أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خليل كلفت - من أجل نحو عربى جديد (الجزء الثانى)















المزيد.....



من أجل نحو عربى جديد (الجزء الثانى)


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3603 - 2012 / 1 / 10 - 19:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


 
 
من أجل
نحو عربى جديد
(الجزء الثانى)
 
خليل كلفت
 
الطبعة الأولى صادرة عن المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2009
 
 


المحتويات
تصدير ..................................................................        
مفهوم النحو (مقدمة عن العلاقة بين العلم وموضوعه) .......................     
1: تقسيم الجملة إلى اسمية وفعلية - ازدواج غريب وخاطئ ................      
2: المسند إليه والمسند ........................................................  
3: المسند إليه ...............................................................     
4: المسند إليه: بعض تجلياته أو أشكال تحقيقه ..................................  
5: ما يسمى بنواسخ المبتدأ والخبر أ: الأفعال المسماة بالناسخة .................... 
6: ما يسمى بنواسخ المبتدأ والخبر ب: الحروف المسماة بالناسخة ................  
7: المسند أو ما يسمى بالخبر ...............................................     
8: المسند (الخبر) ومتعلَّق الجارّ والمجرور .....................................  
9: المسند أو الخبر: تحليل لعناصره المكونة ..................................    
10: الإعراب: خطيئة تمحور النحو حول الإعراب ..............................  
11: الإعراب: وظيفته كأداة من أدوات النحو ..................................   
12: الإعراب وعناصر الجملة ...............................................    
13: خرافة الإعراب المحلى والإعراب التقديرى ..............................    
14:  وقفة عند من ينكرون الإعراب كأصل من أصول اللغة العربية ..........     
15:  ما يسمى بمنصوبات الأسماء بين عناصر الجملة والإعراب ..............     
16: محاولة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ووزارة المعارف المصرية
 لإصلاح النحو العربى فى 1945 ...........................................     
ملاحق  
الملحق 1: هل الخبر مرفوع؟ ..............................................       
الملحق 2: لويس عوض والبحث عن أصل اللغات: حول مقدمة فى فقه اللغة العربية ..
الملحق 3: معجم لتصريف الأفعال العربية .......................................   
الملحق 4: 3 أعمدة فى مجلة الإذاعة والتليڤزيون بعنوان "لغة" ...................    
 
 
10
الإعراب: خطيئة تمحور النحو حول الإعراب
 
نقرأ فى مادة "عَرِبَ" فى "المعجم الوسيط" (الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة) ما يلى:
الإعراب لغةً: الإفصاح والإبانة؛ والإعراب اصطلاحًا: الإتيان بالكلام وفق قواعد النحو وكذلك تطبيق قواعد النحو عليه، وهو تغييرٌ يلحق بأواخر الكلمات العربية من رفع ونصب وجرّ وجزم، على ما هو مبين فى قواعد النحو[i].
وفى مادة "نَحا" فى المعجم نفسه نقرأ:
النحو لغةً: القصد والطريق والجهة والمثْل والمقدار والنوع؛ والنحو اصطلاحًا: علم يُعرف به أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناءً[ii].
وعبارة مادة "عَرِبَ": تتضمن معنيين للإعراب:
* الإتيان بالكلام وفق قواعد النحو، وكذلك تطبيق هذه القواعد عليه.
* "تغييرٌ" يلحق بأواخر الكلمات العربية من رفع ونصب وجرّ وجزم، على ما هو مبين فى قواعد النحو.
وهذا التعريف الثانى للإعراب سليم بوجه عام، لأنه يتضمن خصوصيته: تغيير أواخر الكلمات، ولأنه يربط هذا التغيير بقواعد النحو.
ولكن ما هى قواعد النحو؟ أو بالأحرى: ما هو النحو؟ وهنا تُسعفنا مادة "نَحا" بتعريف "المعجم الوسيط" للنحو وهو أنه: "علم يُعرف به أحوال أواخر الكلم إعرابا وبناءً".
ويتضمن هذا التعريف أن علم النحو هو أساس معرفة أحوال أواخر الكلم، وأن هذه الأحوال لا تخص الإعراب فقط بل تشمل الإعراب والبناء معًا.
غير أن هذا التعريف يعانى عيبين جوهريين:
الأول: أنه يخلو من تحديد خصوصية النحو.
والثانى: أنه يحصر وظيفة النحو وقواعده فى معرفة أحوال الإعراب والبناء.
ويعنى كل هذا أن النحو العربى يعانى إلى يومنا هذا خلطا لا يغتفر بين النحو والإعراب، والحقيقة أنه ليس مجرد خلط، بمعنى: الأخذ بشيء من النحو مع شيء من الإعراب. فبالإضافة إلى أن هذا النوع من الخلط قائم إلا أن الأخطر منه هو أن التوازن مختل لحساب الإعراب على حساب النحو، مع أن الإعراب ليس فى الحقيقة سوى أداة من أدوات النحو الذى هو علم أوسع بما لا يقاس، وهو علم ضرورى فى اللغة التى تقوم على الإعراب مثلما هو ضرورى فى اللغة التى تقوم على أداة بديلة عن الإعراب.
وبطبيعة الحال فإن هذا الاختلال فى التوازن يأتى على حساب النحو غير أن هذا ليس لصالح الإعراب. ذلك أن الإعراب الذى تتضح طبيعته وأدواته بفضل المفاهيم النحوية الواضحة الفعالة ظل يعانى من غياب أو غموض مثل هذه المفاهيم فى كثير من الأحوال.
ورغم أن علماءنا القدماء طوّروا نحوًا بالغ العمق والنضج والتعقيد، خاصةً بمقاييس زمنهم، إلا أن التركيز البالغ على الميتا-إعراب، أو: ما وراء الإعراب، من جانب، وعلى الإعراب ذاته من جانب آخر، أهدر إمكانات المزيد من إنضاج المفاهيم العميقة التى توصلوا إليها.
والمقصود بالميتا-إعراب، أو: ما وراء الإعراب، هو ذلك البحث الذى يتسم بطابع علم الكلام والفقه والمنطق والفلسفة والميتافيزيقا عما وراء الإعراب من عوامل، والإسراف فى هذا البحث، والقياس المسرف للقاعدة من القاعدة، بدلا من التركيز الكلى على استقراء اللغة العربية واستخراج قواعدها وبحث المنطق وراء القواعد الموضوعية الجمعية التى تنطوى عليها هذه اللغة.
وأنا لا أتهم، ولا أجرؤ على أن أتهم، علماء اللغة العربية القدماء، الذين أُجلهم كل الإجلال، بالتواضع أو المحدودية أو القصور. لقد قدموا إنجازات علمية تحسدهم عليها إن جاز القول لغات أخرى عظيمة، ولا تزال تحتفظ بقيمتها العلمية ولا تزال كل دروسها بعيدة عن أن يكون قد تم استنفادها. وتدل معاجمهم وموسوعاتهم ونظرياتهم فى اللغة والبلاغة والنحو على عظمتهم. ولا سبيل إلى إنكار أن عظمة إنجازهم ارتبطت بالعمل الوصفى الواسع النطاق، والاستقراء الشامل لكلام العرب، والقياس عليه.
ولا يتجه نقدنا أبدا إلى إنجازاتهم العظيمة التى عجزنا نحن عن الحفاظ عليها وتطويرها، بل يتجه إلى أخطائهم، إلى إسرافهم فى البحث والاستقصاء فى اتجاهات بذاتها، ولا جدال فى أن هذه الأخطاء الناتجة عن الإسراف على هدى توجهات بعينها إنما ترجع إلى زمنهم، وحُكْم زمنهم. ولهذا فإن نقدنا ينصبّ فى المحل الأول على زمنهم لإرجاع هذه الأخطاء والعيوب والنواقص والنقائص إلى ذلك الزمن بالحدود التى تحكم على كل زمن بالقصور بالمقارنة بالأزمنة التالية كاتجاه تاريخى تصاعدى عام. كما أن النقد موجه إلينا نحن بوجه خاص، إلى خيانتنا لإنجازاتهم التى لا يمكن الحفاظ عليها إلا بتطويرها وقد عجزنا عجزا فاضحا عن هذا التطوير. ويمكن تفسير إنجازهم العلمى التاريخى فى مجال النحو وغيره، رغم أخطائهم، بالنهضة الحضارية-الثقافية العربية الإسلامية الكبرى التى كانوا حاملى مشاعلها. أما عجزنا نحن عن نقد وتطوير إنجازهم فيمكن تفسيره بأزمنة التخلف والتأخر والتبعية والتدهور التى نعيشها؛ هذه الأزمنة التى حكمت على كل نهضة جديدة تتحقق فى العالم العربى طوال هذا القرن العشرين بأن تسقط بسرعة فى براثن التخلف، وبأن يتوقف نموها، كما حكمت عليها بطابع قزمى وحجم قزمى، وحكمت على عمالقتها بالتراجع والنكوص والردة، وعلى أنصارهم بالانفضاض من حولهم.
والآن، بعد أن أعطيت علماء النحو العربى القدماء ما يستحقون أضعاف أضعافه من التقدير لإنجازاتهم العلمية التاريخية التى لا يملك إنكارها إلا جاحد جاهل، أشير إلى إسرافهم غير المبرر فى البحث فى ما ورائيات اللغة وما ورائيات النحو، بحيث يقع فى روع الناس، وبالأخص المتأخرين منهم، أن هذه الماورائيات المعقدة الغامضة الملتبسة إنما هى من صلب اللغة وهى بريئة منها فى الحقيقة، ومن صلب النحو الموضوعى الجمعى الكامن فى اللغة ذاتها وهو بريء منها فى الحقيقة. ومن ذلك تلك المناقشات البالغة التعقيد حول اللغة ذاتها: اصطلاح هى أم توقيف؟ وكانت النتيجة أن أعظم العلماء التطوريين الذين أيدوا بعمق فكرة أن اللغة اصطلاح وعُرْف اضطروا اضطرارا إلى صبّ أفكارهم التطورية العميقة الجدلية فى قالب التوقيف، والإيمان بالتوقيف، وحرق البخور للتوقيف.
أما فى مجال الإعراب بالذات فلدينا ما يسمى بنظرية العوامل. فما الذى رفع المبتدأ؟ إنه عامل معنوى (أى: غير لفظى) هو الابتداء. وما الذى رفع الخبر (الذى زعموا أنه مرفوع) إذن؟ إنه عامل لفظى هو المبتدأ ذاته (بالإضافة إلى العامل المعنوى المتمثل أيضا فى الابتداء). لكن ما دام السؤال مطروحا فلا مناص من الاختلاف: المبتدأ لم يرفعه الابتداء، بل المبتدأ رفع الخبر والخبر رفع المبتدأ. لقد ترافع المبتدأ والخبر كما قال بعضهم. غير أن هذا الترافع يحصر العامل فى نطاق الألفاظ وتأثيرها الإعرابى فى بعضها البعض الآخر، فلا مناص إذن من رأى آخر: إن أحوال الإعراب من عمل المتكلم نفسه وليس من عمل الألفاظ.
ويقتبس الدكتور أحمد عبد الستار الجوارى، فى كتابه: "نحو التيسير - دراسة ونقد منهجى” (من مطبوعات المجمع العلمى العراقى) من "خصائص"[iii] ابن جنى ما يلى:
وإنما قال النحويون عامل لفظى وعامل معنوى ليُروك أن بعض العمل يأتى مسببا عن لفظ يصحبه كمررت بزيد وليت عمرا قائم، ويأتى بعضه عاريا من مصاحبة لفظ يتعلق به، كرفع المبتدأ بالابتداء ورفع الفعل لوقوعه موقع الاسم. هذا ظاهر الأمر وعليه صفحة القول.
فأما الحقيقة ومحصول الحديث فالعمل من الرفع والنصب والجرّ والجزم إنما هو للمتكلم نفسه لا لشيء غيره.
ويعلق الدكتور الجوارى على ذلك بقوله:
ونحن نلمح فى هذا الخلاف بين الرأيين ملامح الفلسفة أو التفلسف، ونشمّ فيه رائحة علم الكلام الذى كان له سلطان أى سلطان على عقائد الفرق الإسلامية المختلفة، وأثر أى أثر على الفكر العربى الإسلامى.
فمذهب ابن جنى هو مذهب المعتزلة الذين يقولون بخلق الأفعال، وأن الإنسان هو الذى يوجدها وأن له إرادة واختيارا فى ما يصدر عنه من الأفعال، بخلاف الذين يذهبون إلى أن الأشياء تتفاعل ويؤثر بعضها فى بعض[iv].
وفى "كتاب الرد على النحاة" لابن مضاء القرطبى، من تحقيق الدكتور شوقى ضيف[v]، رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، نقرأ فى سياق دعوة ابن مضاء إلى إلغاء نظرية العوامل:
فمن ذلك ادعاؤهم أن النصب والخفض [أى: الجرّ] والجزم لا يكون إلا بعامل لفظى، وأن الرفع منها يكون بعامل لفظى وبعامل معنوى (....) فظاهر هذا أن العامل أحدث الإعراب، وهذا بيِّن الفساد[vi].
ثم يشير ابن مضاء إلى الرأى الذى تقدم لابن جنى ويعلّق عليه، ويقدّم رأيه الذى هو رأى أهل الحق كما يقول، بقوله:
وهذا قول المعتزلة. وأما مذهب أهل الحق فإن هذه الأصوات إنما هى من فعل الله تعالى، وإنما تُنسب إلى الإنسان كما يُنسب إليه سائر أفعاله الاختيارية.
وأما القول بأن الألفاظ يُحْدث بعضها بعضًا فباطل عقلا وشرعا، لا يقول به أحد العقلاء[vii].
ثم يقول:
فإنْ قيل بم يُرَدّ على من يعتقد أن الألفاظ هى العاملة؟ قيل: الفاعل عند القائلين به إما أن يفعل بإرادة كالحيوان، وإما أن يفعل بالطبع كما تحرق النار ويبرد الماء، ولا فاعل إلا الله عند أهل الحق، وفعلُ الإنسان وسائر الحيوان هو فعلُ الله تعالى، كذلك الماء والنار وسائر ما يَفْعَل، وقد تبين هذا فى موضعه. وأما العوامل النحوية فلم يقل بعملها عاقل، لا ألفاظها ولا معانيها، لأنها لا تفعل بإرادة ولا بطبع[viii].
وبعد ذلك مباشرة تأتى فقرة يمكن اعتبارها إلغاءً لدعوته إلى إلغاء نظرية العوامل، وهو الهدف الجوهرى الساذج لكتابه، فهو يقول:
فإنْ قيل إن ما قالوه من ذلك إنما هو على وجه التشبيه والتقريب، وذلك أن هذه الألفاظ التى نسبوا العمل إليها إذا زالت زال الإعراب المنسوب إليها، وإذا وُجدت وُجد الإعراب، وكذلك العلل الفاعلة عند القائلين بها، قيل: لو لم يَسُقْهم جعلها عوامل إلى تغيير كلام العرب، وحطِّه عن رتبة البلاغة إلى هُجْنَة العى، وادعاء النقصان فيما هو كامل، وتحريف المعانى عن المقصود بها لسومحوا فى ذلك، وأما مع إفضاء اعتقاد كون الألفاظ عوامل إلى ما أفضت إليه فلا يجوز اتباعُهم فى ذلك[ix].
أى أن إفضاء الاعتقاد فى العوامل اللفظية إلى تغيير كلام العرب، وإلى الاتهامات الأخرى الموجَّهة إلى النحاة القدماء، هو الخطيئة التى لولاها لسامحهم ابن مضاء. ومن الغريب أن ينسب أحد إلى النحاة ككل كل هذه الاتهامات المنكرة. ذلك أن عملهم لم يكن "تغيير كلام العرب"، إلخ.. قائمة الاتهامات، وإنما تمثَّل على العكس من ذلك فى: وصف "كلام العرب" واستقرائه واستخراج قواعده ثم القياس على هذا الكلام وعلى هذه القواعد.
وليس ما سبق سوى عينة نموذجية من الإسراف فى بحث ما ورائيات الإعراب والنحو بين القائلين بزعامة سيبويه بأن عوامل الإعراب تتمثل فى الألفاظ ومعانيها، والقائلين (ابن جنى) بأن المتكلم هو العامل، وابن مضاء القرطبى القائل بأن العمل، ككل عمل، هو عمل الله سبحانه وتعالى.
والحقيقة أن التسليم بأن اللغة اصطلاح وعُرْف كان من شأنه أن يقود ببساطة إلى أن الإعراب أيضا (بكل أحواله وبكل عوامل أو مؤثرات أو أسباب تلك الأحوال) اصطلاح وعُرْف، وكذلك النحو كله، وكذلك كافة الظواهر اللغوية الموضوعية الجمعية. وكان من شأن هذا أن يكون أساسا واضحا للحكم على عمل النحاة بالتوفيق أو الإخفاق بدلا من الانحراف بالبحث النحوى، ومنه فرع الإعراب، إلى متاهات لا مخرج منها.
وإذا اتفقنا على أن الإعراب علامات فى الألفاظ مرشدة فى كشف المعانى النحوية (وليس المعجمية بطبيعة الحال)، وعلى أن نظام أو نسق الإعراب نشأ كاصطلاح نشوءًا تاريخيا تراكميا وتطوريا، فمن السهل أن نكتشف أن الاختلاف لا ينبغى أن يكون حول اللفظ والمتكلم والله، حول أى الثلاثة هو عامل أو مؤثر أو سبب الإعراب من رفع أو نصب أو جرّ أو جزم، فالمسألة تنحصر فى الحقيقة فى حدود أبسط من كل هذا بكثير، وهذا لا يحتاج إلى مزيد من بيان.
وبالإضافة إلى ما ورائيات اللغة وما ورائيات النحو والإعراب، كان لتمحور النحو حول الإعراب (أى حول فرع من فروعه وأداة من أدواته) أثره البالغ على كل منهما كعلم.
أما اللغة العربية ذاتها فقد سارت منذ وقت مبكر فى طريق يتسم بطابع الازدواج النحوى الإعرابى، وهو طريق إسقاط الإعراب وتَبَنِّى بديل الإعراب وهو نظام تقييد ترتيب الكلمات فى الجملة، مع الاحتفاظ بالإعراب فى مستوى بعينه أو داخل نطاق دائرة خاصة من المستويات ومن المجالات. وهو الازدواج اللغوى النحوى الذى كانت مراحله المبكرة من الأسباب المباشرة المروية عن اللحن بصفة عامة، واللحن الإعرابى بصفة خاصة، وراء نشأة علم النحو ذاته. فقد كان فى بؤرة نشأة النحو ذلك الإعراب الذى كان قد أخذ يزداد صعوبة على العرب الأقحاح أنفسهم، لأنه كان قد أخذ يخرج من سليقتهم، وقد روَّع ذلك قادة القوم الغيورين على الإعراب، فكان وضع النحو وقيل بإشارة من على بن أبى طالب.
وكان لا مناص، بالتالى، من أن يتمحور النحو حول الإعراب والبناء إلى أقصى الحدود، وذلك بتركيز الاهتمام على المرفوعات والمنصوبات والمجرورات والمجزومات، وعلى عوامل كل ذلك. وكان من المنطقى أن تكون اللفظة الواحدة التى يتغير آخرها أو لا يتغير بين المعجم والجملة محور الاهتمام. فاللفظة المبنية هى تلك التى لا تتغير فتظل فى الجملة على حالها فى المعجم مهما كانت وظيفتها النحوية. أما اللفظة المُعْربة فهى المحور الحقيقى من حيث الإعراب وأحواله وأسبابه وعلاماته فى كل حالة. فللإعراب أحواله من رفع ونصب وجرّ وجزم، ولكل حالة (الرفع مثلا) علاماتها حسب اللفظ من حيث السالم والمعتل، ومن حيث الإفراد والتثنية والجمع، حيث يتميز المفرد وجمع التكسير (وجمع المؤنث السالم فى الرفع والجرّ) بما يسمى بالعلامات الأصلية، والمثنى وجمع المذكر السالم (وجمع المؤنث السالم فى النصب) بما يسمى بالعلامات الفرعية. وهناك الصرف والمنع من الصرف (أى التنوين من عدمه)، وما يصحب الممنوع من الصرف من إعراب بعلامات فرعية. وهناك أيضا الإعراب التقديرى والإعراب المحلى. واللفظة الواحدة عندهم ينبغى أن تكون هى ذاتها الحالة النموذجية لمفهوم العنصر النحوى من مبتدأ أو خبر أو فاعل أو فعل أو مفعول أو حال أو ظرف أو غيرها، لأن الرفع مثلا لن يظهر إلا مع اللفظة المفردة وكذلك النصب أو الجرّ (أو الجزم فى الفعل). ولهذا كان ينبغى فى نظرهم أن تكون هناك لفظة مفردة يمكن اعتبارها هى المبتدأ والمرفوع فى آن معا، أو الفاعل والمرفوع فى وقت واحد، أو المفعول والمنصوب فى الوقت ذاته، فى اتجاه نوع من التطابق المباشر لهذه المفاهيم النحوية مع ظهور الحالة الإعرابية. ويغدو هذا التطابق الوهمى بين الفاعل والمرفوع، مثلا، فى لفظة واحدة الأساس الحقيقى لانفصال الفاعل الإعرابى عن الفاعل النحوى. وأولهما يغدو الفاعل دون أوصاف أخرى بينما ينزوى الفاعل النحوى كمفهوم مستقل عن الإعراب وقائم بالإعراب وبدونه.
ويتحقق هذا الاتجاه إلى التطابق الوهمى بين ما هو نحوى وما هو إعرابى كأساس حقيقى لانفصالهما لحساب ما هو إعرابى، عندما تغدو اللفظة التى تتخذ علامة الرفع مثلا هى المبتدأ، فيجرى إهمال ألفاظ ربما كانت أكثر أهمية فى سياق ترابطها معا فى التعبير عن العنصر النحوى من عناصر الجملة. وبدلا من اختصاص لفظة بالرفع كجزء من المبتدأ مع ضمها إلى بقية الألفاظ باعتبارها جميعا المبتدأ، يبدأ هذا الفصل ويتسع بحيث تنقلب الألفاظ الأخرى إلى "مجرد" مضاف إليه أو تابع من التوابع أو ما أشبه ذلك، وبحيث تغيب عن بؤرة الاهتمام مسألة ما هى الكلمة الرئيسية فى مجموعة اسمية يمكن تسميتها المبتدأ. وإليك هذه الجملة: (كلُّ العرب الذين يعيشون فى المشرق العربى) مشارقة. فالنحو السليم هو الذى يعتبر كل الألفاظ التى بين القوسين أى كل الألفاظ الواردة فى الجملة باستثناء كلمة مشارقة (وهى متمم المسند إليه بعد فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت كما تكرر من قبل) هى المسند إليه، لكنهم كانوا يرون التجسُّد النحوى كمبتدأ والإعرابى كمرفوع فى لفظة "كلًّ" دون غيرها (وكما سبق القول، وللإنصاف، وللابتعاد عن جلد الذات، لم يكن هذا خطأ النحو العربى وحده، بل كان خطأ النحو التقليدى بصفة عامة فى اللغات التى تقوم على الإعراب كما فى تلك التى تقوم على بديله مع إسقاط الإعراب).
وكان من شأن هذا التمحور حول الإعراب أن يحكم على المفاهيم النحوية الضرورية كأدوات للتحليل النحوى بأن تظل غامضة وغير متبلورة رغم كل تلك الذخيرة المثيرة للإعجاب من الألقاب التى لا حصر لها والتى تسمِّى أشياء حقيقية إلا أنها سيئة التحديد من ناحية، وتعانى من فوضى التبويب من ناحية أخرى.
ولهذا ترك التحليل النحوى مكانه للإعراب، وصار النحو علم الإعراب، كما صار عاجزا عن جنى الثمار الناضجة لإنجازاته العظيمة ولاستقصاءاته اللانهائية. وهى كلها جهود عبقرية، بل هى معجزة، ليس فقط لأنها جهود فوق طاقة البشر، بل بالأخص لأنها جهود ذكية ومبدعة وخلاقة وبذلك الحجم المعجز. غير أنها ظلت عاجزة مع ذلك لأن العرب لم يستطيعوا رغم دخولهم مرحلة الفلسفة والمنطق والعلوم الطبيعية والإنسانية المتطورة أن يستعينوا بمنجزات هذه المرحلة فى ترويض الإعراب ليعود كما كان فى الأصل مجرد أداة بالغة الأهمية (ولا غناء عنها فى غياب أداة أخرى بديلة) من أدوات النحو الذى يمكن أن نفهم مجاله بسهولة باستبعاد كل من إعراب الكلمات وترتيب الكلمات: إن مسائل النحو التى تبقى بعد الاستبعاد "التحليلى” للإعراب ولبديله هى المسائل الحقيقية للنحو، وهى بالمناسبة مسائل مشتركة فى كل نحو فى كل لغة. وهل هناك لغة لا تحتاج إلى أغلب مفاهيم النحو المشتركة مع استبعاد بعض العناصر التى تخص لغة دون أخرى، أو مرحلة من مراحل نفس اللغة دون مرحلة أخرى؟!
وهكذا، فبدلا من أن يتطور النحو كعلم لبناء أو تكوين الجمل بكل نماذجها الممكنة (إلى جانب الصرف كعلم لبناء أو تكوين الكلمة (والحقيقة أن الصرف كعلم كان موفقا غاية التوفيق فى إدراك وتحقيق دوره الحقيقى)، مع منح جانب من اهتمامه للإعراب الذى ينصبّ على الكلمات المعربة فى هذه الجملة (وحتى للإعراب التقديرى والمحلى)، تحوَّل النحو إلى خادم أمين للإعراب هذا الإعراب الذى حوّله سير الجماعة اللغوية ذاتها، أى العرب أنفسهم، فى طريق إسقاط الإعراب، وبالتالى اللحن الإعرابى الذى تَفَشَّى بينهم منذ القديم، إلى قدس أقداس النحو العربى الذى نشأ للدفاع عنه وليس للبحث عن هويته كنحو ولصقل فهمه للإعراب كأداة من أدواته.
وربما كان هذا الاستطراد حول تمحور النحو العربى حول الإعراب، بماورائياته الميتافيزيقية وبمسائله الحقيقية، ضروريا للغاية من أجل إدراك مدى جناية طريقة فهم النحاة للإعراب على النحو العربى، وكذلك من أجل البحث عن فهم صحيح للإعراب، وعن أسلوب فعّال لتبسيطه، للوصول إلى هدف ثمين هو تحرير النحو العربى ليس من الإعراب بحال من الأحوال بل من طريقة فى فهم طبيعته وخصائصه، حتى يعود هذا النحو إلى قضاياه ومسائله ومباحثه الحقيقية للعمل على تطوير شامل للنحو العربى قبل أن يفوت أوان اللحاق بقطار علم وتقنية معالجة المعلومات بالكمپيوتر، فبدون نحو صحيح ودقيق وبالغ النضج والتقدم والتعقيد لا أمل فى اللحاق بالقطار الذى ركبته لغات أخرى، بكل جدارة، بفضل تطويرها لنحوها بوجه خاص.
ولن يكون هذا التطوير إلا الثمرة الناضجة لجهود جيل جديد من علماء النحو، بدلا من أولئك الذين يعملون من الناحية الفعلية على تأبيد جمود النحو العربى فلا يخدمون بهذا دينًا ولا لغةً كما يزعمون، بل يحولون دون فهم أبسط وأقرب لتراثنا الثرى بكل ينابيعه، تماما كما يقفون عقبة كأداء بين لغتنا ونحونا من جهة والمستقبل الذى أصبح من شروطه تطوير هذا النحو من جهة أخرى.
ولا يتجاوز طموحى أن يكون هذا البحث الموجز مجرد كاسحة ألغام تمهّد السبيل أمام جيل جديد من علماء ودارسى النحو العربى الذين سيقع على كاهلهم عبء تطوير هذا النحو الجديد.
على أن كل هذا يقتضى أن نقترب أكثر فأكثر من الإعراب لنفهم طابعه الموضوعى كأداة للنحو العربى الجمعى قبل وبعد ظهور علم النحو والنحاة والنحويين، وهذا ما ينبغى أن نتجه إليه الآن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11
الإعراب: وظيفته كأداة من أدوات النحو
 
ونقف هنا وقفة متأنية عند الإعراب، للتدقيق فى إدراك حقيقته وطبيعته ووظيفته.
ويمتلئ معجم كل لغة متطورة بمئات الآلاف أو من الملايين من الكلمات التى تنتمى إلى مختلف أقسام الكلام. ويقوم النظام الصرفى لكل لغة بتوسيع الكلمات وبتغيير بعض أنواعها (كالأسماء والصفات) من حيث النوع والعدد، وبتغيير نوع بالذات (الفعل) من حيث الإسناد إلى مختلف الأسماء والضمائر فى مختلف الأزمنة.
وتصلح هذه الكلمات بأعدادها الهائلة لتكوين مليارات ومليارات من الجمل. غير أن هذه الجمل تحتاج، لكى تتم فائدتها، ولكى تكتمل قدرتها على التعبير، ولكى تكون جُملا أصلا، ولكى تتطور أساليبها من الأدنى إلى الأعلى، إلى وسائل خاصة ليست كامنة فى الكلمات ذاتها. وإذا كانت الكلمات تكتسب أشياء من استعمالها معا فى جمل (إلى جانب دلالاتها المعجمية) فإنها تظل مفتقرة إلى أشياء أخرى لا تكفى أية كلمات أخرى لتعويضها (أو بالأحرى: لتعويضها بطريقة تنطوى على الاقتصاد اللازم لكل لغة متطورة).
فالكلمة الواحدة قابلة للاستعمال فى جمل لا حصر لها، وهذه الكلمة قد تأتى مفعولا أو فاعلا أو غير ذلك. ولا توجد فى هذه الكلمة فى حدّ ذاتها ما يدلّ على أنها فاعل أو مفعول أو تابع لهذا أو لذاك أو غير ذلك، فلابد إذن من وسيلة تُغنى الناطقين بها عن كلمات يحددون بها الوظيفة النحوية داخل الجملة لكل كلمة يقولونها أو يكتبونها، أو يسمعونها أو يقرأونها. ولا يمكن تصوًّر هذه الوسيلة إلا بتقييد الكلمة بقيد يصطلح الناطقون بلغة على معناه النحوى: القيد الفلانى للفاعل، والقيد العلانى للمفعول، وهكذا. وهذا القيد قد يكون تغييرا فى الكلمة يدخل مع الفاعل، وتغييرا آخر يدخل مع المفعول وهكذا، وكذلك يمكن أن يكون القيد تقييدا للكلمة فى مكان من الجملة، مثلا أن يأتى الفاعل قبل الفعل، والفعل قبل المفعول.
وتقييد الكلمة حسب وظيفتها النحوية بعلامات خاصة تدخل على الكلمة بعدها أو قبلها أو داخلها هو نظام الإعراب. أما تقييدها بمكان فى الجملة فإنه يُغنى عن الإعراب ويقوم بالتالى على إسقاطه (ذلك أن إسقاط الإعراب يأتى بعد مرحلة طويلة من الإعراب فى اللغة الواحدة)، وتقييد الكلمة بمكان فى الجملة هو نظام ترتيب الكلمات.
لدينا إذن نظامان نحويان لتمييز الوظائف النحوية للكلمات فى الجملة، وهما نظام تقييد الكلمات بالعلامات المتباينة لكل كلمة فى الجملة (على قاعدة المخالفة فى العلامات وفقا للمخالفة فى المعنى النحوى) وهو الإعراب، ونظام تقييد الكلمات بأماكن فى الجملة (على قاعدة المخالفة فى الأماكن وفقا للمخالفة فى المعنى النحوى) وهو نظام ترتيب الكلمات مع إسقاط الإعراب.
وإذا كان من المنطقى أن نظام تقييد ترتيب الكلمات فى الجملة بأماكن تميز وظائفها النحوية فيها لا يحتاج إلى الإعراب ويقوم على إسقاطه (فالإعراب يسقط تلقائيا وبالتدريج وقد تبقى منه آثار تركيبية كالزائدة الدودية فى الإنسان)، فإن نظام تقييد الكلمات بعلامات تميز وظائفها النحوية لا يحتاج إلى التقييد بالأماكن فلا تكون هذه الأخيرة مأخوذة فى الاعتبار، ويقوم هذا النظام بالتالى على مرونة ترتيب الكلمات فى الجملة.
ومن حيث ترتيب الكلمات فى الجملة أو ترتيب عناصر الجملة إن شئنا الحديث بلغة نحوية أحدث وأدق، يمكننا الحديث إذن عن نظامين أو نسقين: نسق مرونة ترتيب عناصر الجملة (وهو نسق الإعراب)، ونسق تقييد ترتيب عناصر الجملة (وهو نسق إسقاط الإعراب).
غير أنه ينبغى أن ننتبه إلى حدود كل من المرونة والتقييد. ذلك أن كلمات الجملة ليست كلها عناصر جملة، كما أن عناصر الجملة لا تتساوى من حيث محورية العلاقات بينها فى تكوين الجملة أو من حيث فهم معناها. بهذا يمكن رغم مرونة الترتيب فى نسق الإعراب أن نتصور مثلا مكان الصفة بعد الموصوف، وكذلك أماكن محددة لأشياء أخرى عديدة. كما يمكن رغم تقييد الترتيب فى النسق الخاص به أن نتصور أن تتقدم أو تتأخر بعض عناصر الجملة بحرية حسب رغبة المتكلم أو الكاتب فلا يخطئ فهمها السامع أو القارئ. فالأمر الأكثر أهمية فى كل من المرونة والتقييد يتمثل فى تلك العلاقات الأكثر محورية والتى يمثل التمييز بينها قيد الإعراب بعلاماته المتمايزة أو قيد المكان بمواضعه المتمايزة.
وعلى هذا فإن إعراب الكلمات وترتيب الكلمات لا يخرجان إذن عن أن يكونا أداتين يستخدم النحو فى اللغة المعنية إحداهما (إلا فى حالة الازدواج النحوى بين هاتين الأداتين والذى قد يستمر قرونا كما هو الحال الآن فى اللغة العربية) للدلالة على بعض العلاقات المحورية بين عناصر الجملة.
وتستخدم اللغة العربية المضرية (بالضاد) أداة الإعراب، شأنها فى ذلك شأن العديد من اللغات الأخرى. فهناك لغات عديدة هى لغات إعراب ومرونة فى ترتيب الكلمات فى الجملة كاليونانية واللاتينية القديمتين، أو الروسية أو النوبية أو غيرها من اللغات المعاصرة. أما اللغة العربية التى ينطق العرب بها، بكل لهجاتها، حاليا فإنها تستخدم أداة الترتيب، شأنها فى ذلك شأن العديد من اللغات الأخرى التى هى لغات تقييد ترتيب الكلمات فى الجملة مع إسقاط الإعراب؛ كالإنجليزية والفرنسية والإسپانية والپرتغالية والإيطالية وغيرها.
وينبغى أن نلاحظ هنا الفرق بين النحو والإعراب. فإذا كان الصرف فى أية لغة هو نظام تكوين الكلمات وأبنيتها وزيادتها وتغييرها للتعبير عن اختلاف العدد والنوع أو للتعبير عن اختلاف الأزمنة، فإن النحو هو نظام تكوين الجمل فى لغة من اللغات، وبعبارة أخرى فهو نظام تكوين العلاقات بين كلمات - أو بالأحرى: عناصر - الجملة. أما إعراب الكلمات أو ترتيب الكلمات (مع إسقاط الإعراب) فكل منهما أداة (تُغنى الواحدة منهما عن الأخرى) من أدوات النحو للتمييز بين عناصر الجملة. أداة يستخدمها النحو فى هذه اللغة أو تلك، فى هذه المرحلة أو تلك. فالنحو، أى تكوين الجمل، نظام قائم فى الحالين، أى فى وجود هذه الأداة أو تلك. وإذا ركزنا على الإعراب، فالنحو يوجد بأداة الإعراب أو بدون الإعراب، غير أن هذا الأخير لا يوجد بدون النحو، ذلك أن الإعراب أداة بديلة يستخدمها النحو الذى يمكن أن يستخدم الأداة البديلة عن الإعراب، أى أداة ترتيب الكلمات.
ويختص الإعراب بالأحوال والعلامات التى تميز الفاعل وبتلك التى تميز المفعول به، مثلا؛ أما النحو فهو الذى يميز الفاعل من المفعول، مثلا، وهذا التمييز الأخير قائم فى كل نحو فى كل لغة بصرف النظر عن وجود أو غياب نظام الإعراب. وبعبارة أخرى فإن تحديد اصطلاحات ومفاهيم عناصر الجملة، واستخدامها بعضها أو كلها فى الجملة الواحدة، واستقراء النماذج الممكنة للجمل فى كل لغة وأشكال تحقيق هذه النماذج من خلال الكلمات والعبارات والمجموعات والتراكيب المتباينة، هى مجال النحو. أما الإعراب فليس (رغم أهميته المحورية فى حالة وجوده) سوى أداة من أداتين لتمييز الكلمة الواحدة بعلامات أو أماكن توضح اختلاف عنصر الجملة الذى تمثله هذه الكلمة فى كل استخدام من استخدامات تلك الكلمة فى جمل، باختلاف نماذج الجمل، وباختلاف أشكال تحقيق كل نموذج منها.
وأنا أسوق هذه الإيضاحات للتمييز بين النحو والإعراب، وأعيد وأزيد فيها، لأن من أسوأ ما يعانى منه كل من النحو والإعراب فى اللغة العربية هو الخلط بينهما بدلا من التمييز الدقيق رغم علاقات التداخل. ولولا هذا الخلط لأمكن، منذ قرون وقرون، تحرير النحو من ربقة تمحوره المزمن حول الإعراب الذى هو أداة من أدواته وليس كل جوهره، أو كل مفاهيمه، أو كل وسائله وأدواته، ولأمكن لذلك النحو المتحرر أن يركز على مفاهيمه وقضاياه الحقيقية، على أشكال ونماذج بناء الجمل، على عناصر الجمل والعلاقات بينها، على الأبعاد الهائلة لمفهوم وأشكال تحقيق كل عنصر منها، على أشياء لا حصر لها تشكّل فى مجموعها الثورة النحوية الشاملة والعميقة والتى تعيشها، خلال العقود الأخيرة بوجه خاص، لغات أخرى تجنى الآن ثمار تلك الثورة، بعد أن صارت بفضل ذلك كله جاهزة تماما لتطبيقات علم وتقنية معالجة المعلومات آليا (علم وتقنية الكومپيوتر)، بينما تقف لغتنا عاجزة بنحوها التقليدى، وبتجديده الوهمى السلفى، الذى يعيش على أمجاد إنجازاته فى الماضى البعيد، دون أن يجرؤ على أن يخطو أى خطوة جريئة إلى الأمام.
وهنا تمييز واجب بين ما هو موضوعى وما هو وضعى فى كل من النحو والإعراب.
فالنحو الموضوعى نظام أو نسق نحوى ماثل فى صميم تكوين اللغة كما تتكلم و/أو تكتب بها الجماعة اللغوية المعنية بصرف النظر عن وجود، أو مدى تطور ونضج النحو الوضعى (أى: علم النحو) الذى يدرس ذلك النحو الموضوعى. وهناك مسافة ماثلة دوما بين النحو الموضوعى والنحو الوضعى يعمل هذا الأخير دوما على قطع جزء منها لاستيعاب ظواهر قديمة أو جديدة ينطوى عليها النحو الموضوعى. وهذا الأخير، أى النحو الموضوعى أو "الطبيعى”، أو نحو العقل الجمعى، لدى جماعة لغوية بعينها هو المرجع والأساس والأصل، أما نحو العلم المعروف بهذا الاسم، نحو النحاة أو النحويين أو الدارسين أو العلماء، نحو الاجتهاد فى فهم النحو الموضوعى، فإنه قابل دوما لإعادة النظر. والنحو الموضوعى الجمعى يتغير تاريخيا، ولا يملك أحد التلاعب بحقائقه، أما النحو الوضعى، نحو النحاة، فلا موجب لتقديسه، بل الأجدر بنا هو العمل دوما على تصحيحه وتطويره انطلاقا من تطور النحو الجمعى من ناحية، ومن تطور مناهج دراسته من ناحية أخرى.
وينطبق الشيء ذاته على الإعراب (وكذلك على بديله). فالإعراب الموضوعى الجمعى الماثل فى صميم السليقة اللغوية الأصلية لا يملك تعديله أو تغييره أو إسقاطه سوى الجماعة اللغوية ذاتها، وبصورة تاريخية، أما فهم النحاة لهذا الإعراب، وعوامله، والعلاقات بين حقائقه، فهو اجتهاد قابل دوما للمزيد من الاجتهاد.
ومن الجلى أن كل محاولتنا للاجتهاد فى مسائل النحو والإعراب فى اللغة العربية القريشية أو المضرية (بالضاد) إنما تنصبّ على فهم النحاة للنحو والإعراب، والمرجع دوما هو النحو الموضوعى والإعراب السليقى كما يتجسدان فى كلام العرب (من نثر وشعر) كما حفظه لنا تراثهم الغنى بكل عيونه وينابيعه ومصادره.
ولعل من الجلى تماما الآن أن إدراك وظيفة الإعراب يساعد على إدراك أن المسند (الخبر) يظل خارج نطاق الإعراب، وناهيك بالرفع، رغم الرفع العملى لما يسمى بالخبر المفرد. ذلك أن قياس رفع الخبر بكل أنواعه على هذا الرفع العملى العشوائى لهذا الذى يعتبرونه خبرا مفردا إنما هو قياس فاسد لا ينبغى الالتفات إليه، ليس فقط لأن هذا "المفرد" ليس خبرا، وليس فقط لأن رفعه ليس إلا عشوائيا ناتجا عن الاقتصاد اللغوى فى حالة خاصة جدا، وليس فقط لأن ما يسمى بالخبر ليس دوما اسما معربا كما هو الحال فيما يسمى بالخبر المفرد، بل لأن المفهوم الحقيقى للمسند (الخبر) يتمثل فى الفعل بمفرده كحد أدنى أو مع مجموعة تقل أو تكثر من الكلمات، وليس مثل هذا مجال الإعراب.
والحقيقة أنه لا علاقة لإعراب الفعل (المضارع فقط بالطبع)، وهو أمر لفظى تماما (أو تقريبا: إذا أخذنا فى اعتبارنا بعض التفاصيل الجزئية الضئيلة التى تُساق فى هذا المجال)، بإعراب الاسم الذى يميز الوظائف النحوية، كما أن إعراب كل عنصر من عناصر المسند يختلف عن افتعال إعراب شامل لهذا الأخير فى مجموعه. إن المسند لا ينطبق عليه الإعراب، ولا الإعراب "المحلى”، لأن المسند ليس عنصرا من عناصر الجملة، ولا يدخل فى علاقة تقتضى التمييز بالمخالفة الإعرابية مع عنصر آخر من عناصر الجملة.
ومن الجلى أن اقتران عبارتى المسند إليه والمسند قد يُحدث التباسًا يبدوان معه وكأنهما متخالفان فى المعنى ومتقابلان نحويا. وهذا بعيد تماما عن الحقيقة. ذلك أن المسند إليه (الفاعل) إنما يقابله نحويا ويخالفه إعرابيا عنصر جملة اسمه المفعول به. فالحدث قام به المسند إليه (الفاعل) فوقع على المفعول به، فالفاعل والمفعول به هما المؤثر والمتأثر، هما مُحْدث الفعل والمتأثر به، ولهذا فإنهما يتخالفان إعرابيا لمعرفة الفاعل من المفعول. وإذا كان المرفوع هو الفاعل والفاعل هو المرفوع فى اللغة العربية، كما فى غيرها من لغات الإعراب، فإن الأهمية النحوية لهذا الرفع إنما تتضح فى علاقته بنصب المفعول به. ذلك أن الفاعل والمفعول به، وهما عنصران حاسمان من عناصر الجملة، إنما يتمايزان بالرفع والنصب. ولأن المفعول به عنصر من عناصر الجملة التى تشكل المسند فمن البديهى أن المسند (الخبر) لا يدخل بحال من الأحوال فى علاقة تمايز وتقابل ومخالفة مع المسند إليه (الفاعل)، أو مع أى عنصر آخر من عناصر الجملة بحكم بداهة أن المسند (الخبر) هو كل أو بعض بقية عناصر الجملة باستثناء عنصر المسند إليه (الفاعل)، وبالتالى فإن المسند (الخبر) لا يُعرب وإنما تُعرب أجزاؤه أو مكوناته أو عناصره أو كلماته التى تتحقق من خلالها عناصر الجملة.
على أن كل هذا لا يمسّ بحال من الأحوال حقيقة أن ما يسمى بالخبر المفرد مرفوع، مهما كانت حقيقة هذا الرفع. وهناك أشياء أخرى قليلة مرفوعة يسهل الإلمام بها وربما سهل أيضا تأويلها ضمن مفهوم المسند إليه باستثناء ما يسمى بالخبر المفرد المرفوع رفعا عشوائيا لأن أصله النصب فى حالة ظهور فعل الكينونة، وباستثناء مرفوع عشوائى آخر هو "المبتدأ" الذى خبره جملة (اسمية أو فعلية) فهذا المضاف إليه (والذى يرتبط بفاعل مضاف يُسند إليه الفعل) ليس أبدا فاعلا، وليس أبدا مسندا إليه، بل هو مضاف إليه حقه الجرّ غير أن تقدمه على المضاف أخفى العامل المباشر للجرّ فارتفع كما سبق أن أوضحنا.
وهنا تبدو فى الأفق ملامح تسهيل للإعراب، على أن يكون مفهوما جيدا أن التسهيل نسبى فلابد للمرء، لكى يستفيد من مثل هذا التسهيل، أن يعرف جيدا المبنى من المعرب، وأن يعرف جيدا المنقوص والمقصور، وأن يعرف جيدا أحوال الإعراب وعلاماته فى كل حالة، وأن يعرف جيدا وبدقة أشياء أخرى تتعلق بالبناء والإعراب الظاهر "والتقديرى والمحلى”.
ونحن نعرف أن إعراب المضارع سهل ميسور. فالفعل المضارع ليس مجالا حقيقيا للإعراب المتداخل مع النحو فهو إعراب لفظى بلا وظيفة نحوية. وربما كان إعراب الفعل المضارع نظاما نحويا إعرابيا موغلا فى القدم فلا نعرف حقيقته، ولا نعرف حقيقة هذه البقايا الباقية منه. ولا قيمة حقيقية لدعوى أن إعراب الفعل المضارع ينطوى على بعض المعانى فى أحوال قليلة دقيقة لأن مثل هذه التفاصيل النادرة للغاية والفرعية للغاية لا تُغيِّر، حتى إنْ صحّتْ، من جوهر "معنى" إعراب المضارع.
على أن ما يهمنا أكثر فى مجال تيسير الإعراب هو أن إعراب الفعل المضارع سهل ميسور لأن قاعدته بسيطة للغاية، وهى أن الفعل المضارع مرفوع ما لم يسبقه ناصب أو جازم، وما دامت النواصب والجوازم قليلة تسهل معرفتها بدقة، وما دامت علامات الرفع والنصب والجزم معروفة جيدا، فإن المرء لن يجد صعوبة تذكر فى إتقان إعراب الفعل المضارع.
وهنا يمكن أن نطمح إلى صياغة قاعدة بسيطة فيما يتعلق بإعراب الاسم (والصفة والظرف المعرب أيضا): الاسم المعرب منصوب ما لم يكن مرفوعا أو مجرورا.
والجرّ سهل لأن المجرور مسبوق بالجارّ المضاف أو حرف الجر (بالإضافة إلى توابع المجرور).
ويغدو المرفوع سهلا لأن قاعدته صارت تتمثل فى أن المسند إليه (الفاعل) هو المرفوع وفى أن المرفوع هو المسند إليه (الفاعل)، وباختصار فالفاعل دون سواه هو المرفوع. وذلك باستثناءات قليلة. فهناك الرفع العملى العشوائى الذى تُسهل معرفة مواضعه. والموضع الأكثر أهمية للرفع العشوائى هو ما يسمى بالخبر المفرد (وهو متمم الفاعل مع حذف فعل الكينونة فى المضارع المثبت). ويليه فى الأهمية ما يسمى بالمبتدأ الذى خبره جملة. وهناك حالات ومواضع بسيطة للرفع يسهل الإلمام بها وهى فى الأغلب الأعم أشكال من المسند إليه.
ولا يحتاج تطبيق هذه القاعدة إلى أكثر من البحث فى الجملة عن كل فعل، وعن المسند إليه (الفاعل) الذى تم تصريف هذا الفعل معه. وهذا المسند إليه مرفوع وكذلك المرفوعات العشوائية المشار إليها منذ قليل. ويعنى هذا أن كل اسم معرب غير المسند إليه (الفاعل)، وغير المرفوعات العشوائية الأخرى، وغير المجرور بحرف الجر أو بالإضافة، منصوب.
غير أن هناك مشكلة يمكن أن تطعن، وإنْ بصورة جزئية، فى هذا التسهيل.
فالمسند إليه (الذى يتأخر عنه فعله) قد يسبقه عامل نصب أو جرّ فنلقاه منصوبا (بعد أدوات نصب الأسماء: "إن وأخواتها" أو بعد فعل سابق نصبه مفعولا قبل أن يغدو مسندًا إليه "فاعلا" أى قبل أن نسند إليه ونصرّف معه الفعل الجديد)، وقد يكون مجرورا وليس مرفوعا.
والجرّ سهل يمكن إتقان معرفته، وتكمن الصعوبة فى أن النصب الذى نريد تسهيله (وهو الذى يمثل حالة الإعراب الأكثر عددا والأشد صعوبة) بتخصيصه لغير المرفوع والمجرور (على أساس سهولة تحديد هذين الأخيرين) يعود فيدخل فى تحديد غير المرفوع. على أن هذه الصعوبة تتراجع إلى حد كبير عندما ندرك أن المسند إليه تنصبه - نموذجيا - نواصب يسهل تمييزها وتتلخص فى شيئين بسيطين للغاية:
الأول: أدوات نصب الاسم ("إن وأخواتها")، وهذه الأدوات يمكن أن تكون بنفس سهولة حروف أو أدوات الجر متى فهمناها على الوجه الصحيح.
والثانى: الفعل المتعدى السابق للمسند إليه والناصب له مفعولا به قبل أن يحدث إسناد الفعل "الجديد" إليه.
وينطبق هذان الشيئان البسيطان على المضاف إليه قبل المسند إليه المضاف وهو ما يسمى فى النحو التقليدى بالمبتدأ الذى خبره جملة.
وبطبيعة الحال فإن متمم المسند إليه مع حذف فعل الكينونة فى المضارع المثبت يكون مرفوعا دائما.
وهكذا فإن المرفوع هو المسند إليه ما لم يسبقه ناصب أو جارّ، والمضاف إليه لمسند إليه مضاف بعده ما لم يسبقه ناصب أو جارّ، ومتمم المسند إليه مع حذف فعل الكينونة فى المضارع المثبت.
أما المجرور فمعروف فى كل أحواله بما فى ذلك مجيئه مسندا إليه أو مضافا إليه لمسند إليه مضاف بعده.
إذن، بصرف النظر عن الفعل، تكون الكلمة المعربة (غير المبنية) منصوبة إذا لم تكن مرفوعة أو مجرورة.
وينطبق على التوابع فى كل الأحوال ما ينطبق على متبوعاتها من رفع أو نصب أو جرّ.
وبطبيعة الحال فإن المزيد من الاستقصاء فى هذا المجال يمكن أن يحوّل تركيز أغلب مرفوعات الأسماء فى مفهوم المسند إليه (الفاعل) إلى أداة لتسهيل الإعراب على مَنْ يتحدث أو يكتب، أو يسمع أو يقرأ، أو يحلل إعرابيا، من خلال اعتبار المنصوب من الكلمات المعربة (غير المبنية) باستثناء الأفعال هو:
أولا: كل ما ليس مرفوعا، أى كل ما ليس المسند إليه، أو المضاف إليه قبل المسند إليه المضاف بعده، أى: المبتدأ الذى خبره جملة فى النحو العربى التقليدى (فى غير الحالتين الثانية والثالثة)، أو متمما للمسند إليه مع حذف فعل الكينونة فى المضارع المثبت.
ثانيا: كل ما تنصبه أدوات نصب الاسم ("إن وأخواتها") حتى إنْ كان المسند إليه لفعل لاحق أو المضاف إليه قبل المسند إليه المضاف بعده ("المبتدأ الذى خبره جملة").
ثالثا: كل ما تنصبه الأفعال المتعدية مفعولا به حتى إن كان المسند إليه لفعل لاحق أو المضاف إليه قبل المسند إليه المضاف بعده ("المبتدأ الذى خبره جملة").
رابعا: كل ما ليس مجرورا بحرف الجر أو بالإضافة حتى إنْ كان المسند إليه لفعل لاحق أو "المبتدأ الذى خبره جملة".
ويمكن أيضا صياغة ما سبق بطريقة أخرى... المنصوب (من غير الأفعال) هو الكلمة المعربة غير:
1: المسند إليه أو "المبتدأ الذى خبره الجملة"، إلاّ إذا سبقته أداة من أدوات نصب الأسماء ("إن وأخواتها")، أو سبقه فعل وفاعل يقومان بنصبه مفعولا به قبل أن يصير المسند إليه أو "المبتدأ الذى خبره جملة".
2: متمم المسند إليه مع فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت (= فى النحو التقليدى: الخبر المفرد).
3: المجرور (حتى إنْ كان المسند إليه أو "المبتدأ الذى خبره جملة").
وبطبيعة الحال فأنا لا أملك سوى التسليم بإمكان وضع صياغات أفضل وأوجز وأدق وأبسط. غير أن هناك شيئا قد يؤدى إلى تبسيط جزئى وهو أنه ليس هناك إجماع بين علماء النحو فى لغات أخرى على قبول جمع "الكلمة" بين وظيفة المسند إليه لفعل ووظيفة المفعول به لفعل وفاعل سابقين. وهذا على كل حال موضوع قابل للجدل والاختلاف، غير أن استبعاد هذا الجمع بين الوظيفتين النحويتين فى اللغة العربية التى تقوم على الإعراب سيحذف هذا النوع من المسند إليه ومن "المبتدأ الذى خبره جملة" من القائمة الواردة أعلاه. وصحيح أن هذا يفيد فى تبسيط الإعراب غير أن التحرر من التمحور حول الإعراب يعنى بحث المغزى النحوى بصورة مستقلة عن الإعراب.
وبطبيعة الحال فإن الإصلاح المعجمى يظل مطلوبا فى كل الأحوال. فالأفضل دائما أن نعرف من المعجم ما إذا كانت هذه الكلمة أو تلك مبنية أو معربة (وتكفى بالطبع الإشارة إلى الكلمة المبنية دون المعربة على سبيل الاقتصاد).
كذلك من الأفضل بطبيعة الحال أن يتم تصحيح أقسام الكلام بحيث يفسح الاسم وهو قسم فضفاض المجال لظهور الأقسام التى ينطوى عليها فى المعجم وفى كتب قواعد النحو العربى. وباختصار فهناك إصلاحات معجمية عديدة من شأنها تيسير النحو والإعراب، ومن ذلك قبول فكرة أن قسم الكلام قد لا يقتصر على كلمة واحدة، بل يمكن أن يشمل أكثر من كلمة.
على أن تسهيل الإعراب عن طريق تسهيل النصب، استنادا إلى تسهيل الرفع بتركيز المرفوع فى مفهوم نحوى واحد بسيط كما نفعل فى هذا البحث، وباعتبار المنصوب غير المرفوع وغير المجرور، لا يمكن أن يكون بديلا عن استقصاء المنصوبات ذاتها واكتشاف كامل منطق نصبها باكتشاف كامل منطق مفاهيمها النحوية كعناصر جملة، الأمر الذى يُيَسِّر انطلاق تسهيل الإعراب بتسهيل النصب من أكثر من اتجاه، وبالأخص من الاتجاه النحوى المتمثل فى اكتشاف عناصر الجملة التى تمثلها المنصوبات أو تمثل شكلا من أشكال تحقيقها، ومن اتجاه وضع قاعدة إعرابية بسيطة تهتدى بقاعدة إعراب المضارع (قاعدة رفع المضارع ما لم يسبقه ناصب أو جازم)، وإنْ كانت القاعدة المنشودة لإعراب الأسماء والصفات والظروف المعربة لن تطمح إلى الوصول إلى مدى بساطة قاعدة إعراب المضارع.
ولا شك فى أن تسهيل الإعراب سوف يساعد بالضرورة على تحرير النحو من الدوران حول محور الإعراب كما ظل يفعل قرونا، ليتفرغ لقضاياه الحقيقية التى تحتاج إلى ثورة نحوية جذرية كتلك التى شهدها نحو اللغة الإنجليزية طوال العقود الأخيرة بوجه خاص.
وقبل أن نحاول الإلمام بالخطوط العريضة لتطوير النحو العربى، لا مناص من مواصلة الحديث عن الإعراب الذى ما تزال بعض جوانبه بحاجة إلى الإلمام، والتعليق، والربط، والتفكيك.


