أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الثورة وسؤال اللاعنف!















المزيد.....

الثورة وسؤال اللاعنف!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3848 - 2012 / 9 / 12 - 12:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



سألتني الأديبة والإعلامية نوال الحوار عن جدوى الحديث عن اللاعنف في ظل مجتمعات تنزلق إلى العنف بصورة مريعة، وتنفتح فيها شهيّة المتصارعين بلا حدود للإقصاء والإلغاء والإفناء، للآخر، الخصم، العدو! وأردفت بالقول أين مكان اللاعنفيين فيما تطلق عليه "الربيع العربي" حيث تندلع الثورات، ومثالي هو سوريا؟ وكان جوابي في برنامج "المشهد الثقافي" الذي تقدّمه، أن استمرار ظاهرة العنف ومن ثم العنف المضاد هي التي تجعل من الدعوة للاعنف ضرورية وراهنية بإلحاح، خصوصاً وأن ثقافة العنف هي السائدة، ويتطلّب الأمر تسليط الضوء على مخاطر العنف وردّ الفعل " العنفي" عليه في ثنوية لا تنتهي، وكأنها مصارعة على الطريقة الرومانية، بحيث يتم القضاء على أحد المتصارعين، في حين يصل الثاني إلى حدود الموت أيضاً، وهكذا سوف لا يكون أحد منتصراً وهو يمارس لعبة العنف التي ستحرق الجميع دون استثناء.
ثم من قال أن العنف ملازم للثورات بالمطلق؟
لنأخذ انتفاضة الحجارة الفلسطينية مثالاً بارزاً، فقد اندلعت في أواخر العام 1987 وأوائل العام 1988 وامتدّت لأعوام، دون أن تتمكن "إسرائيل" من القضاء عليها، على الرغم من محاولات استدراجها للانخراط في ردّ الفعل لمواجهة العنف بالعنف، في ظرف مختلٍّ ويميل فيه ميزان القوى لصالح الصهيونية و"إسرائيل"، وهو الأمر الذي لم تنجرّ إليه الانتفاضة الفلسطينية آنذاك، حيث فوّتت الفرصة على "إسرائيل" لدمغ كل أعمال المقاومة والحق المشروع بالدفاع عن النفس بالارهاب.
وأتذكّر أنني بدعوة كريمة من السفير الفلسطيني في براغ سميح عبد الفتاح، العام 1988 ألقيت محاضرة عن الانتفاضة الفلسطينية: بين السياسي والآيديولوجي، وعندما وصلت إلى الحديث عن سمات الانتفاضة وخصائصها الجديدة ندّت همهمات من داخل القاعة، أقرب إلى الاعتراض أو حتى الاحتجاج تتساءل عن مدى انطباق أطروحاتي مع تعاليم ماركس ولينين حول شروط الانتفاضة وقيادتها.
وأقدّر الوقع الجارح على الذين لم يستوعبوا المتغيّرات، فاستمروا يفسّرون الظواهر طبقاً لبعض القوالب الجاهزة والتعاليم النظرية التي عفا عليها الزمن، حتى وإن كانت تصلح لزمانها، خصوصاً وأن معطيات مختلفة تبلورت بين هذه وتلك، فما بالك ونحن نتحدث عن فلسطين تحت الاحتلال، والأمر سيزداد تعقيداً في الوقت الحاضر بشأن قيادة الانتفاضة وأساليب كفاحها وتكتيكاتها وقواها المحرّكة ودور الشباب، وأهمية الاعلام تعبوياًُ وتحريضياً وتنظيمياً في تواصلها واستمرارها، وهو الأمر الذي تفرضه العولمة بوجهيها المتوحّش والإيجابي، في ظلّ الثورة العلمية- التقنية وتكنولوجيا الإعلام والمعلومات والاتصالات والمواصلات.
وإذا أردنا أن نتحدث عن حركة الاحتجاجات الواسعة التي انطلقت في العديد من البلدان العربية وقادت إلى تغيير أنظمة الحكم فيها فلا بدّ أن نأخذ المعطيات الجديدة بنظر الاعتبار، تلك التي تجلّت، على وجه الخصوص في تونس ومصر، فقد كان الخيار هو اللاعنف والمقاومة السلمية المدنية، أما في ليبيا فقد انطلقت الحركة الاحتجاجية وتوسّعت باعتبارها حركة سلمية ولا عنفية، لكنها تحوّلت لاحقاً كرّد فعل لعنف السلطات إلى عنف مقابل، ومن ثم تداخلها مع العنف الخارجي الذي قاده حلف الناتو، الأمر الذي ألحق أضراراً بالغة بقضية التطوّر السلمي المدني، وبالطبع اللاعنفي اللاحق.
