سامح سلامة
الحوار المتمدن-العدد: 2665 - 2009 / 6 / 2 - 08:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
*** يزعم كثير من المؤمنين بالغيبيات، فضلا عن مؤسسى شتى الأديان والمعتقدات الغيبية التى عرفها البشر، أنهم تيقنوا من حقيقة معتقداتهم اللاطبيعية، أو أنهم أكتشفوا حقائق غيبية، أو أنهم تواصلوا مع عالم الغيب، بطرق ذاتية، كتلقى الوحى ، والرؤية فى اليقظة أو النوم ، و الشعور الروحانى، وإلتقاء كائنات غيبية بشكل ما، وهى كما نرى مجرد تجربة شخصية مر بها شخص المدعى، و لا سبيل لنا لتصديق دعواه إلا التسليم بها دون دليل يؤكدها كما يفعل كل المؤمنين بالغيبيات. ولو سلمنا بكل تلك الروايات وصدقنا من يرويها، لما تطور علم النفس الحديث ألذى عرف أسبابها وعلاجاتها، فالمستشفيات العقلية مليئة بأدعياء النبوة والألوهية والعظمة ، ويذكرنا هذا بحالة عالم الرياضيات جون ناش الذى وبسبب إصابته بالفصام الارتيابى، اعتقد طول سنين دراسته الجامعية، ان لديه شريك في غرفته, لكن الوثائق بينت انه كان يسكن بمفرده، و بخضوعه للعلاج النفسى، أصبح قادر على مواصلة أبحاثه العلمية حتى حصل على جائزة نوبل ، بدلا من يتحول لدجال أو نزيل دائم بمستشفى الأمراض العقلية.
*** من المؤكد أن هذه المعرفة المزعومة نتيجة التجارب الذاتية، تمثل شأناً ذاتياً فقط بالشخص المدعى، لا نعرف مصدرها ، وما إذا كان ناتج من هلوسة سمعية وبصرية وحسية لأى سبب من الأسباب التى تحدث بسببها تلك الهلاوس، أو ربما نتيجة حدث غير مفهوم تمت إساءة تفسيره من قبل الراوى، هذا إذا ما استبعدنا تماما الكذب والمبالغة وعدم الدقة والتهويل من قبل المدعى ، وهى سلوكيات شائعة جدا بين البشر لدوافع مختلفة، منها حب الظهور والشهرة والسلطة والربح المادى، وعلى أى الأحوال فكل تلك التجارب الذاتية لا يمكن أن تخضع لأي معايير عامة أو واضحة أو مشتركة بين كل البشر، و لا يمكن دارستها تحت كل الظروف مثل كل ظاهرة طبيعية يمكن أن تخضع للدراسة العلمية، وبالتالي لا توجد إمكانية للآخرين للتحقق من صحة هذه الدعاوى المختلفة عن التواصل مع عالم الغيب أو الوصول لمعرفة ما بشأنه، فنحن لا يمكنا فى هذه الحالة التمييز بين ما هو كذب وما هو حقيقة وما هو وهم، إذا كان دليلنا الوحيد هو رواية شخص المدعى نفسه، دون وسائل أخرى مستقلة عنه.فما بالكم بالشخصيات التاريخية والأسطورية.
*** فى ضوء أن مثل هذه الدعاوى يشترك فى إدعاءها شتى المؤمنون بالغيبيات من كل العقائد الغيبية والروحية، إبراهيمية و دراهمية و وثنية و روحية، ولما كان من غير الممكن أن تكون كلها صحيحة، لأن هذا يعنى أن كل أصحاب هذه التجارب على صواب فى نفس الوقت، فإن تفسيرها كأوهام أو أكاذيب هو الأقرب للصواب. فلابد إذن من اللجوء لوسائل موضوعية وليست ذاتية، للتحقق من صحة أي زعم وأي فكرة يرويها أى شخص.
*** يزعم المؤمنون بالغيبيات على شتى اتجاهاتهم أن لديهم تفاسير لما يحدث بالواقع الطبيعى من حوادث، فهم غالبا ما يفسرون الكوارث الطبيعية على أنها تعبير عن غضب كائنات غيبية على البشر ، و لكن يمكن تفسيرها أيضا بأنها بسبب لا مبالاة الكائنات الغيبية تجاه ما يحدث للبشر من كوارث، أو أن الكائنات الغيبية الشريرة تسبب الكوارث لأنها تستمتع بعذاب البشر مثلما كان يهوة يستمتع برائحة اللحم البشرى المحترق، أو أن ما حدث هو نتيجة الصراع بين كائنات غيبية خيرة و كائنات غيبية شريرة ، و في كل الأحوال لا إمكانية طبعاً لترجيح أي من هذه الإحتمالات، فكل تفسير له نفس درجة المعقولية كالتفسير الآخر. .و هنا فإن الموقف اللاأدري هو أقصى ما يمكن تبنّيه عند التعامل مع أي ظاهرة أو حدث طبيعي، وسبب ذلك هو أن أي تفسير يتوافق مع الطبيعة يمكن إيجاد تفسيرات أخرى مثله على نفس الأرضية النظرية البحتة، وتوفير إجابة على السؤال ذاته.
