أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلعت رضوان - حامد عويس : من طين الواقع إلى سماوات الفن















المزيد.....

حامد عويس : من طين الواقع إلى سماوات الفن


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 12:44
المحور: الادب والفن
    



فى قرية من قرى بنى سويف كانت طفولة الفنان محمد حامد عويس. بموهبة فطرية صنع من الطين بعض التماثيل للحيوانات التى يراها. وحبه للفن جعله يقف أمام رسوم محمل الحجاج على جدران بيوت الفلاحين ، فطلب من (النقاش) أنْ يقبله صبيًا عنده. ولكن الأسطى النقاش نصحه بأنْ يلتحق بمدرسة الصنايع (قسم النقش والزخرفة) بينما الأب وفق تعبيرالفنان والناقد عزالدين نجيب يحلم ببناء (جسرالعبورالطبقى) بأنْ يلتحق محمد بمدرسة البوليس ليتخرج ضابطًا. يتمرّد الطفل على أبيه ويُقدّم أوراقه إلى مدرسة الصنايع. وتكون صدمته الأولى ، إذْ تم توزيعه على قسم (الحدادة) نظرًا لبنيانه القوى. استسلم لرغبة الأب ودخل المدرسة الثانوية ببنى سويف. وفى أحد الأيام حضرإلى المدرسة مفتش الرسم . ذكرالفنان عزالذى تقابل مع الفنان عويس وكتب عنه كتابه (محمد عويس : الإبداع والثورة) الصادرعن هيئة قصورالثقافة- عام 2003، أنّ مفتش الوزارة أبدى إعجابه برسم محمد الذى طارفى سماوات الفرحة. ثم تجدّد الصدام بين رغبة الفتى العاشق للفن ورغبة الأب الطامح للصعود الطبقى . انتصرالأب وتكون المفاجأة بهزيمة أمل الأب برفض طلب الالتحاق بمدرسة البوليس. مابين تقديم الطلب ورفضه ، كان الفتى يُقيم فى بيت عمته فى حى (أبوالعلا) فكان يعبرالكوبرى ليكون فى حى الزمالك وبه مدرسة الفنون الجميلة. توقف أمام المدرسة (التى كانت فيلا السيدة أمينة البارودى) يتأمل التماثيل الرخامية ومنها تمثال أفروديت. واندهش لأنّ نصفها الأعلى بلا ذراعين . بعد رفض قبوله فى مدرسة البوليس طارفرحًا إلى مدرسة الفنون الجميلة. تموت الفرحة إذْ انتهى موعد قبول الطلبات. يُنقذه أحد الطلاب بنصيحة : إذهب لمقابلة بابا لطيف . هذا الأستاذ (لطيف نسيم) حقق حلم الفتى إذْ أخذه من يده إلى الموظف المختص وطلب منه استلام أوراق الطالب على مسئوليته. فى هذا المناخ السابق على سيطرة الضباط على الحكم ، لم تكن اللوائح مثل النصوص المقدسة. ولم يكن للبيروقراطية وجهها المتوحش مثلما حدث بعد يوليو52.
من المواقف الطريفة التى حكاها الفنان عويس للفنان عز، أنه طُلِبَ منه رسم أباجورة ولم يكن قد سمع هذه الكلمة من قبل ، فسأل أحد الطلبة عن معناها فقال له : اللمبه أم برنيطه. ظهراسمه فى كشوف المقبولين فاتسعتْ أمامه سماوات الفن . ورغم أنه تفوّق فى النحت وفق تأريخ الفنان عزعنه ، فقد اختارقسم التصوير. وفى عام1941تأسس اتحاد الطلبة. ونظرًا لشعبية عويس تم انتخابه نائبًا لرئيس الاتحاد . شارك عويس فى إضراب للطلبة. انتبهتْ التنظيمات اليسارية لنشاطه فانضم للحركة المصرية للتحررالوطنى ذات التوجه الماركسى التى كان يُمثلها بالمدرسة الطالبان وليم إسحق وداود عزيزالذى كان أوّل من وجّه نظرعويس لقراءة الأدب العالمى والفكر التقدمى . فقرأ الأدب الروسى ونظرية النشوء والارتقاء والمادية الجدلية إلخ. ازداد نشاط عويس فى العمل العام العلنى والسرى ، وكلما تذكرأنه تقدّم لمدرسة البوليس كان يتساءل لوأنه تخرّج وأصبح ضابطا : ماذا يفعل وهومُكلف باعتقال الشباب المنتمى إليهم؟ لذلك فإنّ إيمانه برسالة الفن جعل مشروع تخرجه عام44 حول موضوع (الكوليرا وملائكة الرحمة) عن الوباء الذى اجتاح البلاد فى ذاك الوقت. وكتب الفنان عز((كان على عويس أنْ يخوض أول اختبارلقناعاته الثورية من خلال سلاح الفن ، دون أنْ يسقط فى الدعائية. لذلك حاول- على المستوى الجمالى- تطبيق خبراته مستفيدًا من أساليب المدرستيْن التعبيرية والوحشية. وعلى مستوى المضمون كان المشروع تعبيرًا عن مأساة قريته التى نُكبتْ بالوباء)) الواقع المأساوى جعله- فى لحظات اليأس- يشعربأنّ الخلاص يتطلب عملا أقوى من الفن ، فعمل على تجنيد زملائه الفنانين عن طريق تشكيل جماعة فنية باسم (صوت الفنان) عام 45فكان من بين مؤسسيها جمال السجينى وآخرين .
كان عويس مثالا للفنان الذى يتطابق إيمانه النظرى بإبداعه الفنى، فرسم فى أواخرالأربعينات لوحات ذات موضوعات اجتماعية مثل (النسوة الكادحات) والعمال فى المصانع والفلاحين فى الحقول . ثم تطوّربأن حطم التقاليد وامتلك جرأة التشويه والتحطيم للأشكال السائدة متأثرًا بالفنان بيكاسو. فرسم (خروج الوردية)، (عمال الدريسة) إلخ وصوّرالعامل وهو يقرأ والصيادين وهم ينسجون الشباك والفلاح يبذرالحب ويحصد المحصول وبنت البلد على الكورنيش معتزة بأنوثتها وكبريائها والموالد بصخبها والمراجيح بألوانها الزاهية. وجاءتْ كارثة يونيو67 لتُحطم صنم المشروع الناصرى . ووفق تعبيرالفنان عز(زلزلتْ الهزيمة العسكرية- على عكس ماتم الشحن الإعلامى والتبشيرى به- كل القناعات بمصداقية النظام فى تحقيق (مشروع النهضة) أوبامتلاكه للآليات الضرورية لتحقيقه والدفاع عنه وعن الوطن)) (المصدرالسابق ص49) مرّعام على الكارثة. لم يستطع أنْ يمسك عويس الفرشاة. وبعد زوال أثرالصدمة رسم لوحته الملحمية (حماة الحياة) : فلاح عملاق شامخ الرأس كالمارد مُتوّج بمنديل قطنى كالإكليل ، يمسك بمدفع رشاش (لاحظ مغزى المدفع وليس الفأس) مُحتضنًا نماذج مختلفة من الشعب : أم تذهب بأطفالها للمدرسة. عروسان فى موكب الزفاف. حبيبان يتناجيان . أطفال يلعبون . وفى الخلفية تبدومداخن المصانع والمآذن والحقول . إنها منظومة متكاملة للحياة كأنما جاءتْ صورة تذكارية للوطن)) (ص50) ولأنّ عويس فنان أصيل كتب عنه الناقد الإسبانى كارلوس إريان ((إنّ التصويرالذى يُقدّمه لنا محمد عويس يُمثل صوغًا حيًا لمشاكل تُعانى منها البشرية جمعاء ، ألقى عليها الضوء فى لحظة معينة ومكان معين . وخلاصة القول أنه تصورعالمى بقدرعالمية مشاكل النمو والحق المشروع فى الدفاع عن النفس الذى يُواجهه شعبه.. شعب مصر)) (ص51)
