|
ديوان بلوغ النهر
باسم فرات
الحوار المتمدن-العدد: 3675 - 2012 / 3 / 22 - 01:58
المحور:
الادب والفن
البراق يصل إلى هيروشيما
أمامَ قلعةِ هيروشيما وحيدًا يقفُ البراقُ دونَ نبيّ يمتطيهِ حاملاً أحلامًا فقدتْ صلاحيّتَها يجري النهرُ تحتهُ نزقًا ينبضُ بالجنون ِ كثيرونَ مرّوا من أمامِهِ يُرَتّقونَ انشغالاتِهِمْ
ولم يرفعوا رؤوسَهم بعدُ مُتجاهلينَ الغُبارَ وقد بنى مستعمراتٍ على جناحيهِ حتى الطيرُ الذي اتخَذَ من رأسِهِ مكانًا لعُشِّهِ ما عاد يُغري السائحينَ بالتقاطِ الصورِ التذكارية. اليافطةُ وهيَ تئنّ تحت حوافرِهِ استسلمتْ لوشاياتِ الزمنِ وسباقِ الأرَضةِ. من فحولتِهِ يسخرُ المراهقون قوائمُهُ التي كان يخبّ بها طويلاً إيحاءٌ لمجاعاتٍ وأوبئةٍ. بينما البراقُ منتظر من يواريه الترابَ بعيدًا نسِيَ أن يَحلمَ بنـبيٍّ يمتطيه.
هيروشيما 3 آذار 2007
السـاموراي
يَعتمرُ خوذتَهُ يمتشقُ سيفَهُ الذي يكادُ يُنافسُهُ على قوامِهِ يتمنطقُ بالفولاذِ إنّهُ بكاملِ أبّهتِهِ فيهِ رائحةُ التاريخ ِ وبقايا غُبارِهِ ولأنهُ لم يجدْ فُرسانًا ليقاتِلَهُم خَصّصوا لهُ ركنًا في الْمُتحفِ وفي المِهرجاناتِ
تراهُ يجلسُ على صخرةٍ قربَ قصرِهِ أو يقفُ في زاويةٍ ما تُلتقطُ لهُ الصورُ التذكاريةُ مع الأطفالِ وفي أحسنِ الأحوالِ يَتبَخترُ أمامَ الزوارِ وفي المساءِ عندما تنفضّ العوائلُ إلى مَهاجِعِها يُجَرَّدُ من أبّهتِهِ ويُركَنُ في زاويةٍ شبهِ مُظلِمَةٍ في مُتحفٍ ما بانتظارِ مِهرجانٍ جديدْ. هيروشيما تشرين الأول 2005
الهَنَـمِي في هيروشـيما
في احتفالاتِ الْهَنَمي عليك أن تحتفي بالفرح وتطردَ أحزانَكَ بعيدًا، تحت أشجار الساكورا تُنادمُ ضحكاتِ الجميع وتمنحُ النسيانَ فرصةَ أنْ يَتَسَلّلَ إليكَ. تُخبئُ ذكرياتِكَ في دهاليزَ مفقودةٍ. في حديقة السلامِ لك أن تأوي إلى البهجةِ مع المبتهجين تفترشُ الطبيعةُ القلوبَ ويغمسُ الشذا رئتيهِ في النفوس حيث لا حمامٌ يَتَساقطُ أسرابُ الرغباتِ تنهمرُ مع الأيامِ باتجاهِ النهرِ والجلوسُ على حقولِ الهايكو يزيدُ الفصولَ فصلاً سادسًا مع أقداح ِ الساكَ النجومُ تستنيرُ بضَحِكاتِهم يَخبُّ القلقُ شاردًا تستفيقُ الذكرى بعدَ أنْ تخلت عن الألم الستائرُ تفتحُ النوافذَ على السؤال والغريبُ يُزيحُ المجهولَ إلى الماضي باحثًا في أحلامِهِ عن مرآةٍ على مقربةٍ من بقايا قبةٍ خضراء وبضعةِ أمتارٍ عن هُندوري. صخرة ٌ تخبئُ كتابَ القيامةِ إنها ليست سُورًا يسجنُ ويمحقُ لا راياتِ سوى البيضِ والزقزقاتُ يُشاركنَنا المائدة لا حالمينَ بجنةٍ ساداكو تغزل طائر الحياة والوساوسُ تهزُّ أحلامَها بالدموع.
هوامش: الهَنَمي: احتفالات اليابانيين بتفتح زهرة الكرز وهي أشجار كبيرة وتمتلئ بها اليابان. الساكورا: زهرة الكرز باللغة اليابانية الساكَ أو الساكي: المشروب الكحولي الياباني الشعبي ويصنع من الرز. هُندوري: السوق المُسَقّف الأكبر في هيروشيما. ساداكو: 1943-1955 الفتاة اليابانية التي أصيبت بسرطان الدم نتيجة سقوط القنبلة الذرية. راحت تصنع من الأوراق الملونة طائر الغرنوق، امتثالاً للمعتقد الشعبي الياباني الذي يرى أن طائر الغرنوق يعيش ألف عام، والمريض الذي يصنع ألف طائر سوف يشفى من مرضه، ولكنها بعد أن صنعت 644 طائراً توفيت، فراح اليابانيون ودعاة السلام يصنعون ما تبقى من الألف، وأصبحت هذه الطفلة رمزاً للأمل والإصرار على الحياة وعنوانًا للأطفال ضحايا حماقات وأوهام الزعماء.
هيروشيما 2008
عن الغريبِ الذي صارَ واحدًا منهم
هأنذا.. قدمٌ في مِيكونَ وأخرى في الأمل يرقدُ تاريخٌ في جعبتي أنصتُ للموجِ بينما الريحُ تقفلُ أبوابَها خجلى وفِيَنْجانُ خلفي تحملُ غبارَها وابتساماتِ عابري الطريق والرَّغَباتْ
الكسبةُ يبيعون أنينَ أيامِهم بأوراقِ الموز صلواتُ الرُّهبانِ تُغَلفُ سُقوفَ المعابدِ مع أنغامِ الطبولِ حتى تَتَشابكَ فوق شجرةٍ يَجلسُ تحتَها بوذا مانحةً الطمأنينةَ لناغا
هأنذا.. قدمٌ في ميكونَ وأُخرى في الأمل أتأملُ قواربَ صيادينَ يَدُلُّني صَمتُهُم على مَرَاسٍ نَخَرَها الأبَدُ
نائمةٌ حَيَواتُهُم في غياهِبِ الطحالبِ وتحتَ أقدامِ الطينِ تَغوصُ أحلامُهم يَتَجولونَ في خرائبِ الموسيقى وحُطامُ أصواتِهم يُنْبِئُ عن حكاياتٍ قَضَمَتْها الجرذانُ
النسوةُ الْمُتشحاتُ بالفقرِ والجمالِ، يُكَوِّرنَ الشاطئَ فوقَ المناقلِ لتفوحَ رائحةُ الشهوةِ والخجلِ بين أقدامِ السائحينَ
أنسلُّ نحوَ الطُّرُقِ الْمُلتويةِ أحيِّي الباعةَ بابتسامةٍ وهم منشغلونَ عن مقابرِ القُمامةِ إذ تَفيضُ بطقوسِها لأنَّ قيامةَ الجوعِ رَكَلَت بوذا بعيدًا ثم انحدرتُ مع المتاهةِ إلى طَلاتْ ساوْ مستمتعًا بعُرسِ الطبيعةِ حيث يخالطُهُ رَنينُ السوق
أحتمي بالْمَطَرِ من البَلَلِ وبالمناداةِ من ضَجيجِ الهدوءِ أُنْصِتُ للقلوبِ وهيَ تَتَغامَزُ: انظروا للغريبِ لقد صارَ واحدًا منا.
27 شباط 2010 فِيَنجان
هوامش: ميكون: هو النهر الذي يقطع لاوس من الشمال إلى الجنوب تقريبًا، ويشاطئ الصين ولاوس وميانمار وتايلند وفيتنام. ناغا: أفعى أسطورية تصور بخمسة رؤوس وأحيانًا بسبعة رؤوس، تحمي وتظلل بوذا. طلاتْ ساوْ: ومعناها باللغة اللاوية سوق الصباح، وهو سوق شعبي كبير (وكل أسواق لاوس شعبية) يتوسط فِيَنْجان (عاصمة لاوس).
