أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - الانتخابات الرئاسية واحتمالات الصراع بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين















المزيد.....



الانتخابات الرئاسية واحتمالات الصراع بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3694 - 2012 / 4 / 10 - 08:32
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


الانتخابات الرئاسية واحتمالات الصراع
بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين
بقلم: خليل كلفت

1: يسود فى الوقت الحالى فى مصر تصوُّران متناقضان بشأن نقطة تتعلق بالانتخابات الرئاسية الوشيكة. ويؤكد أحدهما على وجود تحالف بعيد المدى بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين، وعلى أنهما يتجهان بالتالى إلى انتخاب رئيس جمهورية يتوافقان عليه؛ ويجرى تفسير كل تعارض يظهر بينهما على أنه يُخْفِى تنسيقا وترتيبات "تحت الترابيزة" لتوزيع الأدوار المرتبطة بمهمة مشتركة. ويشدِّد التصوُّر الثانى على أن التوترات والخلافات بين الفريقين بشأن أمور متعددة بصورة متزامنة آخرها ترشيح خيرت الشاطر لرئاسة الجمهورية إنما تعنى السير بخطى حثيثة نحو صدام كبير كان لا مناص منه أصلا يضع حدا للتحالف "المرحلى" القائم بين العسكر والإخوان طوال الفترة التالية للثورة. وفى سياق "لعبة الأسطول" (هذه التى يُفترض أنها تدور فى الخفاء تحت البحر حيث لا نرى القطع البحرية التى نريد إغراقها بل نعتمد على الحدس ولتخمين مواقعها)، تصل الحيرة إلى حد قيام المحلِّل السياسى الواحد بالجمع بين مثل هذين الاتجاهين المتعارضين بتفسير ما يجرى فى الساحة بأنه إما تنسيق يقوم على التحالف أو صدام يقوم على إنهاء التحالف!
2: وينطلق هذان التصوُّران، وحتى الجمع بينهما، من وجود تحالف لا سبيل إلى الشك فيه بين المجلس والإخوان منذ الثورة. ويرتبط تقييمهما بقوة بالتالى بطبيعة هذا التحالف لمعرفة ما إذا كان تحالفا إستراتيچيًّا بعيد المدى أم تحالفا مرحليا اضطراريا يستفيد منه الطرفان رغم إدراكهما بوضوح تام أن عليهما أن يستعدا لمواجهة تداعيات نهايته الآتية دون إبطاء لا محالة، وكذلك لمعرفة ما إذا كان وقت فكّ التحالف قد حلّ الآن.
3: وبالطبع فإنه لا شك فى وجود تحالف بين المجلس العسكرى والإسلام السياسى بوجه عام والإخوان المسلمين بوجه خاص قام منذ الأسابيع الأولى للثورة. وكان احتياج طرفىْ التحالف إلى بعضهما البعض ضرورة لا غنًى عنها لكل منهما. والحقيقة أن حاجة المجلس، بعد انقلابه العسكرى ضد مبارك، إلى الإخوان المسلمين كانت امتدادا مباشرا لحاجة نظام مبارك إليهم بعد انفجار الثورة الشعبية. وكانت الحاجة إلى التحالف متبادلة والاستعداد للتحالف متبادلا. فقد أدرك نظام مبارك على الفور أنه يحتاج للقضاء على الثورة إلى حليف سياسى قوى وجاهز ومستعد وأن هذا الحليف ليس سوى الإسلام السياسى والإخوان على وجه الخصوص، حتى وإنْ كان ذلك الحليف المحتمل موجودا فى تلك اللحظة فى الميدان مطالبا بإسقاط نظام مبارك. وكان الإسلام السياسى بكل أطيافه جاهزا تماما ومستعدا تماما، فى سياق الاحتياط لاحتمال عدم قدرة الثورة على الإطاحة بالرئيس مبارك. وبكل سهولة ويسر عرف مبارك والإخوان طريقهما إلى بعضهما فالتقيا فى المفاوضات مع عمر سليمان كممثل للنظام البائد. ذلك أن الإخوان المسلمين أدركوا على الفور أن الثورة جعلت نظام مبارك يترنح، وأنهم اكتسبوا شرعية بلحاقهم بقطار الثورة بعد تردد، وأن الثورة فتحت أمامهم بابا واسعا للقفز على السلطة بالمشاركة فيها إنْ لم يكن بالانفراد بها، وأن عليهم أن ينتهزوا الفرصة السانحة فى التو واللحظة ("هنا والآن") ودون إبطاء.
4: وكان الإسلام السياسى جاهزا فى تلك اللحظة للتحالف مع مبارك لأن مشاركته فى الثورة نبعت ليس من كونه قوة ثورية معادية بحكم طبيعتها ذاتها لنظام الاستغلال والفساد، بل بدافع الاستفادة السياسية بلحظة تنطوى على احتمالات مواتية متنوعة، وكان مستعدا بكل مرونة لكل تلك الاحتمالات. كان مستعدا لفرض التحالف معه على نظام مبارك فى حالة عجز الثورة عن إسقاطه (وكان ينطلق فى هذا من دروس تجربة مهمة طويلة من التعاون فى أوقات مختلفة مع نظام السادات ونظام مبارك رغم تنكيل هذا الأخير به فى الفترة السابقة مباشرة للثورة)، كما كان مستعدا لفرض التحالف معه على نظام ما بعد مبارك فى حالة نجاح الثورة فى إسقاطه. وكان مفتاح فرض التحالف معه فى الحاليْن يتمثل فى المشاركة بكل قوة فى الثورة لفرض الشرعية على النظام وعلى الثورة فى آن معا. وكان هذا يعنى أن الإسلام السياسى بكل أطيافه "قوة من قوى الثورة" دون أن يكون بحال من الأحوال "قوة ثورية"، وكان هذا بدوره يعنى أن الإسلام السياسى "قوة من قوى الثورة المضادة" ما دامت إستراتيچية مشاركته فى الثورة تقوم على التحالف مع نظام مبارك أو مع نظام خلفاء مبارك ضد الثورة بهدف تصفيتها وبالتالى بهدف إنقاذ النظام فى الحاليْن وكذلك بهدف القفز على السلطة أو المشاركة القوية الفعالة فى السلطة وفى تحديد أسس إعادة بناء النظام من جديد.
5: وقد أدى هذا الطابع المزدوج لمشاركة الإسلام السياسى فى الثورة إلى طابعه المزدوج الذى تمثل فى أنه "قوة من قوى الثورة" وفى الوقت ذاته "قوة من قوى الثورة المضادة". وكان هذا الطابع المزدوج للمشاركة فى الثورة منطقيا تماما ومتسقا تماما مع الطابع المزدوج لوجود الإسلام السياسى ضمن نظام مبارك. ذلك أن مختلف قوى الإسلام السياسى إنما هى تعبيرات فكرية سياسية متعددة عن قطاعات مختلفة من الطبقة الرأسمالية المالكة والحاكمة التابعة للرأسمالية العالمية. إنها ليست قوى معلقة فى الهواء بل هى أحزاب سياسية "بالقوة قبل الثورة وبالفعل بعد الثورة" ترتبط طبقيا بالطبقة العليا فى البلاد كتعبير سياسى عن مجموعات كبيرة من رجال الأعمال الذين يملكون قطاعات كبيرة من الاقتصاد المصرى. وهى ليست امتدادا سياسيا لأيديولوچيات سياسية تعبر بأشكال متعددة عن فضائل دينية بل هى أيديولوچيات سياسية دينية تنغرز برسوخ فى مستنقعات المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للرأسمالية محليا وإقليميا وعالميا، وهى مصالح تقوم على الاستغلال الاقتصادى الاجتماعى الطبقى بالمعنى العلمى وبالتالى على الربح وأقصى الربح مع الانفتاح الشامل بالتالى على الفساد والاستبداد ضد الطبقات الشعبية.
