أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - لحسن ايت الفقيه - المارشال ليوطي بين الانتماء العرقي والانتماء الثقافي















المزيد.....

المارشال ليوطي بين الانتماء العرقي والانتماء الثقافي


لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)


الحوار المتمدن-العدد: 3849 - 2012 / 9 / 13 - 16:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قليلا ما يلخص اللقب، في كلمة واحدة أو يختزل، مواصفات شخصية ما ساعدها الحظ لتدخل التاريخ. ولئن كان الكثير من أبطال التاريخ نالوا الشهرة بالأداء في الميدان لا بالعطاء في حقل الثقافة والفكر والفن، فإن قليلا منهم ينسب لغير وطنه، وكذلك الشأن بالنسبة للمذاهب السياسية والفكرية، فالنازية كمنهج سياسي، مثلا، مرتبطة بألمانيا ولفلسفة الأنوار علاقة بفرنسا وللاقتصاد السياسي امتداد في التاريخ الفكري الإنجليزي وتعد بلاد الإغريق معقل الحضارات. وبصدد أمثلة الأشخاص نذكر أن البخاري جامع الأحاديث النبوية نسب إلى بخارى، واحتضنت مراكش المؤرخ ابن عذاري المراكشي، ويعد أبو بكر الدلائي مؤسس الزاوية الدلائية. وباختصار هناك من الألقاب ما نسب إلى فاس أو الرباط وصقلية وبغداد ودمشق وتلمسان ومصر والمغرب، ومعظمها صحيح لأن العلاقة بالملقب به لا تقبل أي انتقاد بالمرة. و لما كان القياس في عالم الإنس غير مجرد عن الاستثناء،فإن المثال من المغرب يرفع كل استغراب، فقد نسبت إليه شخصية ولا علاقة لها بالعروبة والإسلام واليهودية والأمازيغة. نذكر أنه في بعض الكتابات الفرنسية نعت ليوطي بالمغربي ،وفي بعضها الآخر نعت بالأفريقي ولكلا النعتين دلالته. ويظهر أن النعت المغربي مقدم في الحديث والتوضيح عن النعت الأفريقي، لأنه صامد أمام كل انتقاد. وتنبغي الإشارة إلى أن البحث في أسس صمود اللقب المغربي الذي حمله لوي هوبير كونزالف ليوطي (1854-1834 ) مشروط بتجريده من كل حساسية واعتقاد، مرتبط بالاستعمار في علاقته بالرأسمالية والاقتصاد، أو بالصليبية وما يرتبط بها من مفاهيم كالجهاد. وينبغي أيضا تجريده عن كل قيمة أخلاقية تسقط الخطاب في بؤرة الحسن والقبح، تلك الثنائية التي طالما تضفي على الخطاب الذاتية والمزاج. صحيح أن ليوطي رجل صنعه الاستعمار الذي يذكرنا بالمأساة والتعذيب, وإن شئت بالصليبية القديمة التي لم ينج المغرب منها في القرن الخامس عشر الميلادي، حيث احتلال الشواطيء المغربية من لدن البرتغال والإسبان. لكن المقام يفرض باختصار فصل المقال عن القيمة والدين والسياسة والاعتقاد. إن ما يربط المغاربة بالماريشال ليوطي أداؤه المناسب في ظرف تاريخي مناسب، ولا أحد يجادل في كون أول مقيم عام للحماية الفرنسية بالمغرب، قام بالممكن من الواجب. ولم يكن ليوطي ضابطا في الجيش يختص بممارسة الحرب في حال اندلاعها والسهر على تنظيم الصفوف والتدريب والهجوم والاعتقال والاحتلال، إنه موثق كلف الكثير من ضباطه بتدوين كل ما يفيد في السيطرة والاحتلال، ويسهل عملية الهجوم في أسوأ الأحوال. ولا غرو، فقد أنجز الضباط تقارير تهم كل الجوانب الثقافية المغربية والاجتماعية والتاريخية والإثنوغرافية والإثنولوجية، تكاد أن تغطي كل البوادي المغربية المتمردة بالأوساط الجبلية المغلقة والهضاب الصحراوية وكل المواقع العمرانية التي يطبعها التقوقع والاحتراز من الأجنبي. لقد وظف ليوطي علم الاجتماع وغيره من علوم الإنسان لمساعدة الجيش على الاحتلال وضمان السيطرة وأمن المحتل ومن يساعده من القواد أمثال عدي وبيهي والكلاوي. إنه أول من اكتشف التنوع الثقافي في المغرب وعمل على احترامه وضمانه، لذلك تعمق إيمانه بسلطة العرف التي تبلورت في أقل من عقدين من الزمان، لتصرف في ظهير ينظم المحاكم العرفية، صدر