الإمـبراطـور
الممالكُ تحتَ عرشِهِ تستغيثُ مَلك الجهات العشرَ فُرسانُهُ زرعوا السواحلَ جماجمَ غزاةٍ وَنَقشوا في المحارِ قُبُلاتِ حَبيباتِهِم
كانت العذارى مفتاحَ بهجتِهِ بمائِهِ الإمبراطوريّ يُوَدّعْنَ عزوبَتَهن عَلا مجدُهُ، حتى استحالَ العويلُ خيانةً للبلاد
أحمر لونُ بهجَتِهِ والريحُ تستكينُ لحركاتِ قدميهِ يَشدُّها من زئيرِها لتختفي في الشرفاتِ
شِراكُهُ تصطادُ الجيوشَ والبرقَ قاعاتُ قصرِه مزدانةٌ بالخلودِ وتعاشيقِ الشعرِ والدماء
الفجرُ يقودُ الينابيعَ إلى ممراتِ العرشِ تتبعُه فرقُ الخيّالةِ ورُماةُ الموتِ أوسِمَتُهم أراملُ خِطْنَ الدموعَ أثوابًا للقبور
صرخات يتامى على الجدران صارت تهطل من أردانِ قميصه في السقوفِ مدنٌ عانقَها الخرابُ وفتوحاتٌ تَتَسَرّبُ من الشقوقِ
حقولٌ استلقت عليها السيوفُ سِلالُ الموجِ مرفوعةٌ على الرماحِ تجوبُ الصحارى بلا نبيّ
حدائقُ موسيقى، كلماتٌ ترتجفُ في زنازينِه ودودُ قزّ يرتشفُ أنهارَ عسلٍ خريرُها يستحمّ بأجساد مراهقاتٍ وأنّاتِ قتلى
أسوارُ القصرِ ينحني الأفقُ عليها وتحتَ حوافرِها تركعُ السيولُ بدلافينِها الذهبية
الإمبراطورُ الذي تهتزّ الجبالُ من لائِهِ وتحتَ بسطالِهِ ترتجفُ أسودٌ وتنانينُ ها هو داخلُ مربعٍ يُسوّرُهُ شريطٌ أصفرُ لا يتخطّاهُ
ضريحُه وقد فاقَ الأهراماتِ بأبهتِهِ لم يعد مكانًا للتبرّكِ فهو مأوى جرذانٍ ومبولةُ سكارى
مَلابسُهُ تُذَكّرُ بقطيعِ الْحُمرِ الوحشية وعصاهُ التي طالما ابتلعت ثعابينَ وأعداءً كُثَيبَ نملٍ غدت
أتأمّلُهُ ساخرًا وبثمنٍ بخسٍ أصفعُهُ وأمضي......
18 نيسان 2011 فِيَنْتان - لاوس
فكرة القصيدة وعوالمها داهمتني حين كنت في فيتنام، في مقبرة الإمبراطور خاي دينه، وأمام تمثاله بالذات.
طـلاتْ تُنْ كانْ خام *
من يتكلم الطبيعةَ، تسطعُ الفصولُ في يديه. النسوةُ البائعاتُ جلسنَ يحتفلن بالسنة الجديدة نادينَني ... كان ضَحِكُهن يتلامعُ على حصيرة الفقر ويختزلُ بيوتَ الصفيحِ والقصبِ تحتَ شجرةٍ عِملاقةٍ قدسَها السّكّانُ المحلّيونَ، لأن بوذا ظَلّلَها بجدائلِه جلستُ أنصتُ للألوانِ والروائحِ وأملأُ روحي بأناشيدِ الكَسَبَةِ قصبُ السُّكرِ يستغرقُ أحلامًا كثيرةً والجِعَةُ حِرزُ الجميع لا بحرَ هنا ليعترفوا أمامَهُ ويَطردوا الأمجادَ تَركوها تَتَسَلّقهم دون مبالاةٍ تلك المزاريبُ المهووسةُ طوالَ نصفِ عامٍ بالهذيان تدلقُ مراراتِ الْمُتَسَوّقين على الأرصفةِ لِتُكنَسَ في الأعياد.
مستنقعاتٌ حينَ تَعبرُها تَتَناثَرُ الريحُ على قدميك هكذا هو طلاتْ تُنْ كانْ خام يَهتزّ بالجهات وسقوفُهُ الْمُعرَّاةُ تغوي السماء بالتنصت فيهِ تَجمهرتْ النفاثاتُ مُدُنٌ بأصواتها تَنسَلُّ إليهِ تَتركُ تاريخًا وتَحملُ أمكنةً لتَتناسلَ في الحقائبِ قوافلُ من المعابد تَشمخُ أعلامُها في السؤال. تلتقطُ أجوبَتَها منه رقصاتٌ تختزلُ المواسمَ وَمَواسِمُ لا تفضُّ اشتباكاتِها حتى تضمحلَّ في فيضان الألم.
أدلفُهُ ظهرًا وفي أخريات النهار كان زنبيلي** مليئًا بالمحبةِ والذكريات.
تشرين الأول 2010 فِيَنْتان - لاوس
سوق شعبيّ يقع في وسط فِيَنْتان ( عاصمة جمهورية لاوس ) زنبيل: كلمة شفاهية ( عامية ) بغدادية، وأصلها- حسب المعجم الوسيط- هو: الزّبيل، أي: القفة أوالوعاء أوالجراب.
شـروق أطـول من التـاريخ
الصفحةُ بيضاء القصيدةُ تَتَشَكّلُ وأنتَ هنا مُحاطٌ بألفِ بوذا ينهمرونَ برهبانِهِم وتراتيلِهم وبخورِهم تَستنشقُ آلامَهم المستعادة تتدفقُ المياهُ حولك لكن أصواتَ الكائناتِ تُربكُ زهوَك علقٌ أبيضٌ، أخضرٌ، أحمرٌ، أسودٌ وأعلاقٌ أطفأتها الريحُ ابتهالاتٌ تتَواشجُ، فتسقطُ اللغاتُ عنها ويبقى الندم أضحيةٌ لم يمسسْها الغفران تسيلُ معابدَ وأطفالاً حُفاةً بقايا فتوحاتٍ عطشى راياتٌ تحرقُ راياتٍ أسواقٌ ينبتُ في أجنتِها الكلام كثيرون باعوا صلبانَهم بثمنٍ بخسٍ جفَّ الحبرُ في قراطيسِ رعاةِ الغنم ولا عصا تُوزّعُ الْمَنّ والسلوى. جبالٌ حَمَلَتْ أسرارَ عُزلتِها ورمتها في طفولةِ الأنهارِ حيواتٌ كثيرةٌ مرت على البوذيّ الأعزل وهو يقتفي قدرَه (آثامُ أسلافِهِ) مدنٌ استظلت بنظرته شنتويٌّ هو يحملُ بشارةَ الآرامي ويُطعمُ الدودَ جراحاتِهِ يعزف لحبيبتِهِ نشيدَه ويخطّ على ساعديه وصايا أحيقار ينصتُ لحكمةِ الهنديّ التائِهِ حتى يشرئبَّ النورُ في أكفِّ شيفا والصوتُ يهطلُ في أسوارتِهِ الآخا سقوهُ وصايا الطبيعةِ في إناء التأمل وحين فتحَ عينيهِ رأى شروقاً أطوَلَ من التاريخ. وندوبُ أيامِه تتوارى.
أواخر كانون الأول 2010 شمال تايلند
شنتويّ: معتنق الديانة الشنتوية وهي الديانة اليابانية الآراميّ: السيد المسيح له المجد أحيقار: حكيم عراقيّ شيفا: أحد الثالوث الهندوسي، ويضم هذا الثالوث الآلهة براهما وفيشنو وشيفا، واعتبر في مذهب براهما ممثلا للدمار والكوارث. أنقذ مخلوقات الأرض بشربه السم الذي تدفق من ملك الأفاعي. له شكل بشري بثلاث عيون وأربع أذرع ، يتزين بالأفاعي ويحيط رقبته بعقد من الجماجم ! الآخا: وتلفظ الآكا، أو هو حرفٌ بين الخاء والكاف، إحدى الإثنيات التي تشرق بها جنوب شرق آسيا.
سَـبادِي
أمرّ على قرويين أكواخُهم تُنبت البسمةَ والدهشةَ على وجوه العابرين
ألُمّ حياءَهم وأحزانَهم في سلالِ رحيلي بينما الغاضريةُ تستفيق على امتداد حقول القصيدة أهَدهدها على نغم المونغ مُستسلمًا للضباب، وهو ينفث أحزانه خلال أنفاسي.
