أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سعد تركي - نحيب الأرصفة














المزيد.....

نحيب الأرصفة


سعد تركي

الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 11:11
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لا شيءَ أكثر بؤساً وكآبةً من مدينة تخلو من الأرصفة، فالأرصفة هويتها ومقياس تحضّر أبنائها. وكما أن الفضاء المفتوح والألوان والأضواء في المدن تريح العقل وتهدّئ الأعصاب، فإنّ الرصيف يستفزّ الحواس ويحثّ الأقدام على الحركة. مدينة تخلو من رصيف، وتتخلّى طوعاً عن عشّاقها مثل نهر بلا كتفين يفرّطُ بخزينه من الماء. في المدن المتحضّرة يمنح الرصيفُ الناسَ فرصةً للتأمل والتقاط الأنفاس مثلما يمنحهم الأمن والطمأنينة.
ليس بمقدور مدننا منح الأمان لعابر في طرقاتها، لا لأن الموت المتجوّل في طرقاتها هو الأكثر حضوراً، بل لأنها تكاد تخلو من الأرصفة. ولو تعثّرنا، مصادفةً، برصيفٍ فسيكون ملغوماً بحفرة أو كتلة كونكريتية أو كومة قمامة أو حديد "بسطيّة". أضحى عبور شارع مغامرة كبرى كالسير على حبل مشدود.
على شاكلة بائعي الأرصفة، استحوذ بائعو السيّارات على أرصفة الشوارع الرئيسة. أصحاب المطاعم لم يعودوا مهتمين بمساحة المحل قدر عنايتهم باتساع الرصيف أمامه. كلّ منزلٍ على أيّ شارع، مهماً كان صغيراً ومهملاً، يتمدّد على الرصيف ويدفع المارّة إلى الشارع. سائقو السيّارات في هربهم من الزحامات يستحوذون على الأرصفة. لم تعد ثمة مواعيد انتظار لعشاق أو أصدقاء، فما من رصيف يحمل مسرّة وعد أنجز أو فرحة لقاء تحقّق.

سُئلتْ دبلوماسية غربيّة عما لفت نظرها في عاصمة عربيّة جميلة نسبياً، فقالت "للسيّارات فيها حقوق أكثر من الناس". ولكون الآلة أهمّ من الإنسان، غالباً ما ترى السائق منشغلاً بأناقة ونظافة سيّارته.. كثير من أرصفة العاصمة تحوّلت إلى مرائب عجلات أو حمامات تنشطُ لغسلها وتلميعها، فنحمّمها وننسى أن نستحم.. نتكاسلُ عن الذهاب إلى عيادة طبيب إن توعّكت صحتنا، ونحرص أشدّ الحرص على معالجة منظومة تبريد لا نستمتع بـ(بخيخه)!!
مدن تخلو شوارعُها من الأرصفة هي مدن فرّطت بذاكرة سكّانها وأهملتْ تاريخها واغتالت عشاقها.. الشوارع لا تصنعُ تاريخ مدينة كما يفعل رصيف يضجّ بمارّين يتركون فوقه ضحكات أطفالهم وأحلام عشاقهم وأماني وهموم وطن.. المدن التي تؤثث أرصفتها بثراء باذخ تحتفل بالإنسان قيمة عليا، وتحفظ له ذاكرته من الضياع وتمنحه الكرامة والأمان.. المدينة بلا رصيف امرأةٌ عاريّةٌ استباح عفّتها ونقاءها وأصالتها قبحٌ استوطن طرقاتها ومسخَ بقيّة جمالٍ في طريقه إلى الأفول.



#سعد_تركي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للموت عشاقه ايضاً!!
- مقابر عمّاتنا
- الهدر.. ثقافتنا!!
- ديمقراطية العم سام!!
- كهرباؤنا الغيورة!!
- شوربة عدس!!
- حوسمة القبور!!
- بؤس...
- ماركة!!
- اقرأ.. تنجُ
- أبو العلوم!!
- أميّون بشهادات جامعية!!
- بخيخ!!
- نداء البنفسج
- يُتم الكتب!
- المستبد العاجز
- الخابط والمخلوط وما بينهما!!
- أزمة ثقة!
- حمير بلا.. دي
- اخترْ ساعة مرضك!


المزيد.....




- حدث جوي نادر سمح للناس برؤية الأضواء الشمالية في أمريكا؟! هل ...
- الكويت.. تداول مقاطع فيديو للحضور الأمني حول مجلس الأمة بعد ...
- واشنطن تمنح كييف حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 400 مليون د ...
- فيديو لمعلمة تصفع طفلاً من ذوي الإعاقة يثير موجة استياء في ا ...
- كوريا الشمالية تعتزم نشر راجمات صواريخ جديدة ستحدث -تغييرا ن ...
- أوكرانيا باتت وسيلة إيضاح لأصدقاء روسيا
- فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية يحمل خطرًا جديدا ...
- طلاب أمريكيون يغامرون بمستقبلهم من أجل العدالة في غزة
- هجوم شرس على بايدن بعبارة -من تظن نفسك بحق الجحيم؟-
- السلطات الأوكرانية تجلي مئات السكان غداة هجوم برّي روسي على ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سعد تركي - نحيب الأرصفة