6: ولا يتحدد الطابع الطبقى للإخوان المسلمين وباقى قوى الإسلام السياسى بواقع انتماء مئات الآلاف من الفقراء من أبناء الجماهير العاملة والطبقات الشعبية إلى هذه الجماعات والحركات والأحزاب وعضويتهم فيها إذْ إن كل الأحزاب الرأسمالية والإمپريالية فى العالم تتألف قاعدتها دائما من الملايين وعشرات الملايين من أبناء وبنات الطبقة العاملة والطبقات الشعبية رغم الطابع الطبقى الرأسمالى والإمپريالى لهذه الأحزاب، فهى القاعدة الشعبية التى تعبر عن السيطرة الفكرية والسياسية والثقافية للطبقة الرأسمالية على باقى المجتمع الذى تعانى طبقاته الشعبية من الأمية الفكرية والسياسية والثقافية، فهى بالتالى جماهير مضلَّلة مخدوعة. فكيف تناقضت هذه القطاعات الإسلامية من الرأسمالية المصرية مع قطاعات أخرى من هذه الطبقة لتكون فى خصومة سياسية طويلة قاسية مع كل الرئاسات السابقة من عبد الناصر إلى السادات إلى مبارك رغم فترات من التعاون أو التحالف فى مواجهة الشعب وقواه الثورية وانتفاضاته وثوراته؟ والحقيقة أنه لا غرابة فى هذا على الإطلاق، فالطبقة الرأسمالية فى كل بلد فى العالم لا تنتظم مختلف قطاعاتها فى حزب واحد بل تتعدد أحزابها وفقا لمدارس فكرية سياسية تنتشر داخل الطبقة الرأسمالية الكبيرة الواحدة التى يتألف النظام فيها من أحزابها الحاكمة وأحزابها المعارضة، وليست هذه المدارس الفكرية السياسية فى التحليل الأخير سوى اجتهادات متعددة لتحقيق المصلحة الرأسمالية الواحدة.
7: وكان لهذا الطابع المزدوج للإخوان المسلمين وغيرهم من قوى الإسلام السياسى مزايا وأضرار، وقد برزت المزايا فى لحظة واحدة هى لحظة الأيام الأولى للثورة وبرزت الأضرار فى كل لحظة تالية طوال أكثر من عام. وقد اعترفنا بصورة متكررة وبكل موضوعية بأن مشاركة الإسلام السياسى فى الثورة جعلته يقوِّى الثورة ويتقوَّى بها. ولا شك فى أن الثورة تقوَّتْ بتلك المشاركة. وكان هذا ينطوى على خير كثير لأنه ساعد على نجاح الثورة غير أنه كان ينطوى كذلك على شر مستطير لأنه كان لهذه المشاركة تأثير ضار بعيد المدى. فقد خدعت المشاركة فى الثورة قوى الثورة وبالأخص "القوى الثورية المخلصة حتى النهاية" التى جعلتها تجربتها السياسية المحدودة لا تدرك الطبيعة الحقيقية لأهداف المشاركة الإخوانية والإسلامية السياسية، وكان لهذا تأثيره الضار على كثير من المواقف والشعارات المهادنة من جانب الثورة فى كثير من لحظاتها إزاء جماعة الإخوان المسلمين وأحزابها وإزاء باقى جماعات وحركات وتيارات وأحزاب الإسلام السياسى. كذلك فإن مشاركة قوى الإسلام السياسى فى الثورة أدت إلى تقوية هذه القوى وصولا إلى تحالف النظام معها ضد الثورة، الأمر الذى أدى إلى تقوية الثورة المضادة ووقوفها صفا واحدا ضد الثورة ونجاحها فى فرض مسارات بعينها على تطور الأحداث فى الفترة السابقة. وعلى كل حال فإن الإسلام السياسى كان سيتحالف مع نظام مبارك ومع نظام خلفاء مبارك، حتى فى حالة عدم مشاركته فى الثورة، كما أن هذا النظام أو ذاك كان سيتحالف معه حتى فى هذه الحالة؛ غير أنه كان سيتحالف من موقع أضعف وزنا بما لا يقاس سواء من وجهة نظر الثورة التى كانت ستدرك طبيعة الإسلام السياسى بوضوح أو من وجهة نظر النظام الذى كان سيفرض عليهم شروطا أقسى للتحالف.
8: ومهما يكن من شيء فقد شاركت جماعة الإخوان المسلمين وباقى قوى الإسلام السياسى فى الثورة، وسرعان ما كشفت عن طبيعة هذه المشاركة كمشاركة مضادة للثورة فى الثورة. ورغم الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية البالغة التردى للطبقات الشعبية فى مصر (وكذلك بالطبع فى باقى بلدان ثورات ما يسمى بالربيع العربى) لم تناضل قوى الإسلام السياسى ضد نظام مبارك بحال من الأحوال. ونعرف جميعا أن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية المتردية للشعب يمكن أن تستمر معها استكانة شعبٍ أعواما وحتى عقودا دون أن تصل مقاوماته واحتجاجاته إلى مستوى الثورة مع أن مثل هذه الأوضاع هى الخلفية الاجتماعية السياسية التى لا يمكن بدونها أن تتفجر ثورة شعبية تستحق هذا الاسم. ولا مناص بالتالى فى سبيل فهم تفجُّر ثورة من الانتقال من هذه الخلفية الإستراتيچية العامة إلى الأسباب والعوامل الظرفية التى تشعل النار فى وقود جاهز للاشتعال. وفى حالتنا الخاصة كان هناك بالتأكيد تأثير الدومينو القادم من الثورة التونسية. على أن الثورات لا تنفجر عند توفُّر كل عامل ظرفى أو تأثير دومينو رغم تردى الأوضاع. وقد شهدنا فى المنطقة العربية رغم التناظر العام من حيث تردى الأوضاع الاجتماعية السياسية مستويات متفاوتة من ردود الفعل من جانب الشعوب. وهناك بالطبع جزء لا يتجزأ من هذه الأوضاع يتمثل فى تطور الاحتجاجات والتطورات فى بلد دون آخر فى الأعوام السابقة للثورة. ودون أن نأخذ فى اعتبارنا هذه الخلفية الاجتماعية العامة، وتأثير الدومينو، وكذلك الاحتجاجات والتطورات فى الأعوام القليلة السابقة للثورة المصرية السياسية الشعبية الكبرى فإن سؤال السبب وراء الثورة سيغدو لغزا بالغ الإبهام.
