مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 1103 - 2005 / 2 / 8 - 11:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
لماذا ظلت الحركة الشعبية، الفصيل الأم، توجد على يمين الحكم وليس على يساره؟ وما هي الخاصيات الثقافية والسياسية للحركات الشعبية؟ وما هو مستقبلها السياسي في ظل التحولات النوعية التي يشهدها الحقل السياسي ببلادنا؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل محاور هذه الورقة:
ظل فصيل الحركة الشعبية منذ بروزه إلى الوجود السياسي يتموقع بجانب الحكم، ذلك أن نخبته شاركت في العديد من الوزارات التي تعاقبت على تسيير الشأن العام الحكومي، مع العلم بأن الشروط السياسية التي أطرت ولادة هذا المكون السياسي وكذا الموقع الاجتماعي لأنصاره وطبيعة الشعارات التي رفعها في بدايته.. تعطي موضوعيا لأصدقاء المحجوبي أحرضان موقعا لا يبتعد عن صف القوى الديمقراطية.
تتكون الحركة في تركيبتها من عدة تشكيلات اجتماعية، أولا: من أعضاء من المقاومة وجيش التحرير بمنطقة الشمال والمغرب الشرقي الذي كان البعض منهم يعرف خلافا مع أعضاء ينتمون إلى الحزب العتيد، ثانيا: مجموعة من الأعيان ورجال السلطة كاليوسي والبكاي..وثالث: من تكتل يتكون من جماهير الفلاحين المرتبطين بالنظام القبلي والخاضعين لنفوذ الأعيان..
لقد بقي فصيل الحركة يشتغل في حكومات ضمن أحزاب سميت بـ"اليمين الإداري"، كما أن مواقفه السياسية اتجاه النظام السياسي لم تتغير حتى وهو في خارج الحكومة كما وقع في بعض المحطات لاعتبارات متعددة يمكن اختزالها في كون هذا الفصيل تماهى مع النظام السياسي إلى درجة أصبح معها يقول "أنا النظام والنظام أنا". فلماذا ظلت الحركة الشعبية، الفصيل السياسي الأم، توجد على يمين الحكم وليس على يساره؟
ـ الولادة العسيرة:
لم تكن مرجعية الحركة الشعبية واضحة بما فيه الكفاية، ذلك أن وجودها السياسي جاء ـ كما هو معلوم ـ في سياق سياسي اتسم بحدة الصراع بين حزب الاستقلال صاحب طموح الهيمنة والحزب الوحيد .. وبين أطراف سياسية مناهضة لأفكار هذا الحزب الاستقلالي.. وقد سبق لأحرضان أن صرح في أكثر من مناسبة رفضه الهيمنة الفاسية على الإدارة المغربية كقوله مثلا: "نحن لم نكافح من أجل الاستقلال لكي نفقد حريتنا..". وقد استطاعت الحركة الشعبية بقيادة أحرضان وعبد الكريم الخطيب، إيجاد موقعا سياسيا لها داخل الحقل السياسي، حيث تقلد الأول مسؤوليات حكومية والثاني رئاسة البرلمان الذي سيشهد فرض حالة استثناء امتدت من 1965 إلى عام 1970.. وقد تماهى فصيل الحركة الشعبية مع المخزن لدرجة فقد معها كل استقلالية، وظلت الفصائل السياسية المنبثقة عن الحركة الشعبية تدور في فلك "دار الملك" حسب تعبير المفكر عبد الله حمودي، إذ تصدى المخزن بقوة لكل محاولة تروم تحقيق نوع من الاستقلالية عنه ومثال كيفية إبعاد أحرضان "أمغار الأطلس" عن الحركة وإسنادها لمحند العنصر نموذجا في هذا الباب.
ـ خاصيات:
ظلت الحركة الشعبية تفتقد لمرجعية إيديولوجية وسياسية غير بعيدة عن النظام السياسي، ذلك أن خطب الملك هي أساس مرجعيتها ومواقفها لا تخرج عن الدفاع عن المواقف الرسمية، وهذا الأمر يفسره على سبيل المثال شعار "الاشتراكية الإسلامية" التي شكلت قاعدة برنامج الحزب في بداية نشأته، إذ ظل نفس الشعار حاضرا في مؤتمره الثاني عام 1962 ربما لتأثير الفكر الاشتراكي آنذاك، وكذا طبيعة النقاش السياسي داخل البيت الحركي، إذ ظل النقاش داخل تجمعات الحركة يتمحور في البدايات الأولى حول قضايا جزئية كـالحديث عن "الماعز" كما أشار إلى ذلك الكاتب الأمريكي واتربوري، كما أن معظم تنظيماتها لم تستطع التحول إلى مؤسسات حزبية حقيقية بالمفهوم العصري للمؤسسة (مع تقدم نسبي لحركة العنصر على مستوى الهيكلة والتنظيم)، ذلك أن أحرضان على وجه الخصوص ظل حزبه سجين منطق القبيلة يجسد شخصية "أمغار"، يحتكر كل الصلاحيات.. إذ نجده هو هرم الحزب يترأس المؤتمرات والمجالس الوطنية وأمين ماله والمفاوض باسمه وممثله لدى السلطات.. ولعل هذا الأمر يجد تفسيره في طبيعة الصراعات المتعددة التي خاضها أحرضان ضد منتقديه الذين كان ينعتهم بـ "المسخوطين".. فهي إذن، لم ترق إلى مصاف الحزب المؤسسة وظلت بمثابة منشأة تختزل في شخص زعيمها الأبدي الذي لا يقف ضده إلى المخزن وقانون البيولوجيا.. أيضا لم تستطع هذه الفصائل الخروج من دائرة نفوذ زعمائها، حيث نجدها متغلغلة أكثر في النسيج الاجتماعي لمواقع زعمائها، كذلك نجدها تنهل من نفس المعين، فكل الحركات ترفع شعار الدفاع عن العالم القروي والنهوض بالأمازيغية.. ويتحدث قيادوها في مناسبات الانتخابية وما شابهها باللغة الأمازيغية منصبين أنفسهم بالمدافعين عن مصالح البادية ضد أهل المدنية..، فضلا عن الصراعات التي عاشتها هذه الحركات في محطات تاريخية، ظلت مظاهرها حاضرة حتى بالأمس القريب.
أكيد أن هذه العوامل مجتمعة وغيرها، تشكل نقط ضعف هذه الفصائل السياسية، وتحول دون تبوئها مكانة متقدمة داخل الساحة الوطنية، مع العلم بأن هذه الحركات لها خاصيات مشتركة، قد تحولها إلى قوة سياسية في حالة معالجتها واستثمارها أحسن استثمار، فالحركات الشعبية تتوفر على عوامل توحدها أكثر مما تفرقها.. و لعل الخطوة الأخيرة المتمثلة في خلق اتحاد للحركات الشعبية قد أيقضت أهمية الوعي الوحدوي لدى العائلة الحركية مع العلم بأن مهندسي "العهد الجديد" ليسوا بعيدين عن ذلك.. وقد سبق لبوعزة إيكن أن أشار إلى ذلك في إحدى اللقاءات الرباطية..
وقد أبرز اتحاد الحركات الشعبية قوة هذه الفصائل لدرجة جعلت البعض يطالب بإجراء تعديل حكومي يعطي لهذه الحركات داخل حكومة التقنوقراطي إدريس جطو المكانة التي تستحقها سياسيا تماشيا مع النسبة العددية لممثليها داخل الغرفتين الأولى والثانية.
ـ التشتت والتوحد:
برزت كحركة شعبية بقيادة المحجوبي أحرضان في نهاية سنوات الخمسينات، لكن سرعان ما انشقت بفعل عوامل سياسية لم تكن يد المخزن الطولى بعيدا عنها وقاد مولودها الجديد "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية" كلا من رفاق الدرب عبد الكريم الخطيب وعبد الله الوكوتي، إلا أن هذه الحركة الجديدة أصيبت بجمود، خلافا لحركة أحرضان التي ستشهد في نهاية سنوات السبعينات من القرن الماضي إبعاد وجود قيادية من طرفه داخل تنظيماتها (المعتصم..)، واستمر الحال على ما هو عليه، ذلك أن سلوك أحرضان سيصطدم من جديد بمجموعة من قياديي الحركة، انتهى بتدخل الدولة لصالح هذه الجماعة التي تولت قيادة سفينة حزب الحركة الشعبية عام 1986 في غياب زعيمها الذي أجبر على الابتعاد إلى حين سمح له الملك الراحل الحسن الثاني بالعودة مجددا إلى ساحة الفعل الحزبي، حيث سيسمح له في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي بتأسيس حزب جديد تحت اسم "الحركة الوطنية الشعبية" بمراكش، ضمت بعض الموالين إليه إضافة إلى مجموعة من العناصر التي استاءت من أسلوب العنصر لإدارة شؤون الحزب.
وتجدر الإشارة إلى أن أحرضان حاول في البداية اللجوء إلى القضاء من أجل استرجاع حزبه، إلا أنه سرعان ما تنازل عن ذلك بعد أن استقبل الملك الراحل الحسن الثاني القيادة الجديدة للحركة. وفي أواسط نفس العقد التسعينات برزت الحركة الديمقراطية الاجتماعية بقيادة محمود عرشان، الذي استطاع في الانتخابات التشريعية عام 1997 احتلال نفس المرتبة من حيث عدد المقاعد مع حزب الاستقلال داخل مجلس النواب مستفيدا من الدعم الذي ألف المخزن يمنحه للحركات، الذرع الواقي له، في مناسبات كالانتخابات.. وهي الحركة التي تبنت فلسفة الوسط المقرب من اليمين، لكن الخمس سنوات الأخيرة ستعرف العائلة الحركية ولادة كل من الاتحاد الديمقراطي بزعامة بوعزة يكن، أحمد الموساوي، محمد الفاضيلي. وآخرون، حيث سيتولى في الأخير الأول قيادة هذا الاتحاد المنبثق أساسا من الفصيلين أي حركتي أحرضان وعرشان، وظهور حزب الإنصاف والتجديد بقيادة شاكر أشهبار، إطار سابق بحركة أحرضان، وحزب مبادرات التنمية والمواطنة لصاحبه محمد بنحمو، إطار بالحركة الشعبية ورئيس مركز لحسن اليوسي، وأخيرا حزب العهد بقيادة نجيب الوزاني المتحالف اليوم مع حزبي التقدم والاشتراكية والاشتراكي الديمقراطي ضمن "التحالف الاشتراكي"، مع التذكير أن حركة الخطيب تحولت في نهاية التسعينات إلى حزب العدالة والتنمية بعد هيمنة أصدقاء سعد الدين العثماني على تنظيماتها..، إذ ابتعدت عن الحركات الشعبية رغم العلاقة التاريخية التي تجمع شيوخها مع قادة الحركات.
لعل التحول السياسي الذي يشهده المغرب خاصة بعد الرغبة القوية للملك في تنظيم المشهد الحزبي والتي سبق أن أشار إليها بوضوح في إحدى خطبه داخل قبة البرلمان، فضلا عن إعداد مسودة قانون الأحزاب.. يجعل فصائل الحركات الشعبية تسير موضوعيا إلى الثكل والوحدة ولم لا الاندماج.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