أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - رماد الذاكرة: شعرنة تاريخ الخوف














المزيد.....

رماد الذاكرة: شعرنة تاريخ الخوف


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 3524 - 2011 / 10 / 23 - 20:28
المحور: الادب والفن
    


تبدو قصائد مجموعة الشاعر كاظم الواسطي ( رماد الذاكرة/ دار ميزوبوتاميا ـ بغداد ـ 2011 )، للوهلة الأولى، شديدة الذاتية، إلاّ أنها، في العمق، تنهض وتنمو على خلفية من معضلات وتحولات تاريخية.. إن الذات فيها تحيا في فضاء ملتبس وهائج لا تستطيع التنصل منه أو التنكر له. ولذا جاءت القصائد وكأنها تجسيد فني لتاريخ الكفاح الإنساني في عالم يعج بالقسوة والألم.. ففي كل قصيدة نستطيع سماع صوت الجماعة وكأنه يصدر من وراء ستار مثل أنغام كورال مصاحب لصوت الشاعر.. صوت الكورال هذا خافت وخائف لكنه مفعم بالرجاء. يظهر في حالات مختلفة كما لو أنه يؤكد مع الصوت الظاهر علاقة تعاطف وتعاضد حيناً وعلاقة تضاد/ طباق ومشاكسة حيناً آخر.. ربما هو انطباع شخصي أن أشعر بأن هذا المقطع المحكي بضمير الـ ( نحن ) تردده مجموعة منشدين:
"معاً/ نحتسي المرَّ خمرة/ وتلك مشيئة أن نبقي الليل/ طعماً/ يسود المذاق/ عادة للسكون/ وشرط بقاء".
ثم يعقب ذاك مقطع آخر محكي، هذه المرة، بضمير المخاطب، وهنا يتغير الانطباع، فالشاعر لابد من أنه يخاطب نفسه:
"تطاولت أنت بحب جديد/ فكن شاخصاً/ بلا حركة/ وإذ تستطيل قليلاً/ بأيد خفية/ تثقبك الطلقة".
ينفصل الشاعر عن ذاته ويخاطبها مباشرة، وهو يراها وقد تشظت، تناثرت بين الأسئلة الحادة، والأجوبة المرتبكة الناقصة.. "أي كاظم/ تعال، ما دمت وحيداً هذي الليلة/ نرى ما فينا/ أحزاننا، ما تهشم منا". كما لو أن الذات التي يناجيها هي في حالة استعادة موجعة لأصداء سنواتها الضائعة، وتصفية حساب مع تاريخها، فتراها تطيل النظر إلى أعماقها الغارقة في الأسى والحنين. "ما الذي جنيته من تلك المشاوير/ ومحطات العذاب/ حقائبك معبأة بأصوات الغائبين/ وضجيج الأحياء".
يحيل الشاعر تجربته الخاصة بكل ما تختزن من لوعة وحب وعذاب وإحباط وأمل إلى صور وخيلات شعرية.. يستعير هذا النوع من القصائد ممكنات السرد وأفقه حيث الجمل الشعرية تتواتر وكأن بعضها يولِّد بعضاً.
"نحن الرجال المؤجلين إلى إشعار آخر/ أقسمنا أيضاً/ أن ندفع فاتورة الهواء/ قريباً من حاجز الجوع/ نكدس مواجع الأمس/ في سلال اليوم المثقوبة/ وأن يكون لنا/ صخب الدهماء/ غذاء". هنا يفضي الانكسار والهزيمة إلى العدمية.. إلى نوع من جلد الذات.. إن طبقة رقيقة من المازوكية تغلف سطح هذه القصيدة وسطوح قصائد أُخر:
هذه القصائد كُتبت تحت طائلة التوجس.. إنها كلمات تسعى إلى أن تكون مراوغة، مخاتلة.. يفترض الشاعر أنه موضع تهديد.. إن هناك من يتربص به وبأشعاره، لذا كانت هذه الأشعار تميل حيناً نحو الإبهام والقتامة. وقد تفتقد، حيناً آخر، عنصري الإشراق والوضوح، لكنها تعوض ذلك بشيء من قوة التعبير والزخم العاطفي.. وقد تغدو أحياناً أقل سلاسة وكأن في حلقها غصة.. إن تدفق الجمل يُعترض فجأة بكلمات غير متوقعة، تجريدية.
"هو/ وجه بلا فضاء/ استقر خائفاً/ على حافة ليست له/ من فرط النسيان/ أو الإهمال/ ربما/ فقدت الأشياء ذاكرة الشكل/ والوجه/ مهدد أبداً/ بمساحة فارغة". وثمة مناطق كثيرة للصمت في هذه المجموعة: "بح صوت المنشدين في غياهب الخرس".
ما يسعى إليه الشاعر هو مقاومة النسيان.. أن تبقى الذاكرة حية، مترعة بالتفاصيل.. أنْ تظل الفرصة سانحة دوماً لتأريخ التجربة؛ تجربة الذات في محيط تعوزه شروط الكرامة الإنسانية. أو لنقل أنها ابتغت شعرنة تاريخ الخوف؛ أن تشعل جذوة الجمال تحت رماد الذاكرة نكاية بالقبح:
"خلسة/ يقضمون تفاحة المزرعة/ يحتسون من أباريق/ ليست لهم/ خمرةً ألفت شفاهنا/ واليوم عنوة/ يدخلون مخادع البراءة/ يفتشون الوسائد/ يطاردون أحلاماً فقدوها/ في عتمة النهب ونضوب/ الروح/ وفي كل خطوة لهم/ يُكسر غصن/ وتُتلف وردة".
لا أدري لماذا اختار الشاعر ترتيب قصائد مجموعته بحسب تواريخ كتابتها ( 1986 ـ 2002 ).. لعله ارتأى أن يضحي بالتناغم الشكلي لكلية قصائده، ( على وفق ترتيب آخر يقوم على أساس تناسق الموضوعات مثلاً ) من أجل عرض سيرته الشعرية في منعطفاتها وانتقالاتها عبر محطات الزمان.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألوان السيدة المتغيرة
- حين تستلهم الرواية التاريخ: -قصة مايتا- ليوسا
- -الحلم العظيم- شهادة عن مرحلة الآمال والخيبات
- عن الكتّاب النجوم: بطاقة دخول إلى حفلة المشاهير
- السعدية/ جلولاء: مدينتان تتراميان حتى أعالي القلب
- النبطي قصة حب
- الرواية العربية ورهان التجديد
- مدار الجدي؛ نزوات حرّة في عالم مختل
- في رواية المحرقة: التاريخ يتلبس المخيلة
- المنفى ووطن الإبداع
- الفرانكفونية: منفى اللغة وصراع الثقافات
- سخط
- بإهمالنا القصة القصيرة نُحدث ثلمة مؤسية في جدار ثقافتنا
- -السرد والكتاب-: السيرة النظرية لمحمد خضير
- آليات الكتابة السردية
- الغبش
- سيرة ظل
- ثورة الشباب العربي: حول أدوار المثقفين
- الثقافة التحتية ومثقفو الهوامش
- ما بعد ماركس.. ما بعد الماركسية 9 وجهتا نظر عربيتان


المزيد.....




- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - رماد الذاكرة: شعرنة تاريخ الخوف