9: وهنا ينبغى أن نشير إلى أن الإسلام السياسى لم يكن جزءًا من نضالات القوى السياسية فى مصر طوال أعوام قبل الثورة بل كان موقفه سلبيا تماما. بل إن هذا الإسلام السياسى لم يواجه بحركة احتجاجية ذات شأن تلك الملاحقات المتواصلة التى تعرضت لها قواه من اعتقالات وسجون وحملات تشويه وافتراء من جانب نظام مبارك. وبلغ ذلك الاضطهاد السياسى ذروته فى أواخر عام 2010 عندما تم تزوير الانتخابات الپرلمانية إلى حد إسقاط كل مرشحيهم لمجلس الشعب والتنكيل بهم بصورة مفزعة. ولزم الإخوان المسلمون جانب الصمت الرهيب. وعندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011، وقف الإسلام السياسى بعيدا عن الثورة من باب الاحتياط والاحتراز لاحتمال فشلها ولم ينضم إلى الثورة إلا بعد أيام بعد أن تيقَّن من أنه إزاء ثورة شعبية سياسية كبرى قادرة على حمايته مُدْرِكًا أن إحجامه عن المشاركة فيها سيكون بمثابة انتحار سياسى وأن هذه المشاركة هى مفتاح الاعتراف بشرعيته من جانب كل الأطراف المعنية فى السياسة المصرية. وبمجرد الحصول على الشرعية المنشودة، ترك الإسلام السياسى أتباعه فى الميدان وراح يتفاوض مع عمر سليمان ممثلا لنظام مبارك، وفى تلك المفاوضات بدأت فى التبلور أسس التعاون والتحالف مع مبارك ثم مع حلفائه فى شخص المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية بمجرد قيامه بانقلابه العسكرى الذى أطاح بالرئيس السابق مبارك، وتبلورت معها إستراتيچية وتاكتيكات وأساليب وأدوات العمل المشترك مع باقى أطراف وقطاعات وقوى الثورة المضادة بقيادة المجلس الأعلى فى سبيل التصفية التدريجية للثورة المصرية. ووقف الإسلام السياسى على طول الخط ضد الثورة بمختلف موجاتها ونضالاتها وأنشطتها ونضالاتها واحتجاجاتها واعتصاماتها وإضراباتها وأفكارها ومواقفها.
10: ومن الجلى تماما أن الإخوان المسلمين كانوا سيتحالفون مع مبارك ضد الثورة لو لم يقم المجلس العسكرى بالانقلاب ضده والإطاحة به. فلم يكن التفاوض مع عمر سليمان عبثا بل كان لبحث أسس تحالف "اضطرارى" ولكنْ ضرورى ولا غنًى عنه فى آن معا من ناحية مبارك ومن ناحية الإخوان والإسلام السياسى. وكان الطابع المؤقت للتحالف واضحا تماما للطرفين، حيث كان التفاوض يجرى على خلفية عداء مستحكم بينهما، وبالأخص فى الفترة السابقة على الثورة، حيث جرت ملاحقة الإخوان المسلمين وجرى التنكيل بهم وإقصاؤهم وحرمانهم حتى من أىّ تمثيل پرلمانى فى أواخر عام 2010، كما سبق القول.
11: على أن الانقلاب العسكرى قام بتعديل "حدود" المعادلة. فعندما واجه مبارك الثورة بالعنف الوحشى سحقت الثورة قوات وأجهزة وزارة الداخلية، وأدرك نظام مبارك ضرورة الاعتماد على القوة السياسية والأيديولوچية للإسلام السياسى فتفاوض معه. إلا أنه بدا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه لا مناص من الإطاحة بالرئيس مبارك. فقد اتضح أن الثورة أعمق من أن يتم إخمادها بالجمع بين العنف من ناحية والتحالف مع الإسلام السياسى (والقطاعات الأخرى الليبرالية اليمينية من الطبقة الرأسمالية التابعة بالإضافة إلى رجال الحزب الوطنى فى كل مواقع السلطة والإدارة والاقتصاد) من ناحية أخرى، دون التخلص من مبارك باعتبار أن إسقاطه بدا موضع إجماع من أوسع قطاعات قوى الثورة. ويبدو أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية أدرك بوضوح أن دخول الجيش فى مواجهة شاملة مع الثورة لن يكون مجديا بل أنه سيكون كارثيا على النظام. ذلك أن الثورات الشعبية قدمت دروسا منها أن الشعب الأعزل أقوى من كل جيش مدجج بالسلاح وأن المواجهة مع الشعب تعنى هزيمة الجيش وأن مواصلة العنف الواسع النطاق يؤدى إلى الحرب الأهلية التى تنتهى ليس فقط بإلحاق الهزيمة بالجيش بل بضرب وتمزيق وتفكيك الطبقة الرأسمالية التابعة الحاكمة وفتح الباب أمام إحلالها بطبقة رأسمالية تابعة حاكمة جديدة تماما. وبدون الإطاحة بالرئيس مبارك كان لا مناص من التورط فى التصفية العنيفة الحربية للثورة وصولا إلى تصفية الجيش والنظام والطبقة الحاكمة وليس إلى تصفية الشعب أو ثورته. ولا شك فى أن الخبرة الأجنبية كانت حاضرة فى كل هذه الحسابات الدقيقة، الناضجة دون أدنى شك.
12: وعندما أطاح الانقلاب العسكرى (وكان انقلاب قَصْر؛ أىْ من داخل النظام بهدف إنقاذه) بالرئيس مبارك وأسرته وحلقة ضيقة من أقرب المقربين من رجاله، كانت أسس التحالف التى تبلورت بين الإسلام السياسى و مبارك قد صارت جاهزة فانتقلت إلى التحالف بين الانقلابيِّين العسكريِّين (بدلا من مبارك) والإسلام السياسى وبالأخص الإخوان المسلمين. فقد كان الانقلابيون بحاجة إلى تغطية سياسية تعتمد على قوة سياسية كبيرة كالإخوان المسلمين تساعدهم فى سياق تعاون وثيق على التصفية التدريجية للثورة. وقد نجحوا بالفعل فى إضعاف الثورة فى مرحلة أولى من خلال التخلص من مبارك، ومن خلال الاعتماد على كل القوى السياسية التى تعبِّر سياسيا عن مختلف قطاعات الرأسمالية التابعة من صفوف الثورة، ومن خلال التعاون الوثيق معها وبالأخص مع الإخوان المسلمين فى تحقيق المهام المتنوعة التى تقتضيها تصفية الثورة.
13: ويمكن تلخيص الأساس الجوهرى والمهمة الجوهرية لهذا التحالف فى عبارة العمل المشترك بين المجلس العسكرى والإسلام السياسى فى سبيل التصفية التدريجية للثورة. وتتعدد بالطبع الأسس والمهام المتنوعة التى تحقق الهدف الكبير الذى تنطوى عليه هذه العبارة. وتتمثل الجائزة الكبرى المشتركة التى يمكن أن تفوز بها مختلف القوى السياسية المعبرة عن مختلف قطاعات الطبقة الرأسمالية التابعة فى مصر (ومنها المجلس العسكرى والإسلام السياسى والليبرالية اليمينية وأحزاب الحزب الوطنى) فى إنقاذ الطبقة وإعادة بناء النظام على جثة الثورة مع مواصلة التغنى بعظمتها وروعتها. وتتعدد الجوائز الخاصة بكل قوة من قوى الثورة المضادة. فمن خلال هذا التحالف وتحقيق مهامه يستطيع الإسلام السياسى أن يقوم بترسيخ وجوده السياسى داخل نظام الطبقة الحاكمة بكل المكاسب الاقتصادية والمالية لمثل هذا التطور. ويمكن أن يصل هذا الوجود السياسى إلى ذروة الانفراد بحكم البلاد، أو يقف عند مستوى المشاركة القوية فى حكمها، كما يمكن أن يصير "رقما صعبا"، كما يقال، فى السياسة المصرية، بترسيخ شرعيته وتوسيع نفوذه، ولا شك فى أنه حتى تحقيق مجرد الحد الأدنى من هذا سيكون مكسبا تاريخيا للإسلام السياسى فى مصر، تمهيدا واستعدادا لتطورات سياسية لاحقة نحو التمكين وتطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة!
