أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - خواطر غير سياسيه














المزيد.....

خواطر غير سياسيه


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3707 - 2012 / 4 / 24 - 21:29
المحور: المجتمع المدني
    


من فوق عرشي المطل على شارع طالما عشت فيه شبابي ، كنت احتسي قدح الشاي المعفر برائحة الهيل في مقهى هي الوحيدة التي بقيت لا تشكو من الهرم ، ولم تصب جدرانها بمرض الزهايمر ، فتبدو ذاكرتها وكأنها شعلة زيتها لا ينضب .. كل الوجوه من حولي غريبه ، ولم يتبرع أحد من رواد تلك المقهى بالنظر الى زاويتي التي اجلس فيها ، فكان ذلك مدعاة لفرحي بوحدتي الجميله .
فيروز تقاوم نعاسها ، وهي لا زالت تنتظرقمرها البعيد فوق سطح الدار، لتتلقفه قبل ان تحضى به جارتها فتهديه لحبيبها المفقود ، صوتها كان يتهادى نحوي من مكان لم استطع تحديده .. أحدهم يسعل بتكرار مزعج فيشوه الالوان التي أحاول فرشها على لوحة خيالي ، كنت اتمنى ان يختاره عزرائيل في تلك اللحظة ، كي انعم ولو لدقائق بمملكتي قبل ان يزيحني متطفل عنها .
الحاضرون كانوا جميعا يحملون وجوها غابت عنها معالم الفرح ، وثمة بلبل يبدو لي نحيف الجسم ، يتراقص بقلق داخل سجنه المعلق على صفحة جدار ضاع لون طلائه .. نادل المقهى يبالغ بالتردد على طاولتي لعرض خدماته ، فتضيع من سجل مخيلتي صور اردت لها ان تبقى .. الشارع كان يلهث من شدة الحر ، فدرجات الحرارة لا تريد ان ترحم من يتحرك في محيطها وباصرار تعلمته من الشرق ، حين يصار الى الاختيار بين الخير والشر ..
كم تمنيت أن استطيع الجري كذلك الطفل ، انه يطفو فوق الرصيف المقابل وبحركة لولبية حره ، يزيح من أمامه ركامات العقد البشرية المهوله .. ترى ما الحيف في أن أنط من مكاني لأصاحب الطفل المتمرد هذا فافعل ما يفعله دون خوف من سوط منتقد ؟ .. ما الضير في ان ارتدي بنطالا قصيرا كما يرتدي ؟ .. واحمل في يدي كيسا من اللب .. ما المانع مثلا أن أقف ممازحا ابنتي وهي تداعب بلسانها علبة آيس كريم تحت شجرة التوت الضخمة تلك ؟ ..
لقد أشبعنا ورق الدنيا كتابة في السياسه ، فليس في الدنيا كلها من يبرع كما نبرع بالكتابة فيها على الاطلاق .. طفنا فيها درسا وتحليلا واستنباطا وعراك ، غير ان أحدا منا لم يدر في خلده ، الا القليل ، ان يشغل باله في توضيح مدى الضير بأن يكون رفيقا لي ذلك الصبي ، أنزع معه وقاري المتسلط ، لأريح عضلات جسمي من التشنج ، واكسب رئتي سعة اكبر حين اطرد عنها ما خزنته من ريح فاسده طوال سنين عمري الماضيه ؟ ... ما الذي يخسره ديني وطبعي ، ويلوث نواميس أجدادي لو ألقيت بجسدي في نهر من انهار بلادي ، حرا طليقا لا تحرسني آلهة العيب ، ولا يحيط بي بوليس الاداب ؟ .. ما الذي يجعل الرقيب أو العتيد غاضبين مني لو تشقلبت على ارض حديقة عامه في عطلة الاسبوع ، ومعي افراد اسرتي لنقضي ساعة من راحه ؟ ..
انني اتذكر باستمرار ، كيف كنت وانا اجول في غياهب الصحراء ، حين كنت اعمل في حقول حفر الابار ، اوقف سيارتي فوق تلة ما ، ثم اهبط منها لابدأ بالصراخ ما استطعت من قوه ، احمل حجرا وارميه ما استطعت من قوه ، اجري منحدرا من التلة ما استطعت من قوه .. انها لحظات اشعر فيها بأنني انتقم من ملل رافقني طيلة زمني المقرف ، الزمن الذي حملت فيه كل موبقات الخدر العربي منذ كان لجنسي ان يوجد .. أصرخ .. أصرخ .. انادي من كنت احبها في باكورة مراهقتي .. اشتم الحكومة باعلى صوتي .. ادلق ما تحتويه حافظتي من ماء على رأسي بطريقة عابثه .. اجري وكأنني سوف لن اعود قبل ان اصل الى نهاية ذلك العالم المفتوح على مصراعيه ، حتى اشعر بخطر الابتعاد عن السياره فتهاجمني وحوش الصحراء ، حينها اتوقف .. وعندما اعود لسيارتي ، اشعر بخفة في وزني ، ورأسي أكثر استقرارا على جسدي .. اتنفس عطر الصحراء ، وتلتمع على امتداد نظري الوان كالوان قوس قزح ، تعكسها حصى البيداء الجميله بلا مصدات أو جدران من خرسانات المدن .
- اقرأ صحيفة ال ... ففيها تحقيق عن جرائم السحاق في تركيا ..
قال بائع الصحف وهو يدنو مني، مدركا ما يحمله الخبر من عار ، وان عليه اخباري بالمصيبة وبصوت منخفض .
لم ارد .. ولم اقتني الصحيفه .. وداخلي يهتف ، لا عار ولا سحاق كما هو لدينا حين تفترش ارواحنا توابيت الموت ونحن أحياء ، ويفتخر أخيارنا باعداد قبورهم ليوم سيطمرون داخلها بلا رجعه ، تأكل الديدان حدقات عيونهم ، وتنخر في انوفهم ، وتبعثر ما في رؤوسهم من خواء .

الطفل الصغير لا زال يمارس عبثه امامي ، يهاجمه رذاذ تراب العربات الماره .. انه كافر حتما بكل الطقوس المقدسه .. والا لما ترك لنفسه حرية التصرف هكذا وبلا حواجز .

- ما هذا الضجيج ؟ .. ماذا حدث ؟ .. سألت النادل عن مصدر أصوات طبول وهتافات ضاعت فيها مخارج الحروف .
التفت الي نادل المقهى ليجيبني بتثاقل :
- ابقى مستريحا سيدي .. انها مظاهره .
كدت ان انهض من مكاني لمعرفة ما يحصل ، لولا ملاحظتي بان الجميع من حولي لم يأبهوا بما يسمعون ، وضلوا في اماكنهم مستقرين .. كان الشارع تختلط فيه حركة المارة مع السيارات وبشكل مضطرب كلما اقترب الهرج .. وخلال لحظات .. حلت بالمكان فوضى عامه .. تطايرت أكياس البلاستك في الفضاء ، وغطت موجة من الغبار محيط المقهى بكثافة عاليه ، وتلاطمت الاصوات مطالبة بالقصاص من مروجي الفتن ، أعداء الدين وفلسطين، والمتسببين بهدر الكرامة العربيه ، واعتلى شاب اكتاف رفاقه ليطيح بيديه وصوته بالمخبول أوباما ، متوعدا اياه بالويل على يد الاحرار .. في حين تقدمت الجموع لافتات كثيرة كتب على احداها ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ) ..
غاب الهرج .. تاركا خلفه اختلاط كل شيء ببعضه في الشارع .. وعبثا حاولت العثور على الطفل المتمرد ، حيث اختفى ولم اعد أراه ...



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هجرة الريف الى المدينه .. وما آلت اليه من خراب
- الطبقة العاملة العراقية ، وتراجع دورها التاريخي
- زمني توقف هنا في ليلة واحده
- قول في الماء العربي
- حال المرأة العربية .. بين الوهم والواقع
- صهوة الشر
- ألشعوب العربية لا تحسن الثوره
- عصارة من خيال
- مشروع اتفاق مع حكومة الصين
- ألغرز في اللحم الميت
- ثورات الربيع العربي ، ودور القوى اليسارية التقدميه .
- مرافعة لا حضور للمحامين فيها
- نعم .. نحن فعلا نتعرض لمؤامرة غربيه .
- من وحي الحبة الزرقاء
- حنطاوي
- أسماك الزينة وصوت كوكب الشرق .. حينما يأتلفان .
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. النهايه
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...
- ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و ...


المزيد.....




- لا أهلا ولا سهلا بالفاشية “ميلوني” صديقة الكيان الصهيوني وعد ...
- الخارجية الروسية: حرية التعبير في أوكرانيا تدهورت إلى مستوى ...
- الألعاب الأولمبية 2024: منظمات غير حكومية تندد بـ -التطهير ا ...
- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500
- أخيرا.. قضية تعذيب في أبو غريب أمام القضاء بالولايات المتحدة ...
- الأمم المتحدة تطالب الاحتلال بالتوقف عن المشاركة في عنف المس ...
- المجاعة تحكم قبضتها على الرضّع والأطفال في غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حامد حمودي عباس - خواطر غير سياسيه