روحاني أحاول الفهم ولا أبحث عن الثواب

حسنين السراج

الحوار المتمدن-العدد: 3683 - 2012 / 3 / 30 - 21:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الأول : أنت لست ملتزم دينيا في حياتك اليومية ما الذي يجعلك تهتم لهذه الدرجة بالحضور الى الكنيسة والأستماع الى موعضة الأب .
الثاني : انا لست متدين انا روحاني
الاول : هل تتكرم بايضاح الفرق بين الاثنين؟
الثاني : الروحاني يحاول الفهم والمتدين يحاول الحصول على الثواب
(أقتباس من مشهد من المسلسل الامريكي الكاتراز Alcatraz)

رسالة الى صديقي

يا صديقي لا تتهمني بالالحاد فلا أنا ملحد ولا الألحاد تهمة . حين تحدثني بلهجة محققين الشرطة وتقول لي (أنت ملحد) فعليك أن تعلم أن الالحاد ليس تهمة بل حرية فكر وقناعة شخصية وأنا ببساطة لم أصل لهذه القناعة ولو كنت ملحد لما خجلت من هذه الحقيقة وفي نفس الوقت لن أكون مضطر أن أبين لك ذلك فهذا أمر يعنيني وحدي . أنا ببساطة لم أقتنع بادلة الالحاد واؤمن بوجود خالق لهذا الكون وهذا الأيمان بالنسبة لي حقيقة تسكن في قلبي وعقلي . لكني أحترم الحقيقة التي تقول أن ليست ثمة خالق لهذا الكون . علاقتي مع الخالق مبنية على التأمل والتسائل . علاقتي مع الخالق غير مبنية على اساس الثواب والعقاب . السؤال الدائم لفهم الحقيقة والوصول اليها هو الصلة التي تربطني بالخالق . هي صلة روحانية الغاية منها الفهم وليس الحصول على ثواب . تأمل الوجود بكل ما فيه من غموض ووضوح هو صلتي بالخالق . من الظلم أن تبحث في كلامي عن مفردات تعتقد أنها دليل على عدم ايماني بالله . يقول المفكر ضياء الشكرجي (الله بالنسبة لي لا يعرف بالدين، ولا ينفى بالعلم، بل يستدل عليه بالفلسفة، أو الأدلة العقلية )(1).

نعم اقول بصراحة ووضوح ان الغيبيات بكل انواعها بالنسبة لي نظريات يستحيل أثباتها ويستحيل نفيها . هي بالنسبة لي كالنظريات العلمية التي يستحيل التحقق من صحتها كنظرية الكون الموازي . فهي نظرية هناك من العلماء من يعتقد بصحتها لكن لا يستطيع أي شخص في زمننا الحالي السفر الى الكون الموازي للتاكد من وجوده لكننا في نفس الوقت لا يمكننا أن نجزم بعدم وجوده . هكذا ارى الغيبيات . نظريات يستحيل التحقق من صحتها ويستحيل التحقق من عدم صحتها .

الاستعلاء الالحادي لن يتقبل كلامي وسينظر له بكبرياء العقل والاستعلاء الايماني لن يتقبل كلامي وسينظر له بكبرياء الايمان . الملحد سيقول (أن هناك قصور في فهمك يجعلك لا تقتنع بالنظريات التي يستند عليها الالحاد) . أكاد أجزم لو أن القران هو من قال أن حجم الكون قبل الانفجار العظيم كان أصغر من حبة السمسم لكانت هذه الاية مثار سخرية الملحدين .

والمؤمن سيقول (ان هناك قصور في فهمك وتسطح في عقلك يجعلك تقول ان الغيبيات نظريات يستحيل التحقق من صحتها ويستحيل التحقق من عدم صحتها ) . لكن هذه الحقيقة التي تسكن في عقلي وقلبي وليس من حق الملحد أن يستخف بعقلي لاني لم أقتنع بادلته وليس من حق المؤمن أن يستخف بعقلي لأني أفكر بحرية وتجرد . علاقتي مع الخالق مبنية على اساس السؤال الدائم والشك المتواصل وليس على اساس الحصول على ثواب .

