أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جلبوط - نظرة على المشهد السوري















المزيد.....

نظرة على المشهد السوري


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 3844 - 2012 / 9 / 8 - 22:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يعود السبق للمؤرخ العربي فيليب حتي (1) عبر كتابه " تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين " التأسيس لفرضية أن حدود سوريا الطبيعية تمتد من صحراء سيناء جنوبا حتى جبال طوروس في منطقة الأناضول التركية حيث منابع نهر الفرات إلى ما يعرف اليوم بالجمهورية العربية السورية , ومن البحر الأبيض المتوسط غربا إلى حدود العراق شرقا , تلك المنطقة الجغرافية , والتي تدعى كثيرا بلاد الشام , تتسع لتشمل ما يعرف الآن بسوريا ولبنان والأردن وفلسطين قاطعا بذلك مع ما كان يعرف حتى ذلك الوقت من وجوده عن سوريا التي نعرفها اليوم " بالجمهورية العربية السورية " , وقد استرسل حتي في مؤلفه للتأريخ لتاريخ سوريا الطبيعية انطلاقا من التاريخ القديم المبكر وحتى التاريخ المعاصر له مرحلة مرحلة عبر كل الفترة الزمنية وضمن الإقليم الجغرافي .
يعود الفضل لهذا الكتاب في تغيير وجهة النظر فيما يتعلق بجغرافية وثقافة منطقتنا في هذا العالم .
وما أثاره من حنق وغضب في أوساط بعض المؤرخين والسياسيين من كلا المعسكرين الصهيوني والعربي هو إنكاره أن يكون هناك أصلا أرض تسمى فلسطين عبر نقاش طويل ومفتوح خاضه مع ألبرت أنشتاين أحد المنضوين إلى الصهيونية في حينه , وأن من أطلق على هذه الأرض هذا الاسم (فلسطين )هو الدولة الاستعمارية بريطانيا في محاولة منها لصناعة ذاكرة لدى سكانها تمهيدا لقبول فكرة حق اليهود فيها وبالتالي شرعنة جمعهم من أصقاع العالم إليها خدمة لمشروعها الاستعماري القادم .
تكلم حتي في مؤلفه بإسهاب عن التركيب الديموغرافي لسوريا (الكبرى) ومجموعاتها الإثنية : سنة , شيعة , دروز , موارنة , كاثوليك والعديد من الطوائف المسيحية الشرقية الأخرى القديمة والحديثة.
لم تحترم القوى الامبريالية الاستعمارية الأوربية ممثلة بفرنسا وبريطاني في حينه والتي ورثت تركة الإمبراطورية العثمانية أعقاب الحرب العالمية الأولى , لم تحترم التنوع الثقافي والإثني والديني لسكانها , بل اتبعت المبدأ المفضل لديها في زرع الفتن : "فرق تسد" وقد برعت فيه كثيرا قبل يتبنى نهجا راسخا من قبل جميع طغاة المنطقة.
فبعد أن كانت منطقة ما يعرف في أيامنا هذه سوريا ولبنان من حصة فرنسا كما بات معروفا , سعت لتقسيمها إلى دويلات بناءا على التقسيمات الدينية والمذهبية , ولم تكتف بذلك بل اقتطعت مما يعرف بسوريا لصالح ما عرف فيما بعد بلبنان الكبير لتتحول فيما بعد إلى ألغاما سياسية وعسكرية متفجرة وقد سمي بلبنان الكبير من قبل فرنسا بسبب ضم ما يعرف اليوم بجنوب لبنان ذو التركيب السكاني الشيعي إلى المناطق الشمالية الساحلية من لبنان ذو التركيبة السكانية السنية.
قامت فرنسا كدولة احتلال بتقسيمات واسعة وممنهجة من اجل ما بعد مرحلة الاستعمار بين لبنان الكبير المسيحي وبقية سوريا لتصبح مثار خلافات حدودية وصراعات مذهبية دائمة , يعاد إنتاجها بشكل دوري .

وبعد طرد فرنسا كدولة احتلال من المنطقة بعيد انتهاء الحرب العالمية ثار مباشرة إشكال ما زالت آثاره تمتد إلى يومنا هذا : هو ما إذا كان هناك قابلية لسوريا ولبنان , بعد خروج فرنسا الاستمرار كدولتين منفصلتين بعد أن سعت فرنسا جاهدة فصلهما بشكل تعسفي إلى كيانين " وطنينيين" في ظل ما يتنابذهما من جهة وما يتجاذبهما من جهة اخرى , بين مشاعر قومية ووطنية خاصة , وتمايزات إثنية ودينية ومذهبية . فوضع اللبنانيون أمام حلين مختلفين .
كان جواب اللبنانيين على ما كان مطروح أمامهم ذاك الزمان من حلول هو القبول ب"دولة " رخوة تتمتع ببنية حرجة وهشة قابلة للتفجر دائما جهدت فرنسا تأسيسها على توازن المكونات سالفة الذكر .
وشبيها بهذه الحالة أيضا فعلت بريطانيا في فلسطين : يهود , سنيين , دروز , مسيحيين وأحمديين , كل له محكمته الشرعية الخاصة التي تنظم "لرعاياها" أحوالهم الشخصية وتحرص على ألاّ يسمح للتداخل والخلط فيما بينها .
وبعد أن اكتملت الأمور للنظام السياسي اللبناني الكولونيالي راح يملأ الدنيا تبجحا أنه النظام الديموقراطي البرلماني الفريد في المنطقة العربية على طريقة أن " إسرائيل " هي الدولة الديمقراطية الوحديدة في المنطقة , وما أضفي مصداقية على هذا التضليل السياسي والإيديولوجي معا هو سيادة الاستبداد العربي العام المحيط بهما , لكنه في الحقيقة لا يمت للديمقراطية بأي صلة , بل أن مبنى النظام السياسي اللبناني ينكر ويتناقض مع ما كل ما هو متعارف عليه والمحقق على أرض الواقع من الأنظمة السياسية العالمية ألا وهو مبدأ " صوت لكل شخص " , بل لا يعبر المواطن اللبناني عن صوته الانتخابي إلا عبر طائفته أو مذهبه مما يجعله حاملا بين طياته مشروع حرب أهلية يعاد إنتاجها بشكل متكرر حسب الانزياحات الطائفية-المذهبية المشكلة لمبناه الديموغرافي نتيجة الفروق في الولادات , كما حدث مؤخرا في صفوف الطائفة الشيعية.
أما الصيغة التي تم التوصل إليها في سوريا كانت مختلفة جذريا : هي صيغة الحاكم العسكري الذي تعاقب عليها عبر سلسلة من انقلابات عسكرية استولت على السلطة فيها غصبا لتتحول فيما بعد إلى صيغة الحاكم المطلق عندما وصلت إلى أيدي الطاغية حافظ الأسد ليضع حدا لانتقالها إلى جنرال مغامر آخر بعد أن باشر بعد اغتصابها إلى تشييد أعمدة مملكة الصمت ومدافن البشر أحياءا (السجون والمعتقلات والفروع الأمنية ) معتمدا على قوة صماء من كتائب أمنية وميليشيات : سرايا الدفاع ثم الصراع والوحدات الخاصة والحرس الجمهوري تحمل سحنة طائفية غالبا لزوم التفتيت الاجتماعي من خلال اعتماد السياسة الاستعمارية المشهورة إياها " فرق تسد " وانطلق حثيثا يعد العدة إلى تحويل سوريا إلى مملكة أسدية من خلال تعميم شعارات واعتماد سياسات تحقيقها مثيل : سوريا الأسد , عرين الأسد , الأسد إلى الأبد , وهكذا دواليك أسوة بالمملكة السعودية والمملكة الهاشمية وغيرها , وذلك قبل أن تختزل هذه الشعارات إلى شعار واحد أحد بعيد انطلاق الانتفاضة السورية أواسط آذار 2011 لإسقاط مملكة الصمت الأسدية ليجن جنون النظام ويطلق قطعان شبيحته وكتائب موته سعيا حرقا وتدميرا لتحويل سوريا إلى مملكة للموت بعد اعتراض السوريين عليها كمملكة للصمت ليصبح شعار المرحلة " الأسد أو نحرق البلد " مكتوبا ليس على مداخل القرى والمدن واللافتات وتماثيل عائلة الأسد المنتشرة على مساحة سوريا بل على أجساد الضحايا أطفالا ونساء ومدنيين عزل , ليتحول " الربيع العربي " الذي انطلق من تونس عندما وصل الأجواء السورية إلى حمام دم فتصبح حيطان أبنيتها المهدمة حبل غسيل لنشر أشلاء لحم أطفالها ونسائها وشبابها .
يصر " الربيع العربي " بمروره على سوريا على استنبات نوع ورد وحيد على أرضها لا يليق بسواها : الورد ألجوري الأحمر القاني وكأنه ضاق ذرعا بلون ياسمينه الأبيض.
لقد نجح آل الأسد على مدار حكمهم في إذكاء نار التوتر الطائفي-المذهبي-الإثني , جرى هذا في سبيل تحويلها إلى مملكة أسدية أسوة بما يتبعه الآلات الآخرون من جيرانه , وقد ساعده مساهمة إيران في تشجيع ظاهرة التشيع وسيلة علّها تشكل امتدادا لنفوذها خدمة لمصالحها .

