المجتمع
- حوار مع الفيلسوف العراقي د.حسام الآلوسي
- فينومينولوجيا الخطاب البصري


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - سعدون هليل - حوار مع الناقد شجاع العاني