أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد حماد - الملائكة تبكي في أول الليل يا أبي-














المزيد.....

الملائكة تبكي في أول الليل يا أبي-


وليد حماد

الحوار المتمدن-العدد: 3674 - 2012 / 3 / 21 - 01:55
المحور: الادب والفن
    



"أنا لم أحُب البكاء يوماً ولكني الآن بثُ أعشقهُ"
هكذا قالت الأشجار للعصافير حينما هز الخريفَ أغصانها ليلاً ونامت "

في كلِ مرة كان القمر يفاجئنا بنُوره الاعتيادي ونحنُ نبني من قلوبنا الهرِمة مُدناً وبيوت نرحلُ عنها قسراً في زمنٍ لحظر التجول لنعود لزيارتها بعد زمن ونحنُ غريبين عنها ... كأُمٍ ضيعت طفلها وبعد عشرين ربيعاً عادت لتسأل عنه ..وعندما رأته لم تعرفه أبداً.. كانت عيوننا حين إذ تدقُ أبواب الشمس بعناقٍ ملغم. . بذكرى مازالت عالقة على أكتافنا..توقظنا من ضياعٍ طالت مدته, لم نكن نأبه بالذاكرة, لم نكن نصدق أصلاً أنه توجد ذاكرة أو أننا تركنا ذاكراتنا يوم رحلنا من هناك ,فأي عنوانٍ اليوم سينقدنا من ضياعٍ مُحتم داخل نواة حبرٍ مازالت تشهق والدتِها على حافة نص يلفظُ أخر أنفاسهُ ,سنلملم أشلاء غربتنا في حقيبة ليست للسفر ونعبُر من شغبٍ إلى أخر لكي نعود إلى مدينتنا التي تركنها قسراً منذُ زمن ..لم يكن الألم وحده دافعنا للعودة ..لم تكن الذاكرة أيضاً ..لكنه كان الحنين لروحكِ أيتها الجميلة المعجونة من حبٍ وتعب ,سنربتُ على كتفِ الليل ,سنخلعُ معطفنا القديم وسنشعل عيوننا التي شاخت من المنفي ,سنُحضّر إفطاراً شهي يجمعنا, ونجلس على طاولة طالما اشتاقت لضمنا ودفئ أحضاننا وأحاديثنا الصباحية وضَحكاتنا التي لا تنتهي ,سنضع الأكواب على التوقيت القديم التي عودتِنا عليه,سنولمُ إفطاراً شهي من الفول والحمص الفلسطيني, سنشتم رائحة الخبز المعجون بدموعكِ المتبلة بالحنين, إلى أن تأخذنا الذاكرة بزيارة لقصيدة كتبها درويش يوماً " أحنُ على خبز أمي " سنعدُ شاياً معطر وندعو الجيران لتناوله معنا , وبعد الانتهاء سنغسل أروحنا بقُبلة من جبينكِ أيتها الطاهرة ..كان الحنين أقوى منا جميعاً هذه المرة حينما أخدنا بزيارة للقدس ليُخرجنا من طغيان القهوة التي شربناها هناك سوياً ذات صباح , لم تترك لنا بنادق الجيش مُتسع لكي نتجول بحرية داخل شعابٍ طالما عشقناها وطالما اشتقنا لضمها , لم يُسعفنا الوقت حينما وصلنا ,فسرقتنا رُصاصاتهم الخائنة قبل أن ندوس باحة المسجد ونصلي ونتلو القرآن والإنجيل عند بابها , لم أستطع يوماً أن آخذ حُصتي من أبي , من العتبات التي هجرها أهلي من الأعلام الملوحة على نوافذَ حارتي.. لم استطع يوماً أن آخذ حصتي من الله في لحظة شوقٍ صاعدة إلي السماء ,أنا لم أعترض يوماً على قدري ,على باروده شراها لي أبي سراً في عيد مولدي الأول ..! وحين كبرتُ وكبرت معي الذكرى لم يُمهلني العالم الوقوف قليلاً قُرب ضريح أبي فتناولت عُهدتي ,حينما أضحت كل البلاد و الأوطان عُهدتي.!, أيمكن لصلوات الخُبز المتماهي في الغياب أن تُعيد لي أبي بعدما رحل .؟؟ أيمكن لرائحة الجنون والموت المُعلن على بوابات العدل المشنوق على المآذن أن تُعيد لي بقايا حسابٍ تركتهُ من دموع طفولتي .؟تحول الحُب إلى شبحٍ ليلي يطاردُني كلما حاولتُ أن أستعيد ملامح الذكرى التي ضيعتُها يوم أُخرجتُ قسراً من وطني وأصبحتُ الآن أتيه كأي سائحٍ غريب يحمل من الفضول لمعرفتكِ أكثر ما يحمل من جنسية أجنبية تربِطهُ بأرضه .! فلسطين يوماً ما سيحملُني حنيني الجارف إليكِ على الرغم من الخطورة التي تتربص بروحي أينما وطئت قدامي ,يوماً ما سيغمركِ العابرون بِحُبهم وحنينهم وسيتبادلون الهمس والغيظ عند أول قدمٍ تغادر المكان , وستشتاقين أنتِ لضمُهم جميعاً إلي صدركِ لسببٍ قد يكون هزيل وسخيف بالنسبة لبعضهم ولكنه عظيم جداً بالنسبة لي هو أنكِ أمهم جميعاً والأكثر قدرة على ارتداء جميع ألامهم وأحزانهم في لحظات ,هذا هو السبب الذي يُجبركِ على متابعة مشوار الحنين إلى أولئك العابرين الذين تخلوا عنكِ عندما كُنتِ بأمس الحاجة لكلمة واحدة منهم تُشعركِ بالأمل أو حتى برائحة الحب المعجون بتُرابكِ المغلف بابتهالات الخطايا والدموع ! , سأنسحبُ الآن من شبابيك البيوت، وقصص الحنين الصباحية قبل أن تنهض الملائكة في منتصف الليل وتعاود البكاء إن لم تجدني بقربها! هكذا أنهت حديثها الأشجار بعد أن بُح صوتها وهي تُغني لصغار العصافير لكي تنام ..!!!

وليد حماد

19/3/2012



#وليد_حماد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طفولة قلب...ق قصيرة -
- تحية سماوية ..
- فلسطين -دمعة حُلم - على مشارف السنة الجديدة
- لم يكن حُلماً...!
- أخجلُ من نفسي ...!!
- غزة - غيمة وجع - 2 -
- غزة -غيمة وجع-
- يا خير أمة تخرجُ إلى الناس..
- تحت المطر...
- رجال
- قاوم...
- وطن من ورق..
- العاشقان هو وهو..!
- فوضي الياسمين (2)
- فوضي الياسمين (1)


المزيد.....




- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد حماد - الملائكة تبكي في أول الليل يا أبي-