أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح سلامة - الإلحاد يتحدى_ب_















المزيد.....



الإلحاد يتحدى_ب_


سامح سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 3679 - 2012 / 3 / 26 - 21:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


39. الغيبيات والروحانيات هى مكونات عالم مفترض ومتخيل صنعه البشر بأنفسهم، وهو نتاج خلل عقلى ونفسى، واجتماعى، وليد عاملين الأول كامن فى بنية المخ البشرى نفسه، التى تؤدى إلى الاعتماد فى التفكير والسلوك على المنطقتين الأكثر تخلفا فى المخ المتحكمتين فى الغرائز والعواطف باعتبارها المناطق الأقدم، دون المنطقة الأكثر تطورا المتحكمة فى التفكير المنطقى باعتبارها المنطقة الأحدث، فضلا عن مستوى النشاط الكهروكيميائى فى المنطقة الصدغية فى المخ، والذى ربما يكون هو المسئول عن الإيمان بالغيبيات، التى أشارت أبحاث علمية مؤخرا أنه بزيادة النشاط الكهربائى بها تنتاب الشخص رؤى غيبية، ووجد أنه يزداد فيها النشاط الكهروكيميائى فى أحوال الانغماس فى الأنشطة الدينية لأى دين.
40. والثانى وهو الأهم الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التى تدفع بالناس للتكيف مع واقعها باستخدام الغيبيات، كمخدر لتخفف من آلام الحياة وقسوتها، وكأمل فى حياة أفضل من تلك الحياة الدنيا، و كوسيلة يمارسها رجال الدين للتسلط والاستغلال والتربح والعيش على حساب الناس مع كسب احترامهم فى نفس الوقت.
41. الغيبيات لا يمكن إدراكها بالحواس البشرية، وامتدادات هذه الحواس من الأجهزة العلمية المختلفة، و هى كائنات خارجة عن قدرتنا على الإدراك أو الفحص لأسباب مبدئية تتعلق بكونها أوهام غير موجودة، وليس لأسباب عملية، وذلك بحكم التعريف. فعدم توصلنا لمعرفة كائن مادى ما أو عدم قدرة أعيننا على رؤية الأشعة فوق البنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء هو قصور عملى لدينا، أي أنه يمكن تجاوزه من حيث المبدأ بامتلاك القدرات الكافية لتعويض هذا النقص. فنحن نرصد الأشعة فوق البنفسجية و الأشعة تحت الحمراء، و نرصد مسارات الجسيمات الأولية دون أن يمكن لأعيننا المجردة رؤيتها، فأى ما كانت أسباب القصور العملي، فمن الممكن نظرياً التغلب عليها بوسائل غير مباشرة، أما فيما يخص الغيبيات، فالقصور المعرفي في هذا المجال هو أمر مبدئي، أي أنه مهما ازدادت المعرفة والقدرات والإمكانيات البشرية، فإنه لا يمكن إدراك الغيبيات والروحانيات، و لا يمكن رؤيتها وقياسها ورصدها، لأنها غير خاضعة للإدراك البشري، و لا الحواس البشرية، أى يمكن اعتبارها مجرد أوهام غير موجودة.
42. ينفى المؤمنون بالغيبيات إمكانية الاكتفاء بتفسير العالم عن طريق المنهج العلمي أو بالوسائل التي تعتمد الحواس المباشرة أو امتدادتها غير المباشرة من أجهزة وحسابات رياضية، وهذا النفى يؤدى بهم دائما لافتراضات تعسفية غير مبرهن عليها حسيا أو رياضيا، يضعونها بديلا عن التفسير المادى الذى يأخذ به العلم الطبيعى، وهذه الافتراضات التعسفية لا أساس لها من الصحة فى العالم الذى نعيشه، وهو عالم المادة أو الطبيعة، الذى نستقى معرفتنا عنه بالمنهج العلمى، فكل ظاهرة فى الطبيعة، لا نعرف سببها أو تفسيرها هي ظاهرة لا يصح علميا تفسيرها مسبقا بسبب غيبى، وإنما يتوقف اليقين بأى تفسير لها إلى أن يتم التوصل إليه.
43. على عكس المنهج العلمى الهادف للحقيقة، يأتى التفكير الغيبى الهادف للزيف، فيزعم الغيبيون إمكانية تفسير الظواهر الغامضة بإرجاعها لأسباب غيبية، انطلاقا من الجهل، واستسهالا للحلول، وتعطيلا للعقول، وعشقا للأوهام، فى حين يقوم المنهج العلمى على أنه طالما لم يتم اكتشاف أو تفنيد كل التفسيرات المادية المعقولة لظاهرة ما، فإنه لا صحة لقولنا أن السبب هو بالضرورة سبب غيبي، فمن المؤكد وكما أثبت تاريخ العلم دائما أنه ما من ظاهرة فى الطبيعة إلا ولها سببا ماديا كامن فى الطبيعة نفسها، حتى ولو لم نتوصل له حتى الآن.
44. يحول المؤمنون بالغيبيات العالم المادى الذي ندركه عن طريق الحواس إلى موضوع جزئى وناقص ونسبى، نظرا لأن مكوناته المختلفة تتصف بذلك، فى حين يمنحون الغيبيات صفات الكلية والكمال والإطلاق، ويتمادون فى ذلك، فيعتبرون أن وجودنا المادى التافه ذلك، ما هو إلا صورة باهتة، للأصل الذى هو عالم الغيب الحقيقى، وما الوجود الطبيعى المدنس هذا، إلا نتيجة الوجود الغيبى المقدس ذاك. فى حين
أن العالم المادى الذي ندركه عن طريق الحواس هو كل الوجود الذي نتفاعل معه، والذى يؤثر فينا ونؤثر فيه بالفعل دون وجود فاعل ومؤثر لهذا الوجود الغيبيى المفترض فى عالمنا المادى، وغير المثبت وجوده تجريبيا بأى وسيلة إلا الوهم الذى يخلقه البشر بأنفسهم تعسفا بلا دليل.
45. الحقيقة أن عالمنا المادى هذا هو كل الوجود الكلى والمطلق والكامل واللانهائى فعليا، ولا يمكن مقارنته بأى عالم آخر لكى يمكن أن نثبت عكس ذلك، لأننا ببساطة لم نر ولم نفحص أي عالم آخر، لكى نتمكن من إطلاق الأحكام على عالمنا هذا بالمقارنة بأى عالم آخر، ولذلك لا يمكن إطلاق أي خصائص نسبية عليه، كأن نقول أنه عالم كبير أو صغير الحجم، منتظم أو غير منتظم، عشوائى أو منظم، مصمم بذكاء أو غير مصمم بذكاء،مخلوق أو غير مخلوق، لأن توصلنا لمثل هذه النتيجة لا بد أن يأتى من مقارنته بعوالم أخرى، من حيث الحجم والنظام والانتظام والتصميم، و هذا ما لا يمكن أن نتأكد منه لأنه لا عينات لدينا من تلك العوالم الأخرى لمقارنتها به. وبالتالي لا يمكن تطبيق التفسير الغيبى على هذا الكون، الذي يؤكد على أن عالمنا المادى وطبيعته ونشأته أتت بسبب قوة غيبية كلية ومطلقة وكاملة، إلا أنها من طبيعة لا مادية، و فوق هذا كله فهى قوة عاقلة، فى حين أن خبرتنا الوحيدة الملموسة عن العقل والذكاء، أنه وليد بنية مادية غاية فى التعقد هى المخ البشرى، فكيف يمكن أن تنشأ كائنات لا مادية لا نعرف طبيعتها و كيفيتها، ذكاء وتصميم أعلى بما لا يقاس من ذلك المخ المكون من مئة مليار خلية، وتحكمه تماما تفاعلات كهروكيميائية بين مركبات كيميائية.
