أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آکو کرکوکي - تونس، تأملات في الهدوء الذي سبق العاصفة















المزيد.....

تونس، تأملات في الهدوء الذي سبق العاصفة


آکو کرکوکي

الحوار المتمدن-العدد: 3247 - 2011 / 1 / 15 - 22:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قلما كان يتوارد في نشرات الاخبار، أسمُ تونس. ونادرٌ بالقدر نفسه، أن تجد، من لا يعرف، قصيدة أبو الشابي " أراد الحياة". أحد كلاسكيات الأدب العربي التونسي، ونشيدهُ الوطنيُ المُغنى، والذي كان يردده جمهرة من التونسيين، في خضم العاصفة، التي سادت هذا البلد الأخضر والجميل والهادئ، أو هكذا ما كان يبدو لنا، على الأقل.
سابقة تأريخية خطيرة ومثيرة، الى أبعد حد، وتستدعي الوقوف عندها كثيراً. وأعني: في أن تندلع إنتفاضةٌ عارمة، على واحدة من أصنام السلطة والقهر، في المنظومة الديكتاتورية العربية، وأن تفلح إنتفاضتها وفي فترة قياسية، بتنحية الرئيس. بعد هدوءٍ، دام لأكثر من ثلاث وعشرون سنة. وخاصةً وهي تأتي في خِضم ظروفٍ دولية، تُطالب أو تسعى لتغييرٍ في تلك المنظومة العربية، وعدة مؤشرات على تداعي ركائز الدولة لتلك المنظومة، وإهتراء نسيج مُجتمعاتهِ.
وأتوقعُ جازماً، بأن العديد من معارضي، وضحايا هذا النظام البائد، لسوف لن يوافقونني على الأقل على تسمية "البلد الهادئ". فأين هذهِ المقولة، من مُعاناتهم ونظالاتهم، سواءٌ في السنين اللواتي قضوها في السجون أو المهجرْ، أو في الأرواح، التي قضت نحبها سابقاً أو لاحقاً، أو حتى ضمن إنتفاضة البطالة والحجرْ. ثمّ ماذا تعني الهدوء، والعالمُ يعيشُ تداعيات ثورة المعلوماتية والخبرْ. فها هي ويكيليكلس تنشرُ تفاصيل فساد بن علي، وذاك اليوتيوب والفيسبوك، تنشران مأساة وأحتجاج بوعزيز، على حياة المهانة والبؤسِ والفقرْ.
وإذا كان هذا الهدوء الظاهري، قد أخفى خلفهُ، جملة من المحاولات الفاشلة والنظالات الفردية والجماعية المقموعة، فإن هذا القمع، لم يطل الآراء السياسية المعارضة فقط. بل إن النقطة المشتركة لأغلب الديكتاتوريات، وسرُّ بقائها لمُدةٍ طويلة، هي عدائها للمجتمع المدني بشكلٍ كُلي، ودأبهِ على إضعافهِ، وتفتيتهِ، وتحويلهِ الى ذرات مُتناثرة، وأفراد مقموعون أو قامعون مرتبطين بهِ. وهذا ماسيتبعه وبعد مرور السنين، الى تحول مشكلة المجتمع، من إبتلائهِ بنظامٍ دكتاتوري، وقمع حرياتهِ، الى فقدانه لبُنيتهِ المدنية، التي ترسم المؤسسات الأقتصادية الحرة، والأعلام، والأحزاب، والمنظمات غير الحكومية، ومجمل الفعاليات المدنية الاخرى، أهم عناصرها.
لايلحظ المرءُ، وفي غمرة متابعتهِ للأزمة التي أنفجرت في تونس، وطوال كامل مدتها والى الآن، وجود أحزاب معارضة قوية، أو شخصيات وقادة سياسين ذوي نفوذ، بحيث تمتلك من الجراءة، مايُمكنها من تبني، ولو جزئياً، هذه الأنتفاضة الجماهيرية.
وكما كان الحال بالنسبة للعراق أيضاً، حين أفرغ النظام البعثي البائد، الساحة السياسية العراقية من أي معارضة قوية " على الاقل في الجانب العربي منه"، فإن سقوط صدام كسقوط بن على، قد سحب خلفهُ، فراغٌ سياسيٌ رّهيب، وفوضى شاملة.
صحيحٌ إن الحالة التونسية تختلف عن العراقية، بإحتفاظ مؤسستا الجيش والشرطة لقوتهما، وسيطرتهما الجزئية على الأوضاع، إلا إن هذا ليس بالمؤشر الايجابي. إذا سلمنا، إن الجيش والشرطة، كانتا ولربما مازالتا، سببٌ من أسباب المشكلة، وليس جزءٌ من الحل. حيث كانتا الحارس الامين، والأداة الطيعة، لهكذا نظام وممارساته. وقطعاً تختلف الحالة التونسية عن العراقية، في بنية المجتمع التونسي، الذي لاتجد فيه الأنقسامات الحادة التي تعاني منها نظيرتها العراقية.
