أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خضير الاندلسي - خيّاطة تُلهمني معنى الحياة!















المزيد.....

خيّاطة تُلهمني معنى الحياة!


خضير الاندلسي

الحوار المتمدن-العدد: 3732 - 2012 / 5 / 19 - 21:28
المحور: الادب والفن
    



كثيرا ما اتجنب الغوص في مسائل شائكة لاعتقادي بأن مسيرة الحياة لايُستحق ان يرى منها غير السعادة التي يصنعها البشر من خلال استيعاب محيطهم ببساطة وجعله خال من الذمر. فأن تكون سعيدا فانت مبدع بلاشك,لكنه غير الابداع الشائع! فمعظم الناس يربطه بالتعقيد! بمعنى ان تكون مبدعا عليك ان تتبنى التعقيدات حتى في بسيطات الاشياء ولهذا نجد نفورا بل وأبتعادا عن الاشياء الجميلة التي خلقها الانسان, الكتاب كونه مصنفا ضمن خانات البحث عن مجهول يُفسره البعض تعقيدات عقيمة, وهو حديث يظهر في مجالس العامة من الذين انشغل اغلبهم بمهام الحياة التافهة كاللهو والزواج مثلا!, مما يجعلهم يسهبون بالتعليق عمّا سيؤول اليه الضائع من وقتك في القراءة, باعتقادهم, والذي اكتسبت من خلاله معلومة ما!
دعاني الى فنجان قهوة وأخذ يتكلم عن امور الزواج والعمل والشهرة المرتبطة بالمال ,وضع ساقه فوق الثانية متكأً للوراء مقهقها وبألتفاتة نحو سقف الغرفة شبه المظلمة أخذ يحدثني عن تجاربه مع النساء الواحدة تلو الاخرى ,استوقفني حادثا جاء في كلامه مغازه استنجاد امرأة ثلاثينة بشهامته حين حاول بعض الاشقياء التعرض لها في نادٍ ليلي, بلغتني الكثير من الانسانية التي يحملها في ضميره على الرغم من المأخذ السلبي الشائع كونه يرتاد النواد الليلية ويحتسي الخمرة بافراط, لكنه من جانب ثان طيب النفس, سمح الوجه,منشغل بتجارته بعيدا عن الفساد الذي طال البعض ومنهم المعممين واصحاب المبدأ في بلادي.وقتئذ احتضرت ذاكرتي ماضيات المواقف التي لا تقوى على مبارحة مخيلتي ,فقبل شهور ألتقيت بمحض الصدفة مع اصدقاء عند موقف الباص القريب من قصر الثقافة والعلوم في وارشو وحينها أستنجدت بنا فتاة زاهية بعد ان ازعجها شاب سكير ,وبينما نحن نحاول تقييد يديه كي يتسنى للفتاة الهرب, اقترب منا رجال البوليس فطلبوا هويتنا واوقفونا لثلاثة ساعات في مركز الشرطة بداعي التعرض لسكير وهذا الامر لم نعترض عليه البتة لما فيه تجاوز حدود القانون! لكن الغرابة في الامر ان بعد ايام استلمنا بلاغا عن بريدنا المنزلي كتبته انامل ذات الفتاة ارغمتنا فيه على متابعة الحضور الى مركز الشرطة بداعي التعرض لخطيبها. صباح اليوم اللاحق ألتقينا مع ضابط الشرطة الذي ابلغنا بضرورة دفع غرامة مالية للسكير,مبلغ بسيط, فعلناها وبضحكات عنفوانية غادرنا المكان وقد خطّ التفائل ابتسامات مشرقة على وجه الاصدقاء كون الحياة ميّزت بعضنا عن الاخر وأعتقدنا حينئذ اننا نمثل الصفحة المشرقة الساعية الى مد يد العون غير مخبئة خداع او مرتدية قناع! استحضرنا كلام احد المفكرين في ان الانسان مرآة نفسه وما يصدر عنه من انفعالات ينبغي الا تكون منسجمة مع مايفرضه الواقع من متغيرات خارجية غير متفقة مع ذواتنا الانسانية, وهو ما يفسر ان بعضهم يعيش عبدا خانعا في بلدان الحرية,اخرون يحيون احرارا في بلدان القمع , فالمكان والزمان ليسا بالضرورة قياسا لمجمل سلوكيات الانسان ,لانه يُبدع في طلب الحرية بغض النظر عنهما شرط ان يسلم للواقع ويكسر اغلال الخوف داخله, وليس معايشة المنفى بحجة ان الوطن لايصلح للعيش, فابراهيم حمدي دافع عن وطنه الجميل بشراهة الى ان قتل بطريقة تراجيدية تعكس مدى تعلقه به, فوصل به الحال رفض السفر على متن باخرة متوجهة نحو مرسيليا, لانه عاش عذابا ضمائريا في خوالجه كونه يمثل شعبا انتخبه بطريقة عفوية خالية من اوراق التزييف!ابراهيم حمدي ليس شخصية متجسدة في رواية احسان عبد القدوس"في بيتنا رجل" وحسب ,بل هناك جيوشا تسير على خطاه, كامل شياع مثلا ترك بروكسل وتوجه صوب بغداد التي استشهد فيها, كتب في مقاله الموسوم"عودة من المنفى" عدت إلى العراق قبل عامين، لأدرك أنني بلغت غاية ما صبوت إليه: أنهاء شعوري بالسأم من الإكتفاء بعدّ سنوات الهجرة، من البقاء بعيداً عن وطن طالما تخيلته جميلاً وأنيساً رغم جنونه وقسوته، ونزع ثوب الغربة عن نفسي لأرى الواقع كما هو عارياً من اغلفته وبريقه، النطق بلغة المقيم في الوادي لا المتطلع من أعلى التل، والتعايش بأدنى التوقعات مع مواطن البؤس والغرابة والقسوة, انتهى! وكأنه في اعماق قلبه ينشد للمتنبي نونيته "بِم التعللُ لا أهلٌ ولا وطن -ولا نديمٌ ولا كأسٌ ولا سكنُ" ففي وقت يقيم البعض في المنفى ويحرص على دفنه في موطنه الام, اختار شياع حياته وموته في ذات الارض!
وبالعودة الى موضوعنا الذي قصدناه من الحوار الذي دار بيني وبين خيّاطة سبعينية حمّل في طياته حزن كبير لان الانسان ينعت احيانا بخصال قد لايمت لها بشيء. ثم يشعر نفسه مضطهدا للحظة ويزداد حزنه كون المتقصد لم يكن يشأ بل الظروف اجبرته ,الظروف تصنع الانسان وليس العكس, فاللص يتواجد في احياء الجشع والمفسد في اروقة الدولة والشاعر في مجالس الادباء وهكذا الاشياء في موضعها. ناولتني قطعة القماش مفصّلة في ابهى صُوّرها وبعد ان اعطيتها حق جهدها ,كان عليها ان تعيد المتبقي من المال فأفترت عليّ وأقسمت بانها اعادته. لم اكُ ارغب في التعليق كون المتبقي يسيرا ,المرآة مسنة ولربما ان للعمر احكاما لكن ان يصل الحال بان تتهمني بالانتهازية فانها خارج ما توقعت. لم يفارق الهدوء محله في روحي وأهديتها ابتسامة جعلت مني المتهم الاول بنظرها. مضيت ضاحكا وعند عودتي والمطر يتساقط بلا هوادة وجدت قطعة معدنية على الارض تعادل ما تبقى من المال. اختلط سروري بالمطر ليس لاني وجدت مالا بخسا (اقل من دولار امريكي), لربما كان صاحبه بحاجة اليه, بل لان الحياة تأبى معارضة العدالة , شعرت بان الدنيا تواسيني بامطارها الغزيرة وتحاول ارضائي بمفارقاتها الغريبة!
في طريقي الى البيت عادت بي الذاكرة الى الحوار الذي ترك انطباعا جيدا عن خبرة الخيّاطة حيث وجهت سؤالا مباغتا لرجل حزين جالس في ذات المكان عن مفهوم النساء من وجهة نظره كي ينقضي وقت انتظاره لقطعة القماش, قال وبدا تأثره واضحا لربما في رواية قرأها قبل الايام او تجربة عاشها اخيرا ,من ان النساء اللائي يحاولن الألتفاف حول الرجال, على الاغلب, ليس حبا بهم بل حرصا على مستقبلهن من الضياع, ,احيانا تبالغ احداهن بمشاعرها تجاهك مع قلة لقاءكما معا او بالكاد انعدامه, وأن بكاء المرأة اذا ما انفصلت عن حبيبها قبل الزواج ما هو الا بكاء على حظها التعس وليس على حبها له كما يتصور هو او كما تحاول ان تتبنى الفكرة هي, فمعظم النساء يقرئن الحب بطريقة مادية والدليل لو توفر اكثر من خيار لديها في ان واحد فانها ستتجه صوب الأنضج ترفا اولا ثم يجرها نحوه الحب بصورة ثانيا.قال لي احدهم ان زوجته تعطي اولاده منزلة ارفع منه وأسمى اثناء تعاملاتها معهم وهي بالتاكيد مستعدة للتضحية به في سبيلهم معنى الايام كفيلة بالتغيير, فالتحول من الانتقال بعقيدة الى التصديق بنقيضها ليس مستغربا بل امرا طبيعيا يحتاج الى شجاعة مستميتة من قبل المعني, لكن الانتقال من عاطفة الى اخرى يمكن عده جنونا حد المبالغة لانك قد تواجه شخصا احببته يوما مختلفا تماما ويزداد جنونك لو كنت اتخذته حبيبا.
ان تحول "فلان" الذي كان متعطشا لسماع انغام ام كلثوم منتصف الليل الى ذبّاح في احدى مجاميع الارهاب بعد اعتقاله في ضواحي بغداد وبجنبه جثة "عمي" الذي خطفه بمساندة مرافقيه وساوم على روحه معنا ببضع دراهم (60.000 دولارامريكي) ليس تحولا فكريا وانما يمكن عده تحولا عاطفيا متخبطا مع الايام. وهو اخطر انواع التحول.
رحم الله من قال:, العاطفة اذا تركت وشأنها دون واعز عدت لهيبا يتلظى حتى يُخمد!

وارسو 2012



#خضير_الاندلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول مواقف بغداد وأربيل المتشنجة!
- حول ازمة الحريات في العالم العربي!
- كاردنال مع مثلي وشيخ مع إيمو!
- نزعة التصوف في فكر السيد الموسوي!
- اغتيال حرية الفكر-المدون السعودي مثالا-!
- شكرا لمن احرق القرآن!
- ارفع رأسك انت عربي
- تراث الإهانة في الاسلام


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خضير الاندلسي - خيّاطة تُلهمني معنى الحياة!