46. تقف التفسيرات الغيبية للكون فى تعارض مع مبدأ البساطة الذى تتبناه التفسيرات المادية للكون. فالغيبيين يناقضون مبدأ "مقص أوكام" المعروف الذي يقول أن تفسير الشئ يجب ألا يتجاوز المطلوب، أو بكلمات أخرى أنه حين تكون هناك عدة تفسيرات ممكنة لشئ ما أو ظاهرة معينة، فإن أبسط تلك التفسيرات هو الأكثر معقولية، وبالتالي فمن الواجب عقلانياً التسليم به، دون سواه من التفسيرات الأكثر تعقيدا أو على الأقل ترجيح السبب الأكثر بساطة على التفسيرات الأكثر تعقيدا، وذلك لأنه كلما ازدادت النظرية المفسرة للظاهرة المعنية تعقيداً كلما ازدادت إمكانية نقدها، و زادت احتمالات تفنيدها، لأنها سوف تتضمن فرضيات أكثر من المطلوب، وبالتالى سوف تكون معرضة للنقد، وبالتالي فإن إمكانية الخطأ في النظرية ككل سوف تزداد ومن ثم يسهل تفنيدها.
47. عندما نمرض بمرض معين نتناول دواء محدد لنشفى، وهذه ظاهرة، يستنتج منها العلم المادى الطبيعى نظرية تفسيرية واضحة هى أن هذا الدواء أدى للشفاء من ذاك المرض، دون زيادة أو نقصان، و هذا تفسير بسيط وكافى جدا لظاهرة شفاء ذاك المرض بهذا الدواء، أما التفسير الغيبى فيضيف نظرية تفسيرية غامضة، تضيف كائن غيبى ما، الله مثلا، باعتباره هو الشافى من المرض، لا الدواء الذى تناوله المريض، وكما ترى فهى نظرية أكثر تعقيدا لتفسير ظاهرة الشفاء من المرض، ذلك أن علينا لإثبات صحة تلك النظرية أن نثبت أولا وجود الله من عدمه، أى إن كان موجودا أولا أم لا، وثانيا أن نثبت أنه قد سبب أن يكون لتناول هذا الدواء تحديدا قدرة شافية لهذا المرض بالذات، وعلينا أن نثبت أن هذا الكائن الغيبي المشكوك فى وجوده أصلا هو السبب فعلا فى جعل هذا الدواء سببا للشفاء من هذا المرض، و أن نثبت إرادة الله فى شفاء هذا المريض تحديدا، وعدم إرادته شفاء مريض آخر تناول نفس الدواء أو دواء غيره، وكيف أنه و بإرادته أيضا كان يمكنه أن يشفى هذا المريض عندما تناول هذا الدواء أو لا يشفيه.
48. الغريب أن المؤمنين بالغيبيات الذين يأخذون بهذا التفسير المعقد، يأخذون الأدوية التى يقترحها عليهم الأطباء عندما يمرضون، تحت حجة الأخذ بالأسباب، باعتبار أن الله هو مسبب الأسباب، بالرغم أنه من الواضح أن تفسيرهم الأخير الذى يضيف كائن غيبى مثل الله كزائدة لا ضرورة لها، هو الأقل معقولية، والأكثر عرضة للنقد حيث أنه يحوي مكونات إضافية نحتاج للتأكد من كل منها، أو فحص صمودها أمام محاولات تفنيدها، في حين أن البديل الأول القائل بأن هذا الدواء شفى هذا المريض من ذاك المرض، يوفر تفسيراً كافياً ومعقولاً بحد ذاته، و لا يحتاج إلى إضافات و زوائد غيبية لا داعى لها.
49. بناء على أن العقل البشرى محدود، وحواس البشر قاصرة، يدعى الغيبيون أن هناك حقائق غيبية لا يمكن للعقل البشرى أن يدركها، و لا الحواس البشرية أن ترصدها، لأنهما محصوران بالعالم المادي، وأما العالم الآخر اللا مادى فلا يمكن إدراكه إلا بطرق غير عقلية، و وسائل لا حسية، أي أن معرفته تقع خارج إطار العقل والحواس البشريين، وذلك دون أى دليل على وجود هذا العالم اللا مادى اللا محسوس و اللا معقول، فكيف لهؤلاء الغيبيين تأكيد وجوده إذن، هم يقدمون مقدمة صحيحة إلا أنهم ينتهون لنتيجة خاطئة متعسفة بلا دليل.
50. هذا الادعاء بحد ذاته لا يستقيم و لا يمكن اثباته بدون سند عقلي أو حسى، إذ كيف يمكن أن نحكم بمدى صحة ادعاء كهذا إذا لم تكن لدينا مبادئ عامة واضحة ومستقلة نلجأ إليها؟ كقواعد المنهج العلمى فى التفكير والبحث العلمى، والحواس والأجهزة العلمية، إضافة لذلك فإن سبل المعرفة العلمية هي الوحيدة التي تمتلك مبادئ معروفة مثل قواعد المنطق وأسس التجربة العلمية وغيرها، والتي بدونها لا يمكننا حتى نظرياً الوصول إلى أي معرفة صحيحة، أما السبل غير العقلية التى يستند عليها الغيبيون فى دعواهم كالوحى والكشف والرؤيا والحدس فما هى سوى هلاوس شخصية وفردية لا معنى لها، حيث لا تحكمها أي مبادئ عامة، لأنه باللحظة التي يتم توضيح أسسها ومبادئها، فإنه يصبح من الممكن الحكم عليها ونقدها موضوعياً بهدف الوصول إلى قرار حول مدى شرعيتها كسبل للمعرفة... فلا توجد معايير ترسم حدود المعرفة العقلية، وحدود المعرفة غير العقلية، وتحدد مناهج الاستدلال في المجال غير العقلي؟ فهناك أسئلة لا إجابات واضحة ومحايدة لها في الفكر الغيبي. لذلك نجد أن الأسس التي يلجأ إليها الداعون لهذه السبل غير العقلية، والمستندين عليها دائماً ما تكون مبهمة ومراوغة لأنه باللحظة التي يتم توضيحها وتحييدها فإنها ستصبح معرضة للنقد، وهذا ما سوف يكشف عدم صلاحيتها.
51. يزعم كثير من المؤمنين بالغيبيات، فضلا عن مؤسسى شتى الأديان والمعتقدات الغيبية التى عرفها البشر، أنهم تيقنوا من حقيقة معتقداتهم اللا طبيعية، أو أنهم اكتشفوا حقائق غيبية، أو أنهم تواصلوا مع عالم الغيب، بطرق ذاتية، كتلقى الوحى، والرؤية فى اليقظة أو النوم، و الشعور الروحانى، و التقاء كائنات غيبية بشكل ما، وهى كما نرى مجرد تجربة شخصية مر بها شخص المدعى، و لا سبيل لنا لتصديق دعواه إلا التسليم بها دون دليل يؤكدها كما يفعل كل المؤمنين بالغيبيات. و الحقيقة أنه لو سلمنا بكل تلك الروايات وصدقنا كل من يرويها، لما تطور علم النفس الحديث الذى عرف أسباب تلك الادعاءات التى يدعيها بعض البشر، والمسماة بالهلاوس والضلالات السمعية والبصرية، والتوصل لعلاجاتها فى القرن العشرين، والتى غالبا ما تكون أدوية كيميائية تسبب اختفاء تلك الضلالات والهلاوس من مخ المريض، وهذا معناه أن هذه الهلاوس والضلالات لها أسبابها الكيميائية لا الروحية أو الغيبية.
