الانفاليات وتحديات إنقاذ كوكب الأرض

سلام ابراهيم عطوف كبة

الحوار المتمدن-العدد: 1116 - 2005 / 2 / 21 - 10:30
المحور: القضية الكردية
    

لا يجري النظر إلى موضوعة التسلح التدميري الشامل بمعيار توازن القوى العسكرية فقط بل من زاوية التحدي الحضاري، لأنها رمز لنتائج عملية تراكمية متعددة الأبعاد والمستويات تضع البشرية أمام خيارات صعبة ومفترق طرق خطير. ودشنت الانفاليات الكردستانية واستخدام الكيماوي في الحرب العراقية الإيرانية ذات النمط التقليدي بالثمانينات مرحلة اتسمت بفوضى السوق العراقية والإيرادات الاقتصادية والعسكرية المتنامية من الغرب والولايات المتحدة. تزامن ذلك مع حادثة تشيرنوبيل في اوكرايينيا عام 1986 اي على أراضي الدولة العظمى ذات الصداقة الاستراتيجية مع العراق.
أحدثت هذه التطورات تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية وأخلاقية عميقة في الدولة العظمى لينهار صرح أكتوبر والسلام العالمي بالبيروسترويكا وتنامي النزعات الانفصالية، بينما ادخل صدام حسين الشعب العراقي في اتون حرب مهلكة كارثية ثانية نقل بها ألازمة الداخلية العامة الشاملة إلى خارج الحدود واحكم قبضته الشمولية على السلطات بالانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان. وهذه التحولات الجيواستراتيجية لها ما يبررها. وقد كان الاتحاد السوفيتي صاحب أول تجربة اشتراكية عملية في التاريخ الحديث ودولة حضارية متقدمة دخلت مضمار سباق التسلح مع الولايات المتحدة مدة نصف قرن وعقدت شعوب وقوى وحركات بأكملها الآمال على تجربته الاشتراكية في سبيل درء الحرب وترسيخ أسس السلام الدولي. وقد هشمت الانفاليات الكردستانية (1) والظاهرة التشيرونوبيلية(2) سياسة الأمن الاستراتيجي للسوفييت وانعكست آثار ذلك بحدة على شعوبه.
استخدم الكيماوي في حرب ابادة شاملة ضد الشعب الكردي لتحطيم إرادته، وفي سياق سياسة تطهير عرقي فريدة من نوعها .. ( ولتدجين وتوظيف مقاومته التي واجهت المد المغولي على بغداد وكانت القوة الضاربة في الجيش الأيوبي لطرد الصليبي من الشرق الأوسط ).
وفي أواسط نيسان 1987، تعرضت قرية ( شيخ وسان) في وادي باليسان في اربيل للقصف الكيماوي وجمع الجرحى وكانوا قرابة (400) شخص في مراكز الحجز في اربيل ، ثم اختفت آثارهم بعد نقلهم إلى خارج المدينة ! وقبل ذلك التاريخ بأسابيع قصفت مناطق سركلر، هلدن، قرةداغ، كاني تو واغجلر بالكيماوي. وفي 5/6/1987، تعرضت قاعدة (زيوة) الأنصارية في بهدينان إلى غارة كيماوية استشهد فيها رفيقان من الحزب الشيوعي العراقي وأصيب ( 150) رفيق ورفيقة وطفل عانوا جميعا من فقدان الرؤية المؤقت والحروق الجلدية وصعوبة التنفس وآلام المعدة والحروق وشلل الأرجل. ثم جاء قصف حلبجة وإعدام الناجين في تانجرو بمثابة شرارة التفاتة الإعلام الغربي إلى الكارثة المحدقة حيث انتشر الغاز في المدينة مسافات بعيدة في لحظات !
شرع النظام العراقي بحلقته الانفالية الخطيرة اثر موافقة إيران وإعلان قبولها بوقف الحرب وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (598) فهاجم زاخو والعمادية وبامرني وسرسنك والشيخان وسيدكان وباليسان وارتوش.
وفي 29/8/1988، هاجم وادي(بازي)فقتل(3000) مواطن كردي. وشملت الحملات الانفالية (33) قرية في دهوك فقط . بينما تعرضت مناطق تابعة لمحافظتي السليمانية وكركوك مثل شيخ بزيني وشميران الى الهجمات الكيماوية في تشرين الأول عام 1988.
بلغ عدد الهجمات الكيميائية العراقية في الحرب مع إيران (232) هجوما معظمها داخل الأراضي العراقية. وفي خريف 1986 وحده بلغ عدد ضحايا القصف الكيماوي(118) ألف بعد أن بلغ (10273) إصابة عام 1984 فقط. واستخدم النظام في هجماته الشتوية غازات الخردل، وسيانيدالهايدروجين، والتابون، والسارين، والأعصاب. وإضافة إلى الخسائر البشرية الكبيرة سببت المواد الكيماوية خللا ايكولوجيا وبيئيا خطيرا فتآكلت الطبقة الخصبة من التربة، وأبيدت بيولوجيات كاملة، ودمرت المساحات الخضراء.
كانت الانفاليات الكردستانية شرخا كبيرا في العقيدة الأمنية السوفيتية والأمن الاستراتيجي العالمي. فنصبت للنظام العراقي المصيدة _ الفخ ليغزو الكويت!