يوم 16 مايو 1930 ليشكل أيضا أساسا لاحتجاج واسع أعلن ميلاد العمل السياسي المنظم بالمغرب والذي يعرف بالحركة الوطنية. إن صدور الظهير المنظم للمحاكم التي تتخذ العرف مرجعا لها، بعد عزل ليوطي من مقر الإقامة العامة بخمس سنوات، يفيد أن النهج الذي وضعه ليوطي محترم إلى حد بعيد لدى أولي الأمر في الميتروبول، رغم نزوع هؤلاء نحو سياسة الاحتلال المباشر ابتداء من عهد المقيم العام ستيجSteeg ، والتخلي عن فلسفة الحماية التي طورها ليوطي وعمل بها. وإلى جانب إعمال العرف في المحاكم العرفية بالبوادي، اهتدى الضباط المحتلون إلى بناء معسكرات الجيش ومقرات الإدارة على شاكلة المعمار المحلي. وإنك لن تفرق بين مقر الحاكم الفرنسي بإملشيل ومسكنه وبين القصبات المجاورة. ونفس الشيء بمركز قصر السوق (الرشيدية حاليا) ومركز أرفود وكلميمة. ولن تفاجئك بناية الكنيسة بمركز الريش على شاكلة القصر (الدوار ) حيث تحمل أبراجا تشبه أبراجا ذات دلالة. و إنك لن تدرك أن البنايات المذكورة مرتبطة بالاحتلال الفرنسي للمنطقة. ولم يقتصر احترام ليوطي للعرف المغربي على البوادي فحسب، فقد شمل المدن المغربية أيضا. وحسبنا بناية بنك المغرب في مواقعها بالمدن (الرباط، الدار البيضاء، فاس) وكذا البريد المركزي بالدار البيضاء والرباط، التي تذكر الواقف بجوارها بالتراث المعماري المغربي الأندلسي. ومن جانب آخر يحمل تشيد المدن الحديثة خارج المدن المغربية القديمة أكثر من دلالة، فقد اهتدى ليوطي ومن ساعده في التشييد، أنطوان مركيز وهنري بروست.....إلى احترام سكان المدن العتيقة عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم ونظام حياتهم. ولعل الكاتب الفرنسي أرنو تيسي، مؤلف كتاب حول ليوطي، لم يجانب الصواب حينما نعته بمهندس السياسة الاستعمارية الفرنسية في المغرب. فإلى جانب اهتمامه بالتراث الثقافي المغربي، وضمنه التراث المعماري والتقاليد القائمة على العرف، انقطع ليوطي لبناء مغرب عصري بنقل النمط الحضاري الفرنسي، عملا بتوصية وزير الاستعمار في مطلع القرن العشرين جول فيري، والتزاما بمنهج يقوم على الفهم الجيد للواقع من أجل عمل جيد يحترم العلاقات الثقافية، أو بالأحرى، اختلاف الثقافات والحضارات. لقد كان ليوطي يحترم المسلمين في كل المواقع التي عمل فيها، من غرب الجزائر إلى جنوب شرق المغرب إلى الرباط. والغريب أن ليوطي شبيه ببعض المتصوفة في الأداء لا في الاعتقاد، حيث عاش بدون إنجاب لأنه تفرغ للزواج في وقت متأخر بعد طلاقه من السياسة. ولم يجد ليوطي من يبكيه بعد مماته، سوى من يقرأ مذكراته التي تحوي ذكرياته في المغرب وانطباعه حول هذا البلد الذي لازمه مدة طويلة. ولم يخف الكتاب تيسي أن ليوطي كان يكتب كثيرا، ولا كتابة قائمة على برود عاطفي، ولا إبداع بلا إحساس. ورغم ذلك لم ينج ليوطي من الانتقادات حيث قيل عنه إنه ممثل مسرحي لم يؤد الأمانة كاملة. وإن زاغ الماريشال لوي هوبير، كثيرا أو قليلا، فإن زيغه في ربطه الأدوار العسكرية بالسياسة. وبالطبع حينما تفشل السياسة يعلن الحرب، فلا أحد يخالف هذه القاعدة، لكن ليوطي عبر عن ذلك بعبارة أخرى، توظيف الترهيب بعد فشل الترغيب. وبين ثنائية الترغيب والترهيب التي عمل بها ليوطي منذ احتلال وجدة سنة 1907 إلي حين عزله في منصب الإقامة العامة بالمغرب سنة 1925 والتي عمل بها الوطنيون المغاربة إلى حين حصول المغرب على الاستقلال صمد اللقب الذي حمله ليوطي ذلك الرجل الذي ما فتيء يستحضر الخصوصيات الثقافية المغربية في كل صغيرة وكبيرة. وفي جميع الأحوال انتصرت السياسة على الحرب وانتصر الترغيب على الترهيب وانتصر ليوطي في احتلال مكانه في تاريخ المغرب وحصوله على لقب شّرفه خير تشريف وأعطاه مكانة وتقديرا.



