أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - السرد والاعتراف والهوية















المزيد.....

السرد والاعتراف والهوية


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3706 - 2012 / 4 / 23 - 19:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


السيرة والمنفى والأوطان المتخيلة:
ما يمنح كتاب ( السرد والاعتراف والهوية/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ 2011 ) فرادته هو أن مؤلفه الدكتور عبد الله إبراهيم ينطلق في تناوله لموضوعاته من موقفين، الأول هو موقف الناقد الأدبي الذي يعرف أسرار الصنعة السردية الأدبية، لذا يحلل كتب السيرة الذاتية العربية، ويقوِّمها ويحاكمها، من غير أن يغيب عن باله أساليب كتابتها وأنساقها وبناها الفنية. والثاني هو موقف المفكر المطّلع على طروحات الفكر المعاصر ومناهجه، لذا يستخدم، في قراءاته، طقماً من المفاهيم المستلة من حقول علوم إنسانية مختلفة، بالاعتماد على اشتغالات المفكرين المحدثين، مجترحاً منهجاً مركّباً ينهل من المعطيات المعرفية لتلكم الحقول.
انبثق فن السيرة الذاتية، مع حضور الذات الإنسانية، فاعلاً اجتماعياً وتاريخياً. وتميّزها بعدِّها عقلاً، وحرية، وفعلاً مسؤولاً. وذلك مع خروج الإنسان من كهوف القرون المظلمة، واستشرافه لمنعطف تاريخي جديد نُعت بعصر التنوير. وفي خضم المتغيرات الكبرى التي عصفت بالمجتمعات الغربية، ازدهرت فنون الرواية، والقصة القصيرة، والسيرة الذاتية. وإذا كانت هذه الفنون السردية قد عرفت انتعاشاً في الفضاء الثقافي الغربي، وصارت لها تقاليدها، ورموزها، ونتاجاتها المتقدمة، فإنها، في فضائنا الثقافي العربي، ما تزال تواجه معضلات شائكة.
بقي نوع السيرة الذاتية، عندنا، ولوقت طويل، هامشياً، يعاني من الشبهة، ويُنظر إليه بحذر وشك وعدم رضا لأنه يتجرأ على عبور الحدود المسموح بها، وتعريض المخفي والمختل والمشوّه للضوء والهواء الطلق. فهذا النوع يضع المرآة أمام مجتمع يخشى من النظر، ولو إلى جزء من صورته الحقيقية، لأنها تطيح بالصورة الموهومة التي احتفظ بها عن نفسه. هذا ما يشير إليه المؤلف في مقدمة كتابه وهو يعدنا بقراءة أهم كتب السيرة الذاتية، لاسيما تلك التي نُشرت خلال العقدين الأخيرين حيث اتسع انتشار أدب الاعتراف نسبياً. والافتراض الأول الذي يتبناه هو أن كاتب السيرة الذاتية لا يقدر على انتزاع نفسه من حاضنته الجغرافية والاجتماعية، وينبثق من "سياق ثقافي، وتجد الإشكاليات المثارة كافة في مجتمعه درجة من الحضور في مدوِّنته السردية".
يعالج المؤلف، في البدء، إشكالية أن يجد الكاتب المنفي نفسه مقتلعاً من أرضه، وواقفاً على تخوم ثقافات متعددة، وعليه، عبر التدوين السيري، أن يصوغ مدونته لتمثيل هويته.. يعيش مثل هذا الكاتب غربته الخاصة، يكون في حالة اشتياق دائمة للأرض التي غادرها وربما إلى الأبد. وطالما أنه لن يستطيع أن يُرجع عقرب الزمن إلى الوراء، وتعسر عليه العودة إلى دياره، فما عليه، إذن، إلاّ أن يلوذ بالمخيّلة.. إن ما سيخلقه في النهاية ليس سوى وطن متخيل لا يوجد إلا في ذهنه، لكنه يجعله البؤرة المركزية في نسيج نص السيرة.. تكون الكتابة، عندئذٍ، مفعماً بالحنين؛ بالنوستالجيا.. أُجبرت إيزابيل اللندي، على المغادرة، مرات عديدة، تاركة أشياءها الحميمة وراءها، مضطرة للبدء من جديد.. تقول؛ "فلقد جبت متغربة طرقاً أكثر مما أستطيع تذكّره، ومن كثرة ما ودّعتُ جفّت جذوري، واضطررت إلى أن أستنبت أخرى، استوطنت الذاكرة لعدم وجود مكان جغرافي تستوطنه". وهكذا "لا يستطيع المنفي الانخراط الكامل في المجتمع الجديد، ولا يتمكن من قطع الصلة بالمجتمع القديم الذي ولد فيه، فيتوهم صلة مضطربة وانتماءً مهجّناً، ويختلق بلاداً لاحقته أطيافها في المنفى".
يُحيل الكلام عن المنفى والهجنة والهوية والكتابة إلى استدعاء أمثلة حية، لعلّ حالة إدوارد سعيد مثقفاً منفياً، هي الأقرب إلينا، بهذا الصدد. والمنفى بحسب سعيد هو "الشرخ المفروض الذي لا التئام له بين كائن بشريّ ومكانه الأصلي، بين الذات وموطنها الحقيقي: فلا يمكن أبداً التغلب على ما يولِّده من شجن أساسيّ". ويلاحظ المؤلف إن مشكلة كتابة المنفى في السيرة الذاتية تتجلى في "العلاقة مع المكان من وجهة نظر المنفي، وكيفية تشكيل الهوية الشخصية المنزاحة لرجل يقيم علاقة هشّة معه". ومثاله، ها هنا، هو كتاب سعيد؛ ( خارج المكان ). ففيه ينشئ عالمه البديل بعد غيابه النهائي عن عالمه الحقيقي، متصلاً بأمكنة ولغات متعددة، ومنفصلاً عنها في الوقت عينه.. يعي سعيد، بألم، ذلك الانفصام بين لغته الأم العربية ولغة ثقافته الإنجليزية. المفارقة بين مقطعي اسمه. "أثر التعليم الاستعماري في صوغ تجربته الثقافية وشخصيته القلقة". ليكون "في هذا الموقع المنزلق دائماً خارج أي مكان".
السيرة الذاتية والمدن المستعادة:
يعلق التاريخ، في متن نص السيرة، بشبكة السرد.. يفرض السرد، بقواعد كتابته، أشكاله ومنطقه على الحدث التاريخي الذي يجري تمثيله. وإذ يتأسس ( الاعتراف ) الذي هو، أولاً، ذو طبيعة ذاتية، بوساطة اللغة باستخدام ألاعيب البلاغة ويتلون في ضوء شروطها ومقتضياتها، لتأكيد ( هوية/ شخصية أو جماعية )، فإن هذه الهوية ستتأرجح، حينئذِ، عند الحدود القلقة للغة/ البلاغة، وقوانين السرد، وضباب التاريخ. وما يزيد الأمر التباساً هو هذه الإقامة في مكانين.. المكان المنفى حيث يوجد المرء فيزيقياً، الآن. والمكان الأصلي الذي غادره؛ مكان زمن انقضى واستحال إلى صورة، أو أطياف في الذاكرة. والمكان الثاني هو الذي يسعى الكاتب إلى استعادته، وهذه المرة بمعونة المخيلة. لهذا لن تكون مدينة السرد هي مدينة التاريخ نفسها مثلما يقول د.عبد الله إبراهيم في كتاب ( السرد والاعترف والهوية ).
يحاول حليم بركات إعادة بناء مدينة بيروت بعد نصف قرن من رحيله عنها، وهي التي عاش فيها شطراً من شبابه، وكانت لها التأثير الأكبر على وعيه ومزاجه وعلاقاته، وذلك في كتابه ( المدينة الملوّنة ) بعدما أصاب الهرم الاثنين معاً.. يقول د.إبراهيم؛ "بدت العلاقة شائكة بين بركات، والخلفية الزمانية والمكانية للمدينة، فهو يريد إعادة ربط نفسه بمكان وزمان متلاشيين ومتباعدين، افتتن بهما في شبابه ولم يبق منها إلاّ وقائع متناثرة لا سبيل إلى شبكها في ضفيرة متجانسة ومتماسكة، والبحث عن ذلك بعد عقود خمسة لا يتأتى عنه غير مزيد من الإحساس بالفقدان والخسارة واليأس".
تبددت الوعود الملونة للمدينة التي أحبها بركات.. المدينة التي كانت يوماً ما مرتع أحلام كبيرة مزقتها الحرب الأهلية حتى بدت وكأنها تتنكر لذاتها، ولصورتها التي في أذهان عشاقها، فتتخرب "مفهوم الدولة الوطنية الجامعة" وتغدو لبنان برمتها "دولة طوائف وجماعات". هكذا أحب بركات مدينته، وهكذا نفر منها، وامتلأت روحه، بسبب ما آل إليه وضعها السياسي والاجتماعي، بالخيبة والخذلان.
بالمقابل، يسترجع عبد الرحمن منيف في ( سيرة مدينة ) فضاء مدينة عمّان بوازعٍ ومقصد مختلفين.. فهو أولاً "لم تتح له الفرصة لبناء تجربة أصيلة في المكان باعتباره وطناً؛ لأنه ترحّل إلى نهاية حياته بين أمكنة طارئة، وربما طاردة"، بين الجزيرة العربية والأردن والعراق وأوربا وسوريا. فبقيت علاقته بالأمكنة قلقة وهشة، لينعكس هذا على نتاجه السردي. وفي كتابه الآنف الذكر يلوذ بالذاكرة لإعادة بناء مدينة عمّان التي عاش فيها طفلاً وفتى غضاً في أربعينيات القرن المنصرم. "فعمّان تنبثق بوصفها ذكرى مستعادة، تجتذب فتاها الصغير بنشوة بالغة، بعد أن أصبح شيخاً".
تقف الذات على مبعدة من زمانها ومكانها القديمين "فيكون الكتاب خلاصة مزج بين تاريخ مدينة وحياة شخص في مقتبل عمره". فنرى المدينة من خلال عيني الكاتب واعتماداً على ذاكرته ومخيلته، إذ يقترح قراءة "تتيح إمكانية جديدة للكشف والاكتشاف".
أما الروائي التركي أورهان باموك في كتابه ( إسطنبول ) فيتخذ من مدينته موقفاً ثقافياً كما يرى د.إبراهيم.. تلك المدينة التي كانت يوماً ما حاضرة متروبولية، لإمبراطورية قوية، ممتدة الأذرع، حكمت أجزاء من آسيا وأفريقيا وأوربا لقرون قبل أن تندثر وتفقد بريقها لتخيّم عليها بعد ذلك "الذبول والسوداوية ومشاعر الإخفاق العميقة الملازمة لنهاية الإمبراطوريات الكبرى، فلا عجب أن يمضي باموك حياته يحارب تلك السوداوية أو يتقمصها كما كان يفعل جلّ أهل إسطنبول".
هنا تبرز إشكالية الهوية، في الفاصلة المتوترة بين قطبين جاذبين؛ قطب الماضي العظيم لإمبراطورية سادت ثم بادت، وقطب الغرب الذي هزم الإمبراطورية ويقدِّم، اليوم، بديلاً حضارياً، براقاً، عنها. هنا، ستتعرض الثقافة، بعدِّها منظومة قيم وتقاليد ورؤية إلى العالم، إلى الاهتزاز والتصدع لتحل محلها منظومة أخرى مستعارة، وعسيرة على التمثل. ويشكل هذا الصراع خلفية لصراع آخر، يجري في دائرة أصغر هي دائرة أسرة باموك حيث يطرأ تغيّر واضح على سطح الحياة، تجسِّده المقتنيات المادية، من غير أن يمس بشكل مؤثر البنية العميقة لتلك الحياة؛ "فالتصميم الحديث للبيت ( في سبيل المثال ) لم يحل دون العلاقات التقليدية بين أفراده". إن التصدع الحادث في حقل الثقافة، سيكافئه، بطبيعة الحال، تصدع مماثل في بناء الهوية/ الشخصية والاجتماعية، والشعور بها.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فتنة الحكاية
- قراءة في؛ مدينة الصور
- قراءة في؛ تجليات السرد
- يسكنني هاجس دائم بأني روائي قبل أن أكون أي شيء آخر
- قراءة في رواية -شامان- لشاكر نوري
- هوبزباوم في -العولمة والديمقراطية والإرهاب-
- اليسار والديمقراطيون العلمانيون والامتحان الصعب
- غواية كتابة الرواية: سلطة المشهد المتخيل
- عصر مثير
- امرأة الكاتب
- رماد الذاكرة: شعرنة تاريخ الخوف
- ألوان السيدة المتغيرة
- حين تستلهم الرواية التاريخ: -قصة مايتا- ليوسا
- -الحلم العظيم- شهادة عن مرحلة الآمال والخيبات
- عن الكتّاب النجوم: بطاقة دخول إلى حفلة المشاهير
- السعدية/ جلولاء: مدينتان تتراميان حتى أعالي القلب
- النبطي قصة حب
- الرواية العربية ورهان التجديد
- مدار الجدي؛ نزوات حرّة في عالم مختل
- في رواية المحرقة: التاريخ يتلبس المخيلة


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - السرد والاعتراف والهوية