أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - غواية كتابة الرواية: سلطة المشهد المتخيل















المزيد.....

غواية كتابة الرواية: سلطة المشهد المتخيل


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3561 - 2011 / 11 / 29 - 19:38
المحور: الادب والفن
    


شرعت بكتابة الشعر وأنا في الخامس الابتدائي.. كنت أدوّن في دفتر مدرسي صغير مقطوعات وجمل منمقة ومسجوعة أقلد بها بسذاجة القصائد المنشورة في كتب القراءة المدرسية.. ستكتشف أمر الدفتر ذاك ممرضة شابة، من بغداد، كانت تؤجر، بخمسة دنانير في الشهر، إحدى غرفتي بيتنا المؤجر أصلاً في السعدية.. سألتني:
ـ من أين نقلت هذا الكلام؟
ـ لم أنقله، كتبته أنا.
ـ كذّاب!.
ـ واللهِ.
احتضنتني وقبلتني.
ـ إذن ستكون شاعراً.. أقسم...
بقيت أستعيد مذاق دفئها وعطرها وقبلتها على خدي لسنوات، لكني لم أغدُ شاعراً كما تنبأت.. قرأت عشرات الروايات البوليسية وأنا في الأول والثاني المتوسط، فقد اكتشفت كنزاً منها في مكتبة بيت خالتي.. كان زوجها رحمه الله يملأ مكتبة خشبية بأعداد لا بأس بها من الكتب.. حثني صديق على قراءة كتب أخرى فوقعت أولاً على كتاب ( يوميات نائب في الأرياف ) لتوفيق الحكيم الذي سأقرأ له ولطه حسين أكثر من ثلاثين كتاباً في صيف العام 1972.. وقبل ( ألف ليلة وليلة ) سحرني كتاب ( ألف ميل بين الغابات ) للراحل محمد شمسي.. أذكر أنه كان أول كتاب أشتريه في حياتي فقد دفعت ثمنه؛ ربع دينار، من مدخراتي الشخصية.. قرأت ذلك الكتاب أكثر من سبع مرات وأنا في ذروة النشوة، حيث ركبتني، يومها، نزوة أن أرحل وأغامر في أقطار الأرض الواسعة. لكن، وبمرور الزمن، وتحت تقلبات أحوالنا العراقية، فترت تلك النزوة حتى كادت تتلاشى. وحتى وجدت البديل، أخيراً، في مغامرة الكتابة..
أظن أن رواية ( ميرامار ) برأتني نسبياً من غواية الشعر وسلمتني وأنا صاغر وراضٍ تماماً لغواية السرد.. في ذلك الزمن الذي قرأت فيه ( ميرامار ) خبرت إحساساً غامضاً حول ما سأصبح عليه يوماً ما، أو ما أتمنى أن أصبح عليه. وبدأ حلم أن أكون روائياً يزهر في داخلي.
أزعم أن نزعة كتابة الرواية، في الصميم، هي نزعة إنكار ورفض وتمرد، لذا فإن الشخص المتوافق مع نفسه وبيئته وحالته وزمانه ومكانه لا يمكنه بأية حال أن ينجز كتابة رواية جيدة. وإذن فإن الروائيين هم في حقيقة الأمر فئة ملعونة من الساخطين يعتقدون أن عالمهم مركّب بطريقة خاطئة، وأن وجودهم ووجود مَن حولهم هش وغير آمن، أساسه القلق والرعب، وما عليهم ( أي الروائيين ) إلا أن يكتبوا الروايات تحت إيحاء أن ثمة أمل، ربما، وكوّة للخلاص. ولأن الرواية كما يقول باختين لا شكل نهائياً وقاراً لها، فإن كتابتها تعد مغامرة قد تصل بكاتبها إلى اللقية التي يرغب فيها، أقصد النجاح، أو تودي به إلى الضياع