وفي اليمن أجبرت الحركة الاحتجاجية اللاعنفية، الرئيس علي عبدالله صالح على التنحّي على الرغم من انتشار السلاح، حيث ساهم مجلس التعاون الخليجي في إنجاح عملية اتفاق مضنية، لا تزال بحاجة إلى تأمين مستلزمات نجاحها واستمرارها، لا سيّما وأن هناك قلقاً لا يزال قائماً من الصدام المسلح وانفلات العنف الذي قد يجرّ وراءه عنفاً لبعض دول الجوار.
وكانت الحركة الاحتجاجية المدنية السلمية لا عنفية في سوريا، واستمرّت على هذا النحو ستة أشهر تقريباً، لكن العنف الذي مارسته السلطات بقمعها، دفع بعض أطرافها إلى الاستعانة بالعنف للمواجهة، وهكذا يستمر العنف والعنف المضاد دون إمكانية التوصل إلى حلول سياسية ومقنعة، ويدفع الشعب الفاتورة عدّة مرات، في الأولى حيث يستمر قمعه وعدم الاستجابة لمطالبه السلمية، وفي الثانية حيث المجابهات المسلحة وتدمير البنى التحتية والمرافق الاقتصادية الحيوية وما بناه بسواعده وعرقه على مدى عقود من الزمان، وفي الثالثة حيث يستمر الحصار الاقتصادي عليه مدمّراً نسيجه الاجتماعي، وفي المرّة الرابعة حيث تلوح في الأفق احتمالات استمرار الحرب الأهلية التي قد تؤدي إلى تفتيت البلاد وتشطيرها، دون التمكّن من حماية المدنيين وتأمين احترام حقوق الإنسان. وفي المرّة الخامسة ما سيتركه العنف على المجتمع من تأثيرات خطيرة، ولعلّ التجربة العراقية خير مثال على انزلاق العنف وشموله فئات الشعب كافة.
ولهذه الأسباب يعتبر البعض أي حديث عن اللاعنف إنما هو أقرب إلى "البطر الفكري" أو رغبة في إسقاط الأفكار على الواقع أو محاولة لتجسيد بعض المثل العليا في بيئة لا تصلح لها، أو حتى يعتبره في أحسن الأحوال نوع من "الهذيان الفلسفي".
لكن وقائع التاريخ البعيد والقريب فيها الكثير من الأمثلة للإجابة على السؤال الذكي عن الثورة واللاعنف، ولنأخذ مثالين آخرين من منطقتنا بعد مثال ثورة الحجارة الفلسطينية. الأول هو نجاح الثورة الإيرانية في العام 1979 باللاعنف، بعد حركة احتجاج استمرت بضعة أشهر، وبعد تطوّر أساليب المقاومة اللاعنفية حيث اضطرّ شاه ايران على الرحيل وأطيح بالنظام والثاني هو الحركة الاحتجاجية الواسعة التي بدأت في لبنان في العام 2005 والتي اضطرّت بعدها القوات السورية إلى الانسحاب بعد وجود استمر نحو 30 عاماً.
أما الأمثلة من خارج المنطقة فهي كثيرة أيضاً حيث كانت لحظة انهيار جدار برلين 1989، إيذاناً بوضع حد فاصل بين مرحلتين، ونجحت ثورات أوروبا الشرقية جميعها تقريباً باللاعنف، عدا بعض استثناءاتها في رومانيا، أو فيما بعد خلال حروب يوغسلافيا وانقساماتها أو عند تفكّك الاتحاد السوفييتي والحروب التي أعقبته، لكنها كانت ثورات لا عنفية بامتياز، وقد تحاقبت مع بعض التغييرات في أمريكا اللاتينية بواسطة اللاعنف، وأحياناً كانت الثورة تمرّ عبر صندوق الاقتراع كما عكست الانتخابات في نيكاراغوا وفنزويلا وتشيلي والإكوادور والبرازيل.
ولعلّ هذا واحد من التغييرات التي حصلت في مفهومنا للثورة، فهي ليست بالضرورة عملية عنفية، أو تشترط أن يكون وراء كل ثورة أو حتى حركة ثورية "نظرية ثورية"، وهو ما كنّا نردّده لعقود من الزمن، وقد كشف لنا الواقع إمكانية "الانتصار باللاعنف"، مثلما انتصرت حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، والحركة المناهضة للتمييز العنصري في جنوب أفريقيا، بل أصبح اليوم بإمكان قيادات ثورية شابة ومن خلال التواصل الاجتماعي، إنجاز مشروع الثورة، إذا ما توفّرت الشروط الموضوعية والذاتية لذلك، وانتفت الحاجة إلى ما سُمّي "العصبة الثورية" لقيادة العمل الانقلابي في جنح الظلام، والتخطيط له سرًّا وعبر أوكار حزبية، فالعالم تغيّر وأساليب الكفاح تطوّرت.
