|
الوعي الوطني ومخاطرُ اللاعقلانية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3837 - 2012 / 9 / 1 - 10:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ضخامة الوعي الديني السياسي تعبر عن أزمة التكوينات الاجتماعية العربية وهي استمرار للاتجاهات القومية والاشتراكية ذات الشمولية السياسية، ولكن الوعي الديني هو محافظ اجتماعيا بدرجة خاصة، وهو ما سيجعل دكتاتورياته تتوجه الى نسف البُنى الاجتماعية العربية الإسلامية.
كان النسفُ السابقُ من أعلى، من خلال الأجهزة السياسية والعسكرية، ومن آراءٍ مستوردةٍ في الغالب، مما كان يجعلُ طبائعها نخبوية، وتبدو علاقاتها بالجماهير علاقات سطحية غالبا غير واسعة، ولهذا كانت الأضرارُ تتركزُ في الانقلاباتِ وتَحدثُ المعاركُ حتى الوحشية منها بين النخب والكتل العسكرية والسياسية المتصارعة.
كان الشموليون السابقون يحيدون المذاهبَ والكتلَ الجماهيرية، وإذا استخدموا الأدوات الدينية فيستخدمونها للتحديث وللوطنية ولتجاوز العصر الوسيط وتاريخيه الديني والأسطوري، لكنهم لم يخترقوا الإقطاع بعمق، الآن ظهرَ الإقطاعُ بشكلهِ الاجتماعي وسوف يناورُ على حرياتِ النساءِ والناسِ وهيمنة العقلِ وإبعادِ الاستغلال الديني والجهل به عن السياسة.
إننا الآن أمام مخاطر كبرى، فقد ارتكز الدينيون على الإقطاع بشكلهِ الاجتماعي، وهو لصيقٌ بالناس، وبالمؤسساتِ العبادية الكثيرة المختلفة، وهي شبكاتٌ هائلةٌ في كل بلد عربي ومسلم، وكذلك هو لصيقٌ بالمؤسسات العسكرية عبر الجنود وعبر العوام النصوصيين المتحمسين.
وقد سمح الاقطاع السياسي السابق المندحر المتكلس في نمو رأسمالياتِ دولٍ متآكلةٍ بانفلات التنمية عن المراقبة وبتوسع الشبكات الدينية وعيشها على الأزمات الجماهيرية كصمام أمان بعيدا عن الثورات، وعلى أشكال من حيادها ومن تذبذبها بين التقليد والحداثة، بين الماضي الشمولي والحاضر الفاشل ديمقراطيا وعصريا، مما قوى مرجعياتها الدينية المحافظة غير المعقلنة وغير المطورة للثقافة الإسلامية، وفي وسط هذا الجهل العام وهذه الشموليات السياسية التي تعادي النقد والمراجعات الفلسفية للأديان وبناء تنميات وطنية عادلة، فما كان يصعدهُ من أبنيةٍ دينية سحرية لا عقلانية تهدرُ في الكثير من الشوارع العربية الآن.
(الثوراتُ يصنعها المفكرون ويخوضها المغامرون ويكسبها الجبناءُ)، وهذه المقولة العامة المجردة تنطبق على حال الجماعات الدينية التي استثمرت التضحيات الفكرية للمفكرين والجماعات الديمقراطية وتضحيات الشباب، وقفزت إلى السلطات كلها دفعة واحدة.
وهو أمرٌ شديد الخطورة لأنه سيطلق الشموليات الاجتماعية المدفونة خلال عقود سابقة، التي منعتها الهياكلُ السياسية والعسكرية السابقة، فسوف نعودُ لما يمكن أن يكون نهاية العصر العثماني الطوائفي الواسع، ونبدأ بدخول العصر الحديث مما انقطعنا عنه، وقفزت فوقه الثوراتُ الوطنية ومشروعاتُها غير المكتملة المجهضة، وسنعود خاصة للتناقض الإقليمي بين السنة والشيعة بشكل واسع إقليمي كما كان عصر العثمانيين ومخاطر الحرب بينهما، وإلى تناقضات المذاهب عموما وصراعات الأديان، بأشكالٍ متخلفةٍ مع نبش كل الموروث الصوفي الطرائقي وحرب النصوص الظاهرة والباطنة وكل الميراث الذي لم يتم نقده وتشريحه خلال القرون السابقة كلها.