والفشل. والرواية ـ أية رواية ـ هي في النهاية محصلة صراعٍ ضارٍ بين رغبتين تتملكان الروائي وتتنازعان كونه النفسي والذهني طوال المدة التي تستغرقها عملية الكتابة، حتى وإن لم يعِ ذلك.. رغبة تتجه نحو تعرية الذات وفضحها ورغبة مضادة تتجه إلى مواراة حقائق الذات والتمويه عليها. فكل رواية تنطوي على الخريطة السرية لروح كاتبها. وما النص المكتوب والمنشور سوى عرض مموّه وملغز لتلك الخريطة. أما من يكتشف مغزى هذه اللعبة وأبعادها وخفاياها فهو القارئ الفطن.
أعتقد أن الإقدام على كتابة رواية يتصل بأحد ثلاثة دوافع رئيسة أو أكثر:
1ـ استعادة ماضٍ ينتابنا الحنين إليه. هنا تكون كتابة الرواية فعلاً نوستاليجياً أو مسعى للتخفيف من عبء النوستالجيا.
2ـ احتواء مكان عشنا فيه، أو مررنا به يوماً ما، أو تخيلناه، ونؤمن بأننا صرنا جزءاً منه، وقد صار من حقنا حصراً. لذا علينا أن نطويه بين دفتي رواية، لنطمئن أنه بات ملكاً لنا.
3ـ خلق عالم افتراضي بديل لعالم واقعي لم نعد نطيقه.
بالمقابل يحتاج الروائي إلى ست خصائص ليكتب رواية ناجحة: لغة سرد مطواعة ذات قوة وطراوة.. أسلوب متفرد.. تجربة حياة يعرف عنها الروائي جيداً أو يمتلك رغبة عاتية ليتعرف عليها مع القدرة على ملاحظة تفاصيلها ومساراتها.. رؤية ناضجة إلى الذات والحياة والوجود والمصير.. خيال خلاّق.. وأخيراً: ضمير حي، حر وشجاع. وشخصياً، لست أدري ماذا وكم امتلك من هذه الخصائص؟.
يبدأ النشاط السردي ( قصة أو رواية ) في ذهني، غالباً، بتشكل صورة، أو مشهد قصير في مكان بعينه. فتكون هذه الصورة أو ذلك المشهد بمثابة البؤرة التي منها ستنبث بقية تفاصيل السرد باتجاهات تتشعب وتتجسد في أزمنة وأمكنة ومشاهد وشخصيات. وليس شرطاً أن استهل بذلك المشهد كتابة نص الرواية فقد يتخذ موقعه في مبتدأ الرواية أو في منتصفها أو في نهايتها. في تلك الصورة أو في ذلك المشهد لابد من وجود شخصية واحدة لافتة ومثيرة على الأقل. وتصوّر الشخصية باعتقادي هو نقطة الشروع لكل عمل سردي. وبطبيعة الحال لا تنفصل الشخصية عن بيئتها.. إذن الشخصية في مكان هو رهان السارد الأول.. من هنا ينمو الحدث ويجري استدعاء الشخصيات الأخرى ويُبنى النص.
المشهد الذي انبثقت منه روايتي ( غسق الكراكي ) هو صورة شخص يتسلق نخلة بحثاً عن مفتاح بين ألياف السعف، خبأه هناك شخص آخر.. الشخص الثاني دلّ الشخص الأول، قبل سنة، على موضع المفتاح وأوصاه أن يعثر عليه ويفتح به صندوقاً ما إذا ما غاب.. قادتني صورة الصندوق إلى تخيل صاحبه: الشخص الذي ترك المفتاح في أعلى النخلة، بين الألياف المتشابكة.. وأين يمكن أن يكون في وقت تسلق الشخص الأول للنخلة.. إنه ليس هنا/ الآن.. إنه ضحية حرب الكويت.. شخص ترك صندوقاً وأوعز إلى ابن عمه أن يفتحه إذا لم يرجع من الحرب.. يغدو الصندوق موطن الأسرار الذي يحوي ثلاثة أرباع أحداث الرواية.. وفي النهاية سيقترح ما يتم العثور عليه في الصندوق من أشياء وأوراق شكل الرواية وبنيته.
أما رواية ( ترنيمة للأبيض المتوسط/ لم تُنشر بعد ) فقد تفتقت فكرتها في ذهني بمشهد متخيل لشاب عراقي يحكي لامرأة إيطالية بمقصف في مدينة تقع على ساحل البحر المتوسط عن مشهد فتاة عراقية مصابة بالسرطان تنط فجأة، وتقف على سياج جسر السنك في بغداد ماسكة أحد أعمدة النور وهي تحدق في ماء دجلة تبغي الانتحار، تاركة صديقها الشاب المذهول ( الذي هو نفسه راوي الحكاية للمرأة الإيطالية ) يتوسل إليها أن تنزل، فتنزل بعد دقائق وهي في حالة بين الضحك والبكاء.. لتقول له؛ أخفت؟، يا خوّاف.
وجدتني، ها هنا، مع هذا المشهد المتخيل، إزاء ثلاث شخصيات بدلاً من واحدة، وفي مكانين يبعد أحدهما عن الآخر مسافة آلاف الكيلومترات.. أثار المشهد المتخيل هذا في ذهني مجموعة من الأسئلة، منها: كيف وصل شاب عراقي إلى مدينة إيطالية في ذروة سنوات الحصار؟. أين وكيف تعرّف على الفتاة الإيطالية؟ ما طبيعة علاقته بالمرأة المصابة بالسرطان؟ وكيف أصيبت بهذا المرض الخبيث؟ كيف تعارفا؟ وهكذا كان عليّ أن أصنع لكل شخصية سيرة خاصة بها، وأن أضع لها ملامح وسمات، جاعلاً مصائر الشخصيات تتقاطع على خلفية من أحداث تاريخية دراماتيكية. وعبر هذه الحركة اللولبية التي تشكّل علاقات الشخصيات الثلاث التي تتشعب مع حضور شخصيات أخرى توسعت شبكة العلاقات وتعقدت، وتباينت المصائر ليتبلور من تلك الحركة المتن والمبنى الحكائيين للرواية. ومع الاستمرار في الكتابة تهيأ لي أن الشخصيات باتت تواجه أقدارها وتمضي في حياتها وتتخذ قراراتها بقسطٍ كبير من الاستقلالية والحرية.. بدت الرواية تلك وكأنها تنبني من خلالي.. تبني نفسها بنفسها إلى حد بعيد.. تكتبني مثلما أكتبها.
قُرأت في ملتقى الرواية ـ البصرة تشرين الأول 2011



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصر مثير
- امرأة الكاتب
- رماد الذاكرة: شعرنة تاريخ الخوف
- ألوان السيدة المتغيرة
- حين تستلهم الرواية التاريخ: -قصة مايتا- ليوسا
- -الحلم العظيم- شهادة عن مرحلة الآمال والخيبات
- عن الكتّاب النجوم: بطاقة دخول إلى حفلة المشاهير
- السعدية/ جلولاء: مدينتان تتراميان حتى أعالي القلب
- النبطي قصة حب
- الرواية العربية ورهان التجديد
- مدار الجدي؛ نزوات حرّة في عالم مختل
- في رواية المحرقة: التاريخ يتلبس المخيلة
- المنفى ووطن الإبداع
- الفرانكفونية: منفى اللغة وصراع الثقافات
- سخط
- بإهمالنا القصة القصيرة نُحدث ثلمة مؤسية في جدار ثقافتنا
- -السرد والكتاب-: السيرة النظرية لمحمد خضير
- آليات الكتابة السردية
- الغبش
- سيرة ظل


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - غواية كتابة الرواية: سلطة المشهد المتخيل