ومهما ارتبطت الثورات تاريخياً بالعنف باعتباره "قاطرة التاريخ" على حد تعبير ماركس، ومهما كان العنف متأصلاً في المجتمع، الاّ أن الحاجة إلى السلم والتطوّر التدريجي، يظلاّن الهدف المستمر لأي تغيير ثوري، وبهذا المعنى ستكون الثورة حالة مؤقتة، بل وحتى عابرة، وسيكون وليدها " التاريخي" والذي ارتبط بها أي العنف " مؤقتاً" أيضاً، ولن تزدهر الحرية الاّ بالسلم، وهكذا فالثورة ليس بإعلان مجابتهما للأنظمة القائمة، ولكن بقدر استمرارها وتحقيقها أهدافها، ولاسيما الحرية والعدالة الاجتماعية.
وبهذا المعنى سيكون اختيار اللاعنف لتفجير الثورات عملية خيار واعي لجوهر ومحتوى الحرية، استباقياً، باختصار الطريق للوصول إلى "مملكتها"، ذلك أن انفلات العنف سيؤدي إلى التجاوز على القوانين والأنظمة، ويفتح الغرائز لشهيّة المتصارعين في استئصال أحدهم الآخر، وإذا كان العنف بالقانون "مقنناً"، فإن انفلاته مجتمعياً سيكون بلا حدود، وخطراً يهدّد السلام والحرية وقيم الثورة ذاتها وفلسفتها. وسيكون من أولى واجبات الثورة تقنين العنف وحصره بالدولة تحديداً لإمكانية تحقيق المساواة والعدالة والتنمية واحترام الحقوق الانسانية.
ويعرف غاندي بأنه مؤسس المقاومة السلمية "الساتياغراها" التي تقوم على ثلاثية الشجاعة والحقيقة واللاعنف وقد انتصر باللاعنف على "بريطانيا العظمى" أعتى امبراطورية في العالم في حينها عبر الإضراب عن الطعام والمقاطعة والاعتصام وصولاً للعصيان المدني حتى تمكن من إلحاق الهزيمة بالاحتلال وتحقيق الاستقلال.
وأخيراً يمكن القول أن اللاعنف لا يعني السلبية أو الضعف، وحسب غاندي أنه أعظم قوّة متوفرة للبشرية. إنها أقوى سلاح صنعته براعة الانسان.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبل وبعد الربيع العربي - الجيوبوليتيك ومفترق الطرق
- الاستيطان
- بغداد- أربيل : البيشمركة والجيش العراقي حدود الوصل والفصل
- أوباما ورومني . . ونحن
- جدارية الخلود وحضرة الغياب
- بعض أوهامنا وصخرة الواقع
- مشروع الدولة الكردية المستقلة
- ويخلق من الشبه «البعثي» اثنين
- التعذيب والإفلات من العقاب
- سلطة الاعلام
- المشروعان الإيراني والتركي في العراق
- الطائفية: مقاربة قانونية وأكاديمية
- العراق: نصف لأميركا ونصف لإيران
- كي لا تطمس الحقيقة
- الربيع العربي وديناميات التأثير الإقليمي
- حكاية الدستور الثاني في العالم الحديث
- جدار برلين الثاني !
- من باليرمو إلى دوكان
- صبراً جميلاً وعزاءً حاراً لفقدان الراحل جاسم القطامي
- الثورة التونسية ومسار التغيير العربي


المزيد.....




- أمير الكويت يأمر بحل مجلس الأمة ووقف العمل بمواد دستورية لمد ...
- فرنسا.. الطلبة يرفضون القمع والمحاكمة
- البيت الأبيض: توقعنا هجوم القوات الروسية على خاركوف
- البيت الأبيض: نقص إمدادات الأسلحة تسبب في فقدان الجيش الأوكر ...
- تظاهرات بالأردن دعما للفلسطينيين
- تقرير إدارة بايدن يؤكد أن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة لا ...
- بالنار والرصاص الحي: قرية دوما في الضفة الغربية.. مسرح اشت ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق العمل جزئيا بالدستور حتى أربع ...
- مجلس الأمن يؤكد على ضرورة وصول المحققين إلى المقابر الجماعية ...
- بالفيديو.. إغلاق مجلس الأمة الكويتي بعد قرار حله ووقف العمل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الثورة وسؤال اللاعنف!