هذا من الناحية الثقافية العقلية العامة التي تتوسع بين الجمهور الخام، لكن لا تستطيع القوى الدينية المحافظة سوى أن ترث رأسماليات الدول بهيمنتِها على الشركاتِ العامة والمصانع والشركات العسكرية والإدارات، ولهذا قامت الحكومة المصرية الحالية بالقبول باتفاقيات السلام وبالقروض من البنك الدولي، بعد حرب شعواء ضدها خونت القابلين بها، وهذا يعززُ رأس مالِ الدول وتتوسع قبضاتُها على الأجهزةِ والجماهير، وتقربُ المستفيدين والانتهازيين وتخلقُ منهم شكلا دينيا شموليا، لأن رأسمالية الدولة هي شكلٌ استبدادي بغضِ النظرِ عن ايديولوجياتِ من يسيطر عليها، فهي تخلقُ طبقة استغلالية حكومية تريدها أبدية، بخلاف الرأسمالية الحرة حيث لا توجد مثل هذه الرأسمالية الواسعة الغامضة في المحاسبة والوضع في السوق والتشبث بالحكم.
لكن الايديولوجيا الدينية المحافظة تقومُ بخلقِ أدواتِ تسلطِها الخاصة، عبر حرمانِ النساء ومطاردة الفنون والحريات العقلية، بحيث تجعل منها شكلا خاصا بها للسيطرة، وإبقاء للهيمنة على موارد الدول عبر جماعاتها. ولهذا فإن ما تقوم به الجماعاتُ المعبرة عن الرساميل الخاصة الليبرالية، والقوى الديمقراطية واليسارية المعبرة عن المصالح العمالية والشعبية من تكوين جبهات ديمقراطية مهم خاصة مع الاتفاق على البرامج الحامية للقطاعات العامة من الفساد، والقطاعات الخاصة من التأميمات والمصادرات، بحيث تتوجه لرأسمالياتٍ حرة قادرةٍ على تصعيدِ التنمية والسيطرة على الأسواق والثقافة غير العقلانية.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمةُ مثقفٍ (٢ - ٢)
-
أزمةُ مثقف
-
رأسماليةُ الدولةِ بدأتْ في الغرب
-
المنبريون والجمهور
-
إصلاحُ رأسمالية الدولة
-
الطوائفُ اللبنانيةُ والحراكُ السياسي
-
كسرُ عظمٍ على أسسٍ متخلفة
-
النقدُ الذاتي وليس المراوغة
-
خارجَ الطائفةِ داخلَ الطبقة
-
بُنيتا الحداثةِ الاجتماعية
-
المفكرُ والتحولات
-
جورج لوكاش(٢-٢)
-
جورج لوكاش (١-٢)
-
المحافظون والديمقراطية الاجتماعية
-
تدهور الثقافة في البحرين
-
عالمُ المماحكاتِ
-
تقاسمُ المستعمراتِ الإسلامية
-
التنظيمات والبالونات
-
تناقضات المنطقة
-
مساعدةُ الثورةِ السورية واجبٌ قومي إنساني
المزيد.....
-
أسقط رجلا في البحر.. لحظات مرعبة لحوت يصطدم بقارب فتسبب بموت
...
-
كيف علق الكرملين على أمر ترامب بنشر غواصتين نوويتين قرب روسي
...
-
مستقبل غامض لكيم مين جاي مع بايرن .. هل يطرق أبواب الدوري ال
...
-
لبنان: الرقص.. علاج نفسي لتحسينِ المزاجْ ومواجهةِ ضغوطِ الحي
...
-
فرنسا تسقط مساعدات إنسانية جوا على غزة.. عملية محفوفة بالمخا
...
-
موجة حر جديدة في شبه الجزيرة الإيبيرية وسط تخوفات من اندلاع
...
-
-القانون يطال الجميع-... الرئيس اللبناني يتعهد بتحقيق العدال
...
-
ملف مرفأ بيروت، أول امتحان أمام السلطة في لبنان
-
-آبل- تعمل على تطوير منافس لـ-شات جي بي تي-
-
إسرائيل وأميركا تبحثان اليوم التالي بغزة ولبيد يندد بـ-حرب أ
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|