#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)       Ait_-elfakih_Lahcen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان لجهة الرشيدية ورز ...
- البرنس الأحمر الجزائري والمقاومة المغاربية
- القبيلة إطار لتحصين الهوية الأمازيغية في المغرب عبر العصور
- النهاية في الخطاب العسكري الغربي
- إشكالية التوتر بين الثقافي والجغرافي وأزمة الهوية الإدارية ل ...
- فصول من ذاكرة مدينة بوذنيب والحقوق الجماعية بها في مذكرة تنس ...
- التراث المعماري وحقوق الإنسان بالمغرب أي علاقة؟
- على هامش اللقاء السنوي لبرنامج واحات تافيلالت التنموي بالمغر ...
- الواقع الاجتماعي لما بعد تراجع الصناعة الاستخراجية بحوض ملوي ...
- أي استراتيجية لتنمية مستدامة للمناطق المنجمية ومحيطها بجهة ا ...
- ندوة مأتم الفاعلين الجمعويين محمد بلكوح وعبد الرحمان فريدي ا ...
- جمعية النهضة بفجيج تنظم رحلة إلى مواقع الذاكرة بالجنوب الشرق ...
- الحركة النسائية المغربية: الحصيلة والآفاق في ظل الإصلاحات ال ...
- جانب من (جوانب من ذاكرة كريان سنطرال، الحي المحمدي بالدار ال ...
- المجتمع المدني بالجنوب الشرقي المغربي يفقد فاعلا جمعويا ثقيا ...
- قراءة في الذاكرة الجماعية بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيض ...
- قبيلة أيت حديدو بإقليم ميدلت: توزيع المساعدات وفق معيار تواف ...
- واحات درعة وتافيلالت، الثقافة، والتاريخ والتنمية. أي استرتيج ...
- إشكالية الحقوق الثقافية والهوية بجبال الأطلس الكبير الشرقي
- جبر الضرر الجماعي في اللقاء الوطني التحصيلي التقييمي بإقليم ...


المزيد.....




- زيلينسكي يقيل رئيس حرسه الشخصي بعد إحباط مؤامرة اغتيال مزعوم ...
- شوّهت عنزة وأحدثت فجوة.. سقوط قطعة جليدية غامضة في حظيرة تثي ...
- ساعة -الكأس المقدسة- لسيلفستر ستالون تُعرض في مزاد.. بكم يُق ...
- ماذا بحث شكري ونظيره الأمريكي بأول اتصال منذ سيطرة إسرائيل ع ...
- -حماس- توضح للفصائل الفلسطينية موقفها من المفاوضات مع إسرائي ...
- آبل تطور معالجات للذكاء الاصطناعي
- نتنياهو يتحدى تهديدات بايدن ويقول إنها لن تمنع إسرائيل من اج ...
- طريق ميرتس إلى منصب مستشار ألمانيا ليست معبدة بالورود !
- حتى لا يفقد جودته.. يجب تجنب هذه الأخطاء عند تجميد الخبز
- -أكسيوس-: تقرير بلينكن سينتقد إسرائيل دون أن يتهمها بانتهاك ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - لحسن ايت الفقيه - المارشال ليوطي بين الانتماء العرقي والانتماء الثقافي