أما فيما يخص مصر فإن ما جرى فيها كسيناريو تاريخي شيء لا شبيه له في الوطن العربي ولا يمكن بالطبع مقارنته بالسيناريو السوري لا من قريب ولا من بعيد , فمصر كيان جغرافي وسياسي مكتمل يمتد تاريخه لآلاف السنين لم يثر أي جدل حول هويته الجغرافية والديموغرافية بتعاقب الحقب التاريخية أبدا بل اعتبرت مصر لآلاف السنين إمبراطورية لم تخف معظم الأحايين رغبتها بالسيطرة على شرقها بامتداد إلى بلاد ما بين الرافدين , فالاعتزاز بالهوية الوطنية هو من سليقة الأشياء وتلقائيتها والمشاعر العفوية لدى كل مواطن مصري , فهو شعور حياتي ملموس وواضح لا يحتاج لعناء الايدولوجيا وتكاليفها , للدرجة التي يستهجن فيها المواطن المصري التعليقات الواردة من خارج مصر وخاصة من قبل الصهاينة التي تتناول ما جرى مؤخرا في مصر من انتخاب أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين معقبة على أولوية الولاء لدى الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي إن كانت لحزبه ( ( إخوان المسلمين ) أو لمصر.


إن لحمة المجتمع التونسي تقترب من المثل المصري إلى حد ما والتي شكلت الحائط الصد الذي حما البلد من انفراط عقدها بسقوط دكتاتور سعى جاهدا طوال فترة حكمه أن يختصر السلطة والبلد بشخصه وأعضاء عائلته . وهذا ما تفتقر اليه سوريا في الحقيقة , ينبغي قول الحقيقة دون رتوش . فسوريا التي عرفناها منذ الاستقلال وحتى الانتفاضة لم تكن بعد قد عثرت على هويتها منذ انسحاب فرنسا منها كدولة احتلال , وبقيت تتجاذبها العديد من الولائات أو لنقل الوطنيات التي لم تحسم أي منها لحمتها الاجتماعية ولا الجغرافية عبر عقد اجتماعي متفق عليه : وطنية سورية , وطنية عروبية , وطنية قومية سورية , وذلك لتعقيدات تركيبها الفسيفسائي الذي أتقن نظام الأسد المسيرعلى حواف خطوط تماسها في سياق انتهاجه لسياسة التفتيت الاجتماعي , فهل ستنجو سوريا يا ترى إن سقط وحشها ؟


