أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - سمير الفيل، وسحر المذاق الشعبي















المزيد.....

سمير الفيل، وسحر المذاق الشعبي


سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 3721 - 2012 / 5 / 8 - 21:31
المحور: الادب والفن
    



سمير الفيل مبدع مصري من طراز خاص ، يكتب النقد والقصة والرواية والشعر ثم انه أيضا عمل بالصحافة ، ولم يأخذه شيء من شيء ، فهو غارق في الجميع ، ويجد وقتا للجميع ،وتشربه بالبيئة الدمياطية جعلت لأسلوبه طعم خاص، طعم المذاق الشعبي الفريد، الذي يظهر عندما يصور الأزقة وأسطح البيوت القديمة وبائعي الترمس والعرقسوس ، نرى في أعماله جمال الروح الإنسانية الأصيلة وهى تحنو على الأشياء برفق، من خلال لغة فصحى تداعب بحنان لغتنا العامية .
سمير أبدع لغته بشكل عفوي, عندما أبدع نصوص تحوى رهافة السخرية من تناقضات الواقع ، مم يكشف عن حس وطني أصيل وصادق .
وقصصه غالبا تلتزم بيئة محددة وتكشف عن شعائرها الحياتية ومع ذلك فهو ينشغل أحيانا بنسج خيوط من القداسة والسحر على منوال التوتر .
والسرد في بعض قصصه يعتمد على حكي موغل في أعماق البيئة وأعماق الأسطورة ، وأهمية هذا السرد الموغل في الأسطورة يتمثل في البعد المتجّذر في البيئة الشعبية، الذي يعتمد على مرويات سحرية وخرافية، تكتسب قدرا كبيرا من الأغراء وتتوغل في أعماق الإنسان الشعبي .. بحيث تسيطر على كيانه الداخلي .
وتحمل أسماء أبطاله رموزها مثل مسعود قشطة في قصة ساق وحيدة .
وعلى خلفية التضحيات في الحرب ، ثم عمليات النهب الجارية في المجتمع المصري يأتي دلالة الاسم الذي وظف بشكل فني فهو يعبر عن مفارقة ..البطل سمى ( مسعود ) كدلالة على السعادة والبهجة واللقب أو الأب ( قشطة ) يرمز إلى الخير لكنه يرمز أيضا إلى البياض فالسعادة والخير في زمن ابيض يوحي بهم اسم ( مسعود قشطة ) لكن المفارقة تكمن إن الاسم ذاته يصبح ساخرا في الزمن الحالي ، زمن ضبابي لا يحترم التضحيات بل النهب والسلب ..
لكن أبطاله أحيانا يخرجون من مناطق الضعف والغياب ويتألقون في منطقة الضوء المشرف بالفعل الخلاق ، كما حدث في قصة حبه جوافة عندما يقدم لنا " نموذج لمجند يتنازل عن حقه في الفاكهة، إذا لم تكف الثمار عدد الجند و وهذا المجند، الضعيف البنية القصير المعطاء، والذي يؤثر الغير على نفسه ولو كانت به خصاصة، هو بذاته الذي ينقذ رفاقه أثناء الحصار وقد فقدوا زادهم وماءهم بما ادخر من قوته .
وينفجر الفعل الخلاق أيضا في قصة ساق وحيدة عندما يصمم بطل القصة الذي فقد ساقه في الحرب على شراء الحذاء دون إن يترك الفردة الأخرى بل يصمم للحصول عليها .. بالإضافة إلى عدم الندم الذي عبر عنه بهذا الفعل الخلاق فقد احتفظ لساقه المفقودة حق الحضور الحياتي .. لكنه أيضا بعث من الغياب عالم التضحيات والفخر بالوطن ، وقذف إلى منطقة الغياب واقع حالي متفسخ بأكمله
وبالرغم من الضعف الإنساني والأوضاع المتدنية لأبطاله ، إلا إنهم يكشفون في مواقف معينة عن شخصياتهم الفريدة إثناء الارتكاز على العطاء الإنساني , والامتزاج الفريد في الوطن .. باعثين للوجود معاني الرجولة والوفاء والحرية والكرامة .
الاختلافات والتناقضات ، الجبن والشجاعة ، الأنانية و الكرم .. الرجل والمرأة ، الخير والشر ، ثنائيات تطفح في قصص سمير الفيل وتميزها مع حسه الفني الأصيل .