12
الإعراب وعناصر الجملة
 
هناك أسئلة نحوية هامة تدور حولها فكرة عناصر الجملة: ما هو الحدث الذى تشتمل عليه الجملة وفى أىّ زمن؟ وهذا هو عنصر "الفعل". ومَنْ هو أو ما هو فاعل هذا الفعل أو المتصف به أو حتى المتأثر به والذى قمنا فى كل الأحوال بإسناد الفعل إليه وتصريفه معه؟ وهذا هو عنصر "المسند إليه" من حيث إسناد الفعل إليه ومن حيث إسناد كل المسند (الخبر) أيضا (من فعل وغيره) إليه، وهو فاعل الفعل بالمعنى النحوى للفاعلية. ويأتى سؤال ثالث هام يختص بالفعل المتعدى إلى مفعول به أو مفعولين وهو: مَنْ الذى أو ما الذى وقع عليه الفعل أو الحدث فتأثر به (دون أن يتم تصريفه معه كما فى بعض أحوال المسند إليه)؟ وهذا هو عنصر "المفعول به". وسنؤجل الآن السؤالين اللذين يتعلقان بالعنصرين الرابع "الظرف" والخامس "متمم الفاعل أو المفعول".
والفعل والفاعل والمفعول مفاهيم واضحة للغاية، مهما انطوى كل منها على مسائل وتفريعات معقدة وحتى بالغة التعقيد.
والفاعل (المسند إليه) مرفوع ما لم يكن مبنيا، أو منصوبا كمفعول به لفعل وفاعل سابقين أو بأدوات نصب الأسماء، وما لم يكن مجرورا بحرف الجرّ أو بالإضافة أو بما يسمى بحرف الجر الزائد.
والمفعول به منصوب إلا إن كان مبنيًّا أو مجرورا بما يسمى بحرف الجر الزائد، وهذا قليل.
وهناك بالطبع فيما يتعلق بكل من الفاعل والمفعول حالة تعذر قبول الكلمة لمورفيمات أو علامات الإعراب (المنقوص والمقصور) الأمر الذى يطرح مسألة الإعراب التقديرى، وحالة الإعراب "المحلى" للمبنىّ وللتراكيب والصيغ التى لا تقبل بحكم طبيعتها الإعراب المباشر المختص بمواضع فى الكلمة الواحدة وبالأخص بأواخر الكلم، وسيكون هناك فصل خاص بالإعراب المحلى والتقديرى.
ونعود الآن إلى الفاعل والمفعول به. وقد أشرنا إلى إعراب كل من الفاعل والمفعول به. فما علاقة الإعراب بالفعل؟
ومن الجلى أن الفعل عنصر هام من عناصر الجملة فهو "الحدث وزمنه فى آن معا"، وحوله تتمحور الجملة من فاعل قام به أو اتصف به، ومن مفعول وقع عليه، ومن ظرف وقع فيه من حيث المكان أو الزمان أو الطريقة أو الغاية أو أشياء أخرى كثيرة، ومن متمم إجبارىّ للفاعل مع الأفعال الناقصة ومن متمم إجبارى للمفعول به المباشر مع العديد من الأفعال المتعدية إلى مفعول أو مفعولين. إن الفعل هو محور الجملة ولا وجود لجملة تخلو منه أو من الفاعل (المسند إليه). وهذا بالطبع هو الحد الأدنى للجملة عندما يكون الحد الأدنى للمسند هو الفعل. غير أن العناصر الثلاثة الأخرى من عناصر الجملة محورية بدورها وإجبارية بدورها فى النماذج الخاصة بها للجمل فلا مجال للتقليل من شأنها وإنما هى نماذج للجمل تقتضى نماذج للمسند، وفقا لنوع الفعل ودلالاته واستخدامه لازما أو متعديا، ويظل الفعل والفاعل ماثليْن دوما فى كل جملة. وتتعدد النماذج حسب الاكتفاء بهما إجباريا (أى كعنصرين إجباريين لنموذج) أو إضافة عناصر إجبارية أخرى إليهما، ومن ذلك تكرار العنصر الواحد (لنوعين من نفس العنصر وهو المفعول به بالذات) فى نموذج بذاته. أما الإضافات الاختيارية للعناصر فلا حدود لها، إلا حدود المعانى المطلوبة، لكنها لا تغيّر نماذج الجمل ذاتها كنماذج بحال من الأحوال.
فما علاقة الفعل بالإعراب؟
وهناك زوايا متباينة يمكن تأمُّل هذا السؤال منها.
فكما قلنا عن الفاعل يمكننا أن نقول إن الفعل مرفوع ما لم يكن مبنيا وما لم يسبقه ناصب أو جازم.
غير أننا أثبتنا أن المسند ليس مرفوعا وليس معربا أصلا بل هو خارج نطاق مسألة الإعراب. والآن فإن الفعل فى جملة من فعل وفاعل هو المسند (الخبر). فهل هذا الفعل وهو المسند مرفوع كما زعم النحو العربى للمسند أم هو خارج مسألة الإعراب من رفع وغيره؟
ونحن نعرف أن الفعل "مبنى” فى أغلب أحواله. إنه مبنى فى الماضى والأمر والمضارع إذا اتصلت به نون النسوة أو نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة اتصالا مباشرا (أما الاتصال غير المباشر فيكون عند تصريف الفعل مع ألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، أو نون النسوة، ويكون المضارع معربا فى الأحوال الثلاثة الأولى، أما مع نون النسوة فيكون مبنيا على السكون).
فماذا عن إعراب المضارع المعرب؟ هل إعرابه هو الأصل باعتباره الفعل المضارع المعرب أم باعتباره مسندا (خبرا)؟
ولا شك فى إعراب المضارع (بالاستثناء المحدود المذكور منذ قليل). غير أن إعرابه لا يعنى رفعه، فهو مرفوع ما لم يسبقه ناصب أو جازم.
غير أننا نقول هذه العبارة الأخيرة ذاتها مع إحلال الجارّ محل الجازم عن المرفوع الذى لا مرفوع من حقه الرفع سواه أى: المسند إليه (الفاعل). ولكن الفرق هو أن الحديث عن رفع الفعل المضارع المعرب (ما لم يسبقه ناصب أو جازم) يختلف جذريا عن الحديث عن رفع الفاعل (ما لم يسبقه ناصب أو جارّ).
وإذا كان رفع المضارع المعرب يعنى الاكتفاء بالدلالات المعجمية للفعل فإن نصبه أو جزمه يضيف إلى هذه الدلالات المعانى التى تنطوى عليها عوامل وأدوات النصب أو الجزم.
ونواصب الفعل تُضيف معانى جديدة:
1: أَنْ (المصدرية) 2: لَنْ (النفى فى المستقبل) 3: كى (التعليل) 4: إِذَنْ (جواب كلام قبلها) 5: لام (التعليل) 6: لام (الجحود أو الإنكار) 7: فاء (السببية) 8: واو (المعية) 9: حتى (الغاية والتعليل).
وكذلك تُضيف جوازم الفعل معانى جديدة:
1: لم (نَفْى المضارع وقلب زمنه إلى الماضى) 2: لَمَّا (نَفْى المضارع وقلب زمنه إلى الماضى واستمرار النفى إلى الحاضر) 3: لام (الأمر لجعل المضارع يفيد الطلب) 4: لا (الناهية).
ومنها ما يجزم فعلين بمعان جديدة أيضا تضاف إلى الدلالات المعجمية (والمقصود أدوات الشرط الجازمة):
1: إِنْ (رَبْط جواب الشرط بفعل الشرط) 2: مَنْ (للعاقل) 3: ما (لغير العاقل) 4: مهما (لغير العاقل) 5: متى (للزمان) 6: أيّانَ (للزمان) 7: أين 8: أينما 9: أَنَّى 10: حيثما (وكلها من 7-10 للمكان) 11: كيفما (للحال) 12: أى (للعاقل وغيره وللزمان والمكان والحال بحسب ما تضاف إليه).
ولا شك فى أن أدوات نصب الفعل وأدوات جزم الفعل تضيف المعانى المذكورة إلى المعانى المعجمية للأفعال، تمامًا كما تضيف أدوات نصب الأسماء ("إن وأخواتها") وأدوات جرّ (الأسماء) معانيها للأسماء أو الصفات أو الظروف المعنية.
غير أن إعراب المضارع (بالاستثناء المذكور آنفا) لا يتجاوز بأحواله من رفع ونصب وجزم مجال الدلالات والمعانى اللغوية من إثبات، أو نفى، أو تعليل، أو مصدرية، أو شرط، وما شابه ذلك. وحتى إذا أضفنا البناء إلى الإعراب فسوف نظل فى مجال الزمن والإطار النحوى للزمن فلا نتجاوز ذلك أبدا إلى المجال المحدّد للعلاقات النحوية بين عناصر الجملة.
وهكذا فإن الفعل اللازم يكون بمفرده مسندا (خبرا) وهو مسند الحد الأدنى. وهو مبنى إن لم يكن مضارعا. وإنْ كان مضارعا فهو معرب (بالاستثناء المذكور). وهو فى هذه الحالة مرفوع أو منصوب أو مجزوم وفقا لغياب أو وجود أدوات النصب أو أدوات الجزم. ولكن هل المضارع مرفوع لأنه مسند؟ والإجابة هى أن المسند (الخبر) خارج الإعراب من رفع وغيره، وأن إعراب الفعل يختلف جذريا عن إعراب غير الفعل، فلا مجال للحديث حتى عن الإعراب المحلى للمسند أو الفعل الذى يمثله أو يمثل جزءًا منه.
وينبغى أن ندرك مغزى أن النحو العربى يجعل المسند إليه والمسند (المبتدأ والخبر) مرفوعين، أى أنه لا يُقيم بينهما مخالفة فى الإعراب. ومعنى هذا أن النحو العربى لم يشعر بحاجة إلى التمييز عن طريق الإعراب بين المسند إليه والمسند، من خلال اختصاص أحدهما بإعراب يختلف عن الإعراب الذى يختص به الآخر، بأن يكون أحدهما مرفوعا مثلا والآخر منصوبا مثلا.
والنحو العربى محق تماما فى عدم إحساسه بالحاجة إلى التمييز بالإعراب بين المسند إليه والمسند. ويؤكد هذا واقع أنه قام بقياس فاسد من الرفع العشوائى لما يسمى بالخبر المفرد، دون أن تُجبره أنواع الخبر الأخرى على افتراض أنها مرفوعة، وبهذا جعل هذين المفهومين النحويين مرفوعين.
وبطبيعة الحال فإن علم النحو لا يملك رفع شيء لم ترفعه اللغة ولا نصب شيء لم تنصبه اللغة. وقد رفعت اللغة المسند إليه فأدرك النحو قاعدة ومغزى هذا الرفع، غير أنه "توهم" أن المسند (الخبر) بدوره مرفوع، فلم يجد غضاضة فى أن يكون الشيئان مرفوعين، ولم يشعر بالحاجة إلى المخالفة بينهما بالرفع لأحدهما والنصب للآخر، مثلا، بل تمادى فى "توهم" الرفع فقام بقياس كل أنواع خبر المبتدأ وخبر "إن وأخواتها" وخبر ما يسمى بالمبتدأ الثانى فى الخبر بالجملة الاسمية (من ظرف وجارّ ومجرور وجملة اسمية وجملة فعلية). وإذا كان النحو العربى قد أخطأ عندما "توهم" أن المسند (الخبر) مرفوع، فقد أصاب إذْ أدرك أنه إزاء مفهومين نحويين لا مبرر للمخالفة الإعرابية بينهما.
والسرّ وراء ذلك، كما رأينا من قبل، هو أن المسند إليه عنصر من عناصر الجملة، فهو فاعل الفعل، فى حين أن المسند مفهوم فضفاض بمعنى أنه يتسع لكل بقية عناصر الجملة، فهو كل ما تقوله الجملة - إثباتًا أو نفيّا - عن المسند إليه من خلال عناصر متعددة لا معنى لإعرابها ككل.
ونجد بين عناصر الجملة التى ينطوى عليها المسند (الخبر) عنصرًا يقابل مباشرة عنصر المسند إليه (الفاعل): إنه المفعول به. فالفاعل يقابل المفعول به وليس المسند. والمفعول به منصوب على أساس مخالفة نصبه لرفع الفاعل. وهنا يقوم الإعراب بوظيفة نحوية مباشرة فى التمييز بين الفاعل المرفوع والمفعول به المنصوب.
وهناك بطبيعة الحال منصوبات أخرى غير المفعول به، فكل ما هو غير الفاعل ("والفعل" كما أوضحنا)، من عناصر الجملة منصوب إذا كان كلمة معربة. ونحن لا نريد أن ندخل فى جدال عقيم عن "العلة" وراء النصب الذى يلازم الكلمة المفردة المعربة عندما تكون متمما للفاعل أو المفعول أو على الظرفية. ومن المنطقى بطبيعة الحال تمييز المسند إليه (الفاعل) بالرفع دون غيره، الأمر الذى منع رفع غيره إلا عشوائيا وفى أغلب الأحوال نتيجة لتوهم أنه المسند إليه. ولهذا فمن المنطقى أن تكون العناصر النحوية الأخرى غير مرفوعة. فيبقى إذن الجرّ الذى يشترط الإضافة إلى حرف الجرّ أو المضاف فيفعل فعله على أية كلمة مهما كانت وإن كانت المسند إليه (الفاعل). ولا يبقى بعد ذلك من أحوال "إعراب الاسم" سوى النصب. وإذا كانت المخالفة الإعرابية الأكثر أهمية من الناحية النحوية تقوم بين الفاعل المرفوع والمفعول به المنصوب، فإن اشتراك عنصرين آخرين من عناصر الجملة هما المتمم (متمم الفاعل أو المفعول) والظرف (أو تلك الكثرة من المنصوبات) فى النصب مع المفعول به، رغم ضرورة التمييز السهل "نحويا" بين المفعول به وبقية المنصوبات وكذلك فيما بين كل منصوب وآخر من هذه المنصوبات، يعنى شيئا واحدا هو أن التمييز النحوى بين المنصوبات استغنى عن أحوال إعراب أخرى عديدة إلى جانب النصب للتمييز بين هذه الوظائف النحوية لأنه يتحقق من خلال "المعنى" دون صعوبة أو دون صعوبة كبيرة ولأنه يتحقق فى الكثير من الأحوال من خلال أشكال تحقيق هذه الوظائف النحوية بطبيعة وصيغ هذه الأشكال التى لا علاقة لها كمجموعات وتراكيب بمسألة الإعراب ومورفيماته وعلاماته.
وعلى هذا فإن حصر الرفع فى المسند إليه (الفاعل) كان لا يعنى فقط ضرورة المخالفة الإعرابية بالنصب للمفعول به وحسب بل أيضا إطلاق النصب لكل العناصر المتحققة من كلمات معربة، ما دام الجرّ لا يستطيع أن يتقاسم هذه الكلمات أو العناصر مع النصب لأنه (أى: الجرّ) محصور بحكم طبيعته فى الإضافة.
ويقال إن الرفع والنصب والجرّ أحوال إعرابية لا تقتصر وظيفتها الإعرابية فقط على الكلمات ذات الوظائف النحوية التى تنصبّ على العلاقات بين الكلمات (أو العناصر) فى الجملة، بل يقوم الإعراب بأحواله هذه بدور الضابط الإعرابى "لتوابع" كل كلمة أو عنصر فى الجملة، حتى إذا لم تظهر علامة الرفع أو النصب أو الجرّ نتيجة للبناء أو المنقوص أو المقصور أو المصدر المؤول أو ما إلى ذلك. والحقيقة أن الضابط الإعرابى للتوابع لا يتمثل فى الإعراب أو ما يسمى بالإعراب المحلى بل يتمثل فى طبيعة عنصر الجملة المتبوع ونوع الإعراب المرتبط به نموذجيا مع التابع المعرب، كما سوف نرى.
ولا مجال للشك فى أن رفع المسند إليه (الفاعل) ونصب المفعول به، وإخراج المسند (الخبر) من دائرة الإعراب، اتجاه واسع فى اللغات القائمة على الإعراب، وليس فى اللغة العربية وحدها. وفى كل هذه اللغات تقوم المخالفة الإعرابية بين الفاعل والمفعول به على المخالفة النحوية بينهما أى من أجل تمييز الوظيفة النحوية للكلمة فى الجملة رغم أنها كلمة واحدة فى المعجم مهما تعددت دلالاتها اللغوية.
على أن الإعراب لا يقتضى دائما، وفى كل أحواله، وجود علامات مخصوصة لكل حالة مثل علامات الرفع أو علامات النصب. فالرفع يمكن أن يتمثل فى حالة صفرية أى بدون علامات (فعلامة الرفع هنا هى عدم وجود علامة) كما هو الحال فى اللغة الفارسية واللغة النوبية وفى غيرهما حيث الفاعل مرفوع بدون علامة مقابل المفعول به الذى يتخذ علامة تسبقه كما فى الفارسية أو تتبعه كما فى النوبية.
ومن ناحية أخرى فإن علامات الإعراب لا تكون بالضرورة فى أواخر الكلم كما يقول النحو العربى محقًّا بقدر ما يتعلق الأمر باللغة العربية، وكقاعدة أغلبية وليس كقاعدة مطلقة. ذلك أن علامات الإعراب قد تكون فى أواخر الكلمات أو فى أوائلها أو بداخلها، وعندنا فى العربية حذف حرف العلة فى الأجوف بالإضافة إلى "سكون" الجزم فى مثل كلمة: "يَقُلْ" فى جملة: لم يَقُلْ إلا الحق"، لجزم الفعل يَقُولُ"، وهذا مجرّد مثال واحد.
وفى كتابه: "نحو التيسير - دراسة ونقد منهجى”، يشير الدكتور أحمد عبد الستار الجوارى إلى حديث النحاة عن أن "الرفع عَلَم الفاعلية"، ويرى أن ما ذهب إليه الأستاذ إبراهيم مصطفى فى كتابه: "إحياء النحو" من أن "الضمة وهى علامة الرفع هى "عَلَم الإسناد"... "قد يكون أدنى إلى الصواب" .... "وذلك لأن معنى الفاعلية على وجه الدقة، قد لا يكون واضحا حتى فى الأسماء المرفوعة المسندة إليها الأفعال، كما هو الحال فى أفعال السجايا" .... "كما أنه غير مفهوم فى المبتدأ المتصف بالخبر كقولنا: ’محمدٌ نبيل‘"[x]. ويعقّب على ما قاله الأستاذ إبراهيم مصطفى موضحا أن الضمة، وإنْ كانت حقا علامة الرفع الأصلية، إلا أنه أغفل بذلك علامات الرفع الفرعية، ... "ولو أنه قال الرفع للإسناد لكان ذلك أولى وأقرب إلى الحقيقة"[xi]. لماذا؟ لأن طرفى الإسناد، وهما المسند إليه والمسند، يستحقان الرفع[xii].
والحقيقة أن "الرفع عَلَم الفاعلية"، وكل مرفوع غير الفاعل قليل كمواضع إلى جانب أنه مرفوع عشوائيا، كما أنه لا يمثل عنصرا من عناصر الجملة لأن المسند ليس عنصرًا من عناصر الجملة، كما أن ما يسمى بالمبتدأ الأول فى جملة خبرها جملة اسمية كما يقال ليس مسندا إليه فى الحقيقة بل مضاف إليه لمضاف لاحق وليس عنصر جملة.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالعناصر الثلاثة التى أشرنا إليها فى بداية هذا الفصل وهى: الفعل والفاعل والمفعول، يمكن القول إن الفعل لا علاقة لإعرابه بإعراب الاسم فهما أمران مختلفان جوهريا. أما الفاعل فمرفوع باستثناءات، وأما المفعول به فمنصوب باستثناء قليل نادر. ولأن عنصرى الجملة الباقيين، وهما عنصر متمم الفاعل أو المفعول به، وعنصر الظرف، منصوبان، كما سبق القول، يمكن القول إذن أن إعراب الأسماء والصفات والظروف المعربة (وهو الإعراب المتصل بعناصر الجملة) يخصّ أربعة عناصر ولا يخصّ العنصر الخامس وهو الفعل. والعناصر الأربعة للجملة (غير الفعل) عبارة عن عنصر واحد مرفوع هو المسند إليه (الفاعل)، مع أخذ الاستثناءات فى الاعتبار، وثلاثة عناصر منصوبة وهى المفعول به، ومتمم الفاعل أو المفعول به، والظرف (مع أخذ الاستثناءات فى الاعتبار أيضا كما سنرى).
وهناك نقطة ينبغى أن نذكرها هنا حتى نلاحظها بوضوح وجلاء عند الدخول فى "بحر" المنصوبات، أى عند محاولة فهم وإعادة تبويب تلك الكثرة من المنصوبات.
لقد أشرنا إلى عناصر الجملة، وسنقف عندها فى موضع لاحق، من حيث تحققها من خلال عبارات وصيغ وتراكيب متنوعة وليس من خلال الألفاظ المفردة. غير أن الإعراب والنحو ينفصلان فى التعامل مع الكلمة الأساسية فى العبارة المحققة لعنصر الجملة. فالكلمة الأساسية من حيث الإعراب هى تلك التى تأخذ علامة الإعراب من رفع ونصب وجرّ وليس الكلمة الأساسية من حيث المعنى النحوى. ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ الطبيعى حسب المرجع الموضوعى الجمعى المتمثل فى الجماعة الناطقة بهذه اللغة وهم العرب وطريقتهم فى وضع علامات الإعراب حيث شاءت لهم سليقتهم أن يضعوها. بل يصل الأمر إلى حدّ إعلان النحاة أن الكلمة المعربة هى المسند إليه أو المسند، المبتدأ أو الخبر، الفاعل أو المفعول، أى عنصرا من عناصر الجملة حسب اللغة النحوية الحديثة التى نستخدمها فى هذا البحث.
ولأن قبول علامات الإعراب هو سمة اللفظة المفردة (باستثناء المبنىّ والمنقوص والمقصور) فقد ظل هناك ميل مطلق إلى حصر المفهوم النحوى لعنصر الجملة (باستثناء الإعراب "المحلى") فى اللفظة المفردة التى تحمل علامة الإعراب المعنية. وعلى سبيل المثال، إذا قلنا: "عَرَبُ المشرقِ مشارقةٌ" كانت كلمة "عربُ" هى المرفوع كإعراب وهى الفاعل كنحو، عند النحاة، مع أن الفاعل ينبغى أن يكون "عربُ المشرق" ككل. وإذا أضفنا لفظة "كلّ" فقلنا: "كلُّ عربِ المشرقِ مشارقةٌ" صارت لفظة "كلُّ" هى المرفوع كإعراب، وهى الفاعل كنحو، عند النحاة، مع أن الفاعل ينبغى أن يكون "كلُّ عربِ المشرقِ" ككل. وهذا ما يؤدى بنا إلى ضرورة أن نعطى الإعراب حقه الذى لا سبيل إلى إنكاره، وهو الرفع مثلا لما رفعته العرب، وهكذا فى بقية أحوال الإعراب. لكنْ لا ينبغى أن يأخذ الإعراب أكثر من حقه إلى حد ينتهى معه إلى تشويه المفاهيم النحوية الصحيحة لعناصر الجملة التى قد تتحقق بكلمة واحدة كحد أدنى، وقد تتحقق بعبارة من كلمات عديدة، وحتى كثيرة جدا، وحتى بما يملأ صفحات للعنصر الواحد إذا شاء الكاتب أو القائل وصبر القارئ أو السامع.
 ومن هنا فإن تطابق المرفوع والفاعل إنما يكون فى حالة الفاعل الكلمة الواحدة (بالمعنى الدقيق للكلمة الواحدة كمدخل فى المعجم وليس فى طريقة الكتابة فى مثل: "فسيكفيكهم" وهى عبارة متعددة الكلمات). أما فى حالة العبارة التى يتحقق من خلالها الفاعل كعنصر جملة فلا ينبغى النظر إلى الكلمة المرفوعة على أنها الفاعل (بمفردها بدلا من العبارة كلها)، ولا على أنها بالضرورة "رأس" عبارة الفاعل أى الكلمة الرئيسية فيها من حيث تمثيلها للفاعل. إن المرفوع قد لا يكون الفاعل، بل مجرد كلمة من كلماته، عندما يكون الفاعل عبارة من عدة كلمات، كما أنه قد لا يكون حتى رأس عبارة الفاعل عندما يتمثل هذا الرأس فى كلمة أخرى فى العبارة.
وهنا تنفتح أمامنا آفاق التطلع إلى فهم كل عنصر من عناصر الجملة على أنه يتحقق من خلال كلمة أو مجموعة اسمية أو فعلية، كما سبق ورأينا عند بحث تحقيق المسند إليه من خلال الكلمة أو الكلمات أو العبارات أو الصيغ أو التراكيب اللفظية، كما يمكننا أن نقسّم الجملة إلى عناصرها التى تشمل كل كلماتها شمولا مستغرقا مهما كثرت تلك الكلمات، لنبحث تكوين العنصر من الكلمات، وتكوين الجملة من العناصر، بمفاهيم ناضجة بعيدا عن تلك الألفاظ التى حملت علامات الإعراب المعنية. كما يمكننا أن نحدد "رأس" عبارة أو مجموعة عنصر الجملة بوضوح نحوى تام دون أن يفرض علينا التمحور حول الإعراب النظر إلى اللفظة المعربة المعنية على أنها بالضرورة عنصر الجملة أو رأس عبارته أو مجموعته.
وبقدر ما يتعلّق الأمر بأشكال تحقيق عنصر الجملة، غير الفعل والفاعل، نجد أن العنصر الواحد منها قد يتحقق بالإضافة إلى اللفظة الواحدة القابلة للإعراب بعبارة غير قابلة للإعراب، إلا فى إطار ما يسمى بالإعراب المحلى، وهنا يقوم النحو العربى التقليدى (القديم والاتباعى) بإعلان العناصر المعنية للجملة "منصوبات أسماء". ثم ندرس المنصوب من منصوبات الأسماء فإذا به يأتى منصوبا كلفظة مفردة أو كعبارات متنوعة أيضا. وهذا ينطبق، على سبيل المثال، على المفعول المطلق، والمفعول لأجله، وظرف المكان والزمان، والحال... فكيف ندرسها على أنها "منصوبات" مع أنها عناصر جملة تأتى منصوبات فى حالة اللفظ المفرد كما تأتى فى أنواع وأشكال شتى؟ أليس الأجدر بنا أن ندرسها كمفاهيم نحوية، كعناصر جملة، ثم نبحث أشكال تحقيقها، ومنها شكل النصب الذى يُربك الكاتب والقارئ، أو المتحدث والمستمع، أكثر مما تُربكه أية حالة أخرى من أحوال الإعراب؟
ولهذا فعندما ننتقل إلى ما يسمى بمنصوبات الأسماء برمالها المتحركة، وبأنواع وأشكال وألوان تداخلاتها واشتباهاتها والتباساتها، ستكون الأولوية الأولى للمفاهيم النحوية التى تصلح للغة تقوم على الإعراب، كما تصلح للغة تقوم على إسقاط الإعراب. وهى ليست مفاهيم إعرابية تخنق النحو المتمحور حول الإعراب، بل هى مفاهيم نحوية لا تهمل الإعراب، بل تضعه فى مكانه الصحيح، وتعمل على تيسيره، ولا تحاول ذلك خدمة للإعراب أو لتيسيره فحسب، بل أملا فى أن يساعد تيسير الإعراب فى تحرير النحو العربى من ربقة التمحور حول الإعراب، وبالتالى فى فتح آفاق واسعة أمامه، الأمر الذى لن يتحقق إلا بتضافر جهود جيل جديد من علماء النحو، بشرط أن يتحرروا من تقديس النحاة القدامى، مع إدراك وتقدير عظمتهم، بأن ينقدوا إنجازهم العلمى التاريخى وينطلقوا منه ويطوروه، ناظرين إلى المستقبل بعقلية تستوعب علوم الماضى وتطورها ولا تتحجر عندها، فى عالم لم يعد فيه مكان لمن ينظرون إلى الوراء فى سياق من الجمود والتحجر والنكوص والردة.
 
 
 
 
 


13
خرافة الإعراب المحلى والإعراب التقديرى
 
المعنى الاصطلاحى الأول للإعراب هو التغير الذى يحدث فى أواخر الكلمات العربية المعربة، فى أحوال الرفع والنصب والجر والجزم، باستخدام علامات الإعراب وفقا لطبيعة الكلمات المعربة من حيث الإفراد والتثنية والجمع بأنواعه المختلفة إعرابيا، ومن نواحٍ أخرى كالأسماء الخمسة أو الستة والأفعال الخمسة، وكل هذا فى ارتباط وثيق بالوظائف النحوية للكلمات فى الجملة وذلك للتمييز بين الوظائف النحوية المختلفة للكلمات فى الجملة. وهناك معنى آخر للإعراب باعتباره التتبع المباشر لنص مكتوب أو شفاهى بالتحليل الإعرابى الوثيق الارتباط بالتحليل النحوى.
وبطبيعة الحال فإن كلمات المعجم وبالتالى كلمات الجملة إما معربة وإما مبنية بمعنى أن الكلمة الواحدة منها قد تكون معربة أىْ قابلة للتغير (فى آخر الكلمة كقاعدة أغلبية) وفقا لوظيفتها النحوية فى الجملة، أو مبنية أىْ تلزم حركة واحدة (ضمة، أو فتحة، أو كسرة) أو تلزم غياب كل حركة أىْ السكون. ومن الضرورات الصوتية بالطبع أن يتحرك آخر الكلمة المبنية الساكنة فى الكلام المتصل حركة مناسبة لا صلة لها بدلالة الحركة الإعرابية. كما يحدث الوقف بالسكون على كلمة معربة لضرورة من الضرورات دون أن يكون لهذا السكون أىّ مغزى من قبيل إلغاء الإعراب ودون أن يتجاوز بحال من الأحوال الضرورة الصوتية البحتة فى الموضع المعنىّ فى سياق كلام متصل.
ومعنى هذا أننا يمكن أن نتتبع كل كلمات نص مكتوب أو شفاهى، كلمة كلمة، لنرى ما إذا كانت معربة وبأىّ حركة أو بأىّ حرف أو بالسكون (للمجزوم)؛ أو مبنية وعلى أىّ حركة أو على السكون. ولا شك فى أن الكلمة المعربة ستكون مرفوعة أو منصوبة أو مجرورة بالحركات المعنية أو بالسكون أو بالحروف (حسب طبيعة الكلمات) وفقا لمواقع نحوية محددة فى الجملة فالرفع للإسناد والجر للإضافة والنصب لغير ذلك (كقاعدة أغلبية بمعنى أن هناك أوضاعا للرفع بغير الإسناد أو للإسناد بغير الرفع وغير ذلك). ورغم أن الكلمات المبنية ستظل مبنية بحركاتها أو سكونها، مهما كانت وظائفها النحوية، فإن كل كلمة منها ستتمتع بكامل وظيفتها النحوية كعنصر من عناصر الجملة أو كجزء من هذا العنصر أو كأداة نحوية بدلالة مّا دون أن تصير لذلك معربة لأنها بالبداهة مبنية أىْ لا يتغير آخرها.
ومعنى هذا أن الكلمة فى الجملة من حيث آخرها معربة وفقا للوظيفة النحوية أو مبنية رغم الوظيفة النحوية. فالارتباط المحقق هنا هو بين النحو والإعراب، بين الوظيفة النحوية أو المنطقية للكلمة فى الجملة من ناحية وبين الإعراب من الناحية الأخرى. أما البناء فإنه بحكم التعريف، بحكم طبيعته، أىْ لأن آخره لا يتغير، بعيد تماما عن أىّ ارتباط بالاعتبار النحوى المنطقى.
ومن ناحية أخرى فإننا يمكن أن نتتبع نفس النص المكتوب أو الشفاهى من وجهة النظر النحوية المنطقية. ويتبين من مثل هذا التتبع أن كل كلمة فى المعجم تصلح للاستعمال كعنصر من عناصر الجملة أو كجزء من عنصر من عناصر الجملة. ذلك أن عنصر الجملة ولنأخذ المسند إليه أو الفاعل مثلا يمكن أن يكون اسما أو ضميرا أو مجموعة من الكلمات. والاسم (الكتاب) فى جملة "الكتاب مفيد" هو المسند إليه، والضمير (هو) فى جملة "هو مجتهد" هو المسند إليه، ومجموعة كلمات (أن تصوموا) فى "وأن تصوموا خير لكم... الآية"[xiii] هى المسند إليه. وكلمة "أنْ" ليست عنصر جملة هنا (مع أنها قد تصلح كعنصر جملة فى سياق خاص كما سنرى بعد قليل) ولكنها هنا جزء من مجموعة الحد الأدنى (لأنها من كلمتين فقط) لعنصر الجملة المسند إليه أما كلمة "تصوموا" فهى فعل وبالتالى تصلح كعنصر جملة ولكنها هنا جزء من هذه المجموعة التى تمثل عنصر الجملة المسند إليه. كذلك جملة: "يذهب الفلاح إلى الحقل" فكلمة "الفلاح" عنصر جملة فهى المسند إليه وكلمة "يذهب" عنصر جملة فهى الفعل وعبارة "إلى الحقل" جار ومجرور ولكن ما علاقة "الجار والمجرور" بعناصر الجملة؟ "المجرور" وهو الحقل يصلح نموذجيا لأن يكون عنصر جملة ولكنه ليس كذلك هنا و"إلى" حرف جر وهو يصلح لأن يكون عنصر جملة فى سياق خاص (كما سنرى بعد قليل) ولكنه ليس عنصر جملة هنا ولكن الجار والمجرور هنا "إلى الحقل" يؤلفان معا عنصر جملة هو ظرف مكان ويؤلف الفعل مع هذا الظرف "معا" المسند (الخبر). على أن كل كلمة فى المعجم تصلح لأن تؤلف عنصر جملة؛ أكثرها بصورة نموذجية كالاسم والفعل، وبعضها فى سياقات خاصة: مثل (أنْ) فى جملة تعريفية مثل "أنْ المصدرية حرف ناصب" فكلمة "أنْ" هنا هى المسند إليه، وكذلك كلمة "إلى" فى جملة مثل "إلى حرف جر" لأن "إلى" هنا هو المسند إليه.
ومعنى هذا أن كل كلمة فى المعجم قابلة لأن تؤلف عنصر جملة وأن كل كلمة فى جملة إما أن تؤلف عنصرا من عناصر الجملة وإما أن تؤلف مع غيرها عنصر جملة مع أنها هى ذاتها ليست عنصر جملة فى تلك الجملة، كما رأينا منذ قليل.
وهناك، من ناحية أخرى، تمييز أشرنا إليه غير مرة بين أداتين بديلتين من أدوات النحو فى اللغات بوجه عام للتمييز بين الفاعلية والمفعولية وما إلى ذلك هما النسق النحوى الذى أسميه نسق مرونة ترتيب عناصر الجملة اعتمادا على الإعراب بعلامات الرفع والنصب والجر، والنسق النحوى الآخر الذى أسميه نسق تقييد ترتيب عناصر الجملة المرتبط بإسقاط الإعراب. ويقوم التمييز فى نسق المرونة بتقييد عناصر الجملة بقيد العلامات فالرفع للمسند إليه والنصب للمفعول به وهكذا. ويقوم التمييز فى النسق الآخر بتقييد عناصر الجملة بقيد المكان فالفاعل يسبق المفعول به وهكذا.
ولكننا رأينا أن كلمات المعجم والجملة معربة ومبنية فلماذا نهمل البناء فى تعريف النسق متحدثين عن الإعراب وإسقاط الإعراب دون البناء؟
والبناء قائم فى كل الأحوال، بصورة جزئية تشمل غير الاسم (بمعناه الفضفاض فى النحو العربى التقليدى مع استبعاد المبنيات) والفعل المضارع (الذى لا تلحق به نون النسوة أو نون التوكيد الثقيلة أو الخفيفة) فى نسق المرونة اعتمادا على الإعراب، وبصورة شاملة لكل كلمات المعجم والجملة فى نسق تقييد الترتيب مع إسقاط الإعراب. وبالتالى فإن المتغير أىْ الإعراب وإسقاط الإعراب هو مناط التمييز بين النسقين. كما أن الإعراب يقوم من الناحية العملية بفضل تغيُّر علاماته من حركات وحروف بالمساعدة فى تمييز الفاعل من المفعول وهذا ما لا يملكه البناء. غير أن الإعراب ذاته قد يعجز عن التمييز بين الفاعل والمفعول كلما امتنع الرفع مثلا عن الفاعل المجرور بما يسمى بحرف الجر الزائد أو لغير ذلك من أسباب عديدة. وهنا تتدخل قرائن لفظية ومعنوية عديدة تقوم بالتمييز المطلوب والفيصل فى التمييز هنا هو المعنى.
وعلى هذا فنحن، من حيث جانب من جوانب التمييز بين نسقىْ مرونة ترتيب الكلمات وتقييد ترتيب الكلمات، أمام نسقين يتعلقان بأواخر الكلمات هما الإعراب والبناء مع نسق مرونة الترتيب، والبناء الشامل على الحركات الثلاث والسكون مع نسق تقييد الترتيب. ورغم أن الكلمة المعربة قد تعجز عن المساعدة فى تمييز الفاعل من المفعول، فإن الإعراب مفيد بوجه عام كأداة نحوية لهذا التمييز على حين أن البناء غير مفيد كأداة نحوية لهذا التمييز.
وبهذا يغدو من المنطقى أن ينصبّ اهتمامنا على الإعراب وحده عند تحليل الجملة من حيث المسند والمسند إليه أو من حيث عناصر الجملة أىْ عند التحليل النحوى المنطقى مع إهمال البناء تماما لعدم ارتباطه بالتمييز النحوى. فمن أىّ باب يا ترى دخل الإعراب المحلى أىْ إعراب المبنىّ وما لا يقبل الإعراب عموما مثل إعراب ما يسمى بالجملة وشبه الجملة، ومن أىّ باب يا ترى دخل ما يسمى بالإعراب التقديرى للكلمات التى لا تقبل علامات الإعراب لتعذرها أو ثقلها؟
ويعرب النحو التقليدى الكلمة المبنية أو ما يسمى بالجملة وشبه الجملة فى "محل" رفع فاعلا وغير ذلك أو فى "محل" نصب مفعولا به وغير ذلك أو فى محل جر مجرورا.
ومن الجلى أن "المحل" شيء و"الإعراب والبناء" شيء آخر، فهذان الأخيران يخصان حركة أو سكون آخر الكلمة الواحدة، أما "المحل" أو "الموقع" فهو مفهوم نحوى ويعنى الوضع من حيث الطبيعة أو الوظيفة النحوية للكلمة الواحدة أو لمجموعة من الكلمات كفاعل أو مفعول أو حال أو تمييز وغير ذلك. و"المحل" إذن هو العنصر من عناصر الجملة أو المكون من مكونات الجملة أو الوظيفة من الوظائف النحوية فى الجملة.
فما معنى الإعراب المحلى إذن؟
ومن المفارقات أن تعبير الإعراب المحلى لا ينطوى على أىّ معنى منطقى إلا إذا فسرناه على أنه يعنى إعراب الكلمة المعربة وفقا لـ "المحل" أىْ أننا نرفع مثلا الكلمة المعربة (أىْ القابلة للإعراب) لأنها من حيث "المحل" المسند إليه مثلا، وعلى هذا لن يعنى تعبير "الإعراب المحلى" سوى أن الإعراب أىْ تغيير أواخر الكلمات يكون وفقا للمحل، ولا يمكن أن يمتد هذا المفهوم إلى ما لا يقبل الإعراب لأنه كلمة مبنية أو ما يسمى جملة أو شبه جملة. غير أن استخدام النحو العربى التقليدى لتعبير "الإعراب المحلى" لا يعنى هذا مطلقا بل يخص بالذات "إعراب" ... "غير المعرب" وفقا لـ "المحل". ولا يمكن أن يعنى هذا التعبير بهذا المعنى الذى يمثل تناقضا فى الألفاظ سوى القيام بتحديد "المحل" أىْ الموقع النحوى أىْ عنصر الجملة الخاص بالكلمة المبنية أو ما يسمى الجملة أو شبه الجملة. أىْ أننا نقوم بتحديد أن الكلمة المبنية مثلا فاعل أو مفعول فحددنا بهذا محلها، وعندما نقول إن الكلمة المعنية فاعل مثلا فى محل رفع فكأننا نقول إن هذه الكلمة "حقها" الرفع لأنها لو كانت معربة لكانت مرفوعة كما ينبغى للفاعل أن يكون. غير أن "لو" تفيد الامتناع للامتناع أىْ امتناع الرفع لامتناع إعراب الكلمة أىْ لأن الكلمة غير معربة. فلا وجه ولا مسوغ ولا معنى إذن لإعراب كلمة مبنية أو ما يسمى جملة أو شبه جملة رغم أن هذه الكلمات المبنية المفردة أو أىّ كلمات فى تراكيب يمكن أن تكون عناصر جملة بامتياز وذات محل وموقع من الناحية النحوية المنطقية.
ولأن الكلمات المبنية والتراكيب لها محل وليس لها إعراب فالسؤال المنطقى الذى ما يزال معنا هو بالتالى: من أين جاء هذا الإعراب لغير المعرب؟
 والحقيقة أن الإعراب يتخذ هنا معنى غير معناه الأصلى. لقد صار يعنى "المحل" والإعراب فى وقت واحد معا بدليل أن ما يسمى بالإعراب يعنى أيضا تحليل كلمات الجملة من حيث كونها وظيفة نحوية ومن حيث كونها تأخذ الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم. أىْ أن الإعراب تجاوز مفهومه الأصلى المتمثل فى تغير "أواخر الكلم" ليعنى كل الاعتبارات النحوية، وكان هذا بابا واسعا لدخول ما يسمى بالإعراب المحلى والإعراب التقديرى. لقد صار الإعراب مفهوما ميتافيزيقيا فوق-إعرابى يشمل المعرب والمبنى والتراكيب التى تسمى الجملة وشبه الجملة والكلمات التى لا تقبل الإعراب للتعذر أو الثقل كما صار يشمل قبل كل هذه الأشياء الموقع والمحل والعنصر أىْ الاعتبارات النحوية والمنطقية.
وهناك بالطبع أبواب أخرى لدخول الإعراب المحلى والإعراب التقديرى. والحقيقة أن الإعراب التقديرى ليس سوى نوع مما يسمونه بالإعراب المحلى لأنه يقوم على فكرة أن هناك كلمات لا تقبل التغير الإعرابى، أىْ لا تقبل حركات الإعراب، رغم أنها ليست مبنية، وأن لها مع ذلك محلا يجعل من "حقها" الرفع أو النصب أو الجر أو الجزم.
وهناك بالطبع الباب الواسع الذى تمثله قاعدة أن الفاعل يسبقه فعله وقاعدة تأخير الفعل الذى يلى المبتدأ وجوبا. ذلك أن الفعل الذى يلى المبتدأ يقتضى فاعلا يسبقه هذا الفعل وهنا يأتى الحل السحرى الميتافيزيقى المتمثل فى الفاعل الضمير المستتر الذى يعود على ذات المبتدأ الذى جرى إنكار أن يكون فاعلا مع أنه صار فاعلا بعودة الضمير إليه. وهذا الضمير المستتر المزعوم الذى هو فى محل رفع فاعل الفعل المتأخر وجوبا هو المسئول عن قدر هائل من الإعراب المحلى ولا شك فى أن التخلص من هذا الضمير الخفىّ الميتافيزيقى سوف يخلصنا من هذا القدر من الإعراب المحلى. غير أن الضمير المستتر لا يمكن التخلص منه دون التخلص من قاعدة أن الفعل يسبق الفاعل ويتلو المبتدأ وهى قاعدة خاطئة من وضع النحاة ولا مسوغ لها، ودون إطلاق التقديم والتأخير بين الفعل والفاعل (المسند إليه)، كما سبقت الإشارة غير مرة.
وسوف يؤدى إلغاء هاتين القاعدتين أيضا إلى إغلاق باب آخر للإعراب المحلى هو إعراب ما يسمى بضمير الرفع البارز المتصل، وهذا الأخير بدوره وهْم من أوهام النحو العربى التقليدى. فالفعل المتأخر عن المبتدأ يفترض الضمير المستتر عندما يكون المبتدأ غائبا مفردا مذكرا لأن الفعل سيكون عندئذ فى حالة صفرية (فَعَلَ أو يَفْعَلُ) فلا تظهر نهاية التصريف الدالة على الشخص والعدد والنوع. ولأن النحو العربى التقليدى يشترط أن يتبع فاعلٌ كلَّ فعل صار من السهل افتراض أن كل نهاية من هذه النهايات يمثل الفاعل لأنه جرى إنكار الفاعلية على الفاعل الحقيقى أو العملى لأنه سبق الفعل أو لأنه محذوف فى سياق الإطار الواسع لظاهرة الحذف فى اللغة العربية وفى اللغات بوجه عام. ولأن هذه النهايات إنما هى نهايات تصريف أفعال ترتبط بالصرف والتصريف وليس بالنحو والإعراب فإنه لا مناص من التخلى عن النظر إليها باعتبارها ضمائر الرفع البارزة المتصلة كما يفعل النحو التقليدى. ولأن ضمير الرفع البارز المتصل هذا هو المسئول عن قدر هائل أيضا من الإعراب المحلى فلا شك فى أن التخلص منه سوف يخلصنا من هذا القدر أيضا من الإعراب المحلى. وبطبيعة الحال فإنه لا سبيل إلى التخلص منه دون التخلص من قاعدة أن الفعل يسبق الفاعل ويتلو المبتدأ وإطلاق التقديم والتأخير بين الفعل والفاعل (المسند إليه).
والحقيقة أن الإعراب المحلى لا يخدم غاية سوى غاية إضفاء شمول ميتافيزيقى وهمى زائف على الإعراب. ذلك أن الإعراب المحلى، بعكس الإعراب، ليس سمة أو قابلية ماثلة فى صميم طبيعة الكلمات تجعله أداة للتمييز النحوى فى اللغة ذاتها وفى النحو الجمعى ذاته. وعلى هذا فإن الإعراب المحلى ليس أداة من أدوات اللغة بل هو أداة يستخدمها النحاة لإجراء تمارين غامضة على كلمات الجملة دون أن تكون مفيدة فى فهم اللغة أو استيعاب نحوها الجمعى. وإذا صح أن المرجع هو اللغة ذاتها فإنه سيكون من البديهى أن المفهوم النحوى الوضعى الذى لا يعكس، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مظاهر حقيقية فى النحو الموضوعى الجمعى إنما هو مفهوم غريب على اللغة وعلى منطق نحوها الداخلى.
ومع أننا لا نرى أىّ فائدة للإعراب المحلى إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل الحديث المتواصل عن فائدة مزعومة لهذا الإعراب تتمثل فى إعراب التوابع على أساس (أىْ بالاسترشاد بـ) الإعراب المحلى للمتبوعات. وعلينا بالتالى أن ننتقل مباشرة إلى محاولة التحقق من احتمال تلك الفائدة والوقوف على حقيقتها. غير أن التابع المعرب يُرفع ويُنصب ويُجرّ وفقا للوضع "النحوى" للمتبوع وليس لكونه معربا. فالتابع المعرب يُرفع إذا كان المتبوع مسندا إليه (ولم يسبقه ناصب أو جارّ)، ويُنصب إذا كان المتبوع المبنى مفعولا به، مثلا، دون حاجة إلى الحديث عن الرفع المحلى للمبنى المسند إليه فى الحالة الأولى أو عن النصب المحلى للمبنى المفعول به فى الحالة الثانية.
والحقيقة أن احتمال فائدة إعراب المتبوع لمعرفة إعراب التابع غير وارد حتى فى حالة الإعراب الظاهر للمتبوع. ذلك أن إعراب التابع يتوقف، مهما كان المتبوع قابلا أو غير قابل للإعراب، ليس على ما "يُظهره" المتبوع من إعراب (ظاهر)، أو ما "نقدِّره" عليه من إعراب (تقديرى)، أو ما "نتوهمه" فيه من إعراب (محلى)، بل على الوضع النحوى للمتبوع كعنصر جملة حقه الرفع أو النصب أو الجر، أو حقه الإعرابى إنْ لم يكن عنصر جملة وذلك نتيجة لمؤثرات سبقته.
ففى جملة: "حقق العالمُ الكبيرُ إنجازًا رائعًا"، لم نرفع التابع: "الكبيرُ" لأن المتبوع: "العالمُ" مرفوع، بل لأن المتبوع: "العالمُ" هو المسند إليه (الذى نرفعه إذا كان كلمة معربة ولم يسبقها ناصب أو جارّ). وينطبق الشيء نفسه على التابع: "رائعًا" الذى لم ننصبه لأن المتبوع: "إنجازًا" منصوب، بل لأن المتبوع: "إنجازًا" هو المفعول به (الذى ننصبه إذا كان كلمة معربة).
وفى جملة: "إن العالمَ الكبيرَ حقق معجزةً علميةً"، لم ننصب التابع: "الكبيرَ" لأن المتبوع "العالمَ" منصوب، بل لأن المتبوع: "العالمَ" هو المسند إليه الذى لا نرفعه إذا كان كلمة معربة سبقها ناصب أو جارّ، فالمتبوع هنا مسند إليه غير أنه مسبوق بناصب ولهذا ينبغى نصب تابعه بغضّ النظر عن نصب المتبوع أو علامة نصبه. ومن الجلى أن حالة المسند إليه الذى يأتى منصوبا أو مجرورا لا تقع فى النحو العربى التقليدى لأن الإعراب السائد هو تحوُّل "المبتدأ" إلى اسم "إن وأخواتها" مع الحروف الناسخة، ولأن جر الفاعل بحروف الجر المسماة بالزائدة هو وحده المعترف به فى هذا النحو وهو قليل، ولأنه لا مجال فيه للاعتراف بمفعول لفعل سابق كفاعل لفعل لاحق.
والدليل على أن إعراب التابع المعرب لا يتحدد بالإعراب الفعلى المباشر للمتبوع هو أن المتبوع غير المعرب ليس من شأنه بطبيعة الحال إظهار حالة أو علامة إعراب ومع ذلك فإن التابع المعرب يأخذ إعرابه من اعتبارات نحوية إعرابية غير إعراب أو بناء المتبوع.
على أننا سنحاول الآن بحث "احتمال" فائدة الإعراب المحلى للمتبوع غير المعرب فى إعراب التابع المعرب.
ونأخذ اسم الإشارة، وهو مبنىّ، لنختبر احتمال فائدة إعرابه محليا كمتبوع لإعراب التابع المعرب. وما يأتى بعد اسم الإشارة هو -كما نقرأ فى النحو الوافى– النعت، أو البدل، أو عطف البيان، و"إذا كان ما بعد اسم الإشارة مشتقا فإعرابه نعتا هو الأفضل. أما إذا كان جامدا فالأفضل إعرابه بدلا، أو: عطف بيان"[xiv].
ونقرأ عدة جُمَل:
هذا الكتابُ ممتاز.
أعرف هذا الرجلَ.
مررت بهذا العالمِ.
وفى الجمل السابقة نجد بعد اسم الإشارة ("هذا") المبنىّ: "الكتاب" مرفوعا، و"الرجل" منصوبا، و"العالم" مجرورا. وهى جميعا ألفاظ معربة جاءت بعد اسم الإشارة ("هذا"). فهل يفيد إعراب المبنىّ ("هذا") إعرابا محليا فى معرفة إعراب الألفاظ المعربة التى جاءت توابع فى الجمل المذكورة بعد المتبوع المبنىّ؟ وبعبارة أخرى: هل سنجهل إعراب هذه التوابع المعربة إذا لم نعرب المتبوع المبنىّ إعرابا محليا؟
و"هذا" فى الجملة الأولى هو المسند إليه فى النحو التقليدى ولهذا فإن رفعه المحلى يعنى القول إنه مبنىّ فى محل رفع. وسنرفع "الكتاب" (فى هذا السياق) لأن "الكتاب" عطف بيان، أو بدل، أىْ: تابع وأن متبوعه هو المسند إليه وهو مرفوع، أىْ: لأن تابع المسند إليه مرفوع مثل متبوعه (ما دام لم يسبق هذا الأخير ناصب أو جارّ). ويمكن قول الشيء نفسه عن نصب "الرجل" لأنه تابع (بدل أو عطف بيان) لمتبوع مفعول به؛ على أساس أن التابع المعرب للمتبوع المفعول به منصوب. وكذلك يمكن قول الشيء نفسه عن جرّ "العالم" لأنه تابع (نعت أو صفة) لمتبوع مجرور؛ على أساس أن التابع المعرب للمتبوع المسبوق بحرف جرّ مجرور. وفى كل هذه الأحوال أعربنا المعرب باعتبار الوظيفة النحوية للمتبوع (وكذلك باعتبار الوضع اللفظى فى حالة المتبوع المسند إليه الذى لم يسبقه ناصب أو جارّ)، وذلك دون أن نتورط فى إعراب المبنىّ إعرابا محليا بحال من الأحوال.
وسأكتفى هنا بالإشارة إلى التكييف الخاطئ فى النحو العربى لأسماء الإشارة فبدلا من تقسيمها إلى ضمائر إشارة (فى مثل: هذا كتاب مفيد) وصفات إشارة (فى مثل: هذا الكتاب مفيد) جرى الخلط بين هذين القسمين المتباينين من أقسام الكلام (الضمير والصفة). ولم يتصور هذا النحو أن "هذا" فى الجمل التى حللناها منذ قليل، من حيث التابع والمتبوع، هو التابع وليس المتبوع، لأنه صفة إشارة، رغم مجيئه قبل الموصوف أو المتبوع فى (هذا الكتاب) و(هذا الرجل) و(هذا العالم).
ومعنى هذا أن "الكتاب" لم يكن التابع (البدل أو عطف البيان) للمسند إليه (اسم الإشارة "هذا")، كما لم يكن "الرجل" التابع (البدل أو عطف البيان) للمفعول به (اسم الإشارة "هذا")، كما لم يكن "العالم" التابع (النعت أو الصفة) للمجرور (اسم الإشارة "هذا"). بل كان اسم الإشارة نعتا (صفة إشارة) لكل من "الكتاب" المسند إليه المرفوع، و"الرجل" المفعول به المنصوب، و"العالم" المجرور. على أن الاستفادة الواجبة بمنجزات النحو الحديث تدفعنا إلى النظر إلى "هذا" وما بعده فى كل جملة باعتبارهما معا مجموعة اسمية تحقق من خلالها المسند إليه (ورأس هذه المجموعة هو "الكتاب" المرفوع)، والمفعول به (ورأس هذه المجموعة هو "الرجل" المنصوب)، والمجرور (ورأس هذه المجموعة هو "العالم" المجرور)، أما "هذا" فهو فى كل الأحوال نعت (صفة إشارة) ضمن المجموعة الاسمية التى جاءت مسندا إليه مرة، ومفعولا به مرة أخرى، و"مجرورا" مرة ثالثة.
وهناك باب غير ذلك لدخول الإعراب المحلى. إنه باب المسند إليه الذى يأتى منصوبا على المفعولية (مثل المفعول به المنصوب "مجنونا" الذى أُسند إليه الفعل "يكلم" فى جملة: "رأيت مجنونا يكلم نفسه")، أو يأتى بعد حروف النصب (مثل "عُمَرَ" المنصوب الذى أُسند إليه الفعل "يزور" فى جملة: "علمتُ أن عُمَرَ سيزورنا غدا")، أو يأتى مجرورا بحرف جر (مثل "مدرسٍ" المجرور الذى أُسند إليه الفعل "يشرح" فى جملة: "تعرفت بمدرس يشرح الرياضيات بتمكن")، أو يأتى مجرورا بالإضافة (مثل "نفقٍ" المضاف إليه المجرور الذى أُسند إليه الفعل "يقود" فى جملة: "هذا بابُ نفقٍ يقود إلى الناحية الأخرى من الحى"). وفيما عدا الجر بحرف جر زائد، كما يقال لنا، لا يعترف هذا النحو بهذه الأحوال لأن المفعول به لفعل سابق لن يكون فاعلا للفعل الذى يأتى بعده، ولأن حرف النصب ("الناسخ") سيتلوه اسم "إن وأخواتها"، ولن يُعتبر فاعلَ الفعل الذى يأتى بعده، ولأن فاعل هذا الفعل أو ذاك، أو فاعل الفعل الذى يأتى بعد المجرور، ليس سوى الضمير المستتر الذى يفترضه نحونا التقليدى بعد كل فعل لا يتلوه فاعل صريح (من اسم أو ضمير أو مصدر مؤول).
ومن الجلى أن الناصب والجارّ للمسند إليه (الذى يتلوه فعله) يعطيه إعرابه من نصب أو جرّ، ولا ينبغى الحديث عن رفع المسند إليه محليا، ولا ينبغى توهُّم أن إعراب التابع المعرب لمثل هذا المسند إليه (المعرب أو غير المعرب) يرتبط بالإعراب المحلى لهذا المتبوع.   
وهناك باب آخر من أبواب دخول الإعراب المحلى هو باب التراكيب المتعددة الكلمات التى التى يصلح التركيب الواحد منها للاستعمال كعنصر جملة؛ فالفاعل أو المفعول به قد يكون اسما مفردا أو ضميرا أو مجموعة كلمات، كما قد تكون عناصر جملة أخرى مجموعات متعددة الكلمات. ولأن النحو العربى التقليدى يعرب الفاعل أو المفعول به أو الخبر أو غير ذلك إعرابا ظاهرا أو محليا سواء أكان اسما أو ضميرا أو تركيبا متعدد الكلمات فإنه يعرب هذا الأخير إعرابا محليا لأن الإعراب الظاهر لا يكون إلا مع الكلمة المعربة الواحدة. ويشمل التركيب المتعدد الكلمات أيضا المسند (الخبر) الذى لا يقبل الإعراب بحكم طبيعته فالحد الأدنى للمسند هو الفعل اللازم، غير أنه يمكن أن يشمل عناصر جملة عديدة: فاعل فعل الكينونة الظاهر أو المحذوف أو بقية أفعال كان وأخواتها وأفعال المقاربة والرجاء والشروع مع متمم الفاعل أو الظرف، أو الفعل المتعدى والفاعل والمفعول به أو المفعولين مع متمم المفعول به المباشر. وباختصار وكما رأينا غير مرة فإن الخبر خارج مسألة الإعراب، غير أن الخبر فى النحو العربى التقليدى معرب ولا سبيل لإعرابه إلا محليا (إلا فى حالة ما يسمى بالخبر المفرد وهو ليس خبرا على أىّ حال) ومن هنا كان المسند بابا واسعا لدخول الإعراب المحلى. وهذا الباب واسع جدا لأن المسند القائم على فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت (مع أنه فعل واحد فقط فى تصريف واحد له هو المضارع المثبت ومع أن المضارع المثبت لفعل الكينونة يظهر أيضا فى بعض حالاته) لكثرة استعمال هذا المحذوف مع ما يسمى بالخبر المفرد وما يسمى بالخبر الجملة وما يسمى بالخبر شبه الجملة. ويعنى هذا أن إلغاء إعراب المسند (الخبر) باعتباره خارج مسألة الإعراب سيؤدى تلقائيا إلى إلغاء القدر الهائل الباقى مما يسمى بالإعراب المحلى.
ونبدأ مناقشة إعراب هذه التراكيب المتعددة الكلمات بالمصدر المؤول.
وتحت عنوان "إعراب المصدر المؤول"، نقرأ فى كتاب "القواعد الأساسية فى النحو والصرف" ما يلى:
يُعرب المصدر المؤول إعراب المصدر الصريح الذى يحل محله[xv].
ويقع المصدر المؤول، وفقا للكتاب، "مبتدأ"، و"خبرا"، و"فاعلا"، و"نائب فاعل"، و"مفعولا به"، و"مجرورا بالحرف".
ففى مجموعة الألفاظ "وأن تصوموا خير لكم"[xvi]، يقع المصدر المؤول "أن تصوموا" (= صيامُكم) مبتدأ. وفى الجملة: "من الخير أن تحسن إلى جارك"، يقع المصدر المؤول "أن تحسن" (= إحسانُك) مبتدأ. وفى الجملة: "الواجب أن تضحى فى سبيل وطنك"، يقع المصدر المؤول "أن تضحى" (= تضحيتُك) خبرا. وفى الجملة "سرَّنى ما أسديتَ الجميل"، يقع المصدر المؤول "ما أسديتَ" (= إسداؤُك) فاعلا. وفى الجملة: "عُرف أنك ذو مروءة"، يقع المصدر المؤول "أنك ذو مروءة" (= كونُك ذا مروءة أو مروءتُك) نائب فاعل. وفى الجملة: "أودُّ أن تخلص فى عملك"، يقع المصدر المؤول "أن تخلص" (= إخلاصُك) مفعولا به. وفى الجملة: "أُشفق عليك من أن تتعجل الأمور"، يقع المصدر المؤول "أن تتعجل" (= التعجُّل) مجرورا بالحرف[xvii]. وبطبيعة الحال فإنه لا غبار على أن نقول هذا مبتدأ أو خبر وذاك فاعل أو مفعول به، إلخ ... (مع التحفظ بالطبع على هذه الاصطلاحات النحوية) فالحديث هنا عن الوظائف النحوية أو عناصر الجملة. غير أن هذا ليس إعرابا على الإطلاق. وهذه الصيغ أو التراكيب المتعددة الكلمات والتى نسميها بالمصدر المؤول لا تقبل الإعراب بطبيعتها، بل هى خارج مسألة الإعراب والبناء لأن هذين الأخيرين ينطبقان على الكلمة الواحدة وحسب.
وننتقل إلى ما يسمى بالجمل التى لها محل من الإعراب. ونقرأ فى كتاب القواعد الأساسية فى النحو والصرف ما يلى:
قد تقع الجملة موقع الاسم المفرد فتأخذ محله الإعرابى، رفعا، أو نصبا، أو جرا، وقد تقع موقع الفعل المجزوم فتكون فى محل جزم[xviii].
وعندهم أن الجملة التى لا محل لها من الإعراب هى الجملة التى "لا يقع موقعها الاسم المفرد"[xix]، والجملة التى لها محل من الإعراب هى التى تقع موقع الاسم المفرد. والمقصود هو أن هناك جملة تصلح للقيام بوظيفة نحوية فتكون خبرا أو مفعولا به أو حالا أو مضافا إليه أو نعتا أو جوابا لشرط أو تابعا لجملة تقوم بمثل هذه الوظيفة، فمثل هذه الجملة هى فى حقيقتها جملة لها ركناها غير أنها مع ذلك جزء من جملة أوسع كما أنها كجزء من هذه الأخيرة تقوم بوظيفة نحوية كالوظائف السابقة، أما الجملة التى لا تصلح للقيام بذلك فهى -فى أغلب الأحوال– جملة مستقلة كاملة ولا يعقل بالتالى التفكير فى أنها "مبتدأ" أو "خبر" أو ما إلى ذلك، أو هى –فى بعض الحالات، مثل: صلة الموصول– جزء من جملة ولا تصلح مع ذلك للقيام بمثل هذه الوظائف النحوية.
ومن الجلى أن الجمل التى يقال إن لها محلا من الإعراب جمل خاضعة أو تابعة أو غير مستقلة فهى إذن أجزاء متميزة من جمل وليست جملا مستقلة قائمة بذاتها. على أن تسميتها حتى جملا خاضعة تفقد مبررها فى كثير من الأحيان كما يتضح من استعراض تلك الجمل[xx].
فجملة الخبر جملة مزعومة وليست جملة حقيقية كما سبق ورأينا (راجع الفصول المتصلة بالمسند أو الخبر). وفى الجملة: "المتسامح يعيش هادئ البال"، يعتبر هذا النحو الفعل خبرا مع فاعله الضمير المستتر المزعوم مع أنه مجرد فعل فاعله هو ما يسمى بالمبتدأ والحقيقة أن هذا الفعل مع عبارة هادئ البال هما المسند (الخبر). وفى الجملة: "القوى حقه غير مضيَّع"، يعتبر هذا النحو "القوى" مبتدأ أول و"حق" مبتدأ ثانيا و"غير" خبرا للمبتدأ الثانى ويعتبر المبتدأ الثانى وخبره جملة اسمية خبرا للمبتدأ الأول. وقد سبق ورأينا أن "المبتدأ" أو بالأحرى المسند إليه الحقيقى هو ما يسمى بالمبتدأ الثانى وأن ما يسمى بالمبتدأ الأول ليس سوى المضاف إليه الذى يتقدم مضافه (= حق القوى غير مضيَّع) وأن المسند هو فعل الكينونة المحذوف فى مثل هذه الجمل مع عبارة "غير مضيَّع" (= متمم المسند إليه فى رأينا). فليس هناك إذن جملة داخل جملة لنعربها جملة اسمية خبرا للمبتدأ. وينطبق الشيء نفسه على ما يسمى بخبر الناسخ": "إن وأخواتها"، أو "كان وأخواتها"، إلخ. وقد رأينا أن المسند (الخبر) بمفهومه الصحيح لا علاقة له بمسألة الإعراب أصلا.
وترد جملة تقع مفعولا به ضمن جملة: "أقول دائما: ‘إن الاتحاد قوة‘". وما تحته خط هو جملة المفعول به، فهو المقول المفعول به. وهنا جملة بطبيعة الحال، وهى مفعول به دون شك، ورغم أنها تصلح لأن تكون جملة قائمة بذاتها إلا أنها هنا خاضعة من الناحية العملية، ومن العبث أن نقول بإعرابها محليا أىْ بأنها فى محل نصب مفعول به.
وترد جملة تقع حالا ضمن جملة: "تغدو الطيور وهى خماص، وتروح وقد امتلأت حواصلها". وكل من عبارة "وهى خماص" وعبارة "وقد امتلأت حواصلها" جملة وتصلح لأن تكون قائمة بذاتها بدون الواو ولكنها مع الواو صارت جملة أو عبارة خاضعة كجزء من جملة أوسع، وهى "حال" (انظر الفصل المعنون: ما يسمى بمنصوبات الأسماء بين عناصر الجملة والإعراب)، غير أن من العبث أن نقول إنها فى محل نصب حال.
ويورد الكتاب المذكور جملة تقع مضافا إليه ضمن جملة: "تحلو الجلسة حيث يطيب النسيم". وبالطبع فإن عبارة "يطيب النسيم" جملة، غير أن عبارة "حيث يطيب النسيم"، وهى ظرف (زمان أو مكان) فى الحقيقة، من العبث أن نقول إنها فى محل نصب ظرف، كما يمكن أن نقول إن جملة "يطيب النسيم" مضاف إليه، غير أن من العبث أن نقول إنها فى محل جر مضاف إليه.
وهناك جملة الجواب لشرط جازم مقترنة بالفاء أو إذا الفجائية، ضمن جملة: "مَنْ يهُنْ فإن الهوان يسهل عليه" أو ضمن جملة: "الأحمق إنْ دعوته إلى الرويَّة إذا هو ينفر منك". ولا شك فى أن جواب الشرط فى كل من الجملتين: "إن الهوان يسهل عليه" و "هو ينفر منك" جملة تصلح لأن تكون قائمة بذاتها غير أن الجملة الأولى مع الاقتران بالفاء أو الجملة الثانية مع الاقتران بإذا الفجائية (وكذلك فى سياق كل منهما فى جملة شرطية) جملة خاضعة كجزء من جملة أوسع وهى جواب شرط، غير أن من العبث أن نقول إن جملة جواب الشرط فى محل جزم.
وهناك الجملة الواقعة نعتا ضمن جملة: "يؤثر فى السامعين خطيب حجته قوية". ذلك أن عبارة "حجته قوية" جملة تنعت الخطيب بقوة الحجة (= قوىّ الحجة). غير أن من العبث أن نقول إن جملة "حجته قوية" فى محل رفع نعت لكلمة "خطيب" المرفوع لأنه المسند إليه (الفاعل). أما عبارة "تقنع السامعين" فى الجملتين الواردتين تحت هذا النوع وهما جملة: "إن لهذا الخطيب حججا تقنع السامعين"، وجملة: "كم لهذا الخطيب من حجج تقنع السامعين" فليست جملة إلا باعتبار الفعل الذى يأتى بعد ما يسمى بالمبتدأ جملة مع الفاعل الضمير المستتر وقد رأينا غير مرة تهافت هذا المنطق. وتقدم كل من الجملتين منصوبا ("حججا") أو مجرورا ("حجج") فاعلا لفعل ("تقنع") الذى يقع على المفعول به ("السامعين"). ولا غبار مع ذلك فى اعتبار عبارة "تقنع السامعين" صفة للمسند إليه (المنصوب أو المجرور) غير أن هذا يختلف عن القول بأن هذه الصفة جاءت فى محل نصب مرة وفى محل جر فى المرة الأخرى.
وتأتى بعد ذلك، وفى النهاية، الجملة التابعة لجملة لها محل من الإعراب. ومن البديهى أن مثل هذه الجملة (الحقيقية أو المزعومة) ينطبق عليها ما قيل أعلاه حسب "الجملة" المتبوعة. ففى جملة: "الأم تصنع الرجال وتربى الأجيال"، نجد الفعل الذى يعتبرونه جملة الخبر "تصنع"، وهى الجملة المتبوعة، والفعل ("تربى") الذى يعتبرونه الجملة التابعة لجملة الخبر باعتبارها جملة خبر أيضا. وفى جملة: "تنتج مصانعنا مصنوعات تمتاز بالجودة، وتتسم بالذوق"، عبارة "تمتاز بالجودة" هى الجملة المتبوعة (وهى فى الأصل النعت التابع للمفعول به "مصنوعات") والجملة التابعة هى "تتسم بالذوق" كنعت للمفعول به أيضا. وفى جملة "تقوى صناعتنا بإنتاجٍ نوعُه جيد، وسعرُه معتدل"، عبارة "نوعُه جيد" أىْ نعت المجرور "إنتاج" هى الجملة المتبوعة، وعبارة "سعره معتدل" هى الجملة التابعة كنعت للمجرور أيضا.
وبطبيعة الحال فمن القليل النادر أن يظهر تابع لمصدر مؤول أو "لجملة لها محل من الإعراب" كما يسمونها بحيث يكون هناك "احتمال" فائدة لإعراب المتبوع محليا فى إعراب التابع. فهذه الجملة، على سبيل المثال، ممكنة: (أقول دائما: "إن الاتحاد قوة" وحقائق أخرى) باعتبار أن الكلمة المعربة "حقائق" تابع للمفعول به ("إن الاتحاد قوة"). وهذه الجملة، أيضا، ممكنة: "علمتُ أنه مشترك فى الجريمة وأمورا كثيرة سأعلنها فى الوقت المناسب"، باعتبار أن الكلمة المعربة "أمورا" تابع للمفعول به "أنه مشترك فى الجريمة". وقد يأتى التابع المعطوف بهذه الطريقة غير أن من السخف أن نقول إن نصب كلمة "حقائق" أو كلمة "أمورا" كان بفضل إدراك أن الإعراب المحلى للمفعول به (الجملة أو المصدر المؤول) كان بالنصب على المفعولية.     
كذلك فإن الإعراب التقديرى لا مسوغ له وهو فى حقيقته نوع متميز من الإعراب المحلى كما سبق القول وسيكون إلحاق بعض ألفاظه بالبناء وبعضها الآخر بالإعراب سبيلا مباشرا إلى إلغائه والتخلص من تعقيداته. ويعنى الإعراب التقديرى أن الإعراب الظاهر (الذى يخص الاسم الصحيح الآخر فى حالات الرفع والنصب والجر، والاسم المنقوص فى حالة النصب لخفة الفتحة على الياء، والفعل الصحيح الآخر فى حالات الرفع والنصب والجزم، والفعل المعتل الآخر بالواو أو الياء فى حالة النصب) ليس واردا مع:
1: الاسم المقصور (وهو كل اسم معرب آخره ألف لازمة، مثل: هُدَى، الهُدَى، غِنًى، الغِنَى) وتقدَّر على آخره حركات الإعراب الثلاث (الرفع والنصب والجر) لتعذُّر النطق بها.
2: الاسم المنقوص (وهو كل اسم معرب آخره ياء لازمة مكسور ما قبلها مثل: القاضِى، المحامِى، الداعِى، قاضٍ، محامٍ، داعٍ) وتقدَّر على آخره الضمة والكسرة، فإنْ كان معرَّفا بأل بقيت ياؤه ولم تحذف، وقدِّرت عليها الضمة والكسرة لثقل النطق بهما. وإذا حذفت الياء من المنقوص لتنوينه قدِّرت الضمة والكسرة على الياء المحذوفة.
3: الاسم المضاف إلى ياء المتكلم (مثل: صديقى، أخى، أبى، كتابى، أساتذتى) وتقدَّر حركات الإعراب الثلاث على ما قبل الياء (فى غير المثنى وجمع المذكر السالم).
4: الفعل المضارع المعتل الآخر بالألف فى حالتىْ الرفع والنصب.
5: الفعل المضارع المعتل الآخر بالواو أو الياء فى حالة الرفع.
ومن الجلى أن ما يسمى بالإعراب التقديرى يثير مشكلة مختلفة. فحركات الإعراب كلها أو بعضها تغدو متعذرة أو ثقيلة (بحكم الطبيعة الصوتية لأواخر بعض الكلمات أو بحكم الطبيعة الصوتية للإضافة إلى ياء المتكلم) فيصير الإعراب الظاهر مستحيلا صوتيا أو مكروها لثقله. والإعراب الجمعى السليقى يقف بالمسألة عند هذا الحد حيث يمتنع الإعراب الظاهر (وهو وحده الإعراب بالمعنى الحقيقى) فلا يحدث تغير فى أواخر الكلمات ولاشيء غير ذلك. أما إعراب علماء النحو فيعلن هذه الكلمات معربة، ثم يصطدم بحقيقة أنها غير قابلة للإعراب كليا أو جزئيا، ثم يقفز -كدأبه– إلى تقدير وهمى (لا أساس له من اللغة ذاتها كالإعراب المحلى تماما) لحركات الإعراب على أواخر هذه الكلمات.
ويمكن حل هذه المشكلة بيسر على أساس اللغة ذاتها بما تنطوى عليه من منطق داخلى للإعراب والبناء. فالكلمات التى لا تتغير فى أحوال الإعراب الثلاث ينبغى اعتبارها مبنية. ولا يعدو القول ببنائها تكرار حقيقة أن هذه الكلمات لا تتغير أواخرها مع تغير وظائفها أو أوضاعها النحوية. إنها مبنية بمعنى أنها غير متغيرة ولأنها غير متغيرة فإنه يمكن وصفها ببساطة بأنها مبنية. وينطبق هذا على الاسم المقصور: غِنًى بالتنوين للنكرة، وغِنَى بدون تنوين عند (التعريف بـ) الإضافة، والغِنَى بدون تنوين عند التعريف بأل. كما ينطبق الشيء نفسه على المضاف إلى ياء المتكلم (بالاستثناء المذكور)، فما قبل ياء المتكلم مكسور لا يتغير وهذا يعنى أنه مبنى على الكسرة.
ويبقى المتغير وإنْ اشترك فى حالتين من حالات الرفع والنصب والجر للأسماء أو من حالات الرفع والنصب والجزم للأفعال (تماما كما هو الحال فى إعراب جمع المؤنث السالم المرفوع بالضمة والمنصوب والمجرور بالكسرة أو كما يحدث فى إعراب الممنوع من الصرف).
ونعود إلى الاسم المنقوص. فبدلا من التقدير الوهمى لحركتىْ الإعراب: الضمة والكسرة على آخره، ينبغى الاتجاه إلى إعرابه كما يلى:
الرفع:
1: المضاف والمعرف بأل: يُرفعان بكسر ما قبل الآخر (أىْ بكسر ما قبل حرف العلة: "الياء"):
* وصل قاضِى التحقيق منذ قليل.
* حكم القاضِى بالعدل.
2: النكرة: يُرفع بكسر وتنوين ما قبل الآخر مع حذف الآخر (أىْ حرف العلة: "الياء"):
* ترافع اليوم محامٍ بارعٌ فى القضية.
الجر:
1: المضاف والمعرف بأل: يُجران بكسر ما قبل الآخر (أىْ بكسر ما قبل حرف العلة: "الياء"):
* طلب الدفاع التأجيل من قاضِى التحقيق.
* عرض الدفاع على القاضِى تفاصيل القضية.
2: النكرة: يُجر بكسر وتنوين ما قبل الآخر مع حذف الآخر (أىْ حرف العلة: "الياء"):
* أصغينا إلى محامٍ بارعٍ طوال ساعتين.
النصب:
1: المضاف والمعرف بأل: يُنصبان بفتح الآخر (أىْ حرف العلة: "الياء"):
* رأينا محامِىَ الخصم يتجه إلينا.
* رأينا المحامِىَ يدخل مسرعا.
2: النكرة:  يُنصب بفتح وتنوين الآخر (أىْ حرف العلة: "الياء"):
* ظننتُ وكيل النيابة قاضِيًا.
وهذا الإعراب "الوصفى" (بالقياس إلى حقائق اللغة العربية ذاتها) للمنقوص، ينصب بالفتح، ويجر بكسر ما قبل الآخر (مع حذف حرف العلة مع النكرة)، ويرفع بكسر ما قبل الآخر (مع حذف حرف العلة مع النكرة). وسيبدو أغرب ما فى هذا الإعراب "الظاهر" هو الرفع بالكسر بوجه خاص (بكسر ما قبل الآخر). غير أن تداخل حركات الإعراب (النصب بالكسر لجمع المؤنث السالم، والجر بالفتح للممنوع من الصرف، ومن باب أولى الرفع بالكسر بعد حرف الجر "الزائد") يدفعنا إلى قبول هذا الرفع الهامشى بالكسر (أو بكسر ما قبل الآخر) بنفس المنطق.
أما الفعل المضارع المعتل الآخر بالألف أو الواو أو الياء فينبغى القول فيه بالإعراب الظاهر بدلا من الإعراب التقديرى:
بالألف:
يَخْشَى ... ما قبل الآخر مفتوح فى الرفع.
لن يَخْشَى ... ما قبل الآخر مفتوح فى النصب.
لم يَخْشَ ... ما قبل الآخر مفتوح فى الجزم (مع حذف حرف العلة: الألف).
بالواو:
يَسْمُو ... ما قبل الآخر مضموم فى الرفع.
لن يَسْمُوَ ... الآخر مفتوح فى النصب.
لم يَسْمُ ... ما قبل الآخر مضموم فى الجزم (مع حذف حرف العلة: الواو).
بالياء:
يَرْتَقِى ... ما قبل الآخر مكسور فى الرفع.
لن يَرْتَقِىَ ... الآخر مفتوح فى النصب.
لم يَرْتَقِ ... ما قبل الآخر مكسور فى الجزم (مع حذف حرف العلة: الياء).
وباختصار صار إعراب المضارع المعتل الآخر ببقاء حركة ما قبل الآخر على حالها فى الرفع والنصب والجزم (الفتحة فى المعتل الآخر بالألف، والضمة فى المعتل الآخر بالواو، والكسرة فى المعتل الآخر بالياء) مع بقاء الآخر (الألف أو الواو أو الياء) فى الرفع، وبقاء الآخر (الألف) فى النصب، وفتح الآخر (الواو والياء) فى النصب مع المعتل الآخر بالواو والياء، وحذف الآخر (الألف أو الواو أو الياء) فى الجزم. ولا غرابة أيضا فى ملاحظة تغيُّر ما قبل الآخر فى إعراب المضارع المعتل الآخر فنحن نقبل عن طيب آخر حذف حرف العلة فى جزم الأجوف (يقولُ: لم يَقُلْ، يبيع: لم يَبِعْ) مع إسكان الآخر. وعلى هذا فإن اشتراك الرفع والنصب فى الآخر (الألف المقصورة) فى المعتل الآخر بالألف لا يمكن أن ينال من التغير فى كافة الأحوال الأخرى. ووجود أو رصد هذا التغير الحقيقى هو الإعراب الظاهر وهو الإعراب الحقيقى الوحيد أو الإعراب بالمعنى الصحيح، بعيدا عن الإعراب التقديرى للأفعال وتقدير حركات الإعراب على أواخرها.
وعلى هذا فإن الاستنتاج العام الذى نخرج به فيما يتعلق بالإعراب التقديرى هو إلغاؤه لصالح البناء فى الاسم المقصور والإضافة إلى ياء المتكلم، ولصالح الإعراب الظاهر الوصفى على أساس التغير العملى القائم فى أحوال الإعراب (بأنواعه من رفع ونصب وجر وجزم) فيما يتعلق بالاسم المنقوص، وفيما يتعلق بالفعل المعتل الآخر بالألف أو الواو أو الياء.
ركزنا فى الصفحات السابقة على نقد الإعرابين المحلى والتقديرى وعلى ضرورة إلغائهما انطلاقا من أن الإعراب الظاهر هو الإعراب الوحيد بالمعنى الصحيح فلا إعراب سواه، على أساس أن الإعراب هو تغير أواخر الكلمات وفقا لوظائفها النحوية، فهذا التغير هو الإعراب والإعراب هو هذا التغير. ولا سبيل إلى وصف عدم التغير بالإعراب (المحلى أو التقديرى) ولا إلى وصف غير المتغير بالمعرب (محليا أو تقديريا). ذلك أن هذا "التغير الظاهر" هو الذى يقوم بتمييز الوظائف والعلاقات النحوية للكلمات، على حين أنه يستحيل أن يقوم بذلك بحال من الأحوال المبنىّ أو الصيغ والتراكيب المتعددة الكلمات وما إلى ذلك. وهذا يعنى إدراك أن كلمات المعجم (والجملة بالتالى) كلمات معربة وأخرى مبنية وأن الكلمات المعربة هى مجال الإعراب الذى لا ينطبق على الكلمات المبنية، ولا على التراكيب أو الصيغ المتعددة الكلمات كالمصدر المؤول أو الجمل المسماة بالجمل التى لها محل من الإعراب، ولا على أىّ شيء آخر.
ويعنى هذا أن نقدنا للإعرابين المزعومين إنما يقوم على أنهما غريبان على اللغة العربية وعلى منطق نحوها الجمعى وعلى منطق إعرابها السليقى، وعلى أنهما من "عنديات" النحاة، فلا ينبغى الالتفات إليها، ما دام المثل الأعلى للبحث اللغوى قديما وحديثا هو الاستقراء الوصفى الموضوعى بحيث تكون اللغة ذاتها المعيار الحقيقى والمرجع النهائى لعلومها. بالإضافة إلى أن الإعراب المحلى لا جدوى منه، ولا معنى له، وينبغى إلغاؤه والتخلص منه، فهو غير مفيد فى حد ذاته، كما أنه ليس أبدا ذلك الضابط الضرورى لإعراب التوابع كما يتوهم المتوهمون.
ولست أول من يقول بإلغاء الإعراب المحلى والإعراب التقديرى فقد نادى بذلك ابن مضاء القرطبى فى الرد على النحاة، ونادى به مجمع اللغة العربية بالقاهرة ووزارة المعارف ثم التربية كما جاء فى قرارات المجمع فى 1945 قبل تراجعه عن الإلغاء "دون تعليل" وكما تجسد فى كتاب تحرير النحو العربى، كما نادى به الدكتور شوقى ضيف وهو أحد حراس النحو العربى التقليدى رغم دعاوى التجديد فهو مؤلف كتاب تجديد النحو. غير أن التراجع عن إلغاء الإعراب المحلى والإعراب التقديرى أو عدم الأخذ به بالإضافة إلى إلغائهما فى الأصل دون دحض كامل لفكرتهما يدعو إلى مزيد من النقاش.
ونلم إلماما سريعا بآراء تدعو إلى إلغاء هذين الإعرابين المزعومين ليس لأنهما مفهومين خاطئين -كما رأينا– بل من باب التيسير، وسنكتفى هنا بمناقشة لمحاولة مجمع اللغة العربة بالقاهرة ووزارة المعارف فى 1945، ونلم كذلك بسرعة بآراء تدافع عنهما بزعم أنهما مفهومان صحيحان إنْ صح استبعادهما وإلغاؤهما من الدراسة فى مستويات دنيا بعينها فلا يصح استبعادهما وإلغاؤهما من النحو العربى باعتبارهما مفهومين حقيقيين وأساسيين ومفيدين للغاية فى فهم الكلام وفى فهم الوظائف النحوية وفى ضبط التوابع على الإعراب المحلى للمتبوعات، فيما تزعم هذه الآراء، وسنكتفى هنا برأى كل من الأستاذ أمين الخولى والأستاذ عبد الكريم الرعيص.
وكانت اللجنة التى ألفتها وزارة المعارف (فى سنة 1938) للبحث فى تيسير قواعد النحو والصرف والبلاغة، فيما يتعلق بالإعرابين المحلى والتقديرى، قد اقترحت ما يلى:
ترى اللجنة وجوب الاستغناء عن الإعراب التقديرى والإعراب المحلى، فإن مثل (الفتى) يعرب بحركات مقدرة على آخره منع من ظهورها التعذر، ومثل (القاضى) تقدَّر فيه حركتا الرفع والجر ويقال منع من ظهورها (هكذا! والمقصود ظهورهما) الثقل ومثل (غلامى) تقدر فيه الحركات الثلاث ويقال منع من ظهورها حركة المناسبة، وفى تقدير الحركات وفى الإشارة إلى سبب التقدير مشقة يكلفها التلميذ من غير فائدة يجنيها فى ضبط كلمة أو فى تصحيح إعراب. كذلك الإعراب المحلى فمثل (هذا هدى) -هذا– مبنى على السكون فى محل رفع، ومثل (يا هذا) -هذا– مبنى على ضم مقدر منع منه سكون البناء الأصلى فى محل نصب، وكذلك (يا سيبويه) مبنى على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأصلى فى محل نصب، وهذا عناء مضاعف وجهد يبذل لغير شيء. واللجنة ترى أن يُستغنى عن الإعراب التقديرى والإعراب المحلى فى المفردات وفى الجمل، ويوفر على التلميذ والمعلم والعلم هذا العناء[xxi].
وينص القرار (4) من قرارات مؤتمر المجمع (الدورة الحادية عشرة) على ما يلى:
يُستغنى عن الصيغ المألوفة فى إعراب المبنيات، وفى إعراب الاسم الذى تقدَّر عليه الحركات فيقال فى إعراب "مَنْ" فى قولك "جاء مَنْ أكرمنى" مَنْ اسم موصول مبنى مسند إليه محله الرفع.
وفى نحو "جاء الفتى والقاضى" اسمان مسند إليهما محلهما الرفع[xxii].
وينص القرار (6) على ما يلى:
يُقتصر على ألقاب الإعراب ولا يكلف الناشئ ببيان حركة المبنى أو سكونه، سواء أكان له محل أم لم يكن، اكتفاء بأن المبنى يلزم آخره حالة واحدة، ولا يكلف الطالب عند تحليل جملة بها كلمة مبنية ذات محل إلا أن يقول إنها مبنية وإن محلها كذا...[xxiii].
ومما جاء فى القرار (9) ما يلى:
ضمائر الرفع المتصلة بارزة أو مستترة مثل:...... كلها لا محل لاعتبارها ضمائر عند الإعراب وإنما هى فى الضمائر البارزة حروف دالة على المسند إليه أو عدده. أما الضمائر المستترة وجوبا أو جوازا فمصروف عنها النظر[xxiv].
وكانت لجنة وزارة المعارف قد اقترحت اعتبار ضمائر الرفع البارزة المتصلة علامات وعللت ذلك بقولها:
وتأخذ اللجنة فى ذلك برأى الإمام المازنى القائل إنها علامات لا ضمائر[xxv].
ونقرأ فى كتاب تحرير النحو العربى ما يلى:
وقد يكون فى الجملة كلمات لا ينال آخرها تغيير فيكتفى ببيان وظيفتها وصلتها بما معها من الكلمات، ولا يزاد على ذلك فى إعرابها، بل يكتفى بهذا التحليل. أمّا الكلمات التى يتغير آخرها فلابد بعد تحليل الجملة، وبيان وظيفة كل كلمة فيها من أن نبين الحكم الإعرابى للكلمة وما ينبغى أن يضبط به آخرها.
فأمامنا فى إعراب كل جملة خطوتان:
الأولى: أن نحلل الجملة، لنتبين صلة كل كلمة بما معها، ووظيفتها فى الجملة.
الثانية: أن نتبين حكم كل كلمة ينال آخرها تغيير ينبنى على ما فهمنا من تحليل الجملة، وصلة الكلمة بما معها.
وواضح أن الكلمات التى لا ينالها تغيير يكفى فى إعرابها بيان وظيفتها، وصلتها معها، ولا يُتَكَلَّف لها إعراب لا ينطق به، ولا تظهر فى الكلام صورة له[xxvi].
ونقرأ فى هامش المصدر نفسه ما يلى:
يراد بهذا الإعراض عما يُتَكَلَّف له من الإعراب التقديرى والمحلى[xxvii].
وبطبيعة الحال فهذه قرارات تاريخية وتطبيقات ممتازة تحسب لمجمع اللغة العربية بالقاهرة ولوزارة المعارف (ثم التربية) المصرية، رغم تراجع المجمع عنها فى وقت لاحق. ويروى الدكتور شوقى ضيف فى كتابه تجديد النحو أن المجمع:
عاد فى سنة 1979 فرأى الإبقاء على الإعرابين التقديرى والمحلى فى المفردات والجمل دون تعليل[xxviii].
وما كان لتراجع أواخر السبعينات أن يكون بهذه السهولة ("دون تعليل") لو أن موقف منتصف الأربعينات كان مبنيا على أساس واضح متين من البحث والتعليل العميقين. ويذكر تقرير لجنة وزارة المعارف سببين لاقتراح إلغاء الإعراب المحلى والتقديرى هما ما يترتب عليهما من "المشقة" و"العناء المضاعف" و"الجهد" من جانب، وكونهما "من غير فائدة يجنيها [التلميذ] فى ضبط كلمة أو تصحيح إعراب" وكون هذا العناء بالتالى "لغير شيء" من الجانب الآخر.
ويتصل الجانب الأول باتجاه تيسير النحو العربى أما الجانب الآخر -وهو الأهم فى نظرى- فيتصل باتجاه تصحيح وتطوير النحو العربى. والحكم الذى يتضمنه هذا الموقف لتيسير النحو يتلخص فى أن الإعراب المحلى والإعراب التقديرى عبث لا طائل تحته. ورغم الإيجاز المتوقع فى مثل هذا التقرير، وحتى فى حدود الكلمات الواردة فيه بشأن هذين "الإعرابين"، كان ينبغى أن يعمد التقرير إلى التخطئة المباشرة للنحاة فى اختراعهم هذين الإعرابين المزعومين وأن يوجز أقوى حجج هذه التخطئة. وكان من شأن هذا أن يحول دون الاضطراب الملحوظ فى قرارات المجمع فى 1945 بهذا الصدد ودون تراجع المجمع عنها فى 1979 "دون تعليل".
ويكفى لإيضاح هذا الاضطراب أن نشير إلى أن القرار (4) الذى يعلن الاستغناء عن إعراب المبنيات والإعراب التقديرى يقرر فى الوقت نفسه أن إعراب المبنى أو الاسم المقصور والمنقوص يقتضى الإشارة إلى محله من الإعراب (يشير التقرير إلى المسند إليه الذى جاء مبنيا مرة واسما مقصورا مرة أخرى واسما منقوصا مرة ثالثة) على أن محله الرفع فى كل هذه الحالات. ولا شك فى أن هذا "تراجع" كبير فورى عن القرار فى لحظة اتخاذه، فيكون ما تم التخلص منه بكل وضوح هو فى المحل الأول تلك الصيغ المعقدة المألوفة فى الإعراب المحلى وفى كل إعراب على كل حال.
أما صرف النظر عن الضمائر المستترة واعتبار ضمائر الرفع البارزة المتصلة "حروفا دالة على نوع المسند إليه أو عدده"، كما جاء فى القرار رقم (9)، فإنهما يعنيان التخلص من باب واسع للإعراب المحلى المتصل بإعراب ما يسمى بالخبر الجملة الفعلية (من الفعل والفاعل الضمير المستتر أو ضمير الرفع البارز المتصل) فى محل رفع.
ومن المؤسف أن يفتح أحد هذا الباب من جديد لأن إغلاقه "بالضبة والمفتاح"، كما يقال، يعنى (أو ينبغى أن يعنى) أشياء عديدة فى آن معا: إلغاء إعراب المسند (الخبر) من حيث هو كذلك، إحلال مفهوم المسند إليه محل المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل واسم كان وأخواتها إلخ، فلا نحتاج إلى البحث عن فاعل بعد الفعل التالى للمسند إليه فى صورة الضمير المستتر أو فى صورة ضمير الرفع البارز المتصل، باعتبار ما يسمى بضمائر الرفع البارزة المتصلة نهايات تصريف للأفعال مع الضمائر.
ووفقا لقرار المجمع فى سنة 1979 عاد الإعراب التقديرى فالاسم الفاعل المنقوص مثلا مرفوع بضمة مقدرة، وعاد الإعراب المحلى فى المفردات فالمبتدأ المبنى مثلا محله الرفع، والفعل بعد المبتدأ (مع فاعله المستتر أو البارز المتصل) خبر جملة فعلية[xxix]. أما الدكتور شوقى ضيف نفسه فقد رأى فى الكتاب –كما يقول– أن يعمم "بين الإعرابين التقديرى والمحلى مكتفيا فى المفردات ببيان أن الكلمة محلها الرفع سواء كانت معربة أو مبنية"... "وبذلك يُعممَّ فى المفردات اصطلاح واحد". أما الجمل فقد عمم فيها "أن تُعَيَّن وظيفتها وأنها خبر أو نعت مثلا دون ذكر محلها من الإعراب"[xxx]. ولكننا نقرأ فى إحدى الصفحات الأخيرة من الكتاب عن جملتىْ خبر "محلهما الرفع"[xxxi].
وعلى كل حال فإن إلغاء ما يسمى بإعراب الجمل تقدم كبير، غير أن الاحتفاظ بالإعراب المحلى للكلمة المعربة والمبنية وبالإعراب التقديرى أمر لا مبرر له، فهو تقليص للتيسير من ناحية، واحتفاظ بقاعدة خاطئة من ناحية أخرى. وتبقى صيغة خطوتىْ "إعراب" الجملة؛ الأولى: نحويا لتحليل الوظائف، والثانية: إعرابيا (لإعراب المعرب وحده)، كما رأينا فى كتاب تحرير النحو العربى منذ قليل، رغم التراجع عنها لاحقا، موقفا متقدما مع التحفظ على فكرة أن تحليل الوظائف النحوية إعراب وأن بيان وظيفة الكلمة المبنية إعراب لها.
ويعلق الأستاذ أمين الخولى على اقتراح لجنة وزارة المعارف "وجوب إلغاء الإعراب التقديرى والإعراب المحلى" قائلا:
 وما التيسير فى هذا؟! إن الكلمات التى فيها هذا الإعراب، من المقصور والمنقوص، والمضاف لياء المتكلم، والمبنيات ليست مصدر الصعوبة على القارئ أو المتكلم، لعدم تغير الحركات عليها باختلاف مواضعها، بل ليت اللغة كانت كلها من هذا الصنف، إذن لزالت الصعوبة الأساسية[xxxii].
ولا ينبغى أن يفهم أحد من هذا التمنى الأخير أن الأستاذ أمين الخولى يتمنى إسقاط الإعراب فهذا ما لا تؤيده أفكاره المباشرة. ويضيف:
ثم إن بيان هذا الإعراب التقديرى والمحلى، بقدر ما يعرف متعلم العربية أجزاء الجملة، لا بد منه لفهم المعنى، كما أنه لا بد من معرفة موقع الإعراب للكلمة التى لم تظهر عليها الحركة ليمكن ضبط تابعها بعدها، فمن يقول: جاء الفتى، لا بد له أن يعرف موضع الفتى من الإعراب ليقال بعد ذلك: الأبيض أو الطويل إلخ.. ودع عنك فوق هذا ما لا بد منه فى فهم معنى بناء الكلمة، من معرفة أنها وقعت فى موضع تغيير الآخر بكذا ولم تتغير. فكل الذى يمكن الاستغناء عنه هو الأخذ بالرواسيم والصيغ المتحجرة، فى بيان هذا الإعراب التقديرى والمحلى، وتلك مسألة شكلية يكفى فيها أيسر لفت للمعلمين!![xxxiii].
أما الأستاذ عبد الكريم الرعيص فيعلق على قرار الاستغناء عن الإعراب التقديرى والمحلى بقوله:
والاستغناء عن هذه الصيغ الدقيقة قد يكون مقبولا فى المراحل الأولى من التعليم ولكن لا ينبغى إهمالها بعد ذلك لما يترتب عليه من نقص وقصور حيث إن هذه الكلمات تقع فى مواقع مختلفة من الإعراب فقد تكون فاعلة أو مفعولة أو مضافا إليها والطالب يعرف حكم هذه الحالات، فماذا نقول له؟ أنقول إنها لا يظهر عليها الإعراب أو هكذا خلقت؟ أم نقرن الحكم بسببه فنبين المحل الإعرابى حتى ينجرّ على هذه الكلمات حكم أشباهها من جهة، وحتى نعرف حكم تابعها من نعت وعطف وتوكيد وبدل من جهة أخرى. ولذلك كان من تعديلات المجمع لهذه الخطة النصُّ على الإعراب المحلى لهذه الأشياء وقصر التيسير على إلغاء الصيغة المتضمنة لأسباب عدم ظهور الإعراب[xxxiv].
وأعتقد أن ما تقدم من أن الإعراب المحلى (للمفردات المبنية أو التراكيب وما إلى ذلك) مستحيل أصلا ولا معنى له فى حد ذاته، ومن أن الإعراب المحلى للمتبوع غير المعرب لا يفيد فى إعراب التابع المعرب، يغنينا عن التعليق على هذا الموقف من تأييد الإعرابين المحلى والتقديرى ورفض إلغائهما، وهو الموقف الذى جمع بين كل من الأستاذ أمين الخولى، المؤمن بالإصلاح والتجديد والتيسير، والأستاذ عبد الكريم الرعيص، الذى يبدو مناهضا لكل إصلاح أو تجديد أو تيسير، رغم موقعيهما المتناقضين من حيث المبدأ.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14
وقفة عند من ينكرون الإعراب
كأصل من أصول اللغة العربية
 