مازال يتعاطى الغربيون بكل صفاقة وسخف شديد مع الحدث السوري منذ انطلاق انتفاضتها قبل ما يقارب من السنة والنصف , يكثرون الحديث عن ضرورة نهاية نظام الأسد ولكن على حساب إبادة السوريين وتفتيت سورية لصالح خليلتهم " إسرائيل " , ثم ينبري مسؤوليهم في التعبير عن تخوفهم وقلقهم عن استعمال النظام لأسلحته الكيماوية ضد الشعب أو وقوعها بأيدي " أشخاص سيئين " وهل هناك أسوأ من النظام الأسدي والكيان الصهيوني في المنطقة؟
ثم لا ينسوا أن يعرجوا في نفس المقابلة عن خشيتهم من إمكانية انهيار سوريا كوحدة جغرافية واجتماعية أكثر أو أقل مما حاولته فرنسا زمن احتلالها لها , أي عهر وأي نفاق.
أن تتعرض سوريا لانفراط عقدها كوحدة اجتماعية كما يخطط عائلة الأسد إن أدركت استحالة القضاء على الانتفاضة وأن لا أمل لها من عودة الوضع إلى ما قبل الانتفاضة السورية وهو ما قد مهد له الأسد الأب كثيرا منذ اغتصابه السلطة في سوريا منذ 1970 وربما من قبل حسب بعض الروايات , ليس فقط من خلال ما اقترفه من تهشيم لوحدة الجيش وصفته الوطنية وللأجهزة الأمنية تلك السياسة الطائفية التي يحصد الشعب السوري اليوم نتائجها مذابح جماعية من لون طائفي ومذهبي واحد , ولاكتمال الأمر لا يحتاج سوى السماح أو القبول أو النزوع والاستعداد لانتشار تسلح الأطراف , فالتسليح هو الذي سيضمن الطرد المتبادل بين أبناء المذاهب والطوائف في المناطق المتداخلة ولو عن طريق ارتكاب مجازر متبادلة لتحقيق التطهير المذهبي والطائفي , وفي هذه النقطة علينا أن لا نكثر من الأماني والتمنيات باتباع سياسة النعامة هربا , فجميعنا يقر اليوم أن الظاهرة لم تتوقف على " إطلالة رأس للأفعى الطائفية " بل هي تتسع من خلال ممارسات وخطاب سياسي حتى من بعض من كان يحسب على العقلاء والعلمانيين ممن قضوا سنوات طويلة من عمرهم في السجون مقاومة للاستبداد , بل علينا الإقرار دون مواربة أن النظام الأسدي قد حقق تقدما لا بأس به في هذا الصدد في سعيه ( يساعده اليوم أطرافا إقليمية عربية وغير عربية على رأسها طبعا إيران وتركيا والكيان الصهيوني ) , وذلك لتأبيد سلطته كطبقة كولونيالية ككل الكولونياليات العربية الأخرى وما كان انتهاج هذه الكولونيالية الأسدية نهج التوريث سوى سعي حثيث للتشبه بمثيلاتها الخليجيات والأردن على مبدأ ما في حدا أفضل من حدا .
ليس هذا وحسب بل هناك إمكانية لانقسام سوريا جغرافيا خاصة إن تكونت لدى أصحاب القرار في العائلة الأسدية وقواد كتائبها قناعة باستحالة سحق الانتفاضة والقضاء عليها من خلال تدمير المدن والقرى ذات الطابع المذهبي , وما تناولته وسائل الإعلام حول تجميع كتائب جديدة من الجيش والأجهزة الأمنية من الضباط والجنود العلويين في المدن والقرى والتجمعات السكانية العلوية وتخزين الكثير من السلاح والعتاد النوعي سوى خير تباشير لهذه الإمكانية مهما كابر المتفائلون من السياسيين السوريين والعرب , خاصة إذا لم نغفل أن هذا الجهد المبذول من العائلة الأسدية وكتائبها وشبيحتها يدغدغ رغبة الكيان الصهيوني ولا يزعج الرأسماليات الغربية ولا الكولونياليات العربية وتدفع إليه إيران كما فعلت في العراق وكما جهدت في لبنان لدى حزب الله حول تبني مبدأ ولاية للفقيه.
مما سيؤدي إلى المزيد من الدماء والمجازر والتهجير المتبادل خاصة بين العلويين والسنة بحيث يتوقع أن تكون الصورة على شاكلة ما جرى في شبه القارة الهندية عندما أنشأت " دولة دينية إسلامية " عبر تقسيم الهند بتحريض من الاستعمار البريطاني دعيت فيما بعد باكستان مطلع القرن العشرين واستتبعت بتقسيم آخر عبر حرب مدمرة انبثق عنها " دولة بنغلادش ",
إن اختيار آل الأسد الانكفاء إلى كونتونهم" العلوي" للتمترس فيه طمعا لمواصلة رغبة توريث حافظ الثاني إن فشلوا في توريثه سوريا كاملة كما كانت النية قبل اندلاع الانتفاضة السورية ولو عن طريق التصفية الجسدية لأصغر مكون منتفض أو معارض مدنيا كان أو عسكريا و عبر ما تحاوله الآن كتائب العائلة وشبيحتها تنفيذ سياسة تفوقت بها على ما طبقته " إسرائيل " في النموذج الصهيوني من الإبادة والتطهير المذهبي الجماعي لتطويع من يتبقى من الشعب السوري بغض النظر عن صبغته الطائفية والمذهبية بعد ذلك على قبول حكمها كما جرى بعد مجازر 1979- 1984 التي توجت بمجزرة حماة , إن هذا , إن نجح فيه آل الأسد كما يعلنون عنه عبر شعارهم " الأسد أو لا أحد " , سيفتح شهية جميع المكونات الطائفية والدينية والمذهبية والإثنية الأخرى لإقامة كياناتها وتسليحها للدفاع عن نفسها في مواجهة الكونتونات الأخرى دون أن يثير بالطبع حفيظة الأسديين بل ستجد السند لديهم , كما حدث عند تسليم كتائب الحزب الكردستاني المناطق التي تحوي بعض التجمعات الكردية , وبالتأكيد ستجد الدعم والتشجيع بل التحريض من الأطراف الإقليمية مثل دولة الملالي في إيران أو لدى آل سعود وآل ثاني أو آل الحريري في لبنان ’ وستجد مصادرا دولية للسلاح وببلاش أيضا .
الدروز في الجنوب ( حلم "إسرائيل"), والأكراد في الشمال(كابوس تركيا) وما يتبقى يمكن تقاسمه بين دمشق وحلب .
هل هذا الكابوس ممكن التحقيق؟
بكل صراحة ودون لغة دبلوماسية الجواب هو : نعم إنه ممكن الاحتمال إن لم يتم السعي لموطنة الحراك في وجه المذهبة , وعلمنة التوجهات بدلا من الأسلمة أو الأسننة إن صح استعماله مصطلحيا .
إن ما تعيشه سوريا اليوم هو أكبر اختبار لقوة ولحمة "الكيان" السوري كأحد إفرازات سايكس-بيكو , فهل سينجح أهل هذا "الكيان" في الوقوف في وجه الرياح العاتية التي ربما تعصف بوحدة كيانهم الجغرافية والسياسية إن هم لم يحسنوا التصرف؟
لست متأكدا ولا مطمئنا ولكن ما يمكنني الوثوق به هو: إذا الشعب أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر , فإرادة الشعوب لا تقهر والشعب السوري لم يوفر وسيلة لم يثبت فيها أنه شعب استثنائي بامتياز أثبت ميزته هذه عبر استعداده الباهر للتضحية في مواجهة أعتى أنواع الدكتاتوريات في التاريخ والحاضر ومواجهة آلة قتله وتدميره المفتوحة , وعبر تمظهر صبره الذي لم يضاهيه صبر لرفض التحارب المذهبي , فإلى الآن لم ينجر إلى ما بيته آل الأسد لسوريا بإلحاح منذ انطلاق الحراك الانتفاضي , ولم يبادل المجازر الطائفية- المذهبية التي يرتكبها كتائب الأسد وشبيحته في المدن السورية ذات الطابع السني بمثيلاتها في التجمعات والمناطق العلوية.