52. من هنا ترى مستشفيات الأمراض العقلية والنفسية مليئة بأدعياء النبوة والألوهية والعظمة، ولكن بعض هؤلاء كانوا سعداء الحظ فوجدوا من صدقهم فتحولوا إلى مؤسسى ديانات، و رسل لرسالات دينية، ويذكرنا هذا بحالة عالم الرياضيات "جون ناش" التى تناولها فيلم "العقل الجميل"، و الذى وبسبب إصابته بالفصام الارتيابى، اعتقد طول سنين دراسته الجامعية، ان لديه شريك في غرفته, لكن الوثائق بينت انه كان يسكن بمفرده، وتكون لديه اعتقاد أنه مبعوث العناية الإلهية لينقذ العالم من الحروب، و بخضوعه للعلاج النفسى، أصبح قادرا على مواصلة أبحاثه العلمية حتى حصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد، بدلا من أن يتحول لدجال و مؤسس ديانة، أو نزيل دائم بمستشفى الأمراض العقلية. أى أنه أصبح عضوا مفيدا للمجتمع بدلا من أن يكون عالة على المجتمع.
53. من المؤكد أن هذه المعرفة المزعومة نتيجة التجارب الذاتية، تمثل شأناً ذاتياً فقط بالشخص المدعى مثلها مثل الأحلام، لا نعرف مصدرها، وما إذا كان ناتج من هلوسة وضلالة سمعية وبصرية وحسية لأى سبب من الأسباب التى تحدث بسببها تلك الهلاوس والضلالات، أو ربما نتيجة حدث غير مفهوم تمت إساءة تفسيره من قبل الراوى، هذا إذا ما استبعدنا تماما الكذب والمبالغة وعدم الدقة والتهويل من قبل المدعى، وهى سلوكيات شائعة جدا بين البشر لدوافع مختلفة، منها حب الظهور والشهرة والسلطة والربح المادى، وعلى أى الأحوال فكل تلك التجارب الذاتية لا يمكن أن تخضع لأي معايير عامة أو واضحة أو مشتركة بين كل البشر، و لا يمكن دارستها تحت كل الظروف مثل كل ظاهرة طبيعية يمكن أن تخضع للدراسة العلمية، وبالتالي لا توجد إمكانية للآخرين للتحقق من صحة هذه الدعاوى المختلفة عن التواصل مع عالم الغيب أو الوصول لمعرفة ما بشأنه، فنحن لا يمكنا فى هذه الحالة التمييز بين ما هو كذب وما هو حقيقة وما هو وهم، إذا كان دليلنا الوحيد هو رواية شخص المدعى نفسه، دون وسائل أخرى مستقلة عنه. فما بالكم بالشخصيات التاريخية والأسطورية، التى لا نعرف عنها سوى أخبار وحكايات لبشر صدقوها وآمنوا بهم، أو صدقوا ما قاله آباءهم عن هؤلاء، و هم ما زالوا صغارا عاجزين عن نقد ما يسمعوه من حكايات.
54. التاريخ ما قبل القرون الحديثة والمعاصرة مجرد حكايات اختلطت فيها الحقائق بالأكاذيب دائما، واختلطت فيها الوقائع بالأساطير غالبا، بالطبع يوجد مؤسسين للأديان السماوية لأنها لم تأت من الهواء، ولكن عندما نأتى على ذكر أشخاص بعينهم من دم ولحم. وما روى عنهم من حكايات وأقاويل، فإننا لا يمكن أن نتأكد من صحة هذه الروايات لأنها غير موثقة إلى الحد الذى يجعل منها حقائق مؤكدة، فالتاريخ نصفه ضائع والنصف الآخر مزيف، كما أن التاريخ يكتبه دائما المنتصرون والمتسلطون من وجهة نظرهم، وبما يلبى مصالحهم وأهوائهم، أما عن حجة تواتر الأخبار فهى حجة غير كافية للتصديق العلمى بتلك الروايات، مادامت الغالبية الساحقة من البشر يصدقون كل ما يروى لهم من أخبار و ينقلونه للآخرين دون تدقيق أو تمحيص جيلا وراء جيل.
55. هل تيقن المؤمنون بالغيبيات من أن وجود الأنبياء والرسل القدماء الذين ظهروا قبل ألف ونصف ألف عام مثبت تاريخيا فعلا؟، أم أن الحقيقة أنه تحوم حولهم الشكوك لعدم وجود أى دليل مادى ملموس عليهم، وكيف يتيقن المؤمنون من ذلك الوجود من عدمه دون دليل إلا كتبهم المقدسة؟، و من أين أتي المؤمنون باليقين أن الأنبياء والرسل الذين لم نعرفهم إلا من بعض الكتابات الواردة إلينا من قرون مضت، أسوياء عقليا و نفسيا هذا إذا استطعنا فعلا قبل ذلك إثبات وجودهم تاريخيا من عدمه؟، و برغم أن الكتب المقدسة لا تدل على ذلك السواء النفسى والعقلى مطلقا. هل خضع هؤلاء الرسل والأنبياء لفحوص طبية تثبت سواءهم العقلى والنفسى؟، هل قدمت بشأنهم تقارير علمية منضبطة تثبت صدق ما يدعون، وأنه ليس مجرد هلاوس أو أكاذيب؟ وهل تم احاطتنا بهذا التقرير علما قبل أن نصدق دعواهم أو نكذبهم؟، أم أن هناك من عرفوهم و تميزوا بأن لديهم القابلية لتصديق ما يروى لهم من حكايات فصدقوهم، و حاربوا من أجل إقناع باقى الناس بتصديق ما صدقوه، وامتلكوا من السلطات أو تحالفوا مع أصحاب السلطة، فى تعاون مشترك، ففرضوا على باقى الناس ما صدقوه بالخداع والقهر والإرهاب وتأليف القلوب بالمال، وملئوا عقول أطفالهم بتلك الحكايات والأقاويل، حتى أصبحت فى أذهانهم حقائق من كثرة تلقينهم إياها، وهم مازالوا صغارا، و كبر هؤلاء الأطفال بهذا اليقين، وتناسلوا أجيالا تلو أجيال، وكرروا مع أطفالهم ما فعله آباءهم بهم، وأورثوا من أتوا بعدهم تلك الأكاذيب والحكايات باعتبارها حقائق يقينية، ومازال هذا التقليد سارى تحت حماية القانون، وبرعاية الحكومات ومؤسساتها، و يدرس هذا الدجل فى مدارسها وجامعتها جنبا إلى جنب مع العلم الحديث، وباسم الليبرالية، و تحت حماية مظلة حقوق وحريات الإنسان التى تعاديهما المؤسسات الدينية غالبا.