يخصص الدكتور إبراهيم أنيس الفصل الثالث من كتابه القيم "من أسرار اللغة" لمسألة الإعراب. ويحمل هذا الفصل عنوان "قصة الإعراب" حيث يسلط المؤلف على مسألة الإعراب نوعا من الشك "الديكارتى” يذكرنا بكتاب أستاذه الدكتور طه حسين "فى الشعر الجاهلى" الذى سلط شكه الديكارتى على الشعر الجاهلى، منتهيا إلى نظريته الشهيرة عن "الانتحال" ذلك أن "انتحال" الإعراب هو ما نجده عند الدكتور إبراهيم أنيس، هذا الإعراب الذى ينكر الأستاذ إبراهيم مصطفى فى كتابه الشهير "إحياء النحو" وظيفته النحوية فيما يتعلق بما يسمى بمنصوبات الأسماء، كما ينكر قطرب تلميذ سيبويه وصاحب كتاب "إعراب القرآن" كل وظيفة نحوية له ويفسره تفسيرا صوتيا خالصا.
وقبل أن نُلِمَّ برأى قطرب، لننتقل بعد ذلك إلى تلك الدراسة المتبحرة التى يحتشد لها الدكتور إبراهيم أنيس بحجج كثيرة متنوعة ضد الإعراب كأصل من أصول اللغة العربية، نحاول أولا الإلمام بأطراف من وجهة نظر تنطوى على قبول الإعراب فى الرفع والجرّ وإنكاره فى النصب وهى وجهة نظر تكتسب أهميتها الكبيرة من مكانة صاحبها الأستاذ إبراهيم مصطفى، هذا المؤلف النحوى الذى لعب دورا بالغ الأهمية فى محاولات تجديد النحو وفى مقدمة تلك المحاولات محاولة مجمع اللغة العربية بالقاهرة فى دورته الحادية عشرة (1945) بالاشتراك مع وزارة المعارف المصرية.
ويطرح الأستاذ إبراهيم مصطفى وجهة نظره بوضوح تام، منذ البداية، منذ مقدمة الكتاب، مشيرا إلى أنه بحث عن معانى هذه العلامات الإعرابية، وإلى أن الله هداه إلى "شيء يراه قريبا واضحا"[xxxv] يلخصه فيما يلى:
الرفع (الضمة): "(1) إن الرفع عَلم الإسناد، ودليل أن الكلمة يُتحدَّث عنها"[xxxvi]. ... "فأما الضمة فإنها عَلم الإسناد، ودليل على أن الكلمة المرفوعة يراد أن يسند إليها ويُتحدَّث عنها"[xxxvii].
الجر (الكسرة): "(2) إن الجر عَلم الإضافة سواء أكانت بحرف أم بغير حرف"[xxxviii]. … "وأما الكسرة فإنها عَلم الإضافة، إشارة إلى ارتباط الكلمة بما قبلها"[xxxix].
التنوين: ويشير إلى نظرته إلى التنوين على أنه عَلم التنكير[xl].
الفتحة: "(3) إن الفتحة ليست بعَلم على إعراب، ولكنها الحركة الخفيفة المستحبة، التى يحب العرب أن يختموا بها كلماتهم ما لم يلفتهم عنها لافت؛ فهى بمنزلة السكون فى لغتنا الدارجة"[xli]. … "أما الفتحة فليست علامة إعراب ولا دالة على شيء"[xlii].
ويضيف: "(4) إن علامات الإعراب فى الاسم لا تخرج عن هذا إلا فى بناء، أو نوع من الاتباع، وقد بيناه أيضا. فهذا جماع أحكام الإعراب"[xliii].
والخلاصة: "فللإعراب الضمة والكسرة فقط، وليستا بقية من مقطع، ولا أثرًا لعامل من اللفظ، بل هما من عمل المتكلم ليدلَّ بهما على معنى فى تأليف الجملة ونظم الكلام"[xliv].
وينطوى هذا الرأى بطبيعة الحال على ازدواج بين الإعراب للضمة والكسرة والتفسير الصوتى الخالص للفتحة وهو تفسير يستبعد كل تفسير آخر يقوم على المخالفة فى الوظيفة النحوية. غير أنه ينطوى أيضا على فكرة تتعلق بنظرية العوامل، أىْ بنظرية أسباب الضمة والكسرة كما يفترض موقف الأستاذ إبراهيم مصطفى. وأعتقد أن الحماس البالغ ضد هذه النظرية رفضا لتعقيداتها وتفريعاتها هو الذى يقود هنا إلى إنكار أىّ أثر لعامل من اللفظ بحجة أن الضمة والكسرة إنما هما من عمل المتكلم كما قال، وكأن المتكلم قد اختار اللفظة المرفوعة بالضمة أو المجرورة بالكسرة وحدهما فلم يختر بقية ألفاظ الجملة، وحتى إذا قلنا إنه اختار كل الألفاظ فإنما يعنى هذا أنه اختارها بكل آثارها الإعرابية المطردة. على أننا لا نناقش هنا نظرية العوامل وإنما نتحدث عن إنكار الإعراب كأصل من أصول اللغة العربية.
وإذا كان الأستاذ إبراهيم مصطفى يؤيد إعراب المرفوع والمجرور أو المضموم والمكسور، وينكر إعراب الفتحة، فإن قطْرُب (وهو الإمام محمد بن المستنير، البصرى المولد والنشأة، وتلميذ سيبويه الذى قيل إنه سماه ""قطْرُبًا" على اسم دويِّبة اسمها القطرب تدبّ ولا تفتر؛ وله كتاب فى إعراب القرآن)[xlv]، لا ينكر لفظة الإعراب بل ينكر معناها فى تمييز الوظائف النحوية، ونقتبس منه هذا النص الطويل لمعرفة أبعاد نظريته الصوتية البحتة عن الإعراب:
لم يُعْرَب الكلام للدلالة على المعانى والفرق بين بعضها وبعض، لأنا نجد فى كلامهم أسماء متفقة فى الإعراب مختلفة المعانى وأسماء مختلفة فى الإعراب متفقة المعانى، فمما اتفق إعرابه واختلف معناه قولك إن زيدا أخوك، ولعل زيدا أخوك، وكأن زيدا أخوك، اتفق إعرابه واختلف معناه. ومما اختلف إعرابه واتفق معناه قولك: ما زيد قائما (أىْ فى لغة الحجازين) وما زيد قائم (أى فى لغة بنى تميم) اختلف إعرابه واتفق معناه. ومثله ما رأيته منذ يومين ومنذ يومان ولا مالَ عندك ولا مالٌ عندك، وما فى الدار أحد إلا زيد وما فى الدار أحد إلا زيدا. ومثله إن القومَ كلَّهم ذاهبون وإن القوم كلُّهم ذاهبون، ومثله (إن الأمر كلَّه لله) و (إن الأمر كلُّه لله) قرئ بالوجهين جميعا، ومثله ليس زيد بجبان ولا بخيل، وليس زيد بجبان ولا بخيلا. ومثل هذا كثير جدا مما اتفق إعرابه واختلف معناه، ومما اختلف إعرابه واتفق معناه. فلو كان الإعراب إنما دخل الكلام للفرق بين المعانى لوجب أن يكون لكل معنى إعراب يدل عليه لا يزول إلا بزواله. وإنما أعربت العرب كلامها لأن الاسم فى حال الوقف يلزمه السكون للوقف، فلو جعلوا وصله بالسكون أيضا لكان يلزمه الإسكان فى الوقف والوصل وكانوا يبطئون عند الإدراج، فلما وصلوا وأمكنهم التحريك جعلوا التحريك معاقبا للإسكان ليعتدل الكلام، ألا تراهم بنوا كلامهم على متحرك وساكن ومتحركين وساكن، ولم يجمعوا بين ساكنين فى حشو الكلمة ولا فى حشو بيت ولا بين أربعة أحرف متحركة، لأنهم فى إجماع الساكنين يبطئون وفى كثرة الحروف المتحركة يستعجلون وتذهب المهلة فى كلامهم، فجعلوا الحركة عقب الإسكان. وقيل له: فهلا لزموا حركة واحدة؟ فقال: لو فعلوا ذلك لضيقوا على أنفسهم، فأرادوا الاتساع فى الحركات وأن لا يحظروا على المتكلم الكلام إلا بحركة واحدة[xlvi].
ويضيف الدكتور شوقى ضيف أن قطرب: "على نحو ما علل لاختلاف حركات الإعراب بالاتساع فى الكلام علل لظاهرة الترادف فى نفس اللغة بنفس العلة، إذ يقول"[xlvii]:
إنما أوقعت العرب اللفظتين على المعنى الواحد ليدلوا على اتساعهم فى كلامهم، كما زاحفوا فى أجزاء فى الشعر ليدلوا على أن الكلام واسع عندهم وأن مذاهبه لا تضيق عليهم عند الخطاب والإطالة والإطناب[xlviii].
 وكما يقول الدكتور شوقى ضيف فقد كان رأى قطرب:
أن حركات الإعراب المسماة بالرفع والنصب والجر والجزم هى نفسها حركات البناء المسماة بالضم والفتح والكسر والوقف أو السكون، ولا بأس من إطلاق كل منها على مقابلها فى الحالتين، فيقال للرفع فى الكلمات المعربة الضم، ويقال للضم فى الكلمات المبنية الرفع، وهلم جرا[xlix].
ويمكننا الآن أن ننتقل مباشرة إلى مناقشة وجهات نظر الدكتور إبراهيم أنيس.
ونلتقى بوجهة نظره لأول مرة، فى كتابه القيم "فى اللهجات العربية"، حيث يقول: 
فالإعراب كما نعرفه لم يكن إلا مسألة مواضعة بين الخاصة من العرب، ثم بين النحاة من بعدهم، ولم يكن مظهرا من مظاهر السليقة اللغوية بين عامة العرب[l].           
ومن الجلى أن هذه النظرة قد تم استنتاجها بصورة مباشرة من ظاهرة اللحن الإعرابى، ويقول الدكتور إبراهيم أنيس:
ولا يعقل أن صاحب السليقة اللغوية يخطئ إلا إذا كان ينطق بلغة خاصة يتمسك فيها بقواعد وأصول لا تراعَى فى حياته العادية حين ينطلق على سجيته[li].
وقد سبق لى أن أوضحتُ، فى مقال بعنوان "ظاهرة الازدواج اللغوى فى العالم العربى"، أن هذا الازدواج اللغوى بين اللغة العربية بالإعراب واللغة العربية بإسقاط الإعراب يمكن تفسيره بصورة مناقضة لتفسير الدكتور إبراهيم أنيس:
والفكرة التى ينطوى عليها الاستشهاد الأخير فكرة صحيحة فى حد ذاتها، فظاهرة اللحن تعنى وجود لغتين، لكنها لا تعنى بالضرورة أن إحداهما تمثل السليقة الأصلية وأن الأخرى تمثل الاصطناع الأدبى لدى الخاصة، بل يمكن تفسيرها تفسيرا معاكسا يتمثل فى إرجاع عدم التمكن من لغة الإعراب ليس إلى كونها لغة جديدة أو مصطنعة أو أدبية وبالتالى لا تمثل السليقة الأصلية بل إلى أن لغة الإعراب كانت هى السليقة الأصلية ثم أخذ الإعراب يسقط فى لغة الكلام لدى هذه الجماعة، وكان التطور المنطقى لهذه الظاهرة أن يسقط الإعراب من اللغة العربية جميعا وأن تسود لغة إسقاط الإعراب[lii]. 
 ولأن الدكتور إبراهيم أنيس يجعل لغة الإعراب لغة خاصة العرب، ولغة السليقة الخالية من الإعراب لغة عامة العرب، فقد استشعرت أنه ينطلق من تصور مؤداه أن "تعقيد" الإعراب يجعله مستعصيا على العامة:
ويبدو أن الدكتور إبراهيم أنيس تصوَّر أن تعقيد الإعراب يجعله مستعصيا على عامة الناس فلم ينتبه لذلك إلى واقع أن شعوبا كثيرة استخدمت فى الماضى أو لا تزال تستخدم وبسهولة فطرية لغات إعرابية بالغة التعقيد، وأن لغات الإعراب نجدها كلما عدنا إلى الوراء، وأنه رغم أن اللغات يمكن أن تتخلى فى مرحلة من مراحل التطور عن الإعراب بكل تعقيد حالاته ومورفيماته ليحل محله نسق نحوى أبسط هو نسق تقييد ترتيب الكلمات فى الجملة إلا أن هذا الاقتصاد اللغوى إنما تتعلمه الشعوب واللغات بعد أن تخوض تجربة تاريخية طويلة مع لغة الإعراب بوصفها نقطة الانطلاق، رغم كل هذا التعقيد الذى قد يبدو مستعصيا على الاستيعاب بينما يتعامل معه أصحاب السليقة بكل سهولة، ومن يدرى فربما جاء الإعراب ذاته تتويجا لمسار اقتصاد لغوى سابق طويل انطلاقا من أنظمة لغوية سابقة أكثر تعقيدا بكثير[liii].
على أن الدحض المسهب للإعراب إنما يقدمه الدكتور أنيس، كما سبق القول، فى كتابه "من أسرار اللغة" (الفصل الثلث: من ص 198 إلى ص 274).
ويقوده إحساسه غير المبرر بتعقيد الإعراب واستعصائه بالتالى على "العامة" إلى الشك فى أنه كان سليقة لديهم فى يوم من الأيام. وينطلق من هذا بقوة لا تقاوم إلى تصور غريب مؤداه أن الإعراب من صنع خاصة العرب ونحاتهم، ونجده بالتالى يصور لنا "مؤامرة" كاملة قام بها النحاة لينقلبوا إلى كهنة علم سرى يضمن لهم السيطرة الاستبدادية على اللغة والأدب والثقافة.
وقدم لنا الدكتور إبراهيم أنيس مؤامرة النحاة تحت عنوان "قصة الإعراب" على النحو التالى:
ما أروعها قصة! لقد استمدت خيوطها من ظواهر لغوية متناثرة بين قبائل الجزيرة العربية، ثم حيكت وتم نسجها حياكة محكمة فى أواخر القرن الأول الهجرى أو أوائل الثانى، على يد قوم من صناع الكلام نشأوا معظم حياتهم فى البيئة العراقية. ثم لم يكد ينتهى القرن الثانى الهجرى حتى أصبح الإعراب حصنا منيعا، امتنع حتى على الكتاب والخطباء والشعراء من فصحاء العربية، وشق اقتحامه إلا على قوم سموا فيما بعد بالنحاة[liv].
ورغم حقيقة أن الإعراب ليس سوى أداة مهمة من أدوات النحو، ورغم الخلط الذى ظل يميز النحو العربى إلى يومنا هذا بين النحو والإعراب، لا يمكن لمنصف إلا أن يرى أن الإنتاج النحوى العربى على مرّ القرون لم يقتصر على الإعراب بل كانت المفاهيم النحوية مثل المبتدأ والخبر والفعل والفاعل والمفعول والظرف وما أشبه هى القضايا النحوية-الإعرابية المطروحة دوما رغم ضمور النحو لحساب الإعراب. ومن هنا فلا عجب فى أن ينشأ علم من أهم العلوم اللغوية هو النحو العربى، ولا مجال للشك فى أن كل لغة من لغات البشرية قد فعلت نفس الشئ بوجه عام، أىْ تطوير علم نحوى بالغ التعقيد.
ولو فكر هذا الناقد العلامة للنحو العربى والإعراب العربى جيدا فى أن "العامة" إنما تتمثل قسمتُهم فى النحو والإعراب السليقيَّيْن، الجمعيَّيْن، وليس فى نحو النحاة وإعراب أهل صناعة الإعراب، لأدرك أن التعقيد المفزع الذى يشكو منه فى "الإعراب" يخص النحو الوضعى، أىْ نحو النحاة، فلا صلة له بـ "العامة" الذين تتمثل قسمتُهم فى سهولة السليقة وليس فى صعوبة البحث العلمى فى النحو أو فى غيره.
والغريب أنه لم يلتفت إلى حقيقة أن وجود الإعراب فى مراحل سابقة أو راهنة للغات أخرى، بكل تعقيداته كما قد يبدو لنا بعد إسقاط الإعراب والانتقال إلى نظام آخر مختلف، إنما يعنى أن "العامة" من شعوب اللغات الأخرى، تماما مثل "الخاصة" بينهم، تستوعب بسهولة سليقية "فطرية"، كل التعقيدات من وجهة نظر مرحلة لغوية مختلفة.
ومن الجلى أن "العامة" و "الخاصة" فى لغات لا حصر لها عاشوا بلغات الإعراب قبل الانتقال إلى لغات إسقاط الإعراب فى مراحل لاحقة، فضلا عن "العامة" و "الخاصة" فى شعوب كثيرة ما تزال تعيش بلغات الإعراب.
غير أن الدكتور أنيس الذى احتشد لدحض الإعراب كأصل من أصول اللغة العربية كان قد اتخذ قراره، ومن هنا فإنه لم يعرض لمشكلة من مشكلات هذه "الظاهرة" إلا وابتعد عن التناول الموضوعى، متخذا من نظرته إلى هذه المشكلة دليلا جديدا يسهم فى دحض الإعراب.
وهذا ما نجده فى هذا الكتاب أيضا بصدد اللحن الإعرابى، إذ يؤكد أننا إذا سلمنا بروايات اللحن باعتباره الخطأ الإعرابى فإنه:
لا مناص لنا من أن نعد ظاهرة الإعراب من الظواهر التى لا يمكن أن تمت للسليقة اللغوية بصلة، وذلك لأن صاحب اللغة الذى يتكلمها بالسليقة يستحيل عليه الخطأ[lv].    
ويقفز من هذا إلى تأكيد نفى الإعراب كأصل فى الكلام العربى:
وعلى هذا يمكننا أن نتصور أن ظاهرة الإعراب لم تكن ظاهرة سليقة فى متناول العرب جميعا كما يقول النحاة، بل كانت كما قلت فى كتاب اللهجات العربية صفة من صفات اللغة النموذجية الأدبية، ولم تكن من معالم الكلام العربى فى أحاديث الناس ولهجات خطابهم[lvi].
فليس لدى الدكتور سوى تفسير واحد وحيد للحن الإعرابى، وهو أنه يدل على أن الكلام العربى كان خاليا من الإعراب وإلا لما أخطأ "خاصة الخاصة" فى الإعراب. وسيكون هذا الاستنتاج غير المبرر تمهيدا مباشرا لتأصيل أكثر اندفاعا هو أن الأصل فى الكلام العربى كان إسكان أواخر الكلمات، وأن تحريكها بالضمة والفتحة والكسرة إنما يأتى لضرورة صوتية يتطلبها الوصل، كما سنرى بعد قليل.
وقد أوضحنا أن التفسير المعاكس للحن الإعرابى منطقى وتاريخى. فإذا كان الإعراب هو الأصل فى الكلام العربى ("فى مرحلة نقصد بها هنا عصر الرواية والاحتجاج وما قبل ذلك بطبيعة الحال") فإن التطور المنتمى إلى الاقتصاد اللغوى والمتمثل فى ترتيب الكلمات (الوظائف النحوية) فى الجملة كأساس للتمييز بين الفاعلية والمفعولية بدلا من علامات الإعراب، كان قد أدى إلى نوع من الازدواج النحوى بين الإعراب وإسقاط الإعراب، وكلما تأكد اتجاه إسقاط الإعراب فى الكلام إلى السيطرة فى الأمصار أولا ثم فى البادية كان من المنطقى أن تتراجع سليقة الإعراب على مرّ الزمن وأن تؤدى إلى اللحن الإعرابى الذى يغدو ظاهرة لا مناص منها على طريق إسقاط الإعراب.
وتحت عنوان "هل للإعراب آثار باقية؟" يجد الدكتور أنيس أن اللغات الساميّة خالية من الإعراب، أو خالية من آثاره، أو تحتوى على الضئيل من تلك الآثار[lvii]. ويرى أن المستشرقين فى بحثهم عن الإعراب فى اللغات السامية كانوا متأثرين بالإعراب الهند-أوروپى الذى "كان شائعا فى لغاتهم القديمة كاليونانية واللاتينية"، هذا الإعراب الذى "فُقد من بعض اللغات الأوروپية الحديثة كالإنجليزية والفرنسية، فتصوروا أن ما حدث فى التطور التاريخى للفصيلة الهندية-الأوروپية، قد تم مثله فى الفصيلة الساميّة"[lviii]، ويرى أنهم يعتبرون "لغتنا العربية، نموذجا لأقدم صورة كانت عليها شقيقاتها الأخرى، ويفترضون أن العربية قد انعزلت فى جزيرة العرب فاحتفظت أكثر من غيرها بظواهر ساميّة قديمة"[lix].
ولعل المستشرقين حين شاهدوا الإعراب فى اللغة العربية وخلوّ اللغات الأخرى منه، قد خضعوا لمبدئهم العام من أن العربية قد احتفظت بظواهر لغوية قديمة أكثر من غيرها، وظنوا الإعراب من بين تلك الظواهر التى ربما تعود إلى السامية الأولى. ولذا نجدهم يجهدون أنفسهم وقرائحهم فى تلمس آثار ظاهرة الإعراب فى اللغات السامية الأخرى. ثم حدثونا عن تلك الآثار بما لمسناه آنفا من آراء لا تكاد تطمئن إليها نفس الباحث المنصف[lx].
ويصل بنا على هذا النحو إلى أنه لا دليل على أن الإعراب كان قائما فى اللغات السامية، ويضيف إلى هذا حجة فقدان الإعراب فى اللهجات العربية الحديثة فيقول:
كيف اختصت اللغة العربية بهذا الإعراب؟ وكيف فقدته كل لهجاتها الحديثة التى ليست إلا طورا لها؟ كيف نتصور أن لهجات الكلام فى كل البيئات العربية، فى العراق وفى الشام وفى مصر وبلاد المغرب وفى اليمن، بل وفى البيئة الحجازية، مهد الوحى وحيث نزل القرآن الكريم وهو خير كتاب بالعربية أخرج للناس، أقول كيف نتصور أن ظاهرة الإعراب لا تترك فى كل هذه البيئات أثرا، ولا تخلف فيها ما يوحى بأن الإعراب كان شائعا على ألسنة الناس فى العصور الإسلامية الأولى كما يحاول الرواة أن يُفهمونا[lxi].
ويخترع الدكتور أنيس "قاعدة لا أساس لها" مؤداها أن لغة الإعراب تترك فى لغة إسقاط الإعراب آثارا بالضرورة، بدلا من أن يدرك أننا إزاء إسقاط الإعراب أىْ الانتقال من الإعراب إلى بديله. وهو يدرك جيدا أن لغات إعراب أخرى كالچرمانية واليونانية واللاتينية لم تترك آثارا فى لغات إسقاط الإعراب كالإنجليزية والفرنسية، فلماذا العناد فى تطبيق هذه القاعدة العامة فى تطور اللغات على اللغة العربية التى لم تترك آثارا فى اللهجات العربية الحديثة التى تطورت عنها؟
غير أن العنوان التالى هو "بين إعرابنا وإعراب اللاتينية" (ضمن هذه العناوين الفرعية فى الفصل الثالث)، أىْ أننا إزاء اندفاع جديد نحو إلغاء ما هو مشترك بصورة جوهرية بين إعرابهم وإعرابنا وكل إعراب. ففى فصل صغير مبتسر من ثلاث صفحات (217-219) يشير إلى خطأ عقد المقارنة بين الحالات الإعرابية ("أىْ التى يفترضها النحاة") فى لغتنا ونهايات الأسماء اللاتينية بحالاتها الست: الفاعلية، النداء، المفعولية، الملكية أو الإضافة، المفعولية غير المباشرة، الآلية[lxii]. غير "أننا نعرف أيضا" أن الإعراب اللاتينى يختلف لأنه ليس "كل فاعل مرفوع" وليس "كل مفعول منصوب"، إلخ. "لأن الرمز الواحد فى اللاتينية قد يرمز للفاعلية والمفعولية" كما هو الحال مع الأسماء المحايدة[lxiii]. وينتهى إلى ما يلى:
وهكذا نرى أن دلالة تلك المقاطع فى الأسماء اللاتينية لا تعدو أن تكون دلالة لغوية محضة syntactic، فلا تمت لمنطق عقلى أو دلالة عقلية[....]. كما نرى أن نظام تلك الحالات فى لغات الفصيلة الهندية-الأوروبية نظام معقد ذو اتجاه خاص، ولا يصح أن نقارن به نظامنا العربى[lxiv].
والحاصل:
ولعل أهم فرق بين رموز الأسماء اللاتينية وبين حركاتنا الإعرابية، أن الرموز اللاتينية لا تسقط مطلقا من نهاية الأسماء حين الوقف عليها كما حدث غالبا للحركات الإعرابية فى لغتنا، مما يجعلنا نرجح أن حركاتنا الإعرابية ليست رموزا لغوية تشير إلى الفاعلية أو المفعولية وغير ذلك، كما يظن النحاة[lxv].
ومن الجلى أن هذا الابتسار البالغ، المقدم هنا وكأنه مقارنة بين الإعرابين العربى واللاتينى تلغى المشترك الجوهرى بينهما، لا يقدم ولا يؤخر، ولا نفهم منه إلا أن المؤلف كان شديد الرغبة فى دحض الإعراب العربى بكل حجة ممكنة.
لكن يبدو أن العنوان الفرعى التالى "مفتاح السر ظاهرة الوقف" سيحمل إلينا أخيرا سرّ حركات الإعراب الذى يتضح أنه يتمثل فى الوقف والإسكان.
ويبدأ المؤلف دحضه كما يلى:
يظهر والله أعلم: أن تحريك أواخر الكلمات كان صفة من صفات الوصل فى الكلام شعرا ونثرا، فإذا وقف المتكلم أو اختتم جملته لم يحتج إلى تلك الحركات، بل يقف على آخر كلمة من قوله بما يسمى السكون. كما يظهر أن الأصل فى كل الكلمات أن تنتهى بهذا السكون وأن المتكلم لا يلجأ إلى تحريك الكلمات إلا لضرورة صوتية يتطلبها الوصل[lxvi].
وهو يشبِّه رأيه برأى تلميذ سيبويه، الإمام محمد بن المستنير المعروف بقطرب. وهو محقّ تماما فى هذا التشبيه، ويمكن القول إن تناوله هنا لا يزيد عن أن يكون ترديدا لرأى قطرب. ذلك أن الدكتور إبراهيم أنيس يقدم هنا بحثا عن ظاهرة الوقف. على أن البحث المطلوب هنا كان ينبغى أن يركز على إثبات أشياء محددة.
وحتى إذا سلَّمنا بأن "الأصل فى كل الكلمات أن تنتهى بهذا السكون"، باعتبار الوضع المعجمى لكل لفظة على حدة، وباعتبار أن الإسكان أو التحريك فى آخر اللفظة المفردة لن يؤدى إلى اختلاف فى المعنى المعجمى، فقد كان المطلوب إثباته ما يلى:
1: أن الكلام العربى كان يقوم بإسكان أواخر الكلمات كلما كانت الضرورة الصوتية غير قائمة (كما نفعل الآن فى لهجة القاهرة على سبيل المثال إذ أننا فى الكلام المتصل، نقوم بتحريك أو إسكان أواخر الكلمات وفقا للضرورة الصوتية).
2: "أن المتكلم لا يلجأ إلى تحريك الكلمات إلا لضرورة صوتية يتطلبها الوصل". أىْ أن التحريك صوتى بحت ولا يمت بصلة إلى الإعراب المرتبط فى مرحلة من مراحل اللغة بالنحو والوظائف النحوية.
3: أن اللغة العربية كانت لغة تعتمد على أداة ترتيب الكلمات (الوظائف النحوية) فى الجملة وليس على أداة الإعراب. أىْ إثبات أن اللغة العربية كانت فى حالة الخلوّ من الإعراب (أو فى حالة إسقاط الإعراب بافتراض أنه كان قائما فى مرحلة أسبق). ومن الواضح أن إثبات الخلوّ من الإعراب والاعتماد على ترتيب الكلمات فى الجملة العربية إنما يعنى إثبات أن أ: الإسكان هو الأصل حتى فى الكلام المتصل وأن ب: التحريك يأتى فى الكلام المتصل لضرورة صوتية ليس إلا.
ولا سبيل فى الحقيقة إلى إثبات كل هذا إلا بإثبات أن اللغة العربية فى كل النصوص المحفوظة والمكتوبة من عصر الرواية والاحتجاج، وفى النصوص المكتوبة بعد ذلك بالتقيد بالتقاليد النحوية لذلك العصر،  كانت تقوم بصورة لا جدال فيها على نسق تقييد ترتيب عناصر الجملة أىْ على النسق المرتبط بعدم وجود الإعراب، والمستغنى عن كل علامات الإعراب، باستخدام هذا الترتيب للكلمات الذى يساعد مع المعنى والقرائن الأخرى على تمييز الوظائف النحوية. وليس هذا هو الحال بحال من الأحوال، إذ إن كل هذه النصوص لا تحتوى على نسق تقييد ترتيب الكلمات إلا كأحد البدائل، إلا كشكل من أشكال بناء الجملة، بالاعتماد الصارم المطرد على الإعراب الذى قيس على وجوده ما يسمى باللحن الإعرابى.
ومهما كانت محاضرة الدكتور أنيس عن الوقف بليغة فإننا لا نجد أية محاولة ناجعة للإثبات المباشر للأشياء السابقة.
كذلك فإن الأشياء المطلوب إثباتها فى البنود السابقة، يستحيل إثباتها ولا معنى لإثباتها بدون إثبات أن التحريك لا يطرد فيه مطلقا اقتران حركة بوظيفة نحوية بعينها. وعلى سبيل المثال فإن إثبات الخلوّ من الإعراب (وبالتالى إثبات الطابع الصوتى البحت للتحريك) إنما يكون بإثبات أن الفاعل مثلا لا يطرد معه الرفع بالضمة أو بعلامات الرفع الأخرى (مالم تؤثر على رفعه عوامل أخرى) وأنه على العكس من ذلك يأخذ أىّ حركة من ضمة أو فتحة أو كسرة لأسباب صوتية بحتة.
وفى هذا يقول صاحب كتاب "ظاهرة الإعراب فى العربية":
وقد ردّ القدماء على قطرب فى زعمه هذا بأنه لو كان كما زعم لجاز خفض الفاعل مرة ورفعه أو نصبه مرة أخرى وجاز نصب المضاف إليه لأن القصد فى هذا إنما هو الحركة تعاقب سكونا يعتدل به الكلام[lxvii].
والذى لا جدال فيه هو أن الحركات فى النصوص العربية المشار إليها تثبت، كما سبق القول، اطراد اقتران الحركة بالوظيفة النحوية؛ اطراد الرفع مع الفاعلية والنصب مع المفعولية إلخ فى الألفاظ المفردة المعربة. ولا يستقيم رأى الدكتور أنيس إلا فى حالة واحدة هى افتراض أن "النحاة" بدلوا بالحركات التى كانت مجرد حركات صوتية حركة مطردة فى آخر كل كلمة مع وظيفتها النحوية، بعد أن كانت تأتى فى الكلام العربى المتصل مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة أو ساكنة الأواخر، وبافتراض أن هذا التبديل شمل كل النصوص العربية.
وتحت عنوان فرعى خامس "ليس للحركة الإعرابية مدلول" يكرر المؤلف أيضا فكرته الشهيرة:
لم تكن تلك الحركات الإعرابية تحدد المعانى فى أذهان العرب القدماء كما يزعم النحاة، بل لا تعدو أن تكون حركات يحتاج إليها فى الكثير من الأحيان لوصل الكلمات بعضها ببعض[lxviii].
وبعد أن يورد قراءات قرآنية بالإسكان، ينتقل الدكتور المؤلف إلى ما يسميه "موقف الفاعل من المفعول فى الجملة العربية" يقول:
نكتفى هنا ببيان قصير عن موضع الفاعل من الجملة، وموضع المفعول منها، كى نبرهن على أن الفاعل لا يعرف بضم آخره، ولا المفعول بنصب آخره، بل يعرف كل منهما فى غالب الأحيان بمكانه من الجملة الذى حددته أساليب اللغة، وما روى منها من آثار أدبية قديمة، فإذا انحرف أحدهما عن موضعه تتبعناه فى موضعه الجديد بسهولة ويسر، ودون لبس أو إبهام لأن الجملة حينئذ تشتمل على ما يرمز إليه، ويدل عليه، وذلك لأن التركيب مع هذا الانحراف قد تتغير معالمه، أو لأن ظروف الكلام، توحى به وترشدنا إليه[lxix].
ويؤكد المؤلف[lxx] أن:
الفاعل فى أغلب الكلام العربى يلى الفعل ويسبق المفعول، ولا يتأخر الفاعل إلا فى أحوال:
1-                                                                           منها أسلوب الحصر أو القصر نحو: "وما يعلم تأويله إلا الله"[lxxi].
2-                         ومنها طول الكلام مع الفاعل وتوابعه، مما قد يغمر المفعول به، ولا نكاد نتبينه حين يتأخر مثل قوله تعالى "وإذا حضر القسمةَ أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه"[lxxii] ومثل: "سيصيب الذى أجرموا صغارٌ عند الله وعذاب شديد"[lxxiii] ومثل: "لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها"[lxxiv]، ومثل: "إما يبلغن عندك الكبر أحدُهما أو كلاهما"[lxxv].
3-                         وحين يشتمل الفاعل على ضمير يعود على المفعول مثل: "هذا يومُ ينفع الصادقين صدقُهم"[lxxvi]، ومثل: "لا ينفع نفسا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فى إيمانها خيرا"[lxxvii] ومثل: "وإذا ابتلى إبراهيم ربُّه"[lxxviii].
ولا جدال فى أن القول بأن الفاعل يتقدم فعله ويليه مفعوله فى أغلب الكلام العربى فى ترتيب عناصر الجملة قول مرسل لم يقدم أحد إثباتا مقنعا له، وربما كان من المستحيل إثباته، بسبب الكثرة الهائلة من مليارات الجمل العربية التى ينبغى (ولكنْ يستحيل) فحصها من هذه الزاوية لإثباته. ولا شك فى أن هذه العقبة التى لا يمكن تصوُّر أن يفكر أحد مجرد تفكير فى إزالتها هى السرّ وراء لجوء هذا الباحث أو ذاك ليس إلى الاعتبارات النحوية المنطقية بل إلى مجموعة منتقاة مهما اتسعت من الجمل أو إلى أقوال مرسلة لآخرين لإثبات أن الجملة العربية السائدة هى "الفعلية" عند هذا و "الاسمية" عند ذاك.
ولكنْ حتى بافتراض تقدم الفاعل على المفعول، وهو، على كل حال، السائد فى لغة إسقاط الإعراب، كما أنه على كل حال أحد الترتيبات الممكنة فى لغة إسقاط الإعراب بل ربما كان أكثرها شيوعا، فإن تمييز الوظائف النحوية يحتاج إلى قاعدة شاملة تعتمد على علامات الإعراب فى لغة الإعراب وعلى المكان فى لغة إسقاط الإعراب. ولا شك فى أن قرينة أو أكثر يمكن أن تغنى فى الجملة الواحدة عن الاعتماد على الإعراب (وحتى عن ترتيب الكلمات) كأنْ يكون الفعل مسندا إلى مؤنث مع مفعول به مذكر، أو كأن يكون المعنى واضحا بذاته دون إعراب مثل "أكلت زينب تفاحة"، إلخ إلخ، غير أن كل هذا لا ينفى أمرين: 1: أن هناك حاجة إلى علامات الإعراب فى لغة تقوم على الإعراب بغض النظر عن وجود أو عدم وجود قرائن 2: أن اللغة العربية ضمن لغات عديدة من مجموعات لغوية عديدة اطرد فيها فى مراحل بعينها الإعراب واقتران علاماته بالوظائف النحوية كنسق عام وأداة عامة لتمييز هذه الوظائف فى وجود أو عدم وجود ما يساعد على هذا التمييز من مقتضيات قرائن المعنى المعقول أو اللفظ الدال على النوع أو العدد أو غير ذلك. ولم يقل بغير هذا إلا قليل من المجتهدين من أمثال قطرب والدكتور إبراهيم أنيس.
والعنوان الفرعى السادس هو "التقاء الساكنين"، وهو قسم صغير يبدأ بالنظر إلى الكلام المتصل ككتلة صوتية واحدة ثم ينتقل إلى ظاهرة التخلص من التقاء الساكنين:
دلت البحوث الصوتية الحديثة على أن الأصل فى كل كلام أن تتصل أجزاؤه اتصالا وثيقا، وأن تتداخل مقاطعه. فإذا سجلنا على لوح حساس جملة مكونة من عدة كلمات، وجدنا ما يظهر على اللوح خطا متعرجا أو متموجا ترمز أعاليه لأوضح الأصوات، وأسافله لأقلها وضوحا فى السمع [...] ونرى هذا الخط متصلا لا انفصام بين أجزائه، وليس فيه ما يرمز إلى نهاية كلمات هذه الجملة، ونرى فى ثناياه مقاطع قد ينتمى جزء من أحدها إلى أول الكلمة، وينتمى الجزء الثانى إلى آخر الكلمة السابقة عليها، مما يؤكد لنا أن الكلمات فى وصل الكلام لا تكاد تتميز معالمها ولا تستقل بأجزائها، بل يتداخل بعضها فى بعض ويصبح الكلام كتلة واحدة، ولا يميز بين الكلمات إلا صاحب اللغة، والعارف بمعانيها[lxxix].
ويشير إلى أنه:
"لا يعنينا فى بحث حركات الإعراب من ظاهرة التخلص من التقاء الساكنين، إلا حين تكون بين كلمتين متجاورتين"[lxxx].
وينتهى إلى أن النحاة:
سمعوا التخلص من التقاء الساكنين بالكسر أحيانا، وبالضم أحيانا، وبالفتح أحيانا، ولكنهم قصروا أمره على تلك الكلمات التى لا يعقل أن تنسب لها الفاعلية أو المفعولية ونحو ذلك، ثم اعتقدوا أن تحريك أواخر الكلمات الأخرى ولا سيما الأسماء كان لمعنى يوحى به هذا التحريك ويشير إليه[lxxxi].
وباختصار فإن التخلص من التقاء الساكنين فى الكلمات المتجاورة أدى إلى تحريك آخر الكلمة الأولى تحريكا صوتيا بعيدا تماما عن الدلالات الإعرابية "المزعومة"، وهذا حق. غير أن امتداد تحريك سكون آخر الكلمة الأولى إلى "الأسماء" هو الذى يضعنا من جديد أمام الطبيعة الصوتية البحتة أو الصوتية الإعرابية لهذا التحريك، ولكنْ هل هذا التخلص صوتىّ بحت بسبب "إيثار بعض الحروف لحركة معينة"[lxxxii] أو "الميل إلى تجانس الحركات المتجاورة"[lxxxiii]؟ أم أن الإعراب يفرض نفسه (إذا كانت الكلمة الأولى ذات وظيفة نحوية كأن تكون الفاعل مثلا) بصورة تجبّ إيثار حرف لحركة أو تجانس الحركات المتجاورة (مثلا: هذه نتيجةُ الخروج ليلا، أرأيت نتيجةَ الخروج ليلا، انظر إلى نتيجةِ الخروج ليلا؛ بافتراض أن الأصل إسكان لفظة "نتيجة" وأن المطلوب هو التخلص من سكون أول الكلمة التالية)؟ أىْ أننا هنا، كما رأينا مع ظاهرة الوقف، أمام اطراد اقتران حركة أو علامة بعينها بوظيفة نحوية بعينها، بغض النظر عن الضرورة الصوتية القابلة لتحقيق نفسها بأىّ حركة من الحركات الثلاث: الضمة، الفتحة، الكسرة.
والعنوان الفرعى السابع هو "رأى فى الإعراب بالحركات" وهنا يؤكد الدكتور إبراهيم أنيس من جديد رفضه لفكرة التحريك الإعرابى وتأييده للتحريك الصوتى:
نحن إذن نرجح أن تحريك أواخر كل الكلمات لم يكن فى أصل نشأته إلا صورة للتخلص من التقاء الساكنين، غير أن النحاة حين أعيتهم قواعده وشق عليهم استنباطها، فصلوا بين عناصر الظاهرة الواحدة. ولعلهم تأثروا فى نهجهم هذا بما رأوه حولهم من لغات أخرى كاليونانية مثلا، ففيها يفرق بين حالات الأسماء التى تسمى cases، ويرمز لها فى نهاية الأسماء برموز معينة. وكأنما قد عز على النحاة ألا يكون فى العربية أيضا مثل هذه الـ cases.
فحين وافقت الحركة ما استنبطوه من أصول إعرابية قالوا عنها إنها حركة إعراب، وفى غير ذلك سموها حركة أتى بها للتخلص من التقاء الساكنين.
الأصل إذن فى جميع كلمات اللغة ألا تحرك أواخرها إلا حين تدعو الحاجة إلى هذا، أو بعبارة أخرى حين يدعو النظام المقطعى وتواليه إلى هذا التحريك[lxxxiv].
ويتخذ التفسير الصوتى شكلا جديدا:
وهكذا ترى أن ما سماه القدماء بالتقاء الساكنين ليس فى الحقيقة إلا توالى ثلاثة أو أربعة حروف consonants فى وسط الكلام. وإذا كان نظام توالى الحروف لا يسمح بمثل هذا فى الجمل والعبارات، فمن باب أولى لا يسمح به فى الكلمة الواحدة[lxxxv].
وكذلك:
فإذا حللنا معظم عبارات اللغة وجملها نجد أن ما سمى بحركات الإعراب يمكن أن تعدَّ حركات للتخلص من توالى ثلاثة أو أربعة حروف فى وسط الكلام[lxxxvi].
والخلاصة:
لهذا كله نرجح أن حركات أواخر الكلمات لم تكن تفيد تلك المعانى التى أشار إليها النحاة من الفاعلية والمفعولية ونحو ذلك، وإنما هى حركات دعا إليها نظام المقاطع وتواليها فى الكلام الموصول[lxxxvii].
إنها نفس حجج التحريك الصوتى ولا ردّ عليها سوى نفس السؤال عن اطراد اقتران حروف الإعراب بالوظائف النحوية مع الألفاظ التى تعرب بالحروف وليس بالحركات (المثنى وجمع المذكر السالم إلخ)، إذا ضربنا صفحا عن "مؤامرة النحاة" وتبديلهم لأواخر الكلم فى كل النصوص السابقة عليهم والمعاصرة لهم.
والعنوان الفرعى الثامن والأخير (فى هذا الفصل الثالث) هو "رأى فى الإعراب بالحروف" وهو قسم صغير يقدم الإعراب على النحو التالى:
فرغ النحاة من تفسيرهم للضم والكسر والفتح فى أواخر معظم الكلمات العربية، واطمأنت نفوسهم لهذا التفسير، وسموه الإعراب بالحركات، ثم عمدوا إلى تلك الكلمات والصيغ التى لم يستطيعوا فيها تغييرا أو تحويرا كالمثنى وجمع المذكر السالم وما يسمى بالأفعال الخمسة، والأسماء الخمسة، فطبقوا عليها أصولهم وقواعدهم، ثم خرجوا علينا بنوع آخر من الإعراب سموه الإعراب بالحروف، ولما رأوا أن للمثنى صيغتين، وجمع المذكر السالم صيغتين، ولكل من الأفعال الخمسة صيغتين، اتخذوا إحدى الصيغتين للرفع واتخذوا الأخرى لغير الرفع[lxxxviii].
ولأن هذه ليست حروف إعراب فى نظر المؤلف فإنه يهتم بتفسيرها تفسيرا صوتيا، ونظرا لأن التفسير الصوتى لتطور صيغة أو صيغ صرفية مثلا لا يستبعد الإعراب الذى لا يستبعد بدوره التفسير الصوتى لمثل هذا التطور، حق لنا أن نتساءل: كيف أمكن أن يتصور المؤلف أن تفسيره الصوتى يلغى أن تكون هذه الحروف للإعراب؟ فإذا كان الإعراب حقيقة فإن حركاته لن تخرج عن الضمة والفتحة والكسرة (وذلك فى كل لغة). وعندما يعطى الصرف لصيغ بعينها كالمثنى وجمع المذكر السالم والأسماء الخمسة أو الستة والأفعال الخمسة نهايات لا يقوم التمييز النحوى- الإعرابى لأواخرها على الحركات، فإن هذه النهايات الصرفية-النحوية المتمايزة (الألف والنون والواو والنون والياء والنون إلخ) تقوم بالوظيفة الإعرابية المطلوبة مهما كانت الطريقة التى نشأت بها هذه النهايات من الناحية الصوتية.
ويمكن القول أخيرا إن الكتور إبراهيم أنيس احتشد - احتشادا لا يقوى عليه سوى عالم لغوى عظيم مثله - لدحض الإعراب كأصل من أصول اللغة العربية ولتقديم فكرته القائلة بأنه من صُنْع نخبة اللغة النموذجية ثم من صُنْع النحاة، غير أن بحثه الشامل لا ينجح فى إثبات زعمه. ذلك أن التحريك لوصل الكلام باعتباره ظاهرة صوتية لا يمكن أن يلغى حقيقة الإعراب بحكم طابع هذا التحريك، ولا ينتبه المؤلف إلى ما كان عليه إثباته. ولأنه عالم لغوى عظيم نادر المثال فى لغتنا العربية فقد قدم أفكارا تثبت أو تشرح أو تفسر أشياء كثيرة يمكن أن تفيد فى تطوير النحو العربى غير أنها لا تدحض حقيقة أنه لا سبيل إلى إنكار أن هذا الإعراب كان أصلا من أصول اللغة العربية المضرية القريشية بصورة شاملة فى مرحلة كبرى من مراحلها، مع التسليم بأن خروجه من السليقة أدى إلى الازدواج اللغوى الذى تعيشه اللغة العربية منذ قرون طويلة (منذ أكثر من عشرة قرون فى البادية ومنذ أكثر من اثنى عشر قرنا فى الأمصار مع التسليم ببدء هذا الازدواج منذ وقت أطول بكثير كما تتواتر الروايات) بين استمرار الإعراب فيما يسمى بالفصحى وإسقاطه فيما يسمى بالعامية.
 


15
ما يسمى بمنصوبات الأسماء
بين عناصر الجملة والإعراب
 
من الجلى أن تسمية منصوبات الأسماء، تماما مثل تسمية مرفوعات الأسماء، تسمية إعرابية لمواقع نحوية، فهى تقوم على تخصيص الإعراب بالنصب لكلمات هى إما عناصر جملة أو أجزاء من عناصر جملة. وكما رأينا عند مناقشة مرفوعات الأسماء فإن خطأ التسميات الإعرابية يتمثل، قبل كل شيء، فى التمحور حول الإعراب. ذلك أن من الأجدر أن تسمى العناصر أو الوظائف النحوية بأسمائها النحوية باعتبارها عناصر بناء الجملة؛ مثلا: الفاعل (أو المسند إليه) وليس المرفوع، أو المفعول به وليس المنصوب، ويتمثل خطأ هذه التسميات، كذلك، فى أن هذه العناصر النحوية لا تتحقق بالإعراب فقط بل تتنوع أشكال تحقيقها فلا تكون معربة إلا فى الشكل الوحيد للكلمة المعربة التى تمثل فى الوقت نفسه عنصر جملة. وإذا كان الإعرابان المحلى والتقديرى لأشكال التحقيق الأخرى لعناصر الجملة يقاسان على رفع أو نصب أو جرّ الكلمة المعربة، فإن إلغاء هذين الإعرابين يُخرج الكلمات المبنية ومختلف التراكيب من حيث هى تراكيب (أىْ بصرف النظر عن إعراب أو بناء كلماتها المفردة) من دائرة الإعراب.
وعلى هذا فإن تسمية المرفوعات تنطبق على الكلمات المعربة المرفوعة وحدها فيما تنطبق تسمية المنصوبات على الكلمات المعربة المنصوبة وحدها. فالفاعل مرفوع إذا كان كلمة واحدة معربة والمفعول به منصوب إذا كان كلمة واحدة معربة.
غير أن تسمية المرفوع والمنصوب لا تكون صادقة حتى عندما نكون إزاء الكلمة الواحدة المعربة. ذلك أن رفع الفاعل ليس قاعدة مطلقة فهو منصوب إذا سبقه ناصب وهو مجرور إذا سبقه جارّ. كذلك فإن نصب المفعول به ليس قاعدة مطلقة لأنه قد يكون اسما ظاهرا معربا أو غير معرب وقد يكون ضميرا متصلا أو منفصلا أىْ كلمة مبنية وقد يكون غير ذلك (المصدر المؤول). كما أن المفعول به قد لا يُنصب بعد الفعل المتعدى، لأن مفهوم الفعل المتعدى يتسع لفعل من كلمة واحدة one-word verb (أىْ الفعل المتعدى المنفرد وحده دون إضافة) فيكون من شأنه نصب المفعول به المعرب، كما يتسع للفعل المركَّب أىْ للفعل المتعدد الكلمات multi-word verb أو phrasal verb (أىْ الفعل بإضافةٍ مثل حرف الجر) ومنه الفعل اللازم، ومنه الفعل المتعدى، غير أن هذا الأخير لا ينصب المفعول به المعرب بل يجّره، وليس الفعل المتعدى بالحرف قليل الشهرة فى النحو العربى، ومن شأنه أن يعطى المفعول به المجرور فى حالة كونه كلمة معربة، كما صار الفعل المتعدى بإضافة حرف الجر أو الظرف phrasal verb فى الإنجليزية علما واسعا إلى درجة تخصيص معاجم مستقلة لتراكيب هذا النوع من الأفعال.
وإذا كان النحو العربى التقليدى قد صنع من الإعراب برفعه ونصبه وجرّه (وجزمه) عقدة فقهية كلامية منطقية مستعصية ممعنا فى تعقيد ما يسمى بنظرية العوامل لتعليل أسباب أنواع الإعراب المختلفة بدلا من المقاربة الوصفية التى تكتفى بتسجيل أن الجماعة الناطقة بلغتنا اصطلحت (فيما يتعلق بالكلمات المعربة المفردة الداخلة فى الجمل) على رفع الفاعل، والجر بالحرف أو الإضافة، ونصب الباقى، مع استثناءات قليلة مثل استخدام علامات الرفع مع ما يسمى بالخبر المفرد، ومع ما يسمى بالمبتدأ الأول، ونصب أو جر الفاعل، وما أشبه. ومن صميم هذا الاصطلاح مراعاة المخالفة الإعرابية بين الفاعل والمفعول به، برفع أحدهما ونصب الآخر، وهى المخالفة الإعرابية الحقيقية الوحيدة فى الإعراب العربى للتمييز بين الفاعلية والمفعولية. أما مخالفة باقى المنصوبات فهى تأتى من ضرورة عدم رفع هذه المواقع النحوية حتى لا تُحدث التباسا من أىّ نوع مع الفاعل، وبالتالى فإنه نظرا لتخصيص الرفع للفاعل المعرب وتخصيص الجر لإضافة المعرب أيضا، لا يبقى من أنواع الإعراب الثلاثة لغير الفعل (الرفع والنصب والجر) سوى النصب الذى لا مناص من أن يشمل كل ما يسمى بمنصوبات الأسماء على تنوعها، حيث يكون التمييز بينها وبين المفعول به أو فيما بينها بالمعنى، وقد يحدث الالتباس فيما بينها على قلة، غير أن الإعراب لا يستطيع أن يقدم حلا لإزالة الالتباس هنا لأنه لا يستطيع أن يضيف (ولا حاجة به إلى أن يضيف) أىّ نوع آخر من الإعراب إلى أنواع الرفع والنصب والجر، فهو يواجه بهذه الأنواع الثلاثة وحدها ذلك العدد الكبير مما يسمى بالمنصوبات.
وإذا فكرنا فى المنصوبات فى حالة تطابق الموقع النحوى مع الكلمة المعربة، ودون دخول "عوامل" أخرى مثل "إن وأخواتها" أو فيما يسمى بخبر "كان وأخواتها" أو فى أحوال المفعول به والحال والمفعول المطلق والمفعول لأجله والاستثناء والتمييز وغير ذلك، فإن انطباق هذه التسمية الإعرابية عليها لا يمنع من إعطاء الأولوية للأحوال النحوية ذاتها وبالأخص من زاوية عناصر الجملة أو مكوناتها أو وظائفها.
وقد وقفنا مرارا عند مفهوم عنصر الجملة، وأطلنا بحث بعض هذه العناصر وهى:1: الفاعل (المسند إليه)، و2: الفعل، و3: المفعول به (المباشر)، و4: المفعول به (غير المباشر)، و5: متمم الفاعل، و6: متمم المفعول به (المباشر فى نموذج "ظن وأخواتها" ونموذج "أعلم وأرى وأخواتهما")، و7: الظرف.
كما أوضحنا أن الجملة تتكون من ركنين وحيدين هما المسند إليه (الفاعل) والمسند (الخبر)، وأن المسند إليه عنصر جملة، وأن المسند ليس عنصر جملة بل يمكن أن تتسع نماذج المسند لكل عناصر الجملة باستثناء عنصر المسند إليه، ونماذج المسند (بعد المسند إليه فى الجملة) هى:
1: الفعل اللازم وحده.
2: الفعل الناقص (كان وأخواتها) + متمم الفاعل (صفة أو اسم).
3: الفعل الناقص (كان وأخواتها) + الظرف.
4: الفعل المتعدى إلى واحد + المفعول به المباشر.
5: الفعل المتعدى إلى واحد (ظن وأخواتها) + المفعول به المباشر + متمم المفعول به المباشر (صفة أو اسم).
6: الفعل المتعدى إلى واحد (ظن وأخواتها) + المفعول به المباشر + الظرف.
7: الفعل المتعدى إلى مفعولين (أعطى وأخواتها) + المفعول به غير المباشر + المفعول به المباشر.
8: الفعل المتعدى إلى مفعولين (أفعال "أعلم وأرى وأخواتهما" ضمن أفعال "أعطى وأخواتها") + المفعول به غير المباشر + المفعول به المباشر+ متمم المفعول به المباشر (صفة أو اسم).
9: الفعل المتعدى إلى مفعولين (أفعال "أعطى وأخواتها") + المفعول به غير المباشر + المفعول به المباشر + الظرف.
فبالإضافة إلى الفعل الذى لا يخلو منه مسند (خبر)، ولا تخلو منه جملة بالتالى، هناك عنصر المفعول به المباشر، وعنصر المفعول به غير المباشر، وعنصر متمم الفاعل، وعنصر متمم المفعول به المباشر، وعنصر الظرف، وباختصار عناصر المفعول به بنوعيه، والمتمم بنوعيه، والظرف.
وبالطبع فإن المسند إليه (الفاعل) لا يدخل فيما يسمى بمنصوبات الأسماء (إلا فى حالة مجيئه بعد الحروف المسماة بالناسخة كما سبق ورأينا)، كما أن الفعل يظل بحكم طبيعته ذاتها خارج هذه المنصوبات، لأن الفعل من ناحية مبنىّ أومعرب، والمعرب منه مرفوع إذا لم يسبقه ناصب أو جازم، ولكنْ بالأخص لأن إعراب الفعل يختلف معناه تماما عن إعراب غير الفعل، ذلك أن إعراب الفعل لا علاقة له بالتمييز بين الوظائف النحوية.
ولا يبقى معنا من عناصر الجملة، فى مواجهة ما يسمى بمنصوبات الأسماء، سوى المفعول به بنوعيه، والمتمم بنوعيه، والظرف. وتغدو مهمتنا الآن أن نرى إلى أىّ مدى تستوعب مفاهيم عناصر الجملة الثلاثة هذه كل هذه المنصوبات كعناصر جملة أو كأجزاء من عناصر الجملة.
وتشمل قائمة ما يسمى بمنصوبات الأسماء ما يلى: خبر كان وأخواتها، واسم إن وأخواتها، واسم لا النافية للجنس، والمفعول به (ومفاعيل أساليب الاختصاص والتحذير والإغراء)، والمفعول المطلق، والمفعول لأجله، والمفعول معه، وظرفا الزمان والمكان، والحال، والتمييز، والمستثنى، والمنادى، والتابع للمنصوب: النعت والعطف والتوكيد والبدل.
والمفعول به والظرف (الزمان والمكان) مشتركان فى القائمة الطويلة لهذه المنصوبات والقائمة القصيرة لعناصر الجملة. كما مر بنا بحث المفعول به والظرف ومتمم الفاعل ومتمم المفعول به المباشر باعتبارها عناصر جملة، وبقيت أغلب "المنصوبات" دون أن نعرف إلى أىّ عناصر جملة يمكن إحالتها، ودون أن نعرف ما هى تلك "المنصوبات" التى لا تنتمى، بحكم طبيعتها، إلى هذه العناصر أصلا.
على أننا كنا قد فرغنا، فى فصول سابقة، من بحث بعض هذه المنصوبات من حيث ما يقابلها من عناصر جملة.
 
ما يسمى بخبر "كان وأخواتها"
 
فقد رأينا أن ما يسمى بخبر "كان وأخواتها" ليس سوى متمم الفاعل كما فى النموذج 2 من نماذج المسند (الخبر)، وسبق أن رأينا أن هذا المتمم قد يكون صفة (كان محمود جريئا) وقد يكون اسما (كان محمود رجلا)، ويمكن أن نضيف الجار والمجرور أو تراكيب أخرى بمعنى متمم الفاعل.
ومن أخوات كان التى ترفع المبتدأ الذى يصير اسم كان وتنصب الخبر الذى يصير خبر كان، وفقا لنحونا التقليدى، أفعال المقاربة وأفعال الرجاء وأفعال الشروع. غير أن "خبر هذه الأفعال يجب أن يكون جملة فعلية فعلها مضارع"[lxxxix]، ومعنى هذا أن النصب هنا "محلى" ولا ينبغى الالتفات إليه.
والأهم أن متمم الفاعل الذى يأتى مع هذه الأفعال صفة أو اسما قد يأتى بأشكال أخرى متعددة منها الفعل وما قد يأتى بعده، وإليك بعض الأمثلة:
كانت الصناعة تتقدم.
صار ركاب الطائرة فى أمان.
أوشكت الأزمة أن تنفرج.
عسى الطب أن يعالج الأمراض المستعصية.
جعلوا يتمتعون بسحر الطبيعة.
وليس هناك ما يمنع أن يتحقق متمم الفاعل بهذه الأشكال. على أن هناك مسألة دقيقة يطرحها الفعل "كان" الذى يدخل فى تكوين الأزمنة فى مثل: "كان فلاحو القرية يعيشون على الكفاف"، أو فى مثل: "عندئذ سيكون هؤلاء السذج قد أدركوا الخدعة"، ومعنى هذا أن المتمم هنا يحتفظ بصفة المتمم، مع كونه جزءا من المسند (الخبر) مع فعل الكينونة، ومع كونه أيضا جزءا من تكوين الأزمنة.
 
اسم "إن وأخواتها"
 
وإذا عدنا إلى ما يسمى اسم "إن وأخواتها"، وجدنا أننا إزاء المسند إليه (الفاعل). ففى جملة: "أعتقد أن العلاجَ يفيد فى هذه الحالة": "العلاجَ" هو المسند إليه الذى أسندنا إليه الفعل "يفيد" وصرَّفناه معه، وهو منصوب لأنه جاء بعد حرف أو أداة النصب "أنّ" ولأنه كلمة معربة. وينطبق هذا على كل ما يأتى بعد "إن وأخواتها"، فهو المسند إليه فى كل الأحوال، وينطبق نفس الشيء على اسم "لا النافية للجنس" وهى من أخوات إنَّ، فهو مسند إليه أيضا.
 
المفعول به (المباشر وغير المباشر)
 
أما المفعول به، المباشر للفعل المتعدى إلى مفعول به واحد، والمباشر وغير المباشر للفعل المتعدى إلى مفعولين، فهو عنصر جملة دون شك. على أن نحونا التقليدى يخطئ عندما يعتبر متمم المفعول به المباشر مفعولا به ثانيا مع مجموعة من الأفعال أو مفعولا به ثالثا مع مجموعة أخرى من الأفعال. ويظهر متمم المفعول به المباشر، مع المفعول به الواحد الذى قد يأخذ هذا المتمم (أفعال "ظن وأخواتها"، مثلا: ظننت الرجل عاقلا)، كما يظهر مع المفعولين اللذين يأخذ المفعول به المباشر منهما هذا المتمم (مثل: "يقينا" فى: "أعلمته الخبر يقينا" مع أفعال ما يسمى بـ "أعلم وأرى وأخواتهما" التى يزعم النحو العربى أنها تنصب ثلاثة مفاعيل وتمثل هذه الأفعال مجموعة متميزة ضمن أفعال "أعطى وأخواتها").
 وإلى المفعول به تضاف مفاعيل أساليب الاختصاص والتحذير والإغراء.
 
الظرف والمتمم
 
وظرف الزمان والمكان وارد فى القائمتين، فهو لا يثير مشكلة من حيث استيعابه فى عناصر الجملة. غير أننا نجد أنفسنا أمام بحث ضرورى يهدف إلى التوصل إلى مفاهيم نحوية واضحة لباقى ما يسمى بمنصوبات الأسماء بدلا من وضع إعرابها فى الصدارة، فضلا عن أن التسمية غير صحيحة؛ فهذه "الأسماء" منها المعرب ومنها ما هو خارج الإعراب مثل الكلمات المبنية، والتراكيب المتعددة الألفاظ، وما تؤدى إليه بعض الأدوات والأفعال المتعددة الكلمات من ابتعاد عن النصب بالذات.
وتتمثل المشكلة فى أن أغلب هذه "المنصوبات" المزعومة، وهى قائمة طويلة كما نرى، إنما هى وحدات نحوية يرقى الكثير منها إلى مستوى عناصر الجملة على حين أن عناصر الجملة قليلة العدد وبعضها قاطع التحدد فلا تصلح لاستيعاب مثل هذه المعانى المتنوعة. فالفاعل أو المسند إليه مفهوم يقتصر تماما على ما أُسند إليه الفعل وصُرِّف معه (بما فى ذلك المضارع المثبت المحذوف فى حالة الكون العام)، كذلك فإن المفعول به مفهوم قاطع التحدد ويقتصر على مَنْ أو ما وقع عليه الفعل أو تأثر بالفعل دون أن يكون فاعله. أما الفعل فمن الجلى أنه عنصر مستقل تماما فهو يدل على معنى أو حدث يكون الزمن جزءا منه، ولا يمكن أن يختلط مع عناصر أخرى إلا فى حالة الاستعمال فى سياق التعريف، مثلا: "يعيشُ فعلٌ لازمٌ". فلا يبقى على درجة من "المرونة" من بين عناصر الجملة سوى المتمم (متمم الفاعل والمفعول به المباشر) والظرف. ولا شك فى أن من خيارات التعامل مع باقى ما يسمى بمنصوبات الأسماء أن نتركها على حالها معتبرين المفعول المطلق عنصر جملة مستقلا، والحال عنصر جملة مستقلا، والمفعول لأجله كذلك، وهكذا. غير أن هذا من شأنه أن يغرق مفهوم عنصر الجملة فى فيض من المسميات التى تخرج به عن تحدده ونجاعته باعتبار أنه يدور حول الفعل أىْ الحدث باعتباره عنصر الجملة المحورى، ومن حيث مَنْ أُسند إليه وصُرِّف معه لأنه "قام بالفعل أو قام به الفعل" (حتى إنْ كان المتأثر به مثل فاعل المبنى للمجهول أو فاعل فعل لازم، مثل: مات أو غرق) وهذا هو عنصر الفاعل المسند إليه، ومن حيث مَنْ أو ما وقع عليه الفعل (دون أن يكون فاعله) وهذا هو عنصر المفعول به بنوعيه (المفعول به المباشر للأفعال المتعدية إلى مفعول به واحد ومنها أفعال ظن وأخواتها، و"مستلمه" أىْ المفعول به غير المباشر مع المباشر فى حالة أفعال أعطى وأخواتها). وهناك المتمم للفاعل مع كان وأخواتها، وللمفعول به المباشر مع ظن وأخواتها (كحالة خاصة تتميز بالمتمم من المتعدى إلى مفعول به واحد) وأعلم وأرى وأخواتهما (كحالة خاصة تتميز بالمتمم من أفعال أعطى وأخواتها المتعدية إلى مفعولين). وهناك أخيرا الظرف (الذى يقتصر فى النحو العربى على ظرفىْ الزمان والمكان). ومن الجلى أن المتمم والظرف هما المفهومان اللذان قد يُبديان قدرا من المرونة، وبعبارة أخرى فإن من المحتمل أن توضح "حلحلة" عدد من هذه "المنصوبات" حقيقتها، التى تخفيها تسمياتها النحوية الحالية، باعتبارها تنتمى إلى أحد هذين العنصرين. ويدعو إلى هذا الافتراض أمران؛ أولهما هو أن شمول مفهوم عنصر الجملة لكل الوحدات النحوية التى تدخل فى بناء الجملة، مع استبعاد توسيع هذا المفهوم أو هذه العناصر، يفترض اندراج كل الوحدات النحوية ذات الأهمية تحت هذا العنصر أو ذاك من عناصر الجملة. والأمر الثانى هو النحو المقارن، فانطلاقا من وحدة النحو فى مختلف اللغات وهى وحدة ناشئة من تناظر الحياة البشرية واللغات البشرية التى تعبر عنها، يستطيع النحو العربى الجديد أن يستفيد من منجزات كل نحو آخر للغات أخرى (تماما كما استفاد النحو العربى القديم عند نشأته من كل نحو آخر للغات أخرى كان متاحا له)، وعلى وجه الخصوص فإن على النحو العربى أن يتخلى عن مفهومه للظرف الذى يقتصر على ظرفىْ الزمان والمكان، وعندئذ سيكون من السهل على النحو العربى أن يجعل مفهوم الظرف يمتد ليشمل الكثير مما يسمى بمنصوبات الأسماء كما تفعل لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية.
 