أعبرُ أقاليمَ وإثنياتٍ، أزرعُ ذكرى وأقتسم الخبزَ والأمنياتِ مع قبائل التلال وهي تشعّ أنهارًا وينابيعَ أمزجُ سهولي وصحاريها بهضباتِهم الجبلية فأجدني أغرسُ دَبابيسَ السؤالِ في حقولِ القطنِ وأخيطُ أمطارًا يَتَّمَتْها الغيوم عجائزُ أحدثهم عن حروبِ آبائي فيصبّون الشايَ مثنى وثُلاثَ أجسادٌ تسقي الماءَ تعبها وفي المواقدِ أساطيرُ من ترابٍ رأس القريةِ صاحَ فعَرّت ضحكتُهُ بقايا آثار المواقد: هلمَّ للدخول في حكايانا عبرتُ العَتبات وقلبي يلهجُ: سَبادي.. سَبادي.
8 كانون الثاني 2011 بونغ سَلي/ لاوس
سبادي: التحية باللغة اللاوية، الأولى تعني مرحبا، والثانية تعني أهلاً وسهلاً. المونغ: أحدى الاثنيات الكثيرة التي تزدهي بها لاوس وتايلند وفيتنام وميانمار وسواها من دول ومناطق جنوب شرق آسيا. الغاضرية: أحد أسماء كربلاء مدينة الشاعر. أمـير الدرامـا *
أمسكُ بالنسيمِ من يَدِهِ لأدُلَّهُ على الستائرِ، النسيم الْمُتَلَفع بالبحرِ والنقاءِ، تاهَ في ألاعيبِ المدينةِ
في وشاياتِ الْمُزدَحمينَ خلفَ نَزَواتِهِم، سَرّبَ الصمتَ في أملاحِ الحِكاياتِ، فاستظلت المعابدُ بذهبِه ونفَشَت الطواويسُ تَبَختُرَها، والراهباتُ غَزلنَ عِفّتَهُنَّ بصيامِ أمير الدارما
النسيمُ يعتكفُ عند عَتَبَةِ الماضين قُدُمًا سائلاً بركاتِهِم يَترُكُ الأسماكَ تَتَنَزّهُ في المُنحَدَراتِ. ويحملُ في أرديتِهِ روائحَ المدينةِ، أنفاسَها، الفصولَ التي تَعَثرَتْ به، التنهداتِ التي أُطلِقَتْ في الزوايا والأزقةِ، يَستمتِعُ بارتعاشاتِ الفوانيسِ الصاخبةِ
ويَنثرُ المَطرَ في أسرارِ الكائناتِ، فَيَبزُغُ صَباحٌ لا نهائيٌّ صباحٌ يَستدلُّ عَليَّ. فِيَنْجان نيسان 2010
ــــــــــــــ * أمير الدارما: أحد أسماء بوذا، والدارما تعني الحقيقة المطلقة.
متحف السـلام في هـيروشـيما
حينَ تَدخلُ.. عليكَ أنْ تَحذرَ الارتطامَ بالأنينِ أو أن تُحرّكَ دَمعةَ طفلةٍ بارتِباكِكَ اضغطْ على الزرِّ وأنصتْ لِحِكاياتٍ صامتةٍ حكاياتٍ توغلتْ القسوةُ فيها والألَمُ خلفَ الزجاجِ ثمةَ حِدادٌ زادَهُ الزمنُ نضارةً ثَمّةَ بَقايا رَمادِ الضحايا، أشباهُ ساعاتٍ تُشيرُ إلى الثامِنَةِ والربعِ صَباحًا دُمًى عليها آثارُ أصابعَ احترقتْ قلائدُ صَدِئةٌ، ما بقِيَ من طفولةٍ ابتلعَها الجحيمُ
في الأقفاصِ الزجاجيةِ قافلةُ أحلامٍ تَجمّدتْ وكثيرٌ من حماقاتٍ وخيالاتِ رجال أثقلتْ أكتافَهُم النياشينُ.
على الحافاتِ نَسيَ الوقتُ نهاراتِهِ وهو ينصُتُ للأراجيحِ التي تكدّسَتْ في الغيومِ
رَوائحُ الْمَراراتِ تَخنِقُ المرورَ عَبْرَ الطوابقِ هَواجِسُكَ سَوفَ تَستبيحُ كلَّ شَيءٍ إنها الْمِحنةُ تَدخُلُ أوكارَها البريةَ الضبابُ يُجفّفُ الساحِلَ من البَهجةِ والصخرةُ التي طالما أثقلتْ كاهلَ سيزيفَ هاهُنا تَجِدُها وقدْ تلاشتْ ضَجيجُ المدينةِ مُختزلاً بِحَشْرَجَةٍ مُعلّبةٍ على هيئةِ بضْعِ كَلِماتٍ الفردوسُ، وهمٌ نُطلقُهُ لتنويمِ الفجيعةِ وآبُ لم يكنْ لَهّابًا فقطْ، إنّها السماءُ فَتَحَتْ أفواهَ جَحيمِها فَراغاتٌ تَنْمو كَالعَدوى، وَالكَراهيةُ فِطْرٌ نَبَتَ في كلِّ مَكانٍ، وبالظلامِ كلُّ شَيْءٍ اكتَسى لكنْ حَياةُ الراهبِ مَلساءُ تُغوي حِكْمَتُهُ قاربينِ بالجنوحِ إلى السرمَدية لا سامورايَ هُنا.. وَكُلُّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلى الندَم. هيروشيما كانون الأول 2007
المسـتقبل وهـو يقفـل راجعـًا
ياماتو قبرٌ يتنفسُ الهواءَ في عُرضِ البحرِ لبعضِ الوقتِ الموتى الذينَ في داخلِهِ سَطّروا ما أمكنَ من ذكرياتٍ ونَدَمٍ كانَ ضيقُ الوقتِ عُصفورةً بَنَتْ عُشَّها فوقَ الرؤوسِ غِربانٌ تتبعُ ياماتو إنها الغريزةُ يا لَها من دليلٍ قاسٍ في مُخيلةِ الجنودِ، الماضي شريطٌ قَفَزَ عاليًا: رسائلُ الحبيباتِ، دُموعُ الأمهاتِ وقد أنهَكَها الانتظارُ، الأمنياتُ المكتوبةُ على وَرقٍ أبيضَ معقودةٌ على شَبابيكِ مَعابدِ الشنتو. الجنودُ يَتَحَسّسونَ أشياءَهُم، طعمَ الشايِ الأخضرِ وقد تَكدّسَ في الشفاهِ، قِرَبَ الساكِ في لياليهِم وهي تَتَآكلُ إنهم يَشطبونَ أحلامَهم ياماتو ينـزلقُ بعيدًا إلى قَدَرٍ يَحرسُ عَماهُ وَتَطردُ الريحُ عنهُ الهواءَ في ميناءِ كورَهْ قَفَلَ الْمُستقبلُ راجعًا فامتلأتْ هذه القصيدةُ بالعويلْ. هيروشيما 2008
هوامش: ياماتو: أكبر سفينة حربية صنعها اليابانيون، في الحرب العالمية الثانية، وحين الانتهاء منها اكتشفوا أنهم بحاجة إلى طائرات، فقاموا بإرسالها إلى جزيرة بعيدة كسفينة شحن، وكان الوقود فيها يكفي للذهاب فقط، وفي الطريق قصفتها الطائرات الأمريكية فحولتها إلى قبر لأكثر من مئتي ياباني. الشنتو: الديانة القومية لليابانيين وتحوي على مئات الآلاف من الآلهة الشاي الأخضر: يحتسيه اليابانيون بكثرة، ساخنًا أو مثلجاً الساكِ: وهو الخمر الشعبي في اليابان، ويكتب أحيانًا "ساكَه" و"ساكي" كورَهْ: المدينة التي تم فيها صناعة السفينة ياماتو، وتقع قرب هيروشيما.
بيـنما يبتسم بوذا
على ابتسامةِ بوذا هبطتُ، من بين شفتيه سَللتُ حكمتَهُ الهائمةَ واريتُ خَجَلي بخشوعي وأغلقتُ الأبوابَ على صرختي،
كلما عانقَ مطرٌ رائحةَ الفراشاتِ، تسلقَ الزعفرانُ جدرانًا تتطاول
كانت ابتسامةُ بوذا سهولاً تخيطُ قميصَ السماء تَلَمستُ نورَها لأغرسَه في الكلمات وللكلماتِ حملتُ النهرَ طَردتُ الماضي
استقبلتُ صمتي ورحتُ أحتفي ببهجتي وأنا أرى رهبانَ بوذا ينتشرونَ
صلواتُهم تَهُشُّ عزلتي وهالةٌ يستنجدُ بها البرقُ
بينما شموعٌ يَتَمَددُ فيها المكان.