14: وبالفعل فطوال أكثر من عام تواصل هذا التحالف بنجاح لا يمكن إنكاره كسلاح أساسى للثورة المضادة ضد الثورة الشعبية وأهدافها ونضالاتها ومبادراتها وأنشطتها ومظاهراتها واعتصاماتها وإضراباتها ومختلف احتجاجاتها. وواصل الإسلام السياسى تعاونه المطلق أو شبه المطلق مع المجلس العسكرى من خلال الهجوم على الثورة والافتراء عليها وكذلك من خلال إنشاء أدوات السيطرة الطبقية من التعديلات الدستورية إلى الإعلان الدستورى إلى الاستفتاءات والانتخابات الپرلمانية والرئاسية. وتمثلت جوائز الإسلام السياسى إلى الآن فى التعديلات الدستورية الملائمة له، والأغلبية الساحقة فى مجلسىْ الشعب والشورى، وتشكيل لجنة إعداد الدستور، والمطالبة كأغلبية بتشكيل الحكومة، ووجود عدد من المرشحين الإسلاميِّين لرئاسة الجمهورية لكل منهم شعبية كبيرة ومتعاظمة، وصولا إلى ترشيح خيرت الشاطر مؤخرا، وإردافه بالدوبلير محمد مرسى.
15: وتأتى التطورات الجديدة بعد الثورة بأكثر من عام فى سياق مسار تعددت محطات التعاون فيه: مقاومة كل مبادرة لتشكيل مجلس رئاسى مدنى يتولى السلطة كمرحلة انتقالية والتمسك بدلا من ذلك بإدارة المجلس العسكرى للبلاد، وتمرير الطريقة التى تم بها إعلان تخلِّى رئيس الجمهورية عن منصبه عن طريق جعل نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان آنذاك يعلن ذلك بعيدا عن الإجراء الدستورى الصحيح عند استقالة رئيس الجمهورية من منصبه، والدخول فى مفاوضات واسعة النطاق مع مبارك ممثلا فى نائبه عمر سليمان ومع المجلس الأعلى بعد الانقلاب العسكرى للاتفاق على شروط التحالف وأسس إعادة بناء النظام، وتمرير التعديلات الدستورية من خلال التصويت عليها بنعم فى استفتاء 19 مارس 2011، والتسليم بالإعلان الدستورى والقوانين بمراسيم التى أصدرها المجلس وكذلك بتجاهل المجلس العسكرى للتعديلات الدستورية والإعلان الدستورى وغير ذلك عند الضرورة، وتأييد وتكريس طريق الانتخابات الپرلمانية والرئاسية ومعارضة البديل المتمثل فى طريق الفعل الثورى، ومعارضة كل النضالات الثورية بكل موجاتها وأشكالها ومليونياتها واحتجاجاتها المسماة بالفئوية والعمل بالتالى ككاسر إضراب، والتأييد بالصمت وحتى التبرير المباشر للمذابح البشعة التى استهدفت الثورة وإغماض العين عنها مع كلمات منافقة قليلة فقط فى قليل فقط من تلك المناسبات المأساوية، والهجوم المتواصل على قوى الثورة وشن حملات الافتراء والتشويه ضدها واتهامها بأنها تعمل على إحداث وقيعة بين "الجيش" والشعب وحتى اتهامها بالعمالة للاستعمار والصهيونية، والدفاع المتواصل عن الطغمة العسكرية وإجراءاتها وجرائمها المتواصلة وكذلك عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وبالأخص معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وعقد اللقاءات وإجراء الاتصالات مع الولايات المتحدة لطمأنتها وطمأنة إسرائيل مما يؤكد أن الإسلام السياسى لا يأتى لتغيير شيء بل لاستعادة الاستقرار لنفس النظام مقابل مشاركته فى السلطة، ومقاومة أىّ محاولة لجعل الذكرى السنوية الأولى للثورة مناسبة لاستمرارها ببدء موجة جديدة من موجاتها. وفى سياق هذا المسار المخزى كانت الانتخابات الپرلمانية التى جاءت بالإخوان والسلفيِّين باستخدام كل وسائل وأدوات وأساليب تزييف إرادة الشعب، بما فى ذلك التزوير ب "التسويد"، والرشاوى العينية والنقدية اعتمادا على الفقر والجهل والمرض، وصناديق البطاقات الانتخابية المستوفاة الملقاة على قارعة الطريق، وكشوف الناخبين التى تحيط بها شكوك، والدعاية العدوانية السوداء التى تبشر من يصوتون للإسلام السياسى بالجنة "خالدين فيها أبدا" وتُنْذر من يصوتون لغير الإسلام السياسى وخاصة أنصار الليبرالية والمدنية والعلمانية بجهنم وبئس المصير. وبعد السيطرة بالأغلبية المزيَّفة على مجلسىْ الشعب والشورى حان وقت دعم الطغمة العسكرية فى مذبحته الجديدة للأولتراس فى بورسعيد بما فى ذلك مطالبة وزارة الداخلية بالدفاع عن مقر الوزارة بلا حرج ضد المحتجين على تلك المذبحة، مع مسرحيات التحقيق واستقصاء الحقائق. وحان وقت التعارض مع المجلس العسكرى بالاعتراض على وثيقة السلمى ومدنية الدولة دفاعا عن المادة الثانية فى الدستور والمرجعية الإسلامية، وبالمطالبة بتشكيل الأغلبية الپرلمانية الإسلامية للحكومة فى مواجهة إصرار المجلس العسكرى على أن حق تشكيل الحكومة فى جمهورية رئاسية كمصر ليس للأغلبية بل لرئيس الجمهورية مع أن هذا كان يشكل الحكومة من "الأغلبية المزوَّرة" أيضا ولكنها كانت أغلبية الحزب الوطنى بلا منازع، وبالمطالبة بانتخاب مجلسىْ الشعب والشورى للجنة إعداد الدستور وهى اللجنة التى لفظتها القوى السياسية ومختلف الجهات التى تم أو لم يتم "حشر"ها فيها، وأخيرا باحتدام "حرب رئاسة الجمهورية" بين المجلس العسكرى ومختلف قوى الإسلام السياسى بقيادة الإخوان المسلمين.
16: ولا أظن أن الإخوان المسلمين اعتقدوا، فى أىّ وقت فى فترة ما بعد الثورة، أن المجلس سوف يسلِّمهم، فى سياق تحالفه معهم، حكم البلاد بكل أجهزته ومؤسساته التشريعية والتنفيذية بالإضافة إلى وضعهم المسيطر على مواقع فى القضاء وفى كثير من النقابات المهنية وغيرها. ولا أظن أنه خطر ببال المجلس العسكرى أن تحالفه مع الإخوان المسلمين سيمتد إلى تسليمهم حكم البلاد حتى تحت إشرافه الدقيق ووصايته. ومن المرجَّح أن الطرفين كانا يدركان جيدا طبيعة وحدود التحالف بينهما فنحن لسنا إزاء طرفيْن ساذجيْن. غير أن هذا الإدراك لم يكن من شأنه أن يمنع محاولة الاحتفاظ بالتحالف لأطول فترة ممكنة جلبا للمزايا والمغانم والجوائز ودرءًا للمخاطر والمغارم والألغام. وكانت الفترة المسماة بالانتقالية ستمتد لفترة أطول كما أراد لها الإخوان والعسكر إلا أن بعض قوى الثورة رفعت مطالب ملحَّة أدت إلى تقليص تلك الفترة بقرابة نصف عام وكان لا مناص من أن يؤدى قِصَر المدة التى ينبغى أن تتم فيها إعادة "ترميق وطلسقة وطبخ" بناء النظام "الجديد القديم" إلى الصدام الذى لا يمكن تفاديه والذى كان يقض مضاجع الطرفين منذ البداية بحكم أخطاره المحتملة على الطرفين. فقد تقلصت المدة التى كانت ستتم فيها الترتيبات والتسويات بين الطرفين من عام فى بداية السنة الجديدة حتى نهاية 2012 إلى نصف عام حتى منتصف عام 2012 ومن هنا تزايدت الضغوط والاحتكاكات وصراع الإرادات والعناد بين الطرفين تحت "كرباج" عامل الزمن. وكان أوان الصدام سيؤون على كل حال. فالشكوك المتبادلة بين الطرفين أقوى وأعمق من كل تحالف بينهما يقوم على الخداع المتبادل، والخنجر الذى يُخْفيه كل منهما وراء ظهره أقوى من كل مديح منافق وكلام معسول متبادلين بينهما، وبالتالى فإن عدم تقليص الفترة "الانتقالية" لم يكن من شأنه أن يمنع جوهر الصدام وإنما كان سيؤجله وربما كان سيُخفِّفه ويجعله أقل خشونة وأكثر سلاسة نسبيا بشرط أن يتعلم الإخوان فى الفترة الأطول التى كانت مفترضة ومن خلال مفاوضات وترتيبات تدريجية هادئة نسبيا أن عليهم أن يعرفوا حدودهم ويلزموا مكانهم ويقنعوا بما يُمْنَح لهم عن طيب خاطر ما دام قد حلَّ زمن صارت فيه حاجتهم إلى المجلس العسكرى أقوى من حاجته إليهم.
17: فهل كان من الممكن أن تندمج هذه التعابير السياسية الإسلامية عن قطاعات مهمة من الطبقة الرأسمالية الحاكمة التابعة للإمپريالية مع التعابير السياسية الأخرى عن باقى قطاعات هذه الطبقة الواحدة من المجلس العسكرى ومختلف أجهزة الأمن إلى رجال وأحزاب الحزب الوطنى المنحلّ إلى الليبرالية اليمينية؛ وكفى الله المؤمنين (وغير المؤمنين) القتال؟ ولماذا تصل العلاقات بين قطاعات نفس هذه الطبقة الواحدة إلى هذه الدرجة من العداء المستحكم الذى لا يسمح بتحالف إستراتيچى بينها وإنْ كان يتسع لتحالفات جزئية ومحدودة ومؤقتة؟ ولماذا يكون الصدام بينها محتوما؟ فى هذا يكمن فى حقيقة الأمر بيت القصيد! والحقيقة أن كل طبقة رأسمالية تواجه مستويات من هذه التناقضات والصراعات والصدامات الداخلية بين مختلف قطاعاتها وتكتلاتها وتعبيراتها السياسية. ذلك أن وحدة الطبقة الرأسمالية الكبيرة لا تكون وحدة متراصة أو جرانيتية أو فولاذية بحكم الطيف الواسع المتنوع لعناصرها المكونة فى الاقتصاد المادى (والمعرفى) وفى الرؤية الفكرية والسياسية. ولا تعنى الوحدة هنا تطابق مكونات تتمثل فى نُسَخٍ مكرَّرة من الأشخاص الحقيقيِّين والاعتباريِّين والأشياء المملوكة وطريقة امتلاكها وطريقة إدارتها، بل تمثل أنواعا وأشكالا وتنويعاتٍ وتلاوينَ من المصالح المرتبطة بقطاعات ومجالات للإنتاج والتوزيع، والمرتبطة بالتالى بمصالح متنوعة وحتى متعارضة بالداخل والخارج وفقا لطبيعة مصالحها الأساسية. كما تختلف هذه المكونات من حيث مستويات تطور مختلف القطاعات اقتصاديا وماليا وتكنولوچيًّا ومن حيث الارتباط ببقايا الرأسمالية وبالأخص من حيث الأيديولوچيات التى نشأت عليها والمدارس الفكرية التى تنتمى إليها والاجتهادات والرؤى والتصورات والمفاهيم التى تنطلق منها لفهم مصالح الطبقة وأولوياتها وطرق إدارة أوضاعها العادية وكذلك أزماتها. وإذا تذكرنا أننا شهدنا صراعات تاريخية داخل الطبقة الرأسمالية الكبيرة بين قطاعاتها وأيديولوچياتها وسياساتها وأحزابها وصلت فى كثير من الحالات إلى تطورات يمكن وصفها بالحرب الداخلية فى البلدان المتقدمة كما فى حالة الحرب الأهلية الأمريكية، وكما فى حالة صعود الفاشية والنازية، أو فى حالة ثورات أو انقلابات عسكرية كانت تنتهى إلى إعادة تشكيل الطبقة الرأسمالية الكبيرة، فإن العالم الثالث الذى يتميز بتعدد التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية وعمق صراعات التراث والتجديد وقوة الأيديولوچيات الماضوية والتراثية والأصولية الدينية وبالأيديولوچيات القوموية أولى بالصراعات الداخلية بين عناصر ومكونات الطبقة الرأسمالية الكبيرة الواحدة من حيث هى طبقة اجتماعية مالكة وحاكمة ومسيطرة على الثروة والسلطة. وفى العالم الثالث الموبوء باستبداد الديكتاتوريات والحكم العسكرى والتطرف الحاكم والمعارض بعيدا عن أدنى درجة من درجات الليبرالية الغربية المسماة بالديمقراطية، تتغلغل تناقضات وتعارضات أوبئته الاجتماعية والأيديولوچية داخل الطبقة الرأسمالية الواحدة التى لا تكاد تجدر بتسمية الطبقة ولا بصفة الرأسمالية إلا بحكم تبعيتها للرأسمالية العالمية. وهنا يأتى ليضع النقط على الحروف تاريخ حديث ومعاصر من التشكلات الأيديولوچية والعسكرية التى حددت لها تراثاتها مسارات بعينها للحركة والعمل فورثت عداوات وولاءات وأساليب حكم وأساليب معارضة وتناطحات تخلق عداوات وتعمَّقها على مدى عقود. وهنا تغدو العلاقة داخل الطبقة الرأسمالية الكبيرة علاقة صراع، وحتى علاقة حربية، وعقبة كأداء فى طريق وحدة الطبقة الرأسمالية الواحدة، ويبدو الاندماج مستحيلا دون أن يؤدى هذا بالضرورة إلى الصدام العنيف حيث تبرز هنا حسابات دقيقة لعلاقات القوة، فيفضل الطرف الأقوى نسبيا أن ينسحب الطرف الأضعف نسبيا بهدوء عندما لا يكون هناك مناص من هذا الانسحاب الكبير، وهنا تنتقل المساومات إلى المكاسب الأقل شأن بما فى ذلك الرضى من الغنيمة بالإياب.
