أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آکو کرکوکي - كورد ولكن...!















المزيد.....


كورد ولكن...!


آکو کرکوکي

الحوار المتمدن-العدد: 3019 - 2010 / 5 / 30 - 22:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الايام الماضية, أحتفت بعض الاوساط الاعلامية الكردية والعراقية, الرسمية والشبه رسمية منها, بفوز شخصية "ناظم الزهاوي" بمقعد في البرلمان البريطاني. تلك الشخصية التي وصفها بعضهم, بأنها "كردية" وآخرون بأنها "عربية " أو"عراقية" او حتى " إسلامية" أوتشكيلة من بعض هذا أو كل هذا. إلا إنَّ الفارس ورجل الاعمال والسياسي المنحدر من أٌسُرة الزهاوي, ذو الاصول الكردية, والذي هو رمزٌ للأنسان الناجح, ويتمنى الجميع أنتماءهُ لها, أقولُ إن هذا النائب الكريم فضَّلَ الحديث باللغة الأنجليزية أثناء مقابلتهِ من قبل قناة عراقية, ولا أدري إنْ كان قد زارَ العراق أو كردستان يوماً.
البشُرة الاخُرى والكبُرى التي زفتها تلك الاوساط الاعلامية أيضاً , كانت عندما أحتفت بفوز "كرديٌ" آخر, برئاسة حزب الشعب الجمهوري في تركيا. الا وهو " كمال كليچدار أوغلو" بعد إستقالة رئيسهِ العلماني والقومي المتشدد والسليط اللسان " دنيز بايكال", أثر فضيحة جنسية مع إحدى النائبات في البرلمان. والحزب المذكور هو من أعرق الاحزاب التركية أسسهُ "كمال أتاتورك" في سنة1932 وتلاهُ في الرئاسة ساعدهُ الايمن "عصمت أنينو" الذي كان ينحدر من أصولٍ كردية أيضاً ( أنظر: الحركة الكردية المعاصرة لعثمان علي). وفي فترة أخُرى تولى رئاسة الحزب المذكور, بلند أجويد العلماني ذو الميول اليسارية, الذي أشُيع عنهُ بأنهُ من أصولٍ كردية أيضاً. وفي فترة تولي الاخير, رئاسة الوزراء, أستطاع بمعيّة مؤامرة دولية, أعتقال الزعيم الكردي "عبد اللة أوجلان", ويتذكر الجميع, الطريقة المُهينة, التي تعامل بهِ, مع هذا الرمز المهم للشعب الكردي. وكما يقول مارتن فان برونسن " فيمكن تقريباً لكل شخص في تركيا أن يجد لهُ جداً كردياً إذا عاد فترة كافية الى الوراء".
وعودة الى الكمالي الثاني "كليجدار أوغلو", العلوي المولود في تونجلي, فإنهُ وعشية توليهِ المنصب, نشر محمد نورالدين (الخبير في الشؤون التركية ومؤلف لعدة كتب عنها) مقالة في صحيفة السفير, وصف بها "كليجدار" بانهُ علمانيٌ متشدد و نزيه ولكنهُ كخُلفائهِ في الحزب,لايؤمنون بشئ أسمهُ "الهوية الكردية" في تركيا. وفعلاً وبعد أيام قلائل وفي أول خُطبة لهُ, صَرّحَ: بأنهُ لا وجود لمسئلة كوردية في تركيا بل إن هناك مشكلة "فقر" في المحافظات الجنوبية الشرقية...!
وعجباً...فالشعب الذي مازال ينبعُ من تأريخهِ أنهارٌ من دماء أبناءهِ, لأجل تلك الهوية. والشعب الذي مازال ينبعُ من أراضيهِ, أنهار الدجلة والفرات. ويعومُ على بحارٍ من النفط. والساكن في أراضيهِ المحتلة, تلك التي كانت يوماً, مرفئ نوح ومبعث الحياة على الارض ثانية, ومبعث أول ألاديان التوحيدية وأول القرى الزراعية في التأريخ. أصبحوا مجرد "فقراءٍ" يتصدق عليهم الـ"چلكدار" هذا والذي نبتهج اليوم, بالمناسبة الميمونة, لتوليهِ رئاسة حزب الكماليين..!
يذكرنا "كمال كليجدار" بـ" ضياء كوك آلب Ziya Gokalp " الكردي المتُترك من ديار بكر والذي يُعتبر من أهم مُنظري الفكر القومي التركي "الطوراني" ( انظر كتاب عثمان علي المذكور, ص159). أما نظيرهُ على الجانب العربي فهو "عبد الرحمن الكواكبي", الحلبي المنحدر من أصولٍ كردية (حسب فالح عبد الجبار) وتلميذ الافغاني والذي يعتبر أول من دعى الى (وحدة العرب على الاساس الوطني) بإقتباس. وهناك بعض المصادر الغير المؤكدة التي تُرّجِع " زكي الارسوزي" العلوي المنحدر من أسكندرون والاب الروحي للبعثيين الى أصولٍ "كردية" أيضاً.
وبعيداً عن الجانب الفكري, فإنَّ هناك شخصيات أخرى, ذات أصولٍ كـُردية كانت ناشطة ومؤمنة بالقومية العربية ولربما يحضرنا من بينها "بكر صدقي", القائد العسكري, الذي قام بأنقلابهِ المشهور في العراق في 1936 والذي تصدى بعنف لأنتفاضة الاثوريين والبارزانيين, ولا يغيب عن بالنا ألاصول " الكردية- الشركسية" للسياسي الداهية, نوري السعيد والذي كان من أوائل من خططوا لتعريب مدينة كركوك ولربما المثال الاكثر سوءاً تمثل بالمُستعرب "طه الجزراوي" الذي كان يلبس عگالهُ وغطرتهُ حتى يوم أعدامه.
إنَّ المفارقة المؤسفة, أنْ تظهر هكذا شخصيات, المنحدرة من أصولٍ كردية, لتصبح مُنظرة ومؤمنة ومؤثرة في حركاتِ قومية, عربية كانت أم وتركية. واللتانِ تحولتا في فتراتٍ طويلة من تأريخيهما الى حركاتٍ عنصرية, تفرزُ سمومها في جسد الشعوب المتعايشة معها وبجوارها. شعوبٍ, ليس الكوردُ أولهم ولا الأرمنُ آخرهم. بل أن هناك أضافة لهم. الشركس والعلويين والامازيق والقبطيين والدروز واليهود وآخرون, أستقلوا نفس القطار, الذي ساقهم نحو المحرقة العروبية والطورانية.
الجدير بالملاحظة والذكر, إنَّ هذه الحالة لم تقتصر على الشعب الكردي فقط. وإنما تجدها في معظم الشعوب المظلومة والمذكورة سلفاً. فرواد الفكر الطوراني وأعمدة حركة تركيا الفتاة وجمعية الاتحاد والترقي ليسوا بترك, فـ"أحمد رضا" من أصولٍ شركسية-مجرية, وأنور باشا بولوني وجاويد باشا وعمانؤيل قرة صو من يهود الـ"دومنة" وطلعت باشا وزير الحرب كان مجرياً ( حسب عثمان علي). والمعروف أن عفلق كان مسيحي أرثوذكسي , وهناك العديد من القادة العراقيين المؤمنين بالقومية العربية من أصولٍ تركمانية أو أثورية وغيرهم. لا بل أن شعوب بأكملها أستعربت أو تتركت. كشعوب شمال افريقيا والشرق الاوسط.
ولربما يرجعٌ هذا في قسمٍ كبيرٍ منهُ الى اولاً: الفتوحات الأسلامية التي حملت معها أول بذور التعريب وسمت بميسمهِ مناطقٍ واسعة. وثانياً: قرون الاستعمار العثماني التركي التي جعلت من التركية لغة الادراة والعربية لغة الدين فيما كانت تسمى بنظام الملل. وثالثاً موجة النزعة الاصلاحية ومن ثمة الدستورية في الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية قرن العشرين والتي أفضت الى نزعة قومية تركية لاحقاً, المتأثرة بالافكار والرأسمال الغربي, المتدفق نحوها وقتذاك. والتي رأت النورعلى يدي جمعية الاتحاد والترقي ومن بعدها تركيا الفتاة. أوالنزعة القومية العربية التي جاءت كرد فعل لها وتمتعت بعد الحرب العالمية الاولى بدولٍ قطرية أنشئتها بدعمٍ غربي. وكلاهما كانتا صهرية ومالتا نحو الاندماجية الصهرية لمجانسة الاختلافات في دولهم, ليرسموا بذلك تغيراتٍ هائلة في تخوم الاثنيات التي حكمتها.
وبذلك يكونُ ماذكرناهُ, من توصيفٍ, لتلك الشخصيات, من أمثال " ضياء وانينو وكليجدار وصدقي والكواكبي.. والآخرون" فاتحاً لنا السبيل للأحتجاج, من جهة والتوقف من جهة أخرى, عند الابتهاج والأحتفاء بهم.
لأنهم بهذا الشكل لا نعرف كونوهم كورداً أم لاكورد؟ أو كورداً ولكن..!
و"لكن" كانت هنا , بمثابة حرفُ أستدراكٍ لما قبلها من معلومة. وهي ليست بعاطفة فالواو هي العاطفة. كما إنّ "كمال كليجدار" ليس بعاطفٍ, على أهلهِ وقومهِ ولايعلن الأنتماء لهم, بل لايعترف بوجودهم أصلاً.
فلنستدرك, قبل أن يفوتنا العقلانية ولئلا نضل ونضيع في توصيفاتٍ مزاجية وجعجعةُ أعلامية ننسبُ فيهِ هذا وذاك لنا, فقط لأنهُ حقق نجاحاً ما وإن عادانا..! وننبذ غيرهُ –كما سناتي عليهِ لاحقاً- لأنهُ خالفنا وإن حابانا..! ولنطرح أذن التساؤل التالي: ماذا نعني عندما نقول فلانٌ كوردي أو عربي أو تركي أو عراقي أو أيراني أو بالأحرى ماذا عنت أو تعني اليوم النزعة القومية أو الأمة...؟
يُعرَّف النزعة القومية على أنهُ العمل السياسي لأجل حفظ حدود الامة في أطار دولة- قومية (التنظيم السياسي المعترف به عالمياً), وحدود الأمة تتحدد بالثقافة التي بدورها تتحدد بالدين (كالقومية الأسرائيلية) او العرق والنسب(كالقوميات الأفريقية) أو اللغة والذاكرة المشتركة (كالقومية العربية) أو مجموع العوامل تلك مجتمعة (كالقومية اليابانية-كلهم نفس الدين واللغة والعرق) (فالح عبد الجبار). والمعروف أن النزعة القومية والدولة القومية هي نتاج الحداثة وهي من المسائل التأريخية الفتية على الرغم من أن القوميين يميلون دائماً لئن يعطوا جماعاتهم بُعدٍ تأريخي.
يفرق أنتوني سميث بين " الفئة الاثنية" و"الاثنية- الأمة". فالأولى مجموعة من الناس لهم ثقافة مشتركة وتصورات مشتركة حول التاريخ والذاكرة والأصل المشترك. أما الثانية فهي كالأولى إلا إنَّ أفراد الجماعة تلك, يشعرون -إضافة ً لِمَّ ذُكر- بأحساس بالتضامن والأنتماء والولاء للجماعة.
تقترب الجماعة الى شكل "أمُة" عندما تتكون عندهم حالة إندماج عالية, تخلق بدورها ثقافة جماهيرية عامة وتتكوّن درجة عالية من التكامل الاقتصادي والسياسي بين الأفراد. تأتي الدولة بعد ذلك لكي تحفظ حدود الامة هذه وتعطيها الأستمرارية (مثلاً النموذج الألماني والأيطالي والأمريكي التي كونت الأمة قبل الدولة), أو تأتي الدولة لتقوم بدور بناء الامة للجماعات التي تضمها بسياساتٍ توحيدية ( مثلاً النموذج البريطاني والفرنسي).
أذن نستنتج مما سبق
أولاً: الولاء والأنتماء عامل حاسم للتفريق بين "الفئة الاثنية" و"الاثنية- الأمُة".
وثانياً: بناء الأٌمُّة وخلق الحدود لها, مُرتبط بالفعل السياسي, التي يمكن ان تخلق الاندماج الاجتماعي والتكامل السياسي والاقتصادي من جهة أو تؤثر في العوامل المكوّنة للثقافة من جهة اخرى, لتخلق حدودٍ جديدة للجماعة (مارتن فان برونسن).
تمارس الدول والسلطات المتنفذة فيها ذاك الفعل السياسي, عن طريق انتهاج سياسات تعليمية موحدة بلغة رسمية موحدة وبناء مؤسسات موحدة تزيد من الولاء والانتماء الوطني كالمؤسسة العسكرية ومؤسسات خدمية وأقتصادية تحاول ان تخلق عدالة أجتماعية وتقلل الفوارق الاجتماعية وتقوم بمشاريع ضخمة للمواصلات والاتصالات تربط أجزاء الوطن الواحد مع بعضها. اما في الدول الاكثر تقدماً فانها وبالاضافة لم سبق تبني مؤسسات قضائية نزيه, تحفض حقوق الجميع وتساويهم أمامها, وتتبنى أنظمة ديمقراطية تكفل للجميع مشاركة واسعة في القرار والثروة. وبذلك ينشأ او تحفظ تخوم الامة وتخلق للفرد أسبابٍ موضوعية ومادية أضافة للأسباب الفكرية والعاطفية للأنتماء لتلك الأمة.
الفعل السياسي للدول التي تقاسمت كردستان, نجحت الى حدٍ ما في أن تتلاعب بالعوامل المؤثرة في الثقافة الكردية , فنشئت أجيال لا تعرف لغتها والاخرون منقسمون بين لهجاتٍ متعددة (سوراني, بهديني ,كرمانجي, كلهوري, زازئي ..الخ) بل ان اللغة نفسها تأثرت باللغات الرسمية لتلك الدول. وأصبح هناك صيغ مختلفة لقراءة التاريخ. وكانت للاستقطابات الطائفية والدينية ( سنة, شيعة,علويين, مسلمين ,مسيحين, يزيدية واهل الحق او الكاكائية.. والخ ) تأثيرٌ في خلق تخوم جديدة داخل الجماعة الواحدة.
أي كما يقول عباس ولي تشكلت اربعة ثقافات كردية مختلفة في الدول التي تتقاسم كردستان فأمتد الفعل السياسي لكي تخلق بذلك ولاءات وانتماءات جديدة كالانتماء التركي (كما في حالة ضياء وكليجدار مثلاً) او العراقي او الايراني او السوري وهكذا. لِتزاحم الولاء والأنتماء الكردستاني. لا بل أن عوامل ذاتية كردية أخُرى جعلت من ولاءات وأنتماءات قبلية وحزبية بحتة تتخطى الولاء القومي في أغلب الظروف.
يشاطر المفكر الكردي (جمال نبَز) الفكرة القائلة ان العامل الحاسم في تفريق الكردي والكردستاني عن غيرهُ هو ليس أجادتهِ اللغة او كيف يفسر تأريخهُ أو ماهو دينهُ وطائفتهُ وأنما أحساسه بالأنتماء. فهو يورد الكثيرين من الكورد في العراق وتركيا اللذين لايجيدون الكردية ولكنهم يعتبرون نفسهم كورداً. وكما رأينا فان الاصول والنسب أو العرق أو حتى معرفة اللغة في حالة " ضياء وانينو وكليجدار وصدقي والكواكبي.. والآخرون" لم يكن كافياً لئن يَعتبروا نفسهم كورداً.
كما تم ايرادهُ فأن النزعة القومية التركية كانت بسبب التأثيرات الغربية. أما النزعة القومية العربية والكردية فكانتا كرد فعلِ ومولودتان من رحم النزعة القومية التركية. يُشابه عبد الجبار بين النزعة القومية الكردية والعربية في عامليين بنيوين مهمين فكلاهما كانتا نزعتان سابقتين لتكوين الدولة (في حين بنى العرب دول لهم بمساعدة الغرب وفشل الكرد في هذا) وفي أن كلاهما كانتا سابقتين لتحول المجتمع من التقليدية الى الحداثوية. أما عباس ولي فيرى إن هذه المحددات البنيوية وتشظي الكورد على أكثر من صعيد ثقافي وعلى أكثر من دولة أبقت النزعة والحركة السياسية القومية الكردية "مُجهضَّة" من جوهرها وتكتفي بمطالبات بحُكمٍ ذاتي أوسع و حقوقٍ ثقافية ضمن أطار الدول القومية التي تعيش فيها. أو بالأحرى بقت أو أ بُقيت كـ"فئة أثنية" دون أن تتطورالى أمُّة ودولة.
في المقابل نرى أن المحددات البنيوية لدى القومية العربية جعلهم يبنون دولٍ فاقدة للاستقرار ومأزومة على طول الخط. ففرخت أنظمة دكتاتورية تعاملت بشوفينية مع غير العرب. ولم تجلب للعرب نفسهم سوى هزائم وحروب وفقر وبطالة وكبت وقمع ومشايخ ووراثة وشعوبٍ مستهلكة وهامشية وغير منتجة وحولتها كمستنقعات لنمو الارهاب والتطرف الديني.
تجربة أقليم كردستان التي تعيش اليوم أرهاصات مرحلة انتقالية مهمة, تشهد الساحة السياسة فيهِ جدلاً واسعاً بسبب نوع من التعددية التي أوجدت من بعد انتخابات تموز الماضي. ويبدو أنهُ حين تشتد الأزمات تفرز الاطراف السياسية عن مكنوناتها الحقيقة دون ان تدري. فالملاحظ انهُ أذا كانت الظروف التأريخية والاجتماعية قد جمعت القومية الكردية والعربية في محدداتٍ بنيوية -كسبقها لتكون الدولة وتقليدية مجتمعاتها- فأنه ولربما الأختلاط والتفاعل الاجتماعي المباشر خلق نوع من العقل الجمعي المتأثر بالمنطقية العربية في الفهم السياسي لذا تكرر حججها وشعارتها عندما تتأزم.
وقبل الأيغال في هذا الامر لِنُذكر بآفة الدوغمائية Dogmatism(و بأقتباس من الموسوعة السياسية) "فهو نهجٌ فكري يقوم على التزمت والإيمان المطلق بامتلاك الحقيقة. والكلمة تعني في الأصل (الصحة المطلقة) ولقد اكتسب مغزىً سياسياً وأجتماعياً سلبياً ليصف المناهج والأساليب الفكرية المتعصبة والمتحجرة والتي تجافي المنطق والمعقول وهناك بعض الحركات مثل الشيوعية والفاشية وبعض الحركات الدينية المتزمتة. تعتمد هذا النهج وتصف كل خروج عن مقولاتها وعقائدها بالانحراف".
هذا النهج يخلق دائماً ثنائية قطبية في الاصطفافات والتخندقات السياسية في داخل المجتمع الواحد وفق معايير سياسية بحتة. والتي تولد جماعات مُنغلقة على نفسها تخاصم وتعادي الآخر. ومن جملة الثنائيات تلك هي: الملاك والشيطان, المؤمن والملحد, المسلم والكافر, الوطني والخائن, العراقي الشريف والعراقي غير الشريف, التقدمي والرجعي, العربي والشعوبي وهلم جراً. ويبدو اننا نريد أنْ نضيف بيتاً جديداً لهذه الملحمة الجامدة لنقول "حزبنا وحزبكم أو وطنيتنا وجحوشيتكم"...!
لذا فأن التعددية ذلك المفهوم الليبرالي "الذي ينظر الى المجتمع على أنه متكون من روابط سياسية وغير سياسية متعددة ذات مصالح مشروعة متفرقة . وأن التعدد والاختلاف يحول دون تمركز الحكم ويساعد على تحقيق المشاركة وتوزع المنافع" (مقتبس من المصدر السابق). اقولُ ان التعددية هذه يتم تفسيرها وفق الدوغما تلك على انها "شقٌ للصف الوطني او صفوف المؤمنين او الكادحين " أو خروجاً عن المسار والنهج القويم ومؤامرة وطابور خامس مدعوم من يدٍ خارجية وهكذا.
وخطابات الدكتاتوريات وثقافات القومية العربية حافلة بما ذكرنا, حتى باتوا هم نفسهم, ينكتون ويتندورن, على تلك الافكار التي كانت سائدة في الخمسينيات والستينيات. لابل أن الأنظمة والأيدولوجيات المأزومة تلك كانت أمام ازماتها الداخلية تهرب دائماً الى الامام بأختلاق أو تعظيم الخطر الخارجي مثل "جمع الكفار والملحدين والغرب والامبريالية والفرس المجوس والصهيونية" وهكذا دواليك.
اوردنا في جزئية من المقال تأثير الفعل السياسي والمنافسة القومية للدول التي تتوزع عليها كردستان على المطالبات القومية الكردية, لذا فأننا لانريد ان نغالط ونقول ان لاوجود لسياسات معادية كبيرة تجاه التجربة الكردستانية بل أن هذا واضح ومعلن جهاراً نهارا.
ألا ان مواجهة الخطر الخارجي لايتم وفق الاستراتيجة والتجربة الفاشلة لغيرنا, بإنتهاج الخطاب الاقصائي التهميشي لنصف من يخالفنا بالرئي السياسي وضمن أطار مجتمعنا بالمنشق والخائن والجحش والمتأمر و الطابور الخامس والسادس ونطالب بأجتثاثه وبتره وأقصائهِ. ولا من باب العقلانية بناء علاقات غير سوية بين الفرد والقائد التي تميل لأن تبتدء بعلاقات تحكمها العاطفة من حب وغرام وتسليم كامل لكارزمية القائد اوكره وخصام تنتهي الى عداء. فهذه العلاقات سرعان ماتفضي الى علاقاتٍ جامدة أما وثنية تقدس القائد وتعبده او أغتراب وانقطاع يغني كل طرفٍ على هواه.
بل المواجهة تتم ببناء امة قوية ومتماسكة يحس الجميع بالانتماء لهُ والانصاف فيه. وبناء علاقة سوية عقلانية تفاعلية متوازنة بين الفرد والقائد يؤئر فيهِ القائد بكارزميتهِ في الافراد فيحفظ الاستقرار ويمنع الفوضى. ويؤثر فيه الافراد على القائد بمسائلته على أدائهِ ووعودهِ وقراراتهِ وسياستهِ. علاقة قانونية ترسم الدساتير بنود العقد المبرم بينهم يحترم ويطيع فيه الناس القائد في ما هو مصلحة الكل ويعارضوه فيما يخرج عن هذا.
أن مشكلة الشعب الكردستاني قومية بالدرجة الاولى, وهي لم تجني من مشروع أدماجهم القسري بالدول كتركيا والعراق وسوريا وأيران سوى سياسات صهرية وحملات أبادة وقتل جماعي وانكار للوجود لذا بات همهم فقط ان لاينقرضوا وان يعيشوا بسلام. وهناك من الدول والجماعات مايكفي ليدافعوا عن الدين والطوائف الاسلامية او ليدافعوا عن "الاممية" ويقوموا بـ"الثورة الاجتماعية الموعودة" او ليدفعوا عن الهوية العراقية والتركية والايرانية, لذا لاينبغي أن تكون هذا من الشأن الكردي أو على الاقل ضمن أولوياته.
بل أن تجربة أقليم, كردستان هي فرصة ذهبية لأعادة التلاحم وبناء هوية كردستانية مدنية, تضم كل الاختلافات باللغة والنسب والدين والعائشين ضمن أطار كردستان. وهذا لايكتمل باتخاذ علم ونشيد وخطابات نارية وحماسية تعبوية فقط بل بالاضافة لذلك باتخاذ أجراءات مادية وسياسة, فوقية عمودية, توحد فيه اللغة الرسمية الكردية وتوحد قوات البيشمرگة وتبني مؤسسات حكومية مهنية , ونزيه, تقوم بمشاريع بنى تحتية تقلل الفوارق الاجتماعية وتربط اجزاء الوطن الواحد مع بعضها. وتسمح بتعددية يحس فيها الجميع بالحرية والتشاركية. وتكسر الولاءات الحزبية والعشائرية والمناطقية والمحسوبية التي ورثنها من المراحل السابقة وتحولها الى ولاءاتٍ كردستانية بحتة. وأن المطالبات تلك هي في جوهرها نزعة قومية لايمكن أن تكون مؤامرة مخطط لها من قبل اطرافٍ سياسية خارجية. عراقية كانت ام تركية ام أيرانية لتهدد أمن الاقليم. فهذه النزعة القومية الكردستانية ومطالباتها هي بالضد من الامن القومي لتلك الدول.

[email protected]



#آکو_کرکوکي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظة هدوء...بعد ضجيج الانتخابات (الجزء الثاني).
- لحظة هدوء...بعد ضجيج الانتخابات. (الجزء الاول)
- حَجَرْ الزاوية
- عودة البعث الى جمهورية البُدّعْ
- جَرّائِمْ وبَرّاعِمْ - بإقتباس مِنْ کُراس مُذکراتي


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آکو کرکوکي - كورد ولكن...!