"منصوبات الأسماء" وعناصر الجملة
 
وجدنا منذ قليل أن الوحدات النحوية التالية: ما يسمى بخبر كان وأخواتها ومنها ما يسمى بخبر أفعال المقاربة والرجاء والشروع، واسم إن وأخواتها، واسم لا النافية للجنس، والمفعول به (ومفاعيل أساليب الاختصاص والتحذير والإغراء)، وظرفا الزمان والمكان، وهى الواردة فى قائمة ما يسمى بمنصوبات الأسماء، لا تخرج عن كونها عناصر جملة محددة هى، كما رأينا، عنصر الفاعل (مع "إن وأخواتها")، وعنصر متمم الفاعل (مع "كان وأخواتها")، وعنصر المفعول به، وعنصر متمم المفعول به المباشر (وهو ما يقدمه النحو العربى التقليدى بصورة خاطئة باعتباره المفعول الثانى مع "ظن وأخواتها" والمفعول الثالث مع "أعلم وأرى وأخواتهما")، وبالطبع ظرف الزمان وظرف المكان. وإذا تركنا التوابع (الواردة فى قائمة المنصوبات) جانبا، يبقى السؤال حول علاقة المفعول المطلق، والمفعول لأجله، والمفعول معه، والحال، والتمييز، والمستثنى، والمنادى، بعناصر الجملة، وبالأحرى بعنصرين بالذات، هما المتمم والظرف.
 
المنادى
 
من الجلى أنه لا معنى للبحث وراء المنادى عن عنصر جملة، وذلك لانقطاع المنادى (بأداة أو غير أداة) عن الارتباط النحوى الوظيفى بغيره من كلمات الجملة، فالمقصود بأسلوب النداء لا يعدو أن يكون تحديد المنادى أو تنبيهه. وبالمناسبة فإن المنادى ليس منصوبا بالضرورة. فالمضاف منه يُنصب، والعَلَم غير المضاف يُرفع، وهذا إذا كان المنادى كلمة معربة، وليس كلمة مبنية كما فى مثل: "يا مَنْ يعرف الواجب" أو كلمة لا تقبل حركة الإعراب فى مثل: "يا موسى".
 
التمييز
 
ومجال التمييز ضيِّق للغاية فيما يتعلق بأسماء الوزن والكيل والمساحة ولكنه يتعلق أيضا بالعدد (وكل هذا فيما يسمى بالمميَّز الملفوظ) ولكنه يشمل ما يسمى بالمميَّز الملحوظ.
والحقيقة أننا لسنا إزاء "منصوبات" بالضرورة. ذلك أن تمييز الوزن والكيل والمساحة قد يأتى أيضا مجرورا بالإضافة أو بـ "مِنْ"، مثلا: اشتريتُ قنطارا قطنا (بالنصب)، أو: قنطارَ قطنٍ (بالجر بالإضافة)، أو: قنطارا من قطن (بالجر بحرف الجر"مِنْ"). وتمييز العدد منصوب مع أعداد ومجرور مع أعداد أخرى، وإذا كان يقال لنا إن تمييز الملحوظ منصوب وفقا لأمثلة تُساق فليس هناك ما يمنع من استخدام أشكال أخرى بغرض تمييز الملحوظ.
ولنتأمل الأمثلة التالية من كتاب تحرير النحو العربى[xc]:
اشتريت قنطارا قطنا.
بعت أردبًّا قمحا.
باعنى التاجر مترا صوفا.
فى الفصل ثلاثون طالبا.
رأيت أحد عشر كوكبا.
ونحن هنا أمام مقادير تخص موازين أو مكاييل أو مساحات أو مقاييس طولية (أو ما يشبه المقادير) أو أعدادا وتبدو هذه المقادير أو الأعداد عناصر جملة: يبدو قنطارا أو أردبا أو مترا أو أحد عشر مفعولا به ويبدو ثلاثون مبتدأ (= مسندا إليه أو فاعلا). غير أن هذه المقادير والأعداد تبدو أيضا صفات لعناصر جملة بمعنى أنه يبدو أيضا أن المفعول به الحقيقى فى الجمل السابقة هو "القطن" و "القمح" و "الصوف" و "الكواكب الأحد عشر"، كما يبدو أن الفاعل الحقيقى هنا هو "الطلاب الثلاثون". وهنا تبدو المقادير والأعداد صفات كمية أو عددية للمفعول به أو الفاعل فهى تقدم فى الحقيقة فى كل الأحوال "عدد" قناطير القطن أو أرادبّ القمح أو أمتار الصوف أو "عدد" الطلاب أو الكواكب فى الأمثلة السابقة. والأعداد كأقسام كلام فى اللغات تكون أسماء أو ضمائر كما تكون صفات، وفى الإنجليزية؛ إذا قلنا مثلا: twenty years [عشرون كتابا] فهذا العدد إنما هو نعت عددى لهذه الأعوام، ولا شيء يمنع الأخذ بهذا فى النحو العربى. ويختلف الأمر بالطبع فى حالة استخدام حرف الجر "مِنْ" للتمييز حيث يكون مقدار المساحة أو الوزن أو الكيل أو العدد هو عنصر الجملة المنعوت وليس النعت. غير أن اللغة أوجدت هذه الصيغة الخاصة التى اعتبرت المقادير والأعداد كلمات مبهمة تحتاج إلى تفسير أو تمييز أو إبانة. ونجد أنفسنا أمام احتمالين: الأول، اعتبار المقادير والأعداد فى مثل هذه الجمل نعوتا تأتى قبل المنعوت، والثانى احترام هذه الصيغة الخاصة وبالتالى اعتبار المقادير والأعداد عناصر جملة واعتبار التفسير أو التمييز نوعا من الظرف يحدد الكمية أو العدد. ومن التمييز ما يشبه المقدار، مثل: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره"[xci]، ومثل: "مِلْء الإناء عسلا"[xcii].
ويتنوع التمييز بعد المميََّز "الملحوظ"؛ ومنه التمييز بعد الفعل اللازم، مثل: "محمود حَسُنَ خُلُقًا" أو "اشتعل الرأس شيبا"[xciii]، وبعد المصدر، مثل: "تمَّ حشد الجيش فرقا على الحدود"، وبعد الصفة المشبهة، مثل: "علىّ جميل خُلُقًا"، وبعد ما يلحق بالصفة المشبهة، مثل: "حسين دمشقىّ بلدا"، وبعد اسم التفضيل، مثل: "العلم أهمُّ من المال ثروةً"، وبعد فعل التعجب، مثل: "ما أجمل الإسكندرية بحرًا"، وبعد أفعال المدح والذم، مثل: "حبذا الأخ علىٌّ متكلمًا"، وغير ذلك حسب أمثلة وتصنيفات الدكتور شوقى ضيف[xciv].
 وينقلنا التمييز بعد الملحوظ أو النسبة إلى فكرة التحويل فيقال إن التمييز هنا محول عن أصله كفاعل، فى مثل: "اشتعل الرأس شيبا"، فالتقدير هو: اشتعل شيبُ الرأس، أو عن أصله المفعول به، فى مثل: "وفجرنا الأرض عيونا"[xcv]، فالتقدير هو: وفجرنا عيون الأرض، أو عن أصله المبتدأ، فى مثل: "أنا أكثر منك مالا"[xcvi]، فالتقدير هو: مالى أكثر من مالك. ويمكن اعتبار التمييز بعد المميَّز الملحوظ فى أغلب هذه الأمثلة نوعا من الظرف لبيان نوع الاشتعال أو التفجير أو ما أشبه، غير أن التمييز بعد اسم التفضيل يأتى بجديد. ومن ناحية يمكن اعتبار "أكثر مالا" عبارة ظرفية كنوع من ظرف المقارنة adverbial of comparison، ومن ناحية أخرى يمكن التفكير فى هذه العبارة فى إطار مجرد الصفة والنعت. فالصفة، كما نعلم، ثلاث درجات: الدرجة الأولية أو القاعدية، وأفعل المقارنة أو التفضيل، والأفعل، مثلا: طيِّب، أطيب مِنْ، الأطيب. والدرجة الأولى من الوصف فى الآية "كثير المال" والكثير المضاف وهو صفة مع المال المضاف إليه عبارة لا تعدو أن تكون صفة، ولا يخرج بها عن هذا الاعتبار رفع درجة المقارنة إلى "أكثر مِنْ" أو "الأكثر".
 
المستثنى
 
من المعلوم أن إعراب المستثنى المعرب بـ "إلا" هو النصب أو الإتباع (الإعراب حسب الموقع). ولهذا ولأن هناك المستثنى المبنىّ أو المستثنى التركيب المتعدد الكلمات فإن إدخاله فى المنصوبات إنما كان على أساس المستثنى الكلمة المعربة فى حالة واحدة هى أن لا يكون هذا المستثنى المعرب خاضعا للإعراب حسب الموقع. وسأكتفى بمناقشة الاستثناء بـ "إلا" لأن ما ينطبق على "إلا" ينطبق على أدوات الاستثناء الأخرى من حيث جوهر معنى الاستثناء ومن حيث تنوع إعراب المستثنى (مثلا: النصب أو الجر بعد خلا وعدا وحاشا باعتبار هذه الأدوات أفعالا فى حالة النصب، وحروفَ جر فى حالة الجر، والجر بعد غير وسوى مع أخذ لفظتىْ غير وسوى حكم المستثنى بـ "إلا" فى النصب والإتباع والإعراب حسب الموقع فى الجملة).
نصب المستثنى بإلا:
أ: إذا كان الكلام تامًّا (المستثنى منه مذكور) مثبتا (غير منفيّ)، مثلا:
"فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا فى الغابرين"[xcvii].
ب: إذا كان الكلام تاما (المستثنى منه مذكور) منفيا، مثلا:
* ما حضر القومُ إلا محمودًا
* لم أكافئ أحدا إلا المجدَّ
* ما سلّمتُ على أحد من الجنود إلا القائدَ.[xcviii]
ويجوز أيضا الإتباع (الإعراب حسب الموقع) فيكون المستثنى فى المثال الأول مرفوعا (محمودٌ) أيضا، ويكون المستثنى فى المثال الثالث مجرورا (القائدِ) أيضا[xcix].
الثانى: إعراب المستثنى حسب الموقع فى الجملة: إذا كان الكلام ناقصا (المستثنى منه غير مذكور) منفيًّا، وإليك هذه الأمثلة من كتاب القواعد الأساسية فى النحو والصرف[c]:
1: "وما محمدٌ إلا رسولٌ"[ci] (رسولٌ: خبر = متمم المسند إليه أو الفاعل).
2: "ما على الرسول إلا البلاغُ"[cii] (البلاغُ: مبتدأ = المسند إليه أو الفاعل).
3: "ما رفع شأن الأمم إلا العلمُ والأخلاقُ" (العلمُ والأخلاقُ: فاعل).
4: "لا يُستذلُّ إلا ضعيفٌ" (ضعيفٌ: نائب فاعل = المسند إليه أو الفاعل).
5: "ما قلتُ إلا كلمةَ الحق" (كلمةَ: مفعول به).
6: "ما فتح العربُ بلدا إلا ناشرين للحضارة والعدالة" (ناشرين: حال = ؟).
7: "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين"[ciii] (رحمةً: مفعول لأجله = ؟).
8: "لا تعتمد إلا على ذى ثقة" (ذى ثقة: مجرور بحرف الجر = ؟).
ويورد تحرير النحو العربى[civ] أمثلة على الحالة التى تفيد فيها "إلا" القصر (أو: الحصر)، حيث "يُعرب" المستثنى "حسب موقعه من الإعراب" (وقد وضعتُ أمامها عناصر الجملة الأصلية حسب مصطلحاتى): "وما محمدٌ إلا رسولٌ"[cv] (رسولٌ: متمم الفاعل)، "ما كان إلا بشرا" (متمم الفاعل)، "ما كافأتُ إلا خالدا" (خالدا: مفعول به)، "ما فى الدار إلا رجلٌ" (رجلٌ: فاعل).
ومن الجلى أن ما "يُعرب" من المستثنى "حسب موقعه" عناصر جملة أو أجزاء من عناصر جملة، وهى ليست منصوبات بل تُرفع أو تُنصب أو تُجرّ حسب موقعها، أما المستثنى المعرب المنصوب بعد "إلا" فإن من الصعب ردّه إلى عناصر الجملة رغم أنه استثناء من المستثنى منه الذى هو دائما عنصر جملة، فى مثل: "الإنسان خُلق هلوعا ... إلا المصلين"[cvi] (الإنسان: نائب فاعل = المسند إليه أو الفاعل), أو "فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا فى الغابرين"[cvii] (أهله أجمعين: مفعول به)، "لأغوينهم أجمعين إلا عبادَك"[cviii] (هم أجمعين: مفعول به).
ولعلنا نلاحظ من جديد أن التمحور حول الإعراب هو الذى جعل النحاة يركزون على المستثنى المنصوب بدلا من تناول أسلوب الاستثناء الذى لا يمثل المستثنى المنصوب بعد أدوات الاستثناء إلا شكلا من أشكاله، وإليك بعض الأمثلة على أشكال أخرى لتحقيق أسلوب الاستثناء:
* جاءوا باستثناء شخص أو شخصين.
* عادت الطائرات من المعركة سالمة إلا أنّ إحداها لم تعد.
* حضر الجمهور إلا مَنْ كان لا يحمل بطاقة دعوة.
* جاءوا جميعا ولكن أخاهم الصغير لم يأت.
* كلهم فضلاء باستثناءات قليلة.
* لا يستقبلون أحدا إلا إذا كان من شلتهم.
وهنا كلمات هى عناصر جملة (مثل: إحداها بعد إلا أنّ، ومثل: "مَنْ" بعد إلا، ومثل: "أخاهم" بعد ولكنَّ) وكلمات أخرى ليست عناصر جملة. غير أن الأهم ليس الإعراب وليس كون المستثنى عنصر جملة فى كثير من الأمثلة، بل الاستثناء ككل، أىْ إلا أو أدوات الاستثناء الأخرى وكل ما بعدها.
وهنا نجد أنفسنا مدفوعين، بحكم الحاجة من ناحية، وبمقتضيات النحو المقارن من ناحية أخرى، إلى الاتجاه نحو عنصرىْ الجملة المرشحين لاستيعاب هذه الأوضاع النحوية، أعنى المتمم والظرف. غير أن المتمم يقتضى فاعلا يتممه أو مفعولا به مباشرا يتممه أيضا ولسنا أمام حالة كهذه ما دمنا نريد استيعاب "إلا وما بعدها" ككل. وبحساب البواقى يكون لدينا الظرف. غير أننا لا نعبث حتى نعتمد على حساب البواقى بل نبحث عن حل حقيقى. وإذا أخذنا الظرف بمفهومه المقتصر على الزمان والمكان فى نحونا فإنه لن يسعفنا مطلقا، غير أن الظرف فى كل نحو متطور لا يقتصر على الزمان والمكان بل يتسع ليشمل كل ما يجيب على مجموعة من الأسئلة التى تحيط بالفعل غير سؤال الفاعل والمفعول به والمتمم ومتى (الزمان) وأين (المكان). ونجد الظرف يمتد، إلى جانب الزمان والمكان، إلى وظائف تحديد صفة أو ظرف آخر أو فعل أو عبارة بما يفيد الكيفية أو الطريقة، أو التوكيد، أو الكمية، أو النفى، أو الشك، أو السبب، أو الهدف، أو النتيجة، أو الأداة، أو الدرجة، أو المعية، والكثير غير ذلك فى النحوين الإنجليزى والفرنسى على سبيل المثال لا الحصر. ولكن تُرى هل يكون من بينها الاستثناء؟
والحقيقة أن الاستثناء نوع من الظرف، وهو ما نجده أيضا فى النحو الإنجليزى تحت اسم ظرف الاستثناء adverbial of exception، وقد يتحقق بواسطة عبارة استثناء مجرورة prepositional phrase of exception. وأكرر أن هذا الظرف لا يخص المستثنى بل يشمل "إلا وما بعدها" ككل، وهنا تتضح طبيعة الظرف فهو عنصر لا يقع عليه الفعل (وهذا هو المفعول به) ولا يتمم الفاعل مع الفعل الرابط ولا المفعول به (وهذا ما يقوم به المتمم) بل يقول لنا (عن غير طريق تصريف الفعل فى الأزمنة) متى حدث أو يحدث أو سيحدث ذلك الفعل، أو يقدم لنا بيانات أخرى هى بمثابة إجابات عن أسئلة أخرى عن مكان حدوث الفعل، أو كيفية حدوثه (مثلا: بقوة، بوضوح، باعتدال، بصورة كاملة أو جزئية)، أو سبب أو هدف أو غاية أو نتيجة حدوثه، أو درجة حدوثه، أو وسيلة أو أداة أو آلة حدوثه، أما هنا، فى مجال الاستثناء، فإن تحديد الظرف للفعل يتمثل فى الاستثناء عليه أىْ استبعاد المستثنى عن الحكم الذى يتضمنه الفعل.
 
المفعول المطلق والمفعول لأجله والمفعول معه
فى ضوء المفهوم الواسع للظرف، كما تقدم، نستطيع أن نتعامل بسهولة مع هذه المفاعيل.
 
المفعول لأجله
هناك مثلا ظروف السبب cause أو reason أو الدافع motive والغرض أو الهدف  purpose والنتيجة result (بالإنجليزية) وهى كافية لاستيعاب وتوسيع مفهوم المفعول لأجله. والمفعول لأجله كلمة أو مجموعة كلمات وظيفتها بيان سبب وقوع الفعل (والمقصود سبب الفعل أو هدفه وربما نتيجته)، مثلا: "جئتُ رغبة فى رؤيتك" أو "لرؤيتك" أو "بهدف رؤيتك" أو "لكى أراك" أو "لأننى اشتقت إلى رؤيتك"، ولا بأس بالتعبير بأىّ طريقة عن معنى هذا الظرف، ونكرر أن الظرف يضيف تحديدا من نوع ما إلى النعت أو ظرف آخر أو الفعل، والمقصود هنا هو سؤال: لماذا أو من أجل ماذا أو لأىّ غاية أو بأىّ دافع إلخ.. جرى القيام بالفعل؟ ومن الجلى أن الأشكال المتنوعة التى يتحقق بها ظرف السبب والغاية هذا تستبعد أن يكون النصب سمة ضرورية والنحو العربى ذاته يتحدث عن النصب والجر باللام.
 
المفعول معه
 
وهناك المفعول معه الذى يمكن أن نسميه أيضا ظرف المعية بمعنى "برفقة" أو "بمصاحبة" أو "بمعية" أو "مع". فإذا قلنا "استيقظتُ وطلوعَ الفجر" يقال إن "طلوعَ" مفعول معه منصوب حيث يكون المقصود هو ما فُعل الفعل بمصاحبته وليس معنى العطف (لأن طلوع الشمس لا يستيقظ معى)، فلماذا هذا الاقتصار الذى يستبعد العطف؟ لماذا استبعاد المعطوف وحرف أو أداة العطف فى مثل: "أنجزت المهمة مع محمود (أو: أنا ومحمود)"؟ من الواضح أن السبب هو البحث الإعرابىُّ التوجه عن المرفوعات والمنصوبات وغيرها كلٌّ فى بابه وليس البحث النحوى عن الظرف الدالّ على الاشتراك. ونأخذ من النحو الإنجليزى أمثلة مترجمة على هذا النوع من الظرف المسمى adverbial of accompaniment (complément d’accompagnement فى النحو الفرنسى):
أنا سعيد بمجيئك معنا (with us).
ظل محسن يرقص مع عديد من أصدقائه (with several of his friends).
الكارى مع الأرز (with rice) طبقى المفضل.
ونترجم من الفرنسية مثلا أيضا:
هو يعمل معنا (avec nous). 
وعبارات ظرف المعية هى مع وما بعده من الكلمات التى تحتها خط، ولا مبرر لحصر هذا الظرف فيما لا يدل على العطف، لأن العطف الدال على الاشتراك فى القيام بالفعل هو الأولى بهذا الظرف.
 
المفعول المطلق
 
وسمة المفعول المطلق هى استخدام المصدر من لفظ الفعل المذكور معه لتوكيده (مثل: "وكلَّم الله موسى تكليما"[cix]) أو لبيان نوعه (مثل: "فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر"[cx]) أو لبيان عدده (مثل: "يفرح الصائم فرحتين").
وهناك حالات لا يُستخدم فيها المصدر من لفظ الفعل بل لفظ آخر للدلالة على هذه الأغراض ذاتها ويقال فى هذه الأحوال إن هذا اللفظ الآخر ينوب عن المصدر الحقيقى المعهود فى استعمال المفعول المطلق. وتكثر "التخريجات" الخاصة بهذا النائب أو ذاك عن المصدر، فهو فى أمثلة القواعد الأساسية كما يلى[cxi]:
1: صفة المصدر، مثل: تتطور الحياة العصرية سريعا (أىْ تطورا سريعا) [أو: "فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا"[cxii]].
2: مرادف المصدر، مثل: فرحت جَذَلا.
3: نوع المصدر، مثل: رجع الصف القهقرى (أىْ رجوعَ القهقرى).
4: عدد المصدر، مثل: "إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم"[cxiii].
5: آلة المصدر، مثل: رميتُ العدوَّ قذيفةً.
6: ضمير المصدر، مثل: أقدِّر الفن تقديرا لا أقدِّره شيئا آخر.
7: الإشارة إلى المصدر، مثل: حسبى أنِّى أرعى الجميلَ هذه الرعاية.
8: لفظة "كل" أو "بعض" مضافة إلى المصدر، مثل: "فلا تميلوا كلَّ الميل"[cxiv].
وتزداد هذه القائمة طولا بل تصل إلى الضعف لتصل إلى 16 "شيئا" يدل على المصدر منها 13 للنوع و 3 "للمؤكَّد" من النيابة فى تخريجات معجم الدقر[cxv] حيث تُضاف هذه "الأشياء" للنوع:
1: هيئة المصدر، مثل: يموت الجاحد ميتة سوء.
2: وقت المصدر، مثل: "ليلة أرمدا" فى قول الأعشى: "ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا". 
3: ما الاستفهامية، مثل: "ما تضرب الفاجر" (أىْ أىَّ ضرب تضربه) كما يقول الدقر.
4: ما الشرطية، مثل: "ما شئتَ فاجلسْ" (أىْ أىَّ جلوس شئته فاجلس)، كما يقول الدقر.
5: مرادف المصدر ، مثل: نهضت وقوفا.
وتضاف "أشياء أخرى" للمؤكَّد:
1: مرادف المصدر، مثل: فرحتُ جذلا، أو: ومقتُه حُبًّا.
2: مُلاقى المصدر فى الاشتقاق، مثل: "والله أنبتكم من الأرض نباتا"، أو: "وتبتَّلْ إليه تبتيلا"، والمصدر الحقيقى (على الترتيب): "إنباتا" و "تبتُّلا"، وليس "نباتا" و "تبتيلا".
3: اسم المصدر، مثل: أعطى عطاء، والمصدر الحقيقى: "إعطاءً".
ومن الجلى أن نقطة الانطلاق إلى فكرة المفعول المطلق هى وجود المصدر وبالأخص المصدر الحقيقى فى هذا الأسلوب، وربما كان من الممكن تسميته بالمصدر المفعول أو التوكيد إلخ.. بالمصدر. وهنا ابتعاد واضح عن التفكير فى الهدف النحوى وراء هذا الأسلوب، أىْ التوكيد وغيره، والهروب بالتالى إلى مفهوم صرفى أو معجمى.  ويتضح من "النيابات" المذكورة عن المصدر أننا إزاء غرض نحوى يمكن تحقيقه بالمصدر وبأشكال أخرى، ومن هنا تأويل هذه الأشكال الأخرى بما يربطها بطريقة ما بالمصدر. وكان الأولى بالطبع بحث الأغراض النحوية أو البلاغية والمقارنة بين هذه الأغراض الأمر الذى كان من شأنه أن يوضح ما إذا كان هناك شيء جوهرى يجمع بينها وإلا كُنَّا أمام وظائف نحوية متعددة أو أشكال متنوعة لوظيفة نحوية.
وبقدر ما يتعلق الأمر بالاستخدام المباشر للمصدر الحقيقى بالذات، أو ربما لأشكال مصدرية أخرى، القول بأننا إزاء شكل خاص من ظرف توكيدىّ. غير أن "التخريجات" التى نجد أنفسنا أمامها تدعو إلى التفكير فى احتمالات أخرى للوظيفة النحوية أو أشكال تحقيقها. وينطوى "كلَّم تكليما" دون شك على ظرف توكيدى، ولكن هل نجد هذا الغرض نفسه فى الأشكال الأخرى؟
ويمكن أن نجد المعنى نفسه فى "أخذ عزيز مقتدر" فهذا أيضا توكيد أو نوع من التوكيد يقوم على بيان "درجة" أو "قوة" أو "شدة" التوكيد، وهذا مألوف فى الظرف المؤكِّد أيًّا كان أسلوبه (باستخدام المصدر أو بدونه). وإذا قلنا مثلا، كأحد أمثلة المفعول المطلق المبين للنوع كما يقال، وهو المصدر الموصوف أو المضاف فى هذا الاستعمال: "نبحث بحث الدائبين" فهذا يساوى "بحثا دائبا" أو "بدأب" أو "بطريقة/بصورة دءوبة"، وعندئذ نكون أمام ظرف الطريقة أو الكيفية adverbial of manner بالمعنى المباشر دون شك. أما إضافة "يفرح الصائم فرحتين" إلى هذا الغرض بادعاء بيان العدد فلا مبرر له لأن المقصود هنا ليس بيان العدد بوصفه كذلك بل التمييز المبين لنوع هذه الفرحة أو تلك فكأننا نتحدث عن الفرح مرتين "فرحة عند فطره، وفرحة عند دخوله الجنة"، فكأنه تمييز للعدد.
غير أن المشكلة تشتد مع "تخريجات" أو "نيابات" كثيرة أخرى. وعلى سبيل المثال فإن النيابة الأولى المذكورة أعلاه تتحدث عن صفة المصدر، والشاهد: تتطور الحياة العصرية سريعا (أىْ تطورا سريعا)، غير أن إضافة كلمة "سريعا" لتحديد معنى الجملة أو لتحديد فعل "تطوَّر" بالسرعة ليس فى الحقيقة سوى ما يسمى بالحال وهو نوع من ظرف الكيفية أو الطريقة أو الهيئة، وكأننا نقول إن هذا التطور صار يتقدم "بسرعة".
وتعطينا نيابة "مرادف المصدر" صيغة "فرحتُ جَذَلا" ويجرى تعليل هذا بأن الجذل مرادف للفرح، ولكنْ أليس الأولى أن نلتفت إلى احتمال أن يكون المقصود هو التوكيد باستخدام مرادف المصدر مادام معنى المفعول لأجله مستبعدا هنا؟ ويضيف معجم الدقر غرضا يعتبره مختلفا لمرادف المصدر من خلال هذا الشاهد "نهضت وقوفا"، وماذا إنْ قلتُ: "نهضتُ واقفا" باسم الفاعل بدلا من المصدر، وهو الاستعمال الأكثر شيوعا؟، ولكنه فى الحقيقة غرض التوكيد نفسه.
أما "عدد المصدر"، وشاهده "إنْ تستغفر لهم سبعين مرة"، فلا يقدم سوى العدد وتمييزه، والتعليل هو أن الآية تتضمن معنى "سبعين استغفارا" ولا غبار على هذا غير أن هذا قد يؤدى إلى اعتبار كثرة من تمييز العدد مفعولا مطلقا دون مبرر حقيقى.
أما آلة المصدر، مثل: "رميتُ العدوَّ قذيفةً"، فقد يكون أولى بما يسمى بظرف الآلة أو الوسيلة adverbial of instrument or means، ومن أمثلته فى الإنجليزية ما تحته خط فيما ترجمته: أذهب إلى عملى "بالسيارة"، أو "دخل اللص البيت بالباب الخلفى"، أو "تلقف الكرة بيده اليسرى". ومن السهل بالطبع أن نقوم مع هذه الأمثلة بتخريجات تضمها إلى المفعول المطلق بافتراض المصادر: "ذهاب"، و "دخول"، و "تلقُّف"، على الترتيب!
وقس على هذا؛ فلا ضرورة حقيقية لأن نناقش بالتفصيل كل هذه "النيابات" التى يأتى بعضها حتى مع وجود المصدر الحقيقى مباشرة لمجرد وجود ضمير يعود على المصدر أو اسم إشارة. والأمر المهم هو أن "غربلة" المفعول المطلق و"تخريجاته" يمكن أن تقود إلى أشكال ظرفية متنوعة تنتمى إليها هذه "الأشياء".
وقد يتراكب ظرف التوكيد مع ظرف الزمان مثلا فى قولنا: "عند/أثناء البحث بحثا عميقا يتوصل المرء إلى نتائج ذات قيمة"، أو مع غير ظرف الزمان فى مثل قولنا: "فى التأمل تأمُّلا عميقا نفاذ لا يتحقق بغيره إلى أسرار الكون".
 
الحال بين المتمم والظرف
 
وننتقل إلى الحال. وينطبق على الحال ما قيل عن باقى ما يسمى بالمنصوبات من حيث إن النصب لا يمثل سمة مطلقة لها. ذلك أن الأشكال المتنوعة لتحقيق الحال، ومنها التراكيب المتعددة الكلمات مثل الجملة وشبه الجملة، كما يقال، تستبعد الإعراب مع غير الكلمة المعربة. على أن بحث النصب أو الإعراب لم يعد قضيتنا الآن، بل ينبغى أن نركز على مسألة علاقة ما يسمى بالحال مع عناصر بناء الجملة.
ويتعلق الحال بصاحب الحال ويكون هذا فاعلا أو مفعولا به وقد يجتمعان فى جملة واحدة، ومن أمثلة كتاب القواعد الأساسية[cxvi]:
1: صاحب الحال هو الفاعل، مثل: "سأزحف ثائرا".
2: صاحب الحال هو المفعول به، مثل: "إنَّا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا"[cxvii].
3: صاحب الحال كل من الفاعل والمفعول به، مثل: "صافح اللاعبُ منافسَه متحابَّيْن" [ويمكن أن يكون صاحبا الحال فاعليْن متفاعليْن، مثل: "تصافح اللاعبان المتنافسان متحابَّيْن"].
وهناك "أنواع" الحال، أىْ: أشكال تحقيق الحال، وهى مثل "أنواع" خبر المبتدأ وخبر "إن وأخواتها" وخبر "كان وأخواتها" وكلِّ "خبرٍ" آخر فى هذا النحو، والحال ما تحته خط:
1: حال مفردة، مثل: واجَهَ الصعابَ قويََّا.
2: حال جملة (اسمية وفعلية): اسمية، مثل: ننتصر على العدوّ ونحن يد واحدة، وفعلية، مثل: سرى الفدائىّ يتسلل نحو العدوّ.
3: حال شبه جملة (الظرف أو الجار والمجرور): ظرف، مثل: رأيتُ الطيور بين الشجر والزهر، وجار ومجرور، مثل: رأيت الطيور فى رحاب الطبيعة.
وقبل أن نلمّ بأمثلة أخرى، نعلِّق على هذه الأمثلة:
من الجلى قبل كل شيء أن تعريف الحال ينصبّ، هنا كما فى كل مكان آخر فى هذا النحو، على صاحب الحال باعتباره الفاعل أو المفعول، فلا يشمل صاحب الحال الفعل أو الجملة بكاملها. وهذا ما يُخرج الحال من المفهوم الشامل لظرف الطريقة أو الصورة أو الشكل الذى ينصبّ على الفعل باعتباره محور الجملة. وهناك، بعد ذلك، مشكلات أخرى. وإذا انتقلنا إلى أنواع الحال وجدنا أن ما يسمى بجملة الحال ليس جملة حيث يتكون من الرابط أىْ الواو و"الضمير" وما بعد كل منهما مجموعة اسمية أو فعلية لا تشكل جملة مستقلة، فالرابط الواو يجعلنا أمام جملة تابعة (غير مستقلة): ونحن يد واحدة، ومن الواضح أن واو الحال التى توصف بأنها تحمل معنى الظرفية مثل واو المعية[cxviii] تضعنا مع ما بعدها أمام فكرة الظرف كتفسير للحال. والرابط الضمير "الياء" هنا ليس ضميرا كما يقال بل هو بادئة من بوادئ تصريف المضارع (حروف "نأيتُ")، ولسنا على أىّ حال أمام جملة مستقلة إذ ينقصها المسند إليه: "يتسلل نحو العدوّ". والنوع الثالث حال شبه جملة، وهنا ندخل فى التباس لا مخرج منه: فالظرف "بين الشجر والزهر" خبر شبه جملة وفقا لهذا النحو (ومع الكينونة المحذوفة وفقا لنظرية متعلَّق الظرف والجار والمجرور) فلا ينبغى اعتباره حالا شبه جملة، وهنا يكون الالتباس بين الخبر والحال، وهو ظرف مكان بالذات كما يقول هذا النحو ذاته ومعنى هذا أن الحال ظرف أو ظرف أيضا، وهنا يكون الالتباس بين الظرف والحال. أما الجار والمجرور، مثل: "فى رحاب الطبيعة"، فهو هنا حال شبه جملة ولكنه أيضا خبر شبه جملة وفقا لهذا النحو (ومع المحذوف وفقا لنظرية متعلَّق الظرف والجار والمجرور)، كما أن من الضرورى دائما تحليل ما يمثله الجار والمجرور وهو هنا - فى الفضاء الفسيح لرحاب الطبيعة - ظرف مكان بالذات وليس شيئا آخر، فنحن إذن مرة أخرى أمام الالتباس بين الحال من ناحية والظرف والخبر من ناحية أخرى. غير أننا هنا مع فعل "رأيتُ"، فنحن إذن أمام التباس جديد بين الحال وما يسمى بالمفعول به الثانى مع "ظن وأخواتها"، أو بالأحرى، كما نجد هنا، مع الظرف الذى يأتى مع المفعول به المباشر فى نموذج "ظن وأخواتها" أو "أعلم وأرى وأخواتهما".
وفى أمثلة كتاب تحرير النحو العربى[cxix] أيضا، نجد الظرف أو الجار والمجرور "حالا" بالمشكلات ذاتها.
وفى أمثلة الدكتور شوقى ضيف فى كتابه تجديد النحو[cxx] نلقى المزيد من أسباب الالتباس بين الحال وأشياء أخرى. وهو يقدم الظرف والجار والمجرور باعتبارهما المزدوج السالف الذكر. ويتسع خرق الالتباس على الراقع عندما يُلحق الدكتور شوقى ضيف أفعال "كان وأخواتها" بالحال[cxxi]، دون مبرر واضح سوى النصب، رغم الأهمية الكبرى لأفعال "كان وأخواتها" فى اللغات بوجه عام، وليس فى اللغة العربية وحدها، كأفعال تتميز بنموذج خاص جدا من الجمل. ويبدو أن أفعال "كان وأخواتها" أكثر مما تورده كتب النحو عادة ومنها على سبيل المثال، كما جاء فى معجم الدقر، ما وافق "صار" فى المعنى، ويورد هذه الأفعال العشرة: آض، رجع، عاد، استحال، قعد، حار، ارتد، تحول، غدا، راح[cxxii].
وعلى هذا يمكن القول بأن الحال نوع من الظرف مع تخليص هذا الباب من كثير مما استقر فيه دون مبرر وما أضيف إليه دون مبرر أيضا. ولا شك فى أن الحل الحقيقى لمشكلة التباسات "الحال" سوف يتحقق فى سياق الغربلة النحوية المنطقية للظرف نظريا وتطبيقيا وتوسيع دائرته مع الاهتمام بصورة خاصة بظرف الطريقة ولكنْ أيضا بظرف الشرط وكل أنواع الظرف الأخرى التى تختفى الآن تحت أسماء الكثير مما يسمى بمنصوبات الأسماء. كذلك فإن متمم الفاعل قد يكون له نصيب مما يُنسب إلى الحال إذا جرى توسيع نطاق أفعال "كان وأخواتها" لتشمل عددا أوسع مما يُدْرَج تحتها الآن، على عكس اتجاه الدكتور شوقى ضيف إلى ضمّ أفعال "كان وأخواتها" إلى ما يسمى بالحال.
وبدلا من التمحور حول الإعراب والتحليل الإعرابى ينبغى أن يتجه النحو إلى البحث النحوى والمنطقى والتحليل النحوى والمنطقى. ولا أحد يعترض بطبيعة الحال على الحديث والكتابة بالإعراب، ولا أحد يعترض على تحليل كل نص عربى (مكتوب على نسق الإعراب) تحليلا لكل لفظة من حيث الإعراب والبناء مع كل تعليل منطقى سائغ من حيث الصلة بالمفاهيم النحوية المنطقية. غير أن التحليل النحوى المنطقى بالمعنى الحقيقى سيكون ثمرة رفع النحو العربى إلى مستوى طموحه وإلى مستوى طموح كل نحو متطور. ولن يكون هذا إلا بتطوير فهمنا لبناء الجملة من حيث عناصر ومكونات ووظائف هذا البناء بغضّ النظر عن الإعراب، باعتبار النحو علما يخص بناء الجملة فى كل لغة معربة أو غير معربة. وأعتقد أن البحث النحوى المقارن كفيل بأن يقنع جميع المهتمين بتطوير النحو العربى بحقيقة مفادها أن النحو واحد فى كل اللغات، وهى حقيقة وثيقة الارتباط بحقيقة اجتماعية لغوية أعمق هى وحدة الحياة البشرية ووحدة اللغات التى تعبر عنها.
 
 
 
   
 
 
 
 
 
16
محاولة مجمع اللغة العربية بالقاهرة
ووزارة المعارف المصرية
لإصلاح النحو العربى فى 1945
 
لن يفوتنى، ونحن نتجه إلى نهاية هذا الكتاب، أن أقف هنا - وقفة متأنية قدر الإمكان - عند أهم وأنضج محاولة لإصلاح وتيسير النحو العربى فى العصر الحديث؛ أعنى محاولة وزارة المعارف المصرية (وزارة التربية بعد حركة 1952) منذ 1938 ومجمع اللغة العربية فى دورته الحادية عشرة فى 1945[cxxiii].
وكان كتاب "تحرير النحو العربى: قواعد النحو العربى مع التيسير الذى قرره مجمع اللغة العربية بالقاهرة"، الصادر عن دار المعارف فى 1958، أنضج ثمرة لتلك المحاولة، جنبا إلى جنب مع قرارات المجمع بهذا الشأن.
ونقرأ فى تقديم ذلك الكتاب ما يلى:
لقد اتصلت المحاولات، وألفت وزارة "المعارف" المصرية – التربية الآن – سنة 1938 لجنة من كبار الأساتذة فى الجامعة وفى وزارة "المعارف" لتبحث وسائل التيسير فى تعليم القواعد العربية، وأدت اللجنة عملها وقدمت تقريرها ونحت فيه وجهة جديدة ببعض الاصطلاحات النحوية، وفى ترتيب القواعد وتقسيم الأبواب – أعفت التلميذ مما كان يسمى بالإعراب التقديرى والمحلى، وكان تعليمه زيادة من غير فائدة فى ضبط لفظ أو تقويم لسان، وقللت الأبواب فجعلت المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل بابا واحدا أسمته المسند إليه، كما سماه علماء البلاغة والمتقدمون من النحويين، وتوصلت بذلك إلى قدر من التيسير[cxxiv].
ويواصل التقديم موضحا الجديد فى هذه المحاولة:
وكان الإصلاح متجها من قبل إلى تلخيص القواعد، وتخليصها من التطويل أو الجدل، أو طريقة عرضها أو وسائل توضيحها، وفى هذه المحاولة اتجه الإصلاح إلى ذات القواعد، ولم ينكل عن تغيير فى ترتيبها على شرط ألا يمس ذلك التعديل شيئا من جوهر اللغة ولا أصلا من أصولها، أو يبدل حكما من أحكامها[cxxv].
ويروى التقديم مسار الصعود المتردد المتعثر لتلك المحاولة:
وأُرسل هذا التقرير إلى الجهات التى تعنى بدراسة القواعد لترى فيه رأيها، وقد درسته جهات تعليمية وأخذت ببعض ما فيه، ودرسه مجمع اللغة العربية بمصر، وناقشه فى مؤتمره الذى عقد فى سنة 1945 وأقرّ ما أقرّ منه، وآن أن يتخذ طريقه إلى التعميم ويستفيد منه المتعلمون، ولكن تنفيذه كان يثير بعض التردد والخشية، فإن الرجوع عن المألوف أمر غير يسير، شديد على من تلقنه ودرسه ثم لقنه، أن يعدل عنه وقد صار جزءا من آرائه ومددا لتفكيره[cxxvi].
ويواصل:
وقد أحست اللجنة ذلك منذ تقدمت بما اقترحت. جاء فى تقريرها: "ومهما يكن ظننا حسنا بهذا الإصلاح الذى نقترحه فإننا نريد أن تتأنى الوزارة فى الأخذ به وأن تهيئ لذلك أسبابه. وأيسر هذه الأسباب أن يتعوده المعلِّمون، وألا يقبلوا على تعليمه إلا بعد أن يثقفوه ويسيغوه ويتمثلوه"[cxxvii].
ويضيف:
وقفت هذه الصعوبة فى سبيل تنفيذ هذا الإصلاح أكثر من عشر سنوات، إلى أن جاءت الثورة المصرية سنة 1952[cxxviii].
ويلخص التقديم القصة اللاحقة لنجاح المحاولة، فيشير إلى عقد مؤتمر بالقاهرة خلال الفترة 1-12 يونيو سنة 1957 حضره الأساتذة مفتشو اللغة العربية بالمرحلة الإعدادية "تناقش فيه السادة المفتشون ومن اختير معهم من الأساتذة، وتداولوا درس هذه الاقتراحات وسبيل تنفيذها، واتخذ المؤتمر فى ذلك قراراته"[cxxix]. ثم أقيم مؤتمر جمع المدرسين الأوائل فى هذه المدارس وقرر ارتياحه للمنهج الجديد ورغبته فى إنجازه[cxxx].
وعلى هذا يقدم الكتاب نفسه بقوله:
أُلِّف هذا الكتاب الذى نقدمه الآن ليكون مرجعا قريبا للمعلم، يجمع تلخيص قواعد النحو، ويشمل ما أقرّ من اقتراحات الإصلاح والتيسير.
وإنا لنرجو أن يكون عملا متصلا فى سبيل "تحرير النحو" وتجديده، ولذلك سميناه "تحرير النحو العربى"[cxxxi].
ونعلم جميعا أن هذه المحاولة التاريخية، التى كانت أهم وأنضج محاولة من نوعها، انتهت إلى الفشل الذريع. وهو فشل يرجع من ناحية إلى عيوبها ونقاط ضعفها التى تتلخص فى أنها لم تكن بالعمق والنضج الكافيين، ويرجع من ناحية أخرى إلى نفوذ القوى المعادية لكل تجديد للنحو العربى، فى مصر والعالم العربى، فى تلك الفترة (وليس فيها وحدها بالطبع).
على أن ذلك الفشل طوال نصف قرن لا يعنى الفشل إلى الأبد، ذلك أن إحياء وتطوير تلك المحاولة يظلان قضية من قضايا تطور اللغة العربية، كما يتدخل الآن عامل جديد يتمثل فى أن اللغة التى لا يتطور نحوها بالقدر الكافى للوفاء بمتطلبات ومقتضيات عصر علم وتقنية معالجة المعلومات آليا لن تكون قادرة على مجرد البقاء. ولا شك فى أن أىّ محاولة جديدة لتطوير النحو العربى سيكون عليها أن تستفيد من نقاط قوة تلك المحاولة البالغة الأهمية، وأن توجِّه النقد العميق الحاسم إلى نقاط ضعفها التى ساعدت على فشلها وضربها وإجبار المجمع ووزارة التربية والتعليم على إهمالها أو التخلى عنها أو التنصل منها.
وعلى هذا نعود الآن إلى تقرير لجنة وزارة المعارف المصرية، وإلى قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ثم إلى كتاب تحرير النحو العربى، لنقف على الأفكار والتطبيقات الأساسية لمحاولة إصلاح وتيسير النحو العربى، وهذا الأخير هو الذى يهمنا هنا، ولهذا سنكتفى باستعراض ومناقشة ما يخص النحو وحده دون الصرف والبلاغة فهذان الأخيران لا يدخلان فى موضوع هذا الكتاب.
وكان حضرة صاحب المعالى بهى الدين بركات باشا، وزير المعارف المصرية، قد أصدر فى 1938 قرارا بتأليف "لجنة مهمتها البحث فى تيسير قواعد النحو والصرف والبلاغة" ... "وقد اتصلت اجتماعات اللجنة للنهوض بهذه المهمة" وانتهت إلى "طائفة من الاقتراحات" رفعتها إلى الوزارة "لا على أنها المثل الأعلى لما ينبغى الوصول إليه من تيسير النحو والبلاغة، بل على أنها خطوة معتدلة موفقة فى سبيل هذا التيسير قد تتاح بعدها خطوات أدنى إلى التوفيق وأقرب إلى الكمال". ثم عرضت الوزارة تقرير اللجنة على المجمع، و"عقدت لجنة تيسير القواعد المتفرعة من لجنة الأصول بالمجمع عدة اجتماعات للبحث فى هذا التقرير" ، وقدمت مقترحاتها إلى مؤتمر المجمع (الدورة الحادية عشرة المنعقدة فى الفترة من 23 من نوفمبر سنة 1944 إلى 28 من مايو سنة 1945)، فأقرها مؤتمر المجمع مع إدخال بعض التعديل[cxxxii].
وكانت لجنة وزارة المعارف تتألف من: الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب، والأستاذ أحمد أمين الأستاذ بكلية الآداب، والأستاذ على الجارم مفتش أول اللغة العربية، والأستاذ محمد أبو بكر إبراهيم المفتش بالوزارة، والأستاذ إبراهيم مصطفى الأستاذ المساعد بكلية الآداب، والأستاذ عبد المجيد الشافعى الأستاذ بدار العلوم. وجدير بالذكر أيضا أن كتاب تحرير النحو العربى كان من تأليف الأساتذة: إبراهيم مصطفى، ومحمد أحمد برانق، ومحمد أحمد المرشدى، ويوسف خليفة نصر، والدكتور عبد الفتاح شلبى، ومحمد محمود رضوان، والدكتور محمود رشدى خاطر، ومحمد شفيق عطا[cxxxiii].
وتوضح ديباجة تقرير اللجنة الوزارية الإطار العام الذى التزمت به والنهج العام الذى اتبعته:
وقد شرط علينا فى القرار الوزارى وشرطنا نحن على أنفسنا ألا ينتهى بنا حب التيسير إلى أن نمس من قريب أو بعيد أصلا من أصول اللغة أو شكلا من أشكالها، وإنما أخذنا أنفسنا بتيسير القواعد والأصول بحيث نقرِّبها من العقل الحديث (...) فلن يكون من نتائج التيسير أن يتغير وضع من أوضاع اللغة، أو يلغى أسلوب من أساليبها أو يهمل استعمال من استعمالاتها (...) بل حرصنا على أكثر من هذا فأخذنا أنفسنا بألا نعدل عن القديم لأنه قديم، وبألا نغير فيما اتفق عليه النحاة من القوعد والأصول إلا بمقدار، حين لا يكون من هذا التغيير بد، وقد اجتهدنا فى أن نتلمس من مذاهب النحاة القدماء ما عسى أن يكون أقرب إلى العقل الحديث وأيسر على الناشئين فنأخذ به ونضعه مكان المذهب المشهور الذى قد يجد المعلمون والمتعلمون فيه من الجهد والمشقة ما يمكن أن يتخفف منه دون أن ينشأ عن ذلك شر قليل أو كثير[cxxxiv].
ويلاحظ التقرير "أن أهم ما يعسر النحو على المعلمين والمتعلمين ثلاثة أشياء": 1: "فلسفة حملت القدماء" على الإسراف "فى الافتراض والتعليل" 2: "إسراف فى القواعد" وبالتالى "فى الاصطلاحات" 3: "إمعان فى التعمق العلمى باعد بين النحو والأدب". ويؤكد التقرير أن اللجنة حاولت تخليص النحو من هذه العيوب الثلاثة[cxxxv].
وقد أصابت اللجنة عندما التزمت بألا تمس أصول اللغة وأشكالها وأساليبها بحال من الأحوال، غير أن عدم تغيير "ما اتفق عليه النحاة من القواعد والأصول إلا بمقدار" يوحى بأن اللجنة تنظر إلى أقوال النحاة وكأنها من أصول اللغة، وهذا ما يوحى به أيضا تحديدها لمهمتها على أنها "تيسير القواعد والأصول". وكان ينبغى أن تميز اللجنة بوضوح بين قواعد أو أصول اللغة وقواعد نحو النحاة، فلا أحد من حقه أن يمس اللغة إلا الجماعة الناطقة بها وبصورة جمعية، أما نحو النحاة اتفقوا أو لم يتفقوا فمجال مفتوح دوما للبحث والاجتهاد والتغيير والإلغاء. وإذا كانت اللجنة قد جعلت ذلك النحو مجالا مفتوحا بالفعل لكل هذا، وإلا لما استطاعت أن تقوم بهذه المحاولة التاريخية للإصلاح والتيسير، فإن من الجائز أن هذه التصورات "المعتدلة" عن "التيسير" وعدم تغيير ما اتفق عليه النحاة "إلا بمقدار" وما إلى ذلك أغلقت آفاقا ربما كانت رحبة أمام تلك المحاولة لتطوير النحو العربى بما أدى فى النهاية إلى المزيد من نقاط الضعف وإلى ضرب المحاولة من داخلها الأمر الذى ساعد خصومها على ضربها من خارجها.
وقبل أن نقف عند الجانب الأكثر أهمية بين اقتراحات اللجنة الوزارية وقرارات المجمع، ونقصد به الإصلاح النحوى للجملة، والذى ينطوى أيضا على أبرز نقاط ضعف تلك المحاولة فى مجال النحو كما فى مجال الإعراب، نشير بسرعة إلى بعض الجوانب الأخرى.
وينص القرار (3) من قرارات المجمع على أن "يبقى التقسيم للكلمة وهو أنها اسم أو فعل أو حرف"[cxxxvi]. والحقيقة أن هذا التقسيم يُعَدّ من نقاط ضعف النحو العربى والمعجم العربى، كما أشرنا غير مرة، ولهذا فإن من المؤسف أن تخلو هذه المحاولة الكبرى للإصلاح من أىّ إصلاح لهذه النقطة.
أما الإعراب المحلى والإعراب التقديرى فترى اللجنة الوزارية "وجوب الاستغناء" عنهما[cxxxvii]، وينص القرار (4) على ذلك[cxxxviii]. وقد ناقشنا رأى اللجنة الوزارية وقرار المجمع بشأن هذه النقطة فى فصل سابق (الفصل 14 حول الإعرابين المحلى والتقديرى).
وترى اللجنة الوزارية اعتبار كل علامة من علامات الإعراب أصلية فى موضعها بلا تمييز بين علامات (حركات) أصلية وعلامات فرعية وبلا حديث عن نيابة علامة فرعية (حركات أو حروف) عن علامة (حركة) أصلية[cxxxix]، وينص قرار المجمع (5) على ذلك[cxl]. ويؤيد كاتب هذه السطور هذا الرأى بلا تحفظ.
وينص القرار (6) على ما يلى:
يُقتصر على ألقاب الإعراب ولا يكلف الناشئ بيان حركة المبنى أو سكونه، سواء أكان له محل أم لم يكن، اكتفاء بأن المبنى يلزم آخره حركة واحدة، ولا يكلف الطالب عند تحليل جملة بها كلمة مبنية ذات محل إلا أن يقول إنها مبنية وإن محلها كذا ...[cxli].
والمقصود بالمحل هو بالطبع المحل من الإعراب (الرفع، النصب، الجر، الجزم). وهذا شكل من أشكال التورط فى الإعراب المحلى للمبنيات، ومن ناحية أخرى فإن التخفف من الصيغ المألوفة فى الإعراب أو الإقلاع عنها لا يعنى أن هناك ما يمكن أن نأخذه على بيان حركة آخر الكلمة المبنية فلا غبار على مثل هذا البيان.
والحقيقة أن تناول تقرير اللجنة الوزارية لهذه النقطة مضطرب بعض الشيء فهو يشير إلى الرفع والنصب والجر والجزم باعتبار أن النحاة جعلوها ألقابا لحركات الإعراب وإلى الضم والفتح والكسر والسكون باعتبار أن النحاة جعلوها ألقابا لحركات البناء. وعلى هذا يعرب النحاة المعرب مرفوعا أو منصوبا على حين يعربون المبنى مضموما أو مفتوحا. وترى اللجنة الوزارية أن "هذه التفرقة دعتهم إليها الدقة بل الإفراط فى الدقة والسخاء فى الاصطلاحين"، وعلى هذا "ترى اللجنة أن يكون لكل حركة لقب واحد فى الإعراب وفى البناء وأن يكتفى بألقاب البناء"[cxlii]. وهذا رأى غريب حقا. إذ كيف يمكن أن يكون الرفع ملائما للمبنى مع أن الرفع إعراب والإعراب يخص المعرَب وحده؟ وكيف يمكن أن يتفق هذا مع إلغاء الإعراب المحلى للمبنيات؟ وكيف يمكن الاكتفاء بألقاب الإعراب مثل الضم فيما يتعلق بالمعرب أيضا، على حين أن المعرب يرفع بالضمة وبغيرها؟ وكيف يمكن وصف الرفع والنصب والجر والجزم بأنها حركات الإعراب مع أنها أحوال أو أنواع الإعراب ولكل حالة أو نوع علاماته من حركات وغيرها؟!
وننتقل الآن إلى أعظم إنجازات لجنة وزارة المعارف المصرية ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، ويتمثل هذا الإنجاز المتعدد الجوانب والبعيد المدى فى نتائجه النحوية والإعرابية فى الرأى أو الاقتراح أو القرار الخاص بالجملة و"أجزاء" الجملة.
إننا نجد أنفسنا إزاء أمرين من شأنهما معا إحداث انقلاب كبير إلى الأمام فى النحو العربى:
الأول: إحلال مفهوم الجملة العربية الواحدة محل مفهوم الجملتين الاسمية والفعلية.
الثانى: إحلال المسند إليه والمسند محل كل ما يسمى بمرفوعات الأسماء؛ حيث يحل المسند محل الخبر بكل أنواعه وكذلك محل فعل الجملة الفعلية. فيما يحل المسند إليه محل باقى تلك المرفوعات أىْ: محل كل من مبتدأ الجملة الاسمية وبالتالى محل اسم إن وأخواتها واسم كان وأخواتها وأسماء أفعال المقاربة والرجاء والشروع كما يحل محل فاعل الجملة الفعلية ومحل نائب الفاعل (أىْ فاعل الفعل المبنى للمجهول أو المفعول). ومعنى هذا أن قرار المجمع يلغى نهائيا قاعدة الفعل الذى يتقدم فاعله وقاعدة الفعل الذى يتأخر عن المبتدأ وجوبا؛ ومن الجلى أن هاتين القاعدتين تمثلان محور أو عمود النحو العربى التقليدى، أىْ نحو النحاة أو النحويين أو النحو الوضعى أو النحو العلمى إنْ شئت النسبة إلى علم النحو العربى.
وبدون تعليل أو تفسير أو تفصيل (وهذا عيب جوهرى فى هذه المحاولة من أولها إلى آخرها)، يجرى الحديث عن الجملة دون إشارة إلى الجملتين الاسمية والفعلية على الإطلاق، أىْ أنه لم يجر النص المباشر على إلغاء هذا الازدواج رغم الإلغاء العملى.
وفى رأى اللجنة الوزارية "تتألف الجملة من جزأين أساسيين ومن تكملة" وقد استعرضت اللجنة الوزارية تسميات أو أسماء متعددة للجزأين الأساسيين وهى: 1: المسند إليه والمسند 2: الموضوع والمحمول 3: الأساس والبناء 4: المحدَّث عنه والحديث. وفضلت هذه اللجنة تسمية الموضوع والمحمول كما اصطلح علماء المنطق[cxliii]. وينص القرار (6) من قرارات المجمع على ما يلى: "يسمى ركنا الجملة بالمسند إليه والمسند"[cxliv]، كما ينص القرار (11) على أن "كل ما ذُكر فى الجملة غير المسند إليه والمسند فهو تكملة"[cxlv].
هناك إذن جملة عربية واحدة مرنة فى الترتيب محل الجملتين الاسمية والفعلية المزعومتين فى النحو العربى التقليدى. ومحل الركنين الأساسيين للجملة الاسمية (المبتدأ والخبر) والركنين الأساسيين للجملة الفعلية (الفعل والفاعل) يحل المسند إليه والمسند.
على أنه لا جديد فى المسند إليه والمسند فى النحو العربى فهما موجودان منذ القديم. وإنما يتمثل الجديد فى هذه المحاولة فى إحلالهما محل كل ما يسمى بمرفوعات الأسماء بدلا من تهميشهما كما كان الحال فى النحو العربى التقليدى على مر القرون، كما يتمثل الجديد فى أن هذا الإحلال (بدلا من التهميش) قد ألغى (بصورة آلية مباشرة) التقسيم التقليدى للجملة إلى اسمية وفعلية، كما ألغى اعتبار الفعل اللاحق "للمبتدأ" جملة، إلى جانب الكثير من النتائج النحوية والإعرابية. 
على أننا نلاحظ أن المسند إليه والمسند يجرى تقديمهما على أنهما ركنان أساسيان فليسا ركنين وحيدين كما كان ينبغى، وقد أشرنا غير مرة فى سياق هذا الكتاب إلى أن المسند إليه والمسند هما الركنان الوحيدان وليس فى الجملة كلمة واحدة خارج هذين الركنين. وتماما كما يميز النحو العربى التقليدى فى الجملتين الاسمية والفعلية بين ركنين أساسيين وفضلة، تميز هذه المحاولة الوزارية المجمعية فى الجملة العربية الواحدة بين ركنين أساسيين وتكملة. وبدلا من النظر إلى هذه الأخيرة ("التكملة") على أنها جزء لا يتجزأ من المسند، وعلى أنها ليست تكملة بحال من الأحوال إذ تقتضيها نماذج للجملة كعناصر أساسية لا تستغنى عنها كنماذج، كما يقتضيها ولا يستغنى عنها معنى الجملة.
ويكشف مفهوم التكملة (أو الفضلة) عن وجود اضطراب تعانى منه هذه المحاولة الوزارية المجمعية للإصلاح والتيسير فى مفهوم المسند (الخبر) الذى ينبغى أن يستوعب كافة عناصر ومكونات الجملة باستثناء المسند إليه، كما يتجلى الاضطراب الذى تعانى منه هذه المحاولة فى مفهوم المسند فى أشياء أخرى سنشير إليها الآن.
فالمسند، وفقا لتقرير اللجنة الوزارية، "يكون اسما فيُضم إلا إذا وقع مع كان أو إحدى أخواتها فيُفتح"، و"يكون ظرفا فيُفتح"، و"يكون فعلا أو مع حرف من حروف الإضافة أو جملة ويُكتفى فى إعرابه ببيان أنه محمول". ومعنى هذا أن المسند لا يختلف فى هذه المحاولة عن الخبر فى النحو العربى التقليدى إلا فى الفعل الذى يسبق المسند إليه أما الأنواع الأخرى للمسند أو الخبر فتوصف نفس الوصف. فهى كما نفهم من أحواله المذكورة ما يسمى بالخبرالمفرد (خبر المبتدأ، خبر إن وأخواتها، خبر كان وأخواتها) أو الخبر شبه الجملة من ظرف أو جار ومجرور أو الخبر الفعل (مع الكف عن اعتبار الفعل جملة مع فاعله المزعوم المتمثل فى الضمير المستتر أو ضمير الرفع البارز المتصل) أو الخبر الجملة التى تأتى بعد ما تسميه هذه المحاولة بالمسند إليه (وهو المبتدأ الأول فى النحو العربى التقليدى) قبل مسند إليه آخر فى جملة الخبر.
ويرجع التقدم فى مفهوم المسند فى هذه المحاولة إلى مرونة ترتيب ركنى الجملة بحيث يكون الفعل السابق للمسند إليه مسندا، وبحيث يُلْغَى الفاعل الضمير المستتر أو ضمير الرفع البارز المتصل بعد الفعل التالى "للمبتدأ"، وبالتالى لم يَعُدْ مثل هذا الفعل مع فاعله المزعوم جملة فعلية خبرا للمبتدأ بل صار فعلا ليس غير. وبالطبع فإن هذا الفعل السابق أو اللاحق للمسند إليه لا يكون وحده المسند إلا إنْ كان وحده مع المسند إليه وإلا فإنه يشكل المسند مع كل الكلمات أو العناصر الأخرى التى قد تأتى فى الجملة غير المسند إليه.
وإلى جانب مرونة ترتيب ركنىْ الجملة (المسند إليه والمسند) استند هذا التقدم فى مفهوم المسند إليه إلى رأى اللجنة الوزارية الداعى إلى إلغاء "الضمير المستتر جوازا أو وجوبا"[cxlvi]، وهو ما أيده القرار (9) من قرارات المجمع الذى قال: "أما الضمائر المستترة وجوبا أو جوازا فمصروف عنها النظر"[cxlvii]. وعلى هذا ينص القرار (10) على ما يلى: "يُستغنى عن النص على العائد فى نحو "الذى اجتهد يكافأ" فيقال فى إعرابه: الذى اسم موصول مسند إليه واجتهد ماضى الغائب صلة؛ ويكافأ صيغة مضارع مبنى للمجهول للغائب مسند"[cxlviii]. ولا يلاحظ القرار أن "الذى اجتهد" من اسم موصول وصلة هو المسند إليه. ولا مكان بالطبع للحديث عن الاستغناء عن "الضمير" العائد بعد إلغاء مفهوم الضمير المستتر و مفهوم ضمير الرفع البارز المتصل.
كما استند هذا التقدم إلى رأى اللجنة الوزارية فيما يتعلق بضمائر الرفع المتصلة البارزة (رغم اضطرابه)، وإلى قرار المجمع بهذا الشأن. وتدعو اللجنة المذكورة إلى "اعتبار إشارات العدد علامات لا ضمائر" على مذهب الإمام المازنى. ولكنها تعتبر أن "الضمير موضوع والفعل قبله محمول" فى "غير الدالّ على العدد مثل (قمتُ) أو (قمتَ) أو(قمتم)" ... و"إذا ذكر مع المتصل ضمير منفصل فهو تقوية له (قمت أنا) و (أنا قمت)"[cxlix].
وهذا التمييز ضمن ما يسمى بضمائر الرفع البارزة المتصلة بين علامات أو إشارات تدل على العدد فلا تُعَدّ ضمائر، وضمائر لا تدل على العدد، لا أساس له فى الحقيقة. فهذه الضمائر المزعومة جميعا نهايات لتصريف الأفعال أىْ مثل النهايات endings فى الإنجليزية و terminaisons فى الفرنسية ولم يقل أحد بأن هذه النهايات ضمائر رغم علاقتها بالضمائر من حيث دلالتها على الشخص person والعدد والنوع أىْ من حيث دلالتها على الضمير الذى تم تصريف الفعل معه كما فى كل اللغات. أما ضمائر الرفع الوحيدة أو بالأحرى ضمائر المسند إليه فهى المنفصلة ولهذا فالمسند إليه فى (قمتُ أنا) أو (أنا قمتُ) هو "أنا" وهذا الأخير ليس تقوية أىْ ليس للتأكيد. أما مع الفعل المصرف بدون ضمير (منفصل بالطبع) مثل (قمتُ) أو (قمتَ) أو (قمتم) أو (قاموا) فالمسند إليه محذوف كجزء من ظاهرة الحذف المعروفة فى لغات عديدة (مثلا: الحذف شبه الكامل لضمائر المسند إليه فى تصريف الأفعال فى اللغة الإسپانية) وفيما يتعلق بعناصر جملة عديدة. والقرار (9) للمجمع أدقّ من تقرير اللجنة الوزارية إذ يعتبر أن ضمائر الرفع البارزة المتصلة "لا محل لاعتبارها ضمائر عند الإعراب وإنما هى فى الضمائر البارزة حروف دالة على نوع المسند إليه أو عدده"[cl]. والأدقّ اعتبار ما يسمى بضمائر الرفع البارزة المتصلة دون تردد نهايات لتصريف الأفعال كما سبق القول، وهو يعتبر "أنا" فى (أنا قمت) المسند إليه[cli]، وهذا صحيح تماما، كما أنه تصحيح مباشر لما جاء فى تقرير اللجنة الوزارية بهذا الشأن.     
ونجد أن مفهوم المسند لم يتغير فى هذه المحاولة إلا قليلا بالمقارنة مع نحونا التقليدى بأنواعه الثلاثة الشهيرة للخبر. وقد أثبتنا بالتفصيل أن المسند (الخبر) هو كل شيء فى الجملة ما عدا المسند إليه، وأن ما يسمى بالخبر المفرد أو الخبر شبه الجملة من ظرف أو جار ومجرور أو الخبر الجملة الاسمية الخالية من كل فعل ظاهر لا يمكن اعتباره خبرا إلا مع فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت فى مثل هذه الجمل مع أىّ عناصر كلمات أخرى قد تشتمل عليها الجملة غير المسند إليه.
وبطبيعة الحال فإن حذف المضارع المثبت لفعل الكينونة (فى حالة الكون العام) يرتبط بما يرفض تقرير اللجنة الوزارية تقديره تحت عنوان: "متعلَّق الظرف وحروف الإضافة" وهو يشير إلى حديث النحاة عن "متعلَّق عام كمتعلق (زيد عندك أو فى الدار) ويقدرونه (كائن أو استقر) وهو عندهم واجب الحذف، ويعربونه خبرا" ويضيف: "وترى اللجنة أن المتعلَّق العام لا يقدَّر، وأن المحمول فى مثل (زيد عندك أو فى الدار) هو الظرف". كما يشير التقرير إلى حديث النحاة عن "متعلَّق خاص – ولا يُفهم من الكلام إذا حُذف منه مثل (أنا واثق بك) والخبر هو المتعلَّق والظرف فضلة"، ويقول عنه: "أما النوع الثانى فهو كما قرر النحاة المتعلَّق هو المحمول والظرف تكملة"[clii]. وكان هذا الموقف من "المتعلَّق" على كل حال وثيق الصلة بحقيقة أن المحاولة لم توفَّق فى التوصل إلى مفهوم سليم عن المسند (الخبر)، ذلك أن التقرير لا يوضح الرأى المبدئى فى "المتعلَّق" بل يكتفى بأنه " يُقدَّر" ولا ينتبه إلى أهمية امتداد مفهوم المتعلَّق إلى ما يسمى بالخبر المفرد ("واثق")، ويتشبث بالتالى بمفهوم عفا عليه الزمن للمسند (الخبر). أما القرار (8) للمجمع فينص على ما يلى:
يجب إرشاد المبتدئين إلى أن المتعلَّق العام للظروف والجار والمجرور فى نحو:
"زيد فى الدار" و "زيد عندك" محذوف وإنْ كانوا لا يكلفون كل مرة تقديره عند الإعراب، بل يُقبل منهم تخفيفا عنهم أن يقولوا فى إعراب "زيد فى الدار" فى الدار جار ومجرور مسند[cliii].
ومن الواضح أن قرار المجمع مصيب فى التمسك بمفهوم المتعلَّق ("العام") وبفكرة أنه "محذوف" وإنْ كان يُعفى "المبتدئين" من "تقديره" … "كل مرة" … "تخفيفا عنهم" غير أنه يذهب إلى حد اعتبار الجار والمجرور "فى الدار" مسندا، بالإضافة إلى أنه لا يفكر فى امتداد المتعلَّق إلى ما يسمى بالخبر المفرد مثل ("واثق") فى تقرير اللجنة الوزارية. وهكذا تخضع مفاهيم نحوية حاسمة كالمسند إلى التخفيف والإسراف فى التخفيف بدلا من البحث عن الصحيح والسليم والصواب أولا وقبل كل شيء، كما ينبغى أن نلاحظ كثرة حديث مقترحات اللجنة الوزارية وقرارات المجمع عن الإعراب بدلا من الحديث عن التحليل النحوى وفى مواضع لا علاقة لها بالإعراب.
وفى مجال الإعراب نفسه تقول مقترحات اللجنة الوزارية: "فالموضوع مضموم دائما إلا أن يقع بعد أن أو إحدى أخواتها"، أما المحمول فيكون اسما مضموما إلا مع كان وأخواتها فيُفتح، ويكون ظرفا فيُفتح، و "يكون فعلا أو مع حرف من حروف الإضافة أو جملة ويُكتفى فى إعرابه ببيان أنه محمول"[cliv]. وتضيف المقترحات: "كل ما يُذكر فى الجملة غير الموضوع والمحمول فهو تكملة، وحكم التكملة أنها مفتوحة أبدا، إلا إذا كانت مضافا إليها أو مسبوقة بحرف إضافة"[clv]. ومن الواضح أن اللجنة الوزارية تتفادى مصطلحات الرفع والنصب والجر بعد أن قالت بتوحيد ألقاب الإعراب والبناء والأخذ بألقاب البناء. ويأتى التصويب من المجمع. وينص القرار (11) على ما يلى:
كل ما ذكر فى الجملة غير المسند إليه والمسند فهو تكملة منصوب على اختلاف علامات النصب إلا إذا كان مضافا إليه أو مسبوقا بحرف جر أو تابعا من التوابع[clvi]
ونحن هنا إزاء مجموعة من القواعد الإعرابية تتلخص فى أن:
1: المسند إليه: مرفوع إلا إنْ كان منصوبا بعد "إن وأخواتها".
2: المسند:
أ: مرفوع إذا كان اسما.
ب: منصوب إذا كان اسما مع كان وأخواتها.
ج: منصوب إذا كان ظرفا.
د: فعل أو مع حرف من حروف الإضافة أو جملة.
3: التكملة: منصوب إلا إذا كان مضافا إليه أو مسبوقا بحرف جر أو تابعا من التوابع.
ومن الواضح أن هذه المجموعة من القواعد الإعرابية مليئة بالثغرات والعيوب ونقاط الضعف.
ونبدأ بالمسند إليه.
وينبغى أن نقول إن المسند إليه مرفوع إنْ لم يسبقه ناصب أو جار. والمقصود أن المسند إليه قد يكون منصوبا بعد أدوات نصب "الأسماء" ("إن وأخواتها")، وقد يكون مفعولا به لفعل سابق على الإسناد إليه، وقد يكون مجرورا بعد حرف جر أو مضاف.
كما ينبغى أن نضيف أن هذا الرفع للمسند إليه إنما يكون إذا تحقق المسند إليه بكلمة واحدة أو بمجموعة كلمات تأخذ إحداها الرفع، وأن الرفع غير وارد إذا كان المسند إليه غير معرب (أىْ مبنيا) أو خارج مسألة الإعراب كالمصدر المؤول أو التراكيب المتعددة الكلمات من غير التى تأخذ إحدى كلماتها الرفع.
كما ينبغى أن نؤكد أن هذا ينطبق أيضا على ما يمكن أن نسميه بالشبيه بالمسند إليه (المبتدأ الأول فى النحو التقليدى) والذى قد يأتى:
1: مضافا إليه لمضاف لاحق هو المسند الحقيقى مثل المرأة فى: (المرأة يكثر أنصارها = يكثر أنصار المرأة).
2: مضافا إليه لمضاف مفعول به لاحق، مثل: النخل فى: (النخل نأكل ثمره = نأكل ثمر النخل).
3: مجرورا لحرف جر لاحق، مثل القمح فى (القمح يتغذى عليه الناس = يتغذى الناس على القمح).
4: مفعولا به لفعل لاحق، مثل المرأة فى (المرأة يناصرها الكثيرون = يناصر الكثيرون المرأة).
فهذا الشبيه بالمسند إليه يرفع وينصب ويجر مثل المسند إليه.
وإذا انتقلنا إلى المسند (الخبر) نجد أن غياب مفهوم سليم عنه فى هذه المحاولة للإصلاح والتيسير يجعله ويجعل إعرابه غامضا ملتبسا.
وكما هو واضح من استعراض إعراب المسند أعلاه نجد أن هذه المحاولة تقر بأنواع الخبر كما هى فى النحو العربى التقليدى. فالمسند فى هذه المحاولة هو:
1: ما يسمى بالخبر المفرد، وهو:
أ: خبر المبتدأ وخبر "إن وأخواتها: وهو مرفوع".
ب: خبر "كان وأخواتها": وهو منصوب.
2: ما يسمى بالخبر شبه الجملة، ويكون:
أ: ظرفا: وهو منصوب.
ب: جارا ومجرورا: ("مع حرف من حروف الإضافة").
3: الفعل: وهو ما يسمى بالخبر الجملة الفعلية فى النحو العربى التقليدى.
4: الخبر الجملة: وهو الخبر الجملة الاسمية فى النحو العربى التقليدى غيرأنه صار جملة بلا نعوت، وهى تختلف عن الخبر الفعل فى أن وجود مسندين إليهما حيث يكون إسناد الفعل الظاهر (أو "المحذوف") إلى المسند إليه الثانى.
وقد رأينا غير مرة أن المسند (الخبر) هو كل ما فى الجملة غير المسند إليه، وأن حده الأدنى هو الفعل، وأن الفعل ظاهر إلا فى حالة واحدة من فعل واحد هو فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت. وعلى هذا فإن المسند يكون (مع تفاصيل مهمة يمكن أن يراجعها القارئ فى الفصول الثلاثة المخصصة لمناقشة المسند أو الخبر فى هذا الكتاب):
1: الفعل من أفعال كان وأخواتها مع متمم الفاعل (صفة أو اسم) أو الظرف (ظرف المكان فى المحل الأول ولكنْ ظرف الزمان أيضا)، ويسقط هذا الفعل فى حالة الكون العام ليبقى ما يسمى بالخبر المفرد.
2: الفعل اللازم أو المستخدم لازما (وهو الحد الأدنى لعناصر الخبر).
3: خبر ما يسمى بالمبتدأ الثانى (وهو المسند إليه الحقيقى) فيما يسمى بالخبر الجملة الاسمية، وهذه ليست جملة مستقلة بمعنى الكلمة لأنها لا تعطى معنى مفيدا بدون ما يسمى بالمبتدأ الأول الذى ترتبط به بضمير.
4: الفعل المتعدى مع المفعول به. غير أن الفعل المتعدى يضيف نماذج متعددة لأنه يتعدى إلى مفعول به أو مفعولين ولأن المفعول به المباشر قد يكون وحده أو مع متمم للمفعول به أو مع ظرف.
ولهذا فإن من الخطأ التسليم بأنواع الخبر كما حددها النحو العربى التقليدى، فليس كل نوع مما يسمى بأنواع الخبر فى ذلك النحو خبرا بالمعنى الصحيح.
ذلك أن ما يسمى بالخبر المفرد هو متمم المسند إليه (متمم الفاعل) وهو (إنْ كان معربا) مرفوع مع فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت ومنصوب مع أفعال أخوات كان ومع كان الظاهرة فى غير حالة الحذف.
وكما يكون متمم المسند إليه اسما أو صفة، فيما يسمى بالخبر المفرد، فإنه يمكن أن يكون جارا ومجرورا مثل: "هند فى غاية الجمال" أو "كانت عزة فى غاية الذوق". وبالطبع فلا إعراب للمتمم الجار والمجرور معا. وإلى جانب المتمم مع أفعال كان وأخواتها بما فى ذلك حالة حذف الكينونة، هناك الظرف. وقد يكون ظرفا مباشرا مثل ظرف المكان (فلان فوق ظهر السفينة) أو (كان فلان فوق ظهر السفينة) أو ظرف الزمان (الحفل الليلة) أو (سيكون الحفل الليلة) وقد يكون جارا ومجرورا مثل ظرف المكان (فلان فى المكتبة) أو (كان فلان فى المكتبة) أو ظرف الزمان (الحفل فى آخر الشهر) أو (سيكون الحفل فى آخر الشهر)، وينبغى أن يكون واضحا أن الظرف لا يقتصر على ظرفى المكان والزمان وأن أشكال تحقيق ظرفى الزمان والمكان متنوعة ومنها الجار والمجرور الدالان على المكان أو الزمان. والظرف المعرب منصوب أما التراكيب الظرفية ومنها الجار والمجرور المؤلفان للظرف فخارج مسألة الإعراب.
أما الخبر الفعل المقتصر على الفعل اللازم أو المستخدم لازما فإعرابه إعراب الفعل؛ فلا علاقة له بما يسمى بإعراب الخبر وناهيك برفعه.
أما الجملة (غير المستقلة) التى تأتى بعد الشبيه بالمسند إليه (ما يسمى بالمبتدأ الأول) فلا ينبغى اعتبارها خبرا فالإسناد هنا لما يسمى بالمبتدأ الثانى فهو إذن المسند إليه الحقيقى أما المسند (الخبر) فى مثل هذه الجمل فهو المسند المرتبط بهذا المسند الحقيقى (المبتدأ الثانى) فى ارتباطه الوثيق بما يسمى بالمبتدأ الأول الذى يعود إليه الضمير المجرور.
ولأن المسند (الخبر) يكون دائما فعلا فقط أو فعلا مع عناصر أخرى فإن إعراب الفعل وحده كخبر أو كجزء من خبر إنما يختلف تماما عن إعراب غير الفعل. أما الخبر ككل (التراكيب الخبرية) فى حالة الفعل (الظاهر أو المحذوف) مع عناصر أخرى فهو خارج مسألة الإعراب.
أما ما بدا خبرا فليس كذلك فى أغلب الأحوال فهو المتمم "المفرد" أو المتمم "الجار والمجرور" أو الظرف "المفرد" أو الظرف "الجار والمجرور". وهو فى كل هذه الأحوال خبر مع المحذوف فى حالة الكون العام.
ومن المؤسف أن محاولة وزارة المعارف ومجمع اللغة العربية بالقاهرة لم تقم على إدراك واضح لحقيقة أن المسند (الخبر) فى كل أحواله خارج مسألة الإعراب، ويعنى هذا أن الخبر لا يكون مرفوعا ولا منصوبا ولا غير ذلك من أحوال الإعراب وإنْ كات كلماته وعناصره المعربة كالمتمم أو الظرف أو المجرور بعد حرف الجر أو المفعول به ترفع أو تنصب أو تجر كأجزاء من المسند وليس كمسند أو خبر.
وننتقل إلى التكملة. ويقصدون بها غير المسند إليه والمسند. والتكملة هى الفضلة وهى تقوم على فكرة التمييز بين العمدة، وهى المسند إليه والمسند كما يعرفهما النحو العربى التقليدى، والفضلة، أىْ غير المسند إليه والمسند، تشمل ما يسمى بمنصوبات الأسماء. ومن الجلى أن المجمع كان يستعير مفهوم التكملة من النحو الفرنسى كمقابل لمصطلح complément (تتمَّة أو تكملة زيادة على المسند إليه والمسند)، ومفهوم الفضلة (أىْ الزيادة على العمدة، والفضلة لغةً بقية الشيء) من النحو العربى التقليدى. وقد أشرنا غير مرة إلى أن ما يسمى بالتكملة جزء لا يتجزأ من المسند، باعتبار أن الجملة كلها هى المسند إليه والمسند، وأن المسند هو كل ما فى الجملة غير المسند إليه، فلا مكان إذن لفضلة أو تتمة أو تكملة أو زيادة، ولا للتمييز بين عمدة وفضلة فالجملة كلها هى العمدة إنْ جاز القول.
وكما يبدو من الصياغة السابقة وكما يبدو أيضا من "عرض" كتاب تحرير النحو العربى، تشمل التكملة ما يسمى بمنصوبات الأسماء، وكذلك الإضافة، وكذلك التوابع. وعلى هذا نجد أنفسنا إزاء مفهوم فضفاض لا يضيف شيئا إلى المفاهيم السابقة لما يسمى بمنصوبات الأسماء وغيرها سوى كلمة "تكملة" نفسها، وهذا ما جرّ على هذه المحاولة سخرية بعض نقادها.
ومن الواضح أن غياب مفهوم عنصر الجملة من جانب وغياب فكرة تعدد أشكال تحقيق عنصر الجملة كنهج شامل من جانب آخر يؤدى إلى التركيز على الكلمة المفردة كشكل لتحقيق الوظيفة النحوية (رغم الإشارات إلى شكل الجملة والمصدر المؤول والجار والمجرور). وبهذا تكون التوابع مثلا من التكملة رغم أنها قد تكون المسند إليه كما قد تكون عناصر من المسند (فى إطار مجموعة كلمات يتحقق من خلالها هذا العنصر أو ذاك من عناصر الجملة)، كما يظل الانتباه مشدودا إلى الإعراب دون الانتباه إلى أن هذا إنما يرتبط بشكل واحد من أشكال تحقيق عنصر الجملة (أىْ: الكلمة المعربة الواحدة). ومن المؤسف أن إصلاحات عديدة تنطوى عليها هذه المحاولة وكان من شأنها أن تطور النحو وتيسر فهم النحو للإعراب لم تصل إلى الغاية المرجوة نتيجة لغياب ثلاثة أشياء بالغة الأهمية:
1: مفهوم صحيح للمسند (الخبر).
2: مفهوم عناصر أو مكوِّنات الجملة.
3: مفهوم تنوع أشكال تحقيق كل عنصر من عناصر الجملة.
ورغم أن كتاب تحرير النحو العربى إنما هو تطبيق عملى لقرارات المجمع فى إطار هذه المحاولة للإصلاح والتيسير، فإن واقع كونه الثمرة الناضجة لتلك المحاولة يدفعنا إلى إلقاء نظرة متفحصة على ذلك الكتاب.
ويقع الكتاب فى حوالى مائتى صفحة، ونصفه الأول عرض عام لأقسام الكلام وللصرف ولجانب من الإعراب والنحو. أما الإعراب والنحو بالمعنى المباشر فنجدهما فى النصف الثانى.
ولا حاجة بنا إلى التعليق على أقسام الكلام لأن النحو العربى والمعجم العربى بحاجة إلى إصلاح فى هذا المجال كما أشرنا غير مرة، ولا يمس الكتاب هذا الإصلاح من قريب أو بعيد.
أما الصرف العربى فهو علم بالغ التطور غير أنه لا يستغنى عن أدوات العصر فى عرضه من جدولة ومعجمة وغير ذلك من صور التبسيط والتيسير ولا يستغنى عن الاستفادة بالحاسوب. كذلك فإن مثل هذا العرض الموجز للإسناد والاشتقاق يحتاج إلى التوزيع الملائم على المراحل التعليمية والعمرية. على أنه لا جدال فى أن علوم اللغة والمعاجم والصرف تلتقى عند مهام كبرى فى تطوير العلاقات بين الأبنية الصرفية والدلالات، وتدقيق بحث الأفعال من جميع جوانبها فى سبيل تطوير نحو يتمحور حول الأفعال انطلاقا من خصائصها البالغة التعقيد، وتدقيق بحث الصفات واستخداماتها وأماكنها، إلخ إلخ... غير أن مثل هذا العرض السريع ليس مجال بلورة برنامج تحقيق مثل هذه الغايات الكبرى، بالإضافة إلى أن مثل هذه المهمة الهائلة الضخامة ليست فى طاقة فرد بل تحققها الجهود المتضافرة للعديد من علماء النحو المتحررين من أوهامه.، وعلى كل حال فإن الموضوع المحدد لهذا الكتاب لا يمتد إلى هذه القضايا.
أما الاستعراض السريع فى هذا النصف الأول من الكتاب للإعراب ومواضعه وأنواعه وعلاماته مع الوقوف عند إعراب المضارع فلا بأس به. وكذلك لا بأس باعتبار علامات الإعراب كافة أصلية فى مواضعها فلا تكون الضمة مثلا أصلية للرفع وتنوب عنها الحروف فى مواضع بذاتها.
وفى صفحة 101 يبدأ عرض النحو والإعراب بالمعنى الحقيقى. وينقسم هذا النصف الثانى من الكتاب إلى أربعة أقسام:
1: الجملة: أجزاؤها وركناها الأساسيان وإعراب المسند إليه والمسند والمطابقة والترتيب بينهما والحذف فيهما ودخول "كان وأخواتها" و "إن وأخواتها" و "لا النافية للجنس" على الجملة. ويقع هذا القسم فى صفحات 101-124 (24 صفحة).
2: المكملات: وهى تكملة بيان الزمان والمكان، والتكملة بالمفعول، والتكملة لبيان الحال، والتكملة لبيان السبب، والتكملة لتوكيد الفعل أو بيان نوعه أو عدده، وكذلك الاستثناء والتمييز والإضافة. ويقع هذا القسم فى صفحات 125-164  (40 صفحة).
3: التوابع: من نعت وتوكيد وعطف وبدل. ويقع هذا القسم فى صفحات 165-178 (14 صفحة).
4: الأساليب: أسلوب المدح والذم، والتعجب، وأسلوب النداء، وأسلوب الاستغاثة، وأسلوب الندبة، وأسلوب الإغراء، وأسلوب التحذير، وأسلوب الاختصاص، وأسلوب لا سيما. ويقع هذا القسم فى صفحات 179-197 (19 صفحة).
ولا جدال فى أننا إزاء تطور لا يمكن إنكاره فمفهوم المسند إليه يحل محل ما يسمى بمرفوعات الأسماء باستثناء المسند (الخبر). وبانقسام الجملة إلى مسند ومسند إليه يسقط من تلقاء نفسه تقسيم الجملة إلى اسمية وفعلية، كما يسقط ما يسمى بالضمير المستتر ووضمير الرفع البارز المتصل. غير أن الكتاب يقرر أن من المهم فى تحليل كل جملة أن نتبين أمرين:
الأول: الكلمتان الأساسيتان فيها، وتفيد بهما الجملة معنى يمكن الاكتفاء به، وهما ركنا الجملة، أو الجزءان الأساسيان فيها.
الثانى: الكلمات المتممة للمعنى، وهى المكملات، وهى كلمات أخرى قد تكون فى الجملة وتكمل المعنى، لتدل على الزمان، أو المكان، أو الحالة، أو غير ذلك. وتسمى هذه الكلمات تكملة[clvii].
والركنان الأساسيان هما المسند إليه والمسند. فالمسند إليه: هو المحدَّث عنه، والمسند: هو المحدَّث به. ونلاحظ أن هذا الكتاب يجعل الجملة تشتمل على ركنيها الأساسيين أىْ المسند والمسند إليه، وقد تشتمل أيضا على "كلمات غيرهما" وهى المكملات. ويعنى هذا استنادا إلى ما قدمنا فى هذا البحث من نقد للنحو العربى، أن الكتاب سار على الطريق التقليدى للنحو العربى، فلم يدرك أن الجملة كلها مسند ومسند إليه، فما ليس من المسند إليه من كلمات الجملة ينتمى إلى المسند، والعكس بالعكس. أما الكلمات الأخرى المسماة بالمكملات فهى تنتمى بحكم طبيعتها إلى المسند، وهى جزء لا يتجزأ منه. وقد أشرنا غير مرة إلى تهافت فكرة المكملات والتكملة والفضلة التى تقوم على مغالطة مؤداها أن المسند إليه والمسند تفيد بهما الجملة معنى يمكن الاكتفاء به، وكيف يكون المعنى مفيدا بالاكتفاء بالفعل والفاعل فى جملة باعتبارهما المسند إليه والمسند (بهذا المفهوم التقليدى المبتسر للمسند) دون المفعول به باعتباره فضلة؟ والحقيقة أن المعنى هو محتوى المسند بكامله، المسند بالمعنى الذى يعرفه النحو الحديث كله فى لغات الثقافات المتطورة فى العالم اليوم، المسند الذى تمثل هذه الفضلة أو التكملة المزعومة جزءا لا يتجزأ منه.
كما نلاحظ أن النحو كان ما يزال يتمحور حول الإعراب، فالكتاب يتحدث عن "كلمتين" أساسيتين هما المسند والمسند إليه، أىْ أن التعريف النموذجى لكل من هذين الأخيرين يتمثل فى الكلمة الواحدة وهى الموضوع الحقيقى المباشر للإعراب وليس للمفهوم النحوى.
ونلاحظ أيضا أن الكتاب لا يصدر عن مفهوم صحيح للمسند بدليل أنه جعل هذا الأخير يتمثل فى الاسم المفرد، أو الجملة، أو الفعل، أو الجار والمجرور، أو الظرف. ولم يدرك واضعوه أن الحديث عن الواحد من هذه الأشياء (باستثناء الفعل) على أنه مسند يتجاهل حقيقة أن المسند إنما يكون فعلا فقط أو فعلا مع شيء آخر. ولهذا كان الكتاب مضطربا أشد الاضطراب فى تقدير المسند والمسند إليه. وهذه أمثلة:
ففى إعراب: "الرحمن * علَّم القرآن"[clviii] يقول الكتاب إن المسند هو "علَّم القرآن"[clix] أىْ الفعل والمفعول، وهذا صحيح، أما فى إعراب: "لا يحب اللهُ الجهرَ بالسوء من القول"[clx] فهو يجعل الفعل "يحب" هو المسند مع أن المسند الحقيقى هو نقيض هذا الفعل أىْ نفيه "لا يحب" مع كل الكلمات الأخرى غير "الله" وهو المسند إليه. وفى إعراب: "الله نزّل أحسن الحديث"[clxi] أصبح الفعل "نزّل" هو المسند، بدلا من الفعل والمفعول، كما تفضل الكتاب بالإعراب قبل ذلك بقليل، ولا تنتهى الأمثلة.
فإذا انتقلنا إلى أحكام المسند إليه والمسند وإعرابهما وجدنا "ميلا عمليا" لا يقوم على أساس من المنطق. فليس هناك شيء من قبيل أن المسند إليه مرفوع ما لم يتأثر بعامل لفظى سابق ناصب أو جار، كما أنه ليس هناك شيء من قبيل أن المسند ليس مرفوعا وأن ما يسمى بالمسند أو الخبر المفرد هو الوحيد المرفوع عشوائيا نتيجة حذف فعل الكينونة فى المضارع المثبت (مع المتكلم: أكون، نكون؛ مع المخاطب: تكون، تكونين، تكونان، تكونون، تَكُنَّ؛ مع الغائب: يكون، تكون، يكونان، تكونان، يكونون، يَكُنَّ – بالطبع مع كل الأحوال الإعرابية لهذه الصيغ الصرفية).
والمسند إليه اسم ظاهر، مثل: "المؤمنون"، أو ضمير، مثل: "نحن"، أو مصدر مفهوم من جملة تكون مبدوءة بـ "أنْ"، أو "ما"، أو "أنَّ"، مثل ما تحته خط فى: "وأنْ تصوموا خير لكم"[clxii]، و: "عزيز عليه ما عَنِتُّمْ"[clxiii]، و: "قل أُوحِىَ إلىَّ أنه استمع نَفَرٌ من الجن"[clxiv]، وقد تكون الجملة غير مبدوءة بأداة من هذه الأدوات وهذا قليل، مثل ما تحته خط فى: "ثم بدا من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين"[clxv]، و: "وتبيَّنَ لكم كيف فعلنا بهم"[clxvi]، و: "ومن آياته يُريكم البرق خوفا وطمعا"[clxvii]، وقول العرب: "تَسْمَع بالمُعِيدِىِّ خير من أن تراه".
وتبدو النزعة العملية (أىْ التى لا تستند مباشرة وصراحة على أسس وأصول نظرية) واضحة تماما فى إعراب المسند إليه؛ فهو:
1: يكون مرفوعا: ولا يقال إن هذا هو الأساس.
2: يكون منصوبا: بعد إنَّ أو إحدى أخواتها. وقبل أن ننتقل إلى "3" نلاحظ أن حكم النصب بإن مثل الحكم بالجر بحرف الجر أو بالإضافة ولذلك سيكون غريبا أنهم لا يطلقون الجر بكل حروف الجر أو بالإضافة للمسند إليه بدلا من قصر حديث الجر على بعض الحروف التى يسمونها زائدة. وهنا تأتى أهمية الفاعل (المسند إليه) المنصوب على المفعولية قبل إسناد الفعل إليه، مثلا: رأيتُ رجلا يكلِّم نفسه، فالرجل هنا مفعول للفعل "رأى" قبل أن يصير فاعلا أو مسندا إليه للفعل "يكلِّم". وهذه حالة أغفلها هذا الكتاب الذى صدر عن مفهوم للمسند إليه ينبغى أن يتسع لقبول أن يكون المفعول به فاعلا كما قبِل أن يكون المنصوب بأدوات النصب أو المجرور بأدوات الجر فاعلا أو مسندا إليه.
3: وفى الأحوال الثلاثة التالية يكون المسند إليه مجرورا:
أ:  إدخال "مِنْ" على المسند إليه بعد النفى لتوكيد العموم، والاستشهاد بالآيات: "وما تسقط من ورقة إلا يعلمها"[clxviii]، و "ما كان معه من إله"[clxix]، و "ما جاءنا من بشير ولا نذير"[clxx]، ومثل: "ما من رجل يعرف هذا".
والصواب فى رأينا هو أننا إزاء تراكيب اصطلاحية فى النفى فالتقدير: "ما من ورقة تسقط إلا يعلمها"، و "ما من إله كان معه"، و "ما من بشير ولا نذير جاءنا"، ولا تحتاج جملة: "ما من رجل يعرف هذا" إلى إعادة صياغة بقصد التقدير. ففى كل هذه الآيات أو الجمل المشابهة، نجد تراكيب مثل: ما من أحد، ما من شيء، ما من رجل، ما من امرأة، ما من ورقة، ما من إله، إلخ إلخ. وفى هذه التراكيب جميعا ليس ما قبل "مِنْ" هو المسند إليه بل التركيب الاصطلاحى بأكمله: "ما من أحد" وما أشبه.
ب: وتدخل "الباء" على المسند إليه بعد الفعل "كفى"، وبعد "إذا الفجائية" لإفادة التوكيد، مثل الآية: "وكفى بالله شهيدا"، ومثل جملة: "خرجت فإذا بالمطر يهطل".
ج: وتدخل "رُبَّ" على المسند إليه لإفادة التقليل، مثل: "رُبَّ أخ لك لم تلده أمك". وقد تحلّ "الواو" محل "رُبَّ"، مثل: وليل كموج البحر أرخى سدوله ..."
وتدل الأحوال الثلاثة المذكورة لجر المسند إليه على أن الكتاب ينطلق من نظرة ضيقة وتقليدية للغاية إلى المسند إليه المجرور كما جاء فى الكتب، فهؤلاء المؤلفون يقتصرون على ما يسمى بحروف الجر الزائدة وكان الأجدر بهم أن يطلقوا الجر مع كل حروفه أو أدواته كما أطلقوا النصب مع كل حروفه أو أدواته. فلماذا لا نجر المسند إليه بالحرف "إلى"؟ ألا يمكن أن نقول: "التفت زوار الياپان باهتمام إلى قطار يقطع مئات الكيلومترات فى الساعة" حيث القطار المجرور بحرف جر "أصلى" و "غير زائد" هو الفاعل أو المسند إليه لفعل "يقطع"؟!
وقد رأينا منذ قليل نظرتهم الخاطئة إلى المسند (الخبر) فعندهم أنه يكون اسما بدون فعل حتى مع كان الظاهر، وكذلك الظرف أو الجار والمجرور، كما يكون فعلا أو جملة.
وإعراب المسند أنه يكون مرفوعا إذا كان اسما معربا أو منصوبا إذا كان ظرفا، أو كان اسما معربا بعد فعل من الأفعال الناقصة "كان وأخواتها"، أو جارا ومجرورا، أو فعلا (فيتبع فيه إعراب الفعل).
وهنا نلقى جانبا من تركيز اهتمامهم، كما فعل النحو التقليدى دائما، على المسند والمسند إليه، أو المبتدأ والخبر. والحقيقة أن المسند (الخبر) يرتدى أهميته الكاملة عند التقسيم العام للجملة إلى ركنيها الوحيدين غير أنه لا يمثل بعد ذلك أداة للتحليل النحوى أو المنطقى كما أنه لا علاقة له من أىّ نوع بالإعراب أو التحليل الإعرابى. ولهذا يغدو من الواجب إهمال المسند (الخبر) عندما نكون بصدد التحليل النحوى أو الإعرابى التفصيلى، أىْ عندما لا نكون إزاء التقسيم النحوى المنطقى العام للجملة إلى المسند والمسند إليه، أو الموضوع والمحمول، أو ما شئت من أسماء لهذين القسمين للجملة. وبدلا من التخفف من هذا الاهتمام بالمسند أو التخلص منه فى هذه الحالة، نجد المسند ضيفا دائما. وبدلا من تسمية هذه المسندات المزعومة بأسمائها الصحيحة كعناصر جملة، صارت القدرة التحليلية النحوية الإعرابية تتمثل فى أن نرى المسند مثل الإله البحرى پروتيوس تحت كل حجر، فنعلن المسندات تحت هذه المسميات كافة من ظرف أو جار ومجرور أو اسم أو وصف أو فعل أو جملة.
فلنأخذ أفعال "كان وأخواتها": إن منصوب هذه الأفعال اسمه متمم الفاعل أو المسند إليه وهو اسم أو وصف أو جار ومجرور مثل ما تحته خط: "صار ابنى رجلا"، "كان المرحوم صديقا"، "كان وأد البنات من الآفات المتفشية".  وإذا كان "منصوب" كان وأخواتها ظرفا فهو ظرف وليس متمما للمسند إليه، ويمكن أن يكون الظرف جارا ومجرورا، مثل: "كان الفلاح فى الغيط" أو "كان الموعد فى الغروب"، فالجار والمجرور ليسا شيئا مختلفا عن الظرف ما داما يدلان على المكان أو الزمان أو على أىّ ظرف آخر. ويصدق كل هذا على متمم المسند إليه والظرف فى حالة مجيئهما مع فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت. وينبغى أن يكون واضحا أن الجار والمجرور يكونان إما متمم المسند إليه أو متمم المفعول المباشر أو الظرف وفقا لمعناهما فى الجملة.
وفى هذه الأحوال لا يكون المسند، إذا أصررنا على البحث عنه، سوى فعل الكينونة الظاهر أو المحذوف بالإضافة إلى متمم الفاعل مهما كان شكل تحقيقه (الاسم أو الصفة أو الجار والمجرور) أو الظرف مهما كان شكل تحقيقه أيضا (الجار أو المجرور أو الأشكال الأخرى للظرف الذى لا يقتصر على المكان والزمان كما فى النحو التقليدى).
ومن الواضح أن علماء لجان المجمع ووزارة المعارف ثم التربية والتعليم ومؤلفى كتاب تحرير النحو العربى قد أهملوا حتى الفكرة القديمة الرائعة عن "متعلَّق" الجار والمجرور وعن كونه معهما الخبر وأنهما وحدهما ليسا الخبر، مع ملاحظة أن هذا "المتعلق" – كما سبق القول – لا ينبغى أن يكون للجار والمجرور والظرف فقط بل ينبغى أن يمتد إلى المفرد أيضا من اسم أو وصف فى إطار ما يسمى بالخبر المفرد، ومع ملاحظة أن "المتعلق" ليس اسما بل هو فعل وهو بالذات فعل الكينونة فى المضارع المثبت المحذوف نتيجة للاقتصاد اللغوى.
وهناك ملاحظات كثيرة متنوعة على هذا الكتاب تتعلق بأشكال أخرى لتحقيق المسند ولكن أيضا بقضايا أخرى مثل الإعراب المحلى والإعراب التقديرى وغياب فكرة عناصر أو مكونات الجملة وبالتالى غياب تطبيقها على ما يسمى بمنصوبات الأسماء وغير ذلك وسيجد القارئ الكريم المناقشة التفصيلية لهذه القضايا فى الفصول المعنية من الكتاب.
وعلى أمل أن تسنح لى فى المستقبل فرصة أوسع لمناقشة  أكثر عمقا وتفصيلية لمحاولة المجمع ووزارة المعارف (ثم التربية) كما تجسدت فى قرارات المجمع وكتاب تحرير النحو العربى، سأختتم بالإشارة إلى بعض المعلقين على هذه المحاولة. وسأضرب صفحا عن مناقشات الأستاذ عبد الكريم العريص الذى يفسر محاولات تيسير الإعراب تفسيرا يقوم على مؤامرة متوهَّمة على اللغة العربية ونحوها، أبطالها المستشرقون وتلاميذهم وهم بالمناسبة عدد من أعظم رواد النهضة المصرية، ومنهم لطفى السيد وقاسم أمين وسلامة موسى. وقد اتخذ مجمع اللغة العربية بالقاهرة موقفا غريبا من قراراته السابقة يتمثل فى تجاهلها ويروى الدكتور شوقى ضيف فى كتابه تجديد النحو أن المجمع الذى كان قد أقر إلغاء الإعرابين المحلى والتقديرى فى سنة 1945: "عاد فى سنة 1979 فرأى الإبقاء على الإعرابين التقديرى والمحلى فى المفردات والجمل دون تعليل"[clxxi]. وسنكتفى هنا بإلمام سريع بملاحظات الأستاذ أمين الخولى، لأهميتها الخاصة، فى كتاب مناهج تجديد. وهو يعارض فكرة "ألاّ يمس التيسير والتبسيط أصلا من أصول اللغة ولا شكلا من أشكال الإعراب والتصريف" كما شرط القرار الوزارى على أعضاء اللجنة وكما شرطوا هم على أنفسهم[clxxii].
وهذا النقد مفهوم تماما عندما يأتى من الأستاذ أمين الخولى لأن اجتهاده الشخصى فى مجال تيسير النحو وتبسيطه يمس بعض "أصول اللغة" وبعض "أشكال الإعراب والتصريف". ذلك أنه جعل محور تيسيره يدور حول تعديل للإعراب السائد ذاته انطلاقا من فكرة أن لهجاتنا العربية السائدة إنما هى امتداد للهجات سابقة ذات تقاليد إعرابية مختلفة يجوز الأخذ بها ما دامت تؤدى إلى التيسير: مثل صوغ جمع المذكر السالم مثل "حين" فى الرفع والنصب والجر جميعا، وما إلى ذلك. وهذا باب مشروع للاجتهاد، غير أنه ليس بابا واسعا كما يتصور الأستاذ أمين الخولى، كما أنه لا يُغنى عن الإعراب السائد الذى اتصل وجوده قرونا طويلة بحيث لا يمكن التعامل مع هذا التراث إلا بإتقان الإعراب السائد ذاته بغض النظر عن تأملاتنا وتعديلاتنا وتصحيحاتنا للقواعد الوضعية التى صاغها علماء النحو والإعراب. وهناك سؤال هام يطرحه هذا النوع من البحث الذى اجتذب الأستاذ أمين الخولى وغيره: إذا كان تعديلنا للإعراب يبدأ من اللهجات العربية الحالية وينتهى إلى مشروعية ما ورثته عن اللهجات العربية القديمة، وكلها حجة، واعتبارها أساسا كافيا ومشروعا لتعديل الإعراب الحالى، فلماذا لا نستغنى عن الإعراب كله مع أن إسقاط الإعراب قديم للغاية ومع أن الجماعة الناطقة باللغة العربية بدأت عملية إسقاط الإعراب وتبنِّى الأداة البديلة أىْ ترتيب الكلمات منذ فجر الإسلام وما قبل فجر الإسلام؟ وهو سؤال مشروع غير أن الجماعة اللغوية وحدها هى التى تختار من خلال ممارستها اللغوية، وبصورة تاريخية، الإجابات الحاسمة التى لا يملكها غيرها. ويمكن القول إن الجماعة اللغوية العربية قد اختارت إلى الآن فى ممارستها اللغوية العملية الازدواج اللغوى الراهن فى العالم العربى كله بين اللغة العربية المعربة (التى احتفظت بالإعراب) واللغة العربية غير المعربة (التى أسقطت الإعراب بالاعتماد على بديله المتمثل فى تقييد ترتيب عناصر الجملة).
ويعارض الأستاذ أمين الخولى ما رأته اللجنة من عدم التمييز بين علامات إعراب أصلية، وأخرى فرعية[clxxiii]، وهذا منطقى لأن هذا مجال اجتهاده.
ويعارض الأستاذ أمين الخولى موقف اللجنة إذ:
حاولت اللجنة ضبط الجملة بأصنافها تحت تقسيم واحد، ينتظم الفعلية والاسمية، والجمل الصغيرة والكبيرة، وهو صنيع إنْ ساغ فى المنطق، لأنه يبحث فى المعانى والمفاهيم، ولا شأن له بالألفاظ مطلقا .. أو قُبِل فى البلاغة لأنها تبحث عن حسن المعانى، وتعرض للألفاظ بهذا المقدار، فلعل هذا الصنيع – على ما يبدو – لا يسهل فى النحو، لأنه يتحدث عن الصحة، واستقامة المعنى الأول؛ وفى هذا يطيل الوقوف عند الألفاظ؛ ويلحظ فيها أدقّ الفروق، فيتحدث مكرها عن الفاعل ونائبه والمعنى فيه؛ والمبتدأ والأحكام اللفظية لكل منهما،لا مفر، على حين قد ينظمها كلها البلاغى، أو المنطقى، تحت اعتبارات جامعة، فيسميها مسندا ومسندا إليه[clxxiv].
ويأخذ على اللجنة ادعاءها أن تسميتها لطرفى الجملة المحدث عنه والحديث اصطلاح جديد لأنه اصطلاح قديم يعرفه من اتصل بأوائل كتب النحو[clxxv]. كما يأخذ عليها إيثارها تسميتهما - كالمناطقة – المحمول والموضوع، ويقول إن هذا بعيد عن عقل المتعلم وعن طبيعة الدرس اللغوى التى تلتزم بالألفاظ والظواهر الحسية لتدل بها على المعانى[clxxvi].
والحقيقة أن الأستاذ أمين الخولى غير موفق بوجه عام فى نقده الشامل لتقرير اللجنة. وربما كان هذا يرجع إلى استحواذ رأيه الضيق فى التيسير على كل تفكيره، وذلك رغم تمهيده الطويل الرائع المستنير لمناقشة التيسير برمتها. ولا شك مثلا فى أن "تسمية المسند والمسند إليه" لا تمنع على الإطلاق من مناقشة كل منهما تحت "الباب" الخاص به وفى كل المواضع الملائمة. غير أن هذا شأن الإنسان بما فيه المفكر العلامة الذى يرتفع إلى قامة أمين الخولى فالفكرة التى تستحوذ عليه تتغلب على كل رغبته فى الموضوعية والإنصاف، وهذا لا يعنى أنه لم ينصف اللجنة فى كثير من الملاحظات، فقد أنصفها فى أكثر من نقطة، غير أن أكبر إنصاف لقضية اللجنة يتمثل فى أنه مهد أروع تمهيد لمشروعية نقد النحو والإعراب دون أدنى حرج قائلا ما مؤداه أن ما قد يستنكره الناس من نقد اليوم قد يصير قاعدة الغد كما حدث – كما قال أيضا – فى التشريع والفقه ذاتهما فى واقعة الدكتور عبد الرازق السنهورى فى مجلة القضاء الشرعى قبل إلقائه محاضرته بعنوان "هذا النحو" فى سنة 1943(التى نقتبس منها الآن) بأكثر من عشرين سنة كما يروى[clxxvii].    
        
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الملحق 1
هل الخبر مرفوع؟[clxxviii]
 
1: مقدمة لابد منها: النحو بين التيسير والتطوير
تعمدتُ أن أضع هذا العنوان الذى يبدو "مثيراً" للغاية، ليس بقصد الإثارة أو الاستفزاز، بل ليكون بمثابة رمز يتجاوز الموضوع المباشر لهذا المقال الذى يدور بالفعل حول مسألة: هل يجوز الحديث أصلاً عن إعراب الخبر، وناهيك برفع ما يسمى بالخبر المفرد، وقياس رفع النوعين الآخرين مما يسمى بأنواع الخبر عليه، كما تعلّمنا من كتب النحو العربى؟
أما الرمز المقصود فهو - كما اتضح للتو - كما يلى:
تُبرِّر لنا حقيقة أن إصلاح النحو العربى لم يحقق خطوة واحدة كبرى إلى الأمام طوال القرن العشرين بالذات، رغم كثرة المحاولات الفردية والجماعية والمجمعية والوزارية، أن نسمح لأنفسنا بإعادة النظر حتى فى قواعد النحو التى قد تبدو لنا من البديهيات مثل رفع الخبر.
والمقصود أيضاً أن أحد عوامل الإخفاق الذى انتهت إليه كافة المحاولات الرامية إلى تيسير النحو العربى، أو تبسيطه، أو تسهيله، أو تجديده، أو تحديثه، أو تطويره، أو تحريره، يتمثل فى واقع أن أغلب تلك المحاولات انطلقت من فكرة خاطئة مؤداها أن النحو العربى علم نضج واحترق كما قيل فى القديم، أى بافتراض أنه علم صحيح وكامل غير أنه وعر وشائك ومعقد فليس المطلوب إذن سوى تيسير أو تعديل طرق عرضه وتبويبه.
وصحيح أن محاولة هنا أو هناك انطلقت من رفض وتحدِّى أسطورة النحو العربى الصحيح الكامل المكتمل المحترق نُضْجاً، واتجهت نحو إعادات نظر متفاوتة العمق والنضج. غير أن من الصحيح أيضاً أن مثل هذه المحاولات القليلة بل النادرة ظلت تتميز بأن حصيلتها مجرد أفكار وتصورات جزئية مبعثرة، إنْ كانت تنطوى على نظرات صائبة فهى تظل عاجزة عن تطوير نظرية أو نظريات نحوية متسقة، فكانت أضعف من أن تصمد أمام التيارات التى تحارب كل تجديد فى العلوم اللغوية وفى النحو العربى بالذات.
على أن التيار السائد فى محاولات إصلاح النحو العربى ظلّ يتزين بالألقاب الفخمة كالتيسير أو التجديد أو التحديث أو التحرير، دون أن يلاحظ أصحاب هذه المحاولات حقيقة أنهم ينتقلون من إخفاق إلى إخفاق، بل ربما تصوروا أن إخفاقاتهم نجاحات أو حتى فتوحات كبرى. غير أن المحصلة الحقيقية ظلت تتمثل فى تلك العقدة المستعصية التى ظل يمثلها النحو العربى، والتى ظلت تتحدى من يتعلم العربية أو يعلمها، ومن يقرأ بها أو يكتب، ومن يتكلم بها أو يسمع.
ومنذ القديم، ثم طوال القرن العشرين، وإلى يومنا هذا، ترتفع الشكوى، كما يتواصل التبجح (وكله أو أكثره جعجعة بلا طحن) ضد النحو والنحاة، إلى جانب المحاولات الجادة التى تخفق أو تتبدد.
وبطبيعة الحال فإن الخريطة التفصيلية لهذه المحاولات، بالتصنيفات الدقيقة المطلوبة لتقييم إنجازاتها المحددة وإخفاقاتها المدوية، ستظل ضرورية لكل نجاح فى المستقبل. غير أن هذا العمل، الذى يبدو وصفياً للغاية وموضوعياً للغاية، سيظل مستحيلاً ما لم يستند إلى "حل" حقيقى لمشكلة النحو العربى؛ انطلاقاً من حقيقة أن هذا النحو كان ابن زمانه ومكانه، وأنه بالتالى (بعيداً عن النضج حتى الاحتراق) علم مفتوح على التطور. ذلك أن بين كل علم وموضوعه مسافة يظل محكوماً على هذا العلم بأن يعمل، ويواصل العمل دوماً، على قطعها، أو بالأحرى: على تضييقها، ربما قبل أن تتسع من جديد، فى سياق غفلة يغفلها العلم ذاته، أو فى سياق جمود يؤدى إلى عرقلة المجتمع لتطور العلم.
والحقيقة أن النحو العربى، الذى نشأ فى سياق محاربة ظاهرة اللحن الإعرابى (الأمر الذى يتمثل مغزاه فى قدم ظاهرة الازدواج النحوى فى اللغة العربية)، بدأ منذ البداية مطبوعاً بطابع خصائص نشأته إلى حدّ الخلط التام بين النحو والإعراب إلى يومنا هذا، حتى فى أحدث المراجع المجمعية، الأمر الذى ألحق الأضرار بالنحو والإعراب على حد سواء.
فبدلاً من تطوير مفاهيم نحوية ناضجة كأساس لإعراب واضح وبسيط، سار الخلط بين النحو والإعراب مع منح مكان الصدارة للإعراب بالنحو العربى على درب وصل بنا إلى المزيد من التراجع والنكوص باسم التجديد إلى حدّ بحث مسائل النحو تحت عناوين إعرابية بحتة مثل: المرفوعات، المنصوبات، المجرورات، إلخ.. على حين تلتبس المفاهيم النحوية وتتعدد ألقاب المسمى الواحد منها ويضطرب تبويبها تماماً.
وصار تيسير النحو يتمثل عند أصحابه فى مزيد من دفع هذا الاتجاه المدمر للنحو والإعراب على السواء إلى نتائجه المنطقية، حيث تتصدر العناوين والمداخل والمناهج الإعرابية، وتتراجع وتتشوه وتضمر المفاهيم النحوية، فلا تكون الأساليب والوسائل العصرية كالجدولة والرسوم البيانية وما أشبه ذلك سوى ديكورات عصرية تزين تلاوة نفس التعاويذ الإعرابية الأزلية باسم التجديد.
والحقيقة أن التيسير وما إليه "شعار" خاطئ كما أنه مستحيل كنقطة بداية. إنه وَهْم من أوهام أسطورة النحو الكامل الصحيح لكنْ المعقد والذى ينبغى بالتالى تيسيره.
إن ما يحتاج إليه النحو العربى هو التطوير الجذرى. وليس من المطلوب أبداً أن يستوعب أصول هذا التطوير أو نتائجه وتصنيفاته الدقيقة سوى علماء النحو ومعلميه ودارسيه على أعلى المستويات. أما التيسير فيأتى بعد التطوير. ويتمثل دور التيسير فى توزيع حصيلة التطوير ونتائجه على مراحل تعليمية أو مستويات بما يتناسب مع كل مرحلة أو مستوى، وهنا مجال واسع للبراعات والمهارات والأساليب والوسائل التعليمية والتربوية العصرية.
وينبغى أن نلاحظ أن النحو البالغ التطور والنضج والتعقيد، وهو النحو المنشود، ضرورى ليس فقط فى سبيل التيسير، وليس فقط لأنه ينطوى فى حد ذاته على أشكال مباشرة من التيسير لا تحصى ولا تعد. إنه ضرورى كذلك للتعامل، من ناحية، مع رفع مقتضيات التطور اللاحق للنحو كعلم لغوى، وللتعامل، من ناحية أخرى، مع مقتضيات تطور الفكر والعلوم والتكنولوجيا فى عصر علم وتقنية معالجة المعلومات آلياً. وفى هذا العصر الذى تدفع مقتضياته وضغوطه بشدة نحو وصول تبلور النحو إلى غاية من التفكيك والترابط والتماسك والتطوير والكمال حتى تكون اللغة المعنية قابلة للاستخدام بكل دقة ويسر فى سياق هذه الثورة التقنية الهائلة، يمكن القول إن النحو الجديد صار شرطاً من شروط ما أصبح يسمى بدخول القرن الحادى والعشرين.
وحتى لا نواصل جلد الذات، ينبغى أن ندرك أن ما يمكن أن نسميه بالنحو الجديد صار يفرض ثوراته على اللغات الأكثر تطوراً فى الحضارة السائدة فى عالم اليوم. ولا شك فى أن العقود الأخيرة من القرن العشرين شهدت ثورة نحوية عميقة وهائلة فى اللغتين الإنجليزية، أولاً، والفرنسية، ثانياً، فى حدود تجربتى المباشرة، وفى غيرهما من اللغات الأوروبية كذلك، بحيث صار النحو غير النحو. وسوف تقنعك أبسط المقارنات للمفاهيم النحوية فى كتب النحو الإنجليزى أو الفرنسى، بين السبعينات القريبة والتسعينات الراهنة، بأن الثورة النحوية حقيقة واقعة وربما سنحت لنا هنا فرصة الإشارة الموجزة إلى بعض ملامحها.
على أنه ينبغى الاعتراف بأن مشكلة النحو العربى مزدوجة، بل مركبة، بل معقدة. وإذا اكتفينا بذكر العناوين فهناك الازدواج النحوى الذى يسود حياتنا اللغوية بين الإعراب فى قطاعات منها وإسقاط الإعراب فى قطاعات أخرى. وهناك تمحور النحو حول الإعراب، وبالتالى ضمور المفاهيم النحوية، وحتى تراجعها من خلال محاولات التيسير طوال القرن العشرين. وهناك غياب المناخ الملائم للبحث العلمى الحر فى مجال النحو العربى كمحصلة للقيود الأيديولوچية وللرقابة الذاتية النابعة منها، أو المرتبطة بها فى أعماق أرواح وصدور الباحثين. ويساعد كل هذا بطبيعة الحال على عرقلة وتشويه التفاعل الحر مع الثورة النحوية التى شهدتها وتشهدها لغات أخرى.
وينبغى أن نشير هنا، وإنْ بسرعة، إلى الفرق بين النحو والإعراب.
وإذا كان الصرف فى أى لغة هو نظام تكوين الكلمات وأبنيتها وزيادتها وتغييرها للتعبير عن اختلاف العدد والنوع أو التعبير عن اختلاف الأزمنة، فإن النحو هو نظام تكوين الجمل فى لغة من اللغات، وبعبارة أخرى فهو نظام تكوين العلاقات بين مكونات أو عناصر الجملة.
أما إعراب الكلمات، وترتيب الكلمات (مع إسقاط الإعراب)، فكل منهما أداة (تُغنى الواحدة منهما عن الأخرى) من أدوات النحو للتمييز بين عناصر الجملة: أداة يستخدمها النحو فى هذه اللغة أو تلك، فى هذه المرحلة أو تلك. فالنحو، أى نظام تكوين الجمل، قائم فى الحالين، أى فى وجود هذه الأداة أو تلك.
وهنا تمييز واجب بين ما هو موضوعى وما هو وضعى فى كل من النحو والإعراب.
فالنحو الموضوعى نظام أو نسق نحوى ماثل فى صميم تكوين اللغة كما تتكلم و/أو تكتب بها الجماعة اللغوية المعنية بصرف النظر عن وجود، أو مدى تطور ونضج، النحو الوضعى (أى: علم النحو) الذى يدرس ذلك النحو الموضوعى. وكما سبق القول، هناك مسافة ماثلة دوما بين النحو الموضوعى والنحو الوضعى يعمل هذا الأخير دوماً على قطع جزء منها لاستيعاب ظواهر قديمة أو جديدة ينطوى عليها النحو الموضوعى. وهذا الأخير، أى النحو الموضوعى، أو "نحو العقل الجمعى”، لدى جماعة لغوية بعينها هو المرجع والأساس والأصل. أما "نحو" العلم المعروف بهذا الاسم، نحو النحاة أو النحويين أو الدارسين أو العلماء، "نحو" الاجتهاد فى فهم النحو الموضوعى، فإنه قابل دوما لإعادة النظر.
والنحو الموضوعى الجمعى يتغير تاريخياً، ولا يملك أحد التلاعب بحقائقه. أما النحو الوضعى، نحو النحاة، فلا موجب لتقديسه، بل الأجدر بنا أن نعمل دوماً على تصحيحه وتطويره انطلاقاً من تطور النحو الجمعى من ناحية، ومن تطور مناهج دراسته من ناحية أخرى.
وينطبق الشيء ذاته على الإعراب (وكذلك على بديله).
فالإعراب الموضوعى الجمعى الماثل فى صميم السليقة اللغوية الأصلية لا يملك تعديله أو تغييره أو إسقاطه سوى الجماعة اللغوية ذاتها، وبصورة تاريخية. أما فهم النحاة وأصحاب صناعة الإعراب لهذا الإعراب، وعوامله أو أسبابه والعلاقات بين حقائقه، فهو اجتهاد قابل دوما للمزيد من الاجتهاد.
وينبغى أن يكون واضحاً أن كل محاولتنا للاجتهاد فى مسائل النحو والإعراب فى اللغة العربية القريشية أو المضرية (بالضاد) إنما تنصبّ على فهم النحاة للنحو والإعراب. والمرجع دوما هو النحو الموضوعى الجمعى والإعراب السليقى، كما يتجسدان فى كلام العرب (من نثر وشعر) كما حفظه لنا تراثهم الغنى بكل عيونه وينابيعه ومصادره.
 
2: المسند إليه هو المرفوع الحقيقى الوحيد
ونعود إلى الخبر..
وقد علَّمتنا كتب النحو العربى أن الخبر من مرفوعات الأسماء. وبقية مرفوعات الأسماء هى كما نعلم: المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل واسم "كان وأخواتها" (ومنها أفعال المقاربة والرجاء والشروع).
كما علّمتنا كتب النحو العربى أن الخبر ثلاثة أنواع: 1: الخبر المفرد 2: الخبر الجملة (الاسمية أو الفعلية) 3: الخبر شبه الجملة (الظرف أو الجارّ والمجرور).
وعند "دخول" ما يسمى بنواسخ المبتدأ والخبر من أفعال وحروف على الجملة الاسمية تظل الأنواع الثلاثة للخبر "قائمة" مع اختلاف أحكام إعرابها. فإلى جانب خبر المبتدأ المرفوع رفعاً ظاهراً أو تقديريًّا أو محليًّا للمفرد أو رفعا محليًّا للجملة أو شبه الجملة، هناك خبر "إن وأخواتها" المرفوع أيضاً وبنفس التفاصيل، وخبر "كان وأخواتها" المنصوب نصباً ظاهراً أو تقديريًّا أو محليًّا للمفرد أو نصبا محليًّا للجملة أو شبه الجملة. ويُقال لنا إن "ظن وأخواتها" أفعال تنصب المبتدأ والخبر مفعولين، كما يقال لنا إن "أعلم وأرى وأخواتهما" أفعال تنصب ثلاثة مفاعيل، ثانيها وثالثها أصلهما المبتدأ والخبر.
فالخبر المرفوع إذن هو خبر المبتدأ وكذلك خبر "إن وأخواتها" (وكل خبر عندهم خبر المبتدأ لأن خبر "إن يأتى مع المبتدأ المسبوق بالحروف المسماة بالناسخة، ولأن خبر "كان" يأتى مع المبتدأ الذى "تدخل" عليه "كان وأخواتها")، والخبر المرفوع رفعاً ظاهراً هو الخبر المفرد دون غيره.
وعندهم أن المبتدأ والخبر هما الركنان "الأساسيان" للجملة الاسمية، وعندهم جملة أخرى يسمونها الجملة الفعلية وركناها "الأساسيان" هما الفعل والفاعل.
وسوف نبحث، فى القسم الثالث والأخير من هذا المقال الموجز، مسألة: هل الخبر مرفوع، وهل يجوز الحديث عن إعرابه أصلاً؟ وهى وثيقة الصلة بمسألة: ما هو الخبر؟
وليس من المنطقى أن نجيب على السؤال الأخير حول طبيعة الخبر قبل أن نبحث أولاً طبيعة المبتدأ (وهو الركن الأول تحليلياً وليس مكانياً فيما يسمى بالجملة الاسمية).
وسرعان ما نصل إلى ضرورة إعادة النظر فى كل هذه التسميات والتقسيمات والتصنيفات: هل هناك مبرر نحوى حقيقى لتقسيم الجملة العربية الواحدة إلى جملة اسمية وجملة فعلية؟ وهل تنقسم الجملة إلى ركنين أساسيين أم إلى ركنين وحيدين؟ وبعبارة أخرى: هل الركنان هما كل ما فى الجملة أم تشتمل الجملة على مكونات أخرى؟ وهل هناك مبرر حقيقى للتمييز بين المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل واسم كان؟ أو بين الفعل والخبر؟
وإذا كانت مرفوعات الأسماء كما يسمونها تشمل إلى جانب الخبر، كما سبقت الإشارة: المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل واسم "كان"، فمن الجلى أن الخبر يختلف عن بقية المرفوعات.
ومن الأفضل أن نبدأ من الآن فى استخدام تعبير المسند إليه الذى ينطبق على كل هذه المرفوعات دون الخبر، وتعبير المسند الذى يتطابق مع الخبر وحده دون غيره.
وفى كتاب العين تحدث الخليل بن أحمد عن "السَّنَد" والمسند إليه، وفى "الكتاب" تحدث سيبويه عن المسند والمسند إليه، والسَّنَد عند الخليل والمسند عند سيبويه عرفهما النحو العربى بعدهما بتعبير المسند إليه، أما المسند إليه كما استخدماه فهو ما عرفه النحو العربى بعدهما بالمسند.
والمسند إليه هو ذلك الاسم (أو الضمير، إلخ..) الذى نسند إليه الفعل ونصرّفه معه سواء تقدم الفعل عليه أو تأخر عنه، فهو يشمل إذن: المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل واسم "كان". فلا جدال فى أن هذه الأشياء تشترك جميعاً فى واقع إسناد الأفعال إليها وتصريفها معها، وفى واقع أن المسند إليه، فى كل هذه الصور المتنوعة والمتمايزة من نواح أخرى، هو الفاعل النحوى للفعل المصرَّف معه. وسنرى عند المزيد من مناقشة المسند (الخبر) أن الجملة العربية لا تخلو من الفعل، باستثناء فعل واحد هو فعل الكينونة يظهر فى كل الأزمنة فى النفى والإثبات ويتم حذفه فى المضارع المثبت (مثلاً: الكتاب مفيد) فى الشكل الأكثر شيوعا لاستخدام هذا الفعل فى المضارع المثبت، ومن المفارقات أن حذف فعل واحد فى اللغة كلها فى المضارع المثبت وحده دون غيره كان الأساس الوحيد لتصنيفات أساسية للجملة ولأنواع الخبر ولغير ذلك فى النحو العربى (وليس فيه وحده على كل حال) انطلاقا من أسطورة الجملة الخالية تماماً من الفعل.
وانطلاقاً من فكرة من وضع النحاة وليست فى منطق اللغة العربية تتلخص فى البدء بوضع تعبيرين مختلفين هما المبتدأ والفاعل ثم التمييز بينهما بوضع قاعدتين غريبتين على اللغة العربية تزعم إحداهما أن الفاعل يتقدم عليه فعله "وجوباً" وتزعم الأخرى أن المبتدأ يتأخر عنه فعله "وجوباً"، اختلق النحو العربى عالمين: عالم الجملة الاسمية وركناها "الأساسيان" هما المبتدأ والخبر، وعالم الجملة الفعلية وركناها "الأساسيان" هما الفعل والفاعل.
والحقيقة أن عند العرب، على خلاف ما عند نُحاتهم، جملة عربية واحدة، ما كان ينبغى أبداً تقسيمها بما تبدأ به من اسم أو فعل أو غيرهما من أقسام الكلام، ولا بما تبدأ به من مفاهيم نحوية من فاعل أو مفعول به أو ظرف أو غير ذلك. وبإدماج المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل واسم "كان" فى مفهوم المسند إليه (الفاعل) والفعل وعناصر أخرى فى مفهوم المسند (الخبر)، وبإطلاق التقديم والتأخير بينهما إلا فيما تمليه مقتضيات أمن اللبس، يندمج هذان العالمان النحويان الوهميان فى عالم نحوى حقيقى واحد. وعندئذ يمكن الحديث عن حقيقة أن الجملة تنقسم تحليلياً إلى المسند إليه والمسند (أو المسند والمسند إليه)، وأنهما ركناها أو قسماها الوحيدان وليسا ركنيْها أو قسميْها الأساسييْن، ذلك أن الجملة ليس فيها سوى المسند إليه (الفاعل) والمسند (الخبر).
وإذا كان الخليل بن أحمد وسيبويه قد أدمجا ما يسمى بمرفوعات الأسماء باستثناء الخبر فى مفهوم نحوى واحد استقرت تسميته فى نهاية الأمر فى مفهوم وتعبير المسند إليه، على حين صار تعبير المسند متطابقاً مع الخبر، فالحقيقة أن كل هؤلاء النحاة وكذلك النحاة المحدثون (باستثناء نادر وبالغ الأهمية رغم حدوده الضيقة) قاموا بتهميش تعبيرى المسند إليه والمسند فاستخدموهما، لكنْ إلى جانب التسميات الأخرى وعلى هامشها، مع الاحتفاظ بعالمى الجملة الاسمية والجملة الفعلية متجاوريْن ومتمايزيْن، بفضل أساطير التقديم الوجوبى والتأخير الوجوبى ومزاعم أمن الالتباس ليس فى اللغة والمعنى، بل بين مفاهيم نحوية من وضع النحاة أنفسهم مع أنها غريبة على اللغة العربية القريشية التى هى لغة إعراب أى لغة مرونة فى ترتيب كلمات أو مكونات أو عناصر الجملة، وهى مرونة تتعارض مع تقييد المسند والمسند إليه بمكان، وتعنى إطلاق التقديم والتأخير بينهما مع مراعاة المقتضيات الحقيقية لأمن اللبس.
وهناك فرق فى التصريف مع بعض الضمائر بين تقدم الفعل على المسند إليه أو تأخره عنه (مثلاً: يتفوق المجتهدون - المجتهدون يتفوقون). وهناك أيضاً فرق "إعرابى” فعندما يتقدم الفعل يكون المسند إليه مرفوعاً (باستثناءات قليلة بل نادرة). أما عندما يتأخر الفعل فإن المسند إليه يتأثر بمؤثرات سابقة على الإسناد إليه كأن تسبقه الحروف المسماة بالناسخة أو حروف الجر "الأصلية" أو حتى أن يكون مفعولا به لفعل و"فاعل" سابقيْن (وبالطبع فإن النحو العربى لا يعترف بشيء من قبيل المفعول الفاعل لأن هذا الأخير يتقدم عليه فعله "وجوبا"). غير أن هذيْن الفرقيْن "التصريفى” و"الإعرابى” لا ينبغى أن يبررا التمييز النحوى المبدئى بين المبتدأ من جانب والفاعل و"نائبه" واسم "كان" من جانب آخر. كما أن الفروق الدلالية بين أنواع المسند إليه (بين أن نصرف معه الفعل التام المبنى للمعلوم أو المبنى للمجهول أو الفعل الناقص) لا ينبغى أن تحول دون استيعاب ما يسمى بنائب الفاعل واسم "كان" فى مفهوم المسند إليه مع الفاعل والمبتدأ، مع تقديم كافة الإيضاحات اللازمة للتمييز بين دلالات شتى للمسند إليه ذاته.
وكما نجد فى واقع اللغة العربية (ولغات الإعراب الأخرى قديما وحديثاً) فإن المسند إليه (الفاعل) هو المرفوع الحقيقى الوحيد، وهو عنصر من عناصر الجملة يعنى الفاعل النحوى للحدث، أما بقية عناصر الجملة (الفعل، المفعول به، متمم الفاعل أو المفعول به، الظرف) فهى التى يتكون منها المسند (الخبر) الذى يتمثل حده الأدنى فى الفعل الذى لا يخلو منه المسند (الخبر) وبالتالى الجملة أبداً، ويتمثل حده الأقصى فى هذه العناصر الأربعة جميعاً، وسنقف عند المسند وعناصره فى القسم الثالث والأخير، وإنما نومئ هنا إلى تعدد عناصر المسند كأساس للإشارة إلى أن المسند (الخبر) خارج الإعراب من رفع أو غيره. وهناك مرفوعات عشوائية فى مواضع قليلة ويسهل الإلمام بها ومنها ما يسمى بالخبر المفرد المرفوع، أما رفع المسند إليه فلا يمكن فهمه إلا فى إطار مخالفته منطقياً ونحوياً وإعرابياً، لنصب المفعول به وهو أحد عناصر الجملة ويأخذه الفعل المتعدى ضمن المسند (الخبر) فى عدد من نماذج الجملة، وهى نماذج تتعدد بتعدد نماذج المسند (الخبر).
وسيكون علينا أن نكتفى بإشارات موجزة إلى عدد آخر من أساطير النحو العربى التى يقوم عليها عدد من أبوابه، وهى أساطير الحروف والأفعال المسماة بالناسخة.
وحروف "إن وأخواتها" أدوات تقدم جملة أو تربط بين جملتين ولهذا يأتى بعدها المسند إليه (الفاعل)، ويكفى بالتالى أن نعتبرها أدوات أو حروفاً ناصبة للأسماء (أو للمسند إليه)، بعيداً عن أسطورة الحروف الناسخة للمبتدأ والخبر.
وهناك أسطورة أن أفعال "ظن وأخواتها" تأخذ أو تنصب مفعولين. ولا شك فى أن هذه الأفعال تأخذ "منصوبين" فى الاستخدام النموذجى المميز لهذه الأفعال. غير أن أقل تأمل متحرر من تقديس النحاة يوضح أن أحد المنصوبين مفعول به وأن الآخر لا يمكن أن يكون مفعولا به. فإذا قلت: "ظننتُ محموداً قادماً"، فلا يمكن أن يكون "قادماً" هذا مفعولاً به، إنه بالأحرى: متمم للمفعول به. ذلك أن الجملة يقع فيها الحدث الذى يتضمنه فعل الظن على كلمة "محموداً" وهو المفعول به، ولكنه لا يقع على كلمة "قادماً" التى هى صفة ضرورية أو إجبارية للمفعول به لإتمام معنى الجملة فى هذا النموذج من نماذج الجملة.
وهناك أسطورة أن أفعال "أعلم وأرى وأخواتهما" تأخذ أو تنصب ثلاثة مفاعيل. والحقيقة أن المنصوب الثالث، وهو المفعول الثالث المزعوم، ليس سوى متمم المفعول به، وهذا المتمم يظهر مع أفعال "أعطى وأخواتها" أيضاً. وإذا كان بوسعى أن أقول: "أعلمتُ محموداً الخبر يقيناً" فإن بوسعى أن أقول أيضاً: "أعطيت محموداً الكتاب جديداً". وكل من كلمتى "يقيناً" و"جديداً" متمم للمفعول به وشرطهما أن يكون المفعول المباشر: "الخبر" فى الجملة الأولى، و"الكتاب" فى الجملة الثانية، معرفة، أما المفعول الأول: "محموداً" فى الجملتين فهو المفعول غير المباشر وهو "متلقى” أو "آخذ" المفعول المباشر.
وفى الاتجاه المعاكس لأدوات نصب الأسماء "إن وأخواتها" تؤثر أفعال "كان وأخواتها" فيما يسمى بالخبر غير أنها لا تؤثر فى المسند إليه، فهو مرفوع ككل مسند إليه، ما لم يخضع قبل الإسناد إليه لتأثير ناصب أو جارّ (وليس هذا تأثير "كان وأخواتها" بطبيعة الحال).
ولهذا أشرنا إلى أنه ينبغى إدماج ما يسمى باسم "كان" فى المفهوم المحدّد لعنصر الجملة المسمى بالمسند إليه (الفاعل).
وبعيداً عن أسطورة أن أفعال "كان وأخواتها" ناسخة للمبتدأ والخبر، نشير إلى أن هذه الأفعال يتكون معها نموذجان من نماذج الجملة: (المسند إليه + كان + متمم الفاعل) و(المسند إليه + كان + ظرف المكان – وظرف الزمان فى حالات بعينها). أى أن ما يسمى بخبر "كان" يدخل فى إطار مختلف تماماً بنموذجين من نماذج المسند (الخبر)، وترتبط هذه النماذج ارتباطاً وثيقاً بأنواع الأفعال: الناقص واللازم والمتعدى إلى مفعول واحد أو مفعولين وكذلك بإمكانات استخدام المتعدى إلى مفعول واحد أو مفعولين وكذلك بإمكانات استخدام المتعدى إلى مفعول واحد لازماً أيضاً واستخدام المتعدى إلى مفعولين لازما أو متعدياً إلى مفعول واحد أيضاً.
وإذا ابتعدنا عن أسطورة أن الجملة تشتمل على عناصر أخرى غير المسند إليه والمسند، وهى عناصر أسماها النحو العربى التقليدى "فَضْلة" (كما أسماها النحو الفرنسى وما يزال يسميها "تكملة" بنفس المعنى)، واعتبرنا المسند (الخبر) شاملاً لكل ما فى الجملة باستثناء المسند إليه، كما يفعل "النحو الجديد" بوجه عام، يغدو من الجلى تماماً أن المقصود بالخبر سيختلف، وأن هذا الخبر يظل خارج مسألة الإعراب لتعدد عناصره، ولعدم مخالفته نحوياً للمسند إليه، وأن العثور على مرفوع عشوائى، وإعلانه "خبراً"، ثم قياس إعراب "الخبر" ورفعه عليه، أمور ليس لها مبرر حقيقى من نحو أو منطق، كما سنرى فى القسم التالى.
 
3: المسند (الخبر) لا علاقة له بالإعراب
المسند (الخبر) حُكْم، فالمسند إليه "محكوم عليه"، والمسند "محكوم به"، والمسند إليه "مُتحدَّث عنه" والمسند "مُتحدَّث به"، والمسند إليه "موضوع"، والمسند "محمول".
وما دام المسند (الخبر) حُكْماً، فلا يمكن أن يتمثل الحكْم فى اقتناص "كلمة" أو "عبارة" وردت ضمن هذا الحكم والمطابقة بينها وبين الحكم كله، كما يفعل النحو العربى، والنحو التقليدى بوجه عام فى لغات أخرى، حتى عندما تتعدد الكلمات أو العناصر أو "الحيثيات" الواردة فى الحكم.
وكما سبقت الإشارة فإن الجملة العربية تنقسم إلى جزءيْن أو قسميْن أو ركنيْن "وحيدين" هما المسند إليه "الفاعل" والمسند "الخبر". والمسند إليه عنصر واحد من عناصر الجملة. ويختلف المسند عن هذا تماما، فهو كل ما تقوله الجملة عن المسند إليه، وهو كل الجملة باستثناء المسند إليه.
والمقارنة بالمسند إليه (الفاعل) الذى يتطابق - مهما تعددت كلماته أو تنوعت صيغه - مع عنصر واحد من عناصر الجملة فإن المسند (الخبر) مفهوم فضفاض يشتمل على عناصر قد تتعدد من عناصر الجملة، فيما بين مسند (خبر) الحدّ الأدنى، المكون من عنصر إجبارى واحد هو الفعل المستخدم لازماً (حتى إنْ اشتملت الجملة على كلمات أو عناصر أخرى اختيارية لاستيعاب بعض المعانى والدلالات المقصودة فى الجملة دون أن تكون إجبارية لهذا النموذج للجملة أو لهذا النموذج للمسند)، ومسند الحد الأقصى، المكوّن من أربعة عناصر إجبارية هى الفعل والمفعول به والظرف والمتمم (متمم الفاعل أو المفعول).
وعلى هذا فإن المسند (الخبر)، بحكم بداهة طابعه الفضفاض لاشتماله على عناصر ومكونات وتراكيب متعددة، يخرج من دائرة الإعراب (من رفع أو نصب أو خلافهما)، كما أنه يخرج، لنفس السبب، من دائرة المفاهيم النحوية التحليلية الفعالة التى ينبغى أن تكون أضيق نطاقاً، وهى التى ينطبق عليها مفهوم عنصر الجملة.
والحقيقة أن اللغة العربية القريشية أو المضرية (بالضاد) - بحكم بداهة كونها لغة إعراب وبالتالى لغة مرونة تركيب للكلمات (أو العناصر) فى الجملة - لا تشترط بحال من الأحوال أن يأتى المسند إليه قبل المسند، ولا أن تأتى كلمات المسند أو مكوناته أو عناصره متجاورة قبل أو بعد المسند إليه. فالمسند يأتى بعد المسند إليه أو قبله، وقد تأتى كلمة أو كلمات منه قبله وكلمة أو كلمات أخرى منه بعده فى الجملة الواحدة. وفى الجمل التالية وضعنا المسند (الخبر) بين قوسين:
(تفوقت) عزة.
عزة (تفوقت).
عزة (متفوقة).
(يتفوق) التلميذ المجتهد (لأنه يعتمد على نفسه).
(إن) حب الوطن (من الإيمان).
(كان) الناس (لا يرون بعضهم البعض من كثافة الشبورة).
هذه المرأة أعداؤها (يكثرون).
على أن الموضوع داخل القوس فى كل جملة قد لا يكون كل المسند (الخبر)، وذلك فى حالة حذف فعل الكينونة فى المضارع المثبت، مثل جملة: عزة (متفوقة)، أو جملة: (إن) حب الوطن (من الإيمان). والنحو العربى يعتبر (متفوقة) خبرا مفردا كما يعتبر (من الإيمان) خبراً شبه جملة (من جارّ ومجرور). غير أنه ينبغى اعتبار فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت جزءاً لا يتجزأ، كما يقال، من المسند (الخبر)، أما ما يعتبره النحو العربى خبراً فى الجمل التى تتكون مع أفعال "كان وأخواتها" (فى حالة ظهور هذه الأفعال جميعا كما فى حالة حذف فعل الكينونة دون غيره فى المضارع المثبت) فهو متمم للفاعل فى أحد نموذجين للجمل يأتيان مع هذه الأفعال، وهو ظرف فى النموذج الثانى.
وهنا ينبغى أن نقف بإيجاز عند أنواع الخبر، كما علّمتْنا كتب النحو العربى: 1: الخبر المفرد 2: الخبر الجملة (الاسمية أو الفعلية) 3: الخبر شبه الجملة (الظرف أو الجارّ والمجرور).
والخبر المفرد، عندهم، مثل "مفيد" فى جملة: "الكتاب مفيد". غير أن "مفيد" ليس خبراً وإنما هو جزء من الخبر مع الفعل المحذوف قبله (فعل "يكون" أى المضارع المثبت لفعل الكينونة)، كما أشرنا من قبل إلى أن "مفيد" هو متمم الفاعل وهو عنصر الجملة الذى يأتى مع أفعال كان وأخواتها لإتمام المعنى فى جملة مفيدة. فليس هذا إذن خبراً ولا مفرداً. ويقال إن هذا "الخبر المفرد" مرفوع ويُقاس عليه، باعتباره "الخبر" الوحيد الذى يقبل الرفع الظاهر، رفع باقى ما يسمى بأنواع الخبر فى إطار ما يسمى بالإعراب المحلى. والحقيقة أن متمم الفاعل (الذى يسمونه الخبر المفرد) مرفوع، ولا يملك أحد حق إلغاء هذا الرفع الذى صار أصلاً من أصول النحو الموضوعى الجمعى ذاته، غير أنه مرفوع رفعاً عشوائيا والمقصود أن متمم الفاعل هذا أصله النصب مع كان الظاهرة وأخواتها. وإنما كان رفعه ناتجاً عن التأثير التراكمى للاقتصاد اللغوى نتيجة حذف فعل الكينونة فى جملة زمنها المضارع مع هذا الفعل عندما يأتى مثبتا دون حاجة إلى ظهوره لمعرفة زمن الجملة. ولهذا لا ينبغى قياس "رفع" ما يسمى بالخبر، بكل أنواعه، على هذا الرفع العشوائى لعنصر ليس هو ذاته "خبراً" بحال من الأحوال.
والواقع أن النحو العربى أحسّ منذ القديم بمشكلة المحذوف الذى تصوره فعلاً أو اسم فاعل يدل على الكون العام، وسمّاه "مُتَعَلَّق" الظرف أو الجار والمجرور. وهذا المفهوم الصحيح فى جوهره لكن ليس فى تفاصيله، والذى جرى تهميشه أو نبذه نبذ النواة كما فعل ابن مضاء القرطبى ومن نحا نحوه، ينبغى إحياؤه وتصحيحه، فالمحذوف فعل، وهو فعل الكينونة دون غيره، وفى المضارع المثبت دون غيره، وهو لا يقتصر على الظرف والجارّ والمجرور فقط بل يمتد إلى ما يسمى بالخبر المفرد وإلى ما يعتبر من الخبر الجملة الاسمية الخالية من كل فعل ظاهر.
وعلى هذا يتضح أن ما يسمى بالخبر شبه الجملة إنما هو خبر أو مسند مع المحذوف "يكون" (ومع بقية كلمات الجملة باستثناء المسند إليه). أما الظرف أو الجارّ والمجرور المسمى بالخبر شبه الجملة فهو بالأحرى أحد عنصريْن: عنصر الظرف بألفاظه المباشرة أو بالجارّ والمجرور بمعنى الظرف، أو: عنصر متمم الفاعل فى شكل من أشكال تحقيقه (الجارّ والمجرور) بالإضافة إلى الاسم والصفة باعتبارهما شكلين أساسيين من هذه الأشكال.
أما ما يسمى بالخبر الجملة الاسمية فهو، عندهم، كالخبر كله: مفرد أو شبه جملة أو جملة (فعلية). وباعتبار الفعل المحذوف "يكون" ينطبق ما قيل أعلاه على "الخبر" المفرد وشبه الجملة، كما ينطبق ما سنقوله بعد قليل عن الخبر الجملة الفعلية على نظيره كخبر فى الجملة الاسمية. غير أن خصوصية الجملة المسماة بالاسمية هى أنها تشتمل على مبتدأ أول ومبتدأ ثان، وهذا الأخير هو ما يتم إسناد الفعل إليه فى مثل: "الكتاب غلافه يلمع" أو فى مثل: "المرأة أنصارها يكثرون"، ولهذا فهو المسند إليه دون غيره أما ما يسمى بالمبتدأ الأول أو المسند إليه الأول فليس سوى المضاف إليه الذى تأخر عنه مضافه الفاعل (غلاف الكتاب يلمع، أنصار المرأة يكثرون) أو مضافه المفعول به فى مثل: النخل نأكل ثمره (نأكل ثمر النخل). وهذا المضاف إليه "المتقدم" مرفوع عشوائياً أيضاً، ويجب أن نعتبر رفعه من أصول اللغة العربية، غير أنن ينبغى أن ندرك أن أصله الجرّ بالإضافة وأنه مرفوع عشوائياً مثل ما يسمى بالخبر المفرد، كما ينبغى أن ندرك أنه ليس المسند إليه بحال من الأحوال.
وفى الخبر الجملة الفعلية كما يسمونه، فى مثل: "الكتاب يفيد القارئ"، يعتبرون "يفيد" وحده ليس خبراً فقط بل خبراً جملة فعلية. والسر وراء اعتبار الفعل الواحد جملة (فعلية) إذا تأخر عن المسند إليه هو القاعدة التى وضعها النحاة والتى تجعل لكل فعل فاعلاً يتقدم عليه فعله وجوباً. ففى الجملة السابقة يبحثون عن فاعل للفعل "يفيد" غير "الكتاب" لأن الفعل تأخر عليه وجوباً لأنه المبتدأ عندهم. ومن هنا اخترعوا الضمير المستتر بعد الفعل والذى يعود على المبتدأ ("الكتاب")، والذى يُعرب فى محل رفع فاعلاً، ومن هنا زعمهم أن هذا الفعل مع فاعله المستتر الوهمى جملة فعلية خبراً للمبتدأ.
وهناك اختراع آخر تصبح نهايات تصريف الأفعال بمقتضاه ما يسمى بضمائر الرفع البارزة المتصلة. ومن هنا يعتبرون ما يسمونه بضمير الرفع البارز المتصل فاعل الفعل حيث يشكلان معاً جملة فعلية خبراً للمبتدأ، بدلاً من التعرف على المسند إليه (الفاعل) فى "الاسم الذى تقدم على الفعل.
والحقيقة أن "إلغاء" ما يسمى بالضمير المستتر وما يسمى بضمير الرفع البارز المتصل و"إلغاء" إعرابهما فاعلاً (نتيجة لإطلاق التقديم والتأخير بين المسند إليه والمسند فى النحو كما فى اللغة ذاتها مع مراعاة المقتضيات الحقيقية لأمن اللبس) يُلغيان جانباً هائلاً مما يسمى بالإعراب المحلى، الأمر الذى ينطوى فى حدّ ذاته على تيسير كبير.
وهكذا تتبخر أسطورة "أنواع الخبر" (خبر المبتدأ وخبر إن وخبر كان) دفعة واحدة. ويتضح أن المسند يشتمل على أكثر من عنصر من عناصر الجملة، وأن نماذج المسند تتنوع بتنوع الأفعال وارتباط كل نوع من الأفعال، فى استخدامات بالذات، ارتباطاً إجبارياً، أى: من حيث تكوين النماذج باعتبارها نماذج، ببقية عناصر الجملة التى تأتى ضمن المسند، أى باستثناء المسند إليه.
ومن الجلى أن الجملة حتى فى أبسط أشكالها تشتمل على حدث. وهذا الحدث الذى يعطى فى الوقت ذاته "زمنا" هو ما يعبر عنه عنصر الجملة الذى نسميه بالفعل. أما عنصر الجملة الذى نسميه بالمسند إليه فهو فاعل الفعل (بما فى ذلك فعل الكينونة المحذوف فى المضارع المثبت) أو فعل الأمر أو المضارع المنفى للنهى (وهنا يكون المسند إليه محذوفاً). والمسند إليه هو الفاعل "النحوى” حتى إنْ كان مفعولاً به فى المعنى سواء فى المبنى للمعلوم (مثل: "انكسر الزجاج") أو فى المبنى للمجهول (مثل: "كُسِر الزجاج")، وحتى إنْ كان الفعل مجرد فعل من الأفعال الرابطة أو الناقصة.
والمسند إليه هو المرفوع الوحيد ولا مرفوع سواه اللهم إلا رفعاً عشوائياً وفى مواضع قليلة يسهل الإلمام بها.
وعلى الجانب الآخر، منطقياً وتحليلياً وليس مكانياً، نجد فى "قلب" دائرة ما يسمى بمنصوبات الأسماء، وفى مقابل المسند إليه (الفاعل) مباشرة، عنصر الجملة الذى نسميه بالمفعول به، والذى يدخل مع المسند إليه فى علاقة مخالفة فى الوظيفة النحوية (المؤثر والمتأثر بالفعل المتعدى)، وكذلك فى علاقة مخالفة إعرابية تتمثل فى رفع المسند إليه (الفاعل) مقابل نصب المفعول به. وهذا الأخير هو المنصوب، عن كل حق، بحكم المخالفة النحوية وبالتالى الإعرابية.
ويبقى ضمن دائرة ما يسمى بمنصوبات الأسماء (وهى بمثابة جملة تأتى فى شكل من أشكال تحقيقها فى حالة النصب بالإضافة إلى الألفاظ المبنية أو التراكيب المتعددة الألفاظ فى أشكال أخرى لا تقبل الإعراب بطبيعتها) عنصران هما عنصر الجملة الذى نسميه الظرف، وعنصر الجملة الذى نسميه المتمم (متمم الفاعل ومتمم المفعول المباشر). ويجيب الظرف على أسئلة متنوعة موجهة إلى الحدث: أين حدث، ومتى، وكيف، ولماذا، إلخ إلخ .. ولهذا فإنه لا ينبغى أن يقتصر على المكان والزمان، فهو بالأحرى "وعاء" واسع لكثرة مما يسمى بمنصوبات الأسماء.
ويأتى الظرف كعنصر إجبارى (ظرف المكان وقليلاً الزمان) فى نموذج للجملة مع الأفعال الناقصة، وفى نموذجين مع الأفعال المستخدمة متعدية: نموذج مع المتعدى إلى مفعول واحد ونموذج مع المتعدى إلى مفعولين.
أما العنصر الذى نسميه المتمم فمنه متمم الفاعل وهو متمم إجبارى للمسند إليه (الفاعل) فى نموذج بعينه للجملة مع الأفعال الناقصة، ومنه متمم المفعول به وهو متمم إجبارى للمفعول (المباشر) فى نموذجين للجملة أحدهما بمفعول واحد والآخر بمفعولين.
وهذا التقسيم الخماسى تحليلياً لعناصر الجملة ينطلق من فكرة الجوانب الأكثر جوهرية وإجبارية فى النماذج الأساسية للجملة، وهى جوانب تتعلق بالحدث وزمانه أى: الفعل، بالإضافة إلى جوانبه الفاعلية والمفعولية والظرفية وإتمام الفاعل أو المفعول به. والحقيقة أن عناصر الجملة والنماذج الأساسية للجملة والنماذج الفرعية التى تنشأ من تنوعات أشكال تحقيق كل عنصر من عناصر الجملة، تُعَدُّ من أنضج ثمار النحو الجديد أو الثورة النحوية الراهنة فى اللغة الإنجليزية وفى لغات أخرى، كما أنها قابلة للتطبيق على كل نحو فى كل لغة مع أخذ السمات الخاصة والنوعية لكل لغة وبالتالى لنحوها فى الاعتبار.
وعلى أساس هذا التقسيم الخماسى لعناصر الجملة، وبافتراض تكرار عنصر المفعول به فى حالة التعدى إلى مفعولين فى الجملة البسيطة، وبصرف النظر عن تكرار أية عناصر اختيارية فى الجمل، نتوصل إلى النماذج الأساسية التالية للجملة العربية، وإذا حذفنا المسند إليه (الفاعل) تبقى لدينا النماذج الأساسية للمسند (الخبر):
 
    النموذج                                 مثال
1: الفاعل + الفعل اللازم:                            الطفل بكى، أو: غرق محمود.
2: الفاعل + الفعل الناقص + متمم الفاعل:            أ: حسين كان مستنيرًا.
                          + متمم الفاعل:            ب: حسين كان رجلا.
3: الفاعل + الفعل الناقص + الظرف:                هند كانت فى المكتبة.
4: الفاعل + الفعل المتعدى +  المفعول به:             عزة تحب هنداً.                   
5: الفاعل + الفعل المتعدى + المفعول + متمم المفعول: أ: عزت ظن محمداً كريمًا.
                                     + متمم المفعول: ب:  عزت ظن محمدًا طبيباً.
6: الفاعل + الفعل المتعدى + المفعول + الظرف:      عزت ظن الحفل فى البيت.
7: الفاعل + الفعل المتعدى + مفعولان:                أعطى حسن حساماً الكتاب.
8: الفاعل + الفعل المتعدى + مفعولان + متمم المفعول: أ: أعطى حسن حُساماً الكتابَ جديداً.
                                     + متمم المفعول: ب: أعطى حسن حُساماً الكتابَ هديةً.
9: الفاعل + الفعل المتعدى + مفعولان + الظرف:     أعطى حسن حُساماً الكتاب فى موعده.
وبأخذ أشكال تحقيق كل عنصر من هذه العناصر فى الاعتبار تتبلور أمامنا خريطة معقدة من عشرات النماذج الفرعية للجملة العربية. غير أنه من الجلى أنه لم يكن بوسع هذا المقال أن يتجاوز مناقشة بالغة الإيجاز، إلى حدّ تلغرافى، لبعض وليس لكل القضايا الملحة التى يثيرها تطوير النحو العربى فى عصر صار يستحيل فيه مجرد بقاء هذه اللغة بدون تحقيق التطوير الجذرى المنشود.
 
