أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فريد العليبي - الربيع العربي و زمهرير جهنم .















المزيد.....



الربيع العربي و زمهرير جهنم .


فريد العليبي

الحوار المتمدن-العدد: 3784 - 2012 / 7 / 10 - 11:20
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


تصنع المفاهيم و المصطلحات من طرف مبدعيها ، و يحصل ذلك في علاقة بتمشي إجرائى القصد منه طلب الحقيقة حينا أو في صلة بايدولوجيا زائفة تنشد مصلحة أحيانا أخرى ، فتثير دخانا حول حدث ما لتحقيق مطلبها الذي تحرص على إخفائه وراء الحجب ، و هو ما يصح بوجه خاص في حقل السياسة ، وغالبا ما تصنع المخابر الإيديولوجية مفهوما أو مصطلحا ما ، و تفرضه فرضا على المتلقي عبر آليات التكرار و الاجترار .
و لا يخرج مصطلح " الربيع العربي " عن هذا الذي نقوله فقد تسلل شيئا فشيئا إلى الصحافة و الفكر السياسي وحتى إلى الفلسفة ، و هو ما يمكن معاينته في الكتابات حول الانتفاضات العربية ، التي أصبح هذا المصطلح يحيل إليها ، ضمن دلالات مشحونة برموز مكثفة تختزل قراءة ما و تسعى لضمان رواجها و انتشارها .
لقد وظف مصطلح " الربيع العربي " للإحالة إلى أحداث عرفتها بعض الأقطار العربية و تم التوظيف رئيسيا من طرف مراكز البحث و المؤسسات الإعلامية في أوربا و أمريكا و شق طريقه بعد ذلك إلى العرب و غيرهم من الشعوب و الأمم ، و هو يلقى الآن رواجا متزايدا بما يشبه التسليم به ، أما الانتقادات الموجهة إلى استعماله فلا تلقى انتشارا ، و غالبا ما يجرى تجاهلها ، من هنا حاجة هذا المصطلح إلى التفكيك و تسييج دلالاته و إخضاعها إلى الفحص و من ثمة إلى النقد .
ليس في وارد الحديث هنا تفصيل الوقائع التي يرمز إليها المصطلح، و نكتفي بالقول إلى أنه يحيل إلى الوقائع التي بدأت في سيدي بوزيد مع حرق البوعزيزى نفسه و ما تلاها حتى هذه اللحظة ، و ما تخلل ذلك من أحداث كبرى مثل هروب بن على ، و تنحى مبارك ، و مقتل القذافى ، و محاولة اغتيال على عبد الله صالح و تسليمه مقاليد الأمور إلى نائبه بعد ذلك .
و الدلالة الأكثر رواجا التي يتلبسها المصطلح تفيد أن الأمر يتعلق بثورة عارمة متفردة في التاريخ أطاحت بكل التصورات الدغمائية السابقة عن الثورات الكلاسيكية ، لم تقم بها طبقة و لم يقدها حزب و لا نقابة ، بل هي أساسا ثورة شبابية ضد الاستبداد و الدكتاتورية دعمها الشعب كله سلمية الطابع خالية من المؤثرات الإيديولوجية ، متعلقة بأهداب الديمقراطيات الغربية و نمط حياة شعوبها ، فالاستبداد هو الذي فجر لهيبها ، إستعملت وسائط الاتصال الحديثة ، و خاصة شبكات التواصل الاجتماعي ، و هي " ثورة مباركة " تطلب الحرية و الكرامة ، و قد أمكنها تحقيق ذلك خاصة في تونس و مصر و ليبيا و اليمن حيث انتهى " العهد البائد " و قتل أو عزل أو هرب " المخلوع " و أصبحت " سنوات الجمر" مجرد ذكرى أليمة ، و تنفس الشعب عبير الحرية ، لذلك لا تجوز المطابقة بينها و بين أية ثورة سابقة ، و من هنا توصيفها الربيعي الذي يحيل إلى الصفاء و الاعتدال والجمال و ما شابه ذلك.
و بالعودة إلى التاريخ نلاحظ أن مصطلح الربيع قد شق طريقه إلى الفكر السياسي في قراءة لما شهدته أوربا سنة 1848 من انتفاضات و ثورات في عدد من البلدان مثل فرنسا و ايطاليا و بلجيكيا و ألمانيا و بولونيا و المجر و النمسا ، عندما احتدم الصراع بعد حوالي ستين عاما من الثورة الفرنسية بين الشعوب و الأنظمة الملكية ، فقد اتخذت الأحداث مسارا يشبه ثورة برجوازية جديدة كانت بمثابة رد فعل على مؤتمر فينا المنعقد بين سنتي 1814 و 1815 ، و الذي تم خلاله إقرار إعادة الاعتبار إلى العروش الملكية في شتى البلدان التي سبق لفرنسا احتلالها خلال الحروب النابليونية ، و إعادة رسم الخريطة الأوربية بعد هزيمة نابيلون في واترلو ، بمعنى أن الصراع كان يجرى بين قوتين رئيسيتين إحداهما تريد ترميم النظام الملكي بينما تريد الأخرى إنشاء أنظمة جمهورية ، و توحيد الممالك و الإمارات المتناثرة في دولة مركزية قوية ، و القضاء نهائيا على نمط الإنتاج الإقطاعي و مؤسساته السياسية و الحقوقية و غيرها .
و خلال تلك الانتفاضات سقط ملوك و سالت دماء و استقلت بلدان و توحدت أخرى ، و حدثت تغيرات في الدساتير و القوانين ، و تصاعدت المشاعر القومية ، و نشأت أحلاف و تدخلت جيوش بلدان في بلدان أخرى ، و حدثت بعدها انقلابات عسكرية و كانت العدوى الثورية قوية ، فما أن يتحرك المنتفضون في بلد حتى يكون لذلك رجع الصدى في بلدان أخرى قريبة .
و قد أستعمل مصطلح الربيع بعد ذلك لتوصيف ما حدث في تشيكوسلوفاكيا سنة 1968 عندما حاول الليبرالي الكسندر دوشباك الخروج عن المنظومة الشرقية ، و انتهاج سياسة اقرب إلى الغرب مما استدعى تدخل قوات حلف وارسو ، التي وضعت حدا مبكرا لهذا الربيع .
و فضلا عن هذا وظف المصطلح لتوصيف ما حدث في أوربا الشرقية في أواخر الثمانينات و بداية التسعينات من القرن الماضي ، و إذا كان ربيع براغ قد انتهى إلى الفشل فان ربيع أوربا الشرقية قد حالفه النجاح من زاوية النظر الليبرالية ، و هو ما تزامن مع تفكيك " المنظومة الاشتراكية " و حلف وارسو و سقوط جدار برلين و ما تبع ذلك من تفكيك للاتحاد السوفياتى نفسه ، و جرى الحديث هنا عن تقويض أنظمة شمولية يحكمها ديكتاتوريون أشرار سلبوا الشعوب الكرامة وراء ستائر من حديد .
و أستعمل جهاز التلفزيون بشكل خاص لكي ينقل مباشرة وقائع ذلك الربيع بما في ذلك مشهد مقتل تشاوسيسكو و زوجته بالرصاص أمام عدسة الكاميرا ، بعد أن أصدرت مجموعة من الضباط الأمر بإعدامهما ، و كانت القنوات التلفزية العالمية تنقل الحدث مثلما تنقل مباريات كرة القدم لمئات الملايين من البشر ، المذهولين أمام سرعة و غرابة و فجيئية ما جرى ، فقد تقوضت سلطات كانت تبدو قوية و متماسكة في لمح البصر ، و استوت في ذلك ألبانيا أنور خوجا و ألمانيا اريك هونيكر.