18: وكان تراث العقود السابقة فى مصر بين الحكام والإخوان وباقى جماعات الإسلام السياسى يُغلِّب الصدام والقمع رغم فترات من التعاون والتحالف مع هؤلاء الحكام كلٍّ فى زمنه. وقد أدى حمل السلاح واستخدامه واعتماد الإرهاب فى بعض الفترات من جانب جماعات الإسلام السياسى فى مصر إلى تعميق العداء والشك المتبادل وانعدام الثقة وتشديد القمع إلى درجة الوحشية فى فترات مختلفة وممتدة أحيانا، فى سياق اعتماد العهود المتعاقبة للرؤساء السابقين للحل الأمنى فى الغياب شبه الكامل لاعتماد الديمقراطية والصراع الفكرى. وقد أدت هذه العلاقة العدائية بدورها فى الظروف الجديدة إلى اندفاع الإسلام السياسى فى محاولة مستميتة لاغتنام الفرصة السانحة بسرعة قبل فوات الأوان بالسيطرة على كل مؤسسات الدولة وكل مفاتيح السلطة بعد إملاء دستوره الإسلامى: التحقيق الفعلى للأغلبية الساحقة فى مجلسىْ الشعب والشورى، ولتشكيل المجلسين للجنة الدستور لكتابة دستور إسلامى، ومحاولة سحب الثقة من حكومة الجنزورى تمهيدا لتشكيل حكومة إسلامية أو ذات طابع إسلامى، والدفع بالسيد خيرت الشاطر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين مرشحا لرئاسة الجمهورية وبالدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة الإخوانى بشكل احتياطى واحترازى "لضمان استمرار مسيرة التحول الديمقراطى المنشود للوطن"، كما قيل، بين عدد من مرشحى الرئاسة الإسلاميِّين، الأمر الذى يخشى الإسلام السياسى معه أن يؤدى إلى تشتيت الأصوات، ولا ينبغى أن ننسى أن قانون العزل السياسى الذى يبحثه مجلس الشعب حاليا يؤدى فى حالة إقراره ليس فقط إلى استبعاد عمر سليمان و أحمد شفيق بل أيضا إلى إقالة المشير وچنرالات المجلس العسكرى وكثير من الحكام الحاليين والإدارة العليا بالبلاد من مناصبهم، وبطبيعة الحال فإن إقرار مثل هذا القانون أو حتى مجرد بحثه يصبّ الزيت على النار من وجهة نظر المجلس العسكرى الذى لن يصدِّق عليه.
19: ولا شك فى أن الاتجاه إلى استبعاد الشيخ حازم أبو إسماعيل شكل ويشكل فى الفترة القادمة نقطة مهمة من نقاط احتدام الصراع بين المجلس العسكرى والإسلام السياسى، ولا فى أن أصواته ستذهب بأغلبها إلى خيرت الشاطر أو محمد مرسى فى حالة استبعاد الشاطر. كما أنه لا شك فى أن ترشيح خيرت الشاطر للرئاسة بعد وعود وعهود متكررة سابقة بعدم التقدُّم بمرشح من جماعة الإخوان المسلمين أو حزبهم يمثل القشة التى قصمت ظهر البعير؛ أعنى التحالف العسكرى الإخوانى. وقد استطاعت مصر أن تنتج حالة غير مسبوقة من الاندفاع والهرولة نحو الترشح لمنصب لم يحدد الدستور ملامحه، وصار فيض طالبى الترشيح ربما فى أكبر مزاد رئاسى شهده العالم مهزلة حقيقية، إلى أن تقلصت القائمة فصارت القائمة القصيرة أكثر قليلا من عشرين مرشحا ومن المتوقع أن تزداد تقلصا باحتمال استبعاد حازم أبو إسماعيل و خيرت الشطر و أيمن نور، كما تحوم شبهات الجنسية الأجنبية حول آخرين. وإذا كان احتمال استبعاد الشيخ حازم هو المفاجأة الأولى بين مفاجآت عديدة فقد كانت المفاجأتان الخطيرتان حقا هما ترشح خيرت الشاطر نائب مرشد الإخوان المسلمين (أو محمد مرسى كمرشح احتياطى) واللواء عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع ورئيس المخابرات العامة وصديق الولايات المتحدة وإسرائيل و"أستاذ الجاسوسية" كما تصفه الواشنطون پوست. وقد صارت عملية الانتخابات الرئاسية تتجه الآن بخطى حثيثة نحو المزيد من التعارض والصدام. وقبل قنبلة ترشيح عمر سليمان، كان اعتراض القوى السياسية على ترشيح خيرت الشاطر ينصبّ على رجوع الإخوان عن تعهدهم بعدم التقدم بمرشح إخوانى، مع أن من حق أىّ طرف أن يغيِّر موقفه مع تطورات جديدة، خاصة مع انقشاع أوهام الإخوان فيما يتعلق بجوائز الأجل القصير مثل رفض تشكيلهم للحكومة ورفض لجنة دستورهم وتركهم فى وضع مهين كپرلمان لا معنى له تحوَّل بالفعل إلى مسخرة (وبعد الترشح الأصلى والاحتياطى قوبل المرشحان والإخوان بروح العداء من جانب النظام وأبواق دعايته ومختلف أدوات قمعه الإدارى والفكرى والإعلامى)، ولم يتحدث أحد عن فظاعة الجريمتين المنسوبتين إلى الشاطر فى قضيتين: تسليح قسم من الشعب كميليشيات فى قضية، وغسيل الأموال فى القضية الأخرى، وإذا لم تكن القضيتان ملفَّقتين فكيف يمكن قبول رئيس جمهورية بمثل هذه المواصفات؟ وكيف رشحه الإخوان أصلا بمثل هذه المواصفات؟ كما انصبّ جانب من الاعتراض على كونه رجل أعمال وربما ميليارديرا فهو يمثل إذن مشروعا لتجديد التزاوج بين السلطة والمال، ومع وجاهة هذا الاعتراض فإن الاعتراض البالغ الأهمية الذى ينبغى أن ينصبّ على مشروع الجمهورية الإسلامية الرأسمالية التابعة للإمپريالية لدى الشاطر والإخوان ظل غائبا!
20: ويأتى ترشيح الشاطر و مرسى بعد انقشاع كل وهم لدى القوى السياسية والثورية عن الإخوان. فمن خلال تراجع أوهام التوافق والتوافقية والمجلس الرئاسى التوافقى والرئيس التوافقى أثناء وبعد الفترة التالية مباشرة للثورة بافتراض الإخوان جزءًا محتملا من هذه التوافقيات، بدأت بوادر التعارض بين الثورة وكلٍّ من المجلس العسكرى والإسلام السياسى بقيادة الإخوان من خلال مفاوضات الإخوان مع مبارك ثم مع العسكر، ثم من خلال معارضة الثوار لطريقة إجراء التعديلات الدستورية وصولا إلى تصويت ما بين خُمْس ورُبْع الناخبين ب"لا" فى الاستفتاء على تلك التعديلات (وكان لهذه النتيجة مغزى تاريخى غير مسبوق فى الاستفتاءات والانتخابات المصرية منذ قيام الجمهورية)، وتزايد فَهْم قطاعات من الثوار لطبيعة إستراتيچيات وتاكتيكات المجلس العسكرى وكذلك لطبيعة سياسات الإخوان وحقيقة مواقفهم وسلوكهم السياسى وصولا إلى انقشاع الأوهام لدى الثوار وبالأخص منذ موجة 8 يوليو، أىْ الموجة الثانية، للثورة فيما يتعلق بالمجلس العسكرى إلى حد البدء منذ ذلك الحين فى المطالبة بإسقاطه، وبصورة مستمرة كان الإخوان المسلمون على رأس الإسلام السياسى يخسرون قلب الشعب والثورة مع الاتضاح السافر لتحالفهم مع المجلس العسكرى وتبريرهم لسلوكه السياسى والأمنى وحتى مذابحه المتكررة ومع اتضاح خيانتهم للثورة ووقوفهم ضد نضالاته. وبصورة تدريجية تبلور التعارض الواضح بين الثورة والإسلام السياسى، وبرزت الشعارات المعارضة ثم المعادية للإخوان المسلمين وتجلَّى هذا بوضوح فى الأشهر الأخيرة من عام 2011 وبالأخص منذ موجة 19 نوڤمبر، أىْ الموجة الثالثة، للثورة، وبصورة قاطعة لا رجعة فيها منذ احتجاجات الذكرى السنوية الأولى فى يناير 2012 والفترة التالية، أىْ فى مجرى الموجة الرابعة للثورة. أىْ أن القوى الحقيقية للثورة صارت تنظر إلى العسكر والإخوان على أنهما أهم وأخطر قوتين من قوى الثورة المضادة. ولا شك فى أن ترشيح السيد خيرت الشاطر وبالتالى خطر نجاحه على خلفية الصدام مع المجلس العسكرى الذى يريد رئيس جمهورية "أراجوزا أو طرطورا" يَسْهُل على المجلس العسكرى (الذى سيحكم البلاد من وراء الكواليس بعد التسليم "الرسمى" للسلطة لرئيس منتخب) ترويضه وتوجيهه، كان من عوامل ترشيح رجل من داخل النظام هو اللواء عمر سليمان رئيسا للجمهورية باعتباره رجل النظام. وهكذا فإن من المحتمل أن يدور التنافس الانتخابى الرئاسى الحقيقى بين عمر سليمان و خيرت الشاطر أو محمد مرسى (فى حالة استبعاد الشاطر)، أىْ بين دولة المخابرات والدولة الدينية، فى حالة أن لا يكون ترشيح عمر سليمان مجرد مناورة لرفع أسهم مرشح رئاسى آخر (والمقصود هو السيد عمرو موسى)! وذلك فى سياق صراع كبير محتمل بين المجلس العسكرى والإسلام السياسى.
21: وقد جاء ترشيح السيد عمر سليمان وسط صراع، على طريقة لعبة الذراع الحديدى (أو لىّ الذراع "برا دو فير" أو "بلاديفير" أو "ريسلينج")، أراده أو تورط فيه الإخوان المسلمون فيما سُمِّىَ صحفيا وشعبيا ب"التكويش" أىْ محاولة جمع كل مؤسسات الدولة بكل سلطاتها وأجهزتها فى قبضة أيدى الإسلام السياسى وخاصة فى قبضة أيدى جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ثم السلفيِّين وحزب النور، وبلغت اللعبة ذروتها بالترشيح الأصلى أىْ الشاطر والمرشح الدوبلير أىْ مرسى. وقد بدأ منذ الآن النضال ضد وصول عمر سليمان إلى الحكم وسوف يتواصل هذا النضال وسوف يتسع نطاقه، وينبغى أن يتصاعد النضال بنفس الهمة ضد وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم أيضا. وتوضع الثورة الآن أمام خيارين أحلاهما مر كالعلقم: استعادة نظام مبارك (بدونه ولكن بأبرز رجاله أو حتى بشخص مثل عمرو موسى) والجمهورية الإسلامية الإخوانية. وبحكم العلاقة العضوية بين اللواء عمر سليمان والمجلس العسكرى فإن احتمال أن يكون مرشح المجلس للرئاسة وارد وربما كان احتمالا كبيرا على خلاف ترشُّح الفريق أحمد شفيق. وهناك بالطبع مرشحون يتمتعون بدرجات من الشعبية، ويبدو أنهم جميعا قابلون بدرجات متفاوتة للعب دور الرئيس الأراجوز أو الطرطور كغطاء للمجلس العسكرى القابع وراء الكواليس والحاكم من ورائها، وإذا كان اللواء عمر سليمان يختلف عن هؤلاء بحكم العلاقة العضوية مع المجلس وبحكم أنه كان الرجل القوى فى نظام مبارك (إذا استثنينا نجله بالطبع كمرشح للتوريث فى ذلك الحين)، فإنه لا يختلف عن باقى مرشحى الرئاسة بصفة جوهرية لأنه يأتى ليس بحكم قدرة ذاتية على فرض نفسه على المجلس بل بحكم "احتمال" استخدام المجلس له كمجرد أداة للمناورة أو من خلال محاولة فرضه رئيسا على الشعب المصرى.
22: إن على الثورة أن توحِّد صفوفها وتوسِّع جبهتها فى إطار وعلى أساس مقاطعة الانتخابات الرئاسية وليس بالمشاركة فيها بعد أن رأينا الحصاد المر للمشاركة فى الانتخابات الپرلمانية. ولا تعنى هذه المقاطعة اتخاذ موقف اللامبالاة إزاء الانتخابات الرئاسية بل ينبغى أن تكون هذه المقاطعة الموقف الذى تنطلق منه نضالات متواصلة لإسقاط مرشحىْ المجلس الأعلى والإخوان المسلمين وليس لحساب أىّ مرشح آخر سيكون فى النهاية ألعوبة فى أيدى المجلس العسكرى. وفى هذه النضالات ينبغى أن يكون التركيز على الفعل الثورى بعيدا عن المشاركة فى الانتخابات وعلى أساس واضح من رفض أىّ تعاون مع المجلس الأعلى ضد الإخوان المسلمين والإسلام السياسى أو مع الإخوان المسلمين والإسلام السياسى ضد المجلس العسكرى، فلا خيار فى الشر، كما يقولون.
23: ولا يمكن بالطبع استبعاد التوصُّل إلى تسوية يتم عقدها بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين يتم فيها إجبار الإخوان المسلمين على تقديم تنازلات مهمة ربما كان أبرزها التخلى عن تشكيل لجنة إعداد الدستور والتخلى عن الانفراد بتشكيل الحكومة مكتفين مثلا بمشاركة جزئية فيها مع ترك مسألة استمرار أو حل الپرلمان لقرار المحكمة الدستورية العليا. ولأن موقف الإخوان المسلمين قد ضعف كثيرا بسبب فقدانهم كثيرا من شعبيتهم نتيجة لسلوكهم السياسى والپرلمانى الباهت وغير الفعال، وكذلك بالطمع المتمثل فى التكويش الذى أدى إلى الصدام مع المجلس العسكرى فأظهر ضعف موقفهم فى ميزان القوة، وكذلك بالخلافات فى الجماعة والحزب من الداخل، فإن من المتوقع وربما من المرجح أن يقدموا تنازلات على طول الخط. ولا يمكن بالطبع استبعاد محاولات "عصلجة" من جانبهم رغبة فى حفظ ماء الوجه من ناحية، وأخذا فى الاعتبار لضغوط شباب الإخوان من ناحية أخرى، وأملا فى ضغوط أمريكية ربما سعوا إليها فى الفترة السابقة على المجلس العسكرى من ناحية ثالثة.
24: فإلى أين يمكن أن تؤدى "عصلجة" إخوانية؟ وإلى أين يمكن أن يؤدى تمرد إخوانى؟ والحقيقة أن النزول إلى الشارع قد صار صيحة رددها الشاطر وأطراف أخرى للإسلام السياسى منها حملة "لازم حازم".غير أن طرح هذا الحد الأقصى للصراع مع المجلس العسكرى من الميدان فى قفزة واحدة يعنى قلة أوراق الضغط فى أيديهم، حيث لا يملك مجلس الشعب سلطات نهائية لا فى إصدار القوانين ولا فى تشكيل الحكومات ولا فى تشكيل لجنة الدستور؛ فلا يبقى لها سوى التراجع المطلق أو النزول إلى الشارع. والسؤال هو: هل يمثل نزول الإسلام السياسى إلى الشارع ضغطا كافيا لإبقاء حازم أبو إسماعيل أو خيرت الشاطر على القائمة القصيرة أو لاستبعاد اللواء عمر سليمان من هذه القائمة؟ أو لمنع التزوير؟ والحقيقة أن الصراع من الشارع ضد النظام العسكرى يمثل أضعف أسلحة الإخوان المسلمين أو الإسلام السياسى لأن المجلس العسكرى يمكن أن يتساهل مع درجات منه، ولأنه قادر عند حدوث تصعيد خطير على توجيه ضربات قاصمة إليهم استنادا إلى اتهامات خطيرة جاهزة وإلى خرائط أمنية كاملة واستنادا إلى واقع أنهم لم يعرفوا النضال من الشارع بحكم تاريخهم الطويل فى مهادنة أولى الأمر منهم ولم تعرف بعض أقسامهم سوى العنف والإرهاب كوسائل للصراع، واستنادا على وجه الخصوص إلى فوزهم بازدراء شعبى واسع نتيجة لذيليتهم للمجلس العسكرى وتحالفهم معه ضد الثورة فى الفترة السابقة رغم زهوهم بالأغلبية الپرلمانية التى يعرفون أكثر من غيرهم كيف حققوها. والحقيقة أن ما يليق بالإسلام السياسى هو التراجع وليس الصدام، وإنْ كان التراجع لا يمنع نهاية التحالف بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين للتقهقر إلى تعاون أكثر تواضعا وأقل شأنا. وينبغى أن يكون واضحا أن انهيارا محتملا للتحالف بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين سوف يمثل انهيارا للمؤامرة المشتركة بينهما ضد الثورة، وهذا فى حد ذاته شيء حسن وقوة مضافة للثورة.
25: وهناك مخاوف لا مجال لاستبعادها من أن تكون الاتصالات الإخوانية الأمريكية السابقة والحالية قد جاءت على خلفية اتجاه أمريكى فعلى للاعتماد على الإخوان المسلمين فى حكم مصر، انطلاقا من أن خشية الولايات المتحدة الأمريكية من أن تؤدى إعادة بناء النظام على يد العسكر إلى تكرار أزمة نظام مبارك أو إلى اشتعال الثورة بقوة من جديد أو إلى عجز النظام عن التعايش مع تطورات ليبرالية تحمى الرأسمالية التابعة فى مصر من النتائج المنطقية لمثل هذا النظام. ولا شك بالطبع فى أن الولايات المتحدة تعمل على توثيق صلاتها مع مختلف القوى السياسية الفاعلة فى مصر، كما فى كل بلد آخر، ولا شك فى أنها يمكن أن تتخلى عن أىّ حلفاء لها لحساب قوة سياسية تتجه إلى الظفر بالسلطة فى مصر أو غيرها مهما تكن تلك القوة صعبة على الاحتواء بدلا من تصعيد العداء معها. غير أننى لا أعتقد أننا فى الوقت الحالى فى وضع سياسى يضطر الولايات المتحدة إلى أن تتخذ مثل هذا الموقف، فالإخوان المسلمون لا يشكلون الآن قوة تتجه إلى فرض سيطرتها، كما أن توجهاتهم الأيديولوچية والسياسية من شأنها أن تحيط سلطتهم بجماعات سلفية وأصولية تعتمد العنف والإرهاب، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة قد تستطيع أن تُمْلى مواقف بعينها على نظام محلى حاكم غير أنها لا تستطيع أن تأمر مثل هذا النظام بالعمل مباشرة ضد وجوده ذاته والانصراف ومغادرة المسرح، ويعنى هذا أن أىّ تشجيع أمريكى للإخوان المسلمين على الصدام مع المجلس العسكرى (وهذا مستبعد تماما على كل حال) لانتزاع السلطة ستكون عواقبه وخيمة.
26: وينبغى أن نعمل على تحرير عقول الثوار من كل تعويل على دور يقوم به رئيس قادم للجمهورية مهما كان شخصه فى إنقاذ الثورة، فلن ينقذ الثورة سوى نضالات الفعل الثورى. والواقع الفعلى هو أن الثورة مستمرة وهى تتواصل عبر أشكال بالغة التنوع وتنتشر فى كل أنحاء البلاد. والواقع الفعلى هو تصاعد النضالات العمالية والشعبية والاحتجاجات المسماة بالفئوية التى حققت نجاحات مهمة فى فرض مطالبها. وهناك من لا يتعرَّفون على الثورة إلا فى أشكالها المشهدية الدراماتيكية بمليونياتها وجماهيرها الحاشدة؛ مع أن حلقات الوصل قائمة بين كل أشكال الثورة، بين مليونية وإضراب فى مصنع، بين مظاهرة حاشدة أو اعتصام كبير ممتدّ ووقفة احتجاجية قد تكون متواضعة بحجمها ومطالبها. وتنتشر وتسيطر على الأجواء فى كثير من الأحيان إحباطات لا يبررها سوى ربط ثورة التوقعات بأجل قصير أو بحالة متواصلة من الحشود الجماهيرية. وينبغى أن نربط ثورة التوقعات بتصور أكثر واقعية لهذا الشيء غير الواقعى الذى يقلب الواقع بكامله رأسا على عقب، ولكنْ ليس على الفور وليس بضربة واحدة قاضية. ولا يعنى التصور الأكثر واقعية تقهقرا أو تراجعا أو انسحابا إلى الأمر الواقع لللاستسلام ورفع الرايات البيضاء أمام وحشية الثورة المضادة، بل يعنى أن الحلم الثورى لا يتحقق كما تتحقق الأحلام السعيدة فى الخيال أو الأحلام، بل يتحقق بمواصلة نضالات الثورة بكل أشكالها إلى أن تتحقق أهداف الشعب المتمثلة فى حياة كريمة فى ظل ديمقراطية شعبية من أسفل تفتح آفاقا أوسع أمام الحرية والرفاهية والتقدم والاستقلال الحقيقى.
9 أپريل 2012



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الجحيم، 1، 32- ، لويس بورخيس ت: خليل كلفت
- توفيت ابنتى السيدة هند خليل كلفت
- النسوية - أندرو ڤنسنت
- ثورة 25 يناير: سؤال السبب (ملخص حديث سوف يُلقَى فى مؤتمر بوز ...
- سباق رئاسى محموم فى مصر بين مرشحين محتملين على رئيس محتمل لج ...
- ندوة لخليل كلفت عن الحوار المفتوح
- النساء يحركن العالم - فيديريكو مايور و چيروم بانديه
- خليل كلفت - مفكر وسياسي ماركسي- في حوار مفتوح حول: طبيعة الث ...
- معادلات سياسية تحكم الثورة المصرية الراهنة
- إشكالية مدرسة فرانكفورت (بين النظريتين النقديتين: الأصلية وا ...
- كتابى -من أجل نحو عربىّ جديد- فى نقاط أساسية بقلم: خليل كلفت
- من أجل نحو عربى جديد (الجزء الثانى)
- من أجل نحو عربى جديد - الجزء الأول
- آدم وحواء وقصص أخرى من أمريكا اللاتينية
- حكاية سَكَنْدَرِيَّة - ما شادو ده أسيس
- العاصفة تهب (حول انهيار النموذج السوڤييتي) - كريس هارم ...
- محاضرات سياسية عن أوروپا وتركيا وأفريقيا والهند
- العقائد الدينية والمعتقدات السياسية
- إلى أين يقود علم الوراثة؟ - چان ڤايسينباخ
- ثورة 25 يناير 2011 طبيعتها وآفاقها - الجزء الثانى


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - الانتخابات الرئاسية واحتمالات الصراع بين المجلس العسكرى والإخوان المسلمين