ويمكننا هنا أن نتأمل، في الأشكالية، التي يقع فيها الكثيرين، عندما يعتقدون، إن جذر مشكلة البلدان تلك، هيّ فقط، الأصنام الديكتاتورية. وبمجرد حمل فأسٍ إبراهيمي وكسرها واحدة تلو الأخرى، سيتبعه بالضرورة، حلٌ جذري وفوري، لكامل مشاكلها السياسية والأقتصادية والاجتماعية، دفعةٌ واحدة، وبتحولها الى واحات من الرخاء والسعادة والديمقراطية لمواطنيها.
أما الواقع التجريبي، فإنه يمدنا بنتائج تختلف جذرياً مع هذه النظرية الكلية والرومانتيكية. فبمجرد سقوط النظام البعثي، وحتى بعد إعدام صدام، وجد العراقيون أنفسهم، في لجِ جملة من المشاكل العويصة، من نقص الخدمات، الى التجاذبات القومية والطائفية، والفلتان الأمني...والخ. وكذلك التونسيين ومنذ اليوم الأول لسقوط بن على، فأنهم وجدوا أنفسهم في فوضى وأنفلاتٌ أمنيٌ وسياسي. وليس هناك مايضمن، حل مشكلة البطالة والفقر، في القريب العاجل.
ويكمن الخطأ، في الأعتقاد المُسبق، بأن الدكتاتور، هو مركز المشكلة، وليس إفرازٌ ونتيجةٌ لها. وفي مقالة سابقة، تطرقنا الى تقليدية المجتمع، والأقتصاد الريعي، وسيادة الأفكار الفاشية على خطاب القومية العربية. التي منحت شرعية ضمنية لولادة هكذا دكتاتوريات، ولكن إفراغ المجتمع من مقومات بناهُ المدنية لاحقاً، سيحوّل، وجود وإستمرار الدكتاتور، الى مُشكلة ثانوية، أو يحّول خلعهُ، الى مجرد خطوة، في مسارٍ متعرج وشائك، سيخطوهُ، من ينشدَ النظام ديمقراطي ويريد السير بإتجاهِ.
ثمةَ مقاربة، في عالم السياسة، متأصلة في برنامج الرومانتيكيين والكُليين، تؤمن بدور الثورات الدموية، في تحقيق برامجها اليوتوبية وبخطوة واحدة، ويقابلها مقاربة تأريخية ماركسية، تؤمن بحتمية الثورات حتى بدون تخطيط مسبق. وكلاهما تؤمنان بولادة فورية لعالم الرخاء والسعادة الكاملة، بعد الثورة.
وأذا كانتا هاتان المقاربتان، تؤمنانِ، وبشكلٍ راديكالي، بضرورة إعادة صياغة المجتمع بشكلٍ كُلي، فإن أعمق المطبات التي تقع فيها، هيّ تحديدها لهذا الهدف السامي، والبحث عن-، أو حتى تبرير الوسائل والمنهجية المؤدية اليها.
وقبل المضي قدماً في نقد هكذا مقاربة بشكل أكثر تفصيلاً، فإننا نذكر، بأكثرهما تميزاً، وهي الرؤية الأفلاطونية. التي ترى السياسة على إنهُ فنٌ ملكي، وبكل مايحمل كلمة "فن" من معناً يعرفهُ القارئ، في كونهِ وسيلة لنشد الجمال. فهكذا سياسي يسعى في النهاية الى رسم صورة جميلة للمجتمع. فالسياسي الفيلسوف، كالرسام، يتخذ من المجتمع قُماشتهِ، ليصنع منها تحفته الفنية، والصورة المثالية الماثلة في مُخيلته. وكلما حاول وفشل في رسم تلك الصورة، رمى قماشتهُ، ومحى صورتهُ كاملةً، وأتى بأخُرى نظيفة، وجديدة، وأعاد الكرة مرة أخرى.
هذه الصورة الجميلة، يراها أفلاطون على إنها تمثل جوهر الأشياء وأصلها، وقد وجدت في الماضي السحيق، ولكننا فقدناها بسبب التغيير والإنحطاط. أم صورة كارل ماركس الجميلة، فموجودة في المستقبل، وسيتم الوصول لها عبر الثورات الدموية، التي ستحتمها قوانين المادية التأريخية.
وسواءٌ إن بحثنا عن صورتنا الجميلة الجذابة، في الماضي أو في المستقبل، فإن الرؤى التنبؤية واليقينية والراديكالية هذهِ، لاتملك أدنى حق في إن تعتبر المجتمع، مجرد قُماشة، ترميها وتُعيد نصبها مراتٍ ومرات، لمجرد رسم صورتهم الجميلة، التي ليس لها وجودٌ الا في مُخيلاتهم. ولاتملك الحق بخداع الناس بنبوتهم المزيفة، التي ترسم لهم الفردوس وجنات الخلد الوهمية، والتي تستحق التضحية بالأرواح والثورة الدموية من أجلها. ولكنها تصبح ذات قيمة لو إنها لجُمت بالعقل. وجردت من يقنيتها بإمتلاك الحقيقة، ومن راديكاليتها، التي تسعى لصياغة المجتمع بكافة أنظمتهِ بشكلٍ كُلي، وبثورة واحدة. وجردت أيضاً من تنبؤيتها، بأن هدفها المنشود والكامل الجمال، حتميُ التحقق.