خصّص الفنان عزالدين نجيب الجزء الثانى من كتابه المذكورللقراءة النقدية لعدد من لوحات الفنان حامد عويس ، فكتب عن لوحة (الخياطة- 1951) إنها احدى ثماربحثه الجمالى عن بنية تحمل مضمونًا إنسانيًا ، مُتخذًا من عجلة ماكينة الخياطة مركزًا محوريًا للوحة تدورمن حوله حركة الخطوط والعناصرالأخرى، وبتركزالضوء على أحد جانبىْ وجه الفتاة ، فيما يبقى الجانب الآخرمظلمًا. ويُحدد خط الشفتيْن والذقن وضعًا جانبيًا لوجه آخر، وتستمرمساحة الضوء تحت ذقن الفتاة مشكلة قوسًا ضوئيًا عريضًا يُحيط بعجلة الماكينة التى تُديرها الفتاة ، بينما تلتف اليد الأخرى كأنما تحتضن الماكينة التى تُمثل شريان الحياة بالنسبة لها. وقد عمد الفنان إلى تحريف نسب الجسم والأعضاء لتأكيد الحركة الدائرية للخطوط التى رأى أنها ضرورية لإحكام التلوين حول مركزاللوحة. أما فى لوحة (الحلاق 1955) فقد تخفّف الفنان تدريجيًا من هيمنة الموضوع السياسى المباشر. نرى الزبون مُستسلمًا للحلاق ، وعلى مافى اللوحة من بساطة إلاّ أنها لاتخلو من رمزأودلالة تتراوح بين الرضا والاستسلام– تحت حد الموسى- للعهد الجديد (= سيطرة العسكر) بكل سطوته. وفى لوحة (عروسة المولد 1958) تأكيد على إهتمام عويس بالثقافة القومية المصرية ((راصدًا لمظاهرالاحتفالات والعادات والتقاليد الشعبية كمكون رئيسى للشخصية المصرية)) (من ص61- 80)
والفنان عويس (مثل معظم أبناء جيله) درس وتأمل بعمق تاريخ الفن المصرى القديم ، فانعكس على الكثيرمن لوحاته. وهوالأمرالذى انتبه إليه الناقد والفنان عزالدين نجيب الذى ذكرأنّ عويس وعى أهمية الفن المصرى القديم ، ويكن له إعجابًا فائقا ويعده أستاذه الأول . وعندما رسم عويس بورتريه لوالده كان ((يُذكرنا بالوضع الجانبى للوجه فى الفن المصرى القديم)) وفى لوحة التعميرتوحى حركة العمال باستمرارية العمل ، وتّذكرنا بالرسوم المصرية القديمة على الجدران. وأنّ عويس (سليل المصريين القدماء انفرد بالطابع النحتى العملاقى المحفوف بالمهابة والرسوخ مُتأثرًا بفن جدوده) ولوحاته (فلاحات)، (أعياد الميلاد) إلخ تُذكرنا ((بأسلوب النقش البارزفى الفن المصرى القديم)) (مصدرسابق- أكثرمن صفحة) لذلك لم تكن مصادفة أنْ يتم عرض لوحاته فى أكثرمن عاصمة أوروبية وأنْ يكتب عنه كثيرون من النقاد الأوروبين وأنْ يحصل على أكثرمن جائزة دولية ، باعتباره أحد رواد الفن التشكيلى فى العصرالحديث وحفيد أصيل لجدوده المصريين القدماء الذين أبدعوا مهد الحضارة الإنسانية.
*****



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ختان البنات وغياب الوعى بعلم المصريات
- أتكون الثورة نكبة على شعبنا ؟
- حسن حنفى : الفلسفة بعمامة الأصوليين
- المرأة المصرية بين ثقافتيْن
- عبد الوهاب المسيرى وحكاية العلمانية الجزئية
- نبى العروبة والصحابى الأول
- هل العروبة لصالح مصر والعرب ؟
- العقل المُغيّب منذ طفولة البشرية
- صلاح الدين الأيوبى وعبادة الفرد
- جدل العلاقة بين التعصب والتسامح فى (المهدى)
- أنور عبدالملك ورؤيته لنهضة مصر
- الإسلام الصحيح فى حوزة من ؟
- حميمية العلاقة بين الموت والحياة
- التراث الإنسانى بوجدان وعقل الأنثى
- يونيو67، يونيو2012
- هل العلمانيين واليسارالإسرائيلى خرافة؟
- هل سينحاز الرئيس للعدالة أم للسلطة ؟
- من بعيد : نور من عصر التنوير المصرى
- الشعر عندما يكون مصرى اللغة والوجدان
- الغزو العربى وكيف تعامل معه المؤرخون


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طلعت رضوان - حامد عويس : من طين الواقع إلى سماوات الفن