يا صديقي انا أحاول جاهدا فهم نفسي فكثيرا ما أقف حائرا أمام ذاتي وكل التناقضات التي تحويها . يا صديقي أنا أحاول جاهدا الحصول على أجوبة. المؤسف أنك كمؤمن لن تتمكن من الاجابة على اسالتي وهذا شيء لا يعيبك والمؤسف أيضا ان نظريات الالحاد لن تحذف علامات الاستفهام الكبيرة المتربعة في كياني . لذلك أحيلك يا صديقي الى طلاسم أيليا أبو ماضيالتي يقول فيها :

جئت لا أعلم من اين ، ولكني أتيت
ولقد أبصرت قدامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا ان شئت هذا أم أبيت
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري!
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
هل انا حر طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنى أنني أدري ولكن..
لست أدري!
قد سألت البحر يوما هل أنا يابحرمنكا؟
هل صحيح مارواه بعضهم عني وعنكا؟
أم ترى مازعموا زوراً وبهتانا وافكا؟
ضحكت أمواجه مني وقالت:
لست أدري!
أنت يابحر أسير أه ما أعظم أسرك
أنت مثلي أيها الجبار لا تملك أمرك
أشبهت حالك حالي وحكى عذري عذرك
فمتــى أنــجــو من الأسر وتنجو؟
لست أدري !
رب فكر لاح في لوحة نفسي وتجلى
خلته مني ولكن لم يقم حتى تولى
مثل طيف لاح في بئر قليلا وأضمحلا
كيف وافي ولماذا فر مني ؟
لست أدري !
أني أشهد في نفسي صراعا وعراكا
وأرى ذاتي شيطانا وأحيانا ملاكا
هل أنا شخصان يأبى هذا مع هذاك أشتراكا
أم تراني واهنا فيما أراه ؟
لست أدري !
بينما قلبي يحكي في الضحى احدى الخمائل
فيه أزهار وأطيار تغني وجداول
أقبل العصر فأمسى موحشا كالفقر قاحل
كيف صار القلب روضا ثم قفرا ؟
لست أدري !
كل يوم لي شأن، كل حين لي شعور
هل أنا اليوم أنا منذ ليال وشهور
أم أنا عند غروب الشمس غيري في البكور
كلما سألت نفسي جاوبتني:
لست أدري !
رب قبيح عند زيد هو حسنُ عند بكر
فهما ضدان فيه وهو وهم عند عمرو
فمن الصادق فما يدعيه ، ليت شعري
ولمـــــاذا ليس للحسن قياس؟
لست أدري !
أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضيه
أنا لا أعرف شيئا من حياتي الأتيه
لي ذات غير اني لست أدري ماهيه
فمتى تعرف ذاتي كنة ذاتي ؟
لست أدري !

يا صديقي لا يمكنك أن تقف حائلا بيني وبين التواصل مع الخالق فمن تكون ؟ ومن أعطاك الحق لتحكم على عقلي بالمحدودية مرة وبالجهل مرة اخرى ؟ ومن قال لك أن عقلك واسع لدرجة أنك قادرعلى أن تحكم على عقل غيرك ؟ كل شيء نسبي يا صديقي وعيون الناس ليست عينك وعقولها ليست عقلك وقلوبها ليست قلبك وأحكامها ليست أحكامك . لا يوجد حقيقة يجمع عليها كل بني البشر ألا حقيقة الحياة وكل ما فيها من خير وشر وحقيقة الموت وكل ما فيه من ألم وغموض وكل ما عدا ذلك حقائق نسبية . أذا كنت تعتقد أنك تملك الحقيقة الكاملة فتأكد انك تمتلكها فعلا لكن غيرك غير ملزم بها فهي حقيقتك أنت . الانسان يفترض أن يكون حر الارادة في التفكير وفي التوصل الى نتائج ومن المؤلم أن يأتي من هم مثلك ويحاولون عبثا سلب الحقيقة التي يمتلكها أو يعيقون محاولاته للوصول الى الحقيقة بحجة انه يبحث عن وهم . تأكد يا صديقي ان الحقيقة التي أمتلكها والتي لا تروق لك تتربع في كياني وليس لك قدرة على سلبها مهما فعلت.

يا صديقي أنت وذلك الملحد الذي يستخف بعقلي لاني أؤمن بوجود خالق تنتميان لنفس المدرسة (الاستعلاء على الاخر ) . انا انا وأنت أنت وهو هو . لا يمكن لأي منا سلب الحقيقة التي يؤمن بها الاخر . يا صديقي لا تحاول التدخل بيني وبين الخالق فعلاقتي به هي سؤالي الدائم وشكي المستمر . علاقتي به هي تأملاتي لكل الغرابة والغموض في هذا الوجود .