وفى قصة عم جمعة يظهر ذلك بكل جلى .. وهى ما ستناولها بتفصيل :
وأسلوب القصة يقوم على تكثيف نوعي لشخصيات تعبر عن الواقع عبر خطاب ثنائي ، خطاب مدركا بوجود أخر مختلف ومغاير، فعبر القوة نرى الشخصيات الضعيفة تقاوم ، وعبر المادة نرى الروح تظهر وتبرز ، وأمام الشهوة المسيطرة يقف بشموخ الجمال الإنساني ، أمامنا شخصيات تأتى فعلا بقوة الواقع ، بعضها تسايره ، وبعضها تقاوم ضده ، وبينما ينجح عم جمعة والحاج خليل في ممارسة طقوس حياتهما الخاصة ، يفشل الآخرون ، ورغم إن بنية النص تقوم على صراع ، فنحن لا نرى مسبقا نتيجة ذلك الصراع ، ولا في نهاية النص أيضا ، لأنه صراع يعبر عن واقع ، وهذا الواقع ليس منتهيا .. لأن تناقضات الحياة مستمرة ، القبح لا يسود ولا الجمال أيضا .. الثنائيات موجودة ومستمرة في الحياة .
و هذه هي أهمية نصوص سمير الفيل ، التي تعيد اكتشاف الواقع من خلال تحركات بشرية قد لا نبصرها ، أو نبصرها دون تمعن حقيقي فيها ، هناك في غالبية نصوصه دائرة مؤنثة ، أما ترفعنا أو تحطنا .. ومن خلال هذه الدائرة يكشف عن طبيعة الحياة وتركيبتها وحيويتها الفياضة .. صحيح أن سمير الفيل يملك الأصالة والخبرة ، لكنهما وحدهما غير كافيان .. انه أيضا يملك الحس الإنساني ، لأنه هنا يحاول جاهدا تجسيد شيء ما ، شيء لا يمكن تجسيده إلا مع معاناة تجمعه مع عامة الناس ولا تفصله عن أحاسيسهم أو رغباتهم وتطلعاتهم .
وفى نصنا هذا يركز الكاتب على طباع بعضها متدني وبعضها نبيل إنساني ، إن تراكم هذه الطباع وكشفها يعطى أثرا هاما على تلك اللمحة الجميلة التي أوردها الكاتب بين السارد وفوزية :
(كانت تعرفني، صمتت لبرهة: "عايزة من بابا فلوس، علشان أجيب للبيت فول وطعمية".
كانت تمسك طبقا، وتنظر نحو المآذن العالية في رهبة ، سألتها : "ممكن تستني ، وهارجع معاك" . هزت رأسها موافقة ، ونظرت نحوي بابتسامة صغيرة كالشمس أول طلوعها .
أبقيتها أسفل البيت الذي يوجد المخزن في طابقه الأول ، أحضرت البضاعة الناقصة ، وجدتها في انتظاري، سألتها : "الساعة كام ؟" ضحكت في براءة : "مفيش معايا ساعة"
قلت لها، وأنا أتمعن في طابع ست الحسن على ذقنها : "تيجي نحوش ، ونشتري ساعة ، أخدها أسبوع وأنت أسبوع ؟".
سرت للفكرة ، حتى أنها وضعت يدها في يدي اليمنى الخالية . شعرت بالسعادة ، ورأيت البؤبؤ يلمع في حبور. نط قلبي ، وقفز من بين الضلوع ، فقد كانت فوزية حلوة التقاطيع ، ولها عينان سوداويتان في غاية الرقة . )
لم يخاطر الكاتب بوهج عاطفي بين براعم تتفتح على الحياة ، بل اكتفى بتقارب لم يتوهج ويشتعل ، وبذلك ضمن نص موضوعي متوازن مع الواقع ، وفى تلك اللمحة نرى براعم تتفتح وتتقارب مع الحياة ، تصطدم بطباع متدنية :
("ولد . أوعى تكون بتستغفلني ، حاكم أنا عارف حركات العيال المفاعيص!".)
هو طبع متدنى يكاد يغلف مجرى الأحداث .. لكن الكاتب يوزنه بطبع نبيل انسانى من عم جمعة:
(، وهو يقدم لي نصف ساندويتش الفول : "ربك يرزق الطير في الحجر ، فما بالك بالأدمي يا واد يا فلفل" )
إن خطاب سمير الفيل هنا يعبر عن نفسه بلغة لماحة تسعى لإعطاء البراعم فرصة للكشف عن طبيعتها :
(وددت أن أعمل مع عم جمعة ، وكنت أعرف أن أمي سترفض لا محالة، ولقد حزنت لذلك كثيرا.)
عناصر في النص كثيرة مضطربة ، الشهوة والرغبة ، الجمال والقبح ، النبل والطمع ، كأن النص يبعثر روحنا ثم يعود ليجمعها ، وفى تلك اللحظات التي يبعدنا فيها عن الدين كما في هذا المقطع :
(جاء ولد بطاسة بخور نحاسية دخل المحل بدون أحم ولا دستور ، أطلق البخور في المحل، وقعت عين الحاج عليه، انتفض في غضب ، وصرخ فيه : "أبعد يا زفت".
بعد ربع ساعة لاغير دخل المقرئ ، وعدل القفطان ، استوى على المقعد واهتز جسده الملظلظ قبل أن يقرأ ما تيسر من سور القرآن الكريم ، وحين انتهى ، حملق فيه الحاج، وزغر له بعينين فيهما أثر الحشيش : "بكرة ، إحنا لسه ما استفتحناش بأبيض ولا أسود" .)
إذا به يعيدنا بلمحة بسيطة ورائعة إلى الله :
(كانت تمسك طبقا، وتنظر نحو المآذن العالية في رهبة )
وفى لحظة خاصة تقترب البراعم من بعضها :
(وهارجع معاك" . هزت رأسها موافقة ، ونظرت نحوي بابتسامة صغيرة كالشمس أول طلوعها )
هذه لحظة رائعة يكون من السوء مقاطعتها ، إنها أشبه بهمس السكون ، وسحر الشفق ، لكنها للأسف قوطعت بشكل فج :
(("ولد . أوعى تكون بتستغفلني ، حاكم أنا عارف حركات العيال المفاعيص )
كأن القبح يبعثر الروح والجمال الإنساني ، قبح بدا كأنه مسيطرا ، ولكن تم إحداث توازن عبر التمني العمل مع عم جمعة .
يوجد بالنص توازن بين الواقع النفسي للشخصيات والواقع الخارجي .. توازن دقيق ومدهش .. الفقر المادي تمثله شخصيات مثل عم جمعة لكن هذه الشخصيات تحمل في داخلها غنى روحي يتدفق عبر تراث ديني متوغل في البيئة الشعبية ، ويقابل الفقر غنى مادي نراه في الحاج خليل البطاحي مع فقر روحي تام وعدم القناعة بالرزق والجري وراء الشهوات .رغم انه حاج مما يكشف عن سخرية كامنة في النص من الأوضاع ، وعن فوضى قوة الأقنعة الزائفة وسيطرتها على الحياة .. وعن التعارض بين الحقيقة والواقع
واقع تفضحه شخصيات ، تتحرك في مساحة لا تسيطر عليها قوة الضمير الخلاق .
يضع سمير الفيل شخوصه في أوضاع مزدوجة تسمح لهم باختيار طريقة للحياة ،عبر خطاب ثنائي ، لكنه يضعنا في النهاية أمام يأس يعبر عنه بقوله :
(وكنت أعرف أن أمي سترفض لا محالة، ولقد حزنت لذلك كثيرا. )
وهو يأس يملك القدرة فقط على التمني ، لكنه لا يملك القدرة على تنفيذ الاختيار ،
ومع ذلك فالنهاية مفتوحة على احتمالات ، احتمالات يضعها القارىء بنفسه ، من حيث الرفض أو القبول ، كأن الكاتب بنهايته تلك يتركنا متأرجحين لنضع نهاية نقبلها ، وبذلك يشركنا في العمل ، نحن لسنا مع أي دعوى بأن المبدع سمير الفيل يؤرخ لحياة مصرية ، قد يبدو ذلك شكلا ، لكنه لا يؤرخ لحياة ، بل يضعنا في أتون تلك الحياة ، عبر لغة لا تعرف الزيف ولا التأنق .



#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محسن يونس،والنسج بتراث الماضي
- دمروا مصر !!!!!
- العولمة، بين إمبراطوريتين ..!!
- قضية الأسرى... بين مطرقة الانقسام وسنديان التفاوض
- السلب والإيجاب في الإعلام الاجتماعي
- مصر .. الخسارات !!
- رئيس يتجاوز بنا ثقافة القهر !!!!
- التهميش والتفكيك بمصر
- عصر الجواميس والبقر!!
- توزيع الفلافل بالبطاقات بمصر..!!!
- مراوحه المكان
- البرادعى .. انسحاب أم هزيمة ؟؟
- أزمة إبراهيم أصلان
- مثقفي سيناء، وتأسيس المستقبل
- ثقافة سيناء،وثقافة دلتا النيل..!
- ضد الصمت
- هزائم لا تمسنا
- وزير ثقافة بلا مثقفين !!!
- المجمع العلمي والسقوط في الرماد
- في الليل سأحكى عن الليل


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد رمضان على - سمير الفيل، وسحر المذاق الشعبي