 
 
 
 
 
 
 
 


الملحق 2
لويس عوض والبحث عن أصل اللغات[clxxix]
"حول مقدمة فى فقه اللغة العربية"
 
لا يدهشنا أبدا-أو لا يدهشنا كثيرا- أن يمتد البحث العلمى الموسوعى للدكتور لويس عوض ليشمل اللغة بوجه عام، أو اللغة العربية بوجه خاص.
لا يدهشنا هذا رغم أن البحث العلمى اللغوى كان شيئا نادرا بين كبار الأدباء والمفكرين والعلماء فى جيل لويس عوض، وفى أجيال أخرى قبله وبعده.
وعلى سبيل المثال الصارخ فإن طه حسين، وهو المثل الأعلى للأدب العربى والفكر العربى، كان رغم إتقانه معرفة علوم ومسائل اللغة، ورغم رعايته وتشجيعه لجهود البحث العلمى الحر فى اللغة العربية وعلومها، ورغم إسهامه البارز؛ بل الاستثنائى مع الأجيال الأولى من الأدباء والمفكرين والعلماء فى القرن العشرين فى تطويع اللغة العربية للتعبير عن الثقافة العربية الحديثة؛ لم يكن له أى إسهام علمى مباشر فى مجال اللغة، كذلك فإن العقاد، رغم دوره الذى لا ينكر مع غيره فى تحديث اللغة العربية، لم يقدم أى إسهام علمى لغوى.
ورغم هذه القاعدة العامة هناك أفق واسع ولكنْ إسهام محدود لأمين الخولى فى مجال النحو العربى، ويبرز اسم إبراهيم مصطفى فى هذا المجال، وقد كان العقل النحوى المفكر وراء محاولة مجمع اللغة العربية بالقاهرة (عندما كان ما يزال رافعة من روافع تطوير علوم اللغة العربية) بالتعاون مع وزارة المعارف المصرية فى منتصف القرن العشرين لتطوير وتحرير النحو العربى، تلك المحاولة البالغة الأهمية لكن التى فشلت فى نهاية الأمر تحت الضربات المتلاحقة من جانب أعداء تطوير النحو العربى بالذات ولكنْ أيضا، بسبب نقاط ضعفها، ويسطع اسم إبراهيم أنيس كمثال نادر فى البحث اللغوى الذى توجته إنجازات علمية فذة فى عدد من علوم اللغة العربية.
أما جهود الأكاديميين فى مجال علوم اللغة فقد ظلت -كقاعدة عامة- داخل إطار قاس من الاجترار الكسول لنقاط ضعف تراثنا مع تفادى أو محاربة نقاط قوته، ومن العرض التعليمى للعلوم اللغوية قى الغرب، ووضع هذا وذاك فى علاقة تجاور جامدة، رغم استفادات شتى بشرط ألا تنال من أسطورة اللغة العربية المقدسة وألا تحاول أن تطبق عليها القوانين اللغوية التى تنطبق على اللغات "الأخرى" فلا تمس العربية!
مع كل هذا، لا يدهشنا كثيرا أن يشمل لويس عوض مجال اللغة أو اللغة العربية بإنتاجه الموسوعى، هذه طبيعة موسوعيته فى عصر أو قرن كان قد سار فيه البحث اللغوى محور محاور نظريات ومذاهب الفكر والفلسفة.
على أنه "يبدو" من المدهش حقا أن يكون نوع البحث اللغوى، الذى استطاع أن ينتزع لويس عوض من اهتماماته الفكرية والنقدية الكثيرة الأخرى، هو فقه اللغة، وبالأخص علاقة اللغة العربية بمسألة أصل مشترك للغات السامية والحامية واللغات الهندية الأوروﭙية وربما غيرها.
فكيف نفسر هذه العودة المباشرة إلى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إلى التركيز على الفيلولوچيا، ومجموعات اللغات، وأصل اللغات، بعد أن كان العلم اللغوى فى الغرب قد تحرك مبتعدا وظل مبتعدا طوال القرن العشرين عن ذلك التركيز الفيلولوچى؟
وهناك بالطبع تفسير جاهز، إنه الكيد للإسلام والعربية! على اعتبار أن هذا النوع من البحث الفيلولوچى هو المجال الطبيعى لبحث مسألة أن تكون اللغة العربية، كغيرها من اللغات، جزءًا لا يتجزأ من تفاعل لغوى هائل قد يقتصر على مجموعات لغات بعينها أو يمتد ليشمل كل لغات الأرض.
على أن هناك مجالا لتفسير أكثر إنصافا وأكثر موضوعية، وإذا كان مذهب تقديس اللغة العربية وعلومها قد حكم على هذه العلوم بالجمود الأزلى بعيدا عن إنجازاتها الكبرى فى أزهى عهود الحضارة العربية الإسلامية، فقد تمثل الواجب الإلزامى فى أن يجدّ السعى بحثا عن أسباب لتطوير علومنا العربية التى تخلفت بصورة فادحة عن العلم الغربى، فى إطار اللحاق والتعويض وسدّ الفجوة، وكان من المنطقى أن يكون من هذه الأسباب -بين أشياء أخرى- ضرورة العودة إلى علم لغوى تفادينا وحاربنا تأثيره فى علومنا اللغوية طوال القرن العشرين، وهو علم اللغة التاريخى أو المقارن أى فقه اللغة، وهكذا جاءت محاولة لويس عوض لتطبيق نتائج هذا العلم على اللغة العربية، أو بالأحرى محاولته لاستكمال هذا التطبيق الذى بدأه وطوّره العلم اللغوى الأوروپى، فى وقتها، خاصة عندما بدا ("بدا" فقط للأسف!) أن ثقافتنا العربية الحديثة صارت أنضج نسبيا للدخول فى مثل هذا الحوار العلمى عبر اللغوى حول لغتنا لتطوير علومها بدلا من تقزيمها باسم التقديس والتكريم والحماية والصون!
وهناك مدخل آخر إلى العودة أو ما يشبه العودة إلى مسألة أصل اللغات، ويتمثل هذا المدخل فى أحدث إنجازات علم الآثار، فقد أعطت هذه الإنجازات دفعة جبارة للعودة إلى بحث أصول اللغات الهند-أوروﭙية من حيث الإطار الزمنى لهذه المسألة ومن حيث النماذج المتنوعة للانتشار، وينطبق الشيء نفسه على مسألة أصول كل مجموعة من مجموعات اللغات الأخرى مع تقدم أبحاث ونتائج وإنجازات علم الآثار فى مناطق هذه اللغات، غير أن هذه الإنجازات أعطت دفعة جبارة أيضا لمسألة الأصل الأول المشترك أو الأصول الأولى المشتركة لكل اللغات التى عرفتها البشرية، ذلك أن علم الآثار يتجه فى العقود الأخيرة إلى حسم فرضية ظهور الإنسان العاقل أو الأحدث homo sapiens sapiens (وليس الإنسان العاقل أو الحديث homo sapiens وهو السلف المباشر للإنسان الأحدث) منذ حوالى أربعين أو خمسين أو مائة ألف سنة، فى منطقة واحدة من العالم بلغة واحدة، ثم انتشار هذه اللغة مع انتشاره لإنشاء مواطن جديدة فى مختلف أنحاء العالم تقوم فيها مجتمعات الصيادين-جامعى الثمار ، وهى المواطن والمجتمعات التى انتشرت إليها فيما بعد مجموعات لغات مثل مجموعة اللغات الهند-أوروﭙية جنبا إلى جنب مع انتشار الحضارة الزراعية، يتجه علم الآثار فى العقود الأخيرة إلى حسم هذه الفرضية وإحلالها نهائيا محل فرضية ظهور هذا الإنسان (الأحدث) فى مناطق متعددة بلغات مختلفة.
وتتمثل الفكرة الجوهرية فى كتاب "مقدمة فى فقه اللغة العربية" فى فرضية أو نظرية الأصل الواحد المشترك للمجموعات اللغوية السامية والحامية والهندية الأوروﭙية والطورانية وربما غيرها - كما قال: إنها فكرة أن مجموعات اللغات هذه إنما هى الفروع الرئيسية لشجرة واحدة أسبق منها جميعا، ولم يقل الكتاب مطلقا إن العربية فرع من اللغات الهندية الأوروﭙية، كما جاء فى تقرير مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أو كما جاء فى نص الحكم القضائى بتأييد ضبط الكتاب ومنع توزيعه.
ويقع هذا الكتاب الضخم فى قسمين: الأول - ويمثل رُبْع حجمه تقريبا -  مخصص لعرض الفكرة الجوهرية السابقة بالإضافة إلى قضايا كثيرة اعتقد لويس عوض أنها ضرورية فى سياق عرض نظريته، أما أنا فأعتقد أن عشرات الصفحات فى هذا القسم الأول الذى يزيد قليلا على المائة صفحة، وهو القسم النظرى، تبددت حول موضوعات شتى لا تتصل مباشرة بموضوع الكتاب وكان بوسع لويس عوض أن يَفْصلها، مكرسا تلك الصفحات لمزيد من العرض السلس للمسألة التى كانت تحتاج إلى المزيد من القول حتى يكون العرض سلسا وناجحا ومنتجا، أما القسم الثانى، أى ثلاثة أرباع الكتاب، فإنه يعرض القوانين الفونولوچية للتغيرات الصوتية للألفاظ ذات الدلالة المشتركة فى مجموعات لغوية متعددة، ويطبق هذه القوانين على مادة فونولوچية غزيرة تشمل مجموعات اللغات المعنية بكثرة من لغاتها الحية والميتة.
وليس المقصود هنا تقييم أفكار واستنتاجات وفرضيات ونظريات وتطبيقات "مقدمة" لويس عوض، فهذه مهمة بعيدة عن اهتماماتى اللغوية المباشرة التى تنحصر فى النحو العربى تقريبا كما أنها فوق طاقتى، والحقيقة أن هذه المهمة تحتاج إلى كوكبة من العلماء المتخصصين فى علوم التاريخ والثقافة واللغة أو إلى عبقرية تضارع عبقرية لويس عوض.
المقصود هنا بالأحرى هو الإمساك بالفكرة الجوهرية التى قدمها الكتاب أى فكرة الأصل المشترك لمجموعات اللغات المعنية، فى سبيل استكشاف آفاق توسيع محتمل لنطاق تطبيق هذه الفكرة، ربما ليشمل كل اللغات على وجه الأرض.
وتتسلسل عناصر الفكرة الأساسية لمسار "توالُد" اللغات فى "المقدمة"، على أساس منجزات الفيلولوچيا الأوروپية وفرضياتها، على النحو التالى:
أولا: تتراكم المعطيات الفيلولوچية والفونولوچية فتكشف عن وجود معجم مشترك ضخم بين مجموعة كبيرة من اللغات، ومعجم آخر لمجموعة أخرى، إلخ وهكذا تكتشف الفيلولوچيا كثرة من مجموعات اللغات التى قد تشمل المجموعة الواحدة منها مئات اللغات الحية والميتة، ومن هذه المجموعات تلك المسماة بالسامية والحامية والهندية الأوروپية وهى المجموعات التى يركز عليها الكتاب.
ثانيا: مع المزيد من تراكم هذه المعطيات يتضح للفيلولوچيا أن الأمر لا يقتصر على المعجم الضخم المشترك بين لغات المجموعة الواحدة كالمجموعة الهندية الأوروپية، إذ تكتشف وجود معجم مشترك ضخم بدوره بين المجموعات المعنية هنا، أى أن المسألة لم تعد مسألة لغات أصلية تنحدر من كل منها مجموعة لغات بل صارت مسألة لغة أصلية تنحدر منها تلك اللغات "الأصلية".
ويتمثل دور "المقدمة" فى العمل على تحويل هذه الفرضية التى قدمها العلم الغربى إلى نظرية تقوم على القوانين اللغوية، وكذلك فى إدخال اللغة العربية فى قلب هذا التفاعل اللغوى التاريخى الهائل الذى يتجاوز مجموعات اللغات المعنية.
ثالثا: تتكشف أمام الفيلولوچيا آفاق أرحب تعود بنا إلى ظهور الإنسان العاقل، ويتحدث الكتاب عن مذهبيْن فى العلم الغربى: ظهوره فى مناطق متفرقة من العالم أو ظهوره فى منطقة واحدة. ولأن ظهور الإنسان العاقل إنما كان بلغته فإن العلم الغربى يشتمل على مذهبيْن بهذا الصدد: ظهور لغات متعددة فى مناطق متعددة أو ظهور لغة واحدة للإنسان العاقل فى المنطقة الواحدة التى ظهر فيها أولا. ويؤيد لويس عوض مذهب ظهور الإنسان فى منطقة واحدة ومذهب ظهور اللغة الواحدة فى تلك المنطقة، ويشير لويس عوض إلى أن مذهب المنطقة الواحدة واللغة الواحدة: "يقول بأن المجموعات اللغوية القديمة والحديثة، كأجناس البشر قديمها وحديثها، تنحدر فى نهاية الأمر من منبع واحد، وأن هناك شجرة واحدة للغات الأرض كل ما هناك من لغات هى فروع لها وأغصان". ومن الجلى أنه يؤيد هذا المذهب على اعتبار أنه "الخط العلمى” فى مواجهة خط علم الأجناس والأعراق والعنصرية.
ونعرف بطبيعة الحال أن مدار بحث لويس عوض فى "المقدمة" لا يتمثل فى فرضية الأصل الواحد لكل لغات الأرض (وهو يؤيدها دون توسع فى المناقشة) بل يتمثل فى فرضية أو نظرية الأصل المشترك للمجموعات المسماة بالسامية والحامية والهندية الأوروپية.
كما أن من الجلى أن حديثه هنا عن الإنسان العاقل أو الحديث Homo sapiens وليس عن الإنسان العاقل العاقل أو العارف العارف أو الأحدث Homo sapiens sapiens، فالإنسان الذى يتحدث عن ظهوره فى منطقة واحدة بلغة واحدة هو الإنسان النياندرتالى أى السلف المباشر للإنسان الأحدث وهو الإنسان الكرومانيونى. ولا جدال فى أن المعلم العاشر كان يقصد هذا الإنسان الأحدث بدليل أنه يتحدث عن الإنسان الحالى ويشير إلى أن أرسطو يسميه بالحيوان الناطق، ولو أن لويس عوض كان قد اطلع على مراجع ربما كانت حديثة جدا فى زمن تأليف "المقدمة" وتوجز إنجازات علم الآثار فى العقود الأخيرة من القرن العشرين لكان بوسعه أن يتحدث عن الإنسان الأحدث باسمه وعن لغته الأحدث أى اللغة كما نعرفها language-as-we-know-it وليس عن ظهور أو لغة الإنسان العاقل أو النياندرتالى.
وإذا كانت علوم الآثار والأنثروپولوچيا والثقافة قادرة على أن تعيد بناء صورة للإطار المكانى والزمانى لنشأة وتطور وانتشار الإنسان الأحدث فإنها تظل عاجزة عن أن تقول لنا أى شيء عن هوية تلك اللغة أو اللغات، وإن كان بمستطاعها أن تقول لنا الكثير عن الخصائص الجوهرية للغة المتطورة التى تتلاءم مع أنماط سلوك الإنسان الأحدث كما تكشف ثقافته المادية، وهى بالضرورة لغة مفاهيم رمزية معقدة وتفكير مركب متطور، بعيدا عن بساطة وبدائية لغة أسلافه بما فى ذلك سلفه المباشر، أى الإنسان العاقل أو النياندرتالى. أما علم اللغة التاريخى فإن بمستطاعه أن يشمل بدراساته الفيلولوچية والفونولوچية وإحصاءاته المعجمية مختلف المجموعات اللغوية على وجه الأرض من خلال البحث المباشر للغة التى تُعَدّ نموذجا لكل مجموعة منها، ويمكنه من ثم أن يكتشف ويحسم مسألة ما إذا كانت الإحصاءات المعجمية الشاملة تؤيد أو لا تؤيد فرضية الأصل الواحد لكل لغات الكوكب، غير أن هذا العلم لا يستطيع بالبداهة أن يضع معطياته الفيلولوچية فى إطار كرونولوچى صارم.
ورغم سوء التفاهم المنطقى القائم بين علوم موضوعها الثقافة المادية للإنسان وعلوم موضوعها اللغات المنطوقة أو المكتوبة على الحجر أو الطين أو الجلد أو الورق أو السيليكون فإن الفرضية العقلانية تتمثل فى أن اللغة أو اللغات التى ظهرت مع الإنسان الأحدث وانتشرت مع انتشاره واستقرت مع استقراره هى الأصول الأولى السحيقة القدم لكل اللغات التى عرفها العالم الحديث خلال الآلاف الأخيرة من السنين وإلى يومنا هذا.
ومادمنا إزاء اتجاه علم الآثار إلى حسم نشأة هذا الإنسان فى منطقة واحدة من العالم ثم انتشاره منها وإلى رسم مسار هذا الانتشار بصورة كرونولوچية، ويفترض هذا - بطبيعة الحال - اللغة الواحدة للبشر، يكون بوسعنا أن نفترض انطلاقا من علم الآثار وحده (إذا صحت أحدث إنجازاته واكتملت وعود إنجازاته اللاحقة) أن كل اللغات طوال تاريخ الإنسان الأحدث، منذ ظهوره إلى الآن، إنما هى - مهما كانت الحلقات الوسيطة المحتملة ومهما كانت تشكلات المجموعات واللغات واللهجات - استمرار محوَّر بصورة تاريخية بالغة التعقيد، من خلال تواصل التمايزات والاندماجات والتفاعلات اللغوية، من خلال نماذج شتى بالغة التعقيد بدورها، ذلك أنه لا مجال لافتراض أن الإنسان، فى زمان ما، فى مكان ما، نسى لغته تماما، وابتكر لغة جديدة تماما لا صلة لها باللغة التى ترجع إلى زمن نشأته كإنسان.
ومادام الإنسان الأحدث، بلغته الأحدث، حديثا إلى هذا الحد، مجرد عشرات الآلاف من السنين [50 أو 100 أو 150 ألف سنة]، فإن تجربة استمرار لغات ما تزال حية منذ آلاف السنين أو لغات أخرى عاشت آلافا من السنين قبل موتها، تلقى الضوء على حقيقة بسيطة وهى أن استمرار اللغات عشرات الآلاف من السنين أى منذ نشأة الإنسان الأحدث أمر يسهل تصوره، رغم أن الاستمرار يتحقق عبر التغيرات المتواصلة، ورغم أن موت لغة، كاللغة المصرية القديمة، لا يعنى انقطاع صلة اللغة اللاحقة باللغة الميتة ولا باللغات التى كانت هذه اللغة قد حلت محلها فى الماضى، فالموت والحياة ليسا هنا سوى التغير، ليسا سوى التغير اللغوى.
ومهما يكن من شيء، مهما تكن هذه الفرضيات صحيحة أو خاطئة، فإن ما ينبغى أن نضعه نصب أعيننا هو إخضاع كل الظواهر (ومنها اللغة العربية بحقائقها وأساطيرها) للبحث العلمى الحر. وبدلا من تقديس اللغة العربية، وهو تقديس تمثلت ثماره المرة دائما فى الإضرار الفادح بها وبعلومها، انطلاقا من أيديولوچيا سياسية دينية لغوية بعينها تسيطر على مجتمعنا ودولتنا، وكذلك على من يتمردون عليهما تحت هذه الراية نفسها، ينبغى رفع مختلف القيود التى تكبل تطور اللغة العربية كلغة وكعلوم لغوية.
وهناك حقيقة بسيطة لم يحسب حسابها أحد؛ لا مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، ولا مباحث أمن الدولة، ولا نيابة أمن الدولة، ولا محكمة جنوب القاهرة الابتدائية، ولا القانون المصرى ولا الدستور المصرى (بنصوصهما المقيدة لأبسط الحريات)، ولا رشاد رشدى، ولا السادات، ولا كل من تآمروا ضد كتاب "مقدمة فى فقه اللغة العربية"... هذه الحقيقة البسيطة هى أن إجراءات ضبط أو منع توزيع أو مصادرة كتاب هى قبلة الموت لهذه الإجراءات ذاتها وللقوانين التى تستند إليها، إذ أنها الضمانة الأولى لإشعال الطلب على الكتاب، ومضاعفة قرائه، ونشر أفكاره، وتجنيد أنصار جدد لتحرير البحث العلمى الحر من كل القيود التى تخنقه فى بلادنا، ومع ذلك، مع اعترافى بالفوائد السبع لضبط ومصادرة الكتب، أضم صوتى إلى أصوات كل المطالبين بالأفراج عن "مقدمة فى فقه اللغة العربية"، وعن الحرية.   
 
 
 


الملحق 3
معجم جديد
لتصريف الأفعال العربية[clxxx]
 
هذا معجم من نوع جديد.. فهو لا يُعْنَى بدلالات الفعل بل يصبّ كل اهتمامه على التصريف "العملىّ" للفعل العربى، أىْ إسناد الأفعال إلى كافة الضمائر فى كافة أزمنة وحالات التصريف.
والواقع أن اللغات التى يمثِّل تصريف الأفعال صعوبة من صعوباتها الرئيسية كلغاتٍ (اللغة الفرنسية على سبيل المثال) قد توصلت إلى أسلوب عصرىّ فى حلّ هذه الصعوبة وذلك عن طريق إعداد هذا النوع الجديد من المعاجم. ومن المنطقى أن ينقسم هذا النوع من المعاجم إلى قسمين:
1: قسم لوحات تصريف الأفعال النموذجية: وهى تغطِّى كافة الأزمنة فى كافة الأساليب النحوية مع كافة الضمائر، وهى مرقَّمة بأرقام مسلسلة.
2: قسم الأفعال: ويشتمل على قائمة بأفعال اللغة المعنيّة مرتَّبة ترتيبا هجائيا وأمام كل فعل منها رقم اللوحة التى يجرى تصريفه على غرارها، الأمر الذى يحرِّر دارس اللغة ومستعملها (فى الكتابة والقراءة والكلام) من تعقيد القواعد وقصور الذاكرة ويجعل من السهل اليسير عليه أن يكشف عن تصريف أىّ فعل مع الضمير المطلوب فى الزمن المطلوب والحالة المطلوبة فى غضون لحظات.
وأبادر إلى تأكيد أن هذا النوع من المعاجم ليس ترفا تطمح إليه كل لغة إطلاقا مهما يكن تصريف الفعل فيها سهلا يسيرا. والحقيقة أن لغات كثيرة هى فى غِنًى عن مثل هذا المعجم (اللغة الإنجليزية عى سبيل المثال). إنه يصبح ضرورة عندما يكون تصريف الأفعال صعوبة كبرى من صعوبات اللغة (كما رأينا فى حالة اللغة الفرنسية). على أنه لابد – لكىْ يكون فى المستطاع تحقيق هذه الضرورة تحقيقا عمليا – من سمة القياسيّة والانتظام (وهى سمة يبدو أن كافة اللغات المتطورة تتميز بها).
هل تجد لغتنا العربية نفسها أمام صعوبة من هذا النوع؟ وهل تملك من السمات والخصائص ما يجعل حلّ هذه الصعوبة بمثل هذه الطريقة أمرا ممكنا وعمليا؟ وبعبارة واحدة: هل الضرورة قائمة وهل القياس قائم أيضا؟
والأمر الذى لا جدال فيه هو أن تصريف الفعل فى لغتنا العربيّة يمثل صعوبة كبرى من صعوباتها بل يمثل الصعوبة الكبرى فى كامل صرفها العلمى والعملى. وإذا حُلَّتْ هذه الصعوبة تكون العربية قد حَلّتْ جانبا خطيرا من جوانب صعوبتها كلغة، وبالأخص فى مجال الصرف والتصريف (والتصريف أصل فى الأفعال فرع فى الأسماء كما أن الإعراب بعكس ذلك أصل فى الأسماء فرع فى الأفعال – كما يقول العلماء). وتنشأ هذه الصعوبة من الكثرة الهائلة فى حالات تصريف الفعل العربى بسبب تعدد أبوابه فى الثلاثى وتعدّد أوزانه فى غيره، وبسبب تعدّد أحوال الأفعال من حيث الحروف التى تتكون منها (السلامة والهمز والتضعيف والاعتلال بكافة أنواعه).. ويؤدى كل هذا إلى كثرة الجذور التى تُستخدم مع ضمائر الرفع المتّصلة وحروف المضارعة بالإضافة إلى كثرة الضمائر التى تُسند إليها الأفعال. وهكذا تكثر الحالات النموذجية وتكثر الأشكال التصريفية لكل حالة منها. ولا يخفى أن المعجم الذى نحن بصدده يحلّ هذه الصعوبة حلا جذريا، كما سوف نرى بشيء من التفصيل.
ويؤدى بنا كل ما سبق إلى تقرير أن ضرورة هذا النوع من المعاجم فى ضوء الصعوبة الكبرى التى يمثّلها تصريف الفعل العربى ضرورة لا جدال فيها. وينقلنا هذا إلى النقطة الثانية: هل تحقيق هذه الضرورة أمر عملىّ؟ هل تملك العربية من السمات ما يجعل تحقيق هذه الضرورة أمرا عمليا؟ هل القياس قائم وشامل فى مجال تصريف الفعل العربى؟
والواقع أن السمة المميِّزة لتصريف الفعل العربى هى الانتظام والقياس بصورة شاملة. ومع ذلك يحيط الكثير من الإبهام والشكّ وسوء التفاهم بهذه السمة الحيوية، رغم أن لغتنا العربية تتميَّز بها وتتفوَّق فيها من نواح معيَّنة، ورغم أن هذه السمة قائمة بحكم الضرورة فى كل لغة متطورة.
وهناك وَهْم سائد (يتردّد صداه حتى فى كتب الصرف) مؤدّاه أن الفعل الثلاثى (وهو الأساس والأصل فى الفعل العربى كله) سماعىّ وليس قياسيًّا. والحقيقة أن منشأ هذا الوهم يرتبط ارتباطا وثيقا بالخلط الفظ بين تعدّد الأوزان وما يسمى بالسماع. ولا ينبغى أن نفهم تعدّد الأوزان فى الثلاثى (أضرب وأبواب الثلاثى) وغير الثلاثى، على أنه ضد القياس، فالقاعدة القياسية المطردة تحكم كل وزن من حيث الدلالة الواسعة، وبالأخص من حيث التصريف مع كافة الضمائر فى كافة الأزمنة والحالات. ولا معنى لأن نصف بالسماع (الذى يعنى الشذوذ على القاعدة المطردة) كلَّ تعدّد فى الأوزان (رغم أنه تعدّد محكوم قياسيًّا فى كل وزن من الأوزان). ومثل هذا الوهم يفترض وضعا خياليا غريبا تنسبك فيه أفعال اللغة على وزن "حديدىّ" واحد، لا يتغير ولا يتبدل، وهذا الافتراض ذاته سخيف من أصله، فتعدّد الأوزان تفرضه ضرورات أخرى، صوتية ودلالية، ومن هذه الضرورات ميْل لغتنا إلى تخصيص وزن واحد لدلالة عامة واحدة أو لمجوعة من الدلالات العامة المتقاربة. والحقيقة أن اللغة العربية تتباهى بسمة الانتظام والقياس فى تصريف الفعل على لغات معاصرة كثيرة بلغت أوج تطورها. وعلى سبيل المثال فإن الجذر المشترك فى كافة تصريفات الفعل العربى شامل لكافة أفعال هذه اللغة، ولَئِنْ كانت هذه القاعدة عامة فى اللغات إلا أن مئات الأفعال تشذ عليها فى لغات كثيرة (ما يسمى بالمجموعة الثالثة فى اللغة الفرنسية، وقرابة عددها فى الإنجليزية، والكثير من أفعال اللغة الألمانية فى حدود معرفتى المحدودة ببعض خصائصها). وعلى سبيل المثال يعطى الفعل الماضى "ذَهَبَ" المضارع "يَذْهَبُ" والأمر "اِذْهَبْ" ويظل هذا الجذر المشترك "ذهب" ماثلا فى كافة تصريفاته مع تغيُّر طفيف (قياسىّ بدوره) فى حركة أوّله وآخره (وأحيانا وسطه) فلا يتغيَّر سوى ضمائر الرفع المتصلة فى الماضى وحروف المضارعة (وياء المخاطبة وألف الاثنين وواو الجماعة ونون النسوة) [أىْ ضمائر الرفع البارزة المتصلة] فى المضارع وألف الوصل (الاتِّكاء) فى الأمر. وهذا أمر تشذّ عليه مئات الأفعال فى كل من الفرنسية والإنجليزية على سبيل المثال. ولا يمكنك أن تجد فى اللغة العربية فِعْلا متصرِّفا واحدا يعطيك أشكالا متنوعة لا يُلْحَظ فيها جذر مشترك ثابت أو حتى مرتبط بصورة واضحة جليّة بالأصل كما تفعل عشرات الأفعال فى اللغة الفرنسية مثلا عندما تعطى جذورا متنوعة لا صلة ملحوظة بينها للفعل الواحد فى الأزمنة البسيطة المتعددة التى تكثر فى تلك اللغة.
ويعود بنا كلّ ذلك إلى معجم التصريف الذى اتَّضح لك الآن، بمزيد من الوضوح، مدى ضرورته ومدى إمكانيته العملية، فالضرورة نابعة من العقبة الكأداء التى يمثِّلها التصريف اعتمادا على الذاكرة أو البحث المضنى فى المراجع، والإمكانية العملية لحلّ هذه الصعوبة نابعة من سمة القياس التى تحكم مجال تصريف الفعل العربى بعيدا عن الأوهام المنتشرة عن السماع المسيطر فى الفعل الثلاثى بالذات.
وهذا المعجم (معجم تصريف الأفعال العربية – الذى قام بإعداده الأستاذان حسن بيومى وأحمد الشافعى وكاتب هذه السطور) يشتمل (على النحو الذى أشرتُ إليه آنفا) على قسم اللوحات المرقَّمة بأرقام مسلسلة وقسم الأفعال المرتَّبة ترتيبا هجائيا والتى يحمل كل فعل منها رقم اللوحة التى يتصرَّف على غرارها. وقبل أن نصف هذين القسمين وعناصرهما المكوِّنة بصورة وافية نشير إلى أن واضعى المعجم أرادوا أن يعتمد معجمهم التصريفىّ على الأفعال التى حقَّقها مرجع لغوى رفيع الشأن فاعتمدوا فى ذلك على المعجم الوسيط الذى أصدره مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
وننتقل إلى وصف المعجم ونبدأ بالقسم الأول أىْ قسم لوحات تصريف الأفعال النموذجية:
يعرف القارئ أن الفعل الثلاثى (المجرَّد)  هو أساس وعماد وأصل الفعل العربى فهو يكوِّن مع مزيده (أىْ الرباعى والخماسى والسداسى من أصل ثلاثى) الأغلبية الساحقة من أفعال اللغة العربية، ولا تبقى سوى نسبة ضئيلة للفعل الرباعى (المجرَّد) ومزيده (أىْ الخماسى والسداسى من أصل رباعى) وملحقاته (ذات الأصل الثلاثى).
وإذا نظرنا إلى الفعل الثلاثى المجرَّد من حيث حركة عينه فى الماضى والمضارع (أضرُب وأبواب الثلاثى) من ناحية، ومن حيث حروفه أىْ من حيث السلامة والهمز والتضعيف والاعتلال، من ناحية أخرى، فإننا نصل إلى ما يربو على مائة حالة تصريفية للسالم والمهموز والمضعَّف والمعتلّ الواوى واليائى (فى المثال والأجوف والناقص) والأفعال التى تشكو من أكثر من علّة واحدة (بالمعنى الواسع للاعتلال الذى يمتدّ ليشمل المهموز والمضعَّف). وهكذا تأتى لوحات الثلاثى أوَّلا (101 لوحة) تتبعها لوحات مزيد الثلاثى (35 لوحة) وتأتى فى النهاية لوحات الرباعى ومزيده وملحقاته (9 لوحات).
ولوحة التصريف عبارة عن تصريف كامل لفعل نموذجى يمثِّل كافة الأفعال المحالة إلى هذه اللوحة، مع كافة الضمائر (ضميران للمتكلم، وخمسة للمخاطب، وستة  للغائب = 13 ضميرا) فى الماضى، والمضارع المرفوع والمنصوب والمجزوم، والمضارع المؤكَّد بنونىْ التوكيد (الثقيلة والخفيفة)، والأمر، والأمر المؤكَّد بنونىْ التوكيد. ولا يكتفى المعجم بتصريف الفعل فى المبنى للمعلوم بل يصرِّفه أيضا فى المبنى للمجهول (فى الماضى، والمضارع المرفوع والمنصوب والمجزوم والمؤكَّد بنونىْ التوكيد).
وتقدِّم كل لوحة قوائم بمصادر الأفعال التابعة لها وكذلك مشتقاتها وأسمائها الأخرى. وهناك عناية خاصة بالمصادر (بالأنساق التى وردت بها فى المعجم الوسيط) وبالصفات المشبهة باسم الفاعل (التى لا تكتفى اللوحة بتقديم أوزانها بل تهتمّ أيضا بتأنيثها وجمعها جمع تكسير).
أمّا قسم الأفعال فهو عبارة عن قائمة مرتَّبة ترتيبا هجائيا بأكثر من عشرين ألف فعل (أىْ الأفعال التى أوردها المعجم الوسيط) ولم يستبعد القائمون بإعداد معجم التصريف شيئا من هذه الأفعال (على أساس المأنوس وغير المأنوس بمقاييس هذه الفترة التى نعيش فيها مثلا) انطلاقا من فكرة مؤدّاها أن الفعل "حىّ" ما دام تراثنا الثقافى العظيم بكل جوانبه "حيًّا" مليئا بالحياة. وأمام كل فعل رقم أو أكثر. فالرقم الواحد يمثل رقم اللوحة كما يعنى أن الفعل يأخذ المصدر الأول فى قائمة المصادر باللوحة المذكورة، أما الرقمان فالرقم الثانى يعنى رقم المصدر (أو المصادر) الخاصة بالفعل فى ذات القائمة، أمّا الرقم الموضوع بين قوسين فيدلّ على الصفة المشبّهة التى يأخذها الفعل المعنىّ (وزنها وتأنيثها وجمعها). وأمام الفعل أيضا توضيح لنوع الفعل من حيث التعدِّى واللزوم، وقد اعتبر المعجم أن الفعل الذى ينصب مفعولا به هو الفعل المتعدِّى، فهناك الفعل اللازم (ل) والمتعدِّى (م) واللازم تارة والمتعدِّى تارة أخرى (ل، م) وكذلك المتعدى الذى يُستعمل لازما أحيانا (م، ل). ولا يتسع المجال هنا لتوضيح الاعتبارات العلمية (والعملية) الخاصة بمسألة التعدِّى واللزوم، ونكتفى بالإشارة إلى أن تحديد نوع الفعل من هذه الناحية اعتمد كليًّا على استخدامات المعجم الوسيط.
على أن معجم التصريف كان له طموح آخر. فهو لم يكتفِ بمهمته المباشرة أىْ تصريف الأفعال وتقديم مصادرها ومشتقاتها وباقى أسمائها بل قدَّم أيضا من خلال جداول واضحة منسَّقة تغطية واسعة لأشكال الأفعال (الثلاثية وغير الثلاثية) وأشكال المصادر والمشتقات (وكيف تأتى مع وضع مختلف الأبواب والعلل فى الاعتبار)، بالإضافة إلى الكثير من الإحصاءات الدقيقة للأفعال والمصادر وغيرها. ويجد القارئ أمامه - على هذا النحو – صورة مُعجمية حيّة بأشكال وأعداد مختلف الصيغ والأوزان الصرفية المرتبطة بالفعل العربى بكل صوره، كما يجد أمامه قدرا هائلا من المعطيات الصرفية التى يحتاج التوصل إليها إلى جهد شاقّ طويل فى مراجع كثيرة بل يحتاج إلى القيام بدراسات مستقلة.
ويمكننا الآن – فى ضوء الوصف الموجز السابق – أن نعبِّر عن أمل واضعى المعجم فى أن يكون "معجم تصريف الأفعال العربية" قد أسهم فى إزالة صعوبة كبرى من صعوبات اللغة العربية، وفى أن يكونوا قد أسهموا بجهد متواضع فى مجال تيسير علوم اللغة العربية وبالأخص فى مجال الصرف، وصرف الأفعال بالذات، حتى تكون مهمة تعليم اللغة العربية وتعلُّمها أيسر أمام أبنائها وغيرهم، وفى كل مراحل التعليم.
وإذا كان العصر الحديث، بكل إنجازاته التقنية، هو الذى أوجد مثل هذه المعاجم فى لغات أخرى، فإنه يدعو لغتنا إلى اللحاق فى هذ المجال بتلك اللغات، كما يدعونا – نحن العرب – إلى القيام بهذه المهمة فلا نتركها للمستشرقين الذين بدأوا فى الإسهام فى هذا المجال أيضا بأعمال تجمع بين الجهد العلمى والعملىّ الذى يستحق التقدير، والقصور الفادح الذى يستحق النقد الحازم.            
 


الملحق 4
ثلاثة أعمدة بعنوان "لغة"
فى مجلة الإذاعة والتليڤزيون[clxxxi]
 
1
اللازم والمتعدى[clxxxii]
 
يقسم الفكر العربى السائد الأفعال إلى أفعال لازمة لا تتجاوز معانيها فاعلها إلى مفعول وأخرى متعدية بحرف الجر على أنها أفعال لازمة أىْ غير متعدية "وهذا ما يفعله النحو الإنجليزى أيضا بخلاف النحو الفرنسى الذى ينظر إليها على أنها أفعال متعدية".
وينظر الاتجاه السائد فى النحو العربى إلى الفعل على أنه إما لازم أو متعد "مثلا شرح ابن عقيل للألفية"، يكون لازما تارة ومتعديا تارة أخرى حسب الاستخدام فى جملة.
ويعنى هذا الموقف أن اللزوم والتعدى كامنان فى الفعل ذاته وليسا متعلقين بالاستخدام، وهذا صحيح حقا فيما يتعلق بأوزان للفعل لا تكون إلا لازمة "باستثناءات محددة". غير أن هناك أفعالا وأوزانا فعلية بالغة المرونة بحيث يواجهنا استخدامها الفعلى فى جمل بضرورة تطوير مفهوم اللزوم والتعدية فى نحونا.
ويحاول الأستاذ الكبير عباس حسن، صاحب "النحو الوافى”، الخروج من الثنائية القائلة إن الفعل يكون لازما فقط أو متعديا فقط. وفى كتابه المذكور "ص 150 وما تلاها" يتحدث الأستاذ عباس حسن عن تقسيم ثلاثى للفعل من حيث اللزوم والتعدية، فهناك أفعال لازمة دائما وأخرى متعدية دائما وطائفة ثالثة تستخدم لازمة تارة ومتعدية أخرى.
ويورد عباس حسن هذا الرأى على نحو يوحى بأن هذه الطائفة الثالثة لا تمثل غير أفعال قليلة معدودة. غير أن الواقع المعجمى يثبت أن هذه الأفعال التى تستخدم لازمة تارة ومتعدية أخرى تمثل عدة آلاف من الأفعال "حسب استخدامات المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة".
غير أن مسألة اللازم والمتعدى تتجاوز مجرد اعتراف فكرنا النحوى بهذا التقسيم الثلاثى بدلا من الثنائية القديمة. لقد أصبح الاستخدام الفعلى أساس تحديد اللزوم والتعدى فى الفكر النحوى الحديث وبعد ذلك يأتى العمل المعجمى الضخم الذى يغربل كافة الأفعال من حيث دلالاتها واستخداماتها ونماذجها من حيث اللزوم والتعدى.
 
2
المعجم فى الصرف والنحو[clxxxiii]
 
لاشك فى أن المعاجم الموضوعة بالاستفادة من أساليب وتقنيات القن العشرين يمكن أن تسهم إسهاما جوهريا فى مجال تيسير تعليم وتعلُّم اللغة العربية وامتلاك ناصيتها .. صحيح أن النظام التعليمى يظل مكان وأداة تحقيق هذه المهمة الكبرى، غير أن نجاح هذا النظام ذاته يشترط بدوره أدوات عمل متطورة ومنها هذه المعاجم التى نتحدث عنها هنا.
وفى العقود الأخيرة ظهرت عدة معاجم "أو كتب" تقوم على "معجمة" أو "جدولة" علوم لغوية. وتستحق كل محاولة من هذه المحاولات تناوُلا خاصا بل مستفيضا. وفى حدود المجال المحدود لهذا الحديث نشير إلى "المعجم فى الصرف" من تأليف زين العابدين حسين التونسى "1888-1977" الصادر عن الدار العربية للكتاب بالمطبعة العربية بتونس.
ويعود أصل هذا المعجم الوجيز الذى يقع فى أكثر قليلا من مائتى صفحة إلى عام 1947، عندما وضع المؤلِّف "المعجم المدرسى” وقدمه إلى الأساتذة الأجلاء وتلاميذهم "النجباء" وأعيد طبعه مرات عدة. وفى عام 1952 صدر الجزء الأول من "المعجم فى النحو والصرف"، تلاه فى عام 1953 الجزء الثانى ويتضمن المصطلحات النحوية والصرفية.
يقوم هذا المعجم على فكرة تحويل مصطلحات وقواعد النحو والصرف إلى "مواد معجمية" مرتبة ترتيبا هجائيا، بحيث يمكن لكل طالب وباحث وقارئ أن يراجع المصطلح أو القاعدة بسهولة وسرعة، فهو أقرب إلى كتاب يعرض، على نحو مبسط، قواعد النحو والصرف.
ولا جدال فى أن لهذا النوع من المعجم مبرره، كما أن بمستطاع علماء وأساتذة النحو والصرف أن يضعوا معاجم من هذا النوع بالحجم والمستوى اللذين يشاءون مع الالتزام بالدقة البالغة فى المادة العلمية والنحوية أو الصرفية، إلى جانب مراعاة كافة المقتضيات الفنية-العلمية لوضع معجم من هذا النوع.
ورغم المجهود الكبير والجديد فى هذا المعجم فإنه يعانى من عيوب من الواجب معالجتها فى سياق تطوير معجم مماثل مع تفادى أخطائه. ويمكن إجمال هذه الأخطاء فى المواد الضرورية غير الواردة، أو الواردة على نحو مبتسر، أو حيث لا يتوقعها القارئ بالضرورة ..
 
3
تصريف الأفعال العربية[clxxxiv]
 
توصلت اللغات التى يمثل تصريف الأفعال صعوبة من صعوباتها الرئيسية إلى أسلوب عصرى فى حل هذه الصعوبة عن طريق إعداد نوع جديد من المعاجم يقوم على التصريف "العلمى” للأفعال.
و من المنطقى أن ينقسم هذا النوع من المعاجم إلى قسمين:
1: قسم لوحات تصريف الأفعال النموذجية: وهى تغطى كافة الأزمنة فى كافة الأساليب النحوية.
2: قسم الأفعال: ويشتمل على قائمة بأفعال اللغة المعنية مرتبة ترتيبا هجائيا.
ومن البديهى أن هذا النوع من المعاجم ليس ترفا تطمح إليه كل لغة إطلاقا مهما يكن تصريف الفعل فيها سهلا يسيرا.
هل تجد لغتنا العربية نفسها أمام صعوبة من هذا النوع؟
الأمر الذى لا جدال فيه هو أن تصريف الفعل فى لغتنا العربية يمثل الصعوبة الكبرى فى كامل صرفها العلمى والعملى. وإذا حُلت هذه الصعوبة تكون العربية قد حلت جانبا كبيرا من جوانب صعوبتها كلغة.
وتنشأ هذه الصعوبة من الكثرة الهائلة فى حالات تصريف الفعل العربى بسبب تعدد أبوابه فى الثلاثى وتعدد أوزانه فى غيره، وبسبب تعدد أحوال الأفعال وهكذا تكثر الحالات النموذجية وتكثر الأشكال التصريفية لكل حالة منها.
وينقلنا هذا إلى النقطة الثانية: هل حل هذه الصعوبة أمر ممكن وعملى؟
والواقع أن السمة المميزة لتصريف الفعل العربى هى الانتظام والقياسية بصورة شاملة. وإذا كانت هذه السمة الحيوية قائمة بحكم الضرورة فى كل لغة متطورة، فإن لغتنا العربية تتميز بها وتتفوق فيها على لغات معاصرة عديدة بلغت أوج تطورها.
وإذا كان القرن العشرون، بكل إنجازاته التقنية، هو الذى أوجد هذا النوع من المعاجم فى لغات أخرى، فإنه يدعو لغتنا إلى اللحاق بتلك اللغات فى هذا المجال كما يدعونا - نحن العرب - إلى القيام بهذه المهمة بدلا من انتظار جهود المستشرقين الذين بدأوا فعلا الإسهام فى هذا المجال.


 
كلمة الغلاف الخلفى
 
ينطلق هذا الكتاب من النظر إلى النحو العربى التقليدى على أنه علم بالغ التطور والنضج وعلى أنه مفخرة من مفاخر علومنا اللغوية. غير أن هذا النحو كان ابن زمانه، فهو بحاجة بالتالى إلى إصلاح وتصحيح وتطوير لكثير من مفاهيمه الأساسية؛ وليس إلى مجرد التيسير والتبسيط.
وفى محاولة لدفع النحو العربى إلى قلب التفاعل مع منجزات الثورة النحوية المعاصرة فى لغات أخرى، باعتبار النحو علم بناء الجملة، بعيدا عن التمحور حول الإعراب، يركِّز الكتاب على نظرية وتطبيق عناصر بناء الجملة، هذه الجملة العربية الواحدة التى لا مبرر لتقسيمها إلى جملة اسمية وأخرى فعلية
ويدور محور تطوير النحو حول تصحيح مفهوم المسند (الخبر) ليكون كل ما تُثبته الجملة للمسند إليه أو تنفيه عنه من ناحية، وباعتباره خارج دائرة الإعراب من ناحية أخرى. ومن هنا تغدو الجملة مكوَّنة من "ركنين" وحيدين، وليس من ركنين أساسيين، بعيدا عن تقسيمها إلى عمدة وفضلة (أو تكملة أو بقية).
ومن خلال إعادة النظر فى العديد من المفاهيم النحوية، وإحياء بعض المفاهيم النحوية العربية المهمَّشة، ينتهى الكتاب إلى رسم خريطة بالنماذج العامة للجملة العربية، مع الإشارة إلى مسألة أشكال تحقيق هذه النماذج. ولا يتجاهل الكتاب الإعراب (رغم تركيزه على الجملة ونماذجها وعناصر بنائها) بل يخصص لمشكلاته العديد من الفصول.
ويمكن القول إن هذا الكتاب إحياء مباشر للمحاولة الكبرى التى قام بها مجمع اللغة العربية بالقاهرة ووزارة المعارف المصرية فى عام 1945، ثم وزارة التربية المصرية فى الخمسينات، لتطوير النحو العربى، تلك المحاولة التى انتهت إلى الفشل نتيجة لنقاط ضعفها من ناحية، ولقوة ونفوذ أعداء تطوير وتحرير النحو العربى بالذات من ناحية أخرى.
 
إشارات الجزء الثانى
 


[i]  المعجم الوسيط، الجزء 2، طبعة 3، 1985.
[ii]   المصدر نفسه، جزء 2، طبعة 3، 1985.
[iii]  الدكتور أحمد عبد الستار الجوارى: نحو التيسير - دراسة ونقد منهجى، مطبوعات المجمع العلمى العراقى، بغداد، 1984، ص 40 (والاقتباس من الخصائص، لابن جنى، الجزء 1، ص 115).
[iv]   المصدر نفسه، ص 40.
[v]   ابن مضاء القرطبى: كتاب الرد على النحاة، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة، 1988، صص 76-78.
[vi]   المصدر نفسه، صص 76-77.
[vii]   المصدر نفسه، صص 77-78.
[viii]  المصدر نفسه، ص 78.
[ix]   المصدر نفسه، ص 78.
[x]     نحو التيسير، مصدر سبق ذكره، صص 73-74.
[xi]     المصدر نفسه، ص74.
[xii]     المصدر نفسه، صص 74-75.
[xiii]  سورة البقرة، الآية 184.
[xiv]  النحو الوافى، مصدر سبق ذكره، الجزء 1، ص 339.
[xv]  القواعد الأساسية فى النحو والصرف، مصدر سبق ذكره، ص 200.
[xvi]  سورة البقرة: الآية 184.
[xvii]  القواعد الأساسية فى النحو والصرف، مصدر سبق ذكره، ص 200.
[xviii]  المصدر نفسه، ص 171.
[xix]  المصدر نفسه، ص 173.
[xx]  المصدر نفسه، صص 171-172.
[xxi]  قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة فى دورته الحادية عشرة (نوڤمبر 1944- مايو 1945)، مجلة مجمع فؤاد الأول للّغة العربية، الجزء السادس، المطبعة الأميرية بالقاهرة، 1951، صص 186-187.
[xxii]  المصدر نفسه، ص 193.
[xxiii]  المصدر نفسه، ص 194.
[xxiv]  المصدر نفسه، ص 194.
[xxv]  المصدر نفسه، ص 189.
[xxvi]  تحرير النحو العربى، مصدر سبق ذكره، ص 43.
[xxvii]  المصدر نفسه، الهامش ص 43.
[xxviii]  تجديد النحو، مصدر سبق ذكره، ص 24.
[xxix]  المصدر نفسه، ص 24.
[xxx]  المصدر نفسه، ص 24.
[xxxi]  المصدر نفسه، ص 259.
[xxxii]  أمين الخولى: مناهج تجديد: فى النحو والبلاغة والتفسير والأدب، دار المعرفة، شركة مطبعة الطنانى، القاهرة، الطبعة الأولى، 1961 ، ص 35.
[xxxiii]  المصدر نفسه، ص 35.
[xxxiv] عبد الكريم الرعيص: ظاهرة الإعراب فى العربية، منشورات جمعية الدعوة الإسلامية العلمية، ليبيا، طرابلس، صص 383-384.
 
[xxxv]   إحياء النحو، مصدر سبق ذكره، ص و.
[xxxvi]   المصدر نفسه، ص و.
[xxxvii]   المصدر نفسه، ص 50.
[xxxviii]   المصدر نفسه، ص و.
[xxxix]   المصدر نفسه، ص 50.
[xl]   المصدر نفسه، ص ز.
[xli]   المصدر نفسه، ص ز.
[xlii]   المصدر نفسه، ص 50.
[xliii]   المصدر نفسه، ص ز.
[xliv]   المصدر نفسه، ص 50.
[xlv]   المدارس النحوية، مصدر سبق ذكره، ص 108.
[xlvi]   المصدر نفسه، صص 109-110
[xlvii]   المصدر نفسه، ص 110.
[xlviii]   المصدر نفسه، ص 110.
[xlix]   المصدر نفسه، ص 110.
[l]   الدكتور إبراهيم أنيس: فى اللهجات العربية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، الطبعة الثالثة، 1965، ص 84.
[li]   المصدر نفسه، ص 84-85.
[lii]  خليل كلفت: ظاهرة الازدواج اللغوى فى العالم العربى، سلسلة كتاب قضايا فكرية، الكتاب السابع والثامن عشر - مايو 1977، بعنوان لغتنا فى معركة الحضارة، قضايا فكرية للنشر والتوزيع ص 121.
[liii]   المصدر نفسه، ص 121.
[liv]   من أسرار اللغة، مصدر سابق الذكر، ص 198.
[lv]  المصدر نفسه، صص 202-203.
[lvi]   المصدر نفسه، ص 203.
[lvii]   المصدر نفسه، ص 212.
[lviii]    المصدر نفسه، ص 215.
[lix]    المصدر نفسه، ص 215.
[lx]   المصدر نفسه، ص 215.
[lxi]    المصدر نفسه، صص 215-216.
[lxii]   المصدر نفسه، ص 217.
[lxiii]    المصدر نفسه، ص 218.
[lxiv]    المصدر نفسه، ص 218.
[lxv]   المصدر نفسه، صص 218-219.
[lxvi]   المصدر نفسه، ص 220.
[lxvii]   ظاهرة الإعراب فى العربية، مصدر سبق ذكره، طرابلس، ص 243.
[lxviii]   من أسرار اللغة، مصدر سابق ذكره، ص 237.
[lxix]   المصدر نفسه، ص 243.
[lxx]  المصدر نفسه، صص 243-244.
[lxxi]  سورة آل عمران، الآية 7.
[lxxii]  سورة النساء، الآية 8.
[lxxiii] سورة  الأنعام، الآية 124.
[lxxiv] سورة الحج، الآية 37.
[lxxv] سورة الإسراء، الآية 23.
[lxxvi] سورة المائدة، الآية 119.
[lxxvii] سورة الأنعام، الآية 158.
[lxxviii]   سورة البقرة، الآية 124.
[lxxix]    المصدر نفسه، ص 250.
[lxxx]    المصدر نفسه، ص 251.
[lxxxi]    المصدر نفسه، ص 253.
[lxxxii]    المصدر نفسه، ص 252.
[lxxxiii]    المصدر نفسه، ص 253.
[lxxxiv]   المصدر نفسه، ص 254.
[lxxxv]    المصدر نفسه، ص 255.
[lxxxvi]   المصدر نفسه، ص 256.
[lxxxvii]   المصدر نفسه، ص 268.
[lxxxviii]   المصدر نفسه، ص 270.
[lxxxix] القواعد الأساسية للنحو والصرف، مصدر سبق ذكره، ص 76.
[xc] تحرير النحو العربى، مصدر سبق ذكره، ص 145.
[xci] سورة الزلزلة، الآية 7.
[xcii] معجم النحو، مصدر سبق ذكره، مادة "التمييز".
[xciii] سورة مريم، الآية 4.
[xciv] تجديد النحو، مصدر سبق ذكره، صص 188-193.
[xcv] سورة القمر، الآية 12.
[xcvi] سورة الكهف، الآية 34.
[xcvii] سورة الشعراء، الآيتان 170 و 171.
[xcviii] تحرير النحو العربى، مصدر سبق ذكره، ص 142.
[xcix] القواعد الأساسية فى النحو والصرف، مصدر سبق ذكره، ص 103.
[c] المصدر نفسه، صص 103-104.
[ci] سورة آل عمران، الآية 144.
[cii] سورة المائدة، الآية 99.
[ciii] سورة الأنبياء، الآية 107.
[civ] تحرير النحو العربى، مصدر سبق ذكره، ص 144.
[cv] سورة آل عمران، الآية 144.
[cvi] سورة المعارج، الآيات 19-22.
[cvii] سورة الشعراء، الآيتان 170 و 171.
[cviii] سورة الحجر، الآيتان 39-40.
[cix]  سورة النساء، الآية 164.
[cx]  سورة القمر، الآية 42.
[cxi]  القواعد الأساسية فى النحو والصرف، مصدر سبق ذكره، صص 94-95.
[cxii]  سورة التوبة، الآية 82.
[cxiii]  سورة التوبة، الآية 80.
[cxiv]  سورة النساء، الآية 129.
[cxv]  معجم النحو، مصدر سبق ذكره، مدخل المفعول المطلق.
[cxvi]  القواعد الأساسية للنحو والصرف، مصدر سبق ذكره، صص 100-102.
[cxvii]  سورة الأحزاب، الآية 45.
[cxviii]  تجديد النحو، مصدر سبق ذكره، ص 184.
[cxix]  تحرير النحو العربى، مصدر سبق ذكره، صص 137-139.
[cxx]  تجديد النحو، مصدر سبق ذكره، صص 182-187.
[cxxi]  المصدر نفسه، صص 184-185.
[cxxii]  معجم النحو، مصدر سبق ذكره، مدخل: كان وأخواتها.
[cxxiii]   قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة فى دورته الحادية عشرة (نوڤمبر 1944- مايو 1945)، مجلة مجمع فؤاد الأول للّغة العربية، الجزء السادس، المطبعة الأميرية بالقاهرة، 1951.
[cxxiv]   تحرير النحو العربى: قواعد النحو العربى مع التيسير الذى قرره مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مصدر سبق ذكره، ص 5.
[cxxv]  المصدر نفسه، ص 5.
[cxxvi]   المصدر نفسه، ص 5.
[cxxvii]   المصدر نفسه، صص 5-6.
[cxxviii]   المصدر نفسه، ص 6.
[cxxix]   المصدر نفسه، ص 6.
[cxxx]   المصدر نفسه، ص 6.
[cxxxi]   المصدر نفسه، ص 6.
[cxxxii]   قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مصدر سبق ذكره، ص 181.
[cxxxiii]   تحرير النحو العربى، مصدر سبق ذكره، ص 185.
[cxxxiv]   قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مصدر سبق ذكره، ص 185.
 
[cxxxv]   المصدر نفسه، ص 185.
[cxxxvi]   المصدر نفسه، ص 193.
[cxxxvii]  المصدر نفسه، صص 186-187.
[cxxxviii]  المصدر نفسه، ص 193.
[cxxxix]  المصدر نفسه، ص 187.
[cxl]   المصدر نفسه، صص 193-194.
[cxli]   المصدر نفسه، ص 194.
[cxlii]   المصدر نفسه، صص 187-188.
[cxliii]  المصدر نفسه، ص 188.
[cxliv]  المصدر نفسه، ص 194.
[cxlv]  المصدر نفسه، ص 195.
[cxlvi]   المصدر نفسه، ص 189.
[cxlvii]  المصدر نفسه، ص 194.
[cxlviii]  المصدر نفسه، ص 194.
[cxlix]  المصدر نفسه، ص 189.
[cl]  المصدر نفسه، ص 194.
[cli]  المصدر نفسه، ص 194.
[clii]  المصدر نفسه، ص 189.
[cliii]  المصدر نفسه، ص 194.
[cliv]  المصدر نفسه، ص 188.
[clv]  المصدر نفسه، ص 189.
[clvi]  المصدر نفسه، ص 195.
[clvii]  المصدر نفسه، صص 101-102.
[clviii]  سورة الرحمن: الآيتان 1 و 2.
[clix]  تحرير النحو العربى، مصدر سبق ذكره، ص 102.
[clx]  سورة النساء: الآية: 148.
[clxi]  سورة الزمر: الآية 23.
[clxii]  سورةالبقرة: الآية 184.
[clxiii]  سورة التوبة: الآية 128.
[clxiv]  سورة الجن: الآية 1.
[clxv]  سورة يوسف: الآية 35.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   
[clxvi]  سورة إبراهيم: الآية 45.
[clxvii]  سورة الرعد: الآية 12.
[clxviii]  سورة الأنعام: الآية 59.
[clxix]  سورة المؤمنون: الآية 91.
[clxx]  سورة المائدة: الآية 19.
[clxxi]  تجديد النحو، مصدر سبق ذكره، ص 24.
[clxxii]  مناهج تجديد: فى النحو والبلاغة والتفسير والأدب، مصدر سبق ذكره، ص 24.
[clxxiii]  المصدر نفسه، ص 36.
[clxxiv]  المصدر نفسه، ص 37.
[clxxv]  المصدر نفسه، ص 37.
[clxxvi]  المصدر نفسه، ص 38.
[clxxvii]  المصدر نفسه، ص 18.
[clxxviii]  نشر فى مجلة: جسور، القاهرة، العدد الثانى، سپتمبر 1999.
[clxxix]  حديث ألقى فى مؤتمر المشروع الثقافى للدكتور لويس عوض، المجلس الأعلى للثقافة.
[clxxx]  نُشر هذا المقال فى مجلة بالسعودية لا أذكر اسمها الآن (فى تاريخٍ خلال التسعينات لا أذكره أيضا)، وهو يدور حول معجم تصريف الأفعال العربية الذى قام إعداده حسن بيومى وأحمد الشافعى وخليل كلفت، والصادر عن دار الياس العصرية للطباعة والنشر، القاهرة، 1989 (ويُعاد نشره هنا لتمكين القارئ الكريم من الاطلاع على مزيد أفكار المؤلف وإنتاجه فى مجال النحو والصرف).
[clxxxi]   نُشرت بمجلة الإذاعة والتليڤزيون، باسم قلم (خليل سليمان) فرضته المجلة المذكورة فرضا، وعندما لم تلتفت المجلة إلى اعتراضى بأن اسم القلم الذى أكتب به هو خليل كلفت توقفتُ عن مواصلة كتابة العمود.
[clxxxii]  نشر بمجلة الإذاعة والتليڤزيون، بتاريخ 19-9-1987.
[clxxxiii]  نشر بمجلة الإذاعة والتليڤزيون، بتاريخ 26-9-1987.
[clxxxiv]   نشر بمجلة الإذاعة والتليڤزيون، بتاريخ 3-10-1987.
 



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل نحو عربى جديد - الجزء الأول
- آدم وحواء وقصص أخرى من أمريكا اللاتينية
- حكاية سَكَنْدَرِيَّة - ما شادو ده أسيس
- العاصفة تهب (حول انهيار النموذج السوڤييتي) - كريس هارم ...
- محاضرات سياسية عن أوروپا وتركيا وأفريقيا والهند
- العقائد الدينية والمعتقدات السياسية
- إلى أين يقود علم الوراثة؟ - چان ڤايسينباخ
- ثورة 25 يناير 2011 طبيعتها وآفاقها - الجزء الثانى
- ثورة 25 يناير 2011 طبيعتها وآفاقها - الجزء الأول
- القرن الحادي والعشرون: حلم أم كابوس؟
- الذكرى الأولى للثورة تقترب والمجلس العسكرى يسير بنا على الطر ...
- الحوار بين الثورة والواقع
- مطالب وأهداف الموجة الثورية الراهنة
- موجة 19 نوڤمبر 2011 الثورية الجديدة
- مرة أخرى حول مقاطعة الانتخابات الپرلمانية والرئاسية فى مصر
- الاحتجاجات المسماة بالفئوية جزء لا يتجزأ من الثورة
- مقاطعة الانتخابات الپرلمانية والرئاسية من ضرورات استمرار الث ...
- مذبحة ماسپيرو تضع الثورة أمام التحديات والأخطار الكئيبة
- مقدمة خليل كلفت لترجمته لكتاب: -كيف نفهم سياسات العالم الثال ...
- ثورة 25 يناير 2011 طبيعتها وآفاقها تقديم للمؤلف خليل كلفت


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - خليل كلفت - من أجل نحو عربى جديد (الجزء الثانى)