لن يتحول تونس الى الديمقراطية بمجرد سقوط بن على، كما لم يتحول العراق من قبل بمجرد سقوط صدام. وإذا كانت الأنتفاضة الجماهيرية التونسية، وكل النظالات والتضحيات التي قدمها العراقيون، هي محط إحترام وتقدير وقد أتت أكُلها بإسقاط الطُغاة، فإنها بالتأكيد لم ولن تحل مشاكلهما جميعاً ولن تحقق الأحلام بالرخاء والسعادة، الذي كان ومازال يعول عليه اصحاب النزعة الرومانتيكية.
فكما أسلفنا سابقاً. فالعبرة في حل المشاكل سواء الأجتماعية أم السياسية أو العلمية منها، ليس بتحديد الهدف مسبقاً، بل بالمنهجية المُستخدمة في حلها. وإذا إِتخذنا من منهجية المحاولة والخطأ، وسيلة لحل تلك المشاكل، فإنهُ سيؤدي بنا الى عدة نتائج عقلانية الى أبعد الحدود.
فأولاً: سيكون إعترافٌ بجهلنا بالحقيقة، وإن مانقوم به مجرد محاولة قابلة للخطأ، الذي يستدعي التحسين والنقد، أي اللايقينية.
ثانياً: ضرورة تكرار المحاولات لأكتساب الخبرة وتقليل الأخطاء، وهذا يعني عملياً، الجنوح للمحاولات الجزئية المتواضعة والصغيرة نسبياً، لتقليل نسبة الخطأ، أي الأصلاحات الجزئية، والمستمرة بلغة السياسة، وتعني تخلينا عن الراديكالية الثورية.
وثالثاً : المحاولة تقتضي ضمنياً النتائج الأحتمالية، أي اللاحتمية. فأنت تنتقل من حل مشكلة الى ولادة مُشكلة أخرى غير مقصودة.
إن فسح المجال أمام النقد وتعدد الأراء، والركون الى الحلول الجزئية، والأصلاحات البعيدة المدى، هي الملامح التي ترسم وجه الأنظمة الديمقراطية، وتغذيها بالقوى الدافعة، للأستمرار والأستقرار معاً.
وهي النتائج التي زودتنا بها منهجية المحاولة والخطأ. ويمكنها أيضاً أن تزودنا بتفسيرٍ عقلاني لحال العراقيين والتونسيين بعد سقوط أنظمتهم، إذما أعتبرنا تغيير أنظمتهم مجرد محاولة، تستدعي النقد والتمحيص، وقد ساعدتها فعلاً في حل مشكلة الديكتاتور، ولكنها فتحت ألابواب على مصراعيه، لدخول مشاكل أخرى، أكثر الحاحاً، الى أجندتهما. مثل مشكلة الأمن وبناء المؤسسات المدنية، وتحسين وأصلاح المنظومة الأقتصادية، والفكرية، والخدمية، في جوٍ من الحرية والتعددية والتواضع والعقلانية في برامجها السياسية. فالفراغ في بنى المجتمع المدني ومؤسساتهِ، هي المشكلة والتحدي التالي، التي تجابه، تلك الشعوب.
فإذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ، فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ للعقل، وَلا بُـدَّ لِلحلمِ الرومانسي أنْ يَنْجَلِــي.




#آکو_کرکوکي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعيداً عن الدَولَتيّة، وسلطة الرمْلِ،البحثُ عن حياةٍ أفضل!
- على هامش مقالة السيد نزار جاف- - أقليم الصخور والحديد-.
- التوافقية... حق الرفض لا الفرض!
- إنَّ اللّة لا يلعب النرد...!
- العراق: حشد السجالات العقيمة والعنيفة
- القومية وسرطان الحزبية
- المُدبلجات المُؤدلجات المُتحجبات
- كورد ولكن...!
- لحظة هدوء...بعد ضجيج الانتخابات (الجزء الثاني).
- لحظة هدوء...بعد ضجيج الانتخابات. (الجزء الاول)
- حَجَرْ الزاوية
- عودة البعث الى جمهورية البُدّعْ
- جَرّائِمْ وبَرّاعِمْ - بإقتباس مِنْ کُراس مُذکراتي


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آکو کرکوکي - تونس، تأملات في الهدوء الذي سبق العاصفة