فراس سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 10:53
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
سورية وطن نهائي لكل السوريين -2-
ملاحظات على مشروع حزب يكيتي الكردي
-5 مشكلة "الحق القومي " في بلد تعددي :
أعتقد أن الحديث عن حقوق قومية لأية جماعة في سورية يعيدنا إلى الأرضية التي ينطلق منها الفكر القومي العربي الذي ثبت بالتجربة أنه فكر متخلف و تجزيئي و مشرذم لسورية و تكفي التجربة العراقية دليلاً على ذلك , الحقوق القومية للجماعات السورية أمر غير مقبول لأنه يعني وجود قوميات في وطن و هو أمر يعني التقسيم عاجلا أم آجلاً , الحقوق القومية تكون فقط للوطن أي لسورية , من أجل ذلك لا بد من رفض أي حقوق قومية لأية أقلية أو جماعة سورية مهما كانت مظلومة و تحريم و تجريم ذلك تحت بند الدعوة لتقسيم سورية , و أي ظلم يلحق بأية جماعة سورية يتم حلّه في نطاق الحقوق و الحريات الأنسانية الأساسية و الوطنية السورية , و بالنضال السلمي أو المسلح الموجه ضد السلطة و ليس ضد الوطن – مثل مطالب الانفصال - , إن الحقوق الثقافية اللغوية أي حرية الكلام و الكتابة باللغة التي يريدها أو التي نشأ عليها أي مواطن أو جماعة سورية حق مقدس لكن ضمن الوطنية السورية و القومية السورية و ليس ضمن قومية فئوية أو قومية أقلوية , فالقومية الوطنية السورية تقوم على أسس الأرض الواحدة المشتركة ضمن الحدود الدولية المتعارف عليها و وحدة العيش والمصالح المشتركة و الخضوع لدستور و قوانين واحدة تحترم مواطنية السوريين جميعا دون استثناء و المصير الواحد و المستقبل المشترك , قومية سورية تقوم على الغنى واحترام الحقوق و الواجبات المشتركة دون تمييز بين جماعة و أخرى و مواطن و آخر , ليس قومية تقوم على الفقر و الأفقار و القهر و التمييز و الأقصاء و التعالي , فحينما يسود القهر و الأفقار يبحث السوريون عن أنتماءاتهم الصغرى و يجعلوا منها أنتماء كبيرا يحال محل الأنتماء لسورية و بديلا عن الهوية السورية , إن العمل على بناء و تكوين عصبية سورية هو الأمر الوحيد الذي يسقط كل العصبيات الأخرى على كل المستويات : عربية كردية آشورية تركمانية سنية علوية درزية , مدينية ريفية , مركزية طرفية , جبلية صحراوية داخلية ساحلية .... فالأضطهاد و التجاهل هو الذي يؤدي إلى نشوء أحزاب تدافع عن وجود الأكراد – كما ورد في مشروع برنامجكم – و نضيف أن الأضطهاد و التجاهل يؤدي لنشوء أحزاب تدافع عن الآشوريين أو العلويين أو الدروز .... من أجل ذلك ندعو الحكومات السورية القادمة للتعامل بسواسية مع كل أطياف المجتمع السوري و تسييد القانون المدني و عدم احتكار السلطة لصالح طيف أو أقلية معينة لأن ذلك فقط يمنع تقسيم سورية , في نفس الوقت الذي ندعو فيه أكراد سورية للكف عن تناول مسألة الظلم تجاه الكرد السوريين و كأنها قضية تحرر وطني و قومي كما هو الحال في المسألة الفلسطينية مثلاً و إلا فسوف تتحرك كل الأقليات السورية المظلومة لتطال ب" حقوق قومية " بحيث يطالب العلويون في سورية بالأنضمام إلى تركيا و تشكيل دولة علوية تعدادها كتعداد الدولة الكردية , و يطالب شيعة العراق بالأنضمام إلى أيران لأنهم مظلومون و قد قتل البعث العراقي منهم مئتي ألف في مجزرة واحدة , فيتم تقسيم العراق , نعتقد أن منطق المطالبة بحقوق قومية على أساس الظلم الذي تعرضت له جماعة سورية ما منطق مرفوض , فمن غير المعقول المطالبة بدول و دويلات على أسس لغوية أو عرقية أو ثقافية أو دينية أو طائفية أو عشائرية في سورية , فلنتخيل لو أن كل مجموعة ثقافية دينية عرقية لغوية في الولايات المتحدة الأمريكية قامت بالمطالبة بحقوقها القومية , ألن تتحول الولايات المتحدة إلى غربال و فسيفساء من الدويلات و الدول التي ربما يصل عددها إلى الألف ؟!, إن كل من يقطن الولايات المتحدة سرعان ما يعتبر نفسه أمريكي , ولاءه الأول الأكبر لأمريكا و من ثم تأتي ولاءاته الصغرى الأخرى فيمارس لغته و ثقافته و دينه و باقي حقوقه مثل الأمريكي الأصلي الذي قطن أجداده الولايات المتحدة منذ خمسة قرون , هذا ما نريده لكل من يقطن سورية أن يكون أولا مواطنا سورياً ولاؤه الأول الأكبر لسورية بعد ذلك يمارس انتماءاته الصغرى: لغته ثقافته دينه بكل حرية , و كل مطالبة بحقوق قومية هي اعتداء على الوطن و الشعب السوري .
-6 الدولة الحديثة تقوم على العيش المشترك و المصالح المشتركة و الخضوع لسلطة الدولة الدستورية الديمقراطية , و في الدولة الحديثة لا بد أن تكون الهوية القومية تنطبق على الهوية الوطنية بحيث لا تكون الهوية القومية فوق - وطنية أو خارج - وطنية , و هذه قضية لابد من حسمها في سورية دون حرب أهلية و لابد من الإستفادة من التجربة اللبنانية بهذا الصدد , فسورية المستقبل لن تقوم و لن تعرف الأستقرار و الأمان إلا على أساس اعتبارها وطناً نهائياً لكل السوريين غير قابلة للتقسيم و لا تقدم على التوحد أو الوحدة أو الأتحاد مع أحد إلا بموافقة الشعب السوري في استفتاء , سورية القوية بالحقوق والحريات الديمقراطية و الدستور الشرعي و القوانين التي وحدها تمنع التشرزم و الظلم و الأنقسام و وحدها التي تنزع فتيل فتن قادمة ربما تؤدي إلى حرب أهلية شاملة أو محدودة , إن أكراد سورية – وفق رؤية الدولة العصرية الحديثة التي ندعو إليها في سورية أكراد سورية هم سوريون أولاً و قبل كل شيء و نحن ندعو الحكومات السورية القادمة لمنحهم كل الحقوق و الفرص التي يتمتع بها كل السوريين و التي تجعلهم على قدم المساواة في الحقوق و الواجبات التي تجعل منهم مواطنين سوريين , و ليس فقط مساواتهم مع السوريين في الظلم و الفقر و القهر و انتقاص الحقوق و منع الحريات , إن الشعور العاطفي لجماعة سورية لغوية أو دينية أو طائفية شعورها العاطفي تجاه الشبيه اللغوي أو الطائفي خارج الحدود شيء مقبول و طبيعي و الدعوة للأنفصال عن سورية و الألتحاق بالشبيه خارج سورية شيء آخر مدان و مرفوض , ففي سورية كانت هناك جماعات مضطهدة و كانت تنظر لشبيهها خارج الحدود لكن ذلك لم يدفعها لطلب الأنفصال عن سورية و الإلتحاق بذلك الشبيه لإقامة دولة معه و بعث الأمجاد الغابرة و هو أمر يرفضه حزب يكيتي و العقل السليم الواقعي .
- لا بد من ملاحظة خاصة بمشروع حزب يكيتي لاسيما في ( المجال السوري ) و( المجال العام ) , فمن الملاحظ سعة الأفق السياسي في هذين المجالين أو البندين , حري بكل الأحزاب و الحركات السياسية السورية التمتع به و تبني المطالبات الواردة في هذين المجالين .
- نوافق على تجميع التراث الكردي السوري و كل تراثات سورية الآشورية السريانية البدوية الجبلية الفراتية الحورانية الساحلية الحلبية الدمشقية و تعميم هذه الفنون و تعليمها في المدارس و الجامعات و تعميمها على وسائل الأعلام السورية لأنها تراث يخص كل السوريين و عامل للتقارب و الأنسجام الوطني المانع للشرذمة و التشنج و عدم حصرها بمنطقتها , فالفنون الشعبية لاسيما إذا تم عصرنتها و أحياءها بشكل مقبول ذوقيا و اجتماعيا تصبح عامل وحدة وطنية عميقة – على الصعيد النفسي الأجتماعي – على خلاف كثير من الأدوات المصطنعة للحوار و محاولة الوحدة التي تبقى حالات سطحية و مؤقتة موسمية من فوق , بينما الفن و الأدب يعمل من تحت في المستوى الوجداني الجواني للشعب , أما بالنسبة لتأسيس مدارس كردية فهو أمر يفتح الباب للأقليات للمطالبة بهكذا مدارس و من ثم جامعات فصحف فوسائل إعلام و كلها وسائل للتشرزم و الأستعداد للحرب الأهلية و التقسيم , من لا يصدق أمامه الحالة اللبنانية , فالتعليم الطائفي و الأقلياتي كان الباب الكبير للمشكلة اللبنانية التي صار عمرها قرن و نصف منذ أسست الأرساليات التبشيرية مدارسها الطائفية و الملليّة في جبل لبنان , إن هذه المشكلة أي التعليم الخاص يمكن حلها في نطاق دولة دستورية ديمقراطية تحترم الحريات و الحقوق و لديها القوة الداخلية و الخارجية و الثقة التي تتحصّل بالتراكم , الأمر الذي يسمح في ظل دولة كهذه بتأسيس أي شيء و التعبير عن أي فكرة دون خوف , الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في ظل دولة متخلفة و ضعيفة و غير ديمقراطية و لاسيادة للقانون فيها مثل سورية , بحيث يتحول كل شيء فيها في ظل الضعف و التخلف إلى خطر يهدّ> وحدة البلاد و من هنا ندعو لألغاء كل الحالات التعليمية أو الأعلامية التي تشكل خطرا على وحدة النسيج الأجتماعي السوري و التي تدعو إلى التطرف أو تدفع باتجاه تغيير الصبغة شبه العلمانية للدولة السورية .
خاتمة : نداء لكل السوريين :
يدعو مشروع البرنامج السياسي لحزب يكيتي – حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سورية – إلى تغليب قوة المنطق على منطق القوة بانتهاج ثقافة اللاعنف و الحوار و التناصت من أجل بلورة الحقائق و وعي الواقع كما هو باتجاه أصلاحه عبر الشفافية و المكاشفة و تجنب المنزلقات و مخاطر الأنغلاق القومي و رفض أقحام الدين في السياسة أو استحضار مآثر تاريخ قديم تجاوزتها الحضارة و حسناً فعل لأن الجميع لديهم مآثر تاريخ و العمل على بعث هذه المآثر عمل أخرق بكل ما تعنيه الكلمة يحوّل سورية إلى غربال و فسيفساء دويلاتية تزيد على الثلاثمئة و خمسين الدويلة الألمانية التي اضطرت بسمارك لشن حروب و حروب لتوحيدها في دولة ألمانية واحدة قوية , نحمد الله أننا نعيش في دولة سورية واحدة لا تحتاج لبسمارك سوري و نرجو أن تبقى سورية واحدة و نحن نتنازل عن قائد مثل بسمارك على ألاّ يتبرع البعض فيصنعوا لأسباب غبية أو غير واقعية و بمنطق القوة بسماركات معاكسة تعمل على شرذمة سورية إلى ما يفوق عدد الدويلات الألمانية قبل بسمارك , و في كل الأحوال أتمنى من أخواني السوريين الكرد أن يتحلّوا بالواقعية و قوة المنطق الواقعي و ليس النظري و أرجو ألا تكون صراحتي قد آلمتهم فلقد كتبت بصراحة و شفافية كاملة و أنا مستعد للحوار و اللقاء دوما مع أخوتي السوريين من كل الأطياف لما فيه خير سورية , كما أتمنى من كل السوريين أيا كانت أطيافهم أن يتحلوا بالواقعية و ألاّ يحشروا الدين بالوطنية و ألا يقدموا أي ولاء على الولاء السوري , لا ولاءً دينياً و لا طائفياً و لا عربياً و لا آشورياً و لا تركمانياً و لا أرمنياً و لا كردياً .... فإذا كنا جميعنا في هذا البلد الصغير سورية نرضى العيش فيه بأمان و سلام فعلينا أن نقدم بعض التنازلات النفسية المتعلقة بولاءات غير سورية ( قبل سورية و فوق سورية), و من يتنازل لصالح سورية فسوف يحافظ عل سورية واحدة قوية أما العكس فيعني العكس .
و اسلموا لسورية .
26 كانون ثاني 2005
فراس سعد
[email protected]
#فراس_سعد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