تعرضت المنشآت الكيميائية العراقية الى قصف التحالف فسبب انطلاق الغازات المنبعثة ضعف البصر واعراض العمى . ولم تمنع رسائل الاخفاء للمواد الكيميائية المتبقية التي لم تصلها اذرع التفتيش الدولي من التسرب وبابعاد حملت الموت البطيء على المدى البعيد . القى التحالف (88) ألف طن من القنابل على العراق جاوزت كميتها (1.5) مرة كمية القنابل الملقاة على فيتنام وعادلت 7 قنابل ذرية من طراز قنبلة هيروشيما.
والقى التحالف (3000) طن من اليورانيوم المستنفذ _ DU _ ومواد كيماوية سامة على العراق .
اما كارثة اشعال آبار النفط فعادلت من حيث كمية ونوعية وتأثير الغازات المنبعثة الكارثة التشيرنوبيلية السوفيتية.
كل ذلك إضافة إلى العقوبات الدولية وانتزاع مناطق الملاذ الآمن لم يسقط صدام حسين!
وفي العهد البيجياتي شهد العراق الحديث والعالم أسوأ الكوارث البشرية التي افتعلتها دكتاتورية حمقاء.
كانت مذابح (سميل) للآشوريين 1933 كارثة بشرية، لكنها متواضعة مقارنة بالكوارث البيجاتية منذ اعتلاء البعث العراقي عرش البلاد . وذهب ضحية مذابح (سميل) 5000 مواطن تواطأ فيها الحكم الملكي مع الإنكليز لكسر التطلعات القومية الآشورية . ثم جاءت كارثة 1954 في فيضان دجلة وهي كارثة طبيعية تلتها كارثة الكوليرا عام 1965. وقد قدم الشعب العراقي في خضم نضاله الدؤوب والوطني الناجز وفي سبيل التقدم الاجتماعي وعبر ثوراته وانتفاضاته الوطنية التحررية والديمقراطية قرابين وآلاف الشهداء .. وهذه مفخرة يعتز بها الشعب العراقي بقومياته واقلياته . لكن الكوارث البيجاتية فريدة النمط وارتقت الى الجرائم الدولية ضد الإنسانية .
حتى عام 1990 ، وخلال عقود ثلاثة فقط تشير الإحصائيات إلى حدوث (113) كارثة طبيعية سببت وفاة (828439)فرد في كل انحاء العالم .. واهلكت الفيضانات (6592)شخصا وقتلت الأعاصير الاستوائية وحدها (350299)فردا.
وكان زلزال الصين عام 1976، الأسوأ وأدى إلى مقتل (242) ألف مواطن. بينما دمر إعصار جنوب بنغلادش وقتل (132) الف شخص . وشهدت السليمانية النصف الثاني من عام 1997، زلزال بسيطا لم يتجاوز (5) درجات فوق مقياس ريختر علما ان خط الزلازل يمر في شمال شرق العراق ويتراوح تأرجحا حول (4) درجات . كما ساهمت السدود وقنوات الري والتصريف في درء أخطار فيضان 1954 في بغداد .
وسارعت التجهيزات الطبية الحديثة والرعاية الصحية في تجنب الوقوع في شرك كوليرا 1965 التي أهلكت مئات العراقيين . ولم تشهد البيجاتية كارثة طبيعية توقظها من سبات انهماكها في افتعال الجرائم الكارثية ضد البشرية والانسانية .
ضمت الكوارث البشرية المسجلة دوليا تدمير العراق آبار النفط الكويتية وهي جريمة ايكولوجية بشعة واعتبرت اكبر كارثة من نوعها في التاريخ. أما الأنفال الكردستانية واستخدام الكيمياويات ضد الشعوب أي في الحروب الأهلية فكانت سابقة تاريخية خطيرة رسخت من مبدأ ربط التطهير العرقي بالدكتاتوريات..
في عام 1987، سرقت كمية من السيزيوم137 المشع من مركز طبي في البرازيل وأدت الحادثة إلى مقتل (4) أفراد وتلوث (249) فردا آخر وتعرض (112) ألف نسمة إلى الإشعاع. كما أدى انفجار في مستودع كيماوي في سو يسرة سنة 1986 إلى تدمير (1300) طن من (90) مادة كيماوية مختلفة وتلوث نهر الراين وتلوثت التربة والبيئة.وكما أسلفنا فان الأخطاء البشرية هي كوارث من نمط خاص قد تسبب أحيانا اهتزازا في القيم السائدة مثلما حصل مع تشيرنوبيل. إما الانفاليات فقد كانت جرائم بحق ضد الإنسانية لم يألفها التاريخ المعاصر .
ولم تتضمن الجداول أدناه كوارث الحروب العظمى والمحدودة في نفس الفترة ومخلفاتها من ملايين القنابل غير المتفجرة . ففي فيتنام ترك حوالي (2) مليون قنبلة دون أبطال مفعولها. وفي مصر ورغم المجهود الحربي لازالت ألاف الألغام متوزعة في خليج السويس وسيناء .. بينما أبطلت بولندة وحدها منذ عام 1945 مفعول (14.849.000)لغم ارضي و(73563000)قنبلة وقذيفة.
شوهت الانفاليات الكردستانية وفرض عنف البيجاتية المنظم بالحرب والاغتصاب كامل الوجود الاجتماعي والتوازن الاجتماعي العراقي. وعرض العراق لمواد التدمير الشامل الكيماوية والنووية والبايولوجية. وأعطت الارجحية للعقلية والمغامرة الانتقامية الانقلابية وفتحت لها أبواب الانطلاق، مثلما عرضت العراق وعموم المنطقة للعربدة والاستهتار البيجاتي. ويبقى هذا النزوع محفزا للعبة العربدة الأمريكية التي حافظت على صدام الالعوبة احتياطيا لها لتنفيذ مآربها في احتلال العراق ، والانتقام من البشرية .



