مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 1112 - 2005 / 2 / 17 - 10:25
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
أهم الأعمال في فصل الشتاء هي :
2 - جرف الثلوج عن أساطيح المنازل , ومن ثم حدلها بواسطة المحدلة الحجرية الثقيلة حتى لا تتراكم وتتجمّع المياه فوق السطح الطيني أو الخشبي الأسمنتي .
*
تحميص بزر البطّيخ الأحمر ,, الركّي ,, والأصفر , المجمّع خلال فصلي الصيف والخريف .
تجهيز البيت بالقضامة من الحمّص اليابس - بطرق خاصة وبأنواع عديدة على التنّور . ,, القضامة الصفراء, المغبّرة , والمالحة ,, ,, وبمساعدة إختصاصي ( القضماني ) الذي كان يأتي من دمشق إلى البلدة ويستمر عدة أشهر لإنهاء هذا الموسم لأنه أساسي لكل عائلة .. لسهرات الشتاء ( تسالي ) يؤكل مع الزبيب والتين والتمر , وزوادة الطالب للمدرسة .
*
إطعام الماشية والدواب - كانت العائلات الفلاّحيةوالرعوية تهتم بهذه الوظيفة بشكل يومي من الحشائش والأعشاب التي كانت المرأة قد جمّعتها أكياسا في فصل الربيع مع التبن والحبوب في غرف خاصة لهذا الفصل .
وصنع اللبن والجبن وغيرها من منتوجات الحليب ( البقر والغنم والماعز ) التي بدورها كانت تحضّره للعائلة أولا , والزائد للبيع .
وقد كانت بعض العائلات الرعوية خاصة ترافق قطعان الماشية إلى ألأماكن الدافئة ,, المرج , خان عيّاش , ومنطقة عذرا وضمير ,, في فصل الشتاء
*
النسيج : النسيج أو الحياكة على النول الكبير المنصوب في غرفة من غرف البيت , هذه الصنعة كانت تاريخية وقديمة في البلدة . كان البيت الريفي في صيدنايا يحوي ثلاث مقوّمات للمعيشة أساسية في كل منزل هي : النول - التنّور - وخلايا ( كوارات ) النحل - وقد كانت المرأة عنصر أساسي مساعد إلى جانب زوجها وأفراد أسرتها ( في الحياكة ولفّ الخيطان وتصميغها بالنشاء أو الصمغ الخاص ) من ثم تنشيفها بالشمس وفي كل مراحل النسيج حتى تخرج القطعة جاهزة ,, مناشف , شراشف , أو خام عادي وووو,, . وقد كان نول بيت خالتي هيلانة وزوجها المرحوم جريس الزهر والد نقولا الزهر , اّخر نول شاهدتة , وبقي يعمل حتى الخمسينيات من القرن الماضي , وهناك بعض الأنوال التي كانت تحيك الصوف أيضا ,, البسط والعباءات ,,, ,, وقد كان الإنتاج يغطّي البلدة والفائض يباع في لبنان .
*
صبغ خيطان ونسيج الخام في مصابغ بيتية خاصة في البلدة وبألوان مختلفة .
الأعمال اليدويّة : غزل الصوف - كثير من النساء وخاصة كبار السّن كنّ يغزلن الصوف الابيض أو الأسود المغسول النظيف لحياكته فيما بعد كساء للعائلة وبسط للأرض .
حياكة الصوف : من هوايات المرأة الريفية واهتماماتها في ساعات فراغها وسهراتها الشتائية كانت شغل الصوف أي حياكته على يديها . وكنّ يتسابقن بصناعته وبأشكال ورسومات جميلة وكانت تتم هذه العملية إما على سنارتين أو خمسة سنانير , لتنجز ألبسة صوفيّة لكل أفراد العائلة من المعطف إلى الكنزات الجاكيت الشال الجوارب والطواقي والكفوف , قفّازات ,,و- .
التطريز والتخريم بالإبرة على اليد أو الطارة أو النول الصغير وبألوان متعددّة . أو بواسطة السناّرة ( كروشيةأي تنتلة باللغّة المحلّية , كأغطية للمساند والأسرّة والوسائد , طواقي وصداري رجاليّة وشراشف ( لليوك ) مكان حفظ الفرش واللحف بشكل مستطيل داخل الجدار الغرفة , وهذه الكلمة غير عربية .
وكثير منهنّ كنّ يبعن هذا الإنتاج إلى سكان القرى المجاورة .
الخياطة : كانت كل إمرأة قديما تخيط بنفسها ملبوسات العائلة اليومية العادية وقد كان في صيدنايا ولا يزال عدد كبير من الخياّطات الماهرات , يعملن بفن وإبداع مثل .. ( الصايات المقصّبة والكوفيات والشملات والصداري المخملية وغيرها , وعملهنّ كان ذائع الصيت - وفي مذكّراتي شرحت بإسهاب أكثر أسماء كل المهن والأوائل من النساء والرجال .