56. الحقيقة أن الأنبياء والرسل التى يؤمن بوجودهم أتباع الأديان التى ظهرت قبل ألف و خمسمائة عام، والمسماة بالإبراهيمية أو السماوية، هى شخصيات أسطورية غامضة لم يثبت وجودهم علميا بأى وسيلة اثبات موضوعية، فلا آثار أو وثائق تدل عليهم وتثبت وجودهم وحقيقتهم، وما بلغنا عنهم هى مجرد حكايات فى نصوص مخطوطة كتبها المؤمنون بهم لا خصومهم الكافرون بهم، وقد حدث هذا التسجيل بعد وفاتهم بسنوات طويلة تكفى لكل أشكال التحريف النابع من النسيان والكذب على السواء، فلا توجد روايات مستقلة عن ما رواه أتباعهم والمؤمنين بهم عنهم، وهى كتابات عبارة عن رص كلام وأخبار وحكايات متناقضة على طريقة الجدات، و هى أقرب للأدب منها للتأريخ العلمى المنضبط والمحكم، فلا وثائق و لا حفريات ولا أثار تدعمها وتؤيدها، بل هى مجرد أخبار شفهية فى أصلها تناقلتها الألسن طويلا قبل أن تكتب وتسجل، و هى تقبل شأنها شأن كل الأخبار الصدق والكذب، وبالرغم من ذلك تجد هناك من يؤمنون بما ترويه تلك الحكايات والأخبار المشكوك فى صدقها، وما تصفه تلك الكتب للرسل والأنبياء وحواريهم وصحابتهم كونهم رجال نبلاء اختلفوا عن السائد من عقائد وعبادات قومهم، لأهداف سامية، خالية من المطامع الشخصية، أو الدوافع الفردية، و أنهم لم يشكوا من الأمراض العقلية والنفسية والعصبية.
57. هؤلاء الرسل والأنبياء و بعيدا عن الهالات الأسطورية التى تحيط بهم لا يختلفون عن الأنبياء والرسل المحدثين الذين ظهروا فى القرون القليلة الماضية، و الثابت وجودهم بشكل موثق وموضوعى، والمتهمون من قبل من لا يؤمنون بنبوتهم أو رسالتهم بالكذب والدجل والجنون، فى حين يقدسهم المؤمنون بهم، ويصدقون إدعاءتهم، وهؤلاء الرسل والأنبياء المثبت وجودهم المقصود بهم مؤسسى ديانات المورمون وشهود يهوه والبهائيين والقيدانيين، والسيخ والرائليين والعلمويين وغيرهم، وقد تم رصد تاريخهم وتاريخ جماعات المتدينين بأديانهم و توثيقه بدقة على عكس الديانات القديمة التى لم تحظ بتلك الفرصة، و الثابت أن هؤلاء المدعون مجرد شخصيات كاريزمية طموحة لنوع من السلطة المطلقة على البشر، وهم نوع من المحتالين الذين من أجل تحقيق أطماعهم المادية والمعنوية، أدعوا أنهم على تواصل مع الكائنات الغيبية حاملين رسائل منها، مخالفين بذلك العقائد والعبادات السائدة، وربما كان البعض منهم حسن النية، و كان معرضا لنوع من الهلاوس والضلالات السمعية والبصرية، ولم يخضع للعلاج العقلى والنفسى، وقد وجد من صدقه من السذج، و قد تعرض بعضهم كالباب و البهاء وأتباعهم، لأنواع من الاضطهاد الذى وصل لحد القتل والنفى والسجن فى العالم الإسلامى، كما أن تاريخ جوزيف سميث وأتباعه من المورمون لم يخلوا هو أيضا من الاضطهاد الذى اضطرهم للهجرة الجماعية لولاية يوتاه بالولايات المتحدة الأمريكية، والتعرض للاضطهاد سواء أكان ضد النبى الدجال أو أتباعه، وتحمله و تحملهم لهذا العذاب، وثباتهم حتى الاستشهاد فى وجه جلاديهم كثمن لطموحهم فى الدنيا أو الآخرة الذى يتوهمونه، ليس دليلا على صدق نبوتهم، و لا حقيقة رسالتهم، سوى فى عقول اتباعهم، المنصوب عليهم.
58. تعتمد الأديان الإبراهيمية على فكرة النبوة التى لا تختلف كثيرا عن الكهانة، فالكاهن والنبى وسيطان بين المؤمن و ربه، و فكرة النبوة والكهانة تنم عن عجز الكائنات الغيبية وظلمها لمخلوقاتها البشرية العاقلة، حيث تقوم الفكرة على رغبة الإله فى توصيل رسالة للبشر فيقوم بانتقاء واحد من البشر هو النبى أو الكاهن أو العراف، يمثله ويحمل عنه وزر تبليغ أوامره ونواهيه أو وعوده ووعيده للناس، فيصدقه البعض ويكذبه البعض بطبيعة الأحوال، فتكون النتيجة ثواب من صدقوه وعقاب من كذبوه، فتصبح سهولة تصديق الادعاءات بالنبوة والكهانة والعرافة التى هى أحد خصائص السذاجة ميزة تستوجب الثواب، و وصعوبة تصديق الادعاءات بالنبوة والكهانة والعرافة التى هى أحد خصائص الفطنة عيب يستوجب العقاب، وكما يبدو من تاريخ الأديان الإبراهيمية و التى ميزت النبوة عن الكهانة والعرافة، فإن انتقاء الله للأنبياء والرسل فيها يتم بطريقة عشوائية لا تعتمد على قواعد محددة وثابتة تليق بحكمة إله وعدله وقدرته، وباعتبار أن النبوة على عكس الكهانة والعرافة ليست ظاهرة عالمية عرفتها كل شعوب العالم فى كل الأزمنة، بل هي ظاهرة محلية عرفتها منطقة محدودة فى الشرق الأوسط فقط، ولفترة زمنية محدودة لم تكن فيها البشرية قد حققت ما حققته من تقدم يجعلها تكشف مثل تلك الادعاءات، فمن المدهش أن تجد الله يرسل لقرية واحدة نبيين أو ثلاثة، وأن يتعاقب الأنبياء الواحد تلو الآخر في مكان ما وزمان ما، فإبراهيم الملقب بأبي الأنبياء عم لوط، وأبو كل من اسحاق وإسماعيل، والجد المباشر ليعقوب أبو يوسف، و الجد الأكبر لكل من سليمان بن داود، وموسى زوج بنت شعيب و أخو هارون، و زكريا أبو يحى زوج خالة عيسى بن مريم، ثم محمد وفق الاعتقاد الإسلامى، وكلهم أنبياء لسلالة شخص واحد من البشر هو ابراهيم فى منطقة واحدة من العالم، فى حين يترك هذا الإله أماكن أخرى كالصين والهند دون أدنى اهتمام بإرسال حتى نبي من الدرجة الخامسة، إضافة إلى أنه ختم النبوة و غلق بابها بعد محمد وفق الاعتقاد الإسلامى، في بدايات القرون الوسطى، بعد أن حققت البشرية تقدما يكفى لفضح حقيقة الادعاءات بالنبوة فيما عدا بعض الاستثناءات التى سبقت الإشارة إليها.
59. تفترض جميع الأديان الإبراهيمية صفتى العدل والقدرة المطلقة في إلهها المزعوم، إلا أنه مما تقدم فإن هاتين الصفتين تتناقضان مع مفهوم النبوة نفسه، والتي تقوم عليه هذه الأديان مما ينقضها من أسسها ويخلعها من جذورها، وذلك لأن انتقاء (اصطفاء) الله لأحد خلقه دون الآخرين ليصبح نبيه ورسوله هو تفضيل لهذا الشخص على سائر البشر، وهذا يناقض العدل بين البشر، ولا يبرر هذا الفعل غير العادل سوى "عجز" هذا الإله عن إيجاد وسيلة أخرى يستطيع من خلالها أن يبلغ رسالته لكافة البشر مباشرة، حتى يحق له محاسبتهم إن لم يطيعوه، فلا يصح للمدرس أن يشرح لأحد التلاميذ المنهج دون كل التلاميذ، ويطلب منه إبلاغهم به، فيصدقه البعض و لا يصدقه البعض، ثم يحاسبهم جميعا بنفس الامتحان، فيهانون أو يكرمون بناء على سماعهم وتصديقهم من عدمه، إذ أن العدل يستوجب أن يشرح هو بنفسه لكل التلاميذ المنهج، بل وأن يولى الضعاف دراسيا منهم اهتماما أكثر من المتميزين الذين لا يحتاجون جهدا غير عادى لإفهامهم المنهج، وهذا تفنيد لحجة أن تميز الأنبياء عن باقى البشر هو الدافع لتفضيلهم على العاديين من الناس، بقصر النبوة عليهم.
60. الأغلب أننا أمام إله عاجز وظالم في الوقت ذاته، و يؤكد ذلك إرسال الله الأنبياء لمناطق محددة من العالم، وتركه لمناطق أخرى.. و هذا ظلم للمناطق التي لم يرسل الله إليها أنبياء أو رسل، ومثله مثل إرسال الله الأنبياء في أزمنة محددة وتركه لأزمنة أخرى، وهذا ظلم للبشر الذين يتواجدون فى غير زمن النبى.. و إعلانه ختم النبوة وغلق بابها. وفى هذا تفضيل لمن حظي بفترة العيش قرب النبي وبجواره ومشاهدة معجزاته وآياته على من لم تشأ الأقدار له أن يعيش بجوار أي نبي (وهم الأكثرية الساحقة من بني البشر). و الخلاصة هى أن إله الأديان الإبراهيمية ظالم لتفضيله بعض البشر على بعض البشر، وارتكب جريمة تفضيل شخص كنبى أو قوم كبنى إسرائيل على سائر البشر فأرسل إليهم معظم أنبياءه. و هذا ما تقر به كافة الكتب المقدسة الإبراهيمية، و من ثم فهذا الإله لا يصح له إلا أن يكون ظالماً وفقاً لتعريف العدل.
61. فى ضوء أن مثل هذه الدعاوى بتلقى الوحى من الغيب يشترك فى ادعاءها شتى المؤمنين بالغيبيات من كل العقائد الغيبية والروحية، إبراهيمية و دراهمية و وثنية و روحية، ولما كان من غير الممكن أن تكون كلها صحيحة، لأن هذا يعنى أن كل أصحاب هذه التجارب على صواب فى نفس الوقت، فإن تفسيرها كأوهام أو أكاذيب هو الأقرب للصواب. فلابد إذن من اللجوء لوسائل موضوعية وليست ذاتية، للتحقق من صحة أي زعم، وأي فكرة يرويها أى شخص.
62. التدين ظاهرة وليدة المخ البدائى، إذ تضرب بجذورها فى عواطف وغرائز البشر الذى يتحكم فيها هذا المخ، كما تضرب جذورها أيضا فى النظام الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، ومن ثم فنقد الدين باستخدام المنطق المجرد لا يكون مؤثرا فى من يحتكمون لتلك العواطف والغرائز، كما أن هزيمة الدين لن تتحقق كاملة إلا بتغيير النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى أفرزته، ونحن هنا أمام علاقات ترابط معقدة، فنحن بحاجة لنقد الدين كى يمكنا أن نغير النظام الاجتماعى والاقتصادى والسياسى، كما أننا لن نهزم الدين نهائيا إلا بتغيير النظام الاجتماعى والاقتصادى والسياسى.
63. المؤمنون بالغيبيات يقرأون بخشوع و بلا وعى غالبا ما يعتقدون أنها كتب مقدسة ذات مصادر إلهية، فلا يرون ما فيها من تناقضات عقلية مثل أن الله فى القرآن مثلا يقر بنفسه و بتكرار لا لبث فيه "أنه يهدى من يشاء ويضل من يشاء"، ورغم ذلك يثيب من هداهم بنفسه، ويعاقب من أضلهم بنفسه.
64. يدعون إعجازا علميا فى تلك الكتب رغم كل ما فيها من أخطاء علمية مثل الحديث فى العهد القديم والقرآن عن السماء كسقف فوق الأرض مرفوع فوقها بلا أعمدة، والحقيقة أن الأرض مجرد ذرة غبار فى سحابة الكون اللا نهائية واللا محدودة، فهى مجرد كوكب متوسط الحجم من بين مليارات المليارات من الكواكب والأقمار، يدور حول نجم متوسط الحجم والعمر، من بين عشرة آلاف مليار نجم، ومن ثم فلا شئ يمكن اعتباره تحت الأرض أو فوقها أو بجانبها، وإنما يمكن أن نتحدث عن القرب والبعد عنها فقط، لأنها ببساطة تدور حول نفسها وحول الشمس وتدور هى والشمس حول مركز المجرة التى تتحرك بدورها مع مئة مليار مجرة، و من ثم فلا توجد أى سماء بالكون المرصود لدينا، و لا يوجد أى سقف يعلوا الأرض أصلا أو يحيط بها سواء بأعمدة أو بغير أعمدة، وأن الأرض لم تكن يوما مرتقة ومعناها مخيطة بتلك السماء المزعومة ففتقهما الله و فصلهما عن بعضهما.
65. الغريب أن هؤلاء الغيبيون المسحورون بنصوصهم المقدسة و المغيبون عمدا عن الوعى، لا يلتفتون للعيوب التعبيرية مثل الركاكة فى الأسلوب، والتكرار الممل لنفس الحكايات التافهة، و العبارات والكلمات الزائدة فى الجمل لدواعى السجع لا أكثر، فضلا عن تفكك النص نفسه لجمل غير مترابطة، و تناقضاته وتهلهله، ولا ينتبهون إلى السقطات اللا أخلاقية الواردة فيه مثل إضفاء القداسة على غزو الشعوب الأخرى وأبادتها ونهبها واحتلال أراضيها وفرض الجزية على أهلها كما ورد فى العهد القديم والقرآن، ولا يلاحظ المؤمنون بالغيبيات أن كل هذا لا يليق أن يصدر من خالق هذا الكون المنسوب إليه النص المقدس، أما غير المؤمنين بتلك الكتب، سواء أكانوا متدينين بأديان أخرى أو غير متدينين بأى دين، فإنهم من القراءة الأولى لتلك الكتب يكتشفون تلك التناقضات والأخطاء والعيوب والسقطات ببساطة، لأنها واضحة كالشمس فى رائعة النهار، إلا أن العاطفة الدينية تكسف تلك الشمس فى عيون المتدينين، فحبيبك دائما ما يبلع لك الحجر، وعدوك دائما ما يتمنى لك الخطأ.
66. من أكثر الملاحظات التى تثير استغرابى، و لا أفهم لها من تفسير سوى التعصب الأعمى الذى يصيب العقول بالغفلة، هى أن هؤلاء المتدينين لا يرون ما أراه بسهولة، عندما أقرأ تلك الكتب ودون أى مجهود خارق منى، فهل هناك من تفسير لذلك سوى نوع من العصاب الجماعى ربما يكون علاجه وتفسيره لدى أطباء النفس، والذين قد يعتبرون مستقبلا عندما تزول رهبة نقد الدين، و يختفى فرض احترامه على منتقديه، أن الإيمان الدينى نوع من أنواع المرض النفسى الاجتماعى قابل للشفاء، باعتبار أن الإيمان الدينى هو سيطرة وهم جماعى على جماعة من البشر، مثلما أن المرض النفسى الفردى هو سيطرة وهم فردى على فرد، و هو ما يجعلنا نطلق عليه لذلك مريض نفسى، فى حين يعتبرون الآن أن المؤمن بالدين مبرأ من المرض النفسى، بل وله الحق فى نقل أمراضه للناس ومساعدته على ذلك، باسم الحرية وحقوق الإنسان، و فى نفس الوقت كبت واضطهاد الراغبين فى علاج الناس منه، و وقايتهم من عدواه.
67. على المتدين إن أراد أن يشفى من الوهم المسيطر عليه، هذا إذا كان يحترم عقله فعلا، أن يقرأ كتابه المقدس بلا عواطف وأحكام مسبقة، أن يكون شجاعا و أمينا مع نفسه، فيقرأه بما يملك من قدرة على النقد الموضوعى، لا بما يملك من مشاعر عاطفية نحوه، وهذا على العكس بالطبع من ما يطلبه منه رجال الدين الذين يطلبون منه التسليم الأعمى بكل ما جاء فيه، ومن هنا سوف يكتشف بنفسه، و بدون مساعدة من أحد الخدعة التى ورطه فيها أهله صغيرا، و سوف يكتشف مدى بشرية تلك النصوص وتهافت منطقها وتناقضاتها وأخطاءها وعيوبها هذا إذا كان ينشد الحقيقة فعلا لا مجرد استسهال الوصول لإجابة مريحة.
68. المتدينون بدين ما يعتقدون اعتقادا جازما، بمنطقيه نصوصهم المقدسة ووضوحها وإعجازها، و أن كل من يقرأها، لابد وأن يؤمن بها كما آمنوا هم بها، وإن لم يفعل ذلك لعدم اقتناعه بألوهية النص، فإن كل ما يفعلوه هو أن يكيلوا له شتى التهم، التعصب، أهواء النفس، المرض النفسى، العناد، الغرور، التآمر، الغباء، الكبر، والحق يقال أن كثير من هؤلاء المتدينين يحوزون على معدلات عالية فى الذكاء، إلا أن هذا الذكاء يصاب بالشلل عند قراءة النص المقدس الذى يؤمنون به، فى حين أنهم يستخدمونه بكفاءة عالية لدى قراءتهم للكتب الأخرى.
69. لاحظت عن تجارب عملية عايشتها بنفسى، أن هناك من معارفى القريبين جدا، من لاحظتهم أطفالا يقتربون من العبقرية وحدة الذكاء، وكيف أنهم انجزوا تفوقا دراسيا ملموسا، ولاحظتهم شبابا لامعين فى وظائفهم، وكيف أنهم أصبحوا يمزجون بسهولة بين سذاجة مفرطة وألمعية وظيفية، وكيف أن أسرهم و طريقة تربيتها لهم، وطريقة تعليمهم فى المدارس، والمناهج التى تلقونها، وما يطلعوا عليه من أعمال إعلامية وثقافية، خلقت لديهم بقاع عمياء فى العقل لا يقترب منها ضوء الحقيقة، بقاع مظلمة تقترب بهم من البلاهة الجزئية فيما يتعلق بالغيبيات برغم ذكاءهم الوظيفى المفرط.
70. المتدينون عموما لا يدركون، أنهم يتعرضون اجتماعيا لبرمجة مستمرة للمخ، و أنهم ومنذ ولادتهم و إلى مماتهم، يقعون فى شبكة من علاقات سلطوية، يكونوا فيها هم الطرف الضعيف المسيطر عليه، و تشكل السلطات عقول الخاضعين لها، وتروضهم ليكونوا أعضاء صالحين مندمجين بالقطيع البشرى الذى ينتمون إليه، ولتحقيق مصلحة تلك السلطات، إلى أن يشتد عودهم، فيمارسوا هم سيطرتهم على أطراف أخرى أضعف منهم، و فى نفس الوقت تمارس عليهم السيطرة من قبل أطراف أقوى منهم، وأن علاقات السلطة تلك تساعد على أن يكونوا ضحايا احتيال لمؤسسات دينية تسيطر عليهم، ويعيش رجالها على حسابهم بسبب غفلتهم، وقد ملئ المحتالون من رجال الدين عقولهم بالأكاذيب، التى تعيق بالفعل عمل عقلهم فيما يتعلق بالأوهام التى يبيعونها لهم. ومن أجل أن يستمر ابتزاز رجال الدين لهم فهم يخفون عيوب النص المقدس الواضحة بشتى الحيل، بتأويلات وتفسيرات مختلفة للنص، و باستخدام شتى الحجج الواهية التى لا تصمد أمام المنطق والعلم.
71. لأننا نشب على دين آباءنا، وما برمجونا عليه من عقائد، بجانب نصائحهم العملية لنا، و التى اختبرنا صحتها لنتفادى أخطار الحياة، كعدم الاقتراب من النار مثلا، أو المعرفة الصحيحة مثل احتياج النبات للماء كى ينمو، فإن نوعا من الارتباط الشرطى، يتكون فى عقولنا بين ما تم تلقينه لنا من علم وحكمة، و ما تلقيناه من خرافة، فيتم الربط بينهما فى عقولنا ربطا يصعب فصله، وهذا يجعل عملية التخلى عن الخرافة التى تلقيناها صغارا من المجتمع، فى غاية الصعوبة النفسية، مما يفسر استمرار التمسك بالخرافات رغم كل أسلحة المنطق المستخدمة فى تفنيدها. وربما يكون العلاج هو فى اخضاع المتدين لارتباط شرطى آخر يجعله يتخلى عن الخرافة التى يؤمن بها مبقيا على العلم والحكمة الذى تلقاها صغيرا.
72. أول الشكوك التى يجربها اللا ديني المولود لآباء متدينين، هى الشكوك فى الكتب المقدسة لديه لا كتب الأديان الأخرى، القرآن بالنسبة للمسلم، و الإنجيل بالنسبة للمسيحي، والتوراة بالنسبة لليهودى، وقد يقمع بنفسه تلك الشكوك خوفا من التهديدات، واستسهالا للتسليم بها، وجبنا عن دفع ثمن تلك الشكوك بالخروج عن القطيع الذى ينتمى إليه، ويقمع هذه الشكوك رجال الدين والمحيطين به بترديد التبريرات المتهافتة التى تثبت إيمانه بالنص... وقد يتحلى بالشجاعة فتنقله تلك الشكوك الأولية فى كتابه المقدس، فيستبدل خرافة بخرافة، و ينتقل من دين إلى آخر، أو ينتقل لأنواع من الإلحاد الضعيف، الألوهية أو اللا أدرية، قبل أن ينتقل للمحطة الأصعب نفسيا و هى الإلحاد القوى، و كلها خيارات تحتاج لشجاعة كبيرة، وإلى القدرة على دفع ثمنها من النبذ الاجتماعى والوحدة والاضطهاد الذى قد يصل للقتل والسجن، و الاضطرار فى معظم الأحيان إلى النفاق الاجتماعى، واحترام العادات والتقاليد والعقائد السائدة، و هو أمر ثقيل على النفس ومقيد للحرية.
73. أنا عندما أدعوا المؤمن بالدين لإعمال العقل فى النص المقدس لا أنتظر نتائج مبهرة بالطبع لأنى أعرف حدود هذا العقل، ويمكن أن نعتبر ما أنادى به هو نوع من التحريض والتشجيع، فما علينا إلا أن نحرض الناس ونشجعهم على البحث بأنفسهم، و لنبين لهم أن الإمبراطور عارى بعكس ما يدعيه، و لنوضح لهم أن ما يوقنون به ما هو إلا وهم يسهل الشفاء منه، وعليهم التحلى بالشجاعة، للهروب من دفء القطيع، وأن لا يخشوا الوحدة وهم فى نور الحقيقة.
74. قبل أن يدلى المتدينون بنصائحهم الجاهزة، وتعاليهم الأجوف، ويقينهم العصابى بأن المؤمن بالغيبيات هو الأعلى بسذاجته وغفلته وجهله، أقول لهم، أنى قرأت التوراة والأناجيل ورسائل الرسل والقرآن وتفاسيره المختلفة، وكثير من السنة والسيرة، و كتاب الأقدس البهائى، ودرست أصول الفقه الإسلامى، وقرأت عن الأديان الأخرى لدرجة تكفى للإلمام بها، والشئ المؤكد بالنسبة لى أنى أضعت وقتى فى قراءة كل هذا العبث الذى لا يفيد و لا يمتع، و لا يغنى و لا يسمن من جوع، و هى خسارة لا تعوض، إلا من زاوية اكتشاف بشرية تلك النصوص، بل والعقلية البدائية الساذجة وراء كتابتها. و اعتقد أن قراءة هذه الكتب يكفى لإلحاد كل ذى عقل يعمل بكل إمكانياته دون أى مسوغات أخرى.
75. وفق هذا الإلمام العام فإنى اعتقد أن الأديان كلها، لا تقف عند نفس المستوى من السوء، إذا فاضلنا بين سئ وأسوء، لا بين جيد و سئ، لأنه لا يوجد ما هو جيد فى الأديان عموما، فإننا سوف نلاحظ أن اليهودية والهندوسية والمسيحية والزرادشتية والإسلام تحظى بالدرجات الأسوأ فى تقييم الأديان عموما، أما الأقل سوءا من بين الأديان فهى الأديان الفلسفية كبوذية الثيرافادا من بين البوذيات الأخرى الأكثر خرافية منها، فهى الأقرب من بين الأديان التقليدية لحقائق العلم والمنطق العلمى، و الأبعد عن الغيبية والخرافية، وإن لم تخلوا منهما شأنها شأن كل دين، كما أن البوذية عموما تقترب من مواقف الإلحاد لكونها لا تعترف بوجود أى خالق للكون، و لا تؤمن ببعث الأجساد بعد موتها، فالألوهية لديها مجرد مرتبة يمكن أن يصل إليها أى انسان بناء على أعماله، أو يهبط منها لمراتب أدنى حسب أفعاله، حيث تؤمن البوذية بتناسخ الأرواح وانتقالها ما بين الكائنات المختلفة المادية والغيبية، أما عن تعريفها للروح فى نفس الوقت فهو الأقل غيبية، و هو الأقرب للمادية من بين تعريفات الأديان الأخرى للروح، مما يجعل الكثيرين يرشحونها أن تكون الدين الرئيسى للبشرية فى المستقبل، وذلك لمن لا يستطيعون الحياة بدون تدين و روحانية.
76. لمن قد يطالبوننى بمزيد من الأمثلة على ما أدعيه من عيوب وسقطات الكتب المقدسة مما يثبت بشريتها وبدائيتها، فأنى أعتقد أن أى أمثلة سوف تكون مجرد ثرثرة مكررة لأنها تعيد إنتاج نصوص متوفرة بغزارة على الانترنت لمن يريد أن يبحث، واعتقد إن تحريض القارئ على البحث أفضل من تلقينه وجبات جاهزة، كما أن هناك سبب آخر لعدم استفاضتى فى كتابة أمثلة محددة، هى تلك الممارسة اللا أخلاقية التى يمارسها المبشرون من المتدينين، حين يستفيدون من نقد دين منافس للتبشير بدينهم، كما يقع فى هذا السلوك، وبشكل مشبوه الكثير من الكتاب العلمانيين لدينا حين يركزون فى نقدهم على الإسلام باعتباره أصبح البطة العرجاء الآن فى العالم، وكأن اليهودية ليست الدين المؤسس للجريمة الصهيونية الممتدة منذ قرن من الزمان، والتى اغتصبت أرضا من شعب وسلبته حقوقه الإنسانية، وكما لو لم تكن اليهودية أكثر الأديان عنصرية فى تاريخ الأديان، و أكثرها بعدا عن الأخلاق الإنسانية الخيرة، وكما لو كانت المسيحية ذات الجذور اليهودية مبرأة من الإجرام، وهى تعتمد العهد القديم بكل ما فيه من سقطات لا أخلاقية كتابا مقدسا لها، فمن هم الذين ارتكبوا جرائم الحروب الصليبية قديما، و مذبحة صابرا وشاتيلا ومذابح البوسنة حديثا إذن، أليسوا هم المسيحيين تحديدا، وبالطبع هذا لا يعفى الإسلام من الجرائم التى أسست عليه قديما فى حروب الفتح الإسلامى، و حديثا فى الجزائر وأفغانستان و العراق وفلسطين، و من ثم فالمهم من وجهة نظر العدالة، أن لا نركز على مجرم ونترك مجرم آخر يرتكب نفس الجريمة، على خرافة تضلل الناس ويتربح من وراءها المحتالون، ونترك خرافة أخرى ومحتالين من صنف ثانى. هذا موقفا أكثر أمانة واحتراما.
77. يزعم المؤمنون بالغيبيات على شتى اتجاهاتهم أن لديهم تفاسير لما يحدث بالواقع الطبيعى من حوادث، فهم غالبا ما يفسرون الكوارث الطبيعية على أنها تعبير عن غضب كائنات غيبية على البشر، و أحيانا تفسيرها أيضا بأنها بسبب لا مبالاة الكائنات الغيبية تجاه ما يحدث للبشر من كوارث، أو تفسيرها بأن الكائنات الغيبية الشريرة تسبب الكوارث لأنها تستمتع بعذاب البشر مثلما كان"يهوة" يستمتع برائحة اللحم البشرى المحترق لضحايا المذابح التى أمر بها، كما ورد فى العهد القديم، أو تفسير ما حدث أنه نتيجة الصراع بين كائنات غيبية خيرة و كائنات غيبية شريرة، و في كل الأحوال لا إمكانية طبعاً لترجيح أي من هذه الاحتمالات، فكل تفسير له نفس درجة المعقولية كالتفسير الآخر. . و من هنا فإن الموقف اللا أدري هو أقصى ما يمكن تبنّيه عند التعامل مع أي ظاهرة أو حدث طبيعي، وسبب ذلك هو أن أي تفسير يتوافق مع الطبيعة يمكن إيجاد تفسيرات أخرى مثله على نفس الأرضية النظرية البحتة، وتوفير إجابة على السؤال ذاته.
78. هناك كثير من الأفكار الغيبية من النوع الذي لا يمكن تفنيده أو تأكيده، و لا يمكن الوصول لجزم أو ترجيح بخصوصها عن طريق عالمنا المادي لأنها لا تتنافى مع أي ظاهرة طبيعية، و مثل تلك الأفكار لا تفسر أي ظواهر أو أحداث طبيعية، مثل إجابة أسئلة من نوع كم ملاك يستطيع الوقوف على سن إبرة؟، وهل الملائكة إناث أم ذكور؟، و هذه الفرضيات، لا يمكن إثباتها لأن وقائع الوجود المادي تقف حيادياً تجاهها، وهى لن تفيد في شيء في حال ثبتت صحتها أو خطؤها أو فى حالة عدم ثبوتها.
79. هناك الأفكار الغيبية التي تتناقض مع عالمنا المادي، مثل إمكانية ميلاد بشر ذكر يحوى الدنا الخاص به على الكروموزوم ( xy) الخاص بالذكورة من أنثى عذراء لا يحتوى الدنا الخاص بها على هذا الكروموزوم، وليس كذلك فحسب بل انجبته بغير أن يمسها ذكر يحمل هذا الكروموزوم أصلا، مما يعنى بالضرورة أن المولود حصل على كل كروموزوماته منها، بالاستنساخ مثلا، مما لابد وأن يجعله أنثى مطابقة تماما لأمها فى كل صفاتها، فمن أين أتى المسيح بذكورته إذن؟، وهذا ينطبق على خلق حواء من خلايا ضلع آدم بالاستنساخ أيضا، فمن أين لها بالكروموزوم (xx) الخاص بالأنوثة، و لا إجابة على كل هذا لدى الغيبيين إلا إرادة الله المعجزة، ومثل آخر هو هذا الوهم الخاص بإمكانية بعث أجساد البشر بعد تلاشيها، بالموت والتحلل، والتجول بلا نهاية لذراتها وجزيئاتها بين شتى الكائنات الحية وغير الحية، و لا إجابة على كل هذا لدى الغيبيين إلا إرادة الله المعجزة، هذه النوعية من الأفكار الغيبية هى الوحيدة التي يمكن التعامل معها وتفنيدها، لأن التسليم بها يوقعنا في تناقض، أن نؤمن بالشيء وعكسه في نفس الوقت، بحقائق العلم المؤكدة، وأساطير الغيب غير المؤكدة، وبالتالي نخرق أسس العقلانية، ولذلك فإننا مضطرون لعدم التسليم بها لو شئنا احترام عقولنا، أما محاولة الاستعاضة عن هذا الأفكار بأفكار غيبية أخرى لا تتناقض مع عالمنا المادي، فذلك يحيلنا إلى النوعيتين السابقتين من الأفكار الغيبية حيث لا إمكانية لإثبات أي فرضية أو نفيها.
80. المعرفة التى استفاد منها البشر فعلا هى المعرفة العلمية، وهى تقوم على استخدام الوسائل الحسية المباشرة عن طريق إدراك الشيء مباشرة بالحواس البشرية من سمع وبصر ولمس وغيرها، و بشكل غير مباشر بمساعدة امتدادات هذه الحواس من أجهزة علمية مختلفة كالتلسكوبات والميكروسكوبات، فالمرجع النهائى للمعرفة هو الاحساس المباشر، وما يقوم على هذا الإحساس من عمليات ذهنية تقوم على المنطق والتحليل الرياضى. أما المعرفة الغيبية فلم يحصد منها البشر إلا المذابح و الكوارث والحروب والتخلف واستمرار القهر والاستغلال بين البشر والظلم بينهم والعبودية، وإهدار الطاقة والوقت والجهد لحساب أقلية محتالة تعيش على حساب المنتجين وتستبد بهم، فالأدوية والجراحات هى التى تشفى من الأمراض وتقينا منها، وليس الدعاء والصلاة والتعاويذ والأحجبة.. إنزال المطر، والتحكم فى نزوله أصبح ممكنا، بعد تطور علم الأرصاد الجوية، لا صلاة الاستسقاء.. التحكم فى نوع الجنين، ذكرا كان أو أنثى، وخصائصه الطبيعية والنفسية، بعد اكتشاف الخريطة الجينية للبشر أصبح متاحا، وباستخدام الاستنساخ، وبالتلقيح الصناعى أصبح ممكنا معالجة العقم. و باستخدام اللقاحات و الأمصال تم القضاء على الكثير من الأمراض كالطاعون والجدرى، والتى كانت تحصد ملايين البشر سنويا، و بالعلم يتم استصلاح الأراضى الصحراوية، وتفادى أو التقليل من خسائر الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وأعاصير وفيضانات و سيول، فى حين أن رجال الدين والسحرة لم يستطيعوا بكل علومهم الزائفة وطقوسهم البدائية، وقاية البشر من كل تلك الأوبئة والكوارث والأمراض، ولكنهم دائما ما استفادوا من حدوثها عندما كان يلجأ البشر إليهم من خوفهم وجهلهم وبلاهتهم، ليشتروا الأوهام التى كانوا يبيعونها لهم.
81. الإيمان بالشيء هو بالضرورة اليقين به، فلا يوجد نصف إيمان أو ثلاثة أرباع إيمان، إما يكون هناك إيمان أو لا يكون، وإما إيمان يصدقه العمل فعلا، و إلا أنه سوف يكون مجرد ثرثرة فارغة لا معنى لها، وهذا ينبع من تعريف مصطلح الإيمان. ولكن المؤمنون بالغيبيات، و لأنهم لا يثقون فيما يؤمنون به حقا وصدقا كما يزعمون لنا و لأنفسهم وللآخرين، يواصلون إيمانهم الغيبى وطقوسهم المرتبطة به، مع لجوءهم فى نفس الوقت للعلم الحديث ووسائله المادية، و الذى لا يخجلون مع ذلك من التصريح بعدم ثقتهم فيه، واحتقارهم له، و إعلان ثقتهم المطلقة فيما يؤمنون به من غيبيات، عند كل شاردة وواردة، وثقتهم فيما يمارسوه من طقوس وعبادات، واعتبارها هى السبب الفعال فيما يحدث لهم، لا بدع العلم المادى، الذى يلجئون إليه رغم ذلك، وبالطبع لن يجرءوا على عدم استعانتهم بالعلم والاكتفاء بالطقوس والعبادات، حتى لا يوردوا أنفسهم للتهلكة, ومن سوف يقتصر منهم على الدعاء والصلاة سوف يتهم بالجنون والتخلف، والتحدى الملقى أمامهم أن يصدقوا مع أنفسهم فعلا، فيختاروا، إما العلم ووسائله أو الغيب وطقوسه، لا الاثنين معا.
82. يقول المؤمنون بالغيبيات أن هناك ضرورة أن يأتى عالم الشهادة من عالم الغيب، و هذا ما لا يمكن فهمه لأنه مجرد سفسطة وكلام بلا معنى ولا برهان.. فما هو وجه الضرورة الذى يلح عليه المؤمنون بافتراضهم عالم آخر أتى قبل عالمنا، أو موجود بجوار عالمنا، برغم أننا لا يمكن بأى وسيلة محترمة إثبات ذلك، و أقول وسيلة محترمة لأن التفكير الغيبى هو إخلال بحسن السلوك والأخلاق مثلما هو إخلال بحسن التفكير، على عكس التفكير العلمى الملتزم بما يسمى الأمانة العلمية، وهى قيمة أخلاقية خيرة لا يعرفها التفكير الغيبى.



#سامح_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإلحاد يتحدى _أ_
- جذور الإلحاد(12) الكتب المقدسة
- جذور الإلحاد(11) الدين والصراع الاجتماعى
- جذور الإلحاد(9) المصمم الذكى
- جذور الإلحاد(9) و هم الذات
- جذور الإلحاد(8) صفات الخالق الغامضة
- جذور الإلحاد(6) المعرفة الإنسانية والغيبيات
- جذور الإلحاد(7) خصائص للفكر الغيبى
- جذور الإلحاد(5) المعجزات والإعجاز
- جذور الإلحاد(4) ردود على التعليقات
- جذور الإلحاد(3) غموض و لا منطقية الغيبيات
- جذور الإلحاد(2) تناقضات فكرة اللة
- جذور الإلحاد (1)حجج وحجج مضادة


المزيد.....




- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح سلامة - الإلحاد يتحدى_ب_