سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3778 - 2012 / 7 / 4 - 11:21
المحور:
المجتمع المدني
ليست بأغلبنا حاجة للذهاب إلى الصين طلباً للعلم، كما أمرنا الرسول الأكرم (ص)، فتحصيل العلم والأدب ـ إلاّ ما كان تخصصاً نادراً ودقيقاً ـ يمكن الوصول إليه بسهولة ويسر شديدين بكتاب نقتنيه من مكتبة قريبة، أو عن طريق سياحة في مكتبات العالم الافتراضي بكبسة زر حاسبة موصولة بالانترنت. أضحت العلوم والمعارف متاحة للجميع بصورة فريدة لم يكن بالإمكان تصورها وتخيلها. وفضلاً عن كون تحصيلها لا يستلزم عناءً ومشقة، فإنّ رخص ثمنها جعلها قريبة المنال من كلّ ظامئ متعطش راغب بالمعرفة.
لظروف كثيرة ومعقدة آلت أمّة (اقرأ) إلى جهل وظلام يكاد أن يكون مطبقاً.. آلت إلى سوق كبير يستهلك كلّ مبتكرات العالم المتحضر. أمة تحرص على أن تسبق العالم بأعلى برج، وأضخم بناية، وأغلى يخت، وأكبر ملعب.. تحرص على تبذير ثرائها ببذخ فاضح مستهتر على زجاجة خمر حلال مرصعة بالذهب والماس، ومسابقة رياضية جميع نجومها وأبطالها من أمم أخرى.. أمّة تحرق مليارات الدولارات من أجل الأغلى والأكبر والأضخم والأعلى من كلّ شيء مهما كان تافهاً وحقيراً، ولا أهمية أو ضرورة له، باستثناء العقل الذي يزداد فقراً وفاقةً، ويكتفي بالدهشة والانبهار والانسحاق.
تدرك الأمم والشعوب التي تجتهد لبلوغ من سبقها في التحضر والرقي أهمية الكتاب، وتعي ضرورة القراءة. ولهذا ابتكرت البرازيل طريقة، للحثّ على القراءة وطلب العلم، تتلخص بخصم أربعة أيام من مدة عقوبة كلّ سجين في مقابل كلّ كتاب يقرؤه. ستتاح للسجناء قراءة ما يصل إلى 12 عملاً في الآداب والعلوم والفلسفة والكلاسيكيات لخفض مدّة أقصاها 48 يوماً من عقوبتهم كلّ عام. في النهاية ـ بعد انقضاء المحكومية مع الخصم ـ فإنّ السجين سيخرج وهو أكثر استنارة وأوسع رؤية للعالم.
هذا أُنموذج لما تفعله حكومة مع أفراد بعضهم من عتاة المجرمين. ليس بالوسع تخيل ما تفعله هذه الحكومة مع الأسوياء. البرازيل بنَتْ أكبر سدود العالم لتسدّ حاجتها من الكهرباء وتحافظ على سبب ديمومة الحياة، لكنها لا تفكر إطلاقاً بتشييد أعلى الأبراج.
لم تعد بنا حاجة للصين، نطلب العلم من المهد إلى اللحد، فقد استبدلنا ـ منذ أمدّ بعيد ـ هدف الرحلة. لا نأخذ معنا كتاباً ولم نأت به، فما جدواه لعقل طمرته رمال الصحارى؟
#سعد_تركي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