*** هناك كثير من الأفكار الغيبية من النوع الذي لا يمكن تفنيده أو تأكيده، و لا يمكن الوصول لجزم أو ترجيح بخصوصها عن طريق عالمنا المادي لأنها لا تتنافى مع أي ظاهرة طبيعية ، و مثل تلك الأفكار لا تفسر أي ظواهر أو أحداث طبيعية، مثل حول كم ملاك يستطيع الوقوف على سن إبرة، وهل الملائكة إناث أم ذكور، و هذه الفرضيات ،لا يمكن إثباتها لأن وقائع الوجود المادي تقف حيادياً تجاهها، وهى لن تفيد في شيء في حال ثبتت صحتها أو خطؤها أو لم يُثبتا.
*** هناك الأفكار الغيبية التي تتناقض مع عالمنا المادي. مثل إمكانية ميلاد بشر ذكر من أنثى عذراء لم يمسها ذكر، أو بعث أجساد البشر بعد فناءها بالموت، و هذه النوعية من الأفكار الغيبية هى الوحيدة التي يمكن التعامل معها وتفنيدها، لأن التسليم بها يوقعنا في تناقض، أن نؤمن بالشيء وعكسه في نفس الوقت، وبالتالي نخرق أسس العقلانية، ولذلك فإننا مضطرون لعدم التسليم بها.أما محاولة الإستعاضة عن هذا الأفكار بأفكار غيبية أخرى لا تتناقض مع عالمنا المادي، فذلك يحيلنا إلى النوعيتين السابقتين من الأفكار الغيبية حيث لا إمكانية لإثبات أي فرضية أو نفيها.
* المعرفة التى استفاد منها البشر فعلا هى المعرفة العلمية، وهى تقوم على استخدام الوسائل الحسية المباشرة عن طريق إدراك الشيء مباشرة بالحواس البشرية من سمع وبصر ولمس وغيرها ، و بشكل غير مباشر بمساعدة امتدادات هذه الحواس من أجهزة علمية مختلفة كالتلسكوبات والميكروسكوبات، فالمرجع النهائى للمعرفة هو الاحساس المباشر، وما يقوم على هذا الإحساس من عمليات ذهنية تقوم على المنطق والتحليل الرياضى.أما المعرفة الغيبية فلم يحصد منها البشر إلا الكوارث والحروب والتخلف، فالأدوية والجراحات هى التى تشفى من الأمراض وتقينا منها، وليس الدعاء والصلاة والتعاويذ والأحجبة.. إنزال المطر ، والتحكم فى نزوله أصبح ممكنا ، بعد تطور علم الأرصاد الجوية، لا صلاة الاستسقاء،.. التحكم فى نوع الجنين، ذكرا كان أو أنثى، وخصائصة الطبيعية والنفسية، بعد اكتشاف الخريطة الجينية للبشر، واستخدام الاستنساخ، وبالتلقيح الصناعى أصبح ممكنا معالجة العقم. و باستخدام اللقاحات و الأمصال تم القضاء على الكثير من الأمراض كالطاعون والجدرى والتى كانت تحصد ملايين البشر سنويا، فى حين أن رجال الدين والسحرة لم يستطيعوا وقاية البشر من كل تلك الأوبئة والأمراض، ولكنهم دائما ما استفادوا من حدوثها عندما كان يلجأ البشر إليهم، ليشتروا الأوهام التى كانوا يبيعونها لهم.
**الإيمان بالشيء هو بالضرورة اليقين به. فلا يوجد نصف إيمان أو ثلاثة أرباع إيمان. إما يكون هناك إيمان أو لا يكون، وإما إيمان يصدقه العمل فعلا، وإلا أنه سوف يكون مجرد ثرثرة فارغة لا معنى لها، وهذا ينبع من تعريف مصطلح الإيمان. ولكن المؤمنون بالغيبيات، و لأنهم لايثقون فيما يؤمنون به حقا، يواصلوا إيمانهم وطقوسهم الغيبية المرتبطة به، مع لجوءهم فى نفس الوقت للعلم الحديث ووسائله المادية، و الذى لا يخجل بعضهم من التصريح بعدم ثقتهم فيه، واحتقارهم له، و إعلان ثقتهم فيما يؤمنون به من غيبيات وما يمارسوه من طقوس، واعتبارها هى السبب الفعال فيما يحدث لهم، ووبالطبع لن يجرءوا على عدم استعانتهم بالعلم والاكتفاء بالطقوس والعبادات، حتى لا يوردوا أنفسهم للتهلكة, ومن سوف يقتصر على الدعاء والصلاة سوف يتهم بالجنون والتخلف، والتحدى أن يصدقوا مع أنفسهم، فإما العلم أو الغيب، لا الأثنين معا.
#سامح_سلامة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