أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آکو کرکوکي - كركوك عبق التأريخ، ولذة الذكريات















المزيد.....

كركوك عبق التأريخ، ولذة الذكريات


آکو کرکوکي

الحوار المتمدن-العدد: 3751 - 2012 / 6 / 7 - 19:05
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سيداتي وساداتي…

تفضلوا الى أروقة مدينتي التي تتصدر نشرات الأخبار، وتصريحات الساسة، ولكنها في ذهني، تتصدر قائمة الأولويات، والمفضلات، كأجمل ذكرى، وأروع وطن. إنها مدينتي كركوك، التي أنحدر منها، والتي قضيت فيها، أجمل أيام حياتي.

تأخذك السرديات التأريخية، حين تسئله عن كركوك، الى الآلاف السنين قبل الميلاد. ولربما لن يفهمك للوهلة الأولى، إن لم تذكر له بوضوح، إنك تقصد بكركوك، مدينة أربخا أو (أرافا) القديمة. وعندها فقط ستتلو عليك قصص كل الجماعات، والأمبراطوريات، التي توالت على هذه الرقعة الجغرافية السهلة، المحاذية لجبال زاكروس العظيمة من جانب، ولهضبة جبل حمرين، ورافد الزاب الأسفل، من الجوانب الأخرى. والتي تقع الى شمال من بغداد، بحوالي المئتين وسبعين كيلو متراً.

ومن ثم تحدثك عن اللوحة المعبرة، والتي بالمناسبة، يمكن أن تتجلى، لأي رائ، في خرائط الجغرافية، وصفحات التأريخ، وأعني صورة، مدينتا السليمانية، وأربيل، حينما تحتضنان، مدينة كركوك، كأي أمٍ تحتضن مولودها الجديد، ولربما كانت، هي هذه الصورة، التي علمت الأمهات، ولأول مرة، كيف تحتضنَّ، فلذات أكبادهنَّ، فيما بعد. لاسيما، وقد تعلمت جل البشرية ، من ههنا، الحضارة، وكما سنقرء، لاحقاً.

وقطعاً سيستمر التأريخ في حديثه، إن لم تقاطعه، ليسرد عليك قصة أول السكان، أي الحورانيين، لينقلك بعدها الى الآشوريين، فالميديين، والساسانين، ويحدثك عن الجماعات الزاكروسية، والمهاجرة، التي كونت الكورد، والآشوريين، واليهود، والمسيحيين النساطرة، ولايتركك إلا وقد أفاض في الحديث، عن أول تعارفٍ لكركوك بالثقافة العربية، بعد قرون عدة، عن طريق الفتوحات الإسلامية، ومن ثم تعارفها بالقبائل التركية، التي هاجرت أليها أبان العصر العباسي، الى عهد السلاجقة، فالصفويين، فالعثمانيين. ومابين بين، كيف عرفت إسلامها الشيعة، والسنة، لتحول كركوك، مع شذرات، الصابئة، والمسيحين، والكاكائيين، واليهود، وغيرهم، الى لوحة فسيفسائية رائعة ، مُطعمة بكل لون، وكل طائفة، باعدادٍ ونسبٍ مختلفة.

وإذا كان التنوع الثقافي من سمات الحضارة، فإن الزراعة، هي أصل الحضارة، حيث نقلت البشرية، من الترحال الى الإستقرار، وهذا الحدث التأريخي الجليل، شاءت الأقدارُ أن يحصل في الهلال الخصيب، وتحديداً على أطراف كركوك، لتستحق بذلك لقب "مهد الحضارة"، وبكل جدارة.

المتجول في شوارع وأزقة كركوك، لايمكنه أن يتفادى قراءة التأريخ، ولو كان أُمياً، فالقشلة أو الثكنة العسكرية العثمانية، في وسط المدينة، ينقلك، الى الصفحة الاولى، من التأريخ الحديث للمدينة، ويكفي أن ترفع رأسك قليلاً، ليرتد بك التأريخ القهقري، وعبر الآلاف السنين، وأنت تشاهد القلعة الآشورية، التي لو أعتليتها ودخلتها، لقرءت فيها، صفحة عن التأريخ المغولي التيموري، وأنت تدخل مرقداً، يُعتقد، إن كل من الأنبياء حنين، وعزرا، ودانيال، قد دفنو فيه.