*
عمليةالعجن والخبز : هذه المهمّة كانت تقوم بها في كل الفصول وبشكل أسبوعي تقريبا . العجن والخبز على التنور في القرية عند الخباّزات قديما والمخبز حديثا . أول مرحلة عجن الطحين مع الخميرة والملح حتى يتخمّر . في هذه الاثناء تأخذالوقود إلى الخباّزة بوعاء خاص هذا المشوار الأول . ثم المشوار الثاني والمرحلة التالية تحمل لكن العجين النحاسي أيضا للخبازة على رأسها , ثم تجلس معها وتعمله أقراص وبعدها ترقه والخبازة تخبزه وبعد إنتهاء العمل تعطي الخبازة أجرتها إما خبزا أو نقودا . وتحضره مرّة أخرى إلى البيت لتجفّفه من الحرارة على شرشف الخبز وتضمّه ثانية إلى اللكن وتغطيه جيّدا . وقد كانت تصنع أحيانا كثيرة في هذه الأثناء من العجين الفطائر المتنوّعة المحشوّة بالكشك , أو السبلنخ , أو الزعتر وغيره وخبز خاص بالحبّة السوداء ,, طلامي ,, . وبعضهن يخبزن في بيوتهن على الساج أو عل التنور البيتي . ,
*
هذا طبعا إلى جانب العمل اليومي الإعتيادي المرهق للمرأة ... من
طهو وغسيل وتقطيب وكوي , تسويق وترتيب البيت وتنظيفه وتزييت القناديل وتوابعها يوميا قبل توصيل الكهرباء للبلدة وتنظيف المدافئ وإحضار الماء من العيون قبل توصيل شبكة المياه للمنازل . .
هذه هي القائمة واللوحة المرهقة والجميلة باّن ... التي استطاعت ذاكرتي تسجيلها لنهار المرأة الريفية في بلدتنا وما يترتب عمله كل يوم وأسبوع .. أو شهر .
هذا البرنامج اليومي للأعمال المتتالية تبعا للمواسم والأعياد والفصول , والتي انقرض معظمها نتيجة غزو أفكار الإستهلاك , أو قشور الحياة البرجوازية والتي أخذت تتعالى وتحتقر العمل اليدوي . وأخيرا تغيّر نمط الحياة كلّيا .
وقد كانت أكثر هذه الأعمال تتمّ بمساعدة بعضهنّ البعض كأقرباء أو جيران أو صديقات .. , تتمّ بالفرح والقصص والأحاديث والنكتة والغناء أحيانا , لتخفّف من عناء التعب ولإعطاء العمل نكهة وروح التعاون والمشاركة والمحبّة , وهذا كلّه سينعكس ويؤثر بالتالي على العلاقات الإجتماعية الصحّية الصحيحة والسليمة , قبل أن يدمّر النظام القمعي الشمولي المجتمع المدني فيها بعد السبعينات , حيث كانت القرية حينها تقريبا طبقة واحدة من الفلاحين والشغيّلة .
لقد فهمت هذه الأجيال الجديدة أن العلم وحمل الشهادات هو إنسلاخ عن الماضي وتنكّر للطبقة التي أنحدروا منها , وإحتقار للأرض والعمل اليدوي ,وهجروا أرضهم وبساتينهم وتركوها بورا , عوضا أن يسخّروا العلم والتكنولوجيا لتطوير العمل والإنتاج , باستثناء اللصوص الكبار الذين سخروا غيرهم لبناء مزارع خاصة للترف والتباهي .
إن كتابتي الموجزة هذه عن أعمال المرأة الريفية وإنتاجها لا يعني الدعوة للعودة إلى الماضي وصعوباته دون تمحيص ودراسة , بل إلى إحترام العمل والإنسان .. وربط العلم الحديث بالعمل لبناء مجتمع أفضل وإنتاج أكثر .. وإقتصادأكثر تطورا .
هذه هي المرأة الصيدناويّة - الريفية - وصيدنايا هي جزء من الريف السوري الحبيب . هذه هي المرأة النشيطة الإقتصادية والمدبّرة والموفّرة بامتياز .. كم هي فنانة , كم هي إنسانة منتجة وفاعلة في بيئتها ومحيطها ومجتمعها , كم هي متحرّرة وواثقة من نفسها وعزيزة النفس , لأنها ا تعيش وتعمل بتماس الأرض والطبيعة بحرية ودون قيود وحواجز .
وختاما .. هذا ما استطعت أن أسجّله , اّمل أن أكون قد وفّقت في تسجيل هذه المهمّات والأعمال التي مارستها أنا شخصيا كلها تقريبا - ما عدا الحصاد - حتى يوم خروجي من الوطن .. . وقد كانت إحداهّن تقول لي : أنت معلّمة كيف تذهبين إلى الحقول وتحملين السلال وو و ..؟ وبعضهن يشدن , والجواب كان ما العيب من ذلك .. فأنا سعيدة جدا بإنتاجي وعملي هذا وهذا شرف لي , لأن العمل والشغل شرف للإنسان وضروري أيضا وأيضا .أليس كذلك ..؟
إنها حقا أعمالا شاقة ومتعبة ومرهقة أحيانا ,- إنها أيام عمل ونشاط وإنتاج - إنتاج وعطاء ولا مكان للإستهلاك أو التبذير أو الملل والروتين .
إنها المرأة في وطني التي تعمل على الدوام للعائلة .. والمجتمع . .. تعمل بحبّ وتفان وفن وإبداع بالمجّان ولا تأخذ أجرة مقابل عملها هذا , وتكتفي بطعامها ولباسها .. ولا تطمح بأكثر من ذلك لأنها تشعر بقيمتها المعنويّة والإقتصاديّة الأساسية في العملية الإنتاجيّة .. ولأنها تعيش فرح الإنتاج والعطاء والجنى , وهذا ما نسميّه بعلم الإقتصاد البيتي - المنزلي- القائم على صنع المؤونة , أو الإكتفاء الذاتي .. أو الأمن الغذائي ...!
م . مريم نجمه - هولندا
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