فِيَنْجان – لاوس خريف 2008
تقـريظ باشـو
ها أنت ذا في حضرةِ باشو مُترنمًا بالنقاءِ وممسكًا بعذوبةِ طالما جدّ إليها غيرُكَ أصابعُ بوذا تُمسّدُ روحَكَ ما تبحثُ عنهُ لن تجدهُ كاملاً تحبّ العزلةَ أحيانًا وربما تزدريها في أحايينَ أخرى لكنك تعيشُها وتملأُ ذاكرتَكَ بطقوسِ رُهبانٍ يُبخّرونَ حيواتِهم بقصائدِ باشو وما خلّفَهُ الرائي العظيم من تعاليمَ وحِكَمٍ ها أنت ذا في حضرتِه استنشقْ هواءً مفعمًا بالشعر وإن شئتَ اغتسلْ بأنهارِ هيروشيما الهاربةِ من صمتِ الجبال صمتٍ له حنكةُ أحيقار ها أنت ذا في حضرة باشو لا تنسَ أن تصبّ الماءَ على يديك وتضربَ بالناقوس ِ ثم تخلعَ نعليكَ عليه اقصصْ طُفُولتَكَ حين يُقدّمُ لكَ الساكَ حدّثه عن أسلافِكَ يومَ صنعوا من الغرْيَنِ تاريخًا صارَ سجنًا لهم وشراعًا للآخرين عن طرقِ المتاهةِ حين تقودُ الهاويةَ إليكَ وأنت تستنفرُ ماضيكَ كلَّه دون مبالاةٍ بازدحامِ الشرفاتِ في أحلامِكَ أو تلصّصِ الغاباتِ على عويلِ البحرِ للعاصفةِ اهْمِسْ أن تنـزوي خجلاً فأشجارُ زَهْرَةِ الكَرْزِ تنشدُ لِنُدَمائها ما سَطّرَته أناملُ أميرِ الهايكو. من الوشاياتِ عليكَ أنْ تغسلَ الهواءَ وتُزيّنَ النجومَ بسَماءٍ بلوريةٍ المياهَ العذبةَ بأنهارٍ تليقُ بها الأشجارَ بضفافٍ مليئةٍ بالنسيمِ واطردِ الأفكارَ الضالة عن الرياحِ شذّبْ النهارَ جيدًا واغرس ذكرى جميلةً عند كلِّ قبرٍ
ها أنتَ ذا في حضرةِ ماتسوو باشو
وها هي "حقولُ الاعشابِ الذابلةِ على قارعةِ الطريقِ تحلمُ بخرير الماءِ" أو بعاشقين يمارسانِ الحبّ......
هيروشيما
هوامش: ماتسوو باشو: واسمه الأصلي ماتسوو مانوفوسا، عاش (1644-1694م) هو شاعر ياباني، ومعلم شعر الـ"هايكو" الأكبر بلا منازع، كان أيضا بارعا في شعر النثر الياباني أو "هايبون". يشكل مع كل من "شيكاناتسو مونزا-إيمون" و"إهارا شائيكاكو" أعمدة الأدب الياباني في الفترة التي عرفت بـ"قرن أوساكا الذهبي". أحيقار: حكيم عراقي، ويعد من أوائل حكماء البشرية وأهمهم في تاريخها. الساكَ: ويترجمها البعض، الساكي أو الساكه، هو المشروب الكحولي الشعبي في اليابان. أشجار زهرة الكرز: في نيسان تملأ الأمكنة ببهائها، ولونه أبيض مائل إلى الزهري، يجلس اليابانيون تحتها ويحتفلون، ابتهاجًا، ولموسمها القصير نكهة خاصة عند اليابانيين. المقطع الأخير الموضوع بين مزدوجتين، مأخوذ من ثلاث قصائد هايكو لباشو: "مسافر مريض أجتاز في أحلامي حقول الأعشاب الذابلة". "على قارعة الطريق ترك الجلجل نفسه للحصان يرعاه". "البركة القديمة تقفز فيها ضفدعة صوت الماء".
تـلاميـذ هُنـدوري
هُندوري يَتمدّدُ في رحمِ المدينةِ في ورقِ الهدايا يبيعُ التاريخَ يعرضُ الفلسفةَ على رفوفِ السؤالِ والذكرياتُ مباحةٌ للجميعِ نداءاتُ الباعةِ توقظُ فيّ عاطفةً لهذا البلدِ العتيقِ هذه جواهرُ من كلامٍ، وأنهارٌ مُعبأةٌ في القناني بينما رائحةُ البحرِ مُجَفّفةٌ تملأُ الطاولاتِ الحقولُ استفاقتْ بانتظارِ أفواهٍ شاسعةٍ كصحراءَ معابدُ كثيرةٌ لم يفضّ الرهبانُ عذريتَها بعدُ مُكدّسةٌ للبيعِ، إنها السكينةُ للبيوتِ السامورائيّونَ دمى الأطفالِ وسيوفُهُم مَلعبٌ لِلصَدَأ في قَفَصٍ صَغيرٍ يجلسُ الامبراطورُ مع زوجتِهِ أحملُهُ معي للبيتِ وبثمنٍ زهيدٍ تشتري أي أميرٍ تشاءُ وحاشيتَه كذلك حَيَواتٌ من الماضي، محشورةٌ في سلالٍ وشرفاتٍ سُفنٌ نسيها القراصنةُ، وقراصنةٌ بحجم الكفّ ممالكُ وإمبراطورياتٌ، جيوشٌ وغُزَاةٌ عشّاقٌ سقوا غرامَهم بدمِهم مياهٌ ترتوي من نيرانٍ طوطميةٍ أعمدةٌ لأغواءِ الريحِ، حبلى بالإعلاناتِ صورٌ تملأُ الجدرانَ والحوانيتَ وآثارُ حكاياتٍ لم يمحُها المطرُ بعدُ الكلماتُ تغطي الأرصفةَ. في الخاصرةِ تقفُ روما وقد خَسِرَتْ جيوشَها وأضاعتْ أمْجادَها، حتى تَحَصّنتْ بمطبخِها
في أعلى الرأسِ، قنبلةٌ نوويةٌ انزوتْ متوشحةً بالعارِ كتلٌ بشرية هائلةٌ تعبرُها دونَ أن تَشعُرَ بجحيمِها الذي نَفَثتْه قبل 62 عامًا بينما عندَ القدمينِ تَشمخُ عماراتٌ تجاريةٌ تُرْبِكُكَ بهندَسَتِها وزُخرُفِها كأنها ثيرانٌ آشوريةٌ تحرسُ المدينةَ من أعاصيرِ أيلولَ النَّزِقَة.
صباحًا يدخلُ التلاميذُ هُندوري ظهرًا يغازلون ويلهون ويتزوجون عصرًا يحملونَ أطفالَهم للتسَوّقِ أو للتسوّلِ مَسَاءً يمشونَ على عُكازِهِم بأسنانٍ تُخَبِّئُ مُسْتودَعاتٍ للنيكوتين تفضَحُها أبوابُها حينَ يَضحكون وفي الليلِ يَحملونَ بيوتَهم على ظهورِهِم يلتقطونَ ما يجودُ بهِ النسيانُ...........
هُندوري*: سوقٌ يفرشُ أحلامَه وَسطَ هيروشيما قوسُ قُزحٍ يحجبُهُ عن السماء عادةً.. وفي غفلةٍ من المارةِ ينفثُ إلهُ النورِ أوسمتَه على الْمُستطرقين الأمطارُ تسترخي فوقَهُ حدّ النعاسِ الْمُزمنِ كبيرُ آلهةِ هيروشيما اتخذَهُ صباحَهُ السرمديّ قنديلُ محبينَ هو وبابُ مرادٍ للتائهين عَتَباتُ البيوتِ تتبرّك ُبغبارِهِ
كلُّ زاويةٍ في المدينةِ تنسابُ إليهِ من عادتي أن ألوذَ به نهارًا بينما ندى القِبابِ مازالَ عالقًا في جبيني.
هيروشيما تشرين الأول 2007
ــــــــــــــ • سوق هُندوري: هو سوق مُسقف يشبه الأسواق العربية المسقفة، وقد بني على أنقاض الشارع الرئيسي في هيروشيما بعد الحرب العالمية الثانية.
قـلعـة هـيـروشـيما
في قلعةِ هيروشيما محتفيًا بالْهَنَمي أتأمّلُ مقصورةَ الساموراي الأعظم ماسحًا عن طريقِي غُبارَ قرونٍ خلتْ
السامورائيّون يَمْلَئُونَ ردهاتِ القلعةِ وقاعاتِها صليلُ سيوفِهم يخترقُ التاريخَ فينبجسُ في الحيطان صوتاً يهجسُني: يا سيوف اتركيني
أصواتُ انتصاراتِهم تتدلّى في الممراتِ أتصفحُها وأمضي...
دروعُهُم بمقابضِها الفضيةِ مرايا لأمجادٍ ترمّلتْ بكُمّ قميصي غسلتُ نواحَها
ها هي تحت أقدام الصبية، خوذاتُهُم التي كانت مفخرةً للبلاد نَظَراتُهم حكايا مزّقتْ بطونَ الكتبِ حمراءُ أشرعةُ الرواة
على الجدران رماحُهم طالما حملت روؤسًا أينعت أورثتنا ثاراتِها
في القبابِ المزدانةِ بالتضرعات ليس سوى رفاتِ أوهامٍ
خلفَ كلِّ بابٍ همسٌ يَجرُّكَ للماضي فتسمعُ البحرَ تلتهمه حرائق السفن بينما لا صهيلٌ يُربكُ الضفاف
وعلى المقاعدِ الوثيرةِ.. بقيّةٌ من قُبَلٍ ووداعٍ
أجراسُ الذكرياتِ.. وهي تفترشُ حقولَ الأرز فتتساقط من يديك الريح
نسيمُ أشجارِ السَّاكورا يمتدّ مع الأبدِ لتتملّى هيبةَ الساموراي الأعظم
ليست مَصَدًّا للأعداءِ المياهُ المحيطةُ بالقلعةِ.. إنها ممالكُ أسرارٍ كذلك
حَيَواناتٌ للفَتكِ رَصّعَتِ الزوايا بانتظارِ إشارةِ الأمير.. أيتامُه يجرحون الأيام
القلعةُ التي مرت عليها حُروبٌ كثيرةٌ وطاعونٌ أكثرُ حتى إنكَ ترتبكُ أحيانًا حين تتعثرُ بحوافرَ لِخُيولٍ نَسِيَتْها المعاركُ وأنينِ أشباحِ القتلى
على المنحدراتِ .... كم من رميةِ سهمٍ مشيتَ عليها دون أن تدري
وكم استرحتَ بين ظلالِ عناقٍ تكدّسَ عليها الخريفُ
أزحتَ لزوجة الظلام عن الرؤيا وأنت تراقب الساموراي الأعظم يُشعلُ أحلامَه بالنسيان.
هيروشيما
هوامش: الهَنَمي: احتفال شعبي بتفتح زهرة الكرز، حيث يجتمع الناس عوائل وأصدقاء تحت شجرة زهر الكرز لتناول المأكولات والمشروبات بفرح غامر. السَّاكورا: زهرة الكرز باللغة اليابانية.
هـيروشـيما ومُدن أخـرى لمناسبة هيروشيما، ناغاساكي، كيوتو، كوبه ونارا
هي مُدنٌ تَعبرُنا ونعبرُها لتتركَ وشْمَها فينا
مدنٌ نطوفُ بها كالمجاذيبِ نُعَلّقُ ذكرياتِنا فيها.
أهالوا نهاراتِهم على الليلِ
مدنُ التيهِ والدهشةِ يوشي باعتُها وحواتُها بجمالِ المطر
مُدنٌ تغسلُ فضائحَها الخجولةَ بالمحبةِ وتنشرُها فوقَ خدودِ جبالِها
مُدنٌ بزقزقةِ عصافيرِها يستحمّ عُريُها ريحٌ تقتنصُ إغفاءاتِها أسواقٌ تغازلُ أسواقًا تحكي غربةَ الساموراي
وبطولاتٌ عُلّبتْ في المتاحفِ تنحني على أزقّة
مُدنٌ قايضتني بطمأنينةٍ كلما تَحَسَّسْتُها تنفتحُ أمامي حقولُ أسى حقولٌ تغرقُ الأنهار فيها مضرّجةً بالندم
مُدنٌ تشاركني صباحاتِها الأنيقةَ فأستسلمُ لطفولةٍ خبأتُها منذ أن رمى الحكماءُ حكمتهم في دروبِ الخديعةِ
والشعراءُ خذلوا صُلبانَهم وحفروا لأمجادِهم قبورًا أعمقَ من الهاويةِ
مُدنٌ في المساءِ تسكرُ معي (ليتني ملأتُ قلبي بالنسيان وشاطرتُه الوهمَ) مدنٌ وهي تُشيرُ إلى فتاةٍ ثملةٍ ترقصُ جدتُها الناجيةُ الوحيدةُ في الأسرةِ صباحَ السادسِ من آبِ 1945
مُدنٌ قلاعُها مزدانةٌ بأبّهةِ الفرسانِ حاملي رايات البهجة بشموسٍ يهدهدون حشدَ صقورٍ شطبتْ من السماءِ الظلمة وأسكنت الغيومَ في ردهاتِ القصرِ لأن النجومَ أرادت أن ترى صورتها في حيرة الأنهار بين ضفائر أشجارِها وحكمةِ بوذا أمسحُ عن نظرتِهِ موسيقى الفصول وترانيمَ الأزهار وإلى أقصاهُ أنظرُ فيه فاتحًا أبوابَ التأمّلِ في مدى طهرِهِ برازخَ إثر أخرى
مُدنٌ تَلَقّفتني كالمحطّاتِ عليّ أن أترجّلَ في كلّ محطةٍ أغرفُ البحرَ انحناءً لبهاءِ أمكنةٍ يستوقفني أمام مرآبٍ للسيارات، فأهمهمُ: إنها فطنة الإنسانِ مع الحاجةِ إنها فطنةُ الإنسانِ مع الحاجةِ إنها فطنةٌ....................... وبينما أمضي مُتأملاً معابدَ وقصورًا وقلاعًا هَمَسَتْ سيدةٌ بجانبي تسخرُ من ثمانينِها وهي تأفلُ: إنها جميعًا كانت حَطَبًا لحربِ سادرين بحمقِهم ما تراه، تقول لي الثمانينيةُ، نفخنا فيه من روحِنا ما تراه مُدُنـًا تغسلُ زغبَها أنهارٌ من قيعانِها ينحدرُ سيلُ أنينٍ
وخشيةً على الصباح تُخَبّئُهُ في آنيّةِ الألَمْ. هيروشيما آب 2006
رجـل من هـيروشـيما
الذي فقد أباه في السادسِ من آب 1945 وتشوهت أُمُّهُ، الذي حَمَلَ عَوَقَهُ ستينَ عامًا ولا يزال، قَدَّمَ وردةً لقاتليهِ، واحتفى بالحياة.
هيروشيما 2007
قِـــربـة
أحملُ قِربتي وأمضي .. الظمأُ سُرّةُ الوقتِ
الجنودُ على ضفةِ النهر سأستدرجُهم إلى الحانة
19 تشرين الأول 2010 فِيَنْتان - لاوس
حيـــاة
المونغية تئنّ يسيل البياض على السرير
10 كانون الثاني 2011
أضـرحـة تتنـاسـل حـكايا وأيقونات
الرجلُ بجُبتِه الزعفرانيةِ منشغلٌ بتقويمٍ يخلو من الأيامٍ ويفيضُ بالجثامين
تجري رياحٌ تتكئُ على مَطرٍ وسؤالٍ، والكاهنُ يطرحُ عماه للتبرّكِ الطبيعةُ تُبَخّرُ حشدَها طينٌ يمسحُ دمَهُ ويُعيدُ للطعناتِ ذكرى السجنِ والمدافنِ السريةِ
حطبٌ يُنادي: كلُّ عابرٍ يحتمي بي
أرى الكاهنَ يقودُ بصيرتَهُ وهو يأتَزِرُ نذورًا وأمانيَ بينما بوذا يتدلّى من رقبتِهِ ومعصميهِ
كان يعي أن طريقَ الدارما تحملُها ثمانيةٌ
رمى بمعدتِهِ إلى حُقولِ الأرزِ وبَسَطَ كفيهِ فخرّ ميكونُ مسرعًا
الجدرانُ تطلقُ النهرَ للمدينةِ.. يتبعُهُ الصبيةُ أضرحةٌ تتناسلُ حَكايا وأيقوناتٍ وعصا الكاهن تحرس صباحاتِنا
الكاهنُ يتركُ عماهُ على عَتَبَةِ المعبد يُشعلُ بخورَ المحبةِ فتراقصُهُ النرفانا.
مقطـع عـرضي من نهـر ميـكون
بوذا بعينيه الماسيتين لا يكلُّ عن عبورِ النهرِ
أزمانٌ تمرُّ وأساطيرُ تنمو كجراحٍ الأيامِ طَحالبُ تُعَرّشُ مَعَ الأنفاسِ بينما شِباك الصيادينَ تلتقطُ بقايا ثياب......
لَوانغ رابان – لاوس 2010
وطـن جـديد
يُخبرُ أصحابَه عن "وطنِهِ الجديد" عن المدنِ التي استقبلته عن شلالاتٍ بعَددِ أيامِ خدمَتِهِ العسكريةِ عن معابدَ تَنطقُ أيقوناتُها بالبخورِ وأشجارٍ شَيَّعَتْ سبعينَ ملكًا ومازالتْ تَلثَغُ بالربيعِ
عن أنهارٍ تَهطُلُ منها نجومٌ وشموسٌ يُخبرُهم عن غاباتٍ تقودُ الحكايا للبحارةِ وقواربَ تطلُّ على البحرِ كَنسرٍ مُتأهّبٍ لأُنثاهُ عن نسوةٍ يُقَشّرنَ الجمالَ بِلثغتِهنّ وعيدٍ دائمِ الْخُضرَةِ يَنهلُ الأطفالُ منه براءَتَهم يَتَبَختَرُ كلامًا...
ويَجهَشُ بالبكاءِ حينَ تَقبضُ عليهِ وحدتُهُ مُتَلَبّسًا بالحنين.
فِيَنجان - لاوس بداية 2009
مدرسـة تشـاو فوني يـات
بُقعُ الدماءِ جَفتْ منذ سنينٍ ومازال صراخُ الضحايا يملأُ الْحُجُراتِ وعلى جوانبها القيودُ الصدئة، اخضرَّت الحريةُ.
التلاميذُ اقتيدوا بعيدًا عن الدرسِ والمعلمونَ إلى مقبرةٍ جماعيةٍ.
رمادُ الكتبِ يشيرُ لماضٍ ليس بالبعيدِ. الأسِرّةُ اليتيمةُ لا تكفّ عن البوحِ كذلك الحيطانُ والشبابيكُ المُحَجّبَةُ بينما سبوّرةُ الصفّ أسمالُ شَبَكَةٍ مَنسية. بنوم بنه – كمبوديا آذار 2009
نهــر ميــكون
سنواتٌ طويلةٌ مرت ليس سوى مَكبّ نفاياتٍ مرتع للجميعِ، ينـزفون فيه قيأهم يعصرون لُبَّهَ ويَمْلَئُونَ بطونَهم الخاويةَ بعَرقِ جَبينِهِ على شرايينه تستريح النجوم وفي زحامِ أحزانِه تضيع حتى هدأةُ الليلِ كمْ خبأَ أسرارَ هذه المدنِ وَكم رَمّمَ ذكرياتٍ بوذا بجسده الذهبيّ وعينيه الماسيَّتَيْنِ على رماحِ بنيهِ عنوةً اجتازَه مرارًا، والجسرُ حيث دموع النساءِ حفظَ سجلاتِ عابريه، والنصالَ التي أغرقتها النصالُ الرصاصاتُ الْحُمرُ تنامُ على انحناءاتِهِ كذلك المنجنيقاتُ والأقواسُ والخيولُ وصدى فرسانٍ حتى الحروفُ بلّلَها خشيةَ التمزقِ الفوانيسُ الهزيلةُ لا تطفئُ ظمأَهُ للمحبةِ
هو الذي خبأ الريحِ تحتَ سُرّتِه المطاعمَ الخشبيةَ وبيوتَ الصفيحِ تصطادُهُ الشِّباك، وفي طينِهِ تَفَحَّمَت أحلامٌ وعروشٌ هو الذي أحدُ الحفاةِ وبالدبوسِ الوحيدِ المتبقي في أسمالِهِ، ثقبَ بطنَهُ، فتهاوى ميكونُ مُستَسلِمًا لقدرِهِ.
فِيَنجان- لاوس 2009
ميسـوبوتـاميا
هناك.... حيثُ زرع أسلافي الحكمةَ وحصدوا الألمَ بنوا للآلهةِ عروشًا وزَيّنوها بأمانيهِم عمّدوا الماءَ بشهوتِهم والطين جعلوا منه قرطاسًا ومأوى أسلافي وقد اتخذوا من غضبِ النهرِ تقويمًا لأيامِهم ليعلنوا بدء التاريخ.
وَلنغتن – نيوزلندا
هـذِي البــلاد
في الجنوبِ الأخيرِ من الجنوبِ حيثُ البحرُ أفعى نبيلة تحرسُ البلادَ ولا تحرسها من عُزلتها الوثنيةِ وتُطَهّرُ آثامَها من البراءة
هذي البلادُ تقدمُ شلالاتِها قربانًا لتانغاروّا ( ) وتَسكرُ ابتهاجًا بالشروقِ البكرِ
هنا في الجنوبِ الأخيرِ من الجنوب تتباهى العزلةُ بفردانيتِها توزعُ الأشجارَ مناشيرَها على المارة
والمطرُ يهذي طوالَ العام الرياحُ نزقة والطمأنينةُ أيقونتُها المستديمة.
ولنغتن - نيوزلندا
هنـا حَماقاتٌ هنـاك.. هنـاك تبخـتُر هُنـا
أُوتِرِوّا.. أُوتِرِوّا منفايَ الجميلَ(1)
شَوارعُكِ النحيفةُ كخصور النسوةِ مُزدَحِمَةٌ بأشجارٍ تُجيدُ الرقصَ حَدائقُكِ تُعيدُني إلى الجنائنِ المُعَلّقَةِ تَستلقي على ذاكرتي تَتَعرّى بطريقةٍ تُثيرُ اشمئزازَ حبيبتي التي استوطنَها المسيحُ أنهارُكِ لا تشبِهُ الفراتَ أراها تَتَعَرّقُ أمامَ تَبغددِ دجلةَ فيهطل شعراء ونواقيس جبالُكِ تحمِلُني إلى آشورَ والآلهةِ الأربعةِ أحاولُ أن أزيحَ عطبَ التاريخ تُباغِتُني وتَندسُّ في مُخيّلتي كيفَ لم تفتَحي ذراعيكِ ابتهاجًا بِعَرَباتِ أسلافي العظام؟ الذينَ علّموا الغرينَ اللغةَ ولماذا اختبأتِ بعيدًا؟ حين همَّ فتى أُوروكَ أنْ يَسْتَحِمّ َفي شلالاتِ بوين فولس(2) حيثُ لا أفاعيَ تَسْرِقُ مجدَهُ الأبديَّ
عُزلَتُكِ تَصفَعُ جَمالَكِ فينسَلُّ الأسى بينَ الشفاهِ يُلوّحُ للمحيطاتِ أنْ تَتَقَرْفَصَ كثيرًا تَنغاروّا(3).. أُحصي ضَياعي إلى الْمُنتهى بينما تاني ماهوتا(4).. فصولٌ من الشكوى والزقزقةِ أحدثه عن انكيدو فينثرُ الترابَ على جناحيه. غيومُكِ.. تَتَشابَكُ, تَسرِقُ الْمَسَرّاتِ عُنوةً في المقاهي تَحتسي الشايَ أو الجَعَةَ وتنتفضُ غاضبةً للاشيء
الرياحُ تغتصبُ بَردَكِ الخجولَ - تافيري(5).. ثملٌ دائمًا- أستنجدُ بِعِشتارَ، التي تغزلُ دمعَها ضفائرَ ندم
شمسُكِ بشَعرِها السرمديِّ تَقودُ الصباحَ إلى الغوايةِ فتتكئُ الطرقاتُ على المارةِ مُستجديةً هُمومَهم الهضباتُ التي لا تخلعُ قُمصانَها الخضرَ تُثيرُ حَنيني لرمالٍ تتلصّصُ على النهرِ والمَدينةِ معًا سَواحِلُكِ أنهكَها عَويلُ الموجِ بسُلالاتِهِ البدائيةِ وَتسَكّعِ الأُنوثةِ حتى غدتْ مُتخمَةً بالبَحرِ البحرُ بوشاياتِهِ يعزفُ ألحانَ فضائِحِهِ غيرَ مُدركٍ لبَواخِرِ ِالقلقِ في رأسي أمطارُكِ أسئلةُ الربِّ بِلا أجْوبَةٍ. وَكُلّما شارفَ البَرْدُ على الاحتِضارِ نَحتمي بقبُلاتِ حَبيباتِنا حينَ تغفو العقاربُ في الساعاتِ. بلادٌ تَتناسَلُ جَمالاً وَوَحْشَة ً, يُظلّلُها رَنغي نِوي(6).. بطيبتِهِ وأقمارِهِ أحدّثُهُ عن آنو وعرباتِه السماويةِ.. عن زقوراتِه وتراتيلِها في المهود وعن ابنتِه وصرعى أنوثَتِها مُدُنُكِ ملآى بالنساءِ والبوهوتوكاوا(7) سَرقنَ شَبَقي وأورثنَني سريرًا يئنّ
ريحٌ تجرحُ صَمْتَهَا وعلى جَنباتِها تنتفِضُ الشواطئُ فترتبكُ النوارسُ مَذعورة ً إليّ أنا المثقلُ بالتباريحِ بلادي تطرُقُ البابَ كلَّ لَيلَةٍ ........................!!! أنا الهاربُ إلى نَزَقي من نرجِسِيّةِ الحروب ِ الموقنُ أنَّ لا صُبحَ بضَغينَةٍ وأنَّ الذبولَ يَرتَعِشُ أمامَ الأصيلْ. وَلنغتن – نيوزلندا تشرين الثاني 2003
هوامش: (1) مأخوذة بتصرف من الشاعر الأمريكي والت وتيمان. (2) أكبر الشلالات في نيوزلندا. (3) إله البحر والمياه عند الماوريين, سكان نيوزلندا الأقدم. (4) إله الغابات والطيورعند الماوريين...................... (5) إله الرياح عند الماوريين................................. (6) إله السماء والأعالي عند الماوريين..................... (7) شجرة نيوزلندية أصيلة , ضخمة وزهورها حمر, تزهر في شهر كانون الأول وتذوي في كانون الثاني, لهذا تسمّى بشجرة أعياد الميلاد.
آشور: هنا المقصود أقليم آشور، حسب التسمية التاريخية لشمال العراق. الهامش الأكبر: أُوتِرِوّا هو الاسم الماوري لنيوزلندا, ومعناه الغيمة البيضاء الطويلة.
جبــل ترَنـاكي
يتيمًا أقفُ أمامَ البحرِ يرمي بوجهي عويلَهُ وظلامَهُ كل آنٍ حتى تخثّرَ الدمُ على سفوحي والخضرةُ انبثقت بصحبةِ الأزلِ يتيمًا أقفُ أمامَ البحرِ نهاراتٌ تهطلُ وكم من فصولٍ تتنـزّهُ في جسدي على جبيني حقولُ القطنِ تتباهى والطيورُ تلوذُ بي بُعَيْـدَ كلِّ خسارةٍ لها مع الأمواجِ تلتفّ حولَ عُنُقي الغيومُ قلادةً للوقتِ وشاهدةً على معاركَ مهجورةٍ أمطاري خارجةٌ على القانونِ وشلالاتي نزيفٌ يهدرُ على كفيّ تستريحُ الغابات وفي أسفلِ السرةِ ما يُغري الوعولَ بأشياءَ لا يمكنُ البوحُ بها كلّما حاصرتني الرياحُ أستنجدُ بهيبتي فتطلّ شامخةً على الأفقِ الأفقُ ذاتُه يتقرفصُ تحتي.
وَلنَغتن – نيوزلندا شباط 2005
شيءٌ ما عنكِ.. شيءٌ ما عـنِّي
... ويلنغتن محطةُ الريحِ الكبيرة تفتحُ ذراعيها لتعليبِ الهواءِ الْمُبَللِ مخلوطًا باستغاثاتِ ربّاتِ المياهِ المالحةِ كنائسُ تَستديرُ مع الأفقِ صامتةً نواقيسُها هذياناتُ أخرسٍ
فقدتْ جنينَها ويلنغتن ... على ساقيكِ تنبتُ البحارُ مثمرةً بالأمواج ِ الأمواجُ ذاتُها كثيرًا ما تختلسُ القبلاتِ من المارةِ
في سمائكِ الخجولة ِ قوافلُ الغيومِ ترعى مُستفزةً حيث ذئابُ الأيامِ تصبغُ مخالبَها بدمي
محاربٌ أثريّ هو المطرُ خَسِرَ معاركَه جميعًا فاستأسدَ عليكِ
لا أبواقَ.. لا مزاميرَ تعيدُ البهجةَ لروحي ليس سوى الأنوناكي بإفراطٍ تحتسي الجعةَ وتُدخّنُ المَريوانا قلقًا على سُرّتِكِ الملآى بالبوهوتوكاوا
بينما الكيوي عطّلَ جناحيهِ إلى الأبدِ قربانًا لقبائلَ الماوري وعندما يطرقُ البرقُ أبوابَ عُشِّهِ يُمزّقُ أوراقَهُ الثبوتيةَ
... ويلنغتن مفطومةٌ من صياحِ الديكةِ وحصارِ التاريخِ الثلوجُ خارجَ نطاقِ اهتمامِكِ والعواصفُ أنهارٌ موسميةٌ تختتمُ رسائلَها في سبابتِكِ أنا من قادَكِ إلى الدفءِ لكنكِ مثلُ كلِّ المدنِ التي توزّعتني شَيّعتِ أحلامي ونثرتِ أكفانَها في سُبُلي
جبالُكِ القصيرةُ القامةِ لا تملّ من النظرِ إلى خلجانِكِ حيثُ الدلافينُ تعزفُ أغانيها في ثناياكِ
أحيانًا وتحتَ شمسِكِ الوقحة تستعرضُ النسوةُ أفخاذهنّ جذلاتٍ يَزدَردنَ بأنني رَجُلٌ صارَ طُعْمًا سائغًا للنيرانْ
ولنغتن – نيوزلندا آخر 2004
هوامش: ويلنغتن: عاصمة نيوزلندا البوهوتوكاوا: شجرة نيوزلندية الأصل، تزهر زهرات حمر في فترة أعياد الميلاد، فتسمى بشجرة عيد الميلاد أيضاً. الكيوي: طائر نيوزلندا الوطني، وهو طائر ليليّ لا يُحلّق، ويطلق الاسم على النيوزلندي كذلك. الماوري: قبائل الماوْريين وهم سكان نيوزلندا الأقدم.
القـمر الذي لا يُجيـد سـوى الانتظـار
القمر الذي لا يجيدُ سوى الانتظار أمامَ أناملكِ يتسربلُ بأساورَ من لهفةٍ وذهبٍ
يحرثُ انتظاره بالانتظار
ويمنّي لحظاته البدينات جدًّا بالحلوى وراحة البال
يحلمُ أن يصافحَ الصباح وهو يستيقظُ في راحتيكِ.
وَلنِغِتن- نيوزلندا 28 نيسان 2004
مطـر في قبضتـكِ
فوقَ حكمةِ بوذا رأيتُكِ تجلسين وكان شَعرُكِ ينسَدِلُ مع تَراتيلِ الرهبانِ وهَمسُكِ أيقوناتٌ مُحاطةٌ برائحةِ البخورِ
وضعتِ ابتسامَتَكِ في فَم ِالرائي الحكيمِ فصارتْ قِنديلاً يُضيءُ غيابَ الفِراشاتِ أنفاسُكِ التي طالما قادَتني إلى القَصيدةِ رأيتُها مُرهَفَةً وهي تَنـزعُ عنها الموسيقى وَتُوَزّعُ زُهورًا على الْمُصلينَ في شالِكِ الذي غَفَا مُتَبَختِرًا في السيّارةِ تَمَدّدَ البحرُ مُعانقًا سَماواتِ كَتفيكِ.
كنتِ معي تَتَجَوّلينَ على مساحَةِ قَلبٍ وَقَصيدةٍ، أَبِحْتِ لِنفسِكِ ما لم تُبحْهُ اللغةُ للشاعرِ رأيتُكِ، تُقَطّرينَ الفراتَ في مُخَيّلَةِ ميكونَ وتحت ظلالِكِ يتمّددُ الليطانيّ. في فوجي(1)، ومن شُرفةِ الزقورةِ(2) أشرتِ لي بقلبِكِ، فَتَساقطتْ رَغَباتي، والثَكَناتُ هَربتْ من ذاكرتي
صرتُ خفيفًا، أخفَّ من زَقزَقةٍ حَمَلتني شَقائقُ إلى سَواحِلِ عِطرِكِ
وَقَفتُ أمامَكِ، وأنا أنفضُ عني الموجَ، والبَرقَ نَضَوتُ الغاباتِ وحورياتِ البحرِ عن جَسَدي وَقَبَضتُ على العَويلِ، العويلِ الذي جَعَلَ حياتي أغنيتَهُ الْمُفضّلَة
تَلفّتَ قلبي حذرًا، كان مردوخُ(3) راكعًا، لأنَّ الغُوايَةَ خَذَلَتْهُ سامورائيّونَ كُثرٌ كانوا، وَمُتَصَوِّفَةٌ، يَضْرِبونَ على التّذَكُّرِ نِسيانَهم وَيَقبِضونَ الْمَطَرَ، في مَناديلِ دُموعِهِم بَينما في البئرِ عاشِقٌ يَئِنُّ.
فِيَنْجان - لاوس 9 شباط 2009
هوامش: (1) فوجي: جبل فوجي الشهير في اليابان، وهو مقدس عند اليابانيين. (2) زقورة: أور الشهيرة. (3) مردوخ: كبير آلهة العراق القديم.
لا قـارب يجعـل الغرق يتلاشى
في رحلةِ اللاعودةِ من حُبِكِ استوقَفَني بوذا وَسَلّمَني كتابًا، تَتَقَدمَهُ قَناديلُ عظيمةٌ، فَتحْتُهُ، فَوَجَدتُني أفتحُ أبوابًا تلجُ إلى أبوابٍ، وعلى كلِّ واحدةٍ نُقِشَ اسمُكِ، مُرصعًا بابتسامتِكِ. وجدتُ البحرَ يَتَوَسّلُكِ، عندَ بَوابةٍ مُزَيّنَةٍ بكلماتٍ، عرفتُ أنها قصائدُكِ التي تنكرينَها تمامًا. تَساقَطتْ سَهوًا من شَفتيكِ، حينَ أشرتِ للياسمينِ، أنْ يكفَّ عن تَسَلقِ أنفاسِكِ، كان عليّ أن أعبرَ البحرَ دونَ أن يَنتبِهَ لي، فَتوكلتُ على اسمِكِ. وفي بابٍ آخر، ركَعتْ حدائقُ بابلَ تتلو مزاميرَ شعرائها، فعبرتُ المزاميرَ، في كل مزمورٍ أتركُ صوتي، وأقطفُ عِطرًا. ناريةً كنتِ، وكان العاشقونَ مناديلَ ورقيةً. عَددتُ أبوابًا كثيرةً حين أمطرني سربُ فراشاتٍ كان يَحرِسُكِ من جمالِكِ، والطيورُ على مناقيرِها تقفُ، حاولتُ تحاشي النرجس، إذ كان يَحملُ حُزنَهُ في يدٍ وفي الأخرى يُلوّحُ لكِ. الهدهدُ تلا في أُذُني حُلُمًا، عن عَرشٍ نورانيٍّ على الماءِ، أنوارُهُ تُعمي الأبصارَ، لتتفَتّحَ قلوبُ مُريديكِ، الكلُّ مغشيٌّ عليهِ في حَضرتِكِ، وأعمدةُ الضياءِ سَلالِمُ إلى عرشِكِ المجيد. أيقونةٌ كَوكبُها الدريُّ يُضيءُ سبعَ سماواتٍ خَلفَها سبعٌ مُبهراتٌ، يَضطجِعُ فيها بوذا، قادَني رُهبانُه إلى طيفٍ تَنهَمِرُ من أكمامِهِ بَساتينُ نجومٍ، وَمُدُنٌ كثيرةٌ استباحَتني، كلُّ واحدة ٍتَهبُني للأخرى، لأني أسيرُكِ، أحملُ آسَ قلبي، قَطعتُ مَسافاتِ عِشقٍ يُعَبّدُها الارتباكُ، ومَلائكةٌ تَتَمَوْضَعُ في الأخاديدِ، صَلواتُها، تُذَكّرُني بانزلاقِ نَهرٍ على جبينِ الأحلامِ. الأحلامُ رَحِمُ المعنى. الأحلامُ سَحابةٌ أخرى للعبورِ إليكِ. بينما فَيضٌ من القلقِ يُرتّلُ رغبتي. وينـزلقُ سُلالاتِ قَصَبٍ ونُواح ٍ. في رحلةِ التيهِ هذه أيقنتُ أن مصيري مُعلقٌ بين شفتيكِ، لا قاربٌ يجعلُ الغرقَ يَتَوارى وما عليّ سوى أنْ أُبَعثرَني فيكِ لأنجو.
30 تشرين الثاني 2008 فِيَنْجان – لاوس
كش مـلك
حين هَممتُ بعُبور الشمال نحو شمالٍ يجرّ خلفَهُ شمالاً ويعلوه جنوبي الوحيد رَمَقَني بأحلامِهِ رجلٌ يَتَشَبَّثُ بشبابِهِ حدثني عن أطفالٍ ينسبون له يرتدون اسمه ويخلعُ وجوهَهم عن رحلات الأفيون الوعرة وشهداء الطريق
كان يُدَخّن نخب ذكراهم وهي تسيل على شهيقه قرأتُ دموعًا يتستر عليها برجولته
وحينَ انهمر البوحُ جرحتني معارك وخياناتٌ شرطةٌ تتكتمُ بنصف عرقِ جبينِهم وساسةُ بعد الثراء قالوا لهم: كش ملك.
30 كانون الأول 2010 تشنغ راي/ تايلند
المحتوى البراق يصلُ إلى هيروشيما 5 الساموراي 7 الهَنَمي في هيروشيما 9 عن الغريب الذي صار واحداً منهم 13 الامبراطور 17 طلاتْ تُنْ كانْ خام 21 شروقٌ أطول من التاريخ 25 سَبادي 29 أمير الدارما 31 متحف السلام في هيروشيما 33 المستقبل وهو يقفلُ راجعاً 35 بينما يبتسمُ بوذا 37 تقريظ باشو 39 تلاميذ هُندوري 43 قلعة هيروشيما 47 هيروشيما ومدن أخرى 53 رجل من هيروشيما 59 قربة 61 حياة 63 أضرحة تتناسل حكايا وأيقونات 65 مقطع عرضي من نهر ميكون 67 وطن جديد 69 مدرسة تشاو فو يات 71 نهر ميكون 73 ميسوبوتاميا 75 هذي البلاد 77 هنا حماقات هناك .. هناك تبختر هنا 79 جبل تَرَناكي 85 شيءٌ ما عنكِ .. شيءٌ ما عني 87 القمر الذي لا يجيد سوى الانتظار 91 مطر في قبضتكِ 93 لا قارب يجعل الغرق يتلاشى 97 كش ملك 101
#باسم_فرات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سُكّان أصليّون ... سكّان طارئون
-
تلاميذ ُ هُندوري
-
تقريظ باشو
-
العراق .. الجغرافيا المُغَيّبَة 7
-
العراق .. الجغرافيا المُغَيّبَة 6
-
العراق .. الجغرافيا المُغَيّبَة 5
-
العراق .. الجغرافيا المُغَيّبَة 4
-
العراق .. الجغرافيا المُغَيّبَة 3
-
العراق .. الجغرافيا المُغَيّبَة 2
-
العراق .. الجغرافيا المغيبة1
-
باسم فرات: العنف خلق تراجيديا الإنسان العراقي الضعيف لوقوعه
...
-
المستقبلُ وهوَ يقفلُ راجعاً
-
البِراق يصلُ الى هيروشيما
-
أدونيس والسيد الرئيس، إشكالية المثقف والسلطة
-
إلى لغة الضوء..ديوان جديد للشاعر العراقي باسم فرات
-
الاسلام بين الاسطورة والواقع، العهدة العمرية انموذجاً
-
منابع مأساة العراق وإشكالاته....مراجعة نقدية
-
علي الجميل والإكتواء بالجحود العراقي
-
جبل تَرَناكي
-
شئٌ ما عنكِ .. شئٌ ما عني
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|