لايتطلب الأمر سوى إلقاء نظرة أخرى، نحو الأسفل، لكي ترجع مرة أخرى الى العصر العثماني، حيث كانت كركوك عاصمة أقليم شهرزور، لتهنئ بمنظر السوق القيصيرية، بأبوابها الرئيسية الأربعة، وهي تخبرك عن فصول السنة الأربعة، وأروقتها الأثني العشر، وكإنها شهور السنة، وبدكاكينها الصغيرة التي تساوي 365 دكاناً، بعدد أيام السنة. وأنت تتنقل من القلعة الى القيصرية، سوف تمر بسوق جوت قاوة، ودكاكينها القديمة، التي يغلب عليها مهنة الحدادة.

العديد من الجسور القديمة والجديدة، ستنقلك الى الجهة الثانية من المدينة. حيث المكتبة العامة وشارع الجمهورية. اما رحلةٌ، أخرى الى الشمال الغربي من المدينة، فسينقلك الى منطقة عرفة (آرفا)، ليحكي لك قصة جديدة جداً، وفي نفس الوقت قديمة جداً، عن كركوك. فالبيوت المبنية بالطابوق على الطراز الإنجليزي، في الصف الأول _فيرست كلاس_والصف الثاني_سيكند كلاس، تدلك الى لمسات الأنجليز، وشركة النفط، في لوحة كركوك، وعن التأريخ الحديث جداً. أما ما خلف عرفة، وتحت عرفة، فيقبع، بحرٌ من النفط الأسود، تلك المادة التي شكلت ركيزة أساسية من إقتصاد العالم كلهُ، وإقتصاد العراق معه ، ورسمت بدورها جغرافية، وديموغرافية، جديدة وجائرة لكركوك، في القرن العشرين. لتُسّتقطع منها مناطق، وأقضية، ونواحي، وتضاف لها أخرى، ولتُرّحل منها جماعات، وتُسّتقدم أليها أُخرى، وبكل تعسف. لتصبح كركوك، كمرآة، تعكس الوجه القبيح، للتطهيرالأثني، والتغيير الديموغرافي، وتميط اللثام، عن النفاق، الذي يدعي النبل، ويتغاضى عن تلك الحقيقة، وذاك الظلم.

لم يك إعتباطاً أختيار أسم (باوه گورّ گورّ- الأب الملتهب بالكوردية او السومرية)، لأول وأغزر حقل نفطي، تدفق منه النفط في كركوك وفي سنة 1927 تحديداً. فهي إشارة للنار الأزلية، التي تقع على أطراف (أرافا)، والتي تعود الى الآلاف السنين قبل الميلاد، حيث كن الحوامل يرتدنها، كي ترزقن بمواليد ذكور، وهذه الميثولوجيا القديمة، يوجد بموازاتها تفسير علمي، يُرجع أصل النار تلك، الى إشتعال الغاز الطبيعي المتسرب من التشققات الموجودة في القشرة الأرضية.

تتشابك، وتتداخل، مكونات كركوك في علاقاتها ومناطق سكناها، لكنك ستجد كثافة سكانية كوردية، في شمال وشمال غرب المدنية، وكثافة تركمانية، في وسط وجنوب غرب المدنية، نتيجة لحكم العثمانيين، الذي فرض التركية كلغة رسمية للدولة، فجعلت من صفوة المتعلمين، والموظفين حينها، يتسابقوا لتعلمها ليوظفوا في دوائر الدولة ، وليسكنوا، بالتالي وسط المدينة، وتنتهي جغرافية المدينة بكثافة عربية، في الجنوب، والتي توسعت فيما بعد السبعينيات، ضمن سياسات إستيطانية جائرة، للدولة العراقية.

وكما إن المتجول في كركوك، لايمكنه أن يهمل قراءة التأريخ، القديم، والحديث. فإنه لايمكن له أن يتجنب مناظر الأهمال، والقدم، والرثة، والفقر، التي أصابت بيوت، وشوارع، وأزقة، وسكان تلك المدينة المسكينة، التي أغنت الآخرين، وبقيت هي فقيرة.

شخصياً، أجد صعوبة كبيرة، كيما أرى ذاك الوجه المأسوي، والرث، على حقيقته، لحال مدينتي المنكوبة، المحبوبة. فعيوني، يعلوها غشاوة الحب، والذاكرة. فالذات، والموضوع، والحياد، والأنحياز، والمناطقية، والوطنية، يتماهوا، بل يفقدوا كل معان لها عندي، عندما أتألم، وأحزن عليكِ ياكركوك .ومازالت الأماكن، في كركوك، تعني لي، أكثر من مجرد بيوت، وشوارع، بل تعني لي ذكريات، وتأريخ، وزمن، وحياة كاملة.

حياةٌ رَسَمت ملامحهُ، تفاصيلٌ عدة، نعم ذكرياتٌ، مازلت حافظا، لكل تفصيلة فيها، وعن ظهر قلب، بالرغم من صغرها. ففي كركوك، تعلمت الحب، حب العائلة، والوطن، والصداقة، والآخرين، وحب كل شئ جميل، من الصوت الشجي لعلي مردان الى مقامات هابة، وفي كركوك تعلمت العربية، والتركمانية إضافة للكوردية، كأي كركوكي، يجيد اللغات الثلاث، هي إذن جنتي، وعالمي، الذي تعرفت فيه على الحياة. لذلك ففراق كركوك، جرحٌ لم يلتئم، ولا أعتقد إنه سيلتئم يوماً!

ختاماً أقولُ: لتنعم يا كركوكي، بالسلام، والإزدهار، ولتحضني أبنائك، مرةٌ أخرى بين جناحيكِ. فلقد مجدك التأريخ، بصفحات عدة، وأبتلاك الجيولوجيا، بمصيبة سوداء، وكأن الشيطان اللعين، لم يجد، غير أحشائك، ليخرج برازه فيها، فتغدو نفطاً أسود، يجذب رائحته، حثالة المستعمرين، واللصوص، والظالمين أليه، وحولك الى أيقونة، لا تنقر عليه، إلا وطوفان الألم، والحزن، والظلم، يتدفق منه، سائلاً، ومرتطماً، بوجوهنا . فبتي مع الشجن، وكأنكما، صنوان حميمان، لايفترقا.



#آکو_کرکوکي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروس من طائر النعام
- تأسيس الدولة، واللعب في الوقت الضائع
- ذاكرة سمكة
- ملحق : لمقالة القومية العراقية والكتابة بالحبر السري ( 2 من2 ...
- القومية العرّاقية، والِكتابة بالحبر السّري (1 من 2)
- كريستيان ڤولف وقيادة الشعب الجبار
- هَّمْ الوّطَنْ
- زمن الجياد السّكِرة، والضمائر المّيتة.
- في تبادلٍ لأطراف الحديث والأراء... مع الأستاذ جعفر المظفر
- الجماعات والقوميات المُضطهدة والبحث عن حياةٍ أفضل
- سؤال في موضوع ساخن!
- دولة جنوب السودان....عُذراً فنحن نحسدكِ!
- هل لنا بقليل ...من الحُمص والحلاوة؟!
- نُصف الكأس المُترع
- موجةُ تغيير ...أم موضةُ التظاهر؟
- العراق يُزاحم اللَّة في عرشهِ!
- تونس، تأملات في الهدوء الذي سبق العاصفة
- بعيداً عن الدَولَتيّة، وسلطة الرمْلِ،البحثُ عن حياةٍ أفضل!
- على هامش مقالة السيد نزار جاف- - أقليم الصخور والحديد-.
- التوافقية... حق الرفض لا الفرض!


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - آکو کرکوکي - كركوك عبق التأريخ، ولذة الذكريات