قوى الجذب الغريبة التي تتدخل أحيانا في تغيير مسار الحياة الى مسار اخر غير متوقع أو تتدخل في تغيير حدث معين الى طريق اخر مثير للدهشة والصدف البسيطة التي تحدث بجزء من الثانية لتغير لوحة من لوحات الحياة هي صورة من صور علاقتي مع الخالق . علاقتي مع الخالق ليس لها حدود ولا يحق لك أن تتحدث معي بطريقة توحي لي أنك ترغب في اعماق نفسك أن تسلب أرادتي لان تاملاتي وطريقة تواصلي مع الخالق لا تعتمد على نصوص سماوية ثابتة . أحيلك يا صديقي الى الحلاج الصوفي حين يقول مناجيا ربه :

رَأَيـتُ رَبّـي بِـعَينِ قَلبي فَـقُلتُ مَـن أَنتَ قالَ أَنتَ
فَـلَيسَ لِـلأَينِ مِـنكَ أَيـنٌ وَلَـيسَ أَيـنٌ بِـحَيثُ أَنتَ
أَنـتَ الَّـذي حُزتَ كُلَّ أَينٍ بِـنَحوِ لا أَيـن ثـم أَنـتَ
فَـفي فَـنائي فَـنا فَـنائي وَفـي فَـنائي وُجِدتَ أَنتَ
في مَحو اِسمي وَرَسمِ جِسمي سَـأَلتُ عَـني فَـقُلتُ أَنتَ
أَنـتَ حَـياتي وَسِـرُّ قَلبي فَـحَيثُما كُـنتُ كُـنتَ أَنتَ

ومن جانب اخر يا صديقي أنا انتمي لمنطق النبي موسى الذي لم يستطع مع القتل الغير مبرر صبرا . لكن الفرق الجوهري هو أن النبي موسى شاهد الوحي وكلمه وانا قرأت عنه وسمعت به فقط . من حق النبي موسى أن يستنكر قتل الخضر لغلام صغير السن دون سبب . وأنا أنتمي لهذا المنطق وتستنكر نفسي كل ألم عبثي وليس من حقك أن تنظر لي نظرة العالم للجاهل فرد فعلي تجاه الشر في هذا العالم هو نفس رد فعل النبي موسى . هو رد فعل طبيعي . لكن الفرق أن النبي موسى يتعامل مع الوحي بشكل مباشر وأنا سمعت به وقرأت عنه فقط .

يا صديقي أمر طبيعي أن ينقسم الناس الى مصدقين وغير مصدقين بدعوة الانبياء فالموضوع بكل بساطة أن هناك رجل بسيط من نفس مجتمعهم قال لهم ان هناك أله وهناك وحي مرسل من هذا الأله يحدثه ويطلب منه أن يدعو الناس الى الايمان بالله . بكل بساطة هناك من يصدق وهناك من لا يصدق . أعلم أنك ستقول أن هناك معجزات جاء بها الانبياء تثبت دعواهم . كلامك صحيح ومنطقي لكنه يشمل من شاهدوا المعجزات بأعينهم اما من وصلتهم روايات تتحدث عن حدوث معجزات فهم لم يروها بأعينهم ومن حقهم تصديقها أو عدم تصديقها بل من المنطقي أن يختلف حول حدوثها البشر.

يا صديقي يجب ان تعلم أن الحقيقة التي تملكها ليست مطلقة فهناك حقائق أخرى . وارجو أن لا تضحك على عقلي بأدعائك انك تبحث عن الحقيقة وتطلع على جميع الحقائق لتختار اصحها . مع احترامي لك هذا كلام فارغ فأنت لا تتمالك نفسك حين أختلف معك في أبسط الامور وتتهمني بضيق الافق والجهل وعدم الاطلاع . لا اريدك أن تقتنع بأفكاري ولا أريدك أن تقول اني على حق . اريدك بكل بساطة ان تحترم عقلي وتحترم نفسك وتفهم أن هناك حقائق أخرى قد تختلف عن الحقيقة التي تمتلكها قليلا أو كثير وقد تناقضها تماما وعليك أن ترضخ لهذا الامر الواقع وتحترمه .

1- ضياء الشكرجي في حوار مفتوح – الحوار المتمدن – الردود على القراء

#حسنين_السراج (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات