أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض حسن محرم - ذكريات من أرض الفيروزماذا فعل 15 عاما من الإحتلال الإسرائيلى بسيناء؟















المزيد.....

ذكريات من أرض الفيروزماذا فعل 15 عاما من الإحتلال الإسرائيلى بسيناء؟


رياض حسن محرم

الحوار المتمدن-العدد: 3770 - 2012 / 6 / 26 - 09:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان من حظى أن أعمل بعد تخرجى من كلية الطب "متأخرا عن دفعتى بعدة سنوات بسبب الإعتقالات المتكررة وقضائى لفترة التجنيد قبل الإنتهاء من الدراسة" فى منطقة جنوب سيناء الصحية فى بداية الثمانينات من القرن الماضى، كان ذلك تحديدا فى بدايات عام 1982 بينما العلم المصرى قد تم رفعه على آخر جزء من سيناء فيما يعرف بالمنطقة ج وتشمل الشريط الساحلى على خليج العقبة وبها مدن شرم الشيخ ودهب ونويبع و بعض مناطق الشمال حتى مدينة رفح الحدودية ما عدا منطقة صغيرة هى طابا ومساحتها حوالى كم مربع واحد تم استعادتها للسيادة المصرية عن طريق المفاوضات.
توجهنا كمجموعة صغيرة من الأطباء الى مدينة الطور لإستلام العمل وتوزيعنا على التجمعات السكانية المتناثرة على امتداد جغرافى شاسع، وجدت الطور عبارة عن قرية صغيرة بيوتها من الطين وشوارعها غير ممهدة، وكانت "مديرية الصحة" تشغل شقة صغيرة فى بناية بالاسمنت بها دورة مياه واحدة متخلفة وقذرة، وبعد ان جالسنا المدير العام والقى الينا ببعض النصائح تم توزيعنا على بعض الاماكن التى بها مؤسسات صحية، وجاء توزيعى مع ثلاث من زملائى الى قرية نويبع السياحية.
كانت منطقة جنوب سيناء الصحية تشرف على عدد محدود جدا من المؤسسات الصحية لا تتجاوز اصابع اليدين ابتداءا من رأس سدر ومرورا بوادى فيران وبلاعيم والطور وشرم الشيخ وسانت كاترين ودهب ونويبع ويوجد بها تجمعات سكانية محدودة جدا تتوزع على مجموعة من القبائل فى وجود بداية متواضعة للجهاز الادارى يضم عشرات من الموظفين القادمين من الدلتا والوادى واغلبيتهم من محافظة الشرقية القريبة.
فى اليوم التالى كنت فى نويبع، قرية متناهية الروعة، شاطئ بكر من الفيروز ومجموعة من الفلل الأنيقة وقرية سياحية تمتد على الخليج، بالإضافة الى مركز تجارى وادارى فى منتصف الموقع على شكل نصف دائرة يشمل سوبر ماركت حديث ومركز طبى صغير ومبنى ادارى، يحيط بالمركز مجموعة من السلالم الرخامية والأرضية عبارة عن شكل نصف دائرى مبلط مرسوم على شكل زهرة اللوتس، وقد أخبرنى فيما بعد أحد الاسرائيلين الذين كانوا يسكنون القرية وحريصون على زيارتها بشكل مستمر أن هذا المكان أعد كمسرح رومانى يجلس النظارة فيه على السلالم بينما الفرقة المسرحية تعرض فى المنتصف، وعلى الجانب الآخر وبعيدا قليلا من هذا المشهد يوجد البدو أو السكان الأصليين يسكنون فى خيام بدائية يسمونها بيوت الشعر ويعيشون حياة شديدة البؤس تعتمد أساسا على الرعى وبعض الصيد من البحر.
سرعان ما اندمجت فى حياتى الجديدة وكان المرضى فى أغلبهم من السائحين الأجانب وفى المقدمة الاسرائيليين والجزء الأصغر هم من بدو سيناء، وكان البدو لا يثقون فى المصريين القادمين من الدلتا ويستريبون منهم لأسباب قد يأتى ذكرها، بينما يتآلفون بسهولة مع السائحين الأجانب وعلى راسهم الإسرائيليين ومعظم البدو يتقنون اللغة العبرية الى جانب عدد من اللغات الأوربية، وقد اعطى اتفاق كامب ديفيد للإسرائيليين حق دخول المنطقة ج من سيناء بدون تأشيرة لمدة اسبوع يمكن تجديده، وكان العديد منهم يأتون فى حافلات كبيرة تجر خلفها كارفان يحتوى جميع اغراضهم واحتياجاتهم ليقضوا يوما أو أكثر فى سيناء ثم يعودون، وكان البعض منهم يجدد التصريح لشهور عديدة.
سمعت قصصا طويلة ومتناثرة بعد ذلك من بعض بدو سيناء وقد صاروا أصدقاءا حول كيف تعامل الإسرائيليين معهم إبان سنوات الإحتلال الطويلة منذ عام 1967 وحتى رفع العلم على المنطقة ج فى 1981، ذكروا لى أنه بعد الإحتلال الإسرائيلى لسيناء بأقل من شهر تم عمل حصر دقيق للبدو وإستخراج بطاقات هوية لهم مكتوبة باللغتين العربية والعبرية وتحمل صورة ضوئية وكان فريق من دائرة التوثيق تذهب الى البدو فى مضاربهم بينهم مصور يقومون باستخراج البطاقات التى يكتب فيها بالعربية "عرب إسرائيل" وبالعبرية "ها عرفا"، وبالطبع بعد التحرير قامت الإدارة المصرية بإلغاء تلك البطاقات وطلبت من السكان استخراج بطاقات شخصية مصرية حيث لم يكن لهم أوراق ثبوتية من قبل وقمنا نحن الأطباء بعمل تقدير سن لهم وتم توثيق عقود زواج لهم وشهادات ميلاد لإبنائهم ومن المفارقات ان بعض عقود الزواج وقّع عليها الأبناء كشهود، وحتى مغادرتى لسيناء كان أغلب البدو ما زالوا يحاولون استخراج بطاقات شخصية ويسافرون لمسافات طويلة ما بين منطقة التجنيد والأحوال المدنية بدون أن يستكملوا أوراقهم، خلاصة القول أن الإجراء الذى قامت به إسرائيل لم يكن الغرض منه تسهيل الحياة للبدو بل كان بالأساس مسألة أمنية بإمتياز.
قضية أخرى كنت شاهدا عليها ساهمت كثيرا فى تغيير نمط الحياة والسلوك لدى السيناويين وذلك بتغيير شكل المعيشة والنشاط لديهم من حياة الرعى والصيد الى اعمال مدنية مثل قيادة السيارات واصلاحها والأعمال السياحية المختلفة وكان الغرض الأساسى هو مصلحة إسرائيل بالتأكيد وذلك لإنجاح مشروعها السياحى والإقتصادى فى سيناء التى اعتبروها جزء من اسرائيل تم استرداده من مصر، فقاموا بعمل ورشات تدريبة لتخريج العشرات من السائقين وسهّلت لهم الحصول على سيارات حديثة بأقساط ميسرة وفى المقابل فرضت عليهم تعريفة للركوب والتنقل بين المواقع المختلفة من سيناء، أيضا فى محاولة من اسرائيل للتخلص من عبإ توفير عمالة صحية لكافة المناطق المختلفة والسكان المتناثرين هنا وهناك، قاموا بتدريب عدد من الشباب من كافة المواقع على أعمال الإسعافات الأولية وسلمت كل منهم شنطة اسعاف متكاملة وانواع بسيطة من الأدوية لعلاج الحالات العارضة وسلموهم أيضا جهاز لاسلكى للإتصال فى الحالات الحرجة التى يتم نقلها فى الأغلب بمروحيات.
سنوات ليست بالقصيرة تلك التى قضتها اسرائيل فى سيناء حاولت خلالها اللعب فى أدمغة البدو لإعادة برمجتهم بأيديولجيتها، أحد تلك الأساليب الزعم بأن عرب سيناء أقرب الى بنى إسرائيل بصفتهم أبناء عمومة، وأن الآخرين فراعنة أعداء لهم، وكانوا عادة ما يصّدرون ضباطا من طائفة الدروز المسموح لهم بالتجنيد فى جيش الدفاع لإقناع البدو فى سيناء بتلك الأطروحات وذلك لقربهم النفسى منهم واتقانهم للغة العربية، وقسمت اسرائيل سيناء الى عدة قطاعات عينت على كل منها قائد قطاع عسكرى بالطبع، كان اول أعماله اللقاء مع شيوخ البدو ومناقشتهم فى مشاكلهم.
لقد حاول الإحتلال تهويد سيناء بشكل كامل ومن ذلك اطلاق اسماء توراتية على جميع القرى والمواقع، فسميت شرم الشيخ "أوفيرا" ونويبع "نفيوت" وغيرها من الأماكن، وحاولت اسرائيل البحث فى جميع انحاء سيناء وتقليب كل حجر فيها للتنقيب عن أى أثر يثبت وجودا تاريخيا لليهود ولكنهم فشلوا، وحاولوا التعظيم من أى شاهد يثبت ذلك من جبل موسى أو الجبل المسخوط وجبل هارون ووادى التيه او وادى الراحة ولكنها كلها كانت موجودة من قبل الإحتلال ولم يستطيعون اقامة الدليل فى انتسابها لهم، على أن الأخطر كان فى محاولة التأثير النفسى والمعنوى على البدو وهذا ما شكل معضلة للإدارة المصرية بعد التحرير ومنها رفض تجنيد ابناء سيناء فى القوات المسلحة وتم الإلتفاف على ذلك بتسميتهم "الصامدون" واعطائهم شهادات الإعفاء من الخدمة العسكرية.
تحضرنى هنا قصة رواها لى "ضبعان" وهو سائق سيارة الإسعاف البدوى وتظهر بوضوح الأسلوب النفسى الذى كانت إسرائيل تتعامل به إبّان سنوات الاحتلال:
"ذات يوم مرضت امى فحملتها الى المركز الطبى بنويبع لعرضها على الطبيب الإسرائيلى الذى قام بفحصها وأعطاها بعض الحقن وبقيت لمدة حوالى الساعتين بالمركز ثم استدعانى واخبرنى أن أمى بخير ويمكننى حملها والعودة بها مرة أخرى، واثناء الطريق عاودت امى الشكوى والتألم فعدت مرة أخرى الى نفس الطبيب طالبا منه تحويلها الى مستشفى متخصص لكنه رفض بغطرسة انه طبيب ويعرف عمله وليس لمثلى أن يتدخل فى ذلك، حملتها مضطرا وهى تتألم واستأجرت سيارة توجهت بها الى إيلات على مسافة 70 كم، وفى ايلات توجهت الى مستشفى "كوبّات حليم" حيث دخلت بها قسم الطوارئ، وبسرعة حولها الأطباء الى قسم الجراحة حيث اجريت لها عملية إستئصال المرارة الملتهبة، وبعد أن عدت الى نويبع تقدمت بشكوى ضد الطبيب الى الحاكم العسكرى، فى اليوم التالى استدعانى للتحقيق فى الشكوى، وعندما التقيته فى مكتبه وسماعه للتفاصيل ذكر لى أنه لن يمكنه البت فى الشكوى لعدم تخصصه فى الأمر وذكر لى أنه سيعرض الأمر على كبير الأطباء الذى سيحضر فى مرور دورى خلال اسبوع كما أخبروه، وبعد اسبوع جاءت سيارة عسكرية من مكتب قائد القطاع واصطحبونى الى القيادة، هناك عرّفنى القائد العسكرى على كبير الأطباء الذى استمع الى قصتى بالتفصيل، بعدها طلب منى الإنتظار خارجا بينما إستدعى الطبيب، وبعد فترة ليست قصيرة تم النداء على للدخول، واخبرنى انه امر بنقل الطبيب وتحويله للتحقيق بينما أخذ الطبيب يستعطفه ذاكرا ان ما حدث من خطأ كان أول مرّة وأنه سيحرص على عدم تكرار ذلك، وبدأ كبير الأطباء يرّق له ولكنه قال: يمكننى أن أعفو عنك فى حالة وحيدة إذا وافق هذا الرجل على ذلك"
هكذا كيف كان الإسرائيليون يتعاملون مع بدو سيناء، قطعا فإن الدهاء السياسى هو الدافع لمحاولة امتلاك قلوبهم، والقصص التى سمعتها عديدة، لقد حاولوا ونجحوا أحيانا فى التأثير على البعض، سألت يوما شيخا متقدما فى العمر عن رايه فى سنوات الإحتلال، رد على بتلقائية وبساطة " لقد كان للإحتلال الإسرائيلى عيوب...ولكن للإحتلال المصرى عيوب أيضا".
ليس لدى تعليق مباشر على كلمات هذا الرجل، ولكنى أتساءل إذا كان الإحتلال الإسرائيلى إستطاع فعل ذلك فى بضع سنين فى سيناء فما بالنا بما أحدثه ذلك الإحتلال لأكثر من 45 عاما بالجولان، ليس لدى اجابة دقيقة.



#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بهيج نصار ..والنضال الثورى لآخر نَفس
- الى ثوار 25 يناير...إحذروا ألاعيب الإخوان...الخومينى ورأس ال ...
- المسألة اليهودية...بين الماركسية والإسلام
- عن خيرت الشاطر أتحدث
- ثورة الزنج..إنتفاضة العبيد على دولة الخلافة
- دولة القرامطة..تجربة إشتراكية إسلامية
- الحشاشون..فرقة إسلامية إرهابية
- مابين 21 فبراير 1946 و21فبراير 2012
- اليهودية...ديانة مصرية
- بهيجة حسين..وذاكرة الأمكنة
- خلجنة المجتمع المصرى
- nknown
- القضية الوطنية والمسألة الفلسطينية فى الثورات العربية
- لائحة طلابية جامعية.. فى زمن الثورة
- يسار مغامر. أم مراهقة ثورية
- الإخوان المسلمون...إختلافات ورؤى 2- إخوان السودان و الدكتور ...
- الإخوان المسلمون .. إختلافات ورؤى 1-حركة النهضة التونسية
- كلام فى الثورة
- الشيوعية والأخلاق
- رثاء الرفيق الراحل ( رفيق عبد الستار الشناوى ).


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض حسن محرم - ذكريات من أرض الفيروزماذا فعل 15 عاما من الإحتلال الإسرائيلى بسيناء؟