ما يمكن قوله في هذا الصدد , أقوله وأنا ما زلت أراهن على صبر هذا الشعب العظيم , أرجو وآمل أن ينجح أهل الكيان السوري في تجاوز الاختبار وتخرج سوريا مما هي فيه سليمة وقوية كالعنقاء لأن فلسطين على موعد معها .

بقي أن نختم بالأحجية العصية على الفهم في الحالة السورية هو موقف بعض أطراف اليسار العربي الداعم لطاغية يرتكب مجازر يومية بحق شعبه ارتقت إلى مستوى أعمال الإبادة الجماعية والتطهير المذهبي : قال شو , تحت حجة الخوف من أسلمة المرحلة القادمة!! .
بغض النظر عن صحة ما يذهبون اليه أو امكانية حصوله نسأل : هل سيأتي نظام يلي هذه الأنظمة التي سقطت رؤوسها أو الآيلة للسقوط أسوأ أو أكثر إجراما أو نهبا لثروات الوطن وفضل قيمته وأكثر تفريطا بسيادة الوطن؟ . إن هذه الظاهرة المتكررة في مواقف اليسار تظهر أن هذا النوع من اليسار الذي يختار الانحياز إلى جانب طغاة كبشار الأسد , مبارك , معمر القذافي صدام و ميلوسوفتش تحت ذريعة أن الطرف الذي يشن حربا على "أنظمة الممانعة والمقاومة المعادية للامبريالة" هو الغرب الامبريالي الشيطاني متناسين أن هذه الأنظمة نفسها قد جاءت إلى سدة السلطة بإرادة هذا الشيطان الامبريالي وقضت جل فترة وجودها فيها في خدمة مصالحه . إن مواقف هؤلاء اليسرواوين إن دلت فهي تدل بشكل واضح على رداءة هذا اليسار الذي حرص ألا تكون كرامة الإنسان العربي وحريته هما محور كل جهده النظري ونضاله السياسي .

أتطلع أن ينجح السوريون في امتحانهم في معركة الحرية وأن يخرجوا مما أدخلهم إليه النظام وما يسعى إليه كل أعداء سوريا في المحيط الإقليمي والدولي لتتابع مسيرة الانتفاض العربي مسيرتها إلى مساحة الاستبداد العربي اتلأخرى .






(1) المؤرخ اللبناني فيليب حتي كاتب مسيحي ماروني من لبنان , درس في بيروت زمن العثمانيين أكمل دراسته في أمريكا ودرس فيها في قسم الثقافة العربية والشرقية .



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول عدم الثقة بالنفس وعلاقته بالاستبداد
- قصة قصيرة جدا .... غرام في الهواء الطلق
- قصة قصيرة جدا.........مظاهرة طيارة
- مفترقات الانتفاضة السورية عن أخواتها
- كسر الأديب الألماني Günter Grass صمته فانسعرت - إسرائيل-
- عام على انطلاقة الانتفاضة السورية
- عودة أخرى إلى المشهد السوري
- مقابلة صحفية مع أحد الشهود لمجزرة بورسعيد
- مجزرة تثير ذكرى مجزرة
- إلاما يومي بعض المعارضين السوريين من ترديد أغنية-ياوحدنا- , ...
- ما هي دلالات ومقاصد العمليات الانتحارية وتفجير السيارات المف ...
- مرة أخرى حول قوى اليسار في منطقتنا العربية
- بعد قرار الجامعة العربية سوريا إلى أين؟
- نداء إلى أحب بلاد العرب إلى قلبي
- تساؤلات حول مشهد الانتفاضة السورية
- مرة أخرى في ذكرى النكبة والنكسة
- إزالة آثار النكبة وحق العودة
- ليكف عجول السلفية عن توفير الغطاء للنظام لاستباحة الدم .
- ماذا بعد؟.......لكي لا يُهدر الدم السوري مرتين
- إطلالة على سورية ...ماض وحاضر


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جلبوط - نظرة على المشهد السوري