و تم إبراز قادة ليبراليين من بين الساسة و المثقفين و النقابيين مثل ليش فاليسا في بولونيا و فاكلاف هافل في تشيكوسلوفاكيا و صالح بيريشا في ألبانيا ، للصعود إلى السطح و استلام مقاليد الأمور، و في بعض الأحيان تم استعمال قادة سابقين من المغضوب عليهم ضمن النظام السياسي نفسه ، و كلما استحال تحقيق الهدف بليونة تم استعمال الأسلحة بضراوة و كانت إثارة التناقضات العرقية خاصة في البلقان عاملا مساعدا ، و في الحالة اليوغسلافية تتطلب الأمر تدخل الناتو لتفكيك البلاد ، و اعتقال رئيسها الذي انتهى ميتا في سجنه بلاهاى .
و ما ذكرناه يصح على الحالة العربية سواء من حيث توظيف التلفزيون الذي وصل إلى حدود تركيب مشاهد لاصطناع أحداث غير موجودة واقعيا أو من حيث تسارع نسق العمل الانتفاضي و انتشاره الواسع ، فقليلة هي تلك البلدان التي لم يشملها ذلك العمل بغض النظر عن النتائج الحاصلة ، فمن تونس إلى مصر و الجزائر و سوريا و العراق و اليمن و المغرب و البحرين الخ.... انطلقت عاصفة عاتية تذكر بنظرية الدومينو ، و ليست هذه هي المرة الأولى التي نعاين فيها بقعة زيت و هي تكبر و تتسع على الصعيد السياسي عربيا ، فقد شهدت الأقطار العربية في الخمسينات و الستينات ما يشبه هذه العدوى ، و ان بنسق أقل وقعا ، عند حصول عدد من الانقلابات العسكرية وما رافقها من إصدار البيان الأول ، و تشكيل مجالس قيادة الثورة ، و إعلان الالتزام بتحرير فلسطين و تحقيق الوحدة العربية و الإصلاح الزراعي و الاشتراكية الخ ...كما شهت قبل ذلك مظاهر مماثلة و نعنى المقاومة المسلحة التي واجهت دخول المستعمرين الغربيين الوطن العربي .
و إذا ما قارنا بين ربيع الشعوب الأوربية و ربيع أوربا الشرقية من جهة و " الربيع العربي " من جهة ثانية فإننا نلاحظ أنه في حالة ربيع الشعوب الأوربية خلال القرن التاسع عشر كانت الحصيلة ايجابية بوجه عام ، رغم بعض الإخفاقات الظرفية ، فالأمر يتعلق بثورات و انتفاضات فعلية ، مكنت تلك الشعوب من تحقيق تقدم تاريخي ، تمثل في تخطى أطر اقتصادية و اجتماعية وسياسية و إيديولوجية متخشبة ، و الاستعاضة عنها بأطر جديدة ساعدت على انطلاق القوى المنتجة نحو أفق أرحب .
و في حالة ربيع أوربا الشرقية تعلق الأمر بتفكيك بلدان و تقسيمها على أسس عرقية غالبا مثل يوغسلافيا و ألبانيا و تشيكوسلوفاكيا ، بينما استعادت ألمانيا وحدتها . و قد أصبحت تلك البلدان أكثر ارتباطا بالحلف الأطلسي و الاتحاد الأوربي . وهى لئن حصلت على مكاسب على صعيد الحريات السياسية فإن أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية ازدادت سوءا .
لقد اكتوت شعوب أوربا الشرقية بلفحات ربيعها الكاذب ، و أصبحت بلدانها كواكب تدور حول شمس الامبريالية الأمريكية الحارقة ، فلا ازدهار اقتصادي تحقق ، و لا بطالة تم القضاء عليها ، و المكسب الوحيد كما ذكرنا هو بعض الفتات الديمقراطي الذي يستعمل غالبا لإلهاء الكادحين عن قضاياهم الفعلية ، بما يشبه نطاح أكباش ، كل أربع أو خمس سنوات ، يفضى إلى تداول مجموعة من اللصوص على حكم الشعب ، وسط تهليل مؤسسة كارتر للديمقراطية و مثيلاتها .
و من هذه الزاوية فإن الربيع العربي أشد شبها بربيع أوربا الشرقية ، منه بريع الشعوب الأوربية في القرن التاسع عشر ، فالمنجز الوحيد هو الحرية السياسية بينما تتخبط سائر الأقطار التي شملها بشكل رئيسي ذلك الربيع في أزمة اقتصادية و اجتماعية و سياسية ما فتئت حدتها تتفاقم و تتسع ، و يهدد الوضع بإنفجارات كبرى هنا و هناك .
و برأينا فإن الأسباب التي تفسر هذا الاختلاف الكبير بين ربيع أوربا الشرقية و "الربيع العربي " من جهة و ربيع الشعوب الأوربية تكمن في أن وقائع الربيع هنا و هناك لم تتم في عصرين متشابهين و إنما في عصرين مختلفين تمام الاختلاف ، فالربيع الأول تم في عصر الرأسمالية التنافسية ما قبل الامبريالية عندما كانت البرجوازية تقاوم الإقطاع و تدفع باتجاه التقدم تاريخيا ، بمعنى أنها تطلب تغير الأوضاع فعليا ، أما الربيع الثاني بوجهيه الأوربي الشرقي و العربي فإن العصر المحيط به هو عصر الامبريالية حيث غدت البرجوازية في البلدان الرأسمالية طبقة محافظة / طفيلية / احتكارية تسعى إلى تكريس الأوضاع القائمة جوهريا و حراسة ديمومتها ، و هي لا تقوم بذلك في المراكز التي تعد حصونها التقليدية و إنما أيضا في أطرافها الخاضعة لهيمنتها ، و التي منها تستمد العديد من عوامل استمرارها ، و نعنى بالأخص السيطرة على الخامات و الأسواق . أي إن ما تم عربيا و في أوربا الشرقية متماثل من حيث الهدف الاستراتيجي الذي رسم للربيع ، و هو إعادة رسم خارطة منطقة ما بما يتوافق مع المصالح الامبريالية ، و ذلك باستغلال انتفاضات الشعوب و توقها إلى الحرية ، في دلالتها السياسية و الاجتماعية .
و في الحالة العربية موضوع اهتمامنا كان المنتفضون يطلبون الحرية بوجهيها الاجتماعي و السياسي ، و بالتالي الخلاص من أنظمة فاسدة ، و عندما قوي ساعدهم و أصبح أعداؤهم في وضع حرج تدخلت الامبريالية لتنظم عملية إنقاذ بالتخلص من المظهر و الحفاظ على الجوهر ، حتى لا تفقد السيطرة على المنطقة برمتها . لقد انطلق الشعب مثل طوفان و كان على الرجعية إقامة الحصون و الحواجز و السدود لتعديل سيره ، حتى لا يقتلع كل شئ فى طريقه ، و من ثمة السيطرة عليه بل و الاستفادة من مياهه ، و إذا تواصل هذا الاتجاه و تكلل بالنجاح فإن مصير الانتفاضات العربية لن يختلف كثيرا عما شهته بلدان مثل الفلبين و اندونيسيا حيث نجحت عملية الإنقاذ تلك .
و من هنا فإن الحديث عن ربيع يصبح فاقدا لمضامينه الحقيقية إن لم يكن في تناقض تام معها فـ " الدجاج ُ ، وحده ، سيقول : ربيعٌ عربيّ " عندما ترمم الأنظمة نفسها و يقتصر الأمر على تعويض الوجوه القديمة بوجوه جديدة ، لا تختلف عنها نوعيا من حيث ارتباطها بالامبريالية ، و عندما يغرق الشعب في الفقر و تتكدس أعداد المعطلين عن العمل و يتقاتل المضطهدون و ينهشون لحم بعضهم البعض ، و هو ما ألمحنا إليه سابقا فالأمر لا يتعلق بربيع و إنما بشتاء قارس يذكر بزمهرير جهنم .
و قد تم التركيز بشكل خاص على الطابع العفوي للربيع العربي ، و هو ما يصح أيضا على ربيع أوربا الشرقية ، ربما لإخفاء الدور الأمريكي و الأوربي الغربي فالأوضاع كانت تدار في جانب منها من وراء الستار، و كلما قوى ذلك التدخل الخارجي كلما قوى الحديث عن عفوية الحدث . لقد كان هناك تنظيم هنا و تنظيم هناك ، و تنظيم الجماهير هزم مبكرا بالنظر إلى ضعفه الشديد ، بينما قوى تنظيم أعدائها لأسباب تتعلق رئيسيا بطبيعة الوضع ، فعندما تتدخل دول كبرى في مجرى الصراع و توظف أجهزة قوية داخليا تعمل لصالحها فإن مهمة الشعب تصبح صعبة و ينتصر تنظيم الرجعية .
و من ثمة يمكن القول أن هناك تماثلا كبيرا بين الربيعين ، بما يفيد أن الخطة نفسها في خطوطها العريضة على الأقل قد وضعت موضع التنفيذ في مكان ثان بعد نجاحها في المكان الأول ، و ربما ستتكرر في مناطق أخرى خاصة في بلدان مثل الصين و إيران و كوريا الشمالية و كوبا و فيتنام ، و لكن المصاعب التي ستواجهها تلك الخطة ستكون أكبر بكثير مما واجهته إلى حد الآن .
إن ما تم في أوربا الشرقية و البلاد العربية يمثل في جانب كبير منه انقلابات مزدوجة نظمتها الامبريالية ، فقد خدعت من جهة الجماهير التي اغتالت ثورتها و هي تدعى انتصارها ، و قطعت عليها طريق تحررها ، و من جهة ثانية فقد انقلبت على وكلائها المحليين من الحكام بعد تقديرها أن صلاحيتهم أضحت منتهية .
و إذا كان ما تحقق في أوربا الشرقية قد تم بتوظيف قوى ليبرالية مرتبطة بالغرب فإن ما يتم عربيا يحصل رئيسيا بتوظيف اليمين الديني ، الذي يبدو في تناغم غير خفي مع المشروع الامبريالي الذي يستهدف إعادة رسم خريطة الوطن العربي في مرحلة ما بعد " الحرب الباردة " ، و المشكلة على هذا الصعيد ليست في الوسيلة و إنما في الغاية فدرس ماكيافال يجرى هنا تطبيقه بنجاح دون إعارة اهتمام يذكر إلى الجانب الأخلاقي .
لقد كانت الأيام الأولى من عمر الانتفاضة التونسية أياما جميلة بحق ، فعلى الرغم من صوت الرصاص و القمع و الاعتقالات ، كان الناس متضامنين متكاتفين متآخين ، و بدت القرى و الأحياء و المدن موحدة في مواجهة القمع ، و كان الناس يتناقلون الأخبار و يصافحون بعضهم البعض بحرارة ، و تواصل هذا حتى الأيام الأولى التي تلت هروب بن على ، و عندما جاءت القافلة الأولى إلى سيدى بوزيد كان المشهد أقرب إلى عرس ، أجيال من المناضلين التقت في طريق الثورة ، أغان وزغاريد و موائد غداء ، فقد كان للانتفاضة قيمها النبيلة .
ثم جاءت قوافل سوداء ، و ضخت الأموال في شرايين أحزاب و جمعيات فاسدة ، و بدأت عمليات البيع و الشراء ،و وظف المهمشون غالبا في المعركة لقاء المال، و مزق الشعب إربا ، و انتشرت المواجهات في مختلف الساحات بما في ذلك الجوامع ، و شيئا فشيئا تمكن أعداء الانتفاضة من فرض سيطرتهم في بعض المواقع و نشروا الحقارة و السفالة و النذالة والوقاحة ، و أضحى الجميع يتوجس خيفة من الجميع ، و بدأت حرب الكل ضد الكل تدق نواقيسها و تذكر الضحايا أن الإنسان ذئب للإنسان . و يبدو أن للثورة ايتيقاها مثلما للثورة المضادة ايتيقاها أيضا و هما متضادتان .
إن ما قلناه إلى حد هذه اللحظة و نحن نسائل مصطلح الربيع العربي يترتب عنه إدراك مستوين في فهم ما حدث ، أولهما حركة المنتفضين المصممين على إسقاط النظام و استرجاع الأراضي المنهوبة و نيل الشغل والحرية ، و أما الثاني فيتعلق بتصميم الامبريالية على استثمار الحدث لإعادة ترتيب الأوضاع ، بما يسمح لها بمواصلة هيمنتها بأشكال أخرى، و هذان الطرفان غير متكافئان من حيث القوة ، فميزان القوى مائل لصالح الامبريالية على مستوى العالم كله ، لأجل هذا فإن قطع الطريق على الانتفاضات العربية و الحيلولة دون تحولها إلى ربيع الشعب و الثورة ، جعل من ذلك الربيع ربيعا امبرياليا حتى هذه اللحظة على الأقل ، و هو ما تتوفر على البرهنة عليه شواهد عدة .
و بالعودة قليلا إلى الوراء نلاحظ أنه منذ أعلن بوش الأب عن ضرورة بناء نظام عالمي جديد غداة انهيار الاتحاد السوفيتي ، ثم ما تلا ذلك عربيا من حديث عن الشرق الأوسط الجديد تارة و الكبير تارة أخرى ، بدأت سيرورة إعادة رسم الخارطة الدولية و العربية ، و ترافق هذا مع كم مهول من التحليلات و الندوات و المؤتمرات ، و وقعت بعض المعارك الصغيرة هنا و هناك ، و بدا لبعض الوقت أن المشروع الامبريالي لم ينجح و أنه منى بفشل ذريع ، و اعتقد كثيرون أن حبل تلك السيرورة قد انقطع غير أنها عادت مع " الربيع العربي " إلى السطح بقوة ، لا في شكل دعوات هذه المرة ، بل في شكل أفعال يرافقها صليل السلاح .
لقد كانت الأجهزة الاستخباراتية و الإستراتيجية و الأمنية و العسكرية تعمل بصمت لتجسيد تلك السيرورة ، متحينة الفرصة المواتية للانقضاض على فريستها . فمنذ تدشين العولمة كان الانعطاف ناحية تفكيك الوضع القديم و فرض بدائل جديدة بالاستغناء عن خدمات السلطات السياسية القائمة ، و خاصة تلك التي جاءت نتاج انقلابات عسكرية و ارتبطت بالاتحاد السوفياتي ، عسكريا و اقتصاديا و سياسيا ، حيث اتخذ الربيع العربي هنا طابعا دمويا ، و الملاحظ أن الأنظمة الأكثر ارتباطا بالامبريالية الأمريكية ظلت في معظمها خارج دائرة التغيير ، رغم ما شهدته من عمل انتفاضي ، الذي لو توفر له العامل الخارجي المناسب لكانت نتائجه غير مختلفة عما عرفته ليبيا مثلا .
و هكذا فقد ارتبط الربيع العربي بإعادة ترتيب وضع النظام العالمي في كليته ، فالجزء العربي لا يمكن قراءته في انفصال عن الكل العالمي ، و للغرض تم توظيف بارديغم الاستبداد على النحو الذي أضحى فيه ذلك الربيع يقرأ على ضوئه ، فقد تلاشت في الصحف و قنوات الفضاء المطالب الاجتماعية التي هي المفجر الحقيقي للانتفاضة التونسية مثلا ، و حضر مفهوم الديمقراطية في دلالته الليبرالية الهجينة ، و لا تخفى الغاية من ذلك و هي ربط ما حدث بما تريده الامبريالية ، التي استعملت بخداع هذا المفهوم ، حتى تدرك السيرورة التي ألمحنا إليها أعلى مراحلها ممثلة في ترميم النظام فيعود الوضع إلى ركوده الذي عاش عليه مئات السنين .
و على خلاف ما يجرى ترديده ، فإننا نرى أن الديمقراطية المعنية هنا تبدو مجرد وسيلة متلبسة مضامين مغشوشة ، و عوضا عن انتشار قيم المواطنة و حقوق الإنسان و المساواة و العدل و الحرية فإننا نلاحظ أنه بين أرجاء تلك السيرورة ينتشر التعصب والتكفير بنسق غير مسبوق . و في عملية إعادة بناء النظام الامبريالي ككيان كوسموبوليتى تبدو حدود الأقطار العربية قابلة للتصرف من جديد و ما كان يعد سيادة وطنية معترفا بها من طرف الهيئات الدولية أصبح أثرا بعد عين ، و في كل يوم تسمع تصريحات علنية تفيد ذلك وصولا إلى التدخل المباشر برا و بحرا و جوا بتزكية الأمم المتحدة أو بدونها . و تبدو الآلة العسكرية الامبريالية جاهزة للعمل في أي مكان ، و لا توقفها غير بعض التعقيدات الظرفية ، خاصة عندما يتعلق الأمر بتناقض المصالح بين الكتل المتصارعة .
لقد كان لبناء الاشتراكية في روسيا و الصين و كفاح الأمم المضطهدة الأثر الكبير في زعزعة النظام الامبريالي العالمي ، كما كان للحروب المستعرة بين الدول الامبريالية و خاصة الحرب الأولى و الثانية انعكاساتها على ذلك النظام و لكن إلى حين ، فقد نجح في إعادة الأمور إلى نصابها بعد وقت قليل فعادت له عافيته ، و هو الذي يحدد الآن مسار الأوضاع العالمية ، و عندما يتعلق الأمر بوجود بؤر مقاومة تؤرقه و تتمرد على بعض سياساته و تبعثر أوراقه ، و لو بشكل طفيف ، فلا بد من التحرك لفرض الطاعة كاملة فالنظام يجب أن يسوده الانسجام .
و الامبريالية حريصة على فرض ذلك النظام من خلال توظيف قوى محلية تعمل لفائدتها في كل بلد و عندما لا تتمكن تلك القوى من فرض سيطرتها فإن المعركة التي بدأتها تستغل من طرف الامبريالية لكي تتدخل جهارا ، و تفرض تعويض العملاء القدامى بعملاء جدد و يجرى ذلك تحت لواء الحرية و العدالة و الديمقراطية ، و إنقاذ شعب من الإبادة و الهدف الاستراتيجي هو ديمومة النظام الذي تمارس فيه الولايات المتحدة الهيمنة ، لذلك تجد قوى امبريالية أخرى مثل روسيا و الصين بشكل خاص نفسها متضررة من هذا الوضع ، فتحاول عرقلة تقدم الخصم نحو حدودها ، و ربما تجريب ربيع آخر في هاتين الدولتين ، بل إن محاولة فاشلة قد تمت على هذا الصعيد ، و نعنى ما أصطلح عليه بربيع تيان آن مين سنة 1989في قلب العاصمة بكين .
و لا حاجة للقول أن التدخل الامبريالي المباشر لفرض النظام تحت دعاوى إيديولوجية مثل نشر الديمقراطية الليبرالية ، يأتي في تعارض مع ما كانت تروجه الامبريالية عن عدم جواز التدخل في بلد آخر لحماية الاشتراكية ، و هو ما قام به حلف وارسو في براغ سنة 1968 فما كانت آلتها الإعلامية تندد به سابقا تبرره حاليا ، و لا نعرف ماذا ستقول تلك الآلة غدا لو تدخلت إيران مثلا لحماية الأقلية الشيعية في بلد آخر مثل البحرين أو السعودية لأسباب دينية مذهبية ؟
إن البرجوازية تنجب حفار قبرها هكذا قال كارل ماركس قبل حوالي قرن و نصف و الآن فإن الامبريالية تخاطر بأن تحفر هي نفسها قبرها بيدها ، فبقدر ما تعمل على إنقاذ نظامها فإنها تزرع في نفس الوقت الاضطراب و الفوضى بين جنباته ، بل إنها تتقصد أحيانا تلك الفوضى لكي تحصد النظام و الانسجام و الديمومة ، غير أنها بتمزيقها كيانات قائمة و إنشاء كيانات جديدة وإعادة رسم الخرائط القديمة و اقتسام مناطق النفوذ لا تنجح دائما في فرض سيطرتها ، بل إنها تطلق يد قوى جديدة من أسرها ، و للتاريخ مكره فالمخلوق يفلت من قبضة الخالق و يحث الخطى لإزهاق روحه .
و غنى عن البيان أن فهم " الربيع العربي " يقتضى الإبانة عن علته الأساسية التي نراها في الأزمة المالية العالمية المعممة ، والتي تهدد بالتحول إلى أزمة اقتصادية شاملة بانعكاساتها السياسية و الاجتماعية و الثقافية و العسكرية ، فالامبريالية لم تبق مكتوفة الأيدي حيال ذلك ، بل تحركت لإيجاد أيسر السبل لمواجهة الوضع ، و قد تكون وجدت ذلك رئيسيا في الاستعمار و الحرب ، و من المرجح أنها كانت تتجه إلى إيجاد مخرج ما من الأزمة التي كانت نذرها قد لاحت قبل ذلك بسنوات ، فكان غزو القوات الأمريكية و حلفائها العراق سنة 2003 ، و ما جد بعد ذلك خضع لآلية التحكم في الأوضاع للوصول بها إلى نتائجها المرجوة ، و بعد النجاح الأول كان لا بد من تعميم التجربة و اتخاذ العراق نقطة ارتكاز للقيام بالهجوم الاستراتيجي الشامل و تحقيق نجاحات أوسع ، و هو ما تم باستغلال الانتفاضة التونسية التي كانت مقدماتها معروفة للأمريكيين و الفرنسيين خاصة ، فمنذ 2008 ارتسمت ملامح انتفاضة واسعة مع ما عرفته منطقة المناجم من احتجاجات عارمة ، تردد صداها في جهات أخرى بحجم أقل ، ثم كانت الهزة العنيفة في سيدى بوزيد و ما تلاها . و عندما نتحدث عن النظام في كليته فإن الأزمة في مركزه تحدث شقوقا و تصدعات كبرى في أطرافه ، إذ غالبا ما يتم تصدير الأزمة من المركز إلى الأطراف للبحث عن حلول عاجلة ، بمعنى أن البحث عن حلول لتلك الأزمة يتم أولا في البلدان المستعمرة و شبه المستعمرة .
كان المطلوب مزيد إحكام السيطرة على المنطقة ، ذات الموقع الاستراتيجي المهم على الخارطة العالمية ، و بسط النفوذ على منابع الخامات خاصة البترول و الغاز و فتح أسواق استهلاكية جديدة و تحقيق هيمنة أكبر للبنوك العالمية ، أي فتح السبيل أمام نمو جديد للقطاع المصرفي و إنعاش المركب الصناعي العسكري ، فالامبريالية تجدد شبابها كي لا تغدو عجوزا متهالكة ، و كانت في انتظار فرصة سانحة و هي تعرف أنها لن تتأخر كثيرا فالنظام الرسمي العربي كان في النزع الأخير ، فقد أصبح بالإمكان ملاحظة أن الأنظمة العربية قد فات زمانها فتخشبت و هرمت و أصبحت تعتمد رئيسا على القمع لكي تستمر.
و في الموروث الفلسفي العربي نجد تحليلا لحال أنظمة الحكم تلك ، من ذلك ما قاله الفارابي و ابن رشد في شأنها ، فبرأي الفارابي يعد الحكم الذي يعتمد على القمع لكي يستمر " أدون سياسات الجاهلية " ، أما ابن رشد فقد وصف نظام حكم الأقلية الثرية ( الأوليغارشية المالية ) بأنه نظام عصابة تنهب الشعب لكي تغتني ، فهو حكم ضال ليس له من غاية غير ما هو شخصي و فئوي ، و في تونس كان هناك تداخل بين هذا النمط من الحكم وما يسميه ابن رشد " حكم وحداني التسلط " الذي يطلب الثروة و اللذة و الشهرة و الطغيان، فبن على كان يمثل الحاكم المتسلط ، السكران بحكمه ، الواثق بجبروته ، و عندما ينضاف الطغيان إلى نهب الثروات من قبل عصابة محترفة و استغلال ملايين الكادحين فإن الثورة تكون الأفق الوحيد ، " و إذا اتفق أن كان هؤلاء الرؤساء لا يقسمون فيهم بالعدل هذه الأموال المـأخوذة منهم ، و كانوا يتسلطون عليهم ، كان ذلك أشد قسوة على العامة ، و عندها يعملون للإطاحة بهؤلاء الرؤساء " .
و اللافت على هذا الصعيد ما ذكره آخر رئيس وزراء في عهد بن على من أنه كان متأكدا أن أبواب جهنم كانت ستفتح عاجلا أم آجلا جراء ما كانت تقترفه عصابة الطرابلسية ، و هو ما لا تنكره على أي حال ليلى الطرابلسي نفسها ، التي تعترف في كتابها حقيقتي أن عائلتها كانت كعب أخيل بالنسبة إلى سلطة زوجها .
و لا نخال الوضع العربي مختلفا كثيرا عن الحالة التونسية فهو في معظمه نظام " بيوتات " كما يسميه ابن رشد ، أي نظام عائلي تتحكم بمفاصله بعض الأسر المتنفذة ، و هي التي تشكل أشباه تلك العصابة التي انصب عليها غضب التونسيين ، فالنظام العربي الرسمي الذي ساد طيلة عقود غدا نظاما متهاويا كما ذكرنا ، و لكنه كان الابن الشرعي للاستعمار الجديد مما منحه فرصة أطول للبقاء ، و عندما دقت ساعة انهياره ساعدته الامبريالية على السير الى حتفه ، و لكن دون مساس بالأسس التي يقوم عليها ، و من ثمة عملية الترميم المشار إليها آنفا ، فالمطلوب كان الترميم لقطع الطريق على التحطيم و بناء الجديد ، و بالتالي إدخال تغييرات شكلية عليه ، بما يعنيه ذلك من بعث الروح في عظامه و هي رميم .
و اللافت أنه في قلب الحدث أصبحت الجامعة العربية رأس الحربة في تخريب نظام أوجدها أصلا لحمايته ، لقد أدركت الامبريالية أن تجديد شبابها يعنى في ذات الوقت تجديد شباب ذلك النظام نفسه و إن تطلب الأمر تضحيات مؤلمة بأشخاص طالما كانوا صادقين في إسداء الخدمات على مدى عشرات السنين في منطقة تعد من أشد المناطق اضطرابا في عالمنا .
و هكذا فان " الربيع العربي " يخضع إلى أسباب داخلية و أخرى خارجية دون إغفال أن التخارج و التداخل ضمن النظام العالمي الحالي في كليته مسألة ثانوية ، فقد أضحى التشابك السمة الأبرز مع العولمة الامبريالية الراهنة ، و من هنا محدودية النظر بعين الريبة إلى أطروحة ربط الربيع العربي بالتدخل الخارجي مخافة الوقوع تحت سطوة نظرية المؤامرة ، بما تعنيه من استعاضة عن التفسيرات الموضوعية بتفسيرات ذاتية وهمية تنم عن كسل معرفى ، فيغدو التاريخ عبارة عن فعل قوى خفية تخطط له بدهاء في الظلام ، و بالتالي فإنه من قبيل الحماقة فهم حدث تاريخي باعتباره مؤامرة جرى نسج خيوطها بعناية ، اذ ننزلق بذلك إلى متاهة الخرافة في فهم الربيع العربي ، و من ثمة اصطناع شماعة يوضع على كاهلها عبء ذلك الحدث . و زاوية النظر هذه وجيهة برأينا ولكن الخوف المعرفي الذي يسكنها يضفى عليها قدرا من الارتباك يمنعها من قول الحقيقة كاملة ، فهل من الذكاء إنكار وجود مؤامرة عندما يتعلق الأمر فعلا بمؤامرة خوفا من الاتهام بأنك ستكون ضحية تفسير تآمري لحدث ما ، ثم هل خلا التاريخ من المؤامرات ؟
يتغافل هؤلاء النقاد عن أن الامبريالية هي الآن الطرف المهيمن في رسم معالم الأوضاع السياسية العربية و العالمية ، و من المهم إدراك أن المسئولين الأمريكان بدأوا منذ مدة الحديث بأشكال مختلفة عن تقصير الرؤساء العرب إزاء شعوبهم ، و تركيز نيرانهم على الاستبداد ، و وضعوا خططا معلنة بمسميات مختلفة في انتظار تطبيقها .
و من هنا يجوز لنا القول أن هناك خطة ما جرى تنفيذها بقدر من النجاح بما يسمح بالحديث عن مؤامرة ، و غنى عن البيان أن الوثائق لن تسعفنا هنا للمحاجة على ما نقول ، فإذا كانت هناك أسرار فإنها لن تنكشف قبل خمسين عاما على أقل تقدير ، و هو ما يمكن للمؤرخين القيام به ، و ما نقدمه هنا مجرد تحليل للأوضاع تقوم أطروحته الأساسية على القول أن الكفاح الشعبي هو العامل الحاسم في تفجير الشرارة التى من رحمها ولد الربيع العربي ، و نعنى الانتفاضة التونسية ، وتحديد مسار تطورها حتى الأيام القليلة التي سبقت هروب بن على و أن الامبريالية هي الطرف الرئيسي في استثمارها .
لا شك أن نظرية المؤامرة منتشرة كثيرا وهى تؤول إلى تقديم تفسير سطحي للأحداث يختزل العلل في كيد الكائدين ، و نحن نرى أنه عوض إلقاء اللوم على مؤامرات الأعداء يجب البحث عن العلل داخل طبقات الشعب نفسه ، و بطبيعة الحال فإن بحث العرب عن مغفرة لأن الامبريالية و الصهيونية قد فعلتا بهم الأفاعيل عديم القيمة فـ " الأمة و المرأة لا تغتفر لهما تلك اللحظة التي تفتقدان فيها الحذر و يتمكن أول مغامر يمر بهما من أن ينتهكهما " ، فعندما لا تحقق الانتفاضات أهدافها فان القصور داخلي رئيسا و هو ما ألمحنا إليه ، و لكن ذلك لا يعفينا من رفع الإصبع تنبيها لمؤامرة ما تدخل صانعوها لوضع بيض الانتفاضة في سلالهم دون سواها .
و هنا بالذات يجدر التساؤل عما حدث بالضبط يوم 14 جانفي و الأيام القليلة التي سبقته ؟ كثيرون يسألون هذا السؤال ، وبرأينا فإن هذا اليوم يجب فهم أحداثه على ثلاث مستويات ، أولا مستوى النضال الشعبي ، و ثانيا مستوى الصراع داخل النظام ، وثالثا مستوى التدخل الامبريالي ، و إذا كان المستوى الأول يمكن الحديث عنه بقدر من التدقيق فإن المستوى الثاني يكتنفه الغموض ، فصراعات القصر و الدسائس و المؤامرات تمت وراء الكواليس و لن يفصح عن فحواها بسهولة ، و هنا بالذات نذكر درس ماكيافال حول الأمير و المؤامرة فـ" على الأمير أن لا يخشى كثيرا من المؤامرات إذا كان الشعب راضيا عنه ، أما إذا كان مكروها و يحس بعداء الشعب له فإن عليه أن يخشى من كل إنسان و من كل شئ " و يبدو أن بن على قد تآمر عليه أقرب أعضاده بما في ذلك حرسه الخاص.
إذا عدنا إلى المستوى الأول أمكننا القول بيسر أن الحديث عن شارع بورقيبة باعتباره قاهر بن على و رمز الثورة التونسية يرقى إلى مستوى الخرافة ، ففي ذلك اليوم تراجعت قوات الأمن على غير العادة و أفسحت المجال أمام بضع مئات من المتظاهرين مما مكن لاحقا من تزايد الأعداد بشكل كبير ، و بدا رجال الأمن وديعين و متسامحين و هو ما لوحظ قبل ذلك بيومين في صفاقس ، و عندما أيقنوا أن الأمر اقترب من الخروج عن السيطرة عند محاولة المتظاهرين اقتحام وزارة الداخلية ، أطلقوا بعض قنابل الغاز المسيلة للدموع فتفرقت الحشود ، و بالتالي فإن القول أن شارع بورقيبة كانت له الكلمة الفصل في إسقاط بن على مجانب للصواب ، فما حصل خلال ذلك اليوم ربما يفسره المستوى الثاني فقد بدا أن هناك من يسعى إلى الضغط بالجماهير و توظيفها لصالحه في خطوة محسوبة بدقة ، و هذا لم يحصل لأول مرة في تونس فقد حصل سابقا عندما مارس وزير الداخلية خلال انتفاضة 3 جانفى 1984 ضغطا على رئيس الحكومة بتوظيف احتجاجات جماهيرية كبيرة فأوعز إلى جهاز الأمن بالتساهل في التعامل مع المتظاهرين غير أن خطته فشلت ربما لأنها لم تجد دعما خارجيا ، أما في الحالة موضوع حديثنا فإن العامل الخارجي كان حاضرا ، و هنا نصل إلى المستوى الثالث فنحن نرجح أن الامبرياليتين الأمريكية و الفرنسية خاصة هما من وضعتا الخطة و راقبتا التنفيذ .
لقد كانت الجماهير تريد الحرية ، و مطلب إسقاط النظام على ألسنتها ، و كانت في حركة كفاحها مصممة على بذل ما يجب في سبيل ذلك ، هذا ما لا ينبغي أن يكون موضع شك و لكن أعداءها كانوا يريدون شيئا أخر ، و هو التخلص من بن على والحفاظ في نفس الوقت على نظام لم يعد بإمكانه ضمان بقائه ، خاصة بعد تواتر الانتفاضات في أكثر من جهة من جهات البلاد.
إن ما حصل حتى الآن ضمن سيرورة " الربيع العربي " هو تحويل الانتفاضة إلى مسخ و عندما ينظر المنتفضون اليوم إلى ما صنعت أيادي خصومهم بذلك المولود الذي صرخ صرخته الأولى بين أحضانهم في القرى و المدن المهمشة و الأحياء المفقرة لا يتعرفون عليه ، لقد غدا مخلوقا مشوها يزعم غرباء أبوتهم له ، و خاصة هؤلاء الساسة الذين تمت استنساخهم كقادة في ما وراء البحار ، و جرى فرضهم على المشهد السياسي بقوة المال و الإعلام .
و في تونس اليوم يمكنك معاينة ذلك بيسر، ليس فقط على صعيد الأحداث الكبيرة الماكروسياسية و إنما على صعيد المشاهد اليومية الميكروسياسية أيضا ، ففي يوم من الأيام كنت واقفا في طابور طويل من النساء و الرجال الذين تجمعوا لخلاص معلوم العلاج في مستشفى عمومي ، و كالعادة لم يلتزم أحدهم بالدور فصرخ كثيرون في وجهه مما أحدث حالة هرج و مرج فعلقت مازحا : لا بأس إن هذا من ثمار الثورة ، و جاء الرد سريعا من امرأة معدمة قائلة : " أي ثورة ؟ إنها غورة " . إن من يحكمون تونس ما بعد بن على لا يختلفون كثيرا عن ذلك الرجل الذي لم يحترم الطابور، فقد قاموا بما يشبه الإغارة على الانتفاضة فسلبوا الشعب نصره .
ما نخلص إليه في الأخير أن الأمر يتعلق بمصطلح أجوف خرج من ردهات قنوات التلفزيون و الجرائد السيارة و الخطابة السياسية الديماغوجية ، و أضحى مستعملا في الندوات الفكرية حول الانتفاضات العربية ، وبين الربيع كفصل و الربيع كسياسة و اقتصاد و اجتماع في بلاد العرب الآن هناك بون شاسع ، طالما أن الأوضاع في ملامحها المختلفة ظلت على حالها ، و لكن لماذا لم يتحقق ذلك التغيير الثوري المنشود ؟ إن العائق كان تنظيميا بشكل رئيسي ، و هذا يفسر بدرجة تطور المجتمع العربي نفسه حيث لا يزال التمايز بين الطبقات ضعيفا و الطبقة العاملة لا تزال تحبو ، فضلا عن أوضاع عالمية غير مناسبة ، و من هنا ما نلمحه من معالم التراجع ، الذي إذا ما استمر فإنه يهدد بدفع عدد من الأقطار العربية إلى التلاشي .
كانت حصيلة الربيع العربي إلى حد الآن بعض حريات سياسية استفاد منها رئيسيا السادة الجدد و ثانويا الشعب ، كما ازدادت مناعة الكيان الصهيوني و ظل الوطن العربي مرة أخرى مسلوب الإرادة سياسيا و مرتعا اقتصاديا و عسكريا للامبريالية ، و لم يكن ذلك ليحصل لولا ضعف القوى الثورية التي هي في حاجة إلى الاتحاد و تنفيذ مبادرات ثورية قادرة على تغيير الأوضاع لفائدة الشعب .
لقد أستعمل في سوريا و ليبيا السلاح بكثافة ، و بدرجة أقل في اليمن و مصر و تونس و ترتب عن ذلك عشرات الآلاف من الضحايا ، و قبل ذلك أستعمل السلاح أيضا في العراق مما أدى إلى مقتل و جرح مئات الآلاف من البشر ، كما جرى توظيف مشاهد درامية كان الغرض منها كسر البنية النفسية للخصم عندما قدم صدام حسين لأعدائه فأعدموه شنقا ليلة عيد الأضحى ، وسط صيحات التكبير و الحمدلة ، أما في ليبيا فقد كانت نهاية معمر القذافى أكثر دراماتيكية ، فقد أهداه حلف الناتو إلى أعدائه لكي يغتصب و يسحل ، و يرفس بالإقدام و تطلق العيارات النارية على رأسه ، و تمزق الطعنات جسمه ، و يترك جثمانه لأيام و هو مسجى في براد لحفظ اللحوم في سوق شعبية ، و يعرض للعموم مع جثة ابنه .
و بدا في مختلف هذه المشاهد و كأن الامبريالية تريد تعليم العرب دروسا قاسية تظل محفوظة في ذاكرتهم ، مستثمرة الجانب النفسي علاوة على بقية الجوانب ، فكل من يتمرد عليها مآله الخسران و إن طال الزمان ، فهي تمهل و لا تهمل، تماما مثل الآلهة في الأساطير القديمة التي لا فكاك من عقابها أبدا .
و لكن في أي اتجاه يسير "الربيع العربي "و من سيستفيد منه أخيرا ؟ كيف سيكون وجه "النظام الديمقراطي العربي " في نهاية المطاف ؟ ماذا يخبئ " المسار الديمقراطي " الذي يجرى الحديث عنه ؟ إننا نرى مثلما بيناه سابقا أن وراء صخب الأحداث و عنفها هناك خطة تنفذ بهدوء ، و تنخرط فيها أغلب القوى السياسية السائدة ، بما فيها تلك البارعة في تنميق الخطب عن استغلال الظرف و فهم الواقع و التأقلم مع المتغيرات ، و التي تساهم في الغدر بالانتفاضة دون التوقف عن رفع رايتها ، و نحن نرجح أن اللوحة الربيعية ستكون في الأخير لوحة رمادية ، حيث سيرتسم وضع سياسي يتقاسم الأدوار فيه حزبان رجعيان كبيران ، و جماهير مغيبة تعود من جديد لملء ملاعب كرة القدم و هجران السياسة ، بعد مللها من نقاشات برلمان لا يمثل مطامحها ، و إقرارها بعجزها عن تغيير حالها الذي سيبدو من جديد كقدر محتوم مسطر سلفا ، من قبل قوة كلية القدرة لا سبيل لقهرها ، و ربما ستحدث انقلابات عسكرية جديدة هنا و هناك ، غير أن هذه اللوحة لن تدوم طويلا ، ففي مواجهة المسار الديمقراطي المشوه هناك المسار الثوري ، وعلى أي حال فقد برهنت الانتفاضات العربية أننا لسنا في زمن نهاية التاريخ و إنما في زمن التمرد الصاخب كما يقول ألان باديو ، فالكادحون يستيقظون من غفوتهم ، و ستبدأ الحياة السياسية دورة أخرى تكون علامتها ثورة فعلية هذه المرة خلال وقت لن يتأخر كثيرا ، و لكن نجاحها لن يكون مرتبطا فقط بكفاح الأمة العربية ضد أعدائها ، و إنما أيضا بمجرى الصراع الطبقي في العالم برمته .
الهوامش:

وجد الفيلسوف الفرنسي برنار هنرى ليفى في " الربيع العربي " و خاصة في ليبيا مجالا مفضلا لتطبيق افكار يمينية متطرفة قريبة من الصهيونية وقد اعتبر أن مسيرة إسقاط القذافى شبيهة بمسيرة الحركة الصهيونية للسيطرة على فلسطين و قال إن ثلاثين ألف شخص صفقوا له في بنغازي و بدا في مشاهد مختلفة و هو إلى جانب مقاتلي المجلس الانتقالي الليبي كما زار الساحة الخضراء خلال معركة السيطرة على طرابلس .
2 على سبيل المثال يعتبر منصف المرزوقى ما حدث في تونس " ثورة سلمية ديمقراطية ، بلا إيديولوجيا و لا صنم ، لم يشهد لها التاريخ مثيلا " انظر كتابه : هل نحن أهل للديمقراطية ؟ ، تونس ، الدار المتوسطية للنشر 2012، الطبعة الأولى ، ص 10 .

3 شهدت أوربا سنة 1968 حركة انتفاضية واسعة و قد بدأت الأحداث في ألمانيا و انتشرت بعد ذلك فرنسا و بريطانيا و بلدان عديدة أخرى و ترددت أصداؤها حتى في الولايات المتحدة الأمريكية و كانت معادية في جوهرها للامبريالية و لكن غاب الحديث عنها باعتبارها ربيعا كما جرى قمعها بقسوة .
4اعتقل الرئيس اليوغسلافى سلوبودان ميلوسيفتش في صربيا ثم سلم إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي، حيث توفى داخل السجن و تحوم شكوك حول السبب الحقيقي لوفاته .
5 ذكر بعضهم مثل الصحفي الفرنسي تيرى مايسون و الضابط الروسي إيليا كورينيف، أحد المستشارين العسكريين للعقيد الليبي معمر القذافي أن مجسمات لمواقع ليبية مثل الساحة الخضراء و باب العزيزية قد أقيمت في الصحراء القطرية و استعملت من قبل قناة الجزيرة بوجه خاص للتأثير على الليبيين و إقناعهم بسقوط مدينة طرابيس .
6 نظرية الدومينو (Domino theory) : تمت بلورة هذه النظرية في مخابر السياسة الأمريكية خلال القرن الماضي و مضمونها أن انتقال بلد ما إلى المعسكر الاشتراكي يتلوه سقوط بلدان أخرى مجاورة بالضرورة ، كما لو أن الأمر يتعلق بقطع الدومينو المرصوفة إلى جانب بعضها البعض ، فإذا سقطت قطعة تبعها سقوط بقية القطع ، و قد عبر عن هذه النظرية الرئيس ايزنهاور في خطاب ألقاه سنة 1954 ، و إذا كانت النظرية قد أستعملت للتحذير من مخاطر عدوى الشيوعية فإنها تستعمل الآن في اتجاه آخر مؤداه أن الديمقراطية الليبرالية إذا ما تركزت في بلد من البلدان"الشمولية " فإنها ستنتشر في البلدان المحيطة ، و قد شاع الحديث عنها خاصة عند تناول الحالة العربية فإحتلال العراق نظر إليه على أنه تركيز للديمقراطية التي ستنتشر فى بقية الأقطار بفعل العدوى ذاتها ، و بعد الانتفاضة التونسية و تأثيرها السريع في بقية الأقطار العربية تم إضفاء المزيد من الصدقية على هذه النظرية ، التي من الواضح أنها أستعملت سابقا ضمن إستراتيجية دفاعية بينما تستعمل الآن ضمن إستراتيجية هجومية ، و غنى عن البيان أن كلمة نظرية لا تستعمل هنا وفق تحديد إبستمولوجى و إنما وفق سياق الفكر السياسي .

7 : من قصيد لسعدى يوسف يقول فيه : " الدجاج ُ ، وحده ، سيقول : ربيعٌ عربيّ . هل خلَتِ الساحةُ من طفلٍ ؟ أعني هل خلت الساحةُ من شخصٍ يقول الحقَّ صُراحاً ؟ أيّ ربيعٍ عربيّ هذا ؟ "
8 يقول عزمى بشارة منبها الى هذه الكارثة المحدقة : " لنتخيل بعدسة الخيال السوداء كيف سيكون حال المشرق العربي و الخليج و الجزيرة العربية من تدهور طوائفى و عشائرى و مناطقى في ظل الوضع الراهن " و لا نعرف لماذا يستثنى المغرب العربى من هذه الكارثة ، علما أنه يسكت تماما عن الدور الذي تضطلع به الامبريالية في تأجيج نار الصراعات الطائفية و العشائرية ، أنظر : عزمى بشارة ، فى الثورة و القابلية للثورة ، الدوحة ، المركز العربي للابحاث و دراسة السياسات 2011، ص 75 .
9 يرى روبرت ساتلوف، مدير «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، أن بداية «الربيع العربي» كانت مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري و اجبار القوات السورية على الخروج من لبنان عام ٢٠٠٥ .
10 أبو نصر الفارابي ، فصول منتزعة ، تحقيق و تقديم و تعليق فوزى مترى نجار ، بيروت ، دار المشرق1971 ، ص 94
11 خلال الانتفاضة التونسية رفع شعار : لا لا للطرابلسية اللى نهبوا الميزانية و فى احتجاج على الحكومات التي جاءت بعد هروب بن على رفع شعار : بن على في السعودية و العصابة هى هى ، و في تأكيد على مشكلة التشغيل رفع شعار : التشغيل استحقاق لا خلافة لا نفاق .
12 أبو الوليد ابن رشد ، الضروري في السياسة : مختصر كناب السياسة لأفلاطون ، نقله من العبرية إلى العربية أحمد شحلان ، مع مدخل و مقدمة تحليلية و شروح للمشرف على المشروع محمد عابد الجابري ، سلسلة التراث الفلسفي العربي ، مؤلفات ابن رشد ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية 1998 ، ص 176 .
13 Leila Ben ALI , Ma vérité ,Editions du Moment .Paris 2012
14 يقول أسعد أبو خليل : "وإن كانت الدعاية الأميركية تسخر دائماً من نظرية المؤامرة لتسهيل تمرير المؤامرات ولدحض الدعاية المناهضة للإمبريالية ( فانه يجب ) التمييز بين نظريات مؤامرة باطلة لا دليل أو إثباتات لدعمها، وبين مؤامرات واضحة في علائمها ومساراتها وخططها " انظر : أسعد أبو خليل ، دفاعا عن نظرية المؤامرة ، جريدة الاخباراللبنانية بتاريخ 2007-06-20 ، و نجد الفكرة نفسها تقريبا لدى محمد حسنين هيكل الذي يقول " إن هذه المنطقة أكثر ما تكون ويمكن في العالم كله تعرضا لما يمكن أن يكون مؤامرات في التاريخ ، والسبب مش لأنه أحد بيتقصدنا بالتحديد أو أحد حاططنا في باله ويصحو كل يوم ويجيء كل مساء ويفكر في الإضرار بنا، ولكن ببساطة لأننا نحن على مفترق الطرق في العالم ، بمعنى أي أحد على قارعة الطريق مفتوح مكشوف بهذا الشكل على خريطة العالم حتى بالنظر للخريطة عليه أن يدرك أنه معرض أكثر من غيره إلى ما لا يمكن تصوره ، لأنه هنا هو معرض لحوادث ، هو موجود في الطريق ، هو موجود في مجرى الاتصال والصراع والحروب حتى بين الغرب والشرق. نحن سواء كان من حسن حظنا أو من سوء حظنا ، نحن في موقع من العالم زادت عليه موارد ضرورية للعالم ، هي البترول ، نتيجة لذلك أننا أصبحنا في واجهة العالم ، وفي معبر ، نحن معبر لكل الإمبراطوريات وموئل للصراعات." موقع الجزيرة نت/ تاريخ الحلقة: 16/3/2008
15 كارل ماركس ، الثامن عشر من برومير لويس بونابرت، موسكو ، دار التقدم 1980 ، ص 14 .

16 نيقولا ماكيافال ، الأمير ، ترجمة فاروق سعد ، بيروت / القاهرة / تونس ، دار الجيل / دار الآفاق الجديدة ، الطبعة الرابعة و العشرون 2002، ص 155 .
17 غورة في اللهجة التونسية تعنى سلب شخص شيئا ما عنوة و دون وجه حق والاعتداء عليه ، و قد يكون مفيدا هنا القاء بعض الضوء على استعمال البرولتاريا الرثة لتقسيم صفوف الشعب فبالعودة الى فريدريك أنجلس نلاحظ أنه يرى فى هذه الفئة حليفا ممكنا للبروليتاريا غير أنه يحذر من مغبة الثقة التامة بها قائلا " أما حثالة البروليتاريا ، هذه النفاية من العناصر الفاسدة من كافة الطبقات و التى تعسكر فى المدن الكبيرة فهى أسوأ الحلفاء كافة ، فهؤلاء الغوغاء غاية في العهر و الوقاحة ، و إذا كان العمال الفرنسيون قد كتبوا على جدران المنازل : في كل ثورة الموت للصوص ، بل و رموا بعضهم بالرصاص فلم يكن ذاك بدافع من حماستهم للملكية ، بل لأنهم اعتبروا أنه من الضرورى أن يبقوا هذه العصابات على مبعدة للنجاة منها ، و كل قائد للعمال يستخدم هؤلاء الأوغاد كحراس أو يعتمد على معونتهم يثبت بذلك العمل وحده ، أنه خائن للحركة " فريدرك أنجلس ، حرب الفلاحين في ألمانيا ، تعريب محمد أبو خضور ، دمشق ، دار دمشق ، دون تاريخ ، ، ص ص 12 / 13 . و فى الانتفاضة التونسية لعبت هذه الفئة دورا مهما خلال الأيام الأولى و عندما دخل المال السياسي الميدان تم شراء أعداد منها و توظيفها في أعمال إجرامية معادية للشعب مثل الحرق و النهب و السرقة و قطع الطرق كما أصبح لبعض الأحزاب و كبار المقاولين و الملاكين العقاريين و الإداريين و التجار ما يشبه المليشيات التي تأتمر بأوامرهم ، تتكون عناصرها رئيسيا من البروليتاريا الرثة ، و لكن عددا آخر من هذه الفئة الاجتماعية ظل على وفائه للنضال الشعبي و رفض أن يباع او يشترى و قد يكون لذلك علاقة بالأصول الفلاحية التي ينحدر منها حيث تمنع القيم العائلية المتوارثة الانخراط في إجرام من ذلك القبيل و يبدو أن هذا لا يخص الانتفاضة التونسية وحدها فقد عرفته الانتفاضات الأوربية في القرن السادس عشر مثلا حيث كتب أنجلس يقول عن هذا القسم من البروليتاريا الرثة و دوره في حرب الفلاحين في ألمانيا " يجب أن نتذكر أن الغالبة العظمى منهم ، و هم الذين يعيشون في المدن ، لا زالت تحتفظ بجانب من الطبيعة الفلاحية السليمة ، و لم تفسدهم بعد " دعارة " و انحطاط حثالة البروليتاريا " المتمدنة " اليوم " نفس المصدر ، ص 40. ولا شك أن هذه الفئة التي أنجبت البلطجية في مصر و الزعران في سوريا و فلسطين و لبنان و الخلايق و الباندية فى تونس على سبييل الذكر حرية بدراسة عميقة ..



#فريد_العليبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عمران المقدمى زهرة تونس الحمراء العائدة من الجليل
- المرأة و الثورة
- المرأة العربية الآن
- هل انتصرت الثورة في تونس ؟
- جانفي شهر الانتفاضات التونسية
- القوى اليسارية والنقابات العمالية في الربيع العربي
- سيدي بوزيد التونسية : ماذا نملك ؟ لا شئ ، ماذا نريد ؟ كل شئ ...
- منير العوادي سلاما !
- الانتفاضة التونسية : شيئان في بلدي خيبا أملي !
- مصر : الدم و الحرية أبناء عم !
- عرس الدم التونسي
- ماذا يحدث في كلية الآداب بالقيروان / تونس ؟
- الفلسفة والتاريخ
- رسائل ماركس وأنجلس حول الديانة الإسلامية
- رسائل متبادلة بين كارل ماركس وفريدريك أنجلس حول الديانة الإس ...
- اعلام النقابة الأساسية لأساتذة كلية الآداب و العلوم الانساني ...
- معروف الرصافي ............ شيوعيا !!!
- الماركسية و الداروينية
- علمنة التفكير
- موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة


المزيد.....




- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فريد العليبي - الربيع العربي و زمهرير جهنم .