جدول إحصائي دولي معلوماتي عن الكوارث الطبيعية المعاصرة
جدول مقارنة الكوارث الصدامية بالصراع العربي الاسرائيلي
جدول معلوماتي عن الكوارث البشرية الحاضرة في العالم


راجع الجداول في :

http://www.dasin.org/makalaat/18022005/7.htm
http://www.somerian-slates.com/ga18sikf.htm
http://www.iraqsawad.net/art377.htm



الهوامش والمصادر


1. راجع المصادر التالية:
د. أسامة الشبيبي / ألف باء السلاح الكيماوي / حلبجة / 1988.
سامي شورش / قرى شهيدة أخرى / حلبجة/1988.
د.محمد ميشال الغريب / جرائم الحروب الكيماوية / بيروت / 1989.
2. راجع:
د.محمد عبد اللطيف مطلب / تطور العلم والتكنولوجيا ومسؤولية العلماء الأخلاقية / الثقافة الجديدة / عدد (270)/ 1996/ ص(55)
غ. لفوف / تشيرنوبيل: تحليل الانفجار / (العلم والحياة) السوفيتية / ترجمة: مظفر شعبان / عالم الذرة / عدد (20).
زوريس ميدفيديف/ الجانب المضيء لتشيرنوبيل / موسكو تايمز / عدد (1926)/1996.
3-4 راجع:
مصطفى طلبة / إنقاذ كوكبنا / الأمم المتحدة / UNEP / 1992.

#سلام_ابراهيم_عطوف_كبة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات