أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - طريف سردست - ضريح الولي والميت كلب















المزيد.....

ضريح الولي والميت كلب


طريف سردست

الحوار المتمدن-العدد: 3761 - 2012 / 6 / 17 - 14:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في صغري كنت اسمع رواية شائعة، لاادرى مدى الحقيقة فيها، كنت اعتبرها نكتة، كانت تتحدث عن شخصين مسافرين مع حمارهم. في الطريق يموت الحمار فيدفناه ويذهب كل منهما في طريقه. في السنة التالية كان احدهم يمر من المكان نفسه فشاهد ضريح وعليه اعلام فدخل اليه ليجد صاحبه القديم جالسا وهو يضع لفة على رأسه وقد اصبح راعيا الحضرة ويأتيه الزوار بالتبرعات والاضاحي. عندما طلب منه تقاسم التبرعات رفض صاحبه وهدده انه سيجلب على نفسه انتقام الولي. فأجابه:" تقصد الحمار الذي دفناه سوياً"؟".
وعند بحثي في غوغول مستخدما كلمة " ضريح حمار" ظهرت لي العديد من القصص الجديدة في هذا الشأن. غير ان قصة مماثلة ، حقيقية، موجودة في التراث المسيحي الاوروبي. والفرق بين قصصنا وقصصهم هو الفرق بين الماضي والحاضر.

فترة طويلة بقيت الكنيسة ترسل دعاتها في انحاء اوروبا، لمحاربة بقايا الاديان والاعتقادات والتقاليد القديمة. كان الرهبان الدومينيكان والفرنسيسكان يلعبون دور يشابه دور " هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" الوهابية وأتباع الحسبة والدعاة في العصر الراهن. كانوا ذراع الكنيسة الكاثوليكية. حوالي عام 1231 أوكل اليهم البابا غرغيوريوس التاسع مهمة " التفتيش". كان من واجبهم التجول والتأكد فيما إذا كان الفلاحون مسيحين جيدين ام انهم يمارسون الخرافات وامور تتعلق بعقائد قديمة.

الراهب الدومينكاني Êtienne of Bourbon من ضمن المكلفين بالتفتيش ، لم يصدق أذنيه وهو يسمع المرأة العجوز تروي بأيمان كامل عن المعجزات التي كانت تجري في الغابة خارج قرية فرنسية تسمى Villars-les-Dombes. الكثير من النساء كانوا ينصتون للرواية ويؤكدون ان الامهات كن يرافقن اطفالهن المرضى الى حد خطير وعند الوصول الى الحرش كانوا يعقدون قطعة قماش من ملابس الطفل على شجرة من الشجيرات. أما إذا تركت الام طفلها ايضا هناك، وعادت اليه بعد بضعة ايام، فأنه سيشفى بمعجزة بفضل سانت غوينيفورت (Sankt Guinefort), حيث كان ضريحه هناك.

هذه القديسة كانت مجهولة تماما لدى الراهب الدومينكاني، والرواية ينضح منها رائحة الخرافة، التي جاء للقضاء عليها. لهذا السبب شعر ان من واجبه ان يقوم بالمزيد من الاستطلاعات. بعد بضعة ايام من البحث تكونت لديه صورة عن مجرى الاحداث. يكتب الراهب الدومينكاني في تقريره قائلا" في البداية أعتقدت ان الكلام يجري عن قديس انسان، لذلك استمريت بسؤال الناس. في النهاية فهمت ان الامر يدور عن كلب". (De Supersticione).

حسب سكان قرية دومبس فإن الكلب (القديس) غوينيفورت قتله ، بدون ذنب او سبب، صاحبه الذي ينتمي الى النبلاء. عندما كان النبيل في رحلة صيد بقي الكلب في البيت يحرس ابن النبيل الذي كان طفلا يستلقي في سريره. عندما عاد النبيل الى البيت رأى على فم الكلب دم. من رعبه وغضبه سحب سيفه وقتل الكلب بضربة واحدة إذ انه أعتقد ان الكلب قد قتل الكلب. غير ان الطفل كان سليم والدم جاء من افعى قتلها الكلب ليحمي الطفل. النبيل خجل مما فعله وقام بدفن الكلب المخلص في بئر قديم وزرع حوله الورود، ورفع عنده لوحة تذكارية.

لم يطول الوقت حتى بدأ الناس يحضرون الى الضريح لقراءة الدعوات. كانوا يعتقدون بقوة ان هذه الدعوات ستعطي اطفالهم الصحة. لقد كان غوينيفورت، في أعينهم، حامي الاطفال.

كانت القصة مثيرة للاعجاب ولكنها لم تؤثر في الراهب الدومينيكاني الذي كان مصرا على إقتلاع رأس الكفر. حسب معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، يمكن للبشر وحدهم ان يكونوا اولياء، وليس الحيوان. لذلك قام الراهب المحتسب بأمر صاحب الارض بقطع أشجار الحرش في منطقة الطقوس. احجار ضريح الولي الكاذب جرى هدمها وتم نبش القبر واخراج جثمان الكلب وحرقها. وكل من جازف بالاستمرار بزيارة المكان يتعرض للغرامة الثقيلة أو مصادرة املاكه.

كان الراهب الدومينكاني فخورا بالانجازات التي قدمها للعقيدة وعاد عام 1262 الى مدينة ليون، معتقدا انه تمكن من إنتزاع الايمان بالقدس المزيف من قلوب الناس. غير ان الكاثوليك في جنوب اوروبا استمروا بالايمان بالولي الصالح الكلب غوينيفورت.

بسرعة نسيت الكنيسة طقوس تقديس ضريح الكلب في حين ان الفلاحين الفقراء، لم يتمكنوا من نسيان العمل النبيل للكلب، الذي اصبح رمزا في صراعهم مع جوع وموت الاطفال الرضع.

في منطقة Villars-les-Dombes كانت تنتشر الاراضي المغمورة بالماء والبركات تسمح بتكاثر البعوض وانتشار الملاريا. في الواقع ان غمر اراضي الفلاحين بالماء كان بنتيجة نشاط احد النبلاء الذي رغب برفع مستوى المياه ليتمكن من انتاج اسماك من اجل بيعها في فترة الفصح المسيحي، لكون الصيام يحرم عليهم اكل اللحم ولكن ليس أكل السمك. هذا الطمع لدى الاغنياء أدى الى انتشار الامراض والمجاعة تضرر منه بالدرجة الاولى اطفال الفقراء في المنطقة.

غير ان سمعة غوينيفورت على شفاء الاطفال المرضى انتشرت بسرعة الى بقية اطراف فرنسا. في القرن الثالث عشر اندمجت رواية الكلب المخلص غوينيورت مع أسطورة عن أنسان برأس كلب غونيفورتو Guniforto, وهي اسطورة عن قديس حقيقي تعترف به الكنيسة وكان قد مات بسهم. على مدى المئة عام اللاحقة كان يجري الدعاء لغونيفورتو-غوينفورت في كنائس فرنسا الجنوبية وفي مدن بافيا وميلانو الايطاليتين. كان الاعتقاد ان هذا القدس الصالح فعال على الاخص في مكافحة الطاعون.

فقط منذ عام 1879 ارتأى المؤرشف الكنسي لويس اوغسطين فايسليريه Louis Augustin Vayssiêre, ان من الضروري إعادة النظر في خلفية هذا القديس. لقد عثر على الوثائق التي كتبها المُحتسب الدومينيكاني ايتينيه وقرر إعادة دراستهم. كان اهتمامه نابع من كون الاحداث جرت في المنطقة التي ينتمي اليها. وبعد التدقيق ظهر له ان الفلاحين في المنطقة لازالوا حتى الان يذهبون للدعاء الى ضريح الولي، عالمين انه في الاصل كلب. فايسليريه آشار الى ان ذلك ممارسات جاهلية بوضوح " السكان يمارسون عبادة اصنام".

سيعتقد المرء ان الكنيسة ستقوم على الفور بإدانة "الخاطئين" ولكن ماحصل هو العكس تماما. عام 1886 كتب الخوري J. Delaigue مداخلة استنتج من خلالها ان المحتسب الدومينيكاني أخطأ في حقيقة الامور وجرى خداعه.

حسب الخوري ديدلاغو كان هناك بعض المازحين الذين ارادو ان يضحكوا قليلا فأقنعوا المحتسب الدومينيكاني ان الحجاج كانوا يتوجهون بالدعاء لكلب. بمعى اخر فالحجاج لايمكن ان يعتبروا خطاة لانهم، في حقيقة الامر، كانوا يتوجهون بالدعوات الى انسان. بل ويجب بناء كنيسة فوق الضريح الشريف حتى يتاح للمؤمنين بالقدس سانت غوينيفورت ان يهنئوا ويزداد عددهم، حسب اقتراح ديلاغو.

لم يجري بناء كنيسة، ولكن التيار بقي قويا. حتى بدايات القرن التاسع عشر كانت النساء لازالن يأتين الى الضريح للدعاء طالبات شفاء اطفالهن الرضع. كانوا يلقون بقطع نقدية مالية على الضريح تماما كما يحدث اليوم على اضرحة الائمة. كما كانوا يضعون احذية اطفال على الضريح على أمل ان يساعد ذلك على نمو الاطفال الى مرحلة المشي.

حوالي عام 1930ماتت طقوس عبادة الكلب، على الاغلب بسبب تغير مستوى الحياة في المنطقة وبقية اوروبا، وأضمحلال امراض الاطفال الى حدود دنيا. اليوم، في اوروبا، لم يعد الفلاحون محتاجون الى عبادة ائمة وقديسين وأولياء من اجل جلب السعادة لهم وحمايتهم من الفقر والكوارث وشفائهم من الامراض.

في الواقع عبادة غوينفورت ليست عبادة الكلب الوحيد في تاريخ ايقونات الكنيسة الكاثوليكية، إذ توجد عبادة اقدم منها، تعود الى القرن المئتين. قبل ان يتحول القديس سانت كريستوفير Sankt Kristoffer, الى المسيحية كان، حسب الارثوذكسيين (اصحاب العقيدة الصافية) شخص بطول مترين ومن آكلة البشر وله رأس كلب. حسب الاسطورة قرر كريستوفر ان يخدم السيد الاعظم بين الجميع. في البداية ذهب الى الملك الذي كان يعتبر اكبر الملوك. غير ان كريستوفير اصيب بالخيبة عندما علم ان الملك يخاف من الشيطان. لذلك ذهب الى الشيطان لعرض خدماته، على إعتبار انه الاقوى. ولكن ظهر ان الشيطان يخاف يسوع المسيح. لذلك اعتنق كريستوفير المسيحية واصبح يساعد اخوته في العقيدة في عبور النهر. في احدى المرات كان ينقل طفل. في الخطوة الاولى كان الطفل خفيف الوزن، ومع كل خطوة كان الوزن يزداد حتى اصبح لايطاق. لقد ظهر ان الطفل هو يسوع يحمل خطايا البشرية، ليصبح كريستوفر القديس الذي حمل يسوع.

الييزنطيين كانوا يصورون ايقونة القديس كريستوفير وهو برأس كلب. مع الزمن اختفى هذا التصوير واصبحت الكنيسة ترسم ايقوناته برأس رجل وهو يحمل طفل عبر نهر.



#طريف_سردست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائم جوزيف ستالين
- أهل الشام فينيقيين أم عرب؟
- شعب مُذهل وطنه البحر ولم تلوثه الاديان
- مسلمون فاشيون ام الاسلام فاشي؟
- فضيحة مساجد ستوكهولم
- هل تنتحر الحيوانات ؟
- هل جاءت الحياة الى الارض من الفضاء الكوني؟
- هل حضارات كونية من زرع الانسان على الارض؟
- الخازوق عبر التاريخ
- مظاهر استمرار تطور الانسان الحديث
- اجداد البشر: الهجرات المبكرة -4
- اجداد البشر: النيندرتال -3
- اجداد البشر: الايريكتوس -2
- اجداد البشر: ماقبل الايريكتوس -1
- الاصل التاريخي لمفهوم جهنم
- دروس ميكافيللية لحكام الشرق -2
- الميكافيللية وحكام الشرق -1
- الاسماء القبيحة وعلاقتها بالدين
- اصل الله في الديانات الوثنية -3
- الله انحدر عن عبادة الكواكب -2


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - طريف